نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-03-2015, 10:59 PM   #[31]
جيجي
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

يبدو اننا موعودون بفتح مبين من السادة الرومان
مرحبا بموكب الجمال
في ساحة العمدة عكود
رافع راية الجمال دوما
حباب قبيلتك ياعمد



جيجي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19-03-2015, 11:45 PM   #[32]
مجدي عبيد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

تحياتي واشواقي لاهل المنتدي اولاد البلد الاصيلين وشكري اجزله لكرم الاضافة



مجدي عبيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-03-2015, 10:19 AM   #[33]
مجدي عبيد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

اجدني اصغر من ان اكتب بسلاسة الرائع عكود في كتاباته (السهل الممتنع) وانا من جانبي ازيد الممتع ولعل مشاركتي برائعة الشاعر الفذ محمد المكي ابراهيم تسمو لقامة الادب الرفيع في المنتدي حينما قال واصفا حال شاب ابتعثه اهله للدراسة في اوروبا ولم يوفق وحضر راداً علي تساؤلات اهله بهذه الشرف الجديده
الشُرفْ الجَدِيدة
محمد المكي أبراهيم

سأعود لا إبلاً وسقتُ ولا بكفىَّ الحصيد روائعا

مدُّوا بساط الحُبِّ واغتفروا الذنوب ،

وباركوا هذى الشهور الضائعة

ما زال سقف أبى يظلُّ ، ولم تزل أحضان أمى

رحبة المثوى مطيَّبة الجناب

"كانت ليالينا بلون الثلج ، كنا نرقص الشاشا

ويفضحنا النهار

خرست تعاويذ الجدود ، تساقطت شُعل الحنين

كسا ذوائبها غبار

فى ظلمة التابو تسلقنا نحاس البوق

وانفتحت مسالكنا إلى رحم الحياة وطِّيبات عطائِها

أُنثى من اللّحم الصْقيل توهجت خِصباً

وضجَّ النسلُ في أعضائها

ومواسماً طفح النبيذ ... مواسماً دفء الربيع سرى ....

تذوقنا حلاوة أن نعيش الرعب والحُمَّى ،

ونصمد للجليد

***

وا ذُلَّ أيامى إذا دمعت عيون الشيخ يوماً ، أو تساءلت طفلتى :
أين القصور ؟

او زخرفت أمى حماقات السنين الضائعة .

يا عِفَّة الكذب الرؤوم تنزَّلى برداً عليه وطيِّبيه ... وفتَّقى لخطاه صحراء النزوح مشارعا

لله ما أحلى تنفسه هواء البيت ، ما أحلى تسلطه

وسُهدَ كتابه

ويحاً لرمحته وطيش شبابه

أسفاً على العام الخصيب قضاه فى شُعب الصقيع.

- يا أمُّ مفترق الدروب جلال أن نحيا ونعتنق الوجود

كنا هناك تطلعاً يدمى وتضحية تجود

كنا نبارك بأسمكم شمس النهار ونستحى

ألاَّ ننشِّر وجهكم فيها ، ونمسح عنه أدمعنا الغزار .

كم ذا تجرعنا نبيذ الشمس باسمكمو وتوهنا الدوار

كم ذا تسمَّعنا مساجدكم تنوح ، بيوتكم تهوي

وطوَّحنا عويل النخل فى ريح الجنوب

الله يشهد اننا كنا هناك الفطر والعيد الكبير

وفى مآتمكم توِّجعنا
شتمنا الأيدى التى

تقتال استشرافكم قمم الحياة

***

ذهبت بمجانية الحب الذليل محبتي لكمو وعدنا خالصين

فى وحشة المنفى تحسستُ الثياب

و نُحتُ مشتاقاً إلى أصواتكم وبكيت

واستغفرت حبك

يا أمان اليوم أقببض كل ذرات الحنان بلحظةٍ مرَّت

وفى هذا الشروق

وكلُّ ما تنفكُّ عنه شرانق الزمن الوهوب

هذى اعتذاراتى ، ودفعات النزوع وكل ما خطَّته

أيامى الصغيرة فى الدروب .

يسخو الفؤاد ويغتنى فيضاً من البهج المريح

بساعةٍ تحتاطنى فيها سواعدكم وأمدد نحوكم كفِّى عريانين إلا من معزَّتكم وحب عيونكم

يدشِّن الشُّرف الجديدة فى فؤاد فتاكمو

عَبَرَ البحار ، وجاوز الصحراء وانبسطت له قمم الجبال

أتاكمو

كرماً جليلاً قدِّموه وسوف تغمركم عطايا الحب

والفيض الجديد

***

لا تطلبوا يوماً أساي على الغنيمة ما وردتُ حياضها

ما فاتنى زمنى وما زالت عيون الشيخ ترقب ما أخط

تبارك الحُمَّى وفورة نارها

فلترفعوا هذي الرؤوس وباركوا فرح الحياة وعارها

قلبى لكم وعليكمو

وسواعدى ضد الشروط ، وضد إحناء الجباه الفارعه

وتذكروا أنى أعود أمدُّ ساحات الهروب شوارعا

لا تخجلوا مات التوحدُّ وانتهى دهر العقوق

وهالنا الدنيا الرحيبة والخلود........



مجدي عبيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-03-2015, 11:11 AM   #[34]
ناصر يوسف
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية ناصر يوسف
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجدي عبيد مشاهدة المشاركة
تحياتي واشواقي لاهل المنتدي اولاد البلد الاصيلين وشكري اجزله لكرم الاضافة
د. مجدي مرحبتين حبابك في بيتك سودانيات



التوقيع:
ما بال أمتنا العبوس
قد ضل راعيها الجَلَوس .. الجُلوس
زي الأم ما ظلت تعوس
يدها تفتش عن ملاليم الفلوس
والمال يمشيها الهويني
بين جلباب المجوس من التيوس النجوس
ناصر يوسف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-03-2015, 07:38 PM   #[35]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جيجي مشاهدة المشاركة
يبدو اننا موعودون بفتح مبين من السادة الرومان
مرحبا بموكب الجمال
في ساحة العمدة عكود
رافع راية الجمال دوما
حباب قبيلتك ياعمد
مساك الله بالخير يا ناثرة العطر والعنبر،
قبيلتي تستاهل ترحيبك،
فهم يشبهوك ويشبهونا.

تسلمي.

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناصر يوسف مشاهدة المشاركة
د. مجدي مرحبتين حبابك في بيتك سودانيات
انتبهوا يا رومان لهذا الإنسان ناصر يوسف،
يملاكم ظرف ومحبة وتواصل لامن تدفق مواعينكم.

شكراً ناصر.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-03-2015, 07:43 PM   #[36]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجدي عبيد مشاهدة المشاركة
تحياتي واشواقي لاهل المنتدي اولاد البلد الاصيلين وشكري اجزله لكرم الاضافة
العزيز الفريب إلى القلب مجدي،

شكراً ياخي على تلبية الدعوة والإنضمام لعالم سودانيات،
لا شك أنك إضافة مهمة فأنت رجل يعرف أصول التواصل والحديث.

شكراً على رائعة الشاعر الضخم محمد المكي إبراهيم،
فهي تحكي بعض حالنا.

تحياتي.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-03-2015, 06:31 PM   #[37]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

نرحب أيضاً بالأخوان هشام محمد علي وهشام البدوي ..

ألف مرحب يا أحباب.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-03-2015, 11:06 AM   #[38]
Abdullahi Gaafar
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

العمدة عكود

مرحب بي فرسانك من الرومان وبالنأكيد سيمثلون اضافة ادبية وانسانية لسودانيات

لكن يا خوي

قتّ شكراً كشْكَرْ مشيت"


دي جبتها من وين

حسب علمي الزول اب نفسا صغيرة دا بيت للصباح (طبعا في الديوان) دا حسب شهادة الذين لا تقبل شهادتهم

تحياتي لك وللفرسان القادمين

عبد الله جعفر



Abdullahi Gaafar غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-03-2015, 11:34 AM   #[39]
عبدالحكيم
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Abdullahi Gaafar مشاهدة المشاركة
العمدة عكود

مرحب بي فرسانك من الرومان وبالنأكيد سيمثلون اضافة ادبية وانسانية لسودانيات

لكن يا خوي

قتّ شكراً كشْكَرْ مشيت"


دي جبتها من وين

حسب علمي الزول اب نفسا صغيرة دا بيت للصباح (طبعا في الديوان) دا حسب شهادة الذين لا تقبل شهادتهم

تحياتي لك وللفرسان القادمين

عبد الله جعفر
بدءا مرحبا بمن سيغلبون في بضع سنين .. الرومان .. وهذه للعمدة عكود .

