ماذا سنفعل حين تضع الحرب أوزارها؟ !!! حسيــــن عبد الجليل

دعوة لمشاهدة فلمي ( إبرة و خيط ) !!! ناصر يوسف

قصص من الدنيا؛ وبعض حكاوي !!! عبد المنعم الطيب

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > إشراقات وخواطر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-12-2005, 02:02 PM   #[46]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

يَكْرَهُ أَحَداً قَطُّ .. كَانَ يُحِبُّ كُلَّ النَّاسِ ؛ وَكَانَ يَقُوْلُ لِى دَائِماً وَهُوَ يَبْتَسِمُ : <إِنَّ الَّذِى يُحِبُّ كُلَّ النَّاسِ هُوَ بِالدَّرَجَةِ الأُوْلَى يُحِبُّ نَفْسَهُ ؛ لأَنَّهُ فِى النِّهَايَةِ أَحَدُ النَّاسِ>) .
المَامُوْن : (مِنْ أَىِّ الجِنْسِيَّاتِ كَانَ أَصْدِقَاءُ حَسُّوْنٍ؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (كُلُّهُمْ كَانُوا أَفَارِقَة ؛ سِوَى وَاحِدٍ إِنْجِلِيْزِىِّ الجِنْسِيَّةِ ؛ وَهُوَ لايَضَعُ أَحَداً فِى مَكَانِهِ) .
المَامُوْن : (أَتَعْرِفُ اسْمَهُ؟)
ـــــــــــــ
(1) السَّبِيْبَة : الشَّعْرَة .
دُكْتُوْر كَتَكُو : (كَيْفَ لاأَعْرِفُهُ؟! إِنَّهُ بُرُوْفِيسُور(مَايْكِل)؛ وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ أَطِبَّاءِ العَالَمِ ؛ وَلابُدَّ أَنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ بِاسْمِهِ . وَقَدْ زَارَنَا هُنَا عِدَّةَ مَرَّاتٍ ؛ كَمَا أَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَدْ زَارَهُ أَيْضاً بِبَلَدِهِ عِدَّةَ مَرَّات ٍ. انْظُرْ إِلَى تِلْكَ الصُّوْرَةِ المُعَلَّقَةِ عَلَى جِدَارِ هَذَا البَهْوِ؛فَهِىَ آخِرُ صُوْرَةٍ أُلْتُقِطَتْ لِبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن) . وَحِيْنَ نَظَرَ المَامُوْنُ إِلَى الصُّوْرَةِ؛ رَأَى فِيْهَا حَسُّوْناً يَسِيْرُ مَعَ أَحَدِ الأَشْخَاصِ الَّذِىعَرَّفَهُ دُكْتُوْر كَتَكُو بِأَنَّهُ بُرُوْفِيسُورمَايْكِل؛ وَقَدْ تَشَابَكَتْ أَصَابِعُ يَدِ حَسُّوْنٍ اليُمْنَى بِأَصَابِعِ يَدِ بُرُوْفِيسُورمَايْكِل اليُسْرَى . قَرِيْباً مِنْ تِلْكَ الصُّوْرَةِ عُلِّقَتْ صُوْرَةٌ كَبِيْرَةٌ زَاهِيَةٌ لِسِت الجِيْل عَبْدَاللَّه وَأُخْرَى مِثْلُهَا لِحَاج النُّعْمَان . أَمَّا دُكْتُوْر كَتَكُو فَقَدْ وَاصَلَ حَدِيْثَهُ :
ـ (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لَهُ أَبْنَاءُ كَثِيْرُوْنَ هُنَا) .
المَامُوْن : (لَكِنَّ حَسُّوْناً لَمْ يَتَزَّوَجْ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً وَانْتَحَرَ لَيْلَةَ زَفَافِه)ِ . دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَمَا يَقُوْلُ المَثَلُ الشَّعْبِىُّعِنْدَنَا مِثْلُ المَوْزِ لَيْسَ لَهُ تِيْرَابٌ .. آهـ .. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لَيْسَ كَالمَوْزِ تَمَاماً ؛ شَجَرَةُ المَوْزِعِنْدَمَا تُقْطَعُ تَخْلِفُهَا أُخْرَى وبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لَيْسَ لَهُ خَلْفٌ مِنْ ظَهْرِهِ فِى الدُّنْيَا .. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لَهُ أَبْنَاءُ كَثِيْرُوْنَ بِالتَّبَنِّى .. تَبَنَّاهُمْ عِلْمِيّاً ؛ وَأَنَا أَحَدُهُمْ ؛ فَقَدْ كَانَ يُشْرِفُ عَلَى رِسَالَتِى لِـ (المَاجِسْتِيْر) ؛ وَهُوَ أَعَزُّ صَدِيْقٍ لِى حَتَّى الآنَ) .
المَامُوْن : (مَتَى سَمِعْتَ بِمَوْتِ حَسُّوْنٍ؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (لَعَلَّكَ قَدْ نَسِيْتَ . فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ عَلَى مَوْتِهِ ؛ فَبَعْدَ أَنِ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ عَنَّا وَقَدْ مَضَى وَقْتٌ طَوِيْلٌ عَلَى انْتِهَاءِ عُطْلَتِهِ ؛ اتَّصَلَتْ إِدَارَةُ الجَامِعَةِ بِسِفَارَةِ السُّوْدَانِ هُنَا ؛ وَالَّتِى اعْتَذَرَتْ فِيْمَا بَعْدُ إِذْ بَذَلَتْ جُهُوْداً مُضْنِيَةً لِلوُقُوْفِ عَلَى خَبَرِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن مِنْ حُكُوْمَتِهَا ؛ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَلَقَ رَدّاً حَاسِماً . فَكَانَ أَنْ كَتَبْتُ لَهُ خِطَاباً عَلَى عُنْوَانِهِ بِقُوْزْ قُرَافِى؛ فَتَوَلَّيْتَ أَنْتَ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَأَفْهَمْتَنِى بِمَا حَدَثَ ؛ وَبِالمُنَاسَبَةِ خِطَابُكَ بِحَوْزَتِى حَتَّى اللَّحْظَةِ . رَحِمَ اللَّهُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ فَأَنَا لَمْ أَرَ إِنْسَاناً يُحِبُّ وَطَنَهُ مِثْلَهُ ؛ وَقَدْ كَانَ كَثِيْرَ القَوْلِ لِى :<أَبِى عَلَّمَنِى حُبَّ الأَرْضِ ؛ حَتَّى أَصْبَحَ حُبُّ الوَطَنِ أَكْبَرَ حُبٍّ فِى حَيَاتِى> ؛ وَكَانَ دُعَاؤُهُ اليَوْمِىُّ الَّذِى تَرْجَمَهُ لِى :<اللَّهُمَّ بَلِّغْنِى بِعَفْوِ وَالِدَىَّ فَوْقَ مَاأَصْبُو إِلَيْهِ> .
المَامُوْن : (هَلْ تَرَكَ حَسُّوْنٌ مَالاً كَثِيْراً هُنَا؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن صَرَفَ نَفْسَهُ كُلِّيَّةً عَنِ المَالِ ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَصْرِفْهَا عَنِ الغِنَى .. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن غَنِىٌّ مُعْدَمٌ ؛ عَاشَ غَنِيّاً وَمَاتَ فَقِيْراً .. عَاشَ مَلِىءَ الرَّأْسِ وَمَاتَ خَالِىَ الجَيْبِ ؛ شَأْنُ مُعْظَمِ العَبَاقِرَةِ . بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَالَ لِى فِى آخِرِ لَيْلَةٍ لَهُ هُنَا :<أَنَا رَاجِعٌ إِلَى بَلَدِى كَأَغَنَى فَقِيْرٍ> .
المَامُوْن : (لَقَدْ صَدَقَ حَسُّوْن ؛ الفَقْرُ الحَقِيْقِىُّ فَقْرُ الرُّوْحِ ؛ وَكَمْ مِنْ غَنِىٍّ فِى جَيْبِهِ مَاتَ مُحَاصَراً بِفْقَرِهِ! رَحِمَ اللَّهُ حَسُّوْناً ؛ فَقَدْ مَاتَ غَنِيّاً فِى فَقْرِهِِ) . دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَالَ لِى مَرَّةً:<نَحْنُ قَوْمٌ حِيْنَ نَرَى شَحَّاذاً نَتَحَسَّسُ جُيُوْبَنَا ؛ لالِلتَّأَكُّدِ مِنْ أَنَّنَا لَمْ نَصِرْ مِثْلَهُ وَلاخَوْفَ أَنْ يَسْرِقَ مِنَّا ؛ وَلَكِنْ لِنُعْطِيَهُ مِنْهَا ؛ رَغْمَ أَنَّ حَالَنَا لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنْ حَالِهِ> . أَنَا لَمْ أَسْمَعْ فِى حَيَاتِى بِغِنَى نَفْسٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا) .
وَكَأَنَّ المَامُوْنَ قَدْ شَاءَ أَنْ يُنْهِىَ الحَدِيْثَ عَنِ المَالِ عِنْدَ هَذَا الحَدِّ ؛ فَقَدْ سَأَلَ دُكْتُوْر كَتَكُو :
ـ (كَيْفَ كَانَتْ آخِرُ أَيَّامِ حَسُّوْنٍ هُنَا؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو: (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ فِى آخِرِ أَيَّامِهِ هُنَا عَلَى غَيْرِ عَادَتِهِ حَزِيْناً طِيْلَةَ الوَقْتِ ؛ وَدَائِمَ التَّفْكِيْرِ فِى شَىْءٍ يَبْدُو مَصِيْرِيّاً بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ) . المَامُوْن : (وَهَلْ أَطْلَعَكَ عَلَى بَعْضِ جَوَانِبِ حُزْنِهِ؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن إِنْسَانٌ كَتُوْمٌ وَضَنِيْنٌ بِأَسْرَارِهِ الشَّخْصِيَّةِ وَالعِلْمِيَّةِ لأَبْعَدِ الحُدُوْدِ ؛وَأََعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ صِفَاتِ العُلَمَاءِ وَالعَبَاقِرَةِ . وَلَكِنَّ فِكْرَةَ المَوْتِ كَانَتْ تُزْعِجُهُ كَثِيْراً ؛ لاحُبّاً فِى الحَيَاةِ أَوْخَوْفاً مِنَ المَوْتِ؛ فَقَدْ قَالَ لِى ذَاتَ مَرَّةٍ :<إِنَّنِى أُرِيْدُ أَنْ أُعْطِىَ الحَيَاةَ أَكْثَرَ مِمَّا سَيَأْخُذُ مِنَّى المَوْتُ>) .
المَامُوْن : (هَلْ لِحَسُّوْنٍ مَعْمَلٌ خَاصٌّ هُنَا؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لَهُ مَعْمَلٌ فِى بَاطِنِ الأَرْضِ ؛ يَفْتَحُ وَيَغْلِقُ تِلْقَائِيّاً بِزِرٍّ مُمَوَّهٍ يَعْمَلُ بِشَفْرَةٍ خَاصَّةٍ) .
المَامُوْن : (وَهَلِ اسْتَفَادَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا المَعْمَلِ؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بِالمُنَاسَبَةِ المَعْمَلُ فِى هَذَا البَيْتِ الَّذِى كَانَ يَسْكُنُهُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ وَقَدْ أَصْرَرْتُ أَنْ أَسْكُنَ فِيْهِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحْتُ مُدِيْراً لِلجَامِعَةِ . وَقَدِ اسْتَعِنْتُ بِهَذَا المَعْمَلِ فِى تَذَلِيْلِ كُلِّ مَااسْتَعْصَى عَلَىَّ ؛ عَلَى هُدَى مُلاحَظَاتِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن وَتَجَارِبِهِ العَدِيْدَةِ وَأَبْحَاثِهِ الَّتِى تَمْلأُ عِدَّةَ مُجَلَّدَاتٍ . وَلَكِنْ أَتَرَى تِلْكَ الغُرْفَةَ القَصِيَّةَ؟)
المَامُوْن : (الغُرْفَة المُغْلَقَة؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (أَجَل . إنَّهَا غَرْفَةُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن الخَاصَّةُ حَيْثُ كَانَ يَقْضِى بِهَا كُلَّ أَوْقَاتِ فَرَاغِهِ ؛ وَمَاأَقَلَّهَا! وَأَعْتَقِدُ أَنَّ مِنَ الوَاجِبِ أَنْ تُلْقِىَ نَظْرَةً عَلَى مَابِدَاخِلِهَا) .
قَالَ دُكْتُوْر كَتَكُو ذَلِكَ وَدَخَلَ غُرْفَةً أُخْرَى جَاءَ مِنْهَا بِمِفْتَاحٍ ؛ فَتَحَ بِهِ بَابَ الغُرْفَةِ الَّذِى أَصَابَ الصَّدَأُ قُفْلَهُ . مَاأَنْ دَخَلَ المَامُوْنُ الغُرْفَةَ حَتَّى كَادَ يَسْقُطُ أَرْضاً وَهُوَ يَشُمُّ فِيْهَا رَائِحَةَ المَاضِى ؛ وَكَأَنَّ شَخْصاً مَا يَتَنَفَّسُ فِيْهَا . عَلَى الجُدْرَانِ عُلِّقَ طُنْبُوْرٌ وَقَدَحٌ كَبِيْرٌ مِنْ خَشَبِ السُّنْطِ وَسَيْفٌ وَحَصِيْرُ صَلاةٍ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ ؛ وَعَلَى أَرْضِ الغُرْفَةِ عَنْقَرَيْبُ حَسُّوْنٍ الَّذِى كَانَ يَنَامُ عَلَيْهِ ؛ وهُوَ مِنْ حَطَبِ النِّيْمِ وَمَنْسُوْجٌ بِحِبَالٍ مِنْ جَرِيْدِ النَّخْلِ . وَلكِنْ وَكَأَنَّمَا أَحَسَّ دُكْتُوْر كَتَكُو بِمَايَعْتَمِلُ فِى صَدْرِ المَامُوْنِ ؛ فَاجَأَهُ :
ـ (وَلَكِنْ أَتَرَى تِلْكَ الصُّوْرَةَ عَلَى ذَاْكَ الجِدَارِ؟ إِنَّهَا صُوْرَةُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن حِيْنَ كَانَ رَئِيْسَ رَابِطَةِ طُلاَّبِ دُوَلِ أَفْرِيْقْيَا المُنَاهِضَةِ لِلاسْتِعْمَارِ وَصَدِيْقِهِ سِكِرْتِيْرِ الرَّابِطَةِ ؛ حِيْنَ كَانَا يَدْرُسَانِ فِى بِرِيْطَانْيَا) .
نَظَرَ المَامُوْنُ إِلَى الصُّوْرَةِ مَلِيّاً .. لاشَكَّ أَنَّهَا مُوْغِلَةٌ فِى القِدَمِ ؛ لَكِنْ خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَعْرِفُ الشَّخْصَ المُصَوَّرَ إِلَى جَانِبِ حَسُّوْنٍ مِنْ نَظْرَاتِهِ .. تُرَى أَيْنَ رَأَى صَاحِبَ تِلْكَ النَّظْرَاتِ؟ أَمَضَّهُ البَحْثُ دُوْنَ جَدْوَى . وَلَمَّا طَالَتْ وَقْفَتُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الصُّوْرَةِ؛ قَدَّمَ لَهُ دُكْتُوْر كَتَكُو كُرْسِيّاً بَعْدَ أَنْ نَفَضَهُ وَآخَرَ مِنَ الغُبَارِ؛ وَجَلسَا وَقَدْ أَضَاءَ دُكْتُوْر كَتَكُو الغُرْفَةَ بِالكَهْرَبَاءِ لَحْظَةَ دُخُوْلِهِمَا فِيْهَا . وَفَجْأَةً سَأَلَ المَامُوْنُ دُكْتُوْر كَتَكُو :
ـ (أَتَعْرِفُ أُوْرُوْبِيَّةً اسْمُهَا جُوْهَانَا رِيْد(Johana Raid)؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (لاأَدْرِى ؛ رُبَّمَا رَأَيْتُهَا ؛ فَقَدْ تَقَاطَرَ عَلَيْنَا الأُوْرُوْبِيُّوْنَ بِكَثْرَةٍ بَعْدَ أَنْ نَشَرَتِ الجَامِعَةُ فِى كُلِّ الصُّحُفِ وَالمَجَلاَّتِ وَالنَّشْرَاتِ العِلْمِيَّةِ نَبَأَ انْتِحَارِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن . جَاءُوا مِنْ أَقَاصِى الدُّنْيَا كُلٌّ يَحْمِلُ مَصْلَحَةً خَاصَّةً؛ وَكَانَ مُعْظَمُهُمْ يَسْأَلُ بِنَهْمٍ عَنِ الأَوْرَاقِ وَالبُحُوْثِ الخَاصَّةِ ؛ وَعَنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَّفَهُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن) .
المَامُوْن : (وَهَلْ كَانَ مِنْ بَيْنِهِمْ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : ( نَعَمْ . وَأَذْكُرُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ وَصَلَ إِلَى هُنَا بَحْثاً عَنْ أَوْرَاقِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن الخَاصَّةِ) .
المَامُوْن : (وَهَلْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئاً؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو: (أَلاتَرَى تِلْكَ الصَّنَادِيْقَ الضَّخْمَة؟)
نَظَرَالمَامُوْنُ فَرَأَى بِالغُرْفَةِ خَمْسَةَ صَنَادِيْقَ بِنَفْسِ أَحْجَامِ وَأَوْصَافِ صَنَادِيْقِ حَسُّوْنٍ بِقُوْزْ قُرَافِى ؛ وَأَجَابَ :
ـ (نَعَمْ أَرَاهَا) .
دُكْتُوْر كَتَكُو : (عَلَى حَسَبِ وَصِيَّةِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قُبَيْلَ مُغَادَرَتِهِ الأَخِيْرَةِ لَنَا ؛ إِذَا حَدَثَ لَهُ أَىُّ مَكْرُوْهٍ لايَطَّلِعُ عَلَى مَابِدَاخِلِ تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ سِوَى شَخْصَيْنِ : المَامُوْن عُمَر الشَّيْخ وَسِكِرْتِيْرُ رَابِطَةِ دُوْلِ أَفْرِيْقيَا المُنَاهِضَةِ لِلاسْتِعْمَارِ ؛ الَّذِى رَأَيْتَ صُوْرَتَهُ مَعَهُ. لَقَدْ أَخَذَ مِنِّى عَلَى ذَلِكَ كَلِمَةَ شَرَفٍ حَافَظْتُ عَلَيْهَا ؛ فَهَذِهِ الصَّنَادِيْقُ لَمْ تُفْتَحْ مُنْذُ أَنْ غَادَرَنَا بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لآخِرِ مَرَّةٍ ؛ وَهَاهِىَ مَفَاتِيْحُهَا لَمْ تَدْخُلْ أَقْفَالَهَا مُنْذُ أَنْ أَغْلَقَهَا بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن بِيَدَيْهِ) .
وَمَدَّ إِلَيْهِ حُزْمَةَ مَفَاتِيْحَ وَضَعَهَا المَامُوْنُ فِى جَيْبِهِ ؛ وَوَاصَلَ حَدِيْثَهُ مَعَ دُكْتُوْر كَتَكُو :
ـ (أَقُلْتَ لِى إِنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ بِاسْمِ جُوْهَانَا رِيْد؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (قَطْعاً لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا الاسْمِ) .
المَامُوْن : (وَهَلْ سَمِعْتَ بِاسْمِ لَيْلَى عِبيْد؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (أُوْه! كَيْفَ نَسِيْتُ أَنَّ جُوْهَانَا رِيْد هِىَ نَفْسُ لَيْلَى عِبيْد؟! وَمَنْ لايَعْرِفُ لَيْلَى عِبيْد؟ فَهِىَ كَمَا قِيْلَ فِى آخِرِ إِحْصَائِيَّةٍ ؛ أَغْنَى امْرَأَةٍ فِى العَالَم؛ِ وَرُبَّمَا أَغْنَى إِنْسَانٍ فِى العَالَمِ عَلَى الإِطْلاقِ . بِالطَّبْعِ أَنَا أَعْرِفُهَا ؛ فَقَدْ زَارَتْنَا عِدَّةَ مَرَّاتٍ بَعْدَ مَوْتِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ وَمِثْلُ بَقِيَّةِ الأُوْرُوْبِيِّيْنَ كَانَتْ تَبْحَثُ عَنْ مَصْلَحَةٍ ؛ لَكِنَّهَا مَصْلَحَةٌ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ مَصَالِحِ الآخَرِيْنَ ؛ كَانَتْ تَبْحَثُ عَنْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ . لَقَدْ كَانَتْ تَسْأَلُ عَنْ كُلِّ صَغِيْرَةٍ وَكَبِيْرَةٍ فِى حَيَاةِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن هُنَا ؛ بِدَعْوَى أَنَّهَا تَكْتُبُ عَنْ سِيْرَتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَحَيَاتِهِ الخَاصَّةِ . وَقَدْ قَرَأْتُ لَهَا فِيْمَا بَعْدُ عِدَّةَ كُتُبٍ تَنَاوَلَتْ فِيْهَا حَيَاةَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن وَمَكَانَتَهُ العِلْمِيَّةَ ؛ وَأَعْتَقِدُ أَنَّهَا أَنْصَفَتْ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن بَعْضَ الإِنْصَافِ ؛ الأَمْرُ الَّذِى فَشِلَ فِيْهِ الرِّجَالُ) .
لَكِنَّ المَامُوْنَ بَاغَتَهُ :
ـ (قُلْتَ إِنَّ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل زَارَ حَسُّوْناً هُنَا عِدَّةَ مَرَّاتٍ ؛ كَيْفَ كَانَتْ نَظْرَتُهُ إِلَى حَسُّوْن؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بِالمُنَاسَبَةِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل سَهَّلَ لِى الكَثِيْرَ مِنْ أُمُوْرِى ؛ فَبَعْدَ أَنْ حَصَلْتُ عَلَى المَاجِسْتِيْرِ مِنْ هُنَا بِإِشْرَافِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ أَرْسَلَتْنِى الجَامِعَةُ إِلَى لنْدنَ لِنَيْلِ الدُّكْتُوْرَاةِ ؛ وَقَدْ قَدَّمَنِى إِلَيْهِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن بِاعْتِبَارِى مِنْ أَمَيْزِ طُلاَّبِهِ ؛ وَقَدْ سَاعَدَنِى الرَّجُلُ مُسَاعَدَاتٍ لاتُحْصَى) .
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ دُكْتُوْر كَتَكُو قَدْ أَفْلَحَ فِى التَّهَرُّبِ مِنْ إِجَابَةِ سُؤَالِ المَامُوْنِ ؛ إِلاَّ أَنَّ المَامُوْنَ قَدْ وَجَّهَ إِلَيْهِ سُؤَالاً لايَقِلُّ عَنْ سَابِقِهِ دَهَاءً : ـ (مَارَأْيُكَ الشَّخْصِىُّ فِى بُرُوْفِيسُور مَايْكِل؟)
وَمَرَّةً أُخْرَى تَمَلَّصَ دُكْتُوْر كَتَكُو مِنَ الإِجَابَةِ المُبَاشِرَةِ :
ـ (أَنَا نَفْسِى سَأَلْتُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن هَذَا السُّؤَالَ ذَاتَ مَرَّةٍ ؛ فَأَجَابَنِى وَبُرُوْفِيسُور مَايْكِل لَمْ يُصْبِحْ أُسْتَاذاً (بُرُوْفِيسُور) فِى ذَاْكَ الوَقْتِ : <دُكْتُوْر مَايْكِل طَبِيْبٌ حَاذِقٌ ؛ تَكْفِيْهِ نَظْرَةٌ إِلَيْكَ لِيَعْرِفَ فَصِيْلَةَ الدَّمِ الَّذِى يَجْرِى فِى عُرُوْقِكَ؛ وَمِقْدَارَ هيمُوْغلِبيْن ذَاْكَ الدَّمِ>) .
ثُمَّ وَاصَلَ دُكْتُوْر كَتَكُو كَانَتْ تِلْكَ عِبَارَةٌ قَالَ فِيْهَا بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كُلَّ شَىْءٍ عَنْ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل؛ وَفِى نَفْسِ الوَقْتِ لَمْ يَقُلْ فِيْهَا شَيْئاً عَنْهُ البَتَّة).
لَقَدْ وَضَحَ لِلمَامُوْنِ أَنَّ دُكْتُوْر كَتَكُو يُرِيْدُ أَنْ يُغْلِقَ الحَدِيْثَ عَنْ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل ؛ كَمَنْ يُرِيْدُ أَنْ يُغْلِقَ بَاباً هُوَ مُغْلَقٌ أَصْلاً ؛ فَتَرَكَهُ المَامُوْنُ عِنْدَ هَذَا الحَدِّ . وَلأَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوْعٍ كَانَ يُنَقِّبُ وَوَدُّالبَاشْكَاتِبِ الَّذِى لَحِقَ بِهِ ؛ فِى صَنِادِيْقِ حَسُّوْنٍ الضَّخْمَةِ وَالدُّمُوْعُ تَتَقَاطَرُ مِنْ أَعْيُنِهِمَا ؛ فَأَنْفَاسُ حَسُّوْنٍ مَاتَزَالُ حَارَّةً حَتَّى فِى دَاخِلِ صَنَادِيْقِهِ ؛ رَغْمَ البُرُوْدِ الَّذِى اعْتَرَى عَوَاطِفَ أَهْلِ الدُّنْيَا . وَأَخِيْراً وَفِى قَاعِ آخِرِ صُنْدُوْقٍ وَقَفَا عَلَى السِّرِّ الَّذِى قَادَ إِلَى هَذِهِ المُحَاكَمَةِ ؛ فَقَدْ وَجَدَا صُوْرَةً فُوْتُوْغرَافِيَّةً كَبِيْرَةً لبُرُوْفِيسُور مَايْكِل كَتَبَ حَسُّوْنٌ عَلَى قَفَاهَا بِخَطِّ يَدِهِ : (رَجُلُ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ دُكْتُوْر مَايْكِل : عَدُوٌّ فِى ثِيَابِ صَدِيْقٍ) ؛ وَتَحْتُهَا أَوْرَاقٌ كَثِيْرَةٌ هِىَ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابٍ طَوِيْلٍ مِنْ حَسُّوْن إِلَى المَامُوْن وَسِكِرتِيْرِ رَابِطَةِ طُلاَّبِ دُوْلِ أَفْرِيْقيَا المُنَاهِضَةِ لِلاسْتِعْمَارِ الَّذِى دَرَسَ مَعَهُ فِى لنْدن .. خِطَابٍ طَوِيْلٍ فِيْهِ كُلُّ شَىْءٍ عَنْ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل(دُكْتُوْرمَايْكِل فِى ذَاْكَ الوَقْتِ) بِخَطِّ يَدِ حَسُّوْنٍ . وَلَوْقِيْلَ لبُرُوْفِيسُور مَايْكِل اكْتُبْ عَنْ نَفْسِكَ) ؛ لَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهَا كَمَا كَتَبَ حَسُّوْنٌ . وَمَرَّةً أُخْرَى تَوَاصَلَ الحِوَارُ بَيْنَ المَامُوْنِ وَدُكْتُوْر كَتَكُو ؛ بَعْدَ أَنْ أَطْلَعَهُ وَوَدُّالبَاشْكَاتِبِ عَلَى كُلِّ مَاجَاءَ بِخِطَابِ حَسُّوْنٍ ..
المَامُوْن : (وَالآنَ يَادُكْتُوْر كَتَكُوأَصْدِقْنِى القَوْلَ ؛ مَارَأْيُكَ الشَّخْصِىُّ فِى بُرُوْفِيسُور مَايْكِل؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور مَايْكِل رَجُلٌ أَبْعَدُ مَاتَرَى مِنْ شَخْصِيَّتِهِ طَرَفَ أَنْفِهِ الأَقْرَبَ إِلَيْكَ .. بُرُوْفِيسُور مَايْكِل رَجُلٌ مِثْلُ القُمَاشِ ؛ لَهُ وَجْهَانِ .. عَقْلُ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل عَقْلُ عَالِمٍ ؛ وَمَشَاعِرُهُ مَشَاعِرُ بَهِيْمَةٍ) .
كَانَ دُكْتُوْر كَتَكُو يَتَحَدَّثُ وَالمَامُوْنُ يَنْظُرُ إِلَى عَيْنَيْهِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تَطْرِفَانِ كَثِيْراً ؛ شَأْنُ إِنْسَانٍ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا كَثِيْراً فَلَمْ يُقْنِعْهُ شَىْءٌ فِيْهَا ؛ وَلَمْ يَصْرِفْهُ شَىْءٌ عَنْهَا . أَمَّا وَدّالبَاشْكَاتِب فَقَدْ سَأَلَهُ :



