للناطقين بها
(1)
تناديني زوج جدي، تعال آآ عشاي ودّي الجبنة دي لي جدّك في اللّقدابة بي غادي...
فأأتي مسرعا، وأحمل صينية القهوة الى جدي ودعسوم، وأدخل من باب لقدابته ذي الآرش العريض الذي يلج منه ضوء الشمس والناس على مدار اليوم، فإذا بي بصورة (سيدي) المعلقة على الجدار المقابل...
ياااالتك الصورة...
لم أزل أتذكر تفاصيلها وكأنها أمامي!...
الشال الملفوف حول عنق السيد علي الميرغني بعناية...
والنظرة!...
ويااالها من نظرة!!
انها نظرة إن خلتها باسمة فهي كذلك، وإن خلتها غير ذلك فهي كذلك، فكلما ترفع ناظريك إلى الصورة تخالها تراقبك، فتتملكك الرهبة، وتتغشّاك قشعريرة من شعر رأسك الى أخمص قدميك!
وإذا بي تحضرتي قصة امرأة العزيز يوم أن وضعت خرقة على عيني تمثال بجوار فراشها وهي تراود نبي الله يوسف الذي قال لنفسه:
-هذا لعمري برهانٌ بانّ ربي أولى بأن أتّقيه!...
ثم إذا بي اتذكر علماء قوم نوح السبعة، الذين رحلوا إلى ربهم فأقام لهم الناس مجسمات في الساحات للذكرى، وإذا بالشيطان يحيل تلك الذكرى -في أنفسهم- إلى تقديس، ليصبح ذلك مدخلا لعبادة الأصنام في الشام...
ويأتي ابوسفيان من مكة زائرا، ويأخذ معه منها صنما لينصبه بجوار الكعبة...
ما كان مني إلا أن سألتُ جدي وانا أضع صينية الجبنة على منضدة حديد -دَقْ حَلَب- بجوار عنقريبه:
-انت ياجدي الصورة دي جبتها من وين؟!
فينتهرني ويقول:
-ياولد دي صورة سيدي وسيدك عمى في عينك...
اجابة تنم عن غضب واستمساك...
ولم يلبث قليلا حتى انتهرني وهو يسعى إلى شغلي بشئ، فما كان يقبل بأي نقاش عن السيد علي الميرعني:
-ياولدي إن بقا ماعندك شغلةً تسويها، قوم شيل القُفَّة دي وامِشي علي حوش عمك واملاها من الكُريق المفروش تالا الكيم بي غادي واندلّ البركل تحت وودها لي حبوبتك الزهرة بت أب ريش ثم اعتدل جالسا وهو يقول:
- باقي حبوبتك قع تريد الكُريق.
نهضتُ من مكاني وأخذتُ القُفّة وغادرته متوجها صوب حوش عمي رشاد...
واستدرك جدي قائلا:
-يا جنا هوي؟
-ايوة ياجدي.
-لاتلخبت الكُريق بي ودلقاي فيشان مفروشات جَمَ جم.
-سمح آجدي.
والحق يقال بأن منتهى قدرتي على التفريق بين انوع التمور قد كانت -ولم تزل- لنوعين فقط هما البركاوي والقوندولي، إذ البركاوي أطول وانحف، بينما القوندولي أكثر امتلاء وأقصر طولا...
اتجهت صوب زوجة عمي وسألتها بصوت خفيت عن مكان الكُريق، فأرتني أياه باسمة، فملأتُ القُفة، ثم اتجهتُ راجلا الى البركل تحت،
إذ المشوار إلى البركل تحت عن طريق دَرِب بدوي لهو (walkable distance) كما اعتاد القول جارنا الأستاذ عثمان ودابجارة، استاذ اللغة الانجليزية في مدرسة البركل شمال المتوسطة...
وصلتُ إلى دار حبوبتي الزهرة بت أب ريش، فوجدت عنقريبها يتوسط حوشهم الكبير الذي يعجُّ بشتى أنواع اشجار النخيل، فذاك قد كان حال أهلنا في البركل تحت، بغير حالنا في البركل فوق -أو النِّمَر- كما اعتاد أهلنا في البركل تحت تسميتنا حينها.
فالبيوت في البركل تحت تجاور النيل، وقد اعتاد الناس زراعة النخيل في حيشانهم الفسيحة تلك.
الزهرة بت أب ريش -رحمها الله- هي قريبة لجدي، بل أخته من الرضاعة، وقد حباها الله بذاكرة قوية وبصر وبصيرة، وقد بلغت من الكِبَرِ عِتِيّا إلى أن لاقت ربها راضية مرضية...
ما ان رأتني قادما حتى ارتسمت على وجهها الوضيئ ابتسامة عريضة، وقد بدا من بعيد شعرها الابيض المشوب ببقايا الحناء، والذي جعل أحد رصفائي من (العكاليت) يصفه لي يوما ويقول:
-آآجنا أكنك عاين لي شعر حبوبتك دا، في زمّتك ما قع يشبه سبيب قندول العيشريف؟
فإذا به ينال قشطات من شخاليب عرجونة صفراء على رجليه من ابنتها الخالة والعمة جارة رحمها الله.
سلّمتُ على جدتي واتجهت صوب العمة جارة وهي تتوسط عددا من النسوة استعدادا للقّيط التمُر، ولاح القفاز عثمان العربي بشنبه الكث الطويل والذي قال عنه ود الطيب يوما:
-عثمان العربي دا عليك أمان الله شنبو دا عللي الساعة تلاتة إلا ربع، تشوفو حتى إن بقيت واقف بي قَفَاه...
قال عثمان العربي وهو يستعد للصعود إلى أول تمرة:
-الحاجّي دي زحّو عنقريبا دا غادي شويي، فيشان دار أرمي سبيطة القفاز بي هني...
فما كان مني ومن معي من الرفاق الاّ أن حملنا جدتي بعنقريبها الى طرف الحوش...
وشرعت تسألني عن جدي وبقية أهل البركل فوق وانا أجيبها بسرور، وكأني بها قد وجدت -أخيرا- من يستمع اليها وقد انشغل الناس عنها بحش التمر، شرعت تتحدث لي عن ماضي ايامها كعادة كل أهلنا من كبار السن، فذكرت لي في ثنايا حديثها شيئا عن بوابير البحر فسألتها:
-انتي ياحبوبتي تعرفي شي عن بوابير البحر ديل؟
-أيّي ياعشاي، أتذكرن زي البارح دا وكت جن بي هني في الساموري القدامنا دا...
واستطردت قائلة:
كنا ساعتا بُطان، سمعنا صوت الصفافير والدنيي القايمي بي بلد بي تحت، بلا قمتا مرقتا ومعاي حبوبتك بتول، وآمني بت باشاب، وفاطني بت البُلُك، وبناتا تانات من الدبوناب، وساقة الخلوة، كنا بطان عاد (قالت ذلك وقد كست وجهها إبتسامة ضاحكة محببة)، واتصل حديثها قائلة:
ومشينا علي البحر، وطلعنانّا فوق دَبْدَبَاً كدي بي قفا الكبري الليل ودالمقبول الهسع دا، بلا نشوفلك بوابير البحر ديل جايات متباريات ومشكوكات شك الكبريت بالخواجات، والبنادق ديل يسوّن التح ترح فوق روسينُن، وصوت مكرفون من البابور القداميّي ينضم فوقو واحدا بالمصري...
أها الدنيي دي بس بلا يوم الغيامي، ومن هني الرجال ديل واقفين فوق القيف ويعاينو، بلا جا ود نعملو من تالا كريمي ونهرنا وقال:
-يابنات أمشن علي بيوتكن الرصاص دا لا يجي في واحدي فيكن يلحقا الصح، بلا اتمطعنا جري لافوق علي البيوت...
سائلت نفسي قائلا:
هل حقا بوابير البحر هذه لم تأتنا الا مع الدخلاء من الطامعين في أرضنا؟!
وانبرت إلى خاطري (الجلاء) دون تلك البوابير...
فهذه الجلاء قد تم تجييشي كسواي من أهلي على امتداد منحنى النيل العظيم;
( The Great Bend of the Nile) كي أبغضها منذ صغري وحقّ لي -حينها- أن أفعل ذلك، فما أظلمها، وما أشنع فعلتها وقد استحقت -فعلا-لأن يجردها راحلنا عبدالله محمد خير من ثوب أنوثتها ويُلبسها لبوس الرجال، والظلم والعدوان -على الأغلب-ألصق بالذكور دون الاناث...