ومن بعد ما حمرته وكبرته .. ذكرتني دي جبتها من وين بـ
كانكين دي جبتها من وين ؟




يا عبدالله جعفر لك تحاياي ...



عبدالحكيم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-03-2015, 12:37 PM   #[40]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Abdullahi Gaafar مشاهدة المشاركة
العمدة عكود

مرحب بي فرسانك من الرومان وبالنأكيد سيمثلون اضافة ادبية وانسانية لسودانيات

لكن يا خوي

قتّ شكراً كشْكَرْ مشيت"


دي جبتها من وين

حسب علمي الزول اب نفسا صغيرة دا بيت للصباح (طبعا في الديوان) دا حسب شهادة الذين لا تقبل شهادتهم

تحياتي لك وللفرسان القادمين

عبد الله جعفر
سلام يا عبد الله وحمد الله على السلامة،

زي ما قلت، الزول الطِفِس ده بيكون بيّت وقيّل كمان
بس أظنو وثّق توثيق مضلّل.

تسلم على الترحيب بأحبابنا الرومان.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-03-2015, 12:39 PM   #[41]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالحكيم مشاهدة المشاركة
بدءا مرحبا بمن سيغلبون في بضع سنين .. الرومان .. وهذه للعمدة عكود .

ومن بعد ما حمرته وكبرته .. ذكرتني دي جبتها من وين بـ
كانكين دي جبتها من وين ؟




يا عبدالله جعفر لك تحاياي ...
سلام يا عبد الحكيم ولعلك طيب.

بس يا خوي البيغلبون في بضع سنين هم الرومان ولّ الروم؟
الحكاية بتفرق على ما أظن.

تشكر ياخي على الترحيب بالرومان.

تسلم.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-04-2015, 11:00 AM   #[42]
مجدي عبيد
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي ماذا قال الدكتور عن البروفسور

د محمد عبدالله الريح
لكل محبي أبو داوود
كيف الحياة غير ليمك

عندما يتهاوى جدار الصمتْ
وتَخْرجْ الكلمات
وتصيرُ أشعاراً ،
تهبط على أوتار
يعزفها برعى محمد دفع الله
عندما تصير الأشعار ألحاناً
تجرى لمستقرِّ لها
عند حنجرةِ أبو داؤود
يمتلئُ الكونُ غناءً
وتخضرُّ الصحارى اليابساتْ
وتهبط فى روابينا الأفراحْ
ويتمدَّدُ الوقتُ فى شراييننا
عندها ندركُ
أن أبو داؤود يغنِّى .


غير ليمك ْ
كيف الحياةْ ..

ذات يومٍ سرحتُ بعيداً .. وأنا أمتطى صهوة نغماتٍ خالداتٍ كان يردِّدُها أبو داؤود :
يا أنَّة المجروُح
يا الروحْ حياتَك روحْ
الحبْ فيكْ ياجميلْ
معنىَ الجمال مَشَرُوحْ
بنهاية كلمة " مشروح:" ينطلق فعلٌ ما .. شرارةٌ ما .. تغمر الإحساس تتطلب رد فعلٍ من نوعٍ ما .. شئ فى تكوينك الوجدانى يتفاعل مع عشرات المؤثرات الموسيقية والصوتية وينتجُ عن هذا طربٌ هائل .. لا يمكن قياسه ..
بمقدار ما للحب لهيب فى الجوف / زى الزناد مقدوح/ مِنُّو الجبابرة تلين ../ كل شئ يلين فى تلك الحظة .. يترك الجماد هيئته ويتحوَّل الى سائل .. يرتدى السائل غلالة شفافةً فيتحول الى بخار .. نستنشقه داخل رئاتنا وخلايانا .. وهكذا يتحوَّل الطربُ الخارجىُّ الى طرب داخلى ..
سالتُ صديقي ونحن نستمع الى اغانى مسجلة لأبوداؤود:
هل تعتقد أنه سياْتى فنان مثل أبوداؤود ؟
• رد :
• ربما فى التطريب .. شئ يقارب ولكن فى قوة الصوت والأداء لا اعتقد .. أبو داؤود ظاهرة طبيعية لا تتكرر ، وأذكر ايضاً أنه قال لى :_
• أبوداؤود مجموعة مؤثرات كثيرة .. بسطة فى الجسم ، حضور دائم ، بديهة حاضرة ، إنشاد ، غناء ، مديح ، ترنيم ، دندنة، عبور غير محدود بزمان أو مكان نحو الاخرين ..إبن مليون نكتة حفرت مفارقاتها فى ذاكرة الشعب السوداني .. أبو داؤود كبريته تحفظ الإيقاع ، تكرار كل هذا مرة أخرى مستحيل .. ربما يكون فى هذا الفنان شئ من أبو داؤود .. وفى ذلك أيضاً ، فهو إذن مفرَّق على عدد كبير من الفنانين والمبدعين .. أما لماذا ساْلته ذلك السؤال .. فلأننى طيلة هذه السنوات وهذا العمر وأنا منشغل بلغز صوت أبو داؤود .. وبالنسبة لى تماماً كما ذكرت .. فهو ظاهرة طبيعية .. يأتى الخريف ..يزحف الشتاء .. يطل الصيف .. يأتى صوت أبو داؤود كإحدى نعم الخالق جل شأنه التى أنعم بها على عبد من عباده .
فى المرحلة المتوسطة وأنا طالب فى بداية الخمسينيات بمدرسة الأبيض الوسطى كنت أنتمي للفريق الذى يعد أبو داؤود فنانه المفضل .. وكنا نقدم أغانيه فى الاحتفالات التى كانت تقيمها المدرسة بمناسبة يوم الآباء وخاصة أغنية ""فينوس" لاسيما وإن شاعرها المبدع عوض حسن أحمد كان مدرساً بالمدرسة الصناعية الى جوار مدرستنا .
الذين يستمعون لنا كانوا يغفرون لنا طراوة أصواتنا ويعجبون بجراءتنا فى تقديم أغانٍ لفنان مثل أبو داؤود . فى تلك الايام كانت الاذاعة تقدم برنامج " ما يطلبه المستمعون " وكانت أغنية الفنان أحمد المصطفى "اهواك" تحتل المرتبة الاولى كل يوم جمعة وتشاركها أغنية الفنان الكاشف " الحبيب وين " وأغنية الفنان عثمان حسين "الوكر المهجور " وأغنية أبو داؤود " هل أنت معى " وهكذا تشكل وجداننا الفني من ذلك النسيج الرائع من الإبداع الغنائي .
أما أنا فلأننى انفتحت على الطبيعة منذ وقت مبكر كانت جملة الأصوات التى التقطتها من تلك البيئة تختلط مع غناء أبو داؤود وتمتزج وتستقر فى ذاكرتى كطبقة شعورية لها رنين مستمر تصور يا صاحبى انه كانت لنا شجرة جوافة وشجرة حناء وشجرة ليمون وكانت تنشر رائحة وعبقاً مميزاً فى زمن الخريف .. وحمل ذلك العبق معه الى تلافيف الذاكرة صوت الفنان أبو داؤود وهو يغنى رائعة شاعر مدينة الابيض محمد على عبدالله الامى (أحلام الحب) فصرت عندما أشم تلك الرائحة منبعثة من أى مكان يأتينى صوت أبو داؤود .
زرعوك فى قلبى يامن كسانى شجون
ورووك من دمى يا اللادن العرجون .
هذه الاغنية أستدعيها من ذاكرتى عن طريق حاسة الشم – يا سبحان الله ، لقد ظل أثر الفنان أبو داؤود فى وجدانى باقياً يزداد رسوخاً مع مر الايام ولهذا ظللت منشغلاً به .. ولو جاء أبو داؤود فى العصر العباسى ، عصر إزدهار الفنون العربية والأدب والإبداع الاصيل لتحققت له الريادة والسيادة على جميع مغنيى ذلك العصر .. ولصيغت أوزان الانغام العشر كما صنفها إسحاق الموصلى على حنجرته التى يملك زمامها والتى يفعل بها ما يشاء وما الغناء إلا حنجرة ؟ يقول الفارابى فى مؤلفه العمدة " الموسيقى الكبير " تحقيق غطاس عبد الملك: 964 ص:79- 80:
" فأما االعيدان والطنابير والمعازف والرباب والمزامير وأصنافها فإنها تزيد .. غير أن هذه أيضاً تنقص عن نغم الحلوق ، وليس ها هنا ما هو أكمل من الحلوق ، فإنها تجمع جل فصول الأصوات .. والذى يحاكى الحلوق من الآلات ويساوقها أكثر من غيرها هو الرباب ".
ولهذا كان أبو داؤود يغنى باقل شئ يمكن أن يخطر على بال "بكبريته" يحفظ بها زمنه وإيقاعه أعطِ مصنعاً من الكبريت لأحد فنانى هذه الأيام ليدندن به ، هل يستطيع ؟
لقد وضع العرب الأقدمون وملوك الطرب قاعدة لتلك النغمات العشر التى تضم جميع أسرار الصنعة فقال أبو الفرج الأصفهانى فى كتابه " الأغانى " ص: 373-374: "
من الأصوات التى تجمع النغمات العشر :
توهمَّت بالخيفِ رسماً محيلا
لعزةَ تعرف منه الطلولا
تبدل بالحىِّ صوت الصدى
ونوح الحمامةِ تدعو هديلاً
الشعرِ لكُثَيَّرِ عَزةٍ والغناء لعبيد بن عبدالله بن طاهر ونسبه الى جاريته ، فذكر أن الصنعة لبعض من كثرت دربته بالغناء وعظم علمه حتى جمع النغمات العشر فى هذا الصوت ".
إلا تعلم يا صاحبى إن أبو داؤود قد جمع مثلها وزاد عليه بترجيعه ، وتنغيمه وترعيده وتضعيفه فى :
عربدتْ بى هاجساتُ الشوقِ إذ طال النوَّى
وتوالتْ ذكرياتى عطرات بالهوى
كان لى فى عالم الماضى غرامٌ وانطوى
أريت كيف ينتقل أبو داؤود بذلك النغم فى درجاته المتعددة وينتهى عند كلمة و"انطوى "؟ يقول إبن سينا فى كتابه "الشفاء":
"وافضل الإنتقال من أواسط النغم ، وأفضل الإقامة التضعيف وهو أن تكون إحدى النغمتين على النغمة والأخرى تكون على ضعفها أو نصفها .. ومن الزيادات الفاضلة الترعيدات والتمزيجات والتركيبات والتضعيفات ".
هل لاحظت كيف يعطى أبو داؤود كل تلك الألوان لذلك اللحن الذى وضعه الفنان الساحر برعى محمد دفع الله لأغنية الشاعر المصري محمد على أحمد "هل أنت معى" ونفس الشئ يتحرك به أبو داؤود فى مساحة خرافية من التلوين فى قصيدة عبد المنعم عبد الحى:
يا نديماً عبَّ من كأْس الصَّبا
ومضَى يمشى الهُوَيْنا طرباً
ألا تلمح ذلك الشجن الذى يتحرك داخل حباله الصوتية والاهتزازات التى يحدثها بومضات متتابعة من اللسان صعوداً ونزولاً فى التجويف الفمي فتحدث ذلك التموج فى صوته الذى يشابه إهتزاز عمامة تنشف فى الهواء :

