اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو جعفر
ولهذا السبب أرى أن نقصر (النص المقدس) إسلامياً على القرآن الكريم والأحاديث القدسية.. وإعطاء رتبة المطاع لباقي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق لشرط العرض على القرآن الذي أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم. الشيء الذي يجعل فهم الرسول للقرآن دين.
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل أبو جعفر
أسعد الله أوقاتك بكل خير ،،
دعنى ألقى بعض الضوء على ماهية المقدس وأعود فى وقت لاحق لأناقش معك بعض ما يترتب عليه ،، لاسيما وقد تحاورت كثيراً مع الأخ الرضى على ما أظن فى موضوع الشورى والأمارة المنتخبة ،،
المقدس ،،
يتسع مفهوم المقدس للكثير من المعانى ،
وتتنوع أشكاله ، مداراته ، تجلياته ، حتى يبدو من العسير الإمساك به فى حيزٍ ما ،،
فكل شئ سواء كان إنسان ، حيوان ، جماد ، نبات ، زمان ، مكان ، يمكن أن يغدو مقدساً فى ظل ملابسات واشتراطات معينة ،
ويعود ذلك لأن مفهوم المقدس يدور فى سلسة معقدة من المراجع والإعتقادات والمكونات الفكرية لجماعة ما أو جهة ما ،،
قد يقال أنه ما يقابل الدنيوى أو الطبيعى أو العادى ،
وقد يقال أنه ما يقابل المدنس أو الرجس أو الخبيث ،
غير أن الذى لا شك فيه أنه ارتبط بالدين فى كثير من إمتدادته وحقوله ، بالرغم من إمكانية وجوده خارج هذا الإطار ،،
والمقدس بهذه التبعية للموروث الدينى يوجد فى كافة بقاع الأرض كأنما هو حاجة فطرية للمجتمعات البشرية ، إن لم تجده سعت لخلقه ، لذا فحتى المجتمعات التى صار الدين فيها على هامش الحراك اليومى يمكن أن تلحظ أثره بوضوح فى سير الحياة ودورانها ،،
يقول الفيلسوف الإيطالى أمبيرتو إيكو
(من الصعوبة بمكان فهم ثلاثة أرباع الفن الغربى إن كنت تجهل أحداث العهدين القديم والحديث )
ولعل المفارقة تكمن فى أن علاقة المقدس فى دوران حركة الفكر ـ من حيث هو فكر ـ علاقة عكسية بالرغم من أنه ـ أى المقدس ـ من موحيات الفكر وروافده الثرة ،
فكلما ضاقت المساحة التى يحتلها المقدس ويتمدد فيها ، كلمنا اتسعت دوائر الفكر وأينعت فصوله واخضرت أوراقه وقطفت المجتمعات االبشرية منه ثماراً ناضجاً وتساقط عليها منه رطباً جنيا ،
والمقدس فى تخلّقه وتكوّنه وفق إشتراطاته ينبغى له ألا يشمل إرث وجهد وفكر البشر مهما علا شأنهم وسمت رؤاهم ، ليس لأن هذا الإرث وذلك الجهد تشوبه شائبة أو تعتريه عائبة ، بل لأنه شأن كل ما يتواضع عليه الناس ويرتضونه ، يخضع ويرتبط بدورة الحياة المتجددة ويحتكم لفوران الزمن الذى لا يعرف الثبات وتحكمه طبيعة الملابسات والظروف المتقلبة ،
فالرسول عليه أفضل السلام وأتم التسليم والذى لذاته الكريمة تنحنى أسس التبجيل وتعود مسببات القداسة يضرب المثل للناس من بعده قاطبة فى كيف يخضع الرأى لظرف الزمن وملابساته وما يمليه عليه من تعديل وتبديل وفقاً لمصلحة الجماعة الراجحة ، فيوم بدر ينزل المصطفى لرأى الحباب بن المنذر حين قال له :
( يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ) وينهض الرسول بجيشه الى حيث أشار ،،
والمجتمعات الدينية من أكثر المجتمعات البشرية حنيناً الى ماضيها تستلهم منه العبر وتطلب الحلول ـ وهذا ليس مذموماً على إجماله ـ غير أنها تتعدى فى ذلك حتى تصل مراحل التقديس والخضوع الملهى المغيب لدواعى العقل والبصيرة ويختلط عندها فى كثير من الأحوال المقدس نفسه بما يرتبط به من جهد وإرث بشرى محض ،،
تحياتى