لقد وجّه شاعرنا الراحل خطاب مظلمته الى شيخ شعراء المنطقة ود الدابي عندما قال:
ودالدابى مالك ساكت
ما شفت الجلا السواها
شال محبوبتى سافر بيها
كيفن عاد بعيش لولاها
بابور البحر مو عارفى
شايلة اعز زول جواها
ماهماها حالى ألبي
ما دام نوّرا وضواها
تشتكى بالعلي عيونى
أهملا ما سمع شكواها
اللحكيلك ألماك عارفو
كيف مسخت بلدنا وراها
كان كاتمي الشجن في وداعا
الاّ دموعا مو ساتراها
وأيه فايدة حياتى البعدا
آخوى أتقلب مجراها
تقصر او تطول ايامى
دى انا لامن أموت بطراها
من يوم رحيلا السمحة
خلّت فى العيون ذكراها
خلّت فى القليب بصماتا
أحرف كل يوم بقراها
ما بتحمل حبيبتى الغربه
لا لا وحاتا مو قادراها
وكيف حالا إن مشت فى بلدا
حارة وناسا مو شاكراها
كان فات المحطات جملة
يا حسن القرير بغشاها
قوم يوم التلاتاء أندلاّ
بى تالا الرصيف تلقاها
ما تعاين كتير وتشبّه
في ديك إياها ديك مو ياها
بايني حبيبتى من بسماتا
والنور اليضوى من محياها
يا حسن أنت فوق أوصافا
جيب أبيات وقول معناها
واوعك ترتبك فى وداعا
ذى ما نحن ودعناها
واكتب لى جواب طمّنّى
لا يبقى السفر أعياها
ما بتقدر عليها الدرجة
إلا غلب عليها حياها
هاك منى الرسالة التالتي
وعينى بالدموع راوياها
تلقاك حافظى لل بيناتنا
وتبقى العشره مو نا سياها
إن كت ما بخاف عزالى
آزول كت بقوم ابراها
لكين بخشى قلنا وقالو
وحالى السمحه عارفا براها.
فانبرى له راحلنا ودالدابي مواسيا وداعيا على الجلا وشانئا حتى قال وقلنا معه:
أنا اتمنّالا في دالةً غريقة
تحتل فيها ماتفضل شقيقة
والدالة -للناطقين بغيرها- هي الحفرة العميقة في أعماق مياه النيل...
ويبقى هذا التفسير ساريا الى حين حضور (موالك المدينة) وهم كُثُر، إذ ما كان لي بأن أُفتي بين ظهرانيهم...
ولتكتمل الصورة.
وهاهو كامل رد الخطاب من ود الدابي:
صحيح ياعبدو اخوى قولك حقيقة
كتير الطفشه الجلا من فريقة
يزازى نقل سميحات الخليقة
ورنين صفارتو نفسى ابت تطيقة
معاها انا كيف اسوى شنو الطريقة
تعيق فى الناس إله الناس يعيقة
أنا اتمنالا فى دالة غريقة
تحتل فيها ما تفضل شقيقة
تطير ريشاتا منها بى فريقة
وصميم مكناتا تلتهمو الحريقة
قمرات نومه تسكنن ام دريقة
وتولد فى عنابرو عشان غريقة
بناتنا حليل سروحن فى السبيقة
لقيط ام راس مبقّعى و الكريقة
اديهن حلوه غير لبس ام دقيقة
وبدون كترت غويش نفسن طليقة
جمالن خلقة لو لفحن طريقة
وبدون مضغوط فرادا باهى زيقة
يا حليل قتانن الفوق السليقة
ليقيمتو تطمن الضارباهو ريقة
كتير قبلك يئن مضروب بديقة
تسد عبراتو تسمع لى شهيقة.
(2)
عادل عسوم
وعن جدي علي ودعسوم له من الله الرحمة والغفران أقول:
لم يزل مرسوما في مخيلتي وقد اعتاد الوقوف ممشوقا أمام -لقدابته- ذات المدخل الآرش العريض، الذي يسمح للناس والشمس بالولوج على مدار اليوم! ...
بياض اهابه ينم عنه وجه مستطيل، وجيد نضير يفترُّ عنه عنق عراقيه الدبلان الناصع البياض...
أما أنفه فيشمخ في علو، وقد أغرى يوما زرزورا ليحطّ عليه كما قالت جدتنا...