قال ود الرضى يصف جملاً :
ينصر وينطلق زَىَّ المُصَابْ بى حُمىَّ
ويكفتْ فى الأَرِض ْكَفْتَ الصَّقُرْ للرَّمةْ
يتخفس برا الدراق سريع بى همّة
ايديهُ التقُولْ غَسَّال بنفَّضْ عِمةْ
ذلك القفص الصدرى الضخم والذى يحبس فى داخله كمية من الهواء يتحكم فى تصريفها لتدق على حباله الصوتية محدثة تلك الاهتزازات المميزة لصوت أبو داؤود الأمر الذى يمكنه من الانتقال من طبقة نغمية أو "أكتاف" الى طبقة أعلى منها أو أخفض منها .. بينما يبقى تركيب الطبقة وأنغامها ومسافاتها ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، وهو ذات المذهب الذى وضعه إسحاق الموصلى "التحرك الفنى السليم بين المقامات " والذى يصفه إبن المنجم في رسالته عن الموسيقى ص : 834 بالخروج من المجرى الى المجرى والانتقال فيه والدخول فيه من المواضع الممكنة التى يحسن ذلك فيها حتى لا ينكره السمع.
ولو اْن اْبو دؤود ظهر فى العصر العباسي لوجد فيه اصحاب صناعة الموسيقى والنغم ضالتهم إذ أن صوته يتجاوز حدودالطبقة او الاكتاف او الديوان الواحد .
ففى كتاب الاْغانى "الجزء العاشر ص 100_101 "ذكر أبو الفرج الاْصفهانى قائلا "اخبرنى يحيى بن المنجم قال:ذكر لى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عن اسحاق بن عمر بن يزيع قال :كنت اْضرب على إبراهيم بن المهدى صوتاً ذكره فغناه على اْربع طبقات ,على الطبقه التى كان العود عليها, وعلى ضعفها، وعلى إسجاحها وعلى إسجاح الاسجاح . والإسجاح هو الغناء في النغمات قليلة التردد أي الغليظة.
قال أبو أحمد قال عبيد الله : وهذا شئ ماحُكِىَ لنا عن أحد غير إبراهيم ، وقد تعاطاه بعض الحذاق بهذا الشأن ، فوجده صعباً متعذراًلا يبلغ إلا بصوت قوى مائل إلى الرقة ولايكاد ما اتسع مخرجه يبلغ ذلك، فإذا رق حتى يبلغ الإضعاف لم يقدر على الإسجاح فضلاً عن اسجاح الإسجاح فإذا غلظ حتى يتمكن من هذين لم يقدر على الضعف"

تأمل بربك يا صاحبى أبو داؤود وهو يغنى رائعة الشاعر عبد المنعم عبد الحى :
لوموه اللاهى
فى الغرام باللهِ
قولوا ليهو الحبْ
شَئ طبيعى إلاهى
هذه المقاطع الصغيرة ترى كيف يصعد بها أبوداؤود ويهبط بها فى ميزان الأنغام؟ ولو تأملت المقطع "فى الغرام بالله " أو المقاطع الأخرى مثل :
الغرام مـا بخير
بين صـغير وكبير
لوجدت أنه يضع لكلمة "كبير " ثلاثة مستويات نغمية.. ثم يبدأ فى الارتفاع..
من زمان الحب
أمروُ فينا يحير
يا جميل يا نضيرْ
خلّى هجرك غير
بكرة تلقى الحب
عمرو فينا قصير
وكلمة "قصير " تنزل فى مستويين نغميين منهية بذلك القفلة التى يحط عليها صوت أبو داؤود أثناء المسار النغمى .
لو سمع هذه إبراهيم بن المهدى لتتلمذ عليها بقية عمره ولا أجد وصفاً لهذه أبلغ من وصف أبو الفرج الأصفهانى فى تحليل غناء إسحاق بن إبراهيم الموصلى حيث يقول :
" وكان حسن الطبع فى صياحه ، حسن التلطف ، فى تنزيله من الصياح الى الإسجاح على ترتيب بنغم ٍ يشاكله، حتى تعتدل وتتزن أعجاز الشعر فى القسمة بصدوره ، وكذلك أصواته كلها ، وأكثرها يبتدئ الصوت فيصيح فيه وذلك مذهبه فى جل غنائه ، حتى كان كثير من المغنين يلقبونه بالملسوع لأنه يبدأ بالصياح فى أحسن نغمة فتح بها أحد فاه ، ثم يرد نغمته فيرجحها ترجيحاً وينزلها تنزيلاً حتى يحطها من تلك الشدة الى ما يوازيها من اللين ثم يعود فيفعل مثل ذلك ، فيخرج من شدة الى لين ومن لين الى شدة وهذا أشد ما ياتى فى الغناء وأعز ما يعرف من الصنعة " –" الأغانى الجزء الخامس ص376".
فكيف تجد أبوداؤود وهو يغنى للشاعر الفذ عبيد عبد الرحمن :
جَاهلْ وديعْ مَغروُرْ
فى أحلام صـباه ْ
نايم خَلى ومسـرورْ
ما عِرف الهوىْ
فى سُور وداخل سُور
فى روضة زهُـورْ
غناء وقصور فى قصُورْ
آية الجمـال مبصورْ
أخلاق الرضيعْ فى هيَبْة المنصور
ألم تجد من الغناء بديعه وأجوده فى كل هذا؟
الزمان : مايو 1971م.
المكان : الكويت ،
المناسبة : إسبوع السودان فى الكويت..
صعد أبو داؤود على المسرح أكبر من الحقيقة , مهيباً شامخاً يحمل رسالة السودان الفنية فى ذلك الاسبوع وهو يبدأ الغناء ويفرض سيطرة كاملة على وجدان الحضور برائعة شاعر الاجيال حسين بازرعة :
قل لي بربِّك كيف تنسَى الموعدا
والليلُ احلاٌم وشوقٌ غردا
والجدولُ الهيمانُ حولنا عَرْبدا
كانتْ ذراعاكَ لرأْسى مَرْقَدَا
عَجَباً.. أََتنساها وتَنْسَى المشهدَا ؟
ويقفز الشيخ عبد الرحمن العتيقى وزير المالية والنفط الكويتى فى ذلك الوقت ويلقى بغترته وعقاله على أبو داؤود ويخلع ساعته الذهبية ويلبسها له ثم يقدم له "كبريتته".
وقتها سرت فينا نحن السودانيين قشعريرة جعلت شعرة جلدنا "تكلب " وقد ظلت "مكلبة" الى يومنا هذا عندما يغنى أبو داؤود . هذا فى زمان غير زمان المأمون أو الأمين أو ابراهيم بن المهدي بل فى زمن يمكن أن يوصف بأنه زمن أبوداؤود. أليس معنا الحق أن نطالب بأمارته للغناء فى زمن الخليفة هارون الرشيد وأهل صناعة الغناء فى عصر الموصليين بأثر رجعى ؟.
أليس معنا الحق أن ننبه أبا الفرج الأصفهانى أن يفرد فصلاً كاملاً فى كتابه " الأغانى" لأبوداؤود بشئ لم يألفه المجتمع الأموى أو المجتمع العباسى وهو يترنم بإنشاد ومديح ومواجد القوم أهل الصلاح:
بأسمائك الحسنى دعوناك سيِّدى
تقبَّلْ دُعانا ربنا وأستجبْ لنا
بأسرارها عَمِّر فوادى وظاهرى
وحقق بها روُحى لأظفر بالمنى
ونور بها سَمْعى وشمِّى وناظرى
وقوِّ بها ذوقى ولمسى وعقلنا
ويسِّر بها أمرى وقوِّ عزائمى
وزَكِّ بها نفسى وفَرِّجْ كروبنا
ووسِّع بْها رزقى وعلمى وهمتى
وحسن بها خَلْقى وخُلُقى مع الهنا