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:03 PM   #[47]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

ـ (تُرَى عَمَّ تَبْحَثُ المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ فِى أَوْرَاقِ حَسُّوْن؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَدِ اخْتَرَعَ شَيْئاً سَيُغَيِّرُ خَرِيْطَةَ أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ فِى أَذْهَانِ العُلَمَاءِ . وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَدْ أَحْرَزَ دُكْتُوْرَاةً فِى الكِيْمْيَاءِ وَأُخْرَى فِى الفِيْزيَاءِ النَّوَوِيَّةِ ؛ فَيُمْكِنُكَ بِنَفْسِكَ أَنْ تَصِلَ إِلَى ذَاْكَ الشَّىْءِ الكِيْمِى ـ فِيْزيَاِئِى ؛ الَّذِى لاأَقُوْلُ اكْتَشَفَهُ بَلِ اخْتَرَعَهُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ وَالَّذِى سَيُغَيِّرُ صُوْرَةَ العَالَمِ أَوْيَأْتِى بِصُوْرَةٍ أُخْرَى لِلعَالَمِ .. صُوْرَةٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا مَصِيْرُ الكَوْنِ كُلِّهِ) . وَدّالبَاشْكَاتِب : (إِنْ لَمْ تَكُنِ المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ تَبْحَثُ عَنْ شَىْءٍ تَوَصَّلَ إِلَيْهِ حَسُّوْنٌ يُطِيْلُ عُمْرَ الإِنْسَانِ ؛ فَلاطَائِلَ مِنْ وَرَاءِ بَحْثِهَا ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ عُمُرَ حَسُّوْنٍ نَفْسِهِ كَانَ قَصِيْراً!)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بِحِسَابِ السِّنِيْنَ عُمْرُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ قَصِيْراً ؛ أَمَّا بِحِسَابِ الاكْتِشَافَاتِ وَالاخْتِرَاعَاتِ فَبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن مَازَالَ يَعِيْشُ وَسَيَظَلُّ يَعِيْشُ إِلَى أَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ العِلْمَ مِنَ الأَرْضِ) .
وَدّالبَاشْكَاتِب : (وَهَلْ حَدَّثَكَ حَسُّوْنٌ عَنْ أَىِّ اخْتِرَاعٍ لَهُ؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو: ( نَعَمْ) .
ثُمَّ حَدَّثَهُ عَنِ العَقَّارِ الَّذِى تَوَصَّلَ حَسُّوْنٌ إِلَى تَرْكِيْبَتِهِ ؛ وَالَّذِى يُحَدِّدُ دَوْرَ الإِنْسَانِ فِى الحَيَاةِ وَهُوَ بَعْدُ فِى رِحِمِ أُمِّهِ ؛ وَالَّذِى جَاءَ ذِكْرُهُ ضِمْنَ شَهَادَتِهِ فِى المَحْكَمَةِ فِيْمَا بَعْدُ .
وَدّ البَاشْكَاتِب : (المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ كَانَتْ تَعْمَلُ عَلَى مَحْوِعَائِلَةِ حَسُّوْنٍ مِنَ الوُجُوْدِ ؛ حَتَّى لايَظْهَرَ فِيْهَا حَسُّوْنٌ آخَرُ يُهَدِّدُهَا فِى الصَّمِيْمِ ؛ كَمَا فَعَلَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان . المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ كَانَتْ تَعْمَلُ عَلَى مَحْوِ عَائِلَةِ حَسُّوْنٍ مِنَ الوُجُوْدِ بِاخْتِطَافِ أَفْرَادِهَا وَقَتْلِهِمْ ؛ وَتَنْتَهِى القَضِيَّةُ بِادِّعَاءِ انْهِيَارِ أَحَدِ البُيُوْتِ عَلَيْهِمْ مِنْ جَرَّاءِ هَدْمِ النِّيْلِ لِبُيُوْتِ قُوْزْ قُرَافِى .. كَانُوا يَنْوُوْنَ ارْتِكَابَ الجَرِيْمَةِ وَتَحْمِيْلَ النِّيْلِ عَقَابِيْلَهَا ؛ لِذَا أَنَامُوا كُلَّ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى حَتَّى حَيَوَانَاتِهِمْ . لَكَنَّ اللَّهَ جَعَلَ كَيْدَهُمْ فِى نُحُوْرِهِمْ .. اللَّهُ أَكْبَرُ فَوْقَ كَيْدِهِمْ ؛ سَوْفَ نَثْأَرُ لِحَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان وَنَنْتَقِمُ لِقُوْزْ قُرَافِى مِنْ هَؤُلاءِ الَّذِيْنَ قَتَلُوا حَسُّوْناً بِلا ذَنْبٍ ) .
قَالَ وَدّالبَاشْكَاتِب ذَلِكَ وَقَدْ تَهَيَّجَ هِيَاجاً شَدِيْداً حَيَّرَ المَامُوْنَ كَثِيْراً ؛ لِمَا عَرَفَ عَنْ وَدّالبَاشْكَاتِب مِنِ انْضِبَاطٍ فِى الأَعْصَابِ يُثِيْرُ الدَّهْشَةَ فِى أَصْعَبِ المَوَاقِفِ . لَكِنَّهُ رَغْمَ حَيْرَتِهِ سَأَلَ دُكْتُوْر كَتَكُو :
ـ (لِمَاذَا تَكْرَهُ أُوْرُوْبَا وَالغَرْبُ عُمُوْماً حَسُّوْناً إِلَى هَذَا الحَدِّ؟)
دُكْتُوْر كَتَكُو : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن فِى أُوْرُوْبَا كَمِسْمَارٍ مُحَمَّىً غُرِزَ فِى لَوْحٍ مِنَ الزُّبْدِ .. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن أَوَّلُ عَبْدٍ يَسْتَعْمِرُ بِرِيْطَانْيَا .. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن اسْتَعْمَرَ بِرِيْطَانْيَا بِعَقْلِهِ .. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن إِنْسَانٌ تَآخَى قَلْبُهُ وَعَقْلُهُ ؛ لِذَا وَقَفَ بِصَلابَةٍ فِى وَجْهِ مَنِ اسْتَعْمَرُوا بَلَدَهُ . بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ دَائِمَ القَوْلِ لِى : <أَعْدَائِى فِى قُوْزْ قُرَافِى يُخْلِصُوْنَ لِى أَكْثَرُ مِمَّا يُخْلِصُ أَصْدِقَاءُ لأَصْدِقَائِهِمْ فِى أُوْرُوْبَا ؛ هَذَا إِنْ كَانَ لِى أَعْدَاءٌ فِى قُوْزْ قُرَافِى> . أُوْرُوْبَا كُلُّهَا تَكْرَهُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ لأَنَّهَا تَعْتَقِدُ أَنَّ مِثْلَ عَقْلِهِ لايَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ فِى جُمْجُمَةِ عَبْدٍ . هَلْ سَمِعْتَ بِأَوَّلِ قَانُوْنٍ لِلعَبِيْدِ؟)
المَامُوْن : (لا) .
دُكْتُوْر كَتَكُو : (أَوَّلُ قَانُوْنٍ لِلعَبِيْدِ وَضَعَتْهُ مُسْتَعْمَرَةُ (كَارُولينا) سَنَة 1628ميْلادِيَّة ؛ وَجَاءَ فِيْهِ :<إِنَّ العَبْدَ لانَفْسَ لَهُ وَلارُوْحَ ؛وَلَيْسَتْ لَهُ فِطْنَةٌ وَلاذَكَاءٌ وَلاإِرَادَةٌ ؛ وَإِنَّ الحَيَاةَ لاتَدِبُّ إِلاَّ فِى ذِرَاعَيْهِ> ؛ وَلَكِنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن أَثْبَتَ بُطْلانَ هَذَا القَانُوْنِ كَلِمَةً كَلِمَةً؛ لِذَا تَكْرَهُهُ أُوْرُوْبَا . الأُوْرُبِيُّوْنَ كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: <إِذَا رَأَيْتَ عَبْداً نَائِماً فَايْقِظْهُ ؛ كَىْ لايَحْلُمَ فِى نَوْمِهِ بِالحُرِّيَّةِ> ؛ لِذَا كَرِهُوا بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ إِذْ أَثْبَتَ لَهُمْ أَنَّ النَّوْمَ لَمْ يَعُدْ شَرْطاً لِلحُلُمِ ؛ وَأَنَّ العَبْدَ أَصْبَحَ يَحْلُمُ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ ) .
وَالمَامُوْنُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالمِسْتَيْقِظِ يُعِيْدُ فِى ذِهْنِهِ هَذا الشَّرِيْطَ الَّذِى رُبَّمَا نَسِىَ فِى هَذِهِ اللَّحْظَةِ بَعْضاً مِنْ أَجْزَائِهِ؛ لَكِنَّهُ قَطْعاً لَمْ يَنْسَ كَلِمَاتِ دُكْتُوْر كَتَكُو لَهُ؛ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ تَرْتِيْبٍ : (بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ رَجُلاً قَوِيّاً ؛ تَرَى العَضَلاتِ المَفْتُوْلَةَ حَتَّى فِى أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ ؛ مِثْلمَا هِىَ فِى عَقْلِهِ وَرُوْحِهِ .. يَرْتَعُ فِى بَشَرَتِهِ لَوْنُ زُنْجَىٍّ وَيَدْفِنُ فِى قَلْبِهِ خَنْجَرَعَرَبِىٍّ. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن مِثْلُ طَلْقَةِ البُنْدُقِيَّةِ ؛ وَطَلْقَةُ البُنْدُقِيَّةِ تَسِيْرُ أَبَداً فِى خَطٍّ مُسْتَقِيْمٍ .. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ظَاهِرَةٌ لاتَحْدُثُ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ تَمَاماً كَرَأْسِ عُوْدِ الثِّغَابِ إِذْ لاَيَشْتَعِلُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ . بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن تَغَلْغَلَ فِى أَعْمَاقِ الإِنْسَانِ مِنْ خِلالِ تَعَمُّقِهِ فِى نَفْسِهِ.. بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن إِنْسَانٌ لاتَتَّسِعُ الحَيَاةُ لِطُمُوْحَاتِه ِ؛ وَهَذَا هُوَ سِرُّ شَقَائِهِ ؛ فَقَدْ قَالَ لِى مَرَّةً : < خَاتَمِى الضَّيِّقُ عَلَى إِصْبَعِى هَذَا أَوْسَعُ مِنَ الدُّنْيَا> . بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن يَبْحَثُ عَنْ شَىْءٍ فِى الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِيْهَا .. رُبَّمَا يَبْحَثُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُثْبِتَ قُوًى أَكْبَرَ مِنْ إِدْرَاكِهِ) .
فِى ذَاْكَ الوَقْتِ قَالَ المَامُوْنُ فِى نَفْسِهِ :"هَذَا العَالَمُ مُتَّسِعٌ ؛ وَمِنْ شِدَّةِ اتِّسَاعِهِ أَنَّهُ يَضِيْقُ بِأَهْلِهِ ؛ أَوْعَلَى الأَقَلِّ بِأَفْكَارِهِمْ" . وَمَازَالَ المَامُوْنُ بَيْنَ المُسْتَيْقِظِ وَالنَّائِمِ يُعِيْدُ فِى ذِهْنِهِ كَلِمَاتِ دُكْتُوْر كَتَكُو لَهُ : >بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن دَيْنٌ وَاجِبُ السَّدَادِ ؛ أَخَذَتْهُ الدُّنْيَا لِتُكْمِلَ بِهِ زِيْنَتَهَا وَمَاطَلَتْ كَثِيْراً فِى سَدَادِهِ . وَلَمَّا أُجْبِرَتْ عَلَى إِرْجَاعِهِ إِلَى عَالَمِهِ فَقَدَتِ الدُّنْيَا زِيْنَتَهَا ؛ لَكِنَّهَا لَمْ تَفْقِدِ الاتِّصَالَ بِذَاْكَ العَالَمِ الَّذِى لايُمْكِنُ تَسْمِيَتُهُ ؛ وَإِنْ كَانَ فِى اسْمِهِ مَعْنَى الخُلُوْدِ . بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن وُلِدَ حِيْنَ لَمْ يَكُنْ لِلحَيَاةِ ذِئْبٌ؛ وَفَارَقَهَا حِيْنَ صَارَ لَهَا ذِئْبٌ بِأَلْفِ لَوْنٍ وَأَلْفِ ذَيْلٍ) .
مَرَّ هَذَا الشَّرِيْطُ فِى ذِهْنِ المَامُوْنِ ؛ وَالمُوْسِيْقَى الحَالِمَةُ تُسْرِعُ بِهِ إِلَى النَّوْمِ . رُبَّمَا نَسِىَ بَعْضاً مِمَّا ذَكَرَهُ لَهُ دُكْتُوْر كَتَكُو ؛ رُبَّمَا غَالَبَهُ النَّوْمُ فَلَمْ يَسْتَعْرِضْ فِى ذِهْنِهِ كَلَّ مَاقَالَهُ لَهُ دُكْتُوْر كَتَكُو ؛ فَجَذَبَ الغِطَاءَ الثَّمِيْنَ عَلَى جَسَدِهِ دَاخِلَ غُرْفَةٍ فِى وَاحِدٍ مِنْ قُصُوْرِ لَيْلَى عِبيْد ؛ وَالَّذِى خَصَّصَتْ لَهُ وَلِوَدّالبَاشْكَاتِب جَنَاحاً فِيْهِ . إِنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ قُصُوْرِ لَيْلَى عِبيْد فِى قَلْبِ لنْدن ؛ تَزِيْدُ مِسَاحَتُهُ عَنْ نِصْفِ مِسَاحَةِ قُوْزْ قُرَافِى . لَقَدْ كَانَتِ المُوْسِيْقَى حَالِمَةً فِى غُرْفَتِهِ تِلْكَ ؛ لَكِنَّ المَامُوْنَ لَمْ يَكُنْ حَالِماً فِى جَلْسَةِ المَحْكَمَةِ فِى صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِى وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى القَاضِى :
ـ تَرْجُو المَحْكَمَةُ مِنَ المُتَّهَمِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ أَنْ يَذْكُرَ أَمَامَهَا كُلَّ مَايَعْرِفُ عَنِ اخْتِرَاعِ بُرُوْفِيسُور محَمَّدالحَسَن النُّعْمَان ؛ أَوْحَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان كَمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ قَرْيَتِهِ ؛ الَّذِى حَدَّثَهُ عَنْهُ ؛ وَعَنْ مَاتَبْحَثُ عَنْهُ المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ فِى أَوْرَاقِ بُرُوْفِيسُور محَمَّدالحَسَن النُّعْمَان .
نَظَرَ المَامُوْنُ إِلَى بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ فَرَآهُ يَقِفُ فِى قَفَصِ الاتِّهَامِ كَخُدْعَةِ حَرْبٍ خَاسِرَة ٍ؛ وَهُوَ يَحْكِى لِلمَحْكَمَةِ :
ـ ذَكَرَ لِى بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ذَاتَ مَرَّةٍ أَنَّهُ قَدْ تَوَصَّلَ إِلَى تَرْكِيْبَةِ عَقَّارَيْنِ ؛ إِضَافَةً إِلَى عَقَّارٍ ثَالِثٍ ذَكَرَ دُكْتُوْر كَتَكُو شَيْئاً عَنْهُ أَمَامَ هَذِهِ المَحْكَمَةِ ؛ وَهُوَ الَّذِى يَحَدِّدُ دَوْرَ الإِنْسَانِ فِى الحَيَاةِ وَهُوَ بَعْدُ فِى رَحْمِ أُمِّهِ . أَحَدُ هَذَيْنِ العَقَّارَيْنِ كَمَا ذَكَرَ لِى بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ يُعَالِجُ عِلاجاً فَوْرِيّاً وَأَبَدِيّاً العَجْزَ وَالبُرُوْدَ الجِنْسِيَّيْنِ ؛ وَيَظَلُّ مَنْ تَعَاطَاهُ وَلَوْمَرَّةً وَاحِدَةً فِى حَالَةِ هِيَاجٍ جِنْسِىٍّ مُسْتَمِرٍّ . أَمَّا العَقَّارُ الآخَرُ فَيَتَحَكَّمُ الإِنْسَانُ بِوَاسِطَتِهِ فِى نَوْعِ المَوْلُوْدِ ؛ وَهُوَ عَلَى شِقَّيْنِ : أَحَدُهُمَا يَقْتُلُ كُلَّ الحَيَوَانَاتِ المَنَوِيَّةِ الأُنْثَوِيَّةِ ؛ فَلايَدْخُلُ البُوَيْضَةَ إِلاَّ حَيَوَانٌ مَنَوِىٌّ ذَكَرٌ . وَهُوَ لاَيَقْتُلُ الحَيَوَانَاتِ الأُنْثَوِيَّةَ فَقَط ؛ بَلْ يُضَاعِفُ نَشَاطَ وَخُصُوْبَةَ الحَيَوَانَاتِ المَنَوِيَّةِ الذَّكَرِيَّةِ ؛ وَفِى هَذِهِ الحَالَةِ لايَأْتِى المَوْلُوْدُ إِلاَّ ذَكَراً . وَالشِّقُّ الثَّانِى عَكْسُ ذَلِكَ تَمَاماً ؛ يَقْتُلُ الحَيَوَانَاتِ المَنَوِيَّةَ الذَّكَرِيَّةَ ؛ فَلايَأْتِى المَوْلُوْدُ إِلاَّ أُنْثَى . وَهَذَا الوَضْعُ فِى شِقَىِّ العَقَّارِ يِسْتَمِرُّ لِمُدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ تَعَاطِى الرَّجُلِ لِلعَقَّارِ ؛ وَلَيْسَتْ لِلعَقَّارِ أَيَّةُ آثَارٍ جَانِبِيَّةٍ ضَارَّةٍ . وَهَكَذَا يُمْكِنُ لِلدُّوَلِ أَنْ تُحَدِّدَ حَاجَتَهَا مِنَ الذُّكُوْرِ وَمِنَ الإِنَاثِ؛ وَتَبْنِى اقْتِصَادَهَا وَبَرَامِجَهَا التَّعْلِيْمِيَّةَ وَسِيَاسَاتِهَا كَافَّةً عَلَى ذَلِكَ . غَيْرَ أَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن أَخْبَرَنِى أَنَّهُ لَنْ يُعْلِنَ هَذَا الاخْتِرَاعَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَأَكَّدَ تَمَاماً أَنَّهُ لايَتَعَارَضُ أَدْنَى تَعَارُضٍ مَعَ الإِسْلامِ . أَمَّا أَنَا فَلَمْ أُطْلِعِ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لَيْسَ بِسَبَبِ شَرَفِ المِهْنَةِ وَلالأَىِّ سَبَبٍ آخَرَ ؛ سِوَى أَنَّنِى كُنْتُ أَبْحَثُ عَنْ أَوْرَاقِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ الَّذِى لاأَشُكُّ فِى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِيْهَا تَرْكِيْبَةَ هَذَيْنِ العَقَّارَيْنِ ؛ لأُسْنِدَ إِلَى نَفْسِى اخْتِرَاعَ هَذَيْنِ العَقَّارَيْنِ وَالعَقَّارِ الثَّاْلِثِ الَّذِى تَحَدَّثَ عَنْهُ دُكْتُوْر كَتَكُو أَمَامَ هَذِهِ المَحْكَمَةِ . وَلَكِنِّى أَظُنُّ أَنَّ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةَ تَبْحَثُ عَنْ أَوْرَاقِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لِشَىْءٍ أَخْطَرَ كَثِيْراً مِمَّا أَبْحَثُ عَنْهُ .. شَىْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالأَمْنِ مَثَلاً ؛ إِذِ الأَمْنُ أَحَدُ أَبْرَزِ مَجَالاتِ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ ؛ وَلاتَأْتِى الاكْتِشَافَاتُ وَالاخْتِرَاعَاتُ العِلْمِيَّةُ غَيْرُ المُتَعَلِّقَةِ بِالأَمْنِ فِى مُقَدِّمَةِ اهْتِمَامَاتِهَا .
ـ (حَسَناً) قَالَ القَاضِى ؛ وَخَاطَبَ المُتَّهَمَ :
ـ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ : اسْرُدْ عَلَى هَذِهِ المَحْكَمَةِ قِصَّةَ َقتْلِ بُرُوْفِيسُور محَمَّدالحَسَن النُّعْمَان بِإِيْجَازٍشَدِيْدٍ .
بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ : المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ اسْتَغَلَّتْ اخْتِرَاعِى وَبِتَدْبِيْرٍ مِنِّى ؛ فِى قَتْلِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لَيْلَةَ زَفَافِهِ . فَقَدِ اسْتَخْدَمَتِ الإِشْعَاعَ الضَّوْئِىَّ الَّذِى يُسَبِّبُ لِمَنْ يُسَلَّطُ عَلَى عَيْنَيْهِ نَوْعاً مِنَ الجُنُوْنِ يَدْفَعُهُ إِلَى القَتْلِ وَالعُنْفِ ثُمَّ الانْتِحَارِ سَرِيْعاً ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ دَسَّتْ تَحْتَ سَرِيْرِهِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى؛ إِذْ يَتَلَصَّصُوْنَ عَلَى الزَّوْجِ لَيْلَةَ زَفَافِهِ؛ دَسَّتْ أَحَدَ رِجَالِهَا مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى وَبِيَدِهِ ذَاْكَ المِصْبَاحُ الكَهْرَبَائِىُّ الَّذِى يُصْدِرُ ذَاْكَ الإِشْعَاعَ الضَّوْئِىَّ المُسَبِّبَ لِذَاْكَ النَّوْعِ مِنَ الجُنُوْنِ ؛ وَفِى اللَّحْظَةِ المُنَاسِبَةِ سَلَّطَ العَمِيْلُ الضَّوْءَ عَلَى عَيْنَىِّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن .
اسْتَمَعَ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَى إِفَادَةِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ؛ وَقَالَ فِى نَفْسِه :ِ "كَيْفَ تَأَتَّى لَهَذَا الرَّأْسِ الصَّغِيْرِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَّ هَذِهِ الأَفْكَارِ المُتَوَحِشَّةِ؟! بَلْ كَيْفَ صَدَرَتْ كُلُّ هَذِهِ الأَفْكَارِ المُتَوْحِشَّةِ عَنْ هَذَا الرَّأْسِ الصَّغِيْرِ؟! المَعْنَى وَاحِدٌ وَالشَّخْصُ المُفَكِّرُ وَاحِدٌ ؛ إِذَنِ الفِكْرُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلانْشِطَارِ ؛ أَوْهُوَ عَلَى الأَقَلِّ لايَقْبَلُهُ . هَذِهِ هِىَ النَّتِيْجَةُ المَنْطِقِيَّةُ لِلفِكْرِ ؛ وَلَكِنْ كُلُّ حَقِيْقَةٍ أَرْضِيَّةٍ هِىَ فِى النِّهَايَةِ نِسْبِيَّة" .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:04 PM   #[48]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

أَمَّا المَامُوْنُ فَقَدْ نَظَرَ إِلَى أُذُنَىِّ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ الكَبِيْرَتَيْنِ ؛ وَهُوَ الَّذِى يَعْلَمُ أَنَّ العَرَبَ تَعْتِقِدُ أَنَّ كِبَرَ الأُذُنَيْنِ يَدُلُّ عَلَى الجَهْلِ وَطُوْلِ العُمْرِ ؛ وَقَالَ فِى نَفْسِهِ :"هُرَاءٌ فِى هُرَاءٍ .. إِنْ كَانَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ جَاهِلاً ؛ فَمَنْ يَاتُرَى يَكُوْنُ عَالِماً فِى هَذَا الكَوْنِ؟ لَكِنْ رُبَّمَا تَحَقَّقَ الشَّطْرُ الثَّانِى مِنْ فَرَاسَةِ العَرَبِ ؛ وَإِنْ حَدَثَ هَذَا فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لِلعَالَمِ ؛ إِذْ سَيَعِيْشُ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ عُمُرَ مَلَكِ المَوْتِ . هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاتَخْرُجُ أَرْوَاحُهُمْ إِلاَّ مِنْ أَدْبَارِهِمْ ..هَؤُلاءِ قَوْمٌ لايَقْبِضُ عِزْرَائِيْلُ أَرْوَاحَهُمْ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ ـ إِنْ كَانَ لَهُ أَنْفٌ مِثْلُ البَشَرِ وَيَدَانِ ـ عَلَى أَنْفِهِ وَبِالأُخْرَى يُنْجِزُ مُهِمَّتَهُ) .
قَالَ المَامُوْنُ ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ وَزَمَّ أَنْفَهُ ؛ شَأْنُ مَنْ شَمَّ رَائِحَةَ جِيْفَةٍ ؛ وَقَالَ بِصَوْتٍ يَكَادُ يُسْمَعُ رَحِمَ اللَّهُ أَبَاالطَّيِّبِ المُتَنَبِّى ؛ فَكَأَنَّهُ مَاكَانَ يَذُمُّ فِى إِحْدَى أَشْهَرِ قَصَائِدِهِ إِلاَّ هَؤُلاءِ القَوْمَ) . لَكِنَّ المَامُوْنَ انْتَبَهَ فَجْأَةً .. كُلُّ سَاعَاتِ العَالَمِ تُعْلِنُ تَمَامَ الوَاحِدَةِ ظُهْراً بِتَوْقِيْتِ قِرِيْنتش ؛ وَخَوْفُ الإِنْسَانِ يُعْلِنُ أَنَّ الوَاحِدَةَ ظُهْراً بِتَوْقِيْتِ قِرِيْنتش لَنْ تَأْتِىَ أَبَداً .. أَتُرَى أَصْبَحَتْ عَقَارِبُ السَّاعَاتِ تَخْجَلُ مِنَ الزَّمَنِ ؛ أَمْ تَخْجَلُ إِنَابَةً عَنْهُ؟ عَلَى كُلٍّ ؛ فَالخَجَلُ فِى جَمِيْعِ الحَالاتِ مُلازِمٌ لِعْقَارِبِ السَّاعَاتِ ؛ وَبُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ يَقِفُ فِى قَفَصِ الاتِّهَامِ كَعَلامَاتِ السَّاعَةِ الكُبْرَى؛ أَوْقُلْ عَلَى وَجْهِهِِ كُلُّ عَلامَاتِ السَّاعَةِ الكُبْرَى ؛ وَهُوَ يَشْرَحُ لِلمَحْكَمَةِ وَيَخْطَفُ بَيْنَ الحِيْنِ وَالآخَرِ نَظْرَةً إِلَى مَلِكَةِ بِرِيْطَانْيَا الَّتِى تَمْلِكُ وَلاتَحْكُمُ ؛ وَالَّتِى رَآهَا المَامُوْنُ تَجْلِسُ بِوَقَارٍ يَلِيْقُ بِمَكَانَتِهَا وَاحْتِرَامِ المَكَانِ الَّذِى تَجْلِسُ فِيْهِ :
ـ لَقَدْ كَانَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن يَعْتَبِرُنِى الصَّدِيْقَ الأَبْيَضَ الوَحِيْدَ لَهُ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ مِنَ النَّادِرِ جِدّاً أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَسْرَارِى أَوْأَسْرَارِ غَيْرِى ؛ وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ البَشَرِ مِنَ العَسِيْرِ اسْتِخْلاصُ أَسْرَارِهِ الخَاصَّةِ . لَكِنَّنِى اتَّبَعْتُ مَعَهُ أُسْلُوْباً مَاكِراً ؛ فَقَدْ صِرْتُ أَحْكِى لَهُ بِاسْتِمْرَارٍ أَسْرَارِى الخَاصَّةَ الَّتِى لاضَرَرَ يَلْحَقُ بِى مِنْ إِذَاعَتِهَا ؛ لَكِنَّهُ التَزَمَ الحَذَرَ الَّذِى هُوَ أَحَدُ سِمَاتِ العُلَمَاءِ . وَلَكِنْ فِى إِحْدَى المَرَّاتِ وَحِيْنَ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ عَنِ العَقْلِ البَاطِنِ ؛ أَذْهَلَنِى بِمَعْرِفَتِهِ الدَّقِيْقَةِ وَالعَمِيْقَةِ لِلعَقْلِ البَاطِنِ ؛ بَلْ مَدَّنِى بِأَسْرَارٍ عَنِ العَقْلِ البَاطِنِ لايَعْرِفُهَا فِى العَالَمِ الآنَ أَحَدٌ سِوَاىَ . أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ حَدَّثَنِى عَنْ أَبْحَاثِهِ فِى العَقْلِ البَاطِنِ ؛ وَالَّتِى اسْتَقَيْتُ مِنْهَا فِكْرَةَ التَّجْرِبَةِ الَّتِى أَجْرَيْتُهَا عَلَى مِسْتِر أَنْدَرْسُون ؛ إِذْ شَحَنْتُهُ بِشَخْصِيَّةٍ خَيَالِيَّةٍ لابْنٍ وَهْمِّىٍّ لِبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ وَاضِعاً فِى الاعْتِبَارِ كُلَّ خَلْفِيَّاتِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن الاجْتِمَاعِيَّةِ .
قَالَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ ذَلِكَ ؛ وَهُوَ يُرَكِّزُ بَصَرَهُ عَلَى رَئِيْسِ الأَكَادِيْمِيَّةِ السِّويدِيَّةِ الَّتِى مَنَحَتْ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن جَائِزَتَى نُوْبل فِى الكِيْميَاءِ وَالفِيْزيَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ وَهِىَ المَرَّةُ الأُوْلَى فِى التَّارِيْخِ الَّتِى تُمْنَحُ فِيْهَا تِلْكَ الجَائِزَةُ لِشَخْصٍ مُتَوَفَى ؛ وَقَدْ كَانَ رَئِيْسُ الأَكَادِيْمِيَّةِ السِّويدِيَّةِ يَضَعُ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِهِ الأَصْلَعِ . ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ أَنْ أَرْدَفَ :
ـ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن وَأَحْسُدُهُ لِعِلْمِهِ الوَاسِعِ وَذَكَائِهِ المُفْرِطِ ؛ الَّذِى لَوْقُسِّمَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْخَاصٍ مِنَ المُتَخَلِّفِيْنَ عَقْلِيّاً لَصَارُوا جَمِيْعاً مِنَ النَّوَابِغِ . وَقَدِ اسْتَغْلَلْتُ وَضْعِى فِى المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ (6. I. M) لِلإِيْقَاعِ بِهِ . فَقَدْ كُنْتُ رَئِيْساً لِقِسْمٍ فِيْهَا يُسَمَّى (أَيَّامُ الأُسْبُوْعِ الثَّمَانِيَةُ) ؛ وَهُوَ قِسْمٌ يَجْعَلُ اليَوْمَ الوَاحِدَ وَاحِداً وَعِشْرِيْنَ سَاعَةً ؛ وَهِىَ سَاعَاتُ العَمَلِ اليَوْمِيَّةُ ؛ أَىْ أَنَّ العَمَلَ فِى هَذَا القِسْمِ يَسْتَغْرِقُ اليَوْمَ بِأَكْمَلِهِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَعِشْرُوْنَ سَاعَةً . ذَلِكَ أَنَّ عَدَدَ سَاعَاتِ الأُسْبُوْعِ العَادِّىِّ وَهِىَ مِائةٌ وَثَمَانِيَةُ وَسِتُّوْنَ سَاعَةً ؛ إِذَا قُسِّمَتْ عَلَى عَدَدِ سَاعَاتِ يَوْمِ هَذَا القِسْمِ مِنَ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ الَّتِى هِىَ وَاحِدٌ وَعِشْرُوْنَ سَاعَةً ؛ لَكَانَ فِى الأُسْبُوْعِ الوَاحِدِِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ؛ وَمِنْ هُنَا جَاءَتْ تَسْمِيَةُ هَذَا القِسْمِ . لَقَدْ وَجَدْتُ الفُرْصَةَ المُوَاتِيَةَ عِنْدَمَا رَفَضَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن الجِنْسِيَّةَ البِرِيْطَانِيَّةَ بِأَنِفَةٍ مُبَالَغٍ فِيْهَا ؛ إِذْ أَوْعَزْتُ إِلَى المُخَابَراتِ البِرِيْطَانِيَّةِ أَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن يَتَزَعَّمُ جَمَاعَةً تَعْمَلُ ضِدَّ بِرِيْطَانيَا الَّتِى يَعْتَبِرُهَا قِمَّةَ الاسْتِعْمَارِ وَاسْتِعْبَادَ الشُّعُوْبِ ؛ وَأَنَّ لَهُ أَسَالِيْبَ عِدَّةً فِى مُحَارَبَةِ بِرِيْطَانيَا ؛ مِنْ بَيْنِهَا تَسْخِيْرُ عِلْمِهِ الوَاسِعِ لِهَذِهِ الغَايَةِ . فَكَانَ أَنْ قَرَّرَتِ المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ اسْتِخْدَامَ العِلْمِ لِتَصْفِيَةِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن جَسَدِيّاً ؛ وَأَوْكَلَتِ الأَمْرَ إِلَى قِسْمِ أَيَّامِ الأُسْبُوْعِ الثَّمَانِيَةِ . وَمِنْ ثَمَّ فَقَدِ اخْتَرَعَتُ الضَّوْءَ الَّذِى يُسَبِّبُ لِمَنْ يُسَلَّطُ عَلَى عَيْنَيْهِ حَالَةً أَطْلَقْتُ عَلَيْهَا (الحَالَة 606) ؛ إِذْ يَمِيْلُ الشَّخْصُ الضَّحِيَّةُ بِسَبَبِ نَوْعٍ مِنَ الجُنُوْنِ يَتَسَبَّبُ فِيْهِ ذَاْكَ الضَّوْءُ ؛ إِلَى القَتْلِ بِعُنْفٍ ثُمَّ الانْتِحَارِ . إِذَنْ فَقَدْ رَاحَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ضَحِيَّةَ الحَالَةِ 606 ؛ وَاسْمُ هَذِهِ الحَالَةِ لَهُ صِلَةٌ بِاسْمِ دَوَاءٍ بِنَفْسِ الاسْمِ يُسْتَخْرَجُ مِنَ الزَّرْنِيْخ ؛ كَانَ فِيْمَا مَضَى يُسْتَعْمَلُ فِى عِلاجِ مَرَضِ الزُّهْرِى وَأَمْرَاضٍ أُخْرَى . وَقَدْ سُمِّىَ ذَاْكَ الدَّوَاءُ بِهَذَا الاسْمِ ؛ لأَنَّ مُكْتَشِفَهُ (بول إِيرليتش) قَدْ ظَلَّ يُجَرِّبُهُ المَرَّةَ تِلْوَالمَرَّةِ فَيَفْشَلُ العِلاجُ بِهِ؛ وَفِى كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ تَعْدِيْلاً وَيُطَوِّرُهُ إِلَى أَنْ نَجَحَ فِى العِلاجِ بِهِ بِفَعَالِيَّةٍ قُصْوَى فِى المَرَّةِ رَقْمِ 606. وَكَذَلِكَ أَنَا ؛ فَقَدْ ظَلَلْتُ أُجَرِّبُ ذَاْكَ الضَّوْءَ وَأُحَاوِلُ الوُصُوْلَ بِهِ إِلَى الحَالَةِ الَّتِى وَصَفْتُ فَأَفْشَلُ فَأُدْخِلُ عَلَيْهِ جَدِيْداً ؛ إِلَى أَنْ وَصَلْتُ إِلَى تِلْكَ الحَالَةِ بِنَجَاحٍ مُنْقَطِعِ النَّظِيْرِ فِى المَرَّةِ رَقْمِ 606 . إِذَنْ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَتَلَتْهُ بِتَدْبِيْرٍ مِنِّى المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ بِالحَالَةِ 606 ؛ وَالَّتِى أَطْلَقَتْ عَلَيْهَا اسْماً آخَرَ ؛ وَهُوَ : (عَمَلِيَّة رَقْصَة الأَسْمَاك) . لَقَدْ نَفَّذَتِ المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ (عَمَلِيَّة رَقْصَة الأَسْمَاك) فِى قَتْلِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ وَهِىَ المَرَّةُ الوَحِيْدَةُ فِى كُلِّ تَارِيْخِهَا الَّتِى لَجَأَتْ فِيْهَا إِلَى هَذِهِ العَمَلِيَّةِ ؛ فَكَانَ مَاجَرَى لِبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَمَا اسْتَمَعَتِ المَحْكَمَةُ المُوَقَّرَةُ .
فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَحَسَّ المَامُوْنُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَدُوْرُ حَوْلَهُ وَحَوْلَ نَفْسِهَا ؛ وَيَدُوْرُ هُوَ حَوْلَ نَفْسِهِ وَحَوْلَ الأَشْيَاءِ . لَكِنَّهُ رَغْمَ ذَلِكَ تَمَالَكَ نَفْسَهُ الدَّوَارَةَ هَذِهِ ؛ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى مُمَثِّلِ الاتِّهَامِ يَسْتَجْوِبُ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ :
ـ مَنِ الشَّخْصُ الَّذِى سَلَّمَ عَمِيْلَكُمْ بِقُوْزْ قُرَافِى المِصْبَاحَ الكَهْرَبَائِىَّ الَّذِى يُسَبِّبُ الحَالَةَ 606؟
بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ : مِسْتَر بَاتْرِيْك مِنْ قِسْمِ أَيَّامِ الأُسْبُوْعِ الثَّمَانِيَةِ ؛ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ الدَّارِجَةَ السُّوْدَانِيَّةَ بِطَلاقَةٍ .
مُمَثِّل الاتِّهَام : وَأَيْنَ هُوَ الآن؟
بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ : لاأَدْرِى ؛ فَقَدِ انْقَطَعَتْ صِلَتِى بِالمُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ مُنْذُ أَنْ أَنَّبَنِى ضَمِيْرِى عَلَى قَتْلِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن النُّعْمَان .
مُمَثِّل الاتِّهَام : هَلْ كَانَتْ لَيْلَى عِبيْد ؛ أَوْجُوْهَانَا رِيْد(Johana Raid) بِاسْمِهَا الأَصْلِىِّ ؛ مُجَنَّدَةً فِى المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ؟
بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ : عَلَى حَسَبِ عِلْمِى فَإِنَّ المُخَابَراتِ البِرِيْطَانِيَّةَ قَدْ عَرَضَتْ عَلَيْهَا مَنْصِباً رَفِيْعاً بِهَا ؛ رَفَضَتْهُ بِعِزَّةِ نَفْسٍ . وَعَلَى حَسَبِ عِلْمِى أَيْضاً فَإِنَّ المُخَابَراتِ البِرِيْطَانِيَّةَ (6. I. M) وَجِهَازَ الأَمْنِ البِرِيْطَانِىَّ (M15) يُتَابِعَانِهَا خُطْوَةً خُطْوَةً فِى بِرِيْطَانيَا ؛ بَلْ حَتَّى وَهِىَ فِى قُوْزْ قُرَافِى .
نَظَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَى لَيْلَى عِبيْد ؛ وَلَوْرَآهَا صِبيْرٌ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ بِعَيْنِ سُخْرِيَّتِهِ ؛ لَقَالَ فِى نَفْسِهِ : "إِنَّهَا تَجْلِسُ كَقِطَّةٍ جَاءَهَا الحَيْضُ . وَلَكِنَّ القِطَطَ لايَجِيْئُهَا الحَيْضُ !إِذَنْ فَلْتَكُنْ كَقِطَّةٍ لَمْ يَجِئْهَا الحَيْضُ" . بِالطَّبْعِ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ وَدّالبَاشْكَاتِب يَتَّسِعُ لِمِثْلِ هَذِهِ الأَفْكَارِ فِى هَذِهِ المَرْحَلَةِ الدَّقِيْقَةِ مِنَ المُحَاكَمَةِ ؛ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ :
ـ لَقَدْ أَنَّبَنِى ضَمِيْرِى بِشِدَّةٍ فِى النِّهَايَةِ ؛ فَرَأَيْتُ فِى مُحَاوَلَةٍ لِرَدِّ شَىْءٍ مِنَ الاعْتِبَارِ إِلَى بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ أَنْ أُكَرِّمَ عِظَامَهُ وَإِنْ أَسَأْتُ إِلَيْهِ حَيّاً وَخُنْتُ صَدَاقَتَهُ فِى آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ ؛ فَكَانَ مَاكَانَ مِنْ دَفْنِ عِظَامِهِ فِى مَقْبَرَةِ وستمِنسْتَر أبِّى(WestminsterAbbey) ؛ وَكَانَ مَاكَانَ مِنِ اعْتِرَاضِ جُوْهَانَا رِيْد Johana Raid)) عَلَى ذَلِكَ ؛ وَمَاشَغَلَ الرَّأْيَيْنِ البِرِيْطَانِىَّ وَالعَالَمِىَّ فِى هَذَا الشَّأْنِ . إِنَّنِى أَمَامَ هَذِهِ المَحْكَمَةِ المُوَقَّرَةِ ؛ وَأَمَامَ أَكْبَرِأَهْلِ القَانُوْنِ فِى كَافَّةِ أَرْجَاءِ العَالَمِ ؛ وَأَمَامَ أَعْضَاءِ مَجْلِسِىِّ اللُّورْدَاتِ وَالعُمُوْمِ ؛ وَالعُلَمَاءِ مِنْ زُمَلاءِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن النُّعْمَان وَأَصْدِقَائِهِ ؛ وَأَمَامَ تَلامِيْذِى وَأَصْدِقَائِى وَأَمَامَ العَالَمِ أَجْمَعَ ؛ إِذْأَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الجَلْسَةَ تَنْقُلُهَا كُلُّ قَنَوَاتِ التِّلِفِزْيُوْنَيْنِ الإِنْجِلِيْزِىِّ وَالأَمِيْرِيْكِىِّ وَخِلافِهِمَا إِلَى العَالَمِ قَاطِبَةً ؛ إِنَّنِى أَعْتَرِفُ أَمَامَكُمْ جَمِيْعاً وَأَنَا بِكَامِلِ قُوَاىَ العَقْلِيَّةِ وَبِمَحْضِ إِرَادَتِى وَإِرَاحَةً لِضَمِيْرِى ؛ أَنَّنِى قَاتِلُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن النُّعْمَان أَحْمَد طَهَ الحَقِيْقِىُّ وَالفِعْلِىُّ تَدْبِيْراً وَتَنْفِيْذاً . إِنَّنِى ـ سَيِّدِى القَاضِى ـ لأَطْمَعُ فِى عَدْلِ السَّمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا أَرْجُو مِنْ عَدَالَةِ أَهْلِ الأَرْضِ ؛ فَإِنَّنَا فِى النِّهَايَةِ جَمِيْعاً فِى الأَرْضِ مُذْنِبُوْنَ وَمُقْبِلُوْنَ عَلَى غَفُوْرٍ رَحِيْمٍ . وَإِنَّنِى أَشْهَدُ أَمَامَكُمْ جَمِيْعاً أَنْ لاإِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللَّهِ .
لَقَدْ نَطَقَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ الشَّهَادَتَيْنِ بِلُغَةٍ عَرَبِيَّةٍ سَلِيْمَةٍ وَجَلَسَ بِهُدُوْءٍ ؛ بَيْنَمَا حَدَّثَ وَدّالبَاشْكَاتِب نَفْسَهُ :"هَذِهِ مُفَاجَأَةٌ لَمْ نَعُدَّ لَهَا العُدَّةَ . وَلَكِنْ أَتُرَى حُكْمَ الدِّيْنِ المَسِيْحِىِّ فِى المُرْتَدِّ عَنْهُ كَحُكْمِ الدِّيْنِ الإِسْلامِىِّ فِى المُرْتَدِّ عَنْهُ؟" وَمِنْ مَكَانٍ قَصِىٍّ فِى نَفْسِهِ سَمِعَ وَدّالبَاشْكَاتِب صَوْتاً إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) .
تَلَفَّتَ المَامُوْنُ حَوْلَهُ ؛ فَرَأَى بَابَا الفَاتِيْكَانِ بِقَامَتِهِ القَصِيْرَةِ وَطَاقِيَّتِهِ التَّقْلِيْدِيَّةِ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَحُكُّ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ ؛ بَيْنَمَا أَطْرَقَ رَئِيْسُ وُزَرَاءِ بِرِيْطَانيَا إِلَى الأَرْضِ ؛ وَقَدْ سَمِعَ المَامُوْنُ صَوْتَ آدَمَ أَبِى البَشَرِ ـ وَقَدْ بَحَّ ـ يُنَادِى أَبْنَاءَهُ لِيَغْفِرُوا لَهُ زَلَّتَهُ ؛ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ :"لَيْسَ الإِخْرَاجُ مِنَ الجَنَّةِ كَالإِدْخَالِ فِيْهَا ؛ وَالجَنَّةُ لايَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ..الجَنَّةُ هِىَ الجَنَّةُ وَالنَّارُ هِىَ النَّارُ وَلاشَىْءَ بَيْنَهُمَا. اللَّهُ أَكْبَر.. هَؤُلاءِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ نَطَقُوا الشَّهَادَتَيْنِ ؛ لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَنْطِقُوْنَهُمَا مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ لابِجُمْلَةِ القَلْبِ" . هَكَذَا حَدَّثَ المَامُوْنُ نَفْسَهُ ؛ وَقَدْ تَعَجَّبَ كَيْفَ اسْتَطَاعَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ أَنْ يَفْلِتَ مِنَ القَدَرِ حَتَّى الآن؟ لَكِنَّ صَوْتاً وَاثِقاً بِنَفْسِهِ سَمِعَهُ بِأَعْمَاقِهِ أَرَاحَهُ كَثِيْراً يَامَامُوْن : لاشَىْءَ يَفْلِتُ مِنْ يَدِ القَدَرِ) .
مَرَّةً أُخْرَى نَظَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَى بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ ؛ فَرَآهُ يَجْلِسُ فِى قَفَصِ الاتِّهَامِ كَمَنْ تَخَلَّصَ مِنْ حَمْلٍ ثَقِيْلٍ نَاءَ بِهِ كَاهِلُهُ سِنِيْنَ طَوِيْلَةً ؛ وَقَدْ بَانَتْ عَلَى وَجْهِهِِ عَلامَاتُ مَنْ أَرْضَى ضَمِيْرَهُ بَعْضَ الشَّىْءِ .
نَظَرَتِ الخَوَاجِيَّةُ جُوْهَانَا رِيْد إِلَى َبُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ ؛ وَهِىَ تَسْتَمِعُ إِلَى مُمَثِّلِ الاتِّهَامِ :
ـ أَرْجُو أَنْ يَأْمُرَ القَاضِى بإِسْقَاطِ الجِنْسِيَّةِ الإِنْجِلِيْزِيَّةِ عَنْ َبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن النُّعْمَان بِاعْتِبَارِهِ مُوَاطِناً مِنْ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَإِرْجَاعِ عِظَامِهِ لِتُدْفَنَ فِى احْتِفَالٍ عَالَمِىٍّ بِمَقَابِرِ قَرْيَتِهِ الَّتِى أَحَبَّ .
القَاضِى : قَرَارُ مَنْحِ الجِنْسِيَّةِ الإِنْجِلِيْزِيَّةِ لِبُرُوْفِيسُور محَمَّدالحَسَن النُّعْمَان وَدَفْنُ عِظَامِهِ بِمَقْبَرَةِ وستمِنسْتَر أبِّى (WestminsterAbbey)؛ كَانَ قَرَاراً سِيَاسِيّاً اتَّخَذَهُ البَرْلَمَانُ البِرِيْطَانِىُّ ؛ وَسَنَتَّبِعُ الطُّرُقَ الكَفِيْلَةَ بإِلغَائِهِ مِنْ دَاخِلِ البَرْلَمَانِ البِرِيْطَانِىِّ .
مَرَّةً أُخْرَى وَقَفَ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ لِيَقُوْلَ :
ـ سَيِّدِى القَاضِى : إِنَّ الَّذِى يَجْلِسُ الآنَ فِى قَفَصِ الاتِّهَامِ هُوَ الاسْتِعْمَارُ فِى صُوْرَةِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ .. الاسْتِعْمَارُ هُوَ الَّذِى قَتَلَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن النُّعْمَان عَنْ عَمْدٍ وَتَرَصُّدٍ وَسَبْقِ إِصْرَارٍ ؛ وَقَتَلَ أُمَّهُ سِت الجِيْل عَبْدَاللَّه بِصَدْمَةِ انْتِحَارِ ابْنِهَا .. الاسْتِعْمَارُ قَتَلَ عَلَى يَدَىِّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَارِيْقَا بِنْتَ اللَّبِيْب لَيْلَةَ زَفَافِهِمَا ؛ وَقَتَلَ المَأْذُوْنَ الَّذِى كَتَبَ عَقْدَ قِرَانِهِمَا وَحَمَّاداً بْنَ الإِعيْسِر ابْنَ خَالَةِ قَارِيْقَا ؛ وَتَسَبَّبَ فِى آلامٍ نَفْسِيَّةٍ وَجَسَدِيَّةٍ فَظِيْعَةٍ لِلنُّعْمَان أَحْمَد طَهَ وَالِد بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن . سَيِّدِى القَاضِى : بِقَتْلِهَا بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن؛اغْتَصَبَتْ بِرِيْطَانِيَا ـ زَعِيْمَةُ الاسْتِعْمَارِفِى العَالَمِ ـ أَفْرِيْقيَا اغْتِصَاباً فِكْرِيّاً وَعِلْمِيّاً وَسِيَاسِيّاً وَاجْتِمَاعِيّاً وَاقْتِصَادِيّاً وَثَقَافِيّاً . سَيِّدِى القَاضِى: بِاسْمِ شُعُوْبِ أَفْرِيْقيَا المُضْطَّهَدَةِ نُرِيْدُ حُكْماً وَاضِحاً لالَبْسَ فِيْهِ وَلاغُمُوْضَ .. حُكْماً يَكُوْنُ بِحَجْمِ هَذَا الجُرْمِ التَّارِيْخِىِّ وَهَذِهِ المُحَاكَمَةِ التَّارِيْخِيَّةِ .
قَالَ مُمَثِّلُ الاتِّهَامِ ذَلِكَ ؛ وَصَوْتُهُ يُسْمَعُ وَاضِحاً مِنْ مُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ الَّتِى بُثَّتْ فِى جَمِيْعِ أَنْحَاءِ القَاعَةِ ؛ وَهُوَ يَقِفُ كَجَبَلِ التُّوْبَادِ رَمْزُ المُوَلَّهِيْنَ العَرَبِ فِى الزَّمَنِ المَاضِى ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِيْهِ رَائِحَةٌ عَرَبِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ؛ بَلْ رُبَّمَا كَانَ يَكْرَهُ العَرَبَ وَكُلَّ مَايَمُتُّ إِلَى العَرَبِ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ؛ وَلَكِنْ هَذِهِ هِىَ التَّقَالِيْدُ الإِنْجِلِيْزِيَّةُ الَّتِى يَجِبُ أَنْ تُحْتَرَمَ .
بِتُؤْدَةٍ وَقَفَ القَاضِى وَقَالَ :
ـ تُرْفَعُ هَذِهِ الجَلْسَةُ ؛ وَسَتَجْتَمِعُ هَيْئَةُ المُحَلَّفِيْنَ لِلمُدَاوَلَةِ ؛ وَمِنْ ثَمَّ تَنْعَقِدُ المَحْكَمَةُ فِى وَقْتٍ لاحِقٍ لإِعْلانِ الحُكْمِ . وَلَكِنْ قَبْلَ رَفْعِ الجَلْسَةِ تَرْجُو المَحْكَمَةُ مِنْ حَسُّوْن المَامُوْن عُمَر الشَّيْخ ؛ أُكَرِّر : حَسُّوْن المَامُوْن عُمَر الشَّيْخ ؛ التَّقَدُّمَ إِلَى مِنَصَّةِ المَحْكَمَةِ .
نَظَرَ وَدّالبَاشْكَاتِب إِلَى بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ ؛ فَرَآهُ قَدْ فَقَدَ هُدُوْءَهُ وَثَبَاتَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ اسْمَ حَسُّوْنٍ؛ ثُمَّ هُوَ يُتَابِعُ بِنَظَرِهِ حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن وَهُوَ يَشُقُّ طَرِيْقَهُ
بِصُعُوْبَةٍ بَالِغَةٍ إِلَى المِنَصَّةِ؛ مُسْتَعِيْناً بِجِسْمِهِ الفَارِعِ الضَّخْمِ وَبِنَائِهِ المُتَنَاسِقِ المَتِيْنِ المُتَمَاسِكِ . مَاأَنِ اقْتَرَبَ حَسُّوْنٌ بْنُ المَامُوْنِ شَيْئاً مَا مِنْ قَفَصِ الاتِّهَامِ ؛ حَتَّى حَدَجَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ بِنَظْرَةٍ هِىَ أُخْتُ السَّعِيْرِ .. نَظْرَةٍ فِيْهَا كُلُّ غَضَبِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى مُجْتَمِعِيْنَ . وَفَجْأَةً وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ ؛ فَقَدْ سَقَطَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ أَرْضاً مِنْ كُرْسِيِّهِ وَعَيْنَاهُ مَفْتُوْحَتَانِ عَلَى اتِّسَاعِهِمَا . لَقَدْ مَاتَ بِالسَّكْتَةِ القَلْبِيَّةِ وَهُوَ يُحَمْلِقُ فِى البَعِيْدِ البَعِيْدِ ؛ وَهُوَ عَلَى قَيْدِ خُطُوَاتٍ مِنْ ذَاْكَ البَعِيْدِ البَعِيْدِ .. وَمَالِلطَّبِيْبِ يَمُوْتُ بِالدَّاءِ الَّذِى قَدْ كَانَ يُشْفِى مِثْلَهُ فِيْمَامَضَى؟ لَقَدْ مَاتَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ ؛ وَكَانَ آخِرُ مَانَطَقَ بِهِ الشَّهَادَتَيْنِ . سَادَ الهَرْجُ وَالمَرْجُ وَالارْتِبَاكُ وَالصُّرَاخُ وَالتَّشَنُّجَاتُ قَاعَةَ المَحْكَمَةِ وَتَدَافَعَ النَّاسُ لِلخُرُوْجِ مِنْهَا ؛ وَالمَشْهَدُ بِرُّمَتِهِ يَرَاهُ النَّاسُ فِى سَائِرِ أَرْجَاءِ العَالَمِ مِنْ خِلالِ التِّلِفِزْيُوْنَات الَّتِى تَبُثُّهُ عَلَى الهَوَاءِ مُبَاشَرَةً . لَقَدِ انْفَضَّتْ وَإِلَى الأَبَدِ جَلَسَاتُ مُحَاكَمَةِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ؛ وَلَمْ يَبْقَ بَقَاعَةِ المَحْكَمَةِ سِوَى القَاضِى الَّذِى احْتَفَظَ بِثَبَاتٍ مُدْهِشٍ ؛ وِسِوَى وَدّالبَاشْكَاتِب وَالمَامُوْنِ وَابْنِهِ حَسُّوْنٍ وَدُكْتُوْر كَتَكُو وَالخَوَاجِيَّةِ جُوْهَانَا رِيْد ؛ وِسِوَى بَعْضِ الصِّحَافِيِّيْنَ (أَوِالصَّحَفِيِّيْنَ كَمَا هُوَ شَائِعٌ) ؛ الَّذيْنَ يَقُوْلُ عَنْهُمْ وَدّ البَاشْكَاتِب : (إِنَّ الصَّحَفِيِّيْنَ يَدُسُّوْنَ أُنُوْفَهُمْ فِى كُلِّ شَىْءٍ مِنْ أَجْلِ لاشَىْء) . كُلُّ ذَلِكَ وَالقَاضِى يُجِيْبُ أَىَّ صِحَافِىٍّ بِاللُّغَةِ الَّتِى سَأَلَ بِهَا ؛ وَقَدْ وَقَفَ دُكْتُوْر كَتَكُو وَجُوْهَانَا وَالمَامُوْن وَوَدّالبَاشْكَاتِب قَرِيْباً مِنَ القَاضِى ؛ وَهُمْ يَسْتَمِعُوْنَ ـ رَغْمَ حَرَجِ الظَّرْفِ وَدِقَّتِهِ ـ إِلَى أَسْئِلَةِ الصِّحَافِيِّيْنَ وَأَجَابَاتِ القَاضِى عَنْهَا ..
صِحَافِى : أَلا تَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ نِهَايَةً مُؤْسِفَةً لِرَجُلٍ فِى عِلْمِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ؟
القَاضِى : عَلَى كُلٍّ فَإِنَّ عَدْلَ الأَرْضِ قَدْ سَبَقَتْهُ عَدَالَةُ السَّمَاءِ .
صِحَافِى : لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الحُكْمَ الَّذِى كُنْتُمْ سَتُصْدِرُوْنَهُ عَلَى بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ ؛ هُوَ تَسْلِيْطُ ضَوْءِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ الَّذِى يُسَبِّبُ الحَالَةَ 606 عَلَى عَيْنَىِّ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ ؛ وَذَلِكَ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ هَيْئَةِ تَشْرِيْعِ القَوَانِيْنِ البِرِيْطَانِيَّةِ ؛ وَمَجْلِسَىِّ اللُّورْدَاتِ وَالعُمُوْمِ ؛ وَكُلِّ الهَيْئَاتِ العِلْمِيَّةِ وَالقَانُوْنِيَّةِ فِى بِرِيْطَانيَا وَفِى أَرْجَاءِ العَالَمِ كَافَّةً ؛ فَمَا مَدَى صِحَّةُ ذَلِكَ؟



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:05 PM   #[49]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

القَاضِى : مِنْ شَأْنِ حُكْمٍ كَهَذَا أَنْ يُزِيْحَ مِنْ أَمَاكِنِهَا أَغْطِيَةَ قُدُوْرٍ كَثِيْرَةٍ يَضْطَّرِمُ تَحْتهَا الزَّمَانُ . لَكِنَّ الَّذِى أَنَا مُوْقِنٌ مِنْهُ أَنَّ هَيْئَةَ المُحَلَّفِيْنَ كَانَتْ سَتَجْتَمِعُ وَتَتَدَاوَلُ وَتُقَرِّرُ العُقُوْبَةَ المُنَاسِبَةَ عَلَى بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ؛ ثُمَّ تَنْظُرُ المَحْكَمَةُ فِى اسْتِرْحَامِ المُتَّهَمِ إِنْ كَانَ لَهُ اسْتِرْحَامٌ ؛ وَلَيْسَ هُنَالِكَ حُكْمٌ قَدْ قُرِّرَ مُسَبَّقاً .
صِحَافِى : لِمَاذَا تَعْتَقِدُ أَنَّ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةَ مُمَثَّلَةً فِى بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ ؛ قَدْ أَقْدَمَتْ عَلَى قَتْلِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن؟
القَاضِى: لأَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ يَقُوْدُ سَيَّارَتَهُ فِى الحَيَاةِ بِسُرْعَةٍ تَفُوْقُ كَثِيْراً طَاقَةَ اسْتِيْعَابِ هَؤُلاءِ البَشَرِ لِلحَيَاةِ .
صِحَافِى : بِوَصْفِكُمْ سِكِرتيْراً عَامّاً لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ ؛ مَاالَّذِى تَنْوُوْنَ فِعْلَهُ لِرَدِّ بَعْضِ الاعْتِبَارِ إِلَى بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن؟
القَاضِى : لَقَدْ بَدَأْنَا بِالفِعْلِ ؛ فَقَدْ أَطْلَقْنَا اسْمَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن عَلَى قَاعَةِ الاجْتِمَاعَاتِ الرَّئِيْسِيَّةِ بِالأُمَمِ المُتَّحِدَةِ ؛ وَالَّتِى تُتَّخَذُ فِيْهَا أَخْطَرُ القَرَارَاتِ . وَفَوْرَ رُجُوْعِى إِلَى نِيُوْيُورْك سَوْفَ أَتَقَدَّمُ بِاقْتِرَاحٍ إِلَى الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ بِاسْمِ الأُمَمِ المُتَطَلِّعَةِ إِلَى الرُّوْحِ وَالعِلْمِ وَالأَدَبِ وَالفَنِّ وَالمُثُلِ ؛ للإِعْلانِ عَنْ قِيَامِ (جُمْهُوْرِيَّةِ قُوْزْ قُرَافِى) إِكْرَاماً لِلقَرْيَةِ الَّتِى نَشَأَ بِهَا بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن وَأَحَبَّهَا . جُمْهُوْرِيَّةُ قُوْزْ قُرَافِى لَنْ تَكُوْنَ جُمْهُوْرِيَّةً ذَاتَ حُدُوْدٍ جُغْرَافِيَّةٍ أَوْسِيَاسِيَّةٍ .. جُمْهُوْرِيَّةُ قُوْزْ قُرَافِى سَتَكُوْنُ فِى كُلِّ قُطْرٍ وَمَدِيْنَةٍ وَقَرْيَةٍ . عَلَى أَنْ تَحْتَفِلَ الأُمَمُ المُتَّحِدَةُ فِى كُلِّ عَامٍ ؛ فِى اليَوْمِ الَّذِى قَتَلَتْ فِيْهِ المُخَابَرَاتُ البِرِيْطَانِيَّةُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ تَحْتَفِلَ بِيَوْمِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَأَنْ تُخَصَّصَ كَأْسٌ مِنَ الذَّهَبِ الخَالِصِ تَكُوْنُ أَضْخَمَ كَثِيْراً مِنْ كَأْسِ العَالَمِ لِكُرَةِ القَدَمِ ؛ تُقَدَّمُ إِلَى أَكْثَرِ تِلْكَ الجُمْهُوْرِيَّاتِ التِزَاماً بِـ (القُوْز قُرَافِيَّة) .
صِحَافِىٌّ يُمْسِكُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرَقَةً يَقْرَأُ مِنْهَا : عَلِمْنَا أَنَّ مُنَظَّمَةَ حُقُوْقِ الإِنْسَانِ تَنْوِى رَفْعَ دَعْوَى عَلَى الحُكُوْمَةِ البِرِيْطَانِيَّةِ لِتَعْوِيْضِ النُّعْمَان أَحْمَد طَهَ بِعَشَرَةِ مِلْيُوْنِ جُنَيْهٍ اسْتَرْلِيْنِىٍّ لِقَتْلِ ابْنِهِ حَسُّوْن ؛ وَعِشْرِيْنَ مِلْيُوْنِ جُنَيْهٍ اسْتَرْلِيْنِىٍّ لِلسُّوْدَانِ لِقَتْلِ أَمْيَزِعُلَمَائِهِ وَأَبَرِّأَبْنَائِهِ وَأَجْرَأِ مُنَاضِلِيْهِ ؛ وَعَشَرَةِ مِلْيُوْنِ جُنَيْهٍ اسْتَرْلِيْنِىٍّ لأَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى لِتَنْوِيْمِ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ لَهُمْ ؛ إِضافَةً إِلَى عَشَرَةِ مِلْيُوْنِ جُنَيْهٍ اسْتَرْلِيْنِىٍّ أُخْرَى لِتَعْوِيْضِ مَنِ انْهَارَتْ بُيُوْتُهُمْ وَمَنْ تَضَرَّرَتْ زِرَاعَتُهُمْ مِنْهُمْ مِنْ جَرَّاءِ ذَاْكَ التَّنْوِيْمِ ؛ وَكَذَلِكَ تَعْوِيْضُ عَائِلَةِ مِسْترأَنْدَرْسُوْن وَعَائِلَةِ قَارِيْقَا بِنْت اللَّبِيْب وَعَائِلَةِ سِت الجِيْل عَبْدَاللَّه أُمِّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن وَعَائِلَتَى حَمَّاد الإِعيْسِر وَالمَأْذُوْنِ الَّّذِى عَقَدَ قِرَانَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن بِنِصْفِ مِلْيُوْنِ جُنَيْهٍ اسْتَرْلِيْنِىٍّ لِكُلٍّ ؛ مَا مَدَى صِحَّةُ ذَلِكَ؟ وَهَلْ ذَلِكَ مُمْكِنٌ؟
القَاضِى : لاعِلْمَ لِى بِأَمْرِ تِلْكَ التَّعْوِيْضَاتِ ؛ لَكِنَّنِى أَعْتَقِدُ أَنَّ حُكُوْمَةَ السُّوْدَانِ هِىَ الَّتِى يَجِبُ أَنْ تُقَاضِىَ الحُكُوْمَةَ البِرِيْطَانِيَّةَ لِلمُطَالَبَةِ بِمِثْلِ تِلْكَ التَّعْوِيْضَاتِ؛ مَعَ المُسَانَدَةِ الكَامِلَةِ مِنْ مُنَظَّمَةِ حُقُوْقِ الإِنْسَانِ وَالتَّنْسِيْقِ مَعَهَا. وَبِالطَّبْعِ مَوْضُوْعُ التَّعْوِيْضَاتِ مُمْكِنٌ مِنْ حَيْثُ المَبْدَإِ بَعْدَ مُتَابَعَاتٍ قَدْ تَطُوْلُ .
قَدْ يَكُوْنُ وَدّالبَاشْكَاتِب نَسِىَ الكَثِيْرَ مِمَّا قَالَهُ القَاضِى لِلصِّحَافِيِّيْنَ ؛ لَكِنَّهُ لَنْ يَنْسَى مَاعَاشَ تِلْكَ السَّجْدَةَ الطَّوِيْلَةَ شُكْراً لِلَّهِ الَّتِى سَجَدَهَا القَاضِى عَلَى الحَشَائِشِ الخَضْرَاءِ فِى حَدِيْقَةِ قَصْرِ لَيْلَى عِبيْد(جُوْهَانَا رِيْد) . وَلَنْ يَنْسَى قَطُّ الابْتِسَامَاتِ الحُلْوَةَ الَّتِى كَانَ يَبْتَسِمُهَا سَفِيْرُالسُّوْدَانِ فِى لنْدنَ بَيْنَ الحِيْنِ القَصِيْرِ وَالآخَرِ ؛ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ السُّوْدَانِ يُرَفْرِفُ بِأَعْلَى سَارِيَةٍ فِى القَصْرِ . إِنَّهُ سَفِيْرٌ آخَرُ لِلسُّوْدَانِ؛ غَيْرُ السَّفِيْرِ السَّابِقِ الَّذِى قَابَلَتْهُ لَيْلَى عِبيْد قَبْلَ سِنِيْنَ كَثِيْرَةٍ بِشَأْنِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان ؛ وَكَانَ لايَعْرِفُ مَوْقِعَ قُوْزْ قُرَافِى عَلَى خَرِيْطَةِ وَطَنِهِ؛وَلَكِنَّ هَذَا سَفِيْراً آخَرَ يَعْرِفُ تَمَاماً مَوْقِعَ قَرْيَةِ قُوْزْ قُرَافِى عَلَى خَرِيْطَةِ السُّوْدَانِ . كَانَ السَّفِيْرُ يَبْتَسِمُ وَهُوَ يَنْظُرُ بَيْنَ الآنِ وَالآخَرِ إِلَى عَلَمِ السُّوْدَانِ بِأَعْلَى سَارِيَةٍ فِى القَصْرِ ؛ وَهُوَ يَخْفُقُ خَفَقَاناً مُنْسَجِماً مَعَ خَفَقَانِ قُلُوْبِ أَفْرَادِ الجَالِيَاتِ السُّوْدَانِيَّةِ ؛ الَّذِيْنَ تَقَاطَرُوا عَلَى لنْدنَ مِنْ كُلِّ أَصْقَاعِ الدُّنْيَا لِحُضُوْرِ جَلَسَاتِ مُحَاكَمَةِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ هَاوْ؛ فَقَدْ أَعَدَّتْ لَهُمْ لَيْلَى عِبيْد بَرْنَامِجاً حَافِلاً وَعَشَاءً دَسِماً . فِى ذَاْكَ المَسَاءِ وَمَاأَعْقَبَهُ مِنْ لَيْلٍ كُنْتَ تَسْمَعُ قَهْقَهَاتِ السُّوْدَانِيِّيْنَ العَالِيَةَ ؛ وتَرَى عَمَائِمَهُمُ المُتَرَامِيَةَ مِنْ شِدَّةِ وَكَثْرَةِ الضَّحِكِ الَّذِى يَشْتَهِرُوْنَ بِهِ مِنْ بَيْنِ كُلِّ شُعُوْبِ العَالَمِ ؛ وَهُمْ يَجْلِسُوْنَ حَلْقَةً حَلْقَةً ؛ وَلَيْلَى عِبيْد تَقُوْلُ لِلمَامُوْنِ :
ـ خَسَارَة يَاالمَامُوْن .. خَسَارَة كَبِيْرَة .. لَمْ يَحْضُرْ مُحَاكَمَةَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِلْ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى سِوَاكَ وَسِوَى وَدّالبَاشْكَاتِب وَابْنِكَ حَسُّوْن . أَنَا كُنْتُ أُخَطِّطُ لأَنْ يَحْضُرَ هَذَهِ المُحَاكَمَةَ كُلُّ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .. كُنْتُ سَأُنْزِلُهُمْ فِى قُصُوْرِى؛ وَمَنْ رَغِبُوا عَنْهَا فَفِى فَنَادِقِى ذَوَاتِ الخَمْسَةِ نُجُوْمٍ ؛ وَكُلُّ مَايَخُصُّهُمْ حَتِّى مَصْرُوْفَاتِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ عَلَى نَفَقَتِى الخَاصَّةِ ؛ لَكِنَّ الوَقْتَ ضَايَقَنَا جِدّاً رَغْمَ أَنَّ المُحَاكَمَةَ الفِعْلِيَّةَ وَحْدَهَا اسْتَغْرَقَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْراً ؛ فَالقَضِيَّةُ شَائِكَةٌ وَمُتَشَعِّبَةٌ وَمُعَقَّدَةٌ . هَكَذَا كُنْتُ أُخَطِّطُ ؛ وَلَكِنْ مَاشَاءَ اللَّهُ كَانَ .
وَقَدْ هَمَّ المَامُوْنُ أَنْ يُجَارِيَهَا بِكَلِمَاتٍ تُنَاسِبُ مَشَاعِرَهَا تِلْكَ ؛ لَكِنَّهُمَا حِيْنَ رَأَيَا القَاضِى وَوَدّالبَاشْكَاتِب وَدُكْتُوْر كَتَكُو وَحَسُّوْن وَدّالمَامُوْن يَجْلِسُوْنَ مُنْفَرِدِيْنَ قَرِيْباً مِنْهُمَا؛ مَاأَسْرَعَ أَنِ انْضَمَّا إِلَيْهِمْ وأَنْصَتَا إِلَى القَاضِى :
ـ لَقَدْ كُنْتُ صَدِيْقَاً حَمِيْماً لِبُرُوْفِيسُور حَسُّوْن النُّعْمَان بِحُكْمِ انْتِمَائِى إِلَى جَمَاعَةٍ تَعْمَلُ عَلَى تَحْرِيْرِ الشُّعُوْبِ الأَفْرِيْقِيَّةِ المُسْتَعْمَرَةِ ؛ وَيَرْأَسُ هَذِهِ الجَمَاعَةَ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان وَذَلِكَ أَثْنَاءَ دِرَاسَتِنَا فِى بِرِيْطَانيَا ؛ وَقَدْ كُنْتُ سِكِرتيْراً لِتِلْكَ الجَمَاعَةِ . حَسُّوْنٌ كَانَ يَحْلُمُ بِجُزُرٍ لَمْ تَعْلَمْ كَرَاكِيُّهَا بِغَدْرِ الإِنْسَانِ .. كَانَ يُرِيْدُ أَنْ يُشْبِهَ نَفْسَهُ ، إِنْ لَمْ يَعُدْ جُزْءاً مِنْهَا . لَكِنَّهُ وَجَدَ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدِ احْتَلَّ كُلَّ الجُزُرِ وَذَبَحَ كُلَّ الكَرَاكِىِّ ؛ فَانْتَحَرَ بَعْدَ أَنْ غَدَرَ بِهِ أَعَزُّ أَصْدِقَائِهِ مِنَ الجَنْسِ الأَبْيَضِ . وَقَدْ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِى بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَنْتَقِمَ لَهُ وَأَنْتَصِرَ لأَفْكَارِهِ ؛ فَكَانَ أَنْ عِشْتُ فِى قُوْزْ قُرَافِى مَوْطِن بُرُوْفِيسُورحَسُّوْن ؛ لأَعُبَّ مِنَ المَعِيْنِ الَّذِى ارْتَوَى مِنْهُ حَسُّوْنٌ؛ فَتَزَوَّجْتُ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى وَزَوَّجْتُ ابْنَتِى لأَحَدِ أَبْنَاءِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَهُوَ صَدِيْقٌ مُخْلِصٌ لِحَسُّوْنٍ شَبَّ وَتَرَعْرَعَ مَعَهُ . وَفِى إِحْدَى المَرَّاتِ جَاءَنِى الفَاضِل وَدّالبُر وَهُوَ فِى حَالَةٍ نَفْسِيَّةٍ مُتَدَهْوِرَةٍ ؛ وَحَكَى لِى حِكَايَةً غَرِيْبَةً ؛ فَقَدْ ذَكَرَ لِى أَنَّهُ ضَحِيَّةٌ لِفِعْلَةٍ شَنْعَاءَ اغْتَرَفَهَا نَتِيْجَةَ جَهْلٍ . حَكَى لِى أَنَّهُ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ـ شَأْنُ بَقِيَّةِ أَهْلِ المَنْطِقَةِ ـ التَّلَصُّصُ عَلَى الزَّوْجِ لَيْلَةَ إِدْخَالِ عَرُوْسِهِ عَلَيْهِ ؛ وَقَدْ فَكَّرَ كَثِيْراً فِى الوَسِيْلَةِ الَّتِى يُفَاجِىءُ بِهَا حَسُّوْناً فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ . لَكِنَّهُ وَجَدَ المَخْرَجَ عِنْدَ أَحَدِ الخَوَاجَاتِ الَّذِيْنَ قَدِمُوا لِلوُقُوْفِ عَلَى سِرِّ قَبْرِ عَوْض وَدْ كُرَاع الفَرْوَة وَمَاتَلا مِنْ أَحْدَاثٍ . فَقَدْ كَانَ ذَاْكَ الخَوَاجَةُ صَدِيْقاً لَهُ وَهُوَ بِعَكْسِ الخَوَاجَاتِ كَانَ ظَرِيْفاً خَفِيْفَ الظِّلِّ ؛ فَلَمْ يَتَوَانَ فِى مُكَاشَفَتِهِ بِالأَمْرِ وَهُوَ يَمُرُّ صُدْفَةً بِالقَرْيَةِ ؛ بَعْدَ أَنِ انْتَهَتْ مُهِمَّتُهُ بِخُصُوْصِ قَبْرِ وَدْ كُرَاع الفَرْوَة قَبْلَ سِنِيْنَ كَثِيْرَةٍ . أَعْطَاهُ الخَوَاجَةُ مِصْبَاحاً كَهْرَبَائِيّاً صَغِيْراً يُصْدِرُ ضَوْءاً قَوِيّاً لِلغَايَةِ ؛ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى عَيْنَىِّ حَسُّوْنٍ حِيْنَ يَتَهَيَّأُ لِلدُّخُوْلِ بَعَرُوْسِهِ ؛ وَقَدْ حَذَّرَهُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لأَنَّهُ مَشْحُوْنٌ بِطَرِيْقَةٍ تَجْعَلُهُ يُضِىءُ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَط . وَفِعْلاً كَمَنَ وَدّالبُر تَحْتَ سَرِيْرِ حَسُّوْنٍ فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ وَفِى اللَّحْظَةِ الَّتِى مِنَ المُفْتَرَضِ أَنْ يَنْتَقِلَ فِيْهَا حَسُّوْنٌ مِنْ أَعْزَبَ إِلَى مُتَزَوِّجٍ ؛ سَلَّطَ وَدّالبُر الضَّوْءَ عَلَى عَيْنَيْهِ . فَمَا كَانَ مِنْ حَسُّوْنٍ إِلاَّ أَنْ خَارَ كَالثَّوْرِ ؛ فَجَرَى وَدّالبُر وَفَتَحَ بَابَ الغُرْفَةِ ؛ وَانْطَلَقَ حَسُّوْنٌ عُرْيَانَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِيَقِفَ عِنْدَ عَتَبَةِ بَابِ الغُرْفَةِ؛ وَقَدْ سَمِعَهُ وَدّالبُر يَقُوْلُ لَهُ : ( سَوْفَ تَرَى يَاصَنِيْعَةَ دُكْتُوْر مَايْكِل) . وَقَدْ جَرَى وَدّالبُرعَلَى نُوْرِ القَمَرِ وَاخْتَبَأَ بِالحَدَائِقِ ؛ وَفِى الصَّبَاحِ سَمِعَ بِانْتِحَارِ حَسُّوْنٍ . وَقَدْ سَلَّمَنِى وَدّالبُر ذَاْكَ المِصْبَاحَ الَّذِى عَرَضْتُهُ عَلَى المُتَّهَمِ كَمَا رَأَيْتُمْ مِنْ خِلالِ مُمَثِّلِ الاتِّهَامِ؛ وَالَّذِى عَجَّلَ بِاعْتِرَافِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل .
المَامُوْن : "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْن . إِذَنْ وَدّالبُر لَيْسَ مَجْنُوْناً وَإِنَّمَا يَتَصَنَّعُ الجُنُوْنَ ؛ ثُمَّ مَاالَّذِى بِحَقٍّ يَمْنَعُ أَنْ يَكُوْنَ أَحَدَ رِجَالِ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ؟قَالَ المَامُوْنُ ذَلِكَ فِى نَفْسِهِ ؛ وَمِنْ وَرَاءِ الضَّبَابِ الَّذِى يَلُفُّ لنْدنَ فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ ؛ جَاءَ صَوْتُ المَنُوْفَلِى وَاضِحاً إِلَى أُذُنَىِّ وَدّ البَاشْكَاتِب اللَّهُمَّ لارَأَيْنَا وَلاسَمِعْنَا .. وَلَكِنْ مَارَأْيُكُمْ أَنَّ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان لَمْ يَنْتَحِرْ ؛ وَلَكِنْ قَتَلَهُ دُكْتُوْر مَايْكِل الَّذِى سَمِعْتُكُمْ تَتَحَدَّثُوْنَ عَنْهُ الآن . أُقْسِمُ بِالمُحَرِّجَاتِ الثَّلاثِ أَنَّكُمْ سَتَصِلُوْنَ إِلَى هَذِهِ النَّتِيْجَةِ يَوْماً مَا) . سَمِعَ وَدّالبَاشْكَاتِب صَوْتَ المَنُوْفَلِى ذَاْكَ وَقَالَ فِى نَفْسِهِ:"سُبْحَانَ اللَّه .. أَكْبَرُ العُقُوْلِ يَعْرِفُ قَاتِلَ صَاحِبِهِ شَخْصَانِ لاعَقْلَ لَهُمَا : مَجْنُوْنٌ وَسَكْرَانُ! يَاإِلَهِى! وَلَكِنْ وَدّالبُر لَيْسَ مَجْنُوْناً؛ وَقَدْ يَكُوْنُ المَنُوْفَلِى سَمِعَ آخِرَعِبَارَةٍ قَالَهَا حَسُّوْنٌ فِى حَيَاتِهِ سَوْفَ تَرَى يَاصَنِيْعَةَ دُكْتُوْر مَايْكِل) .. قَدْ يَكُوْنُ المَنُوْفَلِى مُتَلَصِّصاً أَيْضاً فِى تِلْكَ اللَّيْلَةِ ؛ وَقَدْ يَكُوْنُ آخَرُوْنَ مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى مُتَلَصِّصِيْنَ أَيْضاً وَيَعْرِفُوْنَ هَذَا السِّرَّ الفَظِيْعَ". هَكَذَا دَخَلَ وَدّالبَاشْكَاتِب فِى دُوَّامَةٍ مِنْ أَفْكَارِهِ ؛ أَخْرَجَهُ مِنْهَا صَوْتُ القَاضِى :
ـ لَقَدْ زُرْتُ قُوْزْ قُرَافِى عِدَّةَ مَرَّاتٍ ؛ كُنْتُ فِى إِحْدَاهَا ضِمْنَ رُكَّابِ طَائِرَةِ الخُطُوْطِ الجَوِّيَّةِ البِرِيْطَانِيَّةِ فِى طَرِيْقِى إِلَى لنْدنَ عُقَيْبَ انْتِخَابِى سِكِرتيْراً عَامّاً لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ؛ إِذْ فَضَّلْتُهَا عَلَى الطَّائِرَةِ الخَاصَّةِ لِجُمْلَةِ أَسْبَابٍ . وَقَدِ انْفَجَرَتِ الطَّائِرَةُ فَوْقَ قُوْزْ قُرَافِى تَمَاماً ؛ رُبَّمَا بِفِعْلِ قُنْبُلَةٍ مَوْضُوْعَةٍ فِيْهَا ؛ فَقَدْ سَمِعْتُ انْفِجَاراً مُرْعِباً وَعَمَّ أَقْطَارَ الطَّائِرَةِ مِنَ الدَّاخِلِ دُخَانٌ كَثِيْفٌ ؛ لَكِنَّنِى كُنْتُ الوَحِيْدَ النَّاجِىَ مِنْ بَيْنِ جَمِيْعِ رُكَّابِهَا . وَقَدْ وَجَدْتُ جَمِيْعَ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى يَغُطُّوْنَ فِى نَوْمٍ عَمِيْقٍ ؛ وَوَجَدْتُ أَيْضاً رِجالاً وَنِسَاءً مِنَ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ وَبِصُحْبَتِهِمُ الفَاضِل وَدّالبُر ؛وَهُمْ يَجُوْسُوْنَ بُيُوْتَ القَرْيَةِ يَيْتاً بَيْتاً . لَقَدْ عَرَفْتُ قَصْدَهُمْ .. لَقَدْ كَانُوا يَبْحَثُوْنَ عَنْ أَفْرَادِ عَائِلَةِ النُّعْمَان أَحْمَد طَهَ لِقَتْلِهِم ؛ وَيَلْهَثُوْنَ وَرَاءَ أَوْرَاقِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن لِسَرِقَتِهَا ؛ وَقَدْ تَصَدَّيْتُ لَهُمْ ؛ فَخَرَجُوا مَذْعُوْرِيْنَ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى ؛ وَهَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى . بَعْدَ ذَلِكَ سَافَرْتُ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى إِلَى الخُرْطُوْم وَوَاصَلْتُ رِحْلَتِى إِلَى لنْدنَ فَنِيُوْيُورْك . هُنَا وَجَّهَتْ لَيْلَى عِبيْد (جُوْهَانَا رِيْد) حَدِيْثَهَا إِلِى القَاضِى :
ـ لِمَاذَا لَمْ تَقُلْ لَهُمْ إِنَّ الفَضْلَ الأَوَّلَ فِى إِرْجَاعِ عِظَامِ حَسُّوْن وَدّالنُّعْمَان إِلَى جَبَّانَةِ تُوْرالقُوْز يَعُوْدُ إِلَيْكَ؟
وَدّ البَاشْكَاتِب : وَهَلْ أُرْجِعَتْ عِظَامُ حَسُّوْنٍ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى؟
لَيْلَى : أَجَل ؛ وَوَضَعَهَا القَاضِى بِيَدَيْهِ هَاتَيْنِ فِى قَبْرِهِ الَّذِى كَانَ يَشْغَلُهُ بِجَبَّانَةِ تُوْرالقُوْز ، قَبْلَ أَنْ آخُذَهَا إِلَى لنْدن .
وَدّالبَاشْكَاتِب : وَلَكِنَّنِى سَمِعْتُ مُمَثَّلَ الاتِّهَامِ يُطَالِبُ بِإِرْجَاعِهَا .
لَيْلَى عِبيْد : لَيْسَ كُلُّ مَايُعْرَفُ يُقَالُ ؛ فَبَعْضُ الأُمُوْرِ هُنَا فِى هَذَا العَالَمِ المَادِّىِّ يُمْكِنُ تَسْوِيَتُهَا بَعِيْداً عَنِ القَانُوْنِ ؛ وَهَذَا مَاحَدَثَ بِالنِّسْبَةِ لِعِظَامِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن ؛ الَّتِى آلَيْتُ عَلَى نَفْسِى أَنْ أُرْجِعَهَا إِلَى جَبَّانَةِ تُوْرالقُوْز مِثْلَمَا أَخَذْتُهَا مِنْهَا . وَقَدْ جَاءَتْ عِظَامُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن إِلَى قُوْزْ قُرَافِى ضِمْنَ طُرُوْدِ وَشَحَنَاتِ الأَغْذِيَةِ الَّتِى كُنْتُ أُرْسِلُهَا مِنْ لنْدنَ إِبَّانَ فِتْرَةِالفَيَضَانِ. يَاوَدّالبَاشْكَاتِب : القَاضِى هَذَا جَاءَ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى وَقَدَّمَ لأَهْلِهِ مَاقَدَّمَ مِنْ خَدَمَاتٍ سَدَاداً لِجُزْءٍ ضَئِِيْلٍ مِنْ دَيْنٍ لِحَسُّوْنٍ عَلَيْهِ ؛ وَهَذِهِ قِصَّةٌ طَوِيْلَةٌ . بِاخْتِصَارٍ شَدِيْدٍ ؛ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن أَنْقَذَ حَيَاةَ هَذَا القَاضِى يَوْماً مَا . بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن كَانَ الرَّجُلَ القَوِىَّ وَرَاءَ اسْتِقَلالِ وَطَنِهِ .. تَارِيْخُ السُّوْدَانِ يَجِبُ أَنْ يُكْتَبَ مِنْ جَدِيْدٍ ، وَأَنْ يُقْرَأَ أَيْضاً مِنْ جَدِيْدٍ . تَارِيْخُ السُّوْدَانِ أَهْمَلَ أَبْطَالاً حَقِيْقِيِّيْنَ ومَجَّدَ آخَرِيْنَ ؛ رُبَّمَا لَمْ يَلْعَبْ بَعْضُهُمْ دَوْراً كَمَا لَعِبَهُ مِنْ أَهْمَلَهُمْ ؛ وَلَكِنَّ الحَقَائِقَ الكَامِلَةَ لِكُلِّ شَىْءٍ لاتُعْرَفُ كَامِلَةً إِلاَّ بَعْدَ مُضِىِّ وَقْتٍ طَوِيْلٍ .
هُنَا دَخَلَ وَدّالبَاشْكَاتِب فِى حَدِيْثٍ مَعَ نَفْسِهِ :"حَسُّوْنٌ كَانَ سِرّاً فِى صَدْرِ أَبِيْنَا آدَمَ وَهُوَ فِى الجَنَّة ؛ وَحِيْنَ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ صَمَّمَ عَلَى عَدَمِ إِفْشَائِهِ حَتَّى يَعُوْدَ إِلَى الجَنَّة ؛ لَكِنَّ قُوْزْ قُرَافِى اسْتَطَاعَ أَنْ يُخَمِّنَ ذَاْكَ السِّرَّ.. لَقَدِ اسْتَطَاعَ قُوْزْ قُرَافِى أَنْ يَسْطُوَ عَلَى سِرِّ أَهْلِ الجَنَّة؛ بَلْ عَلَى سِرِّ أَبِى البَشَرِ". وَلَمْ يُخْرِجْ وَدّالبَاشْكَاتِب مِنْ أَفْكَارِهِ تِلْكَ إِلاَّ صَوْتُ لَيْلَى عِبيْد ؛ وَهِىَ تَسْأَلُ القَاضِى :
ـ وَلَكِنْ مَاالغَرَضُ مِنِ اسْتِدْعَائِكَ حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن إِلَى مِنَصَّةِ المَحْكَمَة؟ القَاضِى : كُنْتُ أَنْوِى مَعْرِفَةَ الأَثَرِ الَّذِى تُحْدِثُهُ رُؤْيَةُ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل لإِنْسَانٍ يُشْبِهُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن شَبَهاً فَجّاً لايُمْكِنُ مَعَهُ التَّمْيِيْزُ بَيْنَهُمَا؛ واسْمُهُمَا وَاحِدٌ . كُنْتُ أَنْوِى مَعْرِفَةَ مَاإِذَا كَانَ ضَمِيْرُ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل قَدْ أَنَّبَهُ بِالفِعْلِ ؛ أَمْ يُرِيْدُ تَضْلِيْلَ المَحْكَمَةِ وَاسْتِدْرَارَ عَطْفِهَا لِتُخَفِّفَ الحُكْمَ عَلَيْهِ؟ كُنْتُ أَتَوَقَّعُ أَنْ يَبْكِىَ مَثَلاً أَويُغْشَى عَلَيْهِ ؛ وَلَكِنَّ الصَّدْمَةَ ـ أَوْقُلْ أَثَرهَا ـ كَانَتْ أَقْوَى مِمَّا تَوَقَّعْتُ .
وَدّالبَاشْكَاتِب : إِذَنْ فَقَدْ أَصْدَرْتَ بِاسْتِدْعَائِكَ حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن إِلَى مِنَصَّةِ المَحْكَمَةِ ؛ حُكْماً بِالمَوْتِ عَلَى كَلْبِ الإِنْجِلِيْز ؛ نَفَّذَهُ ـ وَهُوَ لايَدْرِى ـ حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن .
القَاضِى:عَلَى كُلٍّ فَقَدْ أَصْبَحَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل عَبْداً ضَعِيْفاً .. جَسَداً بِلارُوْح؛ وَلايَجِبُ لَعْنُهُ لأَنَّهُ عَلَى الأَقَلِّ مِنْ أَبْنَاءِ آدَمَ ؛ وَقَدْ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَبْنَاءَ آدَمَ . وَمَالَبِثَ دُكْتُوْر كَتَكُو الَّذِى ظَلَّ صَامِتاً طِيْلَةَ الوَقْتِ ؛ أَنْ سَأَلَ القَاضِى :
ـ إِلَى أَىِّ مَدَى تُرَى أَثْمَرَتْ جُهُوْدُ شُبَّانِ قُوْزْ قُرَافِى فِى كَشْفِ هَذِهِ الجَرِيْمَةِ البَشِعَةِ المُعَقَّدَة؟
القَاضِى : بُرُوْفِيسُور مَايْكِل ضَلَّلَ لَيْلَى عِبيْد وَوَضَعَ فِى طَرِيْقِهَا كُلَّ مَا يُثْبِتُ مَوْتَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن مُنْتَحِراً . لَكِنَّهُ لَمْ يَحْسِبْ حِسَابَ الأَجْيَالِ اللاَّحِقَةِ فِى قُوْزْ قُرَافِى ؛ بَعْدَ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْ عُقْدَةِ الخَوَاجَة بِسَبَبِ التَّرْبِيَةِِ الوَطَنِيَّةِ الوَاعِيَةِ . وَهَذِهِ هِىَ غَلْطَتُهُ القَاتِلَة ؛ إِذْ تَرَبَّى فِى قُوْزْ قُرَافِى جِيْلٌ حَدِيْثٌ لايَقْبَلُ النَّتَائِجَ الَّتِى لَمْ يَتَوَصَّلْ إِلَيْهَا بِنَفْسِهِ ؛ أَوْيُخْضِعْهَا لِشُرُوْطِهِ الخَاصَّةِ . يَادُكْتُوْر كَتَكُو هُنَالِكَ نُقْطَةٌ مُهِمَّةٌ ؛ فَصَنَادِيْقُ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن الَّتِى تَحْتَفِظُ بِهَا يَجِبُ أَنْ تُؤْخَذَ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى ؛ إِذْ سَتَكُوْنُ هُنَاكَ فِى مَأْمَنٍ مِنْ أَيْدِى المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّة ؛ِ أَكْثَرَ مِمَّا لَوْكَانَتْ بِحَوْزَتِكَ . وَكَمَا تَعْلَمُ فَإِنَّ المُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةَ مَاوَنَتْ تَبْحَثُ بِجِدٍّ لايَفْتُرُ عَنْ بُحُوْثِ وَاخْتَرَاعَاتِ وَاكْتِشَافَاتِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن بِكُلِّ مَاأُوْتِيَتْ مِنْ قُوَّةٍ وَذَكَاءٍ رَهِيْبَيْنِ ؛ فَإِنْ بَقِيَتْ هَذِهِ الصَّنَادِيْقُ بِحَوْزَتِكَ فَقَدْ تَكُوْنُ الضَّحِيَّةَ القَادِمَةَ لِلمُخَابَرَاتِ البِرِيْطَانِيَّةِ .
دُكْتُوْر كَتَكُو : هَذَا بِالضَّبْطِ مَاكُنْتُ أُفَكِّرُ فِيْهِ . وَأَرَى أَنْ يُسَافِرَ مَعِىَ المَامُوْنُ لأَخْذِهَا إِلَى قُوْزْ قُرَافِى ؛وَسَأُذَلِّلُ لَهُ كُلَّ مَايَخُصُّ نَقْلَهَا وَإِخْرَاجَهَا مِنْ وَطَنِى ؛ خَاصَّةً وَأَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن قَدْ أَوْصَانِى أَلاَّ أُسَلِّمَ هَذِهِ الصَّنَادِيْقَ إِلاَّ لأَحَدِ شَخْصَيْنِ : أَنْتَ أَوِالمَامُوْن .
القَاضِى : لَقَدْ أَدَّتْ هَذِهِ الصَّنَادِيْقُ دَوْرَهَا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ . وَلاأَعْتَقِدُ يَامَامُوْن أَنَّ هُنَالِكَ حَاجَةً الآنَ إِلَى خِطَابِ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن الَّذِى كَتَبَهُ لِكِلَيْنَا وَوَجَدْتَهُ فِى تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ؛ وَالَّذِى كَشَفَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل بُوْصَةً بُوْصَةً وَقَادَ إِلَى مُحَاكَمَتِهِ . لَقَدْ كُنَّا نَنْوِى مُوَاجَهَةَ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل ـ فِى حَالَةِ عَدَمِ اعْتِرَافِهِ ـ بِكُلِّ مَاكَتَبَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن عَنْهُ وَعَنِ الحَالَةِ 606 وَغَيْرِهَا ؛ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل يَعْرِفُ أَنَّ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن عَلَى تَمَامِ العِلْمِ بِهِ ؛ خَاصَّةً وَأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل قَدِ اخْتَرَعَ الإِشْعَاعَ الَّذِى يُسَبِّبُ الجُنُوْنَ خِصِيْصاً لِيَقْتُلَهُ بِهِ ؛ لَكِنَّ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل لَمْ يُلْجِئْنَا إِلَى ذَلِكَ . أَنَا أَرَى أَنْ تُرْجِعَ خِطَابَ بُرُوْفِيسُور حَسُّوْن هَذَا إِلَى مَكَانِهِ فِى تِلْكَ الصَّنَادِيْقِ .
فِى هَذِهِ اللَّحْظَةِ نَهَضَ وَدّالبَاشْكَاتِب لِبَعْضِ شَأْنِهِ ؛ بَيْنَمَا خَاطَبَ المَامُوْنُ القَاضِىَ :
ـ يَجِبُ أَنْ تُؤَجِّلَ سَفَرَكَ إِلَى نِيُوْيُورْكَ يَوْمَيْنِ عَلَى الأَقَلِّ .
القَاضِى : وَلِمَ؟



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:06 PM   #[50]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

وَقَبْلَ أَنْ يُجِيْبَهُ طَافَ بِذِهْنِ المَامُوْنِ ذَاْكَ الجُزْءُ مِنَ الحِوَارِ مَعَ لَيْلَى عِبيْد ...
ـ المَامُوْن : (وَلَكِنَّ ابْنَكِ لَنْ يَرْضَى بِزَوَاجِك)ِ .
لَيْلَى : (ابْنِى هُوَ الَّذِى أَشَارَ عَلَىَّ بِالزَّوَاجِ) .
المَامُوْن : (كَيْفَ؟)
لَيْلَى : (ابْنِى قَالَ لِى مَرَّةً فِى زِيَارَتِى الأَخِيْرَةِ لِقُوْزْ قُرَافِى : < يَاأُمِّى : أُرِيْدُ أَنْ أُنَاقِشَكِ فِى أَمْرٍ مُهِمٍّ> . فَقُلْتُ لَهُ : حَسَناً ؛ قُلْ وَسَأَسْتَمِعُ إِلَيْكَ . فَقَالَ لِى: < لِمَاذَا لاتَتَزَوَّجِيْنَ يَاأُمِّى؟ امْرَأَةٌ فِى مِثْلِ وَضْعِكِ يَجِبُ أَنْ تَكُوْنَ فِى عِصْمَةِ رَجُل . ثُمَّ إِنَّنِى أُرِيْدُ إِخَوَاناً وَأَخَوَاتٍ ؛ وَأَبِى قَدْ مَاتَ . ثُمَّ إِنَّنِى فِى هَذَا العَالَمِ المُضْطَّرِبِ قَدْ أَمُوْتُ فَجْأَةً ؛ فَكَيْفَ سَيَكُوْنُ وَضْعَكِ؟يَجِبُ أَنْ تَتَزَوَّجِى؛ وَمِنْ قُوْزْ قُرَافِى>فَقُلْتُ لَهُ مُدَاعِبَةً: حَسَناً؛وَمَنْ تَقْتَرِحُ أَنْ يَتَزَوَّجَنِى؟فَقَالَ لِى وَهُوَ جَادٌّ :< وَدّ البَاشْكَاتِب> . أَنَا : لَكِنَّ وَدَّالبَاشْكَاتِب مُتَزَوِّجٌ وَلَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَطْفَالٌ ؛ وَزَوْجَتُهُ مَازَالَتْ حَيَّةً وَفِى عِصْمَتِهِ . ابْنِى حَاتِم : < يَاأُمِّى : لَيْسَ كُلُّ مَنْ فِى جَيْبِهِ قَسِيْمَةُ عَقْدِ زَوَاجٍ فِى قُوْزْ قُرَافِى مُتَزَوِّجاً ؛ وَبَعْضُ نِسَاءِ قُوْزْ قُرَافِى أَخْشَنُ أَجْسَاماً مِنِ إِخْوَانِهِنَّ . وَدّالبَاشْكَاتِب لَيْسَ مُتَزَوِّجاً ؛ وَإِنْ ضَمَّ بَيْتُهُ زَوْجَةً وَأَطْفَالاً >) .
ثُمَّ أَرْدَفَتْ لَيْلَى عِبيْد قَائِلَةً لِلمَامُوْن :
ـ (هَلْ سَمِعْتَ بِمِثْلِ هَذَا الوَلَدِ ؛ يُزَوِّجُ أُمَّهُ ؛ وِبِمَنْ يَخْتَارُ هُوَ؟)
المَامُوْن : (أَعْتَقِدُ أَنَّ ابْنَكِ حَاتِماً إِنْسَانٌ عَقْلُهُ أَكْبَرُ مِنْ عُمُرِهِ كَثِيْراً . وَقَدْ أَحْسَنَ الاخْتِيَارَ ؛ خَاصَّةً ـ وَكَمَا تَعْلَمِيْنَ ـ أَنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَخِيْراً طَلاقاً بَائِناً لارَجْعَةَ فِيْهِ ؛ وَلَكِنَّكِ سَتُفْقِدِيْنَ قُوْزْ قُرَافِى رُكْناً مُهِمّاً .. سَتُفْقِدِيْنَهُ وَدّالبَاشْكَاتِب) .
لَيْلَى : (لَقَدْ رَتَّبْنَا أَمْرَنَا جَيِّداً ؛ سَوْفَ نَقِضِى ـ وَدّالبَاشْكَاتِب وَأَنَا ـ الصَّيْفَ فِى لنْدنَ وَ الشِّتَاءَ فِى قُوْزْ قُرَافِى) .
نَقَلَ المَامُوْنُ إِلَى القَاضِى تَفَاصِيْلَ ذَاْكَ الحِوَارِ؛ فَابْتَسَمَ القَاضِى ابْتِسَامَةً أَكْبَرَ مِنْ قَارَّةِ أُوْرُوْبَا ؛ وَقَاَلَ :
ـ حَسَناً ؛ سَؤُأَجِّلُ سَفَرِى يَامَامُوْن ؛ وَسَتَذْهَبُ لَيْلَى عِبيْد إِلَى قُوْزْ قُرَافِى ؛ أَمَّا أَنَا فَمَتَى سَأَذْهَب؟ اسْمَعْ يَامَامُوْن : لَقَدْ قَرَّرْتُ أَنْ أَسْتَقِرَّ ـ بَعْدَ أَنْ تَنْتَهِىَ فِتْرَةُ رِئَاسَتِى لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ ـ فِى قُوْزْ قُرَافِى كَأَىِّ مُزَارِع . آهـ يَامَامُوْن .. آهـ يَامَامُوْن مِنَ الغَرْب .. آهـ مِنْ هَذَا العَالَمِ المَادِّىِّ الَّذِى يَقْصِفُ العُمْرَ قَصْفاً . رَعَى اللَّهُ عَهْدَ قُوْزْ قُرَافِى؛ وَرَعَى وَنَضَّرَ أَهْلَهُ الطَّيِّبِيْنَ الحَنَُوْنِيْنَ الوَدُوْدِيْنَ المُسَالِمِيْنَ المُسَامِحِيْنَ .
حِيْنَذَاْكَ رَأَى المَامُوْنُ الدُّمُوْعَ تَنْهَمِرُ بِغَزَارَةٍ مِنْ عَيْنَىِّ القَاضِى ؛ الَّذِى أَسْرَعَ وَمَسَحَهَا بِمِنْدِيْلٍ .
لَكِنَّ حَالَ القَاضِى كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ حَالِ المَامُوْنِ فِى لَيْلَتِهِ الأَخِيْرَةِ بِلنْدن ؛ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ عَقْدَ قِرَانِ لَيْلَى عِبيْد (جُوْهَانَا رِيْد) وَوَدّ البَاشْكَاتِب عَلَى يَدَىِّ القَاضِى ؛ سِكِرتيْرِ عَامِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ . لَقَدْ كَانَ المَامُوْنُ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشٍ وَثِيْرٍ فِى قَصْرِ لَيْلَى عِبيْد البَاذِخِ ذَاْكَ ؛ كَمَنْ يَتَقَلَّبُ عُرْيَانَ عَلَى زُجَاجٍ مَهْرُوْسٍ ؛ وَهُوَ يَقُوْلُ لِنَفْسِهِ :"آهـ .. هَكَذَا حَالُ الدُّنْيَا ؛ فَغَداً سَأُغَادِرُ ودُكْتُوْر كَتَكُو إِلَى بَلَدِهِ وَمِنْهُ إِلَى وَطَنِى ؛ وَسَيُغَادِرُ سِكِرتيْرُ عَامِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ إِلَى نِيُوْيُورْك ؛ وَبَعْدَ أُسْبُوْعٍ سَيُغَادِرُ وَدّالبَاشْكَاتِب وَجُوْهَانَا إِلَى قُوْزْ قُرَافِى.. حُبّاً وَكَرَامَة يَاقُوْزْ قُرَافِى . آهـ .. لَقَدِ انْكَشَفَ لَنَا الفَاضِل وَدّالبُر ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْكَشِفْ لأَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .. صَبْراً ياالفَاضِل يَاوَدّالبُر حَتَّى أَعُوْدَ إِلَى قُوْز قُرَافِى . رَحِمَ اللَّهُ حَسُّوناً ؛ فَقَدْ قُتِلَ لأَنَّهُ كَانَ نَمْلَةً . فَنَحْنُ لَمْ نَكُنْ نَدْرِى حَتَّى وَقْتٍ قَرِيْبٍ أَنَّ النَّمْلَ يَنَامُ ؛ لأَنَّنَا بِبَسَاطَةٍ لَمْ نَرَ نَمْلَةً نَائِمَةً . فَمَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى الأَرْضِ فِى أَىِّ وَقْتٍ؛ حَتَّى نَرَى النَّمْلَ يَعْمَلُ بِهِمَّةٍ وَتَعَاوُنٍ وَصَبْرٍ.. لَمْ نَكُنْ نَدْرِى أَنَّ النَّمْلَ يَنَامُ ؛ لأَنَّنَا لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِنِظَامِ النَّوْبَاتِ ؛ الَّذِى ظَلَّ يَعْمَلُ بِهِ مُنْذُ بِدْءِ الخَلِيْقَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفُهُ الإِنْسَانُ .. فِى نَوْبَةٍ يَعْمَلُ قِسْمٌ مِنَ النَّمْلِ بَيْنَمَا يَنَامُ القِسْمُ الآخَرُ مِنْهُ ؛ وَفِى النَّوْبَةِ التَّالِيَةِ يَنَامُ القِسْمُ الِّذِى كَانَ يَعْمَلُ وَيَعْمَلُ القِسْمُ الَّذِى كَانَ يَنَامُ ؛ وَهَكَذَا دَوَالَيْكَ. لَكِنَّ الاسْتِعْمَارَ اكْتَشَفَ هَذَا الأمْرَ قَبْلَنَا ـ أَهْل العَالَمِ الثَّالِثِ وَخَاصَّةً أَهْل أَفْرِيْقيَا ـ بِكَثِيْرٍ .. اكْتَشَفَ أَنَّ النَّمْلَ يَنَامُ وَيَشْبَعُ نَوْماً . الاسْتِعْمَارُ يَعْلَمُ أَنَّ صِفَاتِ النَّمْلِ تَجْرِى فِى عُرُوْقِ أَهْلِ أَفْرِيْقيَا وَفِى وِجْدَانِهِمْ ؛ لِذَا عَمِلَ عَلَى أَنْ يَنَامَ ذَاْكَ النَّمْلُ المَوْجُوْدُ فِى دِمَائِهِمْ وَفِى أَرْوَاحِهِمْ ؛ لأَنَّهُمْ إِنِ اسْتَيْقَظُوا اتَّبَعُوا نَظَامَ مَمْلَكَةِ النَّمْلِ وَطَرَدُوْهُ مِنْ بِلادِهِم . الاسْتِعْمَارُ نَجَحَ بِأَسَالِيْبِهِ الَّتِى أَصْبَحَتْ مَكْشُوْفَةً الآن ؛ فِى إِنَامَةِ نَمْلِ أَفْرِيْقيَا .. فِى إِنَامَتِنَا جَمِيْعاً . أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ عَمِلَ الاسْتِعْمَارُعَلَى أَلاَّ يَسْتَيْقِظَ هَذَا النَّمْلُ أَبَداً . وَظَلَّ يُفَكِّرُ وَيُفَكِّرُ ؛ إِلَى أَنْ تَوَصَّلَ إِلَى أَنَّ خَيْرَ وَسِيْلَةٍ لِذَلِكَ هِىَ قَتْلُ عُلَمَاءِ ذَاْكَ النَّمْلِ وَقَادَتِهِ وَمُفَكِّرِيْهِ وَكُلِّ مَنْ يَرْفَعُ صَوْتاً فِى وَجْهِ المُسْتَعْمِرِ ؛ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ فَشِلَ فِى مُحَاوَلَةِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ أَبْنََاءَ بَرَرَةً لَهُ يَأْتَمِرُوْنَ بِإِشَارَتِهِ . لَكِنَّ حَسُّوْناَ ولََدَ النُّعْمَان كَانَ نَمْلَةً مُسْتَيْقِظَةً دَوْماً ؛ وَلِكَىْ لاتُيْقِظَ هَذِهِ النَّمْلَةُ بَقِيَّةَ النَّمْلِ ؛ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُزَاحَ حَسُّوْنٌ مِنَ الطَّرِيْقِ . لَكِنَّ الاسْتِعْمَارَ أَخْطَأَ خَطَأً مُمِيْتاً ؛ إِذْ لَمْ يَدْرِ أَنَّ حَسُّوْناً فِكْرٌ ؛ وَأَنَّ الفِكْرَلايَمُوْتُ أَبَداً ؛ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ نَمْلَةٍ إِلَى نَمْلَةٍ ، وَلَوْفِى مَنَامِ النَّمْلِ ؛ فَيَتَقَلَّبَ كَثِيْراً فِى نَوْمِهِ إِلَى أَنْ يَسْتَيْقِظَ ؛ فَيَجِدَ فِكْرَ حَسُّوْنٍ يُضِىْءُ لَهُ الطَّرِيْقَ ؛ فَتُصْبِحَ كُلُّ نَمْلَةٍ حَسُّوْناً جَدِيْداً ) .
هَكَذا كَانَ المَامُوْنُ يَتَحَدَّثُ مَعَ نَفْسِهِ ؛ وَفَجْأَةً فَقَدَ الاتِّصَالَ بِنَفْسِهِ ؛ حِيْنَ تَشَابَكَتْ خُطُوْطُ الاتِّصَالِ وتَدَاخَلَتْ وَوَجَدَ نَفْسَهُ فِى اتِّصَالٍ خَارِجِىٍّ بِوَدّالبَاشْكَاتِب ؛ الَّذِى كَانَ فِى تِلْكَ اللَّحْظَةِ يُعِيْدُ فِى ذِهْنِهِ شَرِيْطَ حِوَارٍ قَدِيْماً : وِدَاعَة : (الخَوَاجَة صَارَ وَاحِداً مِنَّا ... صَارَ وَاحِداً مِنْ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى ؛ حَتَّى إِنَّهُ لَوْ لَقِىَ عُصْفُوْراً مِنْ قُوْزْ قُرَافِى فِى بَلَدٍ آخَرَ ؛ لَعَرَفَهُ دَوْنَ سَائِرِ العَصَافِيْرِ) .
فَرَح : (صَدَقْتَ . ولَكِنَّ الَّذِى يُحَيِّرُنِى فِى الخَوَاجَةِ صَداقَتُهُ الغَرِيْبَةُ لِوَدّالبُرْ ؛ ذَاكَ المَجْنُوْنُ الَّذِى يَهِيْمُ عَلَى وَجْهِهِ) .
التَّازِى : (وَدّالبُرْ لَمْ يَبْقَ لَهُ وَجْهٌ حَتَّى يَهِيْمَ عَلَيْهِ . وَدّالبُر فَقَدَ ظِلَّهُ ؛ والَّذِى لاظِلَّ لَهُ لاوُجُودَ لَهُ ؛ هَلْ سَمِعْتُمْ بِظِلٍّ مِنْ غَيْرِ عُوْدٍ؟)
وِدَاعَة: (رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قاَلَ: <مِنَ النَّاسِ مَنْ أَرْجُو دُعَاءَهُ ، ولاأَقبَلُ شَهَادَتَهُ>) .
التَّازِى : (لَمْ أَفْهَمْ شَيْئاً ؛ مَاذا تَقْصِدُ؟)
وِدَاعَة : (أَقْصِدُ أَنَّ وَدّالبُرْ مِنْ نَوْعِ النَّاسِ الَّذِى إِنْ دَعَا لَكَ اللَّه ، اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ ؛ وإِنْ هُوَ شَهِدَ حَادِثَ قَتْلٍ لايُوْلِِيْهِ اهْتِمَاماً ولايَسْتَطِيْعُ وَصْفَهُ ؛ ومِنْ ثَمَّ لاتُقبَلُ شَهَادَتُهُ) .
فَرَح : (لِيَكُنْ مايكُوْنُ مِنْ أَمْرِ وَدّالبُرْ ... لِيَكُنْ وَدّالبُر صَالِحاً مِنَ الصَّالِحِيْنَ أَوْلِيَكُنْ مَجْنُوْناً مِنَ المَجانِيْنَ ؛ لَكِنَّ الأَغْرَبَ مِنْ ذَلِكَ صَداقَتُهُ لِلخَوَاجَة ؛ بَلْ حُبُّهُ العَمِيْقُ لَهُ . قَبْلَ مَجِىءِ الخَوَاجَةِ إِلَى قُوْزْ قُرَافِى؛ لَمْ يَكُنِ الفَاضِل وَدّالبُرْ يَتَحَدَّثُ إِلاَّ مَعَ نَفْسِه ؛ أَوْمَعَ خَيَالاتٍ لايَرَاهَا غَيْرُهُ . ولَكِنِ انْظُرُوا إِلَيْهِ الآن ؛ تَرَوْنَهُ طِوَالَ النَّهَارِ وشَطْراً مِنَ اللَّيْلِ يَجْلِسُ مَعَ الخَوَاجَةِ فِى مَحَلِّهِ ؛ يَتَآنَسَانِ ويَغْرَقَانِ فِى الضَّحِكِ مِنْ قَلْبَيْهِمَا ؛ فَتَعْتَرِيَكُمُ الدَّهْشَةُ) .
وَدّ البَاشْكَاتِب : (وَدّالبُرْ يَعِيْشُ أَزْمَةَ ثِقَة ... وَدّالبُرْ يَحْتاجُ إِلَى مَنْ يُعِيْدُ إِلَيْهِ ثِقتَهُ بِنَفْسِهِ وبِالنَّاسِ ؛ وقَدْ أَدْرَكَ الخَوَاجَةُ ذَلِكَ ؛ وهُوَ يَعْمَلُ الآنَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الغَايَةِ) .
فَرَح : (زَمَنٌ عَجِيب!! مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أَنَّ وَدّالبُرْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْلِسَ مِثْلَ هَذِهِ الجِلْسَةِ الهَادِئَةِ فِى مَحَلِّ الخَوَاجَة؟!)
التَّازِى : (قَدْ أُصَدِّقُ أَنَّ كُلَّ شَىْءٍ فِى جِسْمِ وَدّالبُرْ يُمْكِنُ أَنْ يتُوْبَ ؛ حَتَّى لِسانُهُ قَدْ يتُوْبُ مِنَ الكَلام ؛ سِوَى سَاقَيْهِ فَلاأُصَدِّقُ أَنَّهُمَا يُمْكِنُ أَنْ تَتُوْبَا مِنَ المَشْىِ ؛ إِذْ كَأَنَّمَا رَكَّبَ اللَّهُ لَهُ سَاقَىَّ سَقَّاء ... لاتَمُجَّانِ طُرُقَاتِ القَرْيَةِ ؛ ولاتَضُلاَّنِ طَرِيْقَهُمَا فِيْهَا ... حَقِيْقَة مَنْ خَفَّ عَقلُهُ تَعِبَتْ رِجْلاهُ) .
وِدَاعَة : (هُنَالِكَ شَىْءٌ آخَرُ لاأُصدِّقُ أَنَّهُ يَتُوْبُ فِى وَدّالبُرْ ؛ وَهُوَ يَدَاه ... وَدّالبُرْ يُفَتِّشُ كُلَّ شَىْءٍ تَقَعُ عَلَيْهِ يَدَاهُ ؛ بَحْثاً عَنْ شَىْءٍ مَا لانَعْرِفُهُ ؛ ورُبَّما هُوَ أَيْضاً لايَعْرِفُهُ) .
فَرَح : (الآن تَذَكَّرْتُ شَيْئاً قَالَهُ لِى الخَوَاجَة ؛ حِيْنَ سَأَلْتُهُ مَرَّةً عَنْ سِرِّعَلاقَتِهِ بِوَدّالبُرْ ؛ فَقَدْ قَالَ لِى :<وَدّالبُرْ كَانَ إِنْسَاناً عَادِيّاً ؛ نَفْسُهُ مِثْلُ نُفُوْسِ بَقِيَّةِ نَسْلِ آدَمَ ؛ لَكِنَّهُ فَجْأَةً فَقَدَ حَلْقَةً مُهِمَّةً فِى بِنَائِهِ الدَّاخِلِىِّ . إِنَّهُ لَنْ يَعْثُرَ عَلَى شَىْءٍ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ ؛ لأَنَّ الشَّىْءَ الضَّائِعَ مِنْهُ داخِلَ نَفْسِهِ. وَدّالبُرْ يَافَرَح يَحْتاجُ إِلَى طِلاءٍ دَاخِلِىٍّ>) .
التَّازِى : (لَقَدْ صَدَقَ الخَوَاجَة ؛ فَالشِّىْءُ الضَّائِعُ مِنْ وَدّ البُرْ دَاخِلَ نَفْسِه)ِ . وَدّالبَاشْكَاتِب: (أَلَمْ تُلاحِظُوا شَيْئاً؟ فَحِيْنَ يَقِفُ وَدّالبُرْ يَنْظُرُ إِلى الكَوْنِ حَوْلَهُ ؛ يَقِفُ كَعَلامَةِ اسْتِفْهَامٍ ؛ والحَيَاةُ سُؤَالٌ كَبِيرٌ انْقَسَمَ بِسَبَبِهِ أَهْلُ الدُّنْيَا إِلَى ثَلاثِ فِئَاتٍ : فِئَةٌ لَمْ تَجِدْ لَهُ إِجَابَةً البَتَّة ؛ وَفِئَةٌ وَجَدَتْ لَهُ إِجَابَةً وَاحِدَةً فَقَط ؛ وفِئَةٌ وَجَدَتْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ إِجَابَةٍ) .
فَرَح: (وَوَدّالبُرْ مِنْ أَفْرَادِ الفِئَةِ الأُوْلَى) .
وَدّالبَاشْكَاتِب : (إِذَنْ هُوَ إِنْسانٌ سَعِيْدٌ ) .
وِدَاعَة : (أَمَا سَمِعْتُمْ قوَْلَ القَائِل ِ: <أَهْلُ قُوْزْ قُرَافِى عَاقِلُهُمْ مَجْنُوْنٌ؛ فَهُمْ أَسْعَدُ خَلْقِ اللَّهِ>؟)
فَرَح : (الجُنُوْنُ دَلِِيْلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِلمَجْنُوْنِ عَقْلٌ وَفَقَدَهُ ؛ فَكَيْفَ يَجُنُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ أَصْلاً؟)
التَّازِى حَقِيْقَة هَلْ وَدّالبُرْ صَالِحٌ مِنَ الصَّالِحَيْنَ ، أَمْ مَجْنُوْنٌ مِنَ المَجَانِيْنَ؟) وَدّالبَاشْكَاتِب : (قَبْلَ أَنْ نُجِيْبَ عَنْ هَذا السُّؤَالِ دَعُوْنِى أَحْكِى لَكُمْ شَيْئاً ؛ فَقَدْ سَأَلْتُ الخَوَاجَةَ عَنْ بِدَايَةِ عَلاقَتِهِ بوَدّالبُرْ ؛ فَقَالَ لِى : <أَوَّلُ مَرَّةٍ رَأَيْتُ فِيْهَا وَدّالبُرْ ، كَانَ يَقِفُ فِى الشَّمْسِ الحَارِقَةِ فِى مُنْتَصَفِ النَّهارِ وَالعَرَقُ يَنْبُعُ مِنْ كُلِّ مَسَامَاتِ جِسْمِهِ ؛ وَهُوَ يَقُوْلُ : (يَااللَّه : ابْعِدْ هَذِهِ الشَّمْسَ مِنْ فَوْقِى ؛ أَوِابْعِدنِى مِنْ تَحْتِهَا)> . كِدَّتُ أَقُوْلُ لِلخَوَاجَة :<إِذَنْ هُوَ رَجُلٌ يَبْحَثُ عَنِ الظِّلِّ> ؛ لَوْلاأَنَّهُ فَاجَأَنِى بِقَوْلِهِ : <يَاوَدّالبَاشْكَاتِب : وَدّ البُرْ فَنَّانٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَنْبَغِى ؛ وهَذا هُوَ سَبَبُ اتِّهَامِهِ بِالجُنُوْنِ>) .
مَرَّ هَذَا الشَّرِيْطُ سَرِيْعاً بِذِهْنِ وَِدّالبَاشْكَاتِب ؛ وَهُوَ لايَدْرِى شَيْئاً عَنْ قُوْزْ قُرَافِى فِى ذَاْكَ الوَقْتِ بِالَّذَاتِ ؛ لايَدْرِى مَثَلاً الحِوَارَ التَّالِى الَّذِى لَيْسَ مِنَ المُسْتَبْعَدِ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ جَرَى :
(قَاضِى مَحْكَمَةُ مَرَوِىْ : الاسْم؟
ـ هُوَ: (الفَاضِل عَلِى البُر .
القَاضِى : المِهْنَة؟
الفَاضِل : مَجْنُوْنٌ كَبَقِيَّةِ أَهْلِ قُوْزْ قُرَافِى .
القَاضِى: هَذِهِ مِهْنَةٌ جَدِيْدَةٌ لَمْ نَسْمَعْ بِهَا مِنْ قَبْلُ . حَسَناً ؛ مَاالتُّهْمَةُ المُوَجَّهَةُ إِلَيْكَ؟
الفَاضِل : حِيَازَةُ الحَشِيْشِ .
القَاضِى : مَاالكَمِيَّةُ المَضْبُوْطَةُ بِحَوْزَتِكَ؟
الفَاضِل : سِتُّوْنَ كِيْلُوْجِرَاماً .
القَاضِى : سِتُّوْنَ كِيْلُوْجِرَاماً؟!
الفَاضِل : نَعَمْ ؛ سِتُّوْنَ كِيْلُوْجِرَاماً لاتَنْقُصُ جِرَاماً وَاحِداً .
القَاضِى : هَلْ تُنْكِرُ التُّهْمَةَ؟
الفَاضِل : بَلْ أَعْتَرِفُ بِحِيَازَتِى لِلكَمِيَّةِ المُبَلَّغِ عَنْهَا) .
لَكِنَّ هَذَا الاسْتِجْوَابَ لَمْ يَحْدُثْ ؛ وَالَّذِى حَدَثَ كَانَ أَفْظَعَ مِنْ كُلِّ اسْتِجْوَابٍ ؛ فَقَدْ كَانَ الفَاضِلُ كَعَادَتِهِ يَتَنَقَّلُ كَوَجَعِ العَضَلاتِ (القَطِيْعَة بِلُغَةِ العَامَّة) مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ عَلَى غَيْرِ هُدًى ؛ وَقَدْ رَجَعَ النِّيْلُ قَبْلَ زَمَنٍ طَوِيْلٍ إِلَى مَجْرَاهُ الأَزَلِىِّ ؛ فَعَثَرَتْ قَدَمَاهُ بِبِرْكَةِ مَاءٍ فِى بَيْتِ حاج الفَكِى خَلَّفَهَا النِّيْلُ وَرَاءَهُ وَهِىَ تُخْفِى تَحْتَهَا بِئْرَ مِرْحَاضٍ عَمِيْقَةً ؛ وَبِمَشَقَّةٍ أَخْرَجُوْهُ مِنْهَا مَيْتاً . لَقَدْ سَبَقَتْ مَشِيْئَةُ اللَّهِ إِرَادَةَ المَامُوْنِ ؛ لأَنَّهَا مَشِيْئَةٌ مُطْلَقَةٌ خَلَقَتْ إِرَادَةَ البَشَرِ ؛ وَهَلِ المَامُوْنُ سِوَى أَحَدِ البَشَرِ؟
وَالمَامُوْنُ يَتَقَلَّبُ عَلَى الفِرَاشِ الوَثِيْرِ كَمَنْ يَتَقَلَّبُ عُرْيَانَ عَلَى زُجَاجٍ مَهْرُوْسٍ ؛ تَذَكَّرَ قَوْلَ دُكْتُوْر كَتَكُو لَهُ حِيْنَ زَارَهُ فِى بَلَدِهِ قُبَيْلَ بِدْءِ مُحَاكَمَةِ بُرُوْفِيسُور مَايْكِل؛ وَسَأَلَهُ رَأْيَهُ الشَّخْصِىَّ فِى بُرُوْفِيسُور مَايْكِل بُرُوْفِيسُور مَايْكِل مِثْلُ الزُّجَاجَةِ السَّوْدَاء ؛ لاتَدْرِى أَفَارِغَة أَمْ مَلِيْئَة إِلاَّ إِذَا جَعَلْتَ عُنُقَهَا إِلَى أَسْفَلَ ؛ بَعْدَ أَنْ تَكُوْنَ قَدْ نَزَعْتَ عَنْهَا غِطَاءَهَا) . مَرَّتْ عِبَارَةُ دُكْتُوْر كَتَكُو تِلْكَ بِذِهْنِ المَامُوْن ؛ كَأَسْرَعَ مَا تَصْعَدُ الدَّعْوَةُ المُسْتَجَابَةُ إِلَى السَّمَاءِ . تَذَكَّرَ المَامُوْنُ عِبَارَةَ دُكْتُوْر كَتَكُو تِلْكَ وَقَدِ انْبَلَجَ الفَجْرُ ؛ فَجَذَبَ عَلَيْهِ الغِطَاءَ الثَّمِيْنَ ؛ الَّذِى مَا أَنْ صَارَ بِدَاخِلِهِ تَمَاماً حَتَّى سَأَلَ نَفْسَهُ :"أَتُرَى كُلَّ مَا بِالزُّجَاجَةِ السَّوْدَاءِ قَدِ انْسَكَبَ الآنَ خَارِجَهَا ؛ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَىء؟"
وَحِيْنَ كَانَ يَقِفُ صَباحاً وَدُكْتُوْر كَتَكُو بِصَالَةِ المُغَادَرَةِ بِمَطَارِ (هِيثْرُو) وَبِرِفْقَتِهِمَا الخَوَاجِيَّة جُوْهَانَا وَوَدّالبَاشْكَاتِب ؛ الَّذِى كَانَ يَنْظُرُ بَيْنَ الفَيْنَةِ وَأُخْتِهَا إِلَى الحَنَّاءِ السَّوْدَاءِ بِكَفَّيْهِ ؛ تَأَكَّدَ لَدَى المَامُوْنِ أَنَّ وَدّالبَاشْكَاتِب قَدْ تَزَوَّجَ الآنَ فَقَط . هَذَا ؛ فِيْمَا كَانَتْ طَائِرَةُ سِكِرتيْرِعَامِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ الخَاصَّةُ الضَّخْمَةُ جَاثِمَةً عَلَى أَرْضِ المَطَارِ كَالحُوْتِ الأَزْرَق ؛ إِذْ كَانَتْ سَتُغَادِرُ قَبْلَ تِلْكَ الَّتِى سَيُسَافِرُ بِهَا وَدُكْتُوْر كَتَكُو . نَظَرَ المَامُوْنُ إِلَى سِكِرتيْرِعَامِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ؛ الَّذِى كَانَ يَرْفَعُ يَدَهُ اليُمْنَى مُلَوِّحاً لَهُمْ مِنْ سُلَّمِ الطَّائِرَةِ ؛ وَبِاليُسْرَى يَمْسَحُ بِمِنْدِيْلٍ دُمُوْعاً غَزِيْرَةً انْهَمَرَتْ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى حَنَكِهِ . اخْتَلَسَ المَامُوْنُ نَظْرَةً إِلَى الخَوَاجِيَّة جُوْهَانَا ؛ فَقَرَأَ مَكْتُوْباً فِى عَيْنَيْهَا خَلِيْقٌ بِمِثْلِ هَؤُلاءِ أَنْ يُحَقِّقُوا جُمْهُوْرِيَّةَ قُوْزْ قُرَافِى) . وَوَدّالبَاشْكَاتِب يَقُوْلُ فِى نَفْسِهِ : "اِسْتَعِدَّ يَاجِنَّ الفَضَاءِ فَقَدْ جَاءَكَ جِنُّ الأَرْضِ .. جَاءَكَ مِنْ قُوْزْ قُرَافِى حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن . اللَّهُ أَكْبَر .. هَؤُلاءِ قَوْمٌ يُخِيْفُوْنَ جَنَّ الفَضَاءِ .. هَؤُلاءِ قَوْمٌ نَفَذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بِسُلْطَانِ العِلْمِ .. هَؤُلاءِ قَوْمٌ مِنَ الأَفْذَاذِ تُضِيْقُ بِهِمْ أَوْطَانُهُمْ ؛ فَيُضَيِّقُوْنَ عَلَى الجِنِّ الفَضَاء" . وَطَائِرَةُ سِكِرتيْرِعَامِّ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ تُلَعْلِعُ فِى سَمَاءِ لنْدن ؛ يَقُوْدُهَا حَسُّوْن وَدّالمَامُوْن ؛ وَتَخْتَفِى شَيْئاً فَشَيْئاً وَسْطَ الضَّبَابِ الكَثِيْفِ . وَوَدّالبَاشْكَاتِب يَسْأَلُ نَفْسَهُ :"تُرَى كَمْ مِنَ الحَوَادِثِ الجِسَامِ وَقَعَتْ فِى حَيَاةِ هَذَا الرَّجُلِ الفَذِّ ؛ مُنْذُ أَنْ كَانَ سِكِرتيْراً لِرَابِطَةِ طُلاَّبِ دُوْلِ أَفْرِيقيَا المُنَاهِضَةِ للاسْتِعْمَارِ ؛ إِلَى أَنْ أَصْبَحَ سِكِرتيْراً عَامّاً لِلأُمَمِ المُتَّحِدَةِ؟ هَذَا الرَّجُلُ الفَذُّ الَّذِى لايَعْرِفُهُ العَالَمُ إِلاَّ بِاسْمِهِ الحَقِيْقِىِّ ؛ وَهَذَا مَالايُهِمُّ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى ؛ تَمَاماً كَمَا لايُهِمُّهُمُ اسْمُ جُوْهَانَا رِيْد أَوْلَيْلَى عِبيْد ؛ إِنَّمَا يَحْلُو لَهُمْ أَنْ يُنَادُوْهَا بِاسْمِهَا الَّذِى يَعْرِفُوْنَهَا بِهِ الخَوَاجِيَّة) . هَذَا الرَّجُلُ الفَذُّ قَدْ يَكُوْنُ اسْمُهُ : اللَّمِيْن .. عبداللَّطِيْف .. طَلْحَة .. يَاسِيْن .. خُوْجَلِى .. جَارالنَّبِى ؛ هَذَا لايُهِمُّ أَهْلَ قُوْزْ قُرَافِى ؛ إِنَّمَا يُهِمُّهُمْ أَنْ يُنَادُوْهُ بِاسْمِهِ الَّذِى عَرَفُوْهُ بِهِ : < الإِمَام>" .
وَفَجْأَةً أَحَسَّ وَدّالبَاشْكَاتِب أَنَّ دَمْعَةً كَبِيْرَةً .. صَادِقَةً وَسَاحِنَةً ؛ تَقْطُرُ فِى دَاخِلِهِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيْدٍ .. مَكَانٍ أَبْعَدَ مِنَ المَسَافَةِ بَيْنَ نِيُوْيُورْكَ وَقُوْزْ قُرَافِى ؛ وَهُوَ الَّذِى يَعْلَمُ أَنَّ بَيْنَ نِيُوْيُورْكَ وَقُوْزْ قُرَافِى أَجْيَالاً مِنَ البَشَرِ وَالزَّمَنِ .. وَمِنَ الحَوَادِثِ وَالمَسَافَاتِ أَجْيَالاً وَأَجْيَالا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كَتَبْتُ أَوَّلَ جُمْلَةٍ فِى هَذِهِ المُحَاوَلَةِ الرِّوَائِيَّةِ مَسٍاء الإِثنين 28/مارس/1988ميلادِيَّة بِالقُريْر ؛ وانْتَهِتِ الكِتَابَةُ الجَادَّةُ لَهَا مساء الخَمِيس 16/ديسمبر/1993ميلاديَّة بِالقُريْر(السَّاعة 8:22) ؛وابتدأَ تَنْقِيْحُهَا مُنْذُ ذاك الوقت وَانْتَهَى بِاكْتِمَالِ كِتَابَتِى لَهَا عَلَى جِهَازِ (الكُمْبُيُوْتَر) يَوْم السَّبت 02 /أَبريل / 2005 ميلاديَّة فِى تَمَامِ السَّاعَةِ 10 : 21 صَبَاحاً بِالقُريْر .
على الرُّفاعى .



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2005, 02:32 PM   #[51]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Ishrag Dirar

خالد .. العزيز ..الحاج ..

سلمت يداك ..
ياناشر المسك ..

ثم ..
كيف يستقيم عقلا ..
ان أكون الاستاذة أشراق ..
وتضي الصفحة بعالم عباس ,..الاستاذ ؟؟؟

يكفيني ان اكون اشراق ...

هلا كففت عني عبء هذا التشريف ؟؟
ودي
اشراق

العزيزة إشراق

سلامات يا زولة يا زينة
أستاذة...
هذه لا نمنحها (بكش) !! نعطيها لمن يستحقها
وهي لك مستحقة دون شك.

معزتي



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:43 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.