وعندما ارتحلتُّ الى مكة المكرمة في ابتدار الثمانينات مقبولا في فرع جامعة الملك عبدالعزيز (أم القرى حاليا) كم رأيت له من أشباه من أهل تلك الديار يفوقون الأربعين!...
لقد كنت أحرص وأنا الصبي -حينها- بين يدي كل أجازة نمضيها في البركل أن لا يفوتني مجلس قهوته عند كل صباح...
أشار يوما -بعصاه- الى (ككر) خشبي دكن لونه مع توالي السنوات وقال لي:
-الكرسي دا ياولدي هول (جدّي وجدّك) الكبير ...
واعلمني بأن الذي يتحدث عنه قد كان آخر ملك للشايقية في مملكة الطريف بمنطقة عسوم، فما كان مني الا ان سألته :
-طيب انتو ياجدي مالكم خليتو عسوم وجيتو سكنتوا البركل؟!
فقال بعيد اكماله لفنجان قهوته حيث أعقب ذلك بإبتسامة حميمة:
-جدك علي الكبير كان شغلتو في منطقة عسوم طهار للشفع و جبار للكسور...
ولعلي اصيغ بقية حديثه من ذاكرتي حيث قال:
إن جده علي ود عسوم آتاه الله من المال الكثير،
لكن قدر له الله أن لا يرزق سوي إبن أوحد أسماه محمد، وعندما بلغ محمد الحُلُم شرع في البحث له عن زوجة اشترط أن تكون سليلة لأرفع الأسر في منطقة الشايقية حسبا وقدرا، فما كان منه الاّ أن جاء الى منطقة شبا حيث الشيح ود الكرسني (تور الجبل) وزوّج ابنه محمد من أبنة ود الكرسني الشيخة زينب، فكان ثمرة ذاك الزواج ابن أوحد -ايضا- هو جدّي على ود محمد ود عسوم...
قال لي جدي الآخر سيدأحمد عبدالحميد احمد الكرسني وقد كان شيخا لنطقة العرقوب التي غمرتها مياه سد مروي لاحقا:
منذ قرن من الزمان شبّ جدك علي في منطقة شبا وقد كان وحيد أمه زينب، وذلك بعيد أنتقال والده محمد الى رحمة الله، وأمه -وهي جدتنا أيضا- زينب حافظة للقرآن منذ نعومة أظفارها، وقد عرف عنها انها كانت تنوب عن والدها ودالكرسني في تدريس النساء بل والرجال في احايين كثيرة عندما يغيب والدها...
ومرت السنون وآن لزينب أن تبحث عن زوج لابنها (علي) حيث لم تكن تشكو فاقة تأخر زواج ابنها اذ هي ابنة الشيخ ودالكرسني...
وما كان عليها أن تذهب بعيدا ان رامت له زوجة فالكل هنا في الكرسناب وكل شبا والبركل قد كان يمنى النفس بأن يزوج ابنته ل(علي)!...
ولكن الذي كان يشغل بال زينب قد كان أمرا آخر...
لقد كانت رؤيا منامية اعتادت رؤيتها على مدى سنوات!
فلا تملك الاّ أن ترجئ أمر زواج ابنها عاما وراء عام...
لقد كانت ترى في كل رؤيا من رؤاها تلك رجلا أسمرا مربوع القوام هو برغم الاسمال التي يرتديها بادي الوضاءة وحديثه ما بين خفوت وتبسم...
يناديها من من بعيد ويقول:
-(يا زينب بت شيخنا...
ولدك علي دا تربو -أي نسله- من بنيتنا (زهرة) الفي دار جعل سكونا)!...
فلا تملك الا ان تدع أمر تزويجه فتاة من أهلها وتنتظر لعام اخر!...
وتستبد بها الحيرة...
فديار جعل هذه مكانها من (البركل وشبا) حيث تعيش لأرض تضرب لها أكباد الأبل!...
فلا تلبث الا ان تعود زينب الى حراك حياتها من جديد...
وينقطع حبل الرؤى لعام أو يزيد...
فتتناسى أمر (زهرة) أبنة الجعليين وتتخير أبنة أخيها زوجة لابنها (علي)...
فيشرع الناس في التجهيز ليوم الزواج...
قالت زينب:
-كنت أجلس مع قريبات لي نجهز (ريحة العرسان) فاذا بابن أخي الصبي يأتينا مهرولا وهو يقول:
-عمّتي عمّتي في راجل (دريويش) في الباب قال عِلِّي يقابلك!
فتجيبه:
-قالّك دايرني أنا دي؟!
-أيّي قال لي داير اقابل زينب بت شيخنا!
فتعتمر زينب ماتستتر به وتنطلق في معية الصبي الى باب الدار....
ياااااللمفاجأة!!
انه ذات الرجل الذي أعتادت رؤيته في منامها!!
انه برغم الاسمال التي يرتديها الاّ أن وجهه بادي الوضاءة...
فيسلم عليها من بعيد ويطلب طعاما تصنعه له بيديها...
فيأكل ثم يحمد الله ليشرع في الحديث اليها بذات الابتسامة وبذات الصوت الخفيت فيقول:
انتي دا شنو القاع تسوّو فيهو دا يابت شيخنا؟!
فترد عليه قائلة:
-قاعدين ندق في الريحي لي علي ولدي ...مي داير يعرّس
-داير يعرّس مني؟
-دايري أعرّسلو بت أخوي ود امي وابوي...
فيرد عليها بذات الصوت الخفيت:
-(زينب بت شيخنا...
دحين ما قنّالك وليدك علي دا تربو من بنيتنا زهرة الفي دار جعل سكونا)!!
فترد عليه:
-أيا المبروك ...
نان دار جعل دي مِي بعييبيدي بالحيل وكبيري؟!
فيجيبها بذات الصوت الخفيت:
-(الدرب في ايد الله يابت شيخنا
والبنيّي بتلاقيكم بي كبيقا معا أخيّّاتا يردِن في البير)!!
ثم ينصرف الرجل...
فلا تملك زينب الا ان تجلس تقعي جالسة من هول حديث الرجل وراسها بين يديها...
فتضرب جبينها بيدها لتتأكد بأنها في صحو، ثم تيمم صوب قريباتها واخيها لتحكي لهم عن الأمر...
وتوقف زينب مراسم الزواج، وينتشر الخبر بأن ابنها علي سيتزوج من ديار جعل، وتستشير زينب الرجال من أهلها فيشيرون عليها بأن الأمر قد أضحى واجب الايفاء، وتنطلقت الجمال من (شبا) في أتجاه دار جعل، ويسير الموكب لثلاثة ايام وليلة ليدركهم الليل في منطقة (أبوطليح)، حيث قضوا ليلتهم، واصبح عليهم صباح اليوم التالي، وقالت جدتي زينب:
خرجتُ مع قريبتي لنبحث عن مصدر ماء قريب، فسرنا مسافة لنجد أنفسنا بجوار بئر ماء ودونها فتيات ثلاث، ملأت أحداهن جرّتها وساعدتها رفيقتاها لتضعها على رأسها، قالت جدتي زينب:
(والله من عيني وقعت على البنيّي دي، عرفت انها ياها مرة ولدي)!
ثم واصلت قائلة:
سألتها وقُتْلَها:
- يابت انتي أسمك زهرة؟.
-أيوة إسمي زهرة وأبوي الشريف ابْسَم...
-سمح بيت أبوكي وينو؟!
-ماهو بعيد ياخالة، أتفضلوا أنا ماشة قدامكم...
وتعود زينب وقريبتها -مسرعتان- إلى الركب وتخبر الجميع بأنها قد وجدت زهرة!
ويتحرك الجمع الى دار الشيخ الشريف أبوسَم وهو في طرف قرية المتمة من جهة حي السوق...
تقول زينب:
أقسم لنا أبو زهرة بأنه اعتاد رؤية ذات الدريويش -في العديد من الرؤى المنامية- كلما أتاه عريس لأبنته، يأتيه الرجل ويقول له بأن زوج ابنته زَهَرَة سيكون من ديار الشايقية وان اسمه علي!...
ويتم الزواج، وتنتقل زهرة الى ديار الشايقية في منطقة شبا والبركل، لتنجب والدي رحمه الله وأخوة له وأخوات...
اللهم أرحم جدتي زينب بت أحمد الكرسني...
اللهم أرحم جدتي زهراء بنت الشريف أبو سَمْ...
اللهم أرحم جدِّي علي محمد عسوم...
اللهم أرحم والدي.
adilassoom@gmail.com