ولكن ما حدث لنا يا صاحبى امر عجيب اذا حكيته لك ستظن أن مساً من الجن اصابنى , او أن حمى الملاريا قد صعدت إلى دماغى ولكن شيئاً من هذا أو ذاك لم يحدث ولكن الذى حدث هو رحلة فى أغوار التاريخ وأنا بصحبة أبو داؤود وبرعى محمد دفع الله .
وصلنا بغداد لثلاث بقين من شهر المحرم عام 227هـ الموافق 842م فى خلافة الخليفة العباسى الواثق بن المعتصم بن الرشيد واستقبلنا عالم علماء الموسيقى إسحاق بن إبراهيم الموصلى وجماعته .. فاستضافنا فى داره يومين ريثما يرتب لقاءنا بالخليفة الواثق فى قصره فى السامرا والتى كان يطلق عليها "سُرَّ من رأى " وقد بناها الخليفة المعتصم على بعد 50 ميلاً من بغداد شرقى نهر دجلة . وكان وصول ركبنا فى السامرا فى الثالث من صفر ..
اجتزنا شوارعها وقبابها وقصورها حتى وقفنا أمام بوابة قصر الخليفة حيث أدخلنا مجلساً مفروشاً بالطنافس والرياش وقد أتو بالمجمر والمباخر فبخروا وطيبوا وقيل لنا أنزعوا أخفافكم وقلنسواتكم ثم أصيبوا شيئاً من الطعام ريثما يؤذن لكم بالدخول على الخليفة الواثق فى مجلسه .
وكل هذا الوقت واسحاق الموصلى وجماعته يحتفون بنا ويطيبون خاطرنا.
مجلس الخليفة تلك الليلة كان يعج بأهل الشعر والعلم والأدب والموسيقى منهم فيلسوف العرب الكندى مخلص الموسيقى العربية من الآثار اليونانية والهندية وواضع قوانين العزف على العود . ومنهم الطبيب حنين بن اسحاق واليعقوبى والبلاذرى وأبو حنيفة الدينورى وهؤلاء من المؤرخين وقد ضم أيضاً المغني مخارق بن يحيى وهو من موالي الرشيد وتعلم الغناء على إبراهيم الموصلي وأحمد بن يحيى بن مرزوق المكي وكان من الضراب الحاذقين المشهود لهم بحسن الصنعة ومن أقرب المقربين إلى إسحاق الموصلي وفليح بن العوراء وكان من أهل مكة وجاء إلى بغداد ليختار مع إسحاق الموصلى وإبن جامع المائة صوت للخليفة هارون الرشيد ومن المغنيات كانت هناك عريب وهى جارية من جوارى المامون وغنت من شعرها فى تلك الليلة :
وأنتم اناس فيكُم الغدر شيمةً
لكم أوجهٌ شتى وألسنةٌ عشرُ
عجبتُ لقلبى كيف يصبو إليكم
على عظم ما يلقى وليس له صَبْرُ
فسلبت العقول وحركت الأشجان وكانت هناك شارية التى تعلمت الغناء من إبراهيم بن المهدى ثم صارت إلى المعتصم وقد تغنت بصوت حسن وأداء جميل وشاركتها فى الغناء قلم الصالحية التى أخذت الغناء عن إبراهيم الموصلى فتغنت من الثقيل الاول :
فى إنقباضٍ وحشمةٍ فإذا
صادفتُ أهل الوفاء والكرمِ
أرسلتُ نفسى على سجيتها
وقلتُ ما قلت غير محتشمِ
تحدث إسحاق الموصلى مع الخليفة ثم أذن لى بالكلام فوقفت وقلت :
- أيّد الله مولاى وأعزه نحن قوم من أهل السودان قدمنا إلى حاضرة ملككم بعد أن وصلتنا أخباركم وسبقك إلينا صيتكم .
فيقول الخليفة :
- وماذا تقول أخبارنا لديكم ؟
أجبت :
- تقول يا مولاى .. إنك قد جمعت بين الملك والأدب والشعر وطيب الغناء .. فأما الملك فإن زان غيرك فإنك قد زنته , وإن شرف غيرك فإنك قد شرفته , وأما الدب والشعر والغناء فهذا ميدانك الذى لا يجاريك فيه أحد إلا كبا كبوة لا قيام له بعدها .. تقدمت الذين قبلك وأتعبت الذين بعدك..
وتهلل وجه الخليفة الواثق فقال :
• احسنت .. ألكم حاجة نقضيها لكم ؟
قلت :
• أحسن الله أمر مولاى .. إن مثولنا بين يديكم أعظم ما توجبه النعمة ويفرضه شرح الحال من المقال .. فهذا أبو داؤود عبد العزيز بن محمد سيد أهل الطرب والصنعة فى ديارنا له من الترجيع والهديل والترعيد وقوة الصوت ورقته وعزوبته الكثير .. وهذا شيخ العازفين وأضربهم بالعود .. أتقن فنه والعزف عليه من الثقيل وخفيفه ومن الرمل والهزج ومن غليظه وعريضه إلى أشده حدة وضيقاً برعى بن محمد بن دفع الله . ونحن نعلم يا مولاى أنه ليس من هو اطيب صوتاً ولا أحكم صنعة منك وقد علمنا أنك صنعت أكثر من مائة صوت ليس فيها لحن ساقط فقدرنا إنك أصلح من يحكم علينا ويجيزنا .. فإن إستحسنت غناءنا كان ذلك تشريفاً لنا وتعظيماً لا يدانيه تشريف أو تعظيم وإن بخس فى نظرك وقل فى تقديرك .. هدانا الله الى خير منه .
فاستحسن الخليفة ردى ثم قال :
- وأنت ما شأنك ؟ أشاعر أنت ؟
- قلت : لا
- قال : ألك صنعة بهذا الضرب من الفن مثل صاحبيك؟
- قلت : لا
قال : إذن من تكون ؟
- قلت : أنا تابعهم يا مولاى .. مستغرق فى بديع صنائعهم وفنهم .. أجلو حلاوته وأبين غلاوته .. أعزف بلسانى على حواشى أفضالهم فأنال بعض الرضا
فالتفت الخليفة الى إسحاق الموصلى وقال :
- ما ترى عند هؤلاء ؟
- قال إسحاق : أصلح الله حال مولاى الأمير .. فإن كان فى صنعتهم ما يفيدنا أخذنا به وعلمناه لتلاميذنا .
وهنا أذن لنا الخليفة بإظهار ما عندنا ..
وبدأ الساحر برعى ينقر على العود من خفيف الثقيل وأخرج أبوداؤود كبريتةً وضعها بين أصابعه فإختفت ولم يظهر منها شئ سوى النقرشة التى تنبعث منها فاشرأبت أعناق القوم لذلك الأمر العجاب الذى لم يشاهدوه فى صناج أو ثلاث ..
ثم إنطلق أبوداؤود يغنى الشعر لعبيد عبد الرحمن
صفوة جمالك صافية
كالماء على البلور
ينعم صباحك خير
ويسعد مساك النور
وقد بان على القوم أنهم لم يسمعوا صوتاً كهذامن قبل وظهر الإستحسان على وجه الخليفة الواثق ومضى أبو داؤود ليصدح :
نور من جبينكْ لآحْ
لا نور شموسْ لا بدور
فقْتَ المعاكْ فى الجيلْ
فقْتَ المعاكَ فى الدورْ
والأمر الذى أذهل القوم وأسكرهم أن صوت أبو داؤود كان يتموج ويرتفع وينخفض وهو ينقرش على الكبريتة إلا إنه كان ساكناً سكون جبل احد .. وكأنه يأتى على مجرى .
وتغـــــنى وكأنها لا تغنى
من سكون الأوصال وهى تجيدُ
وعندما وصل أبو داؤود الى :
وعذابي لو سراك طبعاً أكون مسرور ..
وصل الطرب باسحاق الموصلي قمته فقال مخاطباً الخليفة الواثق :
_ بلى يا مولاى .. احسن فأوفى .. يسرنا ما يسرك ويغضبنا ما يغضبك حتى ولو كان فى ذلك عذابنا فقال الخليفة :
- وأيم الله إننا لم نسمع مثل هذا فى هذه الأرجاء ..
وإننى أعلم الناس بالشعر وببحوره وبفنونه .. ما فاتنى منه حسن إلا وقفت عنده وما عرض على جزل إلا تمعنت فيه ولكن مثل هذا الغناء ما ظننت أننى ملاقيه .. واصل .. واصل ..
وبنقرشة من كبريتة أبو داؤود عبد العزيز بن محمد نقر برعى على العود فى مقام لم يسمعه أحد من أهل السامرا .. فغنى أبوداؤود من شعر عمر البنا :
يا زهرة الروض الظليـــل
جانى طيبِك مع النسيـــم العليلْ
زاد وجدِي ونوم عينى أصبح قليل ْ
يا زهــــرة طيبك جانــي ليل ْ
اقلــــق راحتي وحار بي الدليلْ
إمتــــى اراك مع الخــليلْ
أجلـس أمامكم خاضع ذلـيل
قال إسحاق :
ما سمعت هذا الصوت إلا وظننت أن الحيطان والابواب والسقوف وكل ما فى المجلس يجيبه ويغنى معه من حسن صوته حتى خلت أننى أسمع أعضائى وثيابى تجاوبه وبقيت مبهوتاً لا أستطيع الكلام ولا الحركة لما خالط قلبى من اللذة التى غيبتنى عن الوجود .. هل فى هذه الدنيا غناء مثل هذا ونحن لم نسمع به ولم نعرفه ؟
وإستمر أبو داؤود يصدح ويغنى برائعة الشاعر حسين عثمان منصور وبرعى يعزف .. والقوم قد سكروا طرباً وهم يتمايلون مع :
أيُّها العشَّــــاق دارت كأسكُم
يَوْم جئنا نصطلى مـن ناركُــمْ
وصدَىَ الناى وضفاف الغدير تترنم
حُمْرة فى الخدِّ آذاها العبيرْ تتظلم
قصةٌ فى العين والصمت المثير يتكلم
تلك ليلة يا صاحبى لو جلست أحكى وقائعها لما إنتهيت فلم يكن قبلها قبل ولا بعدها بعد .. أذهل فيها أبو داؤود عبدالعزيز بن محمد جميع من كان فى مجلس الخليفة الواثق بن المعتصم والذى أمر أن يبقينا عنده أياماً بل شهوراً وهو يستزيد من ذلك الغناء والطرب الأصيل وأبو داؤود لا يبخل عليه فأقام رواقاً باسمه ظل باقياً حتى دخول هولاكو إلى بغداد عام 1257م وهزيمته للخليفة المستعصم آخر خلفاء الدولة العباسية ..

• نحن معشر المنشغلين بهموم الرصد والتدوين ننحنى للدهشة الاولى , (نسردب ) للثانية حتى إذا جاءت نقيض الأولى إتسعت حدقات العيون ونحن نصيح : "ما معقول !!!".. هذا " الما معقول" ..هو الذى ظل يحدد ملامح تلك الدهشة الأبدية وأنا اتأمل فن أبو داؤود كظاهرة طبيعية لا تتكرر .
وكما قلت من قبل كانت فى بيتنا شجرة ليمون وشجرة جوافة وشجرة حناء .. فى كل عام كان الخريف ينثر على أوراقها شوقه وحزنه .. وما بين غصن وغصن كان الخنفس الكدندار ذو اللون المعدنى الأخضر يتحرك وأنا أرقبه مبللاً بالندى فأستنشق رائحة وعبقاً إرتبط بصوت أبو داؤود وهو يغنى :
زرعوك فى قلبى يا مَنْ كسانى شجونْ
ورووك من دمَىِّ يا اللادن العرجـونْ
فصرت عندما أشم تلك الرائحة .. تدق على ابواب ذاكرتى تلك الاغنية معلنة موسم الدخول فى أشواق عميقة :
يا الباســم الهادى
نـورك سطع هادى
مـاذا اقـــول ؟
فى سناااااااك
بيكا الدلال عادي
شايقانـــى فيك بسمة
سمحة ومليحة لــــونْ
عاجبانى فيك قامـــــةْ
ساحرانى فيك عيون
ومن قمة ذلك الوجد وتلك الأشواق يرتفع صوت أبو داؤود مؤكداً
هيهاتْ أسلو هواكْ
يا حبيبى اسلو هواك ْ
مهما أعترانى جنُونْ
أنا لى لقاك صادي
لو فى الخيال راضي
وشئ من تهدئة اللعب والإمساك بالمشاعر حتى لا تهرب من فضاء اللحن والنغم :
خصمى هواك .. يا وديع
والسؤال الأزلي (القفلة)
من يا ترى القاضى؟
كيف تستدعي حاسة الشم كل هذا ؟ هذا هو "الما معقول " فى علاقتي بفن أبوداؤود . إن الفن الحقيقى هو الذى يجعلك تفسر العالم والطبيعة من خلاله .. هو الذى يجعلك ترى الأشياء المتنافرة تجذب بعضها لتحدد معك وأنت سابح فى محراب الدهشة وأنت تردد: "ما معقول ".
فإذا خطر بذهنك لحن أو نغم وانت تقف فى إنتظار "البص" فأعلم إن هناك خيطاً غير مرئي يجمع مكونات هذه اللحطة ببعضها.
ولكي أحكي ما سأحكيه اليوم إلى واقع آخر تذوب فيه الحقيقة المجردة داخل غلالات من الحلم الشفاف .. ذلك الحلم الذى نقبله فى إطار قوى اللاوعى .. حيث أن تلك المنطقة لها إعتباراتها الخاصة بها . إذ كيف تتداخل الأصوات والصور لتخلق واقعاً خارج نطاق المحسوسات المألوفة؟ وهذا بالضبط ما حدث لى ذات يوم من ايام شهر أغسطس عام 1977 وانا فى بلاد طيرها "عجمى" .
فى تلك الأيام كنت ملتحقاً بالدراسات العليا بجامعة تورنتو الكندية .. وكان علينا اكمال ذلك العمل الجليل الذى قام به البروفيسور بيترسون والذى درس أحد اكبر الوعول فى أمريكا الشمالية والمسمى بالأيل أو العلند أو الموس بالإنجليزية moose والذى أشير إليه هنا بالوعل .. وهو ينتشر فى ولاية ألاسكا الامريكية واوروبا القطبية وسيبيريا .
ولاية ألاسكا .. اكبر ولاية امريكية حتى أنك إذا وضعتها داخل امريكا لامتدت من فلوريدا الى كاليفورنيا . كانت فى السابق جزءاً من املاك روسيا القيصرية إلا أن القيصر باعها عام 1867 بسبعة ملايين دولار "دولارات معدودات " .. واليوم فإن دخل ألاسكا من البترول والثروات الطبيعية فى اليوم الواحد يفوق المبلغ الذى بيعت به . انضمت لإتحاد الولايات المتحدة الامريكية فى الثالث من يناير 1959 .
الرحلة من مطار تورنتو الى مطار انكوردج عاصمة ولاية ألاسكا يمر عبر البرارى الكندية فى ولايات منيتوبا وساسكتشوان والبرتا وكولومبيا البريطانية حيث تحط رحالك فى مطار فانكوفر ثم تمتطى صهوة طائرة أخرى الى أنكوردج .. تلك التى بتنا فيها ليلة الثانى عشر من أغسطس .
وصولنا الى ألاسكا كان فى عز الصيف .. درجة الحرارة كانت لا تزيد على درجتين مئويتين .. وبينما كنت " أكتكت " من البرد كان أهلها من الإسكيمو يتصببون عرقاً (بس العرق دا لقوه وين ما عارف ) وأنا شخص بنفع معاى أى شئ إلا البرد , وقد كنت قد كتبت للأخ حسن أبشر الطيب عندما كان مستشاراً ثقافياً بواشنطون أشكو له حالي من برد تورنتو التى تقع على خط أونتاريو الثلجى ونشرت تلك الرسالة بمجلة "أضواء " التى كان يصدرها مكتبة .. وعندما جاء المرحوم الأستاذ عثمان حسن أحمد وتسلم مهام المستشارية واصل إصدارها وكانت ترسل لنا .. وكان مما ذكرته فى تلك الرسالة أن قلت له أننى طيلة ذلك الوقت كنت أظن أن شنبي من الصوف الخالص وأنه سيقيني من البرد فاكتشفت انه 65% صوف و35% بولستر ومبالغة فى تصوير البرد كنت أصف ذلك بأن كل شئ يتجمد حتى الكلام كان يتجمد ويسقط كقطع الثلج وكنا نجمع تلك القطع لنسخنها على "الطوة" لنعرف عماذا كنا نتحدث ..
والآن فإن الأقدار تقذف بى الى ألاسكا حيث تصل درجة الحرارة أحيانأً فى الشتاء الى 62 درجة تحت الصفر " الصفر تشوفو فوووق !!" حتى أن بعض العلماء كانوا يقترحون أن نجعل من المنطقة القطبية ثلاجة لعموم البشر تحفظ فيها كميات من اللحوم والخضروات والبقوليات حتى إذا داهمت البشرية مجاعة مفاجئة لجأت لتلك الثلاجة الطبيعية .
إن ألاسكا تقع فى نهاية الدنيا فى مقابل بداية الدنيا من الناحية الأخرىفهناك مدينة ديوميد الكبرى وتقع فى روسيا وديوميد الصغرى وتقع فى أمريكا ويقع بينهما خط التوقيت الدولى , ففى ديوميد الصغرى فى أمريكا يكون الوقت مثلاً الساعة الواحدة ظهراً من يوم السبت بينما تكون فى ديوميد الكبرى فى روسيا الساعة الواحدة ظهراً يوم الاحد .. تصور أن العبور من يوم السبت الى يوم الأحد لا يستغرق إلا دقيقة وكذلك العبور من الأحد الى السبت .
الأمور تقع على حدود فاصلة فهنا يقف المستقبل وجهاً لوجه مع الماضي بينما أنا أقف بينهما ممثلاً للحاضر .
الطريق من مدينة أنكوردج الى المحمية أو الحظيرة الطبيعية حيث توجد تلك الوعول .. يبدأ من نقطة ويتلاشى فى الأفق يقف على نهايته جبل ماكنلي .. أعلى قمة فى أمريكا الشمالية (أكثر من 20 ألف قدم )هنا على القمة تتلاقح الرياح والثلوج وتنجب سهولاً بيضاء لانهائية .
وأنا هنا القادم من أرض قمرها أسخن من شمس الاسكا أحمل أمتعتى على ظهرى وبها أجهزة لاستقبال الاشارات من تلك الوعول وكان الذين سبقونا قد وضعوها على أعناقها .. وما علينا الا الاستماع لتلك النبضات ورصدها وتدوينها وجمع عينات من " البعر" والمخلفات الحيوانية فى أكياس بلاستكية وذلك لأخذها للمعمل لقياس المحتوى المائى والخيارات الغذائية..
وفوق ذلك أجتر من ذاكرتى من وقت لآخر ذلك المخزون الهائل من أغانى أبو داؤود.. فلا شئ ينعش النفس ويبعث الدفء غيرها.
هناك شئ غريب يحدث لى أحياناً وأظنه يحدث لكم . ألا يصادف أن تصح من نومك وبقايا لحن أو أغنية تتردد على لسانك اليوم كله؟ أهو نوع من النشاط الإنصرافى displacement activity نلجأ اليه بطريقة لا إرادية لتخفيف ضغط نفسى؟ ربما.
وحينما ترامت الجبال وراء الخضرة الطاغية والمستنقع نصف المتجمد أيقنت أننا وصلنا فمثل هذه المستنقعات تصلح مرتعاً للوعول وظباء الكاريبو بقرونها المتشعبة .. بينما إنخفضت السحب الركامية كالعهن المنفوش فجعلت السماء وردة كالدهان بفعل شمس ألاسكا فى هذا الوقت من السنة .
زهور الأقحوان والداليا تنمو على ذلك البساط الأخضر .. زهرة تدثرت ببقايا ثلج .. فى الصباح نفضته عن بتلاتها , شهقت فى الظهيرة , ثم ماتت .. رحلة قصيرة جداً لكنها حافلة بالمغامرة والجسارة .. من رحم تلك الأزهار فى يوم ما يولد فصل الربيع .. أم أن الربيع فى هذه الأرجاء هو خاطر يمر ببال الأشجار ؟ تلك التى تطرح أوراقها وتنتظر الشتاء وهى عارية ؟ ولكن عندما ذبلت تلك الزهرة وهى تبدأ رحلة الاختفاء كان هناك صوت أبو داؤود يخرج من مخبئة يواسيني ويعزي آلاف الأزهار فى فراشها :
أينعت ْفى الروضِ زهرةْ
وإكتستْ سحراً ونضرةْ
وبدت تزهُو جمالاً فاحَ منهُ الطيبُ نشرا
فهى للنفسِ أمانٌ وهى للإلهامِ سحرا
أينعتْ لكــنْ أراها
ذبلتْ فى ناظــريا
أينعَتْ لكــِنْ أراها
تندبُ القطــر النديا
أينعتْ لكــِن أراها
ساقَهــا الموتُ فتيا
ذبلت فى الروضِ زهْرَةْ
كل شئ هنا يومض لحظة ثم ينطفئ .. ويخيم ظلام يمتد إلى شهور فى زمن الشتاء ..
وبالقرب من حيث أقف وعلى جذع شجرة أسلمت الروح قبل أعوام كان هنالك الصقر الأصلع .. يحمل وقاحة الدنيا كلها فى عينيه كان يحدجنى بنظرات (عقدتنى) .. صقر على شاكلته فى بلادى يهرب منى ولا يقف ليتمعن فى وجهي وقد ظنت لبرهة أنه سيحط ليأكل من رأسي .. أهل بلادى أيها الصقر الأصلع يسلون (أمان) قلب أى طائر ويزرعون مكانه رعباً لا نهائياً .. تخافهم جميع الحيوانات وتخشى بأسهم حتى الصقور أمثالك ..ولكنى أراك وقد إنفردت بي فى بلاد طيرها "عجمي" .. ونداء خفى يدفعنى أن أصرخ فى وجهه بأن الطيور على أشكالها تقع حتى أغيظك ..
هذا الطائر هو جزء من إيكولوجية الوعل وظباء الكاريبو والدب الأسود .. يعيشون على هذه الحافة القطبية قبل مجئ الإنسان .. مائة وسبعون ألفاً من هذه الظباء تهاجر فى بداية شهر أبريل قاطعة مسافة 360 ميلاً نحو المحمية القطبية وتتبعها الذئاب والصقور والدببة .. ألم يتسلل الى أذنك صوت أبو داؤود وهو يغنى :
غــزال البر يا راحلْ
حرام ٌمن بعدك الساحلْ
أنا المنّ حالى ما سائلْ
أنا المني الفؤاد مضنِى
أنا المنّي الدمع سايل
أعاني عذابِي الهائل
أخذ منّي الفؤاد مأخذّ
ونالْ منّي الهوى نائلْ
غزال البر يا راحلْ
وهكذا ترحل تلك الظباء والوعول الى حيث الدفء والعشب " وطبع الريم أصلو نافر".
أمامى يستريح هذا الوعل على مملكة الماء .. نصفه يغوص داخل المستنقع والنصف الآخر يرقب ما يحدث على السطح .. وهو يقضم الأعشاب المائية فهذا هو الزمن الذى ينمي فيه طبقات من الشحم يكتنزها لموسم الشتاء .. وهذا زمن الإشتهاء .. فيرسل إشارات العشق خواراً فى الهواء فتلتقطها الإناث.. وهن يخفين الرغبة تحت التهام مستمر للأعشاب..
خواره الفطرى ينبه مجموعة من الذكور فترفع رؤوسها بينما تتحرك أنثى لفيفة كانت تقضم الأوراق تحت السفح وكأنها تبحث عن الذى أرسل شهقة العشق الأولى فى هذه الأرجاء .
إناث الوعل تمر عليهم فترة الطمث الشهرى كل 22يوماً والتوقيت يسبق كل شئ فالأجنة تقضى فترة الشتاء داخل الأرحام فى فترة حمل قد تتجاوز الثمانية أشهر ولا تولد إلا فى الربيع حيث الدفء والعشب متوفر والذئاب أقل جوعاً .
الصراع الذى ينشب بين الذكور حين تشتبك بقرونها الشجرية الضخمة يضمن للإناث تلقيحاً من الأقوى الذى يحفظ إستمرار أقوى الصفات الوراثية وإنكسار الأنوثة تحت وطئة هى التى تجعل إستمرارالنوع وعدم إنقراضه ممكناً فى وجه الصيادين والبندقجية وتجار الجلود والفراء .. الإحصائيات تقول أن السويد وحدها قد قتلت عام 1970 من تلك الوعول 150الفاً..
فى هذا الوقت أحسست برغبة فى مشاركة أبو داؤود الغناء:
أوتذكرينَ صَغِيرتى أو رُبَّما لا تذكرينْ
الخمسة الأعوامُ قد مرّتْ وما زال الحنينْ
الشوقُ والأحلامُ مازالتْ تؤرقُ والسنينْ
أم كان حباً ياتُرَىَ أم كان وهم الواهمينْ
هل كان حباً لاهياً أم كان شيئاً فى اليقينْ
هل كنت تعنينَ الــــذي ما تدَّعين
مازلتُ أذكر خصلة عربيدةً فوق الجبين
مازلتُ أقرأُ فى السطورِ
فأستبينُ البعض أو لا أستبينْ
والعطرُ والأنسامُ يغمرني بفيضِ الياسمينْ
منديلك المنقوشُ جانبه أو تذكــرينْ
ما كان قَصْدِى أنْ أَبُوحَ
فربما لا تذكــــرين
رائعة الشاعر الرقيق عوض حسن أحمد وعبقرية برعى محمد دفع الله جسدها أبو داؤود فى بيت واحد :
ما زلت أذكر خصلة عربيدةً فوق الجبين
وأنا ما زلت أذكر كيف كان ذلك الوعل يجرى فتفر المسافات من امامه.. ليلحق بأنثى تحرك أذنيها يميناً وشمالاً كخصلة من الشعر .."المساير" كصيحة من صيحات الخمسينات .. وهى فى فرارها تتركنى أنا وصديقى أبو داؤود نقف على حافة العتاب :
جميلْ وصف جمالكْ يحيِّر الشوادي
غزالْ نفرتَ مِنِّي وعَمَلْتَ قلبي وادي
تجِدْنِي لو أقبِّل خدودك النوادي
أذوب من اللطافةْ ويذُوبْ معاى فؤادي
يا ناسْ محبوبي ساكت قصد عنادي
فى هذه الأثناء تحركت السحب الركامية وبقية من نهار إختفت فى ظلال جبال ماكنلى الشاهقة وفى ذلك الفضاء الرمادي تختفى ملامح الوجوه ولكن الوعول التى إنتقلت إلى خارج المستنقع رسمت أجسادها بوضوح وهى تشتبك فى عراك يخيل إليك إنه يحتاج الى قرار من الأمم المتحدة لفض الاشتباك .. وكانت تتحرك يميناً وشمالاً فتعمل الأعشاب والأوراق حسابها ولا أحد يتدخل .. وفجأة يطل دب أسود يقف على رجليه جاذباً جسده الضخم الى فوق وكأنه كنج كونج الذى كنا نراه فى سينما كردفان .. ويتوقف كل شئ .. ويفض الإشتباك وكأن صوتاً خفياً سرى وسط المقاتلين .. وهبط سكون عميق وغطى كل المكان.. كان يفصلنا عن الدب مستنقع وطريق ينشطر نحو السفح وحارس يحمل بندقية يطلق منها طلقات صوتية فى الهواء لتخيف ذلك الدب إذا دعا الحال ووقف الزملاء كل فى مكانه يدونون .. الوقت هنا يتغير سريعاً وجميع الكائنات مشغولة بقضية البقاء وحفظ النوع .. والأقوى من تلك الظروف الصعبة هو النوع ولهذا فإن بيئة ألاسكا من أغنى البيئات الطبيعية , فى نهاية الربيع تسبح أسماك السالمون عكس التيار متحدية النهر لتضع بيضها ثم بعد ذلك تموت .. فقد إنتهت مهمتها .. طيور البفن تعشعش على حواف الجبال ثم تندفع ملقية بنفسها فى البحر لتحصل على الأسماك وهناك أيضاً شياه الدال والتى تعيش على الجبال متسلقة الصخور ببراعة تحسد عليها .
وهناك الذئب الرمادي الذى كاد أن ينقرض فى جميع الولايات ما عدا ولاية منيسوتا والا سكا وهناك 8000 ذئب .. تتبع قطعان الكاريبو والوعل ولكنها تظفر فقط بالصغير أو العجوز أو المعاق وبذلك تحافظ على النوع خالياً من المورثات الضعيفة .
يتحرك الوعل بجسمه الضخم الذى يتراوح طوله من الرأس الى الذيل بين مترين ونصف الى ثلاثة أمتار ووزن يتجاوز ال 800كليو جرام ويحمل على رأسه تلك القرون المخملية المغطاة بشعر قصير كالقطيفة التى يصل طولها الى مترين .. عندما تسقط تنمو مكانها قرون جديدة أكبر حجماً واشد قوة . ومن وسط تلك السحب الركامية ومن فجوة بين طيات السحاب يغمر المكان ضوء مفاجئ من شمس أغسطس تلك التى ظلت ملازمة لنا وكأن المغيب لا ياتى .. هل إستمعت الى أبو داؤود وهو يغنى "فلق الصباح"؟. رائعة ذلك المبدع الفذ خليل فرح " فلق الصباح" كانت تشكل لنا معضلة كان يحمل همومها الفنان الشاعر أحمد الفرجونى.. فهو أول من نبه إليها .. الفرجونى بحسه المرهف كان يتأمل ذلك الشعر الانسيابى :

فلق الصباح قول لي
أهو نورك لاح ...خلَّي
ياخفيف الروحْ.. هُوَّ هذا نداكْ
أم ندى الأزهار ْ
**
من جنان رضوان أصلكْ
لذا كل ربيع فصـــلك
أتنفــس فوح
تتنـفس ناسْ
ورياض وبحارْ
بالنسبة للفرجونى فإن الطريقة التى تغنى بها هذه الأغنية لا تتماشى مع كلماتها الرقيقة – المستعطفة المتأملة المتسائلة :
أنت روضة وليك زهرةْ
ولا كوكب وليك بهـرةْ
الطريقة التى إنطلق معشر المغنين يقدمون بها أغنية فلق الصباح جردت الأغنية من محتواها النغمى الرقيق ووضعت مكانه مارشاً عسكرياً .. ولهذا كانت محاولة الفنان الفرجونى الناجحة فى "تطرية " و"تليين" و"مزينة" تلك الأغنية حتى جاءتنا طرية تتثنى مصورة لوجدان الخليل والذى قصد أن يتسلل الى وعينا السياسى من خلال وجداننا العاطفى ..الوحيد الذى كان قد فطن الى هذه الحقيقة هو أبو داؤود بفطرته الفنية السليمة دون أن يخوض فى تنظير لها .. يرق صوت أبو داؤود حتى يكاد يلامس رقة الأطفال وهو يغنى :

فى لهيبك بشوف ساحل ْ
كالفراشة بجيك راحلْ
يا لطيف الطـــيف
قول لى أعمل كيفْ
مع اللعـب بالنار
**
إنتى روضة وليك زهرةْ
ولا كوكب وليك بهرةْ
ضمّخوك للجبينْ
زعفران وعبيرْ
إنت نار فى بهارْ
**
ما عرفنا عدوك ذاهل
ولا لسه غلام جاهلْ
متهللْ طــــيفْ
الشتاء عندك صيف
اللعب بالنار
**
صبغ الخــدين حمرةْ
بعد ساعة بشوف صفرة
الاصــفرار ده كتير
أخجلوك يا أميـــر
ولا نمت نهـــار
فلق الصباح نورْ
لنحور الغيد صورْ
يا صباح النـــورْ
على العـيون الحورْ
والخديد الحـــارْ
ثم يقف بنا أبو داؤود على مربط الفرس وهو يقودنا :
عزة قومى كفاك نومكْ
وكفانا دلال يومــكْ
إنتي يا الكبــرتوك
البنات فاتوك
فى القطار الطارْ
والتفت وأجد زملائى طلاب الدراسات العليا وقد فاتوني راجعين الى ذلك الكوخ الخشبى الذى كنا نقيم فيه تحت ضيافة سلطات المحمية الطبيعية .. وصوت أبوداؤود يتردد فى أذني وهو يغنى من كلمات ديمترى البازار:
بتنّى فــى الترتيلْ
ما عرفنا ليهو مثيل
يا ناس لى حبيّبْ "تصغير حبيب "
أنا فى غرامُو كتيلْ
يا صاحبى .. هذا حديث لا ينتهى .. رحم الله أبوداؤود عبد العزيز بن محمد أشهر مغنيى الدولة الأموية والعباسية ودولة الأندلس والفاطميين والتركية والمهدية والاستقلال وعصر الانترنت ..
الأكبر من أبو داؤود .. هو قلبه ألم يسعنا كلنا



مجدي عبيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-06-2015, 06:21 PM   #[43]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

عبد الرحيم حامد عبد الرحمن
أذكر أنني سألت محمد حسين كسلا عن تخليه عن كرة القدم
ليدرس الطب . . قال لي . . كان قرارا صعبا . . . كانت النجومية
باضواءها الساطعة وضجيجها وصخبها وفخاخها الملونة . . .
تجعل اتخاذ قرار بالتخلي عن كل هذا أمر أكثر من صعب .
سعدت حقا بمصاحبة د عبد الرحيم حامد في أغلب المراحل
الدراسية . . كان يسبقني بسنوات قليلة مثله مثل طلال . .
كان موهوبا في فن الرسم ومبدعا في الكاراكتير . . رسوماته
كانت لا تقل تقنية ولا جمالا عن رسومات عزالدين وكاروري
وكانت مواضيعها وتعليقاته الذكية الممعنة في السخرية لا
تعبر عن عمره الصغير .
كان بمقدوره ان يواصل مشوار إبداعه المميز والمتميز
والذي كشف عن عبقرية مبكرة في فن الكاراكاتير . . لكنه
اختار الطب ونبغ فيه . . وفيه تجلت إنسانيته وانحيازه
للإنسان الكادح الفقير .
أسدت لي الحياة واغدقت على من نعمها . . وكان جل
نعمها اصدقاءا واصحابا . . زاملت عبد الرحيم في مدرسة
حي العرب والمؤتمر ورومانيا وقبلهم في ام الجامعات . .
حي العباسية . .
سودانيات موطن الجمال . . وها هو الجمال يجذب الجمال
مرحب بالفنان الإنسان عبد الرحيم حامد



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-06-2015, 07:05 PM   #[44]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

سلام يا عايد،

كتابتك عن عبد الرحيم ملأتني إحساس بسوء حظي أني لم ألتقيه في رومانيا. كما قال سيد سعيد، أن لو رجع بنا الزمان لكنت قد تعرفت (قسراً) بالبعض. عبد الرحيم كان سيكون أحد من سعيت لهم سعياً.
تابعت رسوماته وكاريكتيراته التي كما وصفتها حقيقة، فبعد الرحيم لا شك إضافة لأي منتدى فألف مرحبا به.

لينا الشرف يا فنّان والمكان يزداد بوجودك، فاقدل والناس هنا يشبهونك ويشبهون مجتمع رومانيا.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-06-2015, 07:35 PM   #[45]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

أرحب أيضاً بالأخ العزيز جداً فتاح اليوم.
فتاح رجل آتاه الله الحكمة وحُسن الخطاب والقبول.

عشنا سوياً سنين عددا والرجل يُعرف عند السفر.

ألف مرحب يا فتاح ومهلتك انتهت.. فتتداخل وأمتعنا.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:14 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.