نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-08-2019, 09:25 PM   #[1]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي نقوش على جدار الذاكرة

للناطقين بها
(1)
تناديني زوج جدي، تعال آآ عشاي ودّي الجبنة دي لي جدّك في اللّقدابة بي غادي...
فأأتي مسرعا، وأحمل صينية القهوة الى جدي ودعسوم، وأدخل من باب لقدابته ذي الآرش العريض الذي يلج منه ضوء الشمس والناس على مدار اليوم، فإذا بي بصورة (سيدي) المعلقة على الجدار المقابل...
ياااالتك الصورة...
لم أزل أتذكر تفاصيلها وكأنها أمامي!...
الشال الملفوف حول عنق السيد علي الميرغني بعناية...
والنظرة!...
ويااالها من نظرة!!
انها نظرة إن خلتها باسمة فهي كذلك، وإن خلتها غير ذلك فهي كذلك، فكلما ترفع ناظريك إلى الصورة تخالها تراقبك، فتتملكك الرهبة، وتتغشّاك قشعريرة من شعر رأسك الى أخمص قدميك!
وإذا بي تحضرتي قصة امرأة العزيز يوم أن وضعت خرقة على عيني تمثال بجوار فراشها وهي تراود نبي الله يوسف الذي قال لنفسه:
-هذا لعمري برهانٌ بانّ ربي أولى بأن أتّقيه!...
ثم إذا بي اتذكر علماء قوم نوح السبعة، الذين رحلوا إلى ربهم فأقام لهم الناس مجسمات في الساحات للذكرى، وإذا بالشيطان يحيل تلك الذكرى -في أنفسهم- إلى تقديس، ليصبح ذلك مدخلا لعبادة الأصنام في الشام...
ويأتي ابوسفيان من مكة زائرا، ويأخذ معه منها صنما لينصبه بجوار الكعبة...
ما كان مني إلا أن سألتُ جدي وانا أضع صينية الجبنة على منضدة حديد -دَقْ حَلَب- بجوار عنقريبه:
-انت ياجدي الصورة دي جبتها من وين؟!
فينتهرني ويقول:
-ياولد دي صورة سيدي وسيدك عمى في عينك...
اجابة تنم عن غضب واستمساك...
ولم يلبث قليلا حتى انتهرني وهو يسعى إلى شغلي بشئ، فما كان يقبل بأي نقاش عن السيد علي الميرعني:
-ياولدي إن بقا ماعندك شغلةً تسويها، قوم شيل القُفَّة دي وامِشي علي حوش عمك واملاها من الكُريق المفروش تالا الكيم بي غادي واندلّ البركل تحت وودها لي حبوبتك الزهرة بت أب ريش ثم اعتدل جالسا وهو يقول:
- باقي حبوبتك قع تريد الكُريق.
نهضتُ من مكاني وأخذتُ القُفّة وغادرته متوجها صوب حوش عمي رشاد...
واستدرك جدي قائلا:
-يا جنا هوي؟
-ايوة ياجدي.
-لاتلخبت الكُريق بي ودلقاي فيشان مفروشات جَمَ جم.
-سمح آجدي.
والحق يقال بأن منتهى قدرتي على التفريق بين انوع التمور قد كانت -ولم تزل- لنوعين فقط هما البركاوي والقوندولي، إذ البركاوي أطول وانحف، بينما القوندولي أكثر امتلاء وأقصر طولا...
اتجهت صوب زوجة عمي وسألتها بصوت خفيت عن مكان الكُريق، فأرتني أياه باسمة، فملأتُ القُفة، ثم اتجهتُ راجلا الى البركل تحت،
إذ المشوار إلى البركل تحت عن طريق دَرِب بدوي لهو (walkable distance) كما اعتاد القول جارنا الأستاذ عثمان ودابجارة، استاذ اللغة الانجليزية في مدرسة البركل شمال المتوسطة...
وصلتُ إلى دار حبوبتي الزهرة بت أب ريش، فوجدت عنقريبها يتوسط حوشهم الكبير الذي يعجُّ بشتى أنواع اشجار النخيل، فذاك قد كان حال أهلنا في البركل تحت، بغير حالنا في البركل فوق -أو النِّمَر- كما اعتاد أهلنا في البركل تحت تسميتنا حينها.
فالبيوت في البركل تحت تجاور النيل، وقد اعتاد الناس زراعة النخيل في حيشانهم الفسيحة تلك.
الزهرة بت أب ريش -رحمها الله- هي قريبة لجدي، بل أخته من الرضاعة، وقد حباها الله بذاكرة قوية وبصر وبصيرة، وقد بلغت من الكِبَرِ عِتِيّا إلى أن لاقت ربها راضية مرضية...
ما ان رأتني قادما حتى ارتسمت على وجهها الوضيئ ابتسامة عريضة، وقد بدا من بعيد شعرها الابيض المشوب ببقايا الحناء، والذي جعل أحد رصفائي من (العكاليت) يصفه لي يوما ويقول:
-آآجنا أكنك عاين لي شعر حبوبتك دا، في زمّتك ما قع يشبه سبيب قندول العيشريف؟
فإذا به ينال قشطات من شخاليب عرجونة صفراء على رجليه من ابنتها الخالة والعمة جارة رحمها الله.
سلّمتُ على جدتي واتجهت صوب العمة جارة وهي تتوسط عددا من النسوة استعدادا للقّيط التمُر، ولاح القفاز عثمان العربي بشنبه الكث الطويل والذي قال عنه ود الطيب يوما:
-عثمان العربي دا عليك أمان الله شنبو دا عللي الساعة تلاتة إلا ربع، تشوفو حتى إن بقيت واقف بي قَفَاه...
قال عثمان العربي وهو يستعد للصعود إلى أول تمرة:
-الحاجّي دي زحّو عنقريبا دا غادي شويي، فيشان دار أرمي سبيطة القفاز بي هني...
فما كان مني ومن معي من الرفاق الاّ أن حملنا جدتي بعنقريبها الى طرف الحوش...
وشرعت تسألني عن جدي وبقية أهل البركل فوق وانا أجيبها بسرور، وكأني بها قد وجدت -أخيرا- من يستمع اليها وقد انشغل الناس عنها بحش التمر، شرعت تتحدث لي عن ماضي ايامها كعادة كل أهلنا من كبار السن، فذكرت لي في ثنايا حديثها شيئا عن بوابير البحر فسألتها:
-انتي ياحبوبتي تعرفي شي عن بوابير البحر ديل؟
-أيّي ياعشاي، أتذكرن زي البارح دا وكت جن بي هني في الساموري القدامنا دا...
واستطردت قائلة:
كنا ساعتا بُطان، سمعنا صوت الصفافير والدنيي القايمي بي بلد بي تحت، بلا قمتا مرقتا ومعاي حبوبتك بتول، وآمني بت باشاب، وفاطني بت البُلُك، وبناتا تانات من الدبوناب، وساقة الخلوة، كنا بطان عاد (قالت ذلك وقد كست وجهها إبتسامة ضاحكة محببة)، واتصل حديثها قائلة:
ومشينا علي البحر، وطلعنانّا فوق دَبْدَبَاً كدي بي قفا الكبري الليل ودالمقبول الهسع دا، بلا نشوفلك بوابير البحر ديل جايات متباريات ومشكوكات شك الكبريت بالخواجات، والبنادق ديل يسوّن التح ترح فوق روسينُن، وصوت مكرفون من البابور القداميّي ينضم فوقو واحدا بالمصري...
أها الدنيي دي بس بلا يوم الغيامي، ومن هني الرجال ديل واقفين فوق القيف ويعاينو، بلا جا ود نعملو من تالا كريمي ونهرنا وقال:
-يابنات أمشن علي بيوتكن الرصاص دا لا يجي في واحدي فيكن يلحقا الصح، بلا اتمطعنا جري لافوق علي البيوت...
سائلت نفسي قائلا:
هل حقا بوابير البحر هذه لم تأتنا الا مع الدخلاء من الطامعين في أرضنا؟!
وانبرت إلى خاطري (الجلاء) دون تلك البوابير...
فهذه الجلاء قد تم تجييشي كسواي من أهلي على امتداد منحنى النيل العظيم;
( The Great Bend of the Nile) كي أبغضها منذ صغري وحقّ لي -حينها- أن أفعل ذلك، فما أظلمها، وما أشنع فعلتها وقد استحقت -فعلا-لأن يجردها راحلنا عبدالله محمد خير من ثوب أنوثتها ويُلبسها لبوس الرجال، والظلم والعدوان -على الأغلب-ألصق بالذكور دون الاناث...
لقد وجّه شاعرنا الراحل خطاب مظلمته الى شيخ شعراء المنطقة ود الدابي عندما قال:
ودالدابى مالك ساكت
ما شفت الجلا السواها
شال محبوبتى سافر بيها
كيفن عاد بعيش لولاها
بابور البحر مو عارفى
شايلة اعز زول جواها
ماهماها حالى ألبي
ما دام نوّرا وضواها
تشتكى بالعلي عيونى
أهملا ما سمع شكواها
اللحكيلك ألماك عارفو
كيف مسخت بلدنا وراها
كان كاتمي الشجن في وداعا
الاّ دموعا مو ساتراها
وأيه فايدة حياتى البعدا
آخوى أتقلب مجراها
تقصر او تطول ايامى
دى انا لامن أموت بطراها
من يوم رحيلا السمحة
خلّت فى العيون ذكراها
خلّت فى القليب بصماتا
أحرف كل يوم بقراها
ما بتحمل حبيبتى الغربه
لا لا وحاتا مو قادراها
وكيف حالا إن مشت فى بلدا
حارة وناسا مو شاكراها
كان فات المحطات جملة
يا حسن القرير بغشاها
قوم يوم التلاتاء أندلاّ
بى تالا الرصيف تلقاها
ما تعاين كتير وتشبّه
في ديك إياها ديك مو ياها
بايني حبيبتى من بسماتا
والنور اليضوى من محياها
يا حسن أنت فوق أوصافا
جيب أبيات وقول معناها
واوعك ترتبك فى وداعا
ذى ما نحن ودعناها
واكتب لى جواب طمّنّى
لا يبقى السفر أعياها
ما بتقدر عليها الدرجة
إلا غلب عليها حياها
هاك منى الرسالة التالتي
وعينى بالدموع راوياها
تلقاك حافظى لل بيناتنا
وتبقى العشره مو نا سياها
إن كت ما بخاف عزالى
آزول كت بقوم ابراها
لكين بخشى قلنا وقالو
وحالى السمحه عارفا براها.
فانبرى له راحلنا ودالدابي مواسيا وداعيا على الجلا وشانئا حتى قال وقلنا معه:
أنا اتمنّالا في دالةً غريقة
تحتل فيها ماتفضل شقيقة
والدالة -للناطقين بغيرها- هي الحفرة العميقة في أعماق مياه النيل...
ويبقى هذا التفسير ساريا الى حين حضور (موالك المدينة) وهم كُثُر، إذ ما كان لي بأن أُفتي بين ظهرانيهم...
ولتكتمل الصورة.
وهاهو كامل رد الخطاب من ود الدابي:
صحيح ياعبدو اخوى قولك حقيقة
كتير الطفشه الجلا من فريقة
يزازى نقل سميحات الخليقة
ورنين صفارتو نفسى ابت تطيقة
معاها انا كيف اسوى شنو الطريقة
تعيق فى الناس إله الناس يعيقة
أنا اتمنالا فى دالة غريقة
تحتل فيها ما تفضل شقيقة
تطير ريشاتا منها بى فريقة
وصميم مكناتا تلتهمو الحريقة
قمرات نومه تسكنن ام دريقة
وتولد فى عنابرو عشان غريقة
بناتنا حليل سروحن فى السبيقة
لقيط ام راس مبقّعى و الكريقة
اديهن حلوه غير لبس ام دقيقة
وبدون كترت غويش نفسن طليقة
جمالن خلقة لو لفحن طريقة
وبدون مضغوط فرادا باهى زيقة
يا حليل قتانن الفوق السليقة
ليقيمتو تطمن الضارباهو ريقة
كتير قبلك يئن مضروب بديقة
تسد عبراتو تسمع لى شهيقة.
(2)
عادل عسوم
وعن جدي علي ودعسوم له من الله الرحمة والغفران أقول:
لم يزل مرسوما في مخيلتي وقد اعتاد الوقوف ممشوقا أمام -لقدابته- ذات المدخل الآرش العريض، الذي يسمح للناس والشمس بالولوج على مدار اليوم! ...
بياض اهابه ينم عنه وجه مستطيل، وجيد نضير يفترُّ عنه عنق عراقيه الدبلان الناصع البياض...
أما أنفه فيشمخ في علو، وقد أغرى يوما زرزورا ليحطّ عليه كما قالت جدتنا...
وعندما ارتحلتُّ الى مكة المكرمة في ابتدار الثمانينات مقبولا في فرع جامعة الملك عبدالعزيز (أم القرى حاليا) كم رأيت له من أشباه من أهل تلك الديار يفوقون الأربعين!...
لقد كنت أحرص وأنا الصبي -حينها- بين يدي كل أجازة نمضيها في البركل أن لا يفوتني مجلس قهوته عند كل صباح...
أشار يوما -بعصاه- الى (ككر) خشبي دكن لونه مع توالي السنوات وقال لي:
-الكرسي دا ياولدي هول (جدّي وجدّك) الكبير ...
واعلمني بأن الذي يتحدث عنه قد كان آخر ملك للشايقية في مملكة الطريف بمنطقة عسوم، فما كان مني الا ان سألته :
-طيب انتو ياجدي مالكم خليتو عسوم وجيتو سكنتوا البركل؟!
فقال بعيد اكماله لفنجان قهوته حيث أعقب ذلك بإبتسامة حميمة:
-جدك علي الكبير كان شغلتو في منطقة عسوم طهار للشفع و جبار للكسور...
ولعلي اصيغ بقية حديثه من ذاكرتي حيث قال:
إن جده علي ود عسوم آتاه الله من المال الكثير،
لكن قدر له الله أن لا يرزق سوي إبن أوحد أسماه محمد، وعندما بلغ محمد الحُلُم شرع في البحث له عن زوجة اشترط أن تكون سليلة لأرفع الأسر في منطقة الشايقية حسبا وقدرا، فما كان منه الاّ أن جاء الى منطقة شبا حيث الشيح ود الكرسني (تور الجبل) وزوّج ابنه محمد من أبنة ود الكرسني الشيخة زينب، فكان ثمرة ذاك الزواج ابن أوحد -ايضا- هو جدّي على ود محمد ود عسوم...
قال لي جدي الآخر سيدأحمد عبدالحميد احمد الكرسني وقد كان شيخا لنطقة العرقوب التي غمرتها مياه سد مروي لاحقا:
منذ قرن من الزمان شبّ جدك علي في منطقة شبا وقد كان وحيد أمه زينب، وذلك بعيد أنتقال والده محمد الى رحمة الله، وأمه -وهي جدتنا أيضا- زينب حافظة للقرآن منذ نعومة أظفارها، وقد عرف عنها انها كانت تنوب عن والدها ودالكرسني في تدريس النساء بل والرجال في احايين كثيرة عندما يغيب والدها...
ومرت السنون وآن لزينب أن تبحث عن زوج لابنها (علي) حيث لم تكن تشكو فاقة تأخر زواج ابنها اذ هي ابنة الشيخ ودالكرسني...
وما كان عليها أن تذهب بعيدا ان رامت له زوجة فالكل هنا في الكرسناب وكل شبا والبركل قد كان يمنى النفس بأن يزوج ابنته ل(علي)!...
ولكن الذي كان يشغل بال زينب قد كان أمرا آخر...
لقد كانت رؤيا منامية اعتادت رؤيتها على مدى سنوات!
فلا تملك الاّ أن ترجئ أمر زواج ابنها عاما وراء عام...
لقد كانت ترى في كل رؤيا من رؤاها تلك رجلا أسمرا مربوع القوام هو برغم الاسمال التي يرتديها بادي الوضاءة وحديثه ما بين خفوت وتبسم...
يناديها من من بعيد ويقول:
-(يا زينب بت شيخنا...
ولدك علي دا تربو -أي نسله- من بنيتنا (زهرة) الفي دار جعل سكونا)!...
فلا تملك الا ان تدع أمر تزويجه فتاة من أهلها وتنتظر لعام اخر!...
وتستبد بها الحيرة...
فديار جعل هذه مكانها من (البركل وشبا) حيث تعيش لأرض تضرب لها أكباد الأبل!...
فلا تلبث الا ان تعود زينب الى حراك حياتها من جديد...
وينقطع حبل الرؤى لعام أو يزيد...
فتتناسى أمر (زهرة) أبنة الجعليين وتتخير أبنة أخيها زوجة لابنها (علي)...
فيشرع الناس في التجهيز ليوم الزواج...
قالت زينب:
-كنت أجلس مع قريبات لي نجهز (ريحة العرسان) فاذا بابن أخي الصبي يأتينا مهرولا وهو يقول:
-عمّتي عمّتي في راجل (دريويش) في الباب قال عِلِّي يقابلك!
فتجيبه:
-قالّك دايرني أنا دي؟!
-أيّي قال لي داير اقابل زينب بت شيخنا!
فتعتمر زينب ماتستتر به وتنطلق في معية الصبي الى باب الدار....
ياااااللمفاجأة!!
انه ذات الرجل الذي أعتادت رؤيته في منامها!!
انه برغم الاسمال التي يرتديها الاّ أن وجهه بادي الوضاءة...
فيسلم عليها من بعيد ويطلب طعاما تصنعه له بيديها...
فيأكل ثم يحمد الله ليشرع في الحديث اليها بذات الابتسامة وبذات الصوت الخفيت فيقول:
انتي دا شنو القاع تسوّو فيهو دا يابت شيخنا؟!
فترد عليه قائلة:
-قاعدين ندق في الريحي لي علي ولدي ...مي داير يعرّس
-داير يعرّس مني؟
-دايري أعرّسلو بت أخوي ود امي وابوي...
فيرد عليها بذات الصوت الخفيت:
-(زينب بت شيخنا...
دحين ما قنّالك وليدك علي دا تربو من بنيتنا زهرة الفي دار جعل سكونا)!!
فترد عليه:
-أيا المبروك ...
نان دار جعل دي مِي بعييبيدي بالحيل وكبيري؟!
فيجيبها بذات الصوت الخفيت:
-(الدرب في ايد الله يابت شيخنا
والبنيّي بتلاقيكم بي كبيقا معا أخيّّاتا يردِن في البير)!!
ثم ينصرف الرجل...
فلا تملك زينب الا ان تجلس تقعي جالسة من هول حديث الرجل وراسها بين يديها...
فتضرب جبينها بيدها لتتأكد بأنها في صحو، ثم تيمم صوب قريباتها واخيها لتحكي لهم عن الأمر...
وتوقف زينب مراسم الزواج، وينتشر الخبر بأن ابنها علي سيتزوج من ديار جعل، وتستشير زينب الرجال من أهلها فيشيرون عليها بأن الأمر قد أضحى واجب الايفاء، وتنطلقت الجمال من (شبا) في أتجاه دار جعل، ويسير الموكب لثلاثة ايام وليلة ليدركهم الليل في منطقة (أبوطليح)، حيث قضوا ليلتهم، واصبح عليهم صباح اليوم التالي، وقالت جدتي زينب:
خرجتُ مع قريبتي لنبحث عن مصدر ماء قريب، فسرنا مسافة لنجد أنفسنا بجوار بئر ماء ودونها فتيات ثلاث، ملأت أحداهن جرّتها وساعدتها رفيقتاها لتضعها على رأسها، قالت جدتي زينب:
(والله من عيني وقعت على البنيّي دي، عرفت انها ياها مرة ولدي)!
ثم واصلت قائلة:
سألتها وقُتْلَها:
- يابت انتي أسمك زهرة؟.
-أيوة إسمي زهرة وأبوي الشريف ابْسَم...
-سمح بيت أبوكي وينو؟!
-ماهو بعيد ياخالة، أتفضلوا أنا ماشة قدامكم...
وتعود زينب وقريبتها -مسرعتان- إلى الركب وتخبر الجميع بأنها قد وجدت زهرة!
ويتحرك الجمع الى دار الشيخ الشريف أبوسَم وهو في طرف قرية المتمة من جهة حي السوق...
تقول زينب:
أقسم لنا أبو زهرة بأنه اعتاد رؤية ذات الدريويش -في العديد من الرؤى المنامية- كلما أتاه عريس لأبنته، يأتيه الرجل ويقول له بأن زوج ابنته زَهَرَة سيكون من ديار الشايقية وان اسمه علي!...
ويتم الزواج، وتنتقل زهرة الى ديار الشايقية في منطقة شبا والبركل، لتنجب والدي رحمه الله وأخوة له وأخوات...
اللهم أرحم جدتي زينب بت أحمد الكرسني...
اللهم أرحم جدتي زهراء بنت الشريف أبو سَمْ...
اللهم أرحم جدِّي علي محمد عسوم...
اللهم أرحم والدي. adilassoom@gmail.com



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-08-2019, 09:51 AM   #[2]
imported_عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

عزيزي الأكرم : عادل عسوم،
لك المحبة ، وأنت ترسل لنا تحفة فنية قصصية رائعة ، تتركك تسبح في( بحوراً ماليها حد)
تلك مهنة عصية على غير أهلها ، وأنت من أهلها دون أدنى شك. ها أنت تسرد ضفة من أيام الطفولة ، في رواية دافئة ، مسورة بالحنين ، ومشغولة أطرافها بالوشي . ذكرى مخضرّة بالندى ، ومعجونة بالحنين .


[rams]https://www.youtube.com/watch?v=89n6NhEW75E&list=PLSv2P388wJ_MG7sAUkPztoJe 7qCIf6rN5[/rams]


*



التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
imported_عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-08-2019, 10:21 PM   #[3]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشقليني مشاهدة المشاركة
عزيزي الأكرم : عادل عسوم،
لك المحبة ، وأنت ترسل لنا تحفة فنية قصصية رائعة ، تترك تسبح في( بحوراً ماليها حد)
تلك مهنة عصية على غير أهلها ، وأنت من أهلها دون أدنى شك. ها أنت تسرد ضفة من أيام الطفولة ، في رواية دافئة ، مسورة بالحنين ، ومشغولة أطرافها بالوشي . ذكرى مخضرّة بالندى ، ومعجونة بالحنين .


[rams]https://www.youtube.com/watch?v=89n6NhEW75E&list=PLSv2P388wJ_MG7sAUkPztoJe 7qCIf6rN5[/rams]


*
رفيق الحرف البهي، والممسك ب(ضلفتي) الباب الذي يلج ويبدأ منه العالم الجميل عبدالله الشقليني.
التحية لك وبخة عطر من منقوع ورد الكلام، وحلل من أنسام الشمال الجميل تلاعب الكواعب من مائسات نخيل البركل وكريمة عشما لنيل شبال حسن من جريدها وسبيطها.
اشكرك جزيلا على التثمين السمين ياصاحب، و(الغنية) الرحييييبة التي يزينها وجه بت مساوي (فاطمة)/ نسرين النمر.
وارجو شاكرا قبول دعوتي؛ حميمة وصادقة أرسلها إليك من خلال سودانيات لزيارة البركل، حيث يرنو جبل نحبه ويحبنا بعين حانية إلى سليل الفراديس منذ البعييييد منذ عهد بعانخي، ولكي تتنسم عطر صديقك وقريبي خالد الحاج الحسن الحسين الذي لقي الله بعد أن عبر، راضيا مرضيا بحول الله.
ودادي ياحبيب



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 31-08-2019, 09:45 AM   #[4]
imported_عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

[rams]https://www.youtube.com/watch?v=NGSj2rX3e4M[/rams]

عزيزي عادل
مشكور ما بتقصر أبداً في الكرم الباذخ ، فأنت من أهله وصحابه.
هذا الذي كتبت نابع من زيارة شتاء 1970، في السنة الأولى معمار جامعة الخرطوم ، زرنا شندي والنقعة والمصورات وكريمة ونوري وصعدنا جبل البركل في سطحه الذي يبدو كملعب كرة . ورأينا الخراف الساجدة على مدخل المعبد. وانزلقنا من كثيب الرمل حتى الهبوط.



التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
imported_عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2019, 03:32 PM   #[5]
imported_عبدالله الشقليني
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي


من رواية طائر الهزار : لم تكتمل بعد، كتبتها في ذكرى تلك الزيارة:


ضوء شمس الصباح خافتٌ . لونه بلا حرارة من شدة البرد . تجمعنا من بعد الصحو نستدفئ من نار موقد شاي الصباح . علمنا في العاشرة أن اليوم عطلة . وعلمنا صدفة أن سيدتنا الضحوك قد أثقل عليها غطاء الشتاء فقد خرجت برفقة زوجها مساء للتنـزه في سوق كريمة . ضامرٌ هو ذلك السوق . بضاعة مصنع كريمة لتعليب الطماطم لا غير . وبضائع أخرى كما هي عندنا في العاصمة ولكن مضى عليها الزمان فهي تحيى في أسواق الأرياف . لا أحد يشتغل بالعُمر الافتراضي للبضائع .

أُصيبت سيدتنا البهية بزكام حاد والتزمت السرير بغرفتها . قُام بعضنا بزيارتها خلسة من وراء الباقين . أنا و يوسف وبكري والسراج . استأذنا الأستاذ المشرف للزيارة . شكرنا بتكلُف وقال إنها لم تتعود مثل هذا البرد وليس من حمى وذلك من علامات الخير. رشحٌ وانطلاق صنبور الأنف .
فُوجئت هي بنا نتحلَّق على سريرها . خفف عنها السراج بقوله :
ـ نسوان الشوايقة الظاهر عينهُم حارة ..

ضحكت بصوت مبحوح تُخفي قبضة ألمٍ في الصدر . فخفق القلب من وجعٍ وأشفقتُ عليها . تلعثمتُ حين التقت العيون ببعضها وكستني الرفقة ورداً من خجلٍ ، ورِقَّة لم أعهدها كثيراً في طبعي . جلست على حافة السرير ، أسألها عن احتياطات السلامة بصوتٍ حانٍ . عيونها مُحمرَّة و وجنتاها حمراوان . تحركت مشاعر أليفة من أمومة مسروقة من الماضي البعيد . تفقدنا حاجياتها ، وذهب يوسف لإحضار الورق الصحي . الشاي الأحمر و قطرات من عصير الليمون ، " فيتامين سي" الفوار و"البانادول " تُخفف وتعتني . سألتنا بلسان الجمع عن أحوالنا ، فقلت أنني والجميع بخير . صدرونا قد تعودت لفحات برد هذا البلد ، ولدينا للشتاء عُدته !.

قالت :
ـ وما عُدته ؟
قلت :
ـ أغطية كثيفة و" شربات " أهل البلد .
ضحكتْ
لم يهزم الرشح حلاوتها أو يُطفئ نضارها . ولم تستطع اللفائف الثقيلة أن تقيها عيني الإشعاعيتين ، فرأت عيناي الجسد المجدول من تحت عباءات الأستار . ولا عينُ أخرى رأت ولا خطر لأحدهم ذلك الفعل النوراني العاشق وقد تلبستني أقدار الأساطير أن أنبو من غلظة كل الحواس وألامس إشراق الأرواح التي ترى ولا يراها أحد . تغشاني نورها المخبوء عن الجميع . واستدفأت منه . خففنا الزيارة وبثثنا السرور في روحها من كدر الرشح واكتئاب الوحدة القسرية .
غادرنا غرفتها ، والتفتُ على عجل وقد انشغل زوجها بردود أضيافه فأرسلتُ قبلةً على الهواء فانفتحت حدقتاها من الدهشة والفرح .
...




التوقيع: من هُنا يبدأ العالم الجميل
imported_عبدالله الشقليني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-09-2019, 07:02 PM   #[6]
مهاريل
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

أخى الأكرم عادل..تحية ود واحترام

كم هو جميل ومميز هذا السرد ..حنين ودافئ وممتلئ بعبق الصوفية.. ومابين كرمكول والبركل يكمن الجمال ..جمال الطيب الصالح عليه الرحمة وجمال عادل عسوم الكاتب الرقيق.شكرا لمشاركتنا هذه الذكريات العزيزة.

شئ أخير : إذا" حين كتب الطيب صالح عرس الزين لم يكن شيخ الحنين مجرد شخص إضطرته دواعى القصة وجاء من خيال محض..(الفقرا (بضم الفاء) فى بلدى كثر. .



مهاريل غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-09-2019, 10:38 AM   #[7]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشقليني مشاهدة المشاركة
[rams]https://www.youtube.com/watch?v=NGSj2rX3e4M[/rams]

عزيزي عادل
مشكور ما بتقصر أبداً في الكرم الباذخ ، فأنت من أهله وصحابه.
هذا الذي كتبت نابع من زيارة شتاء 1970، في السنة الأولى معمار جامعة الخرطوم ، زرنا شندي والنقعة والمصورات وكريمة ونوري وصعدنا جبل البركل في سطحه الذي يبدو كملعب كرة . ورأينا الخراف الساجدة على مدخل المعبد. وانزلقنا من كثيب الرمل حتى الهبوط.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشقليني مشاهدة المشاركة
[rams]https://www.youtube.com/watch?v=NGSj2rX3e4M[/rams]

عزيزي عادل
مشكور ما بتقصر أبداً في الكرم الباذخ ، فأنت من أهله وصحابه.
هذا الذي كتبت نابع من زيارة شتاء 1970، في السنة الأولى معمار جامعة الخرطوم ، زرنا شندي والنقعة والمصورات وكريمة ونوري وصعدنا جبل البركل في سطحه الذي يبدو كملعب كرة . ورأينا الخراف الساجدة على مدخل المعبد. وانزلقنا من كثيب الرمل حتى الهبوط.
امثالك -ممن يأتلق حبر يراعهم- قمن بأهل الأمصار دعوتهم اليهم والتشرف بمجيئهم، وقد قيل بأن أول حاكم فارسي ساساني لنهاوند إسمه باهر كان يرسل الرقاع دوما لأهل الأدب والشعر خلال مناسبات العام، وكانت نهاوند فقيرة حينها، فأشار اليه ومستشاروه بأن يتخير اصحاب الأموال كما كان يفعل الحكام من قبله، فلم يعرهم اهتماما وهو المعلوم عنه قلة الكلام، وأتى أهل الأدب والشعر والقرطاس والقلم، واعجبوا بالكرم والاهتمام الكبير الذي وجدوه من الحاكم، فكتبوا عن ذلك واجادوا، فإذا بالناس يممون إلى نهاوند من كل حدب وصوب، وفيهم التجار واصحاب الصنائع، فإذا بنهاوند تزدهر وينصب اهلها الحاكم ملكا وتدين له كل فارس، وقد قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يرسل جيش المسلمين:
لو كان باهر حيا لقبل دعوة الإسلام وكفانا شر القتال.
انت ممن تُرجى كتابتهم عن البركل ياحبيب.



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-09-2019, 10:48 AM   #[8]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشقليني مشاهدة المشاركة

من رواية طائر الهزار : لم تكتمل بعد، كتبتها في ذكرى تلك الزيارة:


ضوء شمس الصباح خافتٌ . لونه بلا حرارة من شدة البرد . تجمعنا من بعد الصحو نستدفئ من نار موقد شاي الصباح . علمنا في العاشرة أن اليوم عطلة . وعلمنا صدفة أن سيدتنا الضحوك قد أثقل عليها غطاء الشتاء فقد خرجت برفقة زوجها مساء للتنـزه في سوق كريمة . ضامرٌ هو ذلك السوق . بضاعة مصنع كريمة لتعليب الطماطم لا غير . وبضائع أخرى كما هي عندنا في العاصمة ولكن مضى عليها الزمان فهي تحيى في أسواق الأرياف . لا أحد يشتغل بالعُمر الافتراضي للبضائع .

أُصيبت سيدتنا البهية بزكام حاد والتزمت السرير بغرفتها . قُام بعضنا بزيارتها خلسة من وراء الباقين . أنا و يوسف وبكري والسراج . استأذنا الأستاذ المشرف للزيارة . شكرنا بتكلُف وقال إنها لم تتعود مثل هذا البرد وليس من حمى وذلك من علامات الخير. رشحٌ وانطلاق صنبور الأنف .
فُوجئت هي بنا نتحلَّق على سريرها . خفف عنها السراج بقوله :
ـ نسوان الشوايقة الظاهر عينهُم حارة ..

ضحكت بصوت مبحوح تُخفي قبضة ألمٍ في الصدر . فخفق القلب من وجعٍ وأشفقتُ عليها . تلعثمتُ حين التقت العيون ببعضها وكستني الرفقة ورداً من خجلٍ ، ورِقَّة لم أعهدها كثيراً في طبعي . جلست على حافة السرير ، أسألها عن احتياطات السلامة بصوتٍ حانٍ . عيونها مُحمرَّة و وجنتاها حمراوان . تحركت مشاعر أليفة من أمومة مسروقة من الماضي البعيد . تفقدنا حاجياتها ، وذهب يوسف لإحضار الورق الصحي . الشاي الأحمر و قطرات من عصير الليمون ، " فيتامين سي" الفوار و"البانادول " تُخفف وتعتني . سألتنا بلسان الجمع عن أحوالنا ، فقلت أنني والجميع بخير . صدرونا قد تعودت لفحات برد هذا البلد ، ولدينا للشتاء عُدته !.

قالت :
ـ وما عُدته ؟
قلت :
ـ أغطية كثيفة و" شربات " أهل البلد .
ضحكتْ
لم يهزم الرشح حلاوتها أو يُطفئ نضارها . ولم تستطع اللفائف الثقيلة أن تقيها عيني الإشعاعيتين ، فرأت عيناي الجسد المجدول من تحت عباءات الأستار . ولا عينُ أخرى رأت ولا خطر لأحدهم ذلك الفعل النوراني العاشق وقد تلبستني أقدار الأساطير أن أنبو من غلظة كل الحواس وألامس إشراق الأرواح التي ترى ولا يراها أحد . تغشاني نورها المخبوء عن الجميع . واستدفأت منه . خففنا الزيارة وبثثنا السرور في روحها من كدر الرشح واكتئاب الوحدة القسرية .
غادرنا غرفتها ، والتفتُ على عجل وقد انشغل زوجها بردود أضيافه فأرسلتُ قبلةً على الهواء فانفتحت حدقتاها من الدهشة والفرح .
...

ليت طائر الهزار يكمل تحليقه فوق جبل البركل ويفرد جناحيه مصوصوا، فنساء الشايقية لم يزلن يصوبن النظر اليك ياصاحب الهزار، وهو كما تعلم سليلات لكنداكات الزمانات الغوابر، ثم كانت مهيرة بت عبود التي كتب عنها وديدي وقال:
مهيرة بت عبود شاعرة حماس سودانية لعبت دوراً مؤثراً فى الثقافة والتراث والتاريخ السودانى

في وقت كان فيه الشعر والغناء عيبا كبيرا خصوصا للمرأة

كانت تحارب ضمن الجيش الذي تصدى للغزو التركي للسودان
ومهيرة إبنة زعيم القبيلة الشيخ عبود و شيخ بادية السواراب والسواراب هم فرع أصيل من فروع قبيلة الشايقية في السودان

وقد ساهمت بشعرها في تحريض الشايقية وهم من قبائل السودان على قتال اسماعيل باشا وجيشه حيث كان هناك

وكان من عادات الشايقية في ذلك الزمن وبحكم كونهم قبيلة محاربة كل أفرادها فرسان محاربون ويربون على ذلك منذ الصغر

كانوا في الحروب تتقدمهم أجمل بنات القبيلة في أبهى حلة وكامل زينتها في هودج (شبريه)

محمول على جمل تنشد لهم الأشعار الحماسية كما عرف في تاريخهم الكثير من النساء المقاتلات

واللآتي يمتطين صهوات الخيل ويبارزن الأعداء ويقاتلن كما يقاتل الفرسان

اسماعيل باشا ارسل الى الشايقية رسالة يقول فيها

(إن أبي يرغب اليكم أن تسلموا سلاحكم وخيولكم وتتركوا الحرب وتؤدوا الجزية)

فاجتمع ملوك الشايقية الثلاث، صبير ملك الحنكاب وجاويش وعمر كبير العمراب وقرروا ارسال الرسالة التالية لاسماعيل باشا

ما الجزية فنؤديها بلا حرب وأما خيولنا وسلاحنا فما نسلمها الا بالحرب اسماعيل باشا لم ينتظر وتقدم تجاه مناطق الشايقية في مجموعة من جنوده فهاجمهم الشايقية وقتلوا عددا منهم وهرب منهم عدد

ثم اجتمع الشايقية للتفاكر حول ما يجب عليهم عمله وانقسموا الى فريقين ما بين مؤيد للحرب ومؤيد للاستسلام مهيرة بت عبود ارادت للرجال أن يسارعوا للدفاع عن اراضي الشايقية وما يلي منقول حرفيا من كتاب الملحمة

تصور الملحمة العقيد وهو بمثابة القائد ويسمى عقيد الخيل

المشهد يمثل العقيد جالسا على الأرض يبدو مهموما استغرقه التفكير يخطط على التراب خطوطا متقاطعة

ثم يعود فيمحوها ويدير الأمر في رأسه وعندما يقر القتال تطل في رأسه صورة الأسلحة النارية العنيفة التي لا يملكون

ازاءها شيئا وتأتيه الفكرة الأخرى فكرة التسليم فيعز عليه تسليم خيوله واستبدال أسلحته بالمعول والواسوق

كما يفعل العبيد وبينما هو يقلب الأمر علي وجهيه يأتيه صوت مهيرة بت عبود وهي تنشد وتخاطب أترابها

الــليلة العقيد شوفنه متمسكن
وفي قلب التراب شوفنه متجكن
الراي فارقه لا بشفي لا بمكن
ما تتعجبن ضيم الرجال يمكن
خلوكن براكن الليلة وحدكن
بتمشن تحاربن ..ولا بتتبكن

وعندما تراه لا يير جوابا نراها تدفع به لخيار الحرب بدافع الاستفزاز واستثارة نخوته ورجولته

وتذكيره بواجبه كمدافع عن القبيلة وعزها فتوجه قولها للشباب

يا فرسان ادفروا واحموا واطتنا
والا ادونا السيوف وهاكم رحاطتنا

وعند هذا الحد يقفز ابن عمها وخطيبها وهو أحد فرسان القبيلة ويرتجل

يا فرسان الدواس
نحن نسبتنا عباس
دقوا يا أولاد النحاس
شدو خيلكم يلا للباس
ويهب الشباب فيتبعهم الرجال والكهول وقد أقروا مبدا والقتال حتى النصر أو الشهادة وعندها تقف مهيرة مرة

أخرى وهي تمدح رجال قبيلتها وتشيد ببطولاتهم وتحرضهم على القتال. فانطلق الشباب راجزين

نركب تنقنق جرسنا غرب ود العود جلسنا
مالنا نحن ان فرشنا هيلنا من جاويش حرسنا وعندها تبتدرهم مهيرة غنيت بالعديلة لعيال شايق
البراشو الضعيف ويلحقوا الضايق
الليلة استعدوا وركبوا خيل الكر
وقدامم عقيدم بالأغر دفر
جنياتنا الاسود الليلة تتنبر
ياالباش الغشيم قول لجدادك كر
حسان بحديده الليلة اتلتم
الدابي الكمن في حجره شم ادم
مامون يا الملك يا نقيع السم
فرسانا بكيلو العين يفرجو الهم

في 14/11/1820 انطلقت جموع الشايقية نحو معسكر الباشا عند قرية كورتي وانطلقت الرصاصات تحصد الجموع
المليئة بالحماس
ولدى اكتشافهم عقم المحاولة للالتحام مع أعدائهم انسحبوا تاركين في أرض المعركة

400 قتيل من المشاة
15 فارسا فيهم خطيب مهيرة بت عبود
أما الاتراك قتل منهم 30 رجلا فقط توفيت مهيرة في قرية أوسلي المجاورة لجزيرة مساوي من الجهة الجنوبية الغربية (غرب النيل)

وشمال شرق كورتي بالسودان ودفنت بها
شكرا على مروركم هنا وملاحظتكم القيمة فَجَلَ من لا يخطأ
من أجل التوعية وغرس ثقافة المواطن الصالح وعالمية الإسلام
لا تضيع وقتك وجهدك وفكرك وعلمك في منتديات العبث
لا تكن إلا في المكان الذي يليق بك واستثمر به
أستشعر مراقبة الله في كتاباتك
كن كشجرة الصندل تعطر فاس قاطعها
المؤمن كالنحلة تأكل طيبا وتضع طيبا.



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-09-2019, 07:32 AM   #[9]
imported_عادل عسوم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية imported_عادل عسوم
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مهاريل مشاهدة المشاركة
أخى الأكرم عادل..تحية ود واحترام

كم هو جميل ومميز هذا السرد ..حنين ودافئ وممتلئ بعبق الصوفية.. ومابين كرمكول والبركل يكمن الجمال ..جمال الطيب الصالح عليه الرحمة وجمال عادل عسوم الكاتب الرقيق.شكرا لمشاركتنا هذه الذكريات العزيزة.

شئ أخير : إذا" حين كتب الطيب صالح عرس الزين لم يكن شيخ الحنين مجرد شخص إضطرته دواعى القصة وجاء من خيال محض..(الفقرا (بضم الفاء) فى بلدى كثر. .
الجميلة مها
سعيد والله بمداخلتك يا بت الأصول، فالتداخل ممن يوقن المرء بفوته وامتلاكه لادواته؛ يضيف إلى السياقات ويعطر ردهاتها بخة عطر.
شكرا انيقا مهاريل بروعة هذا الصباح الجميل وقد وهبنا الله فيه بسحابات ترفدنا برزاز المطر بخات بخات، جعلتني أعايش في الخيال سحائب نزار وماجدة الرومي في رحابك. فالخير، ونذر الجمال، ورضى النفس، تكون دوما في رحاب من وهبهم الله جمال الخلقة والطبع.
ممنون أختي الفاضلة ولك وردة



التوقيع:
[frame="7 80"].

سُكْنايَ حيثُ يحكي النيلُ عن حضارةٍ عظيمة
يشُقُّ صدرَ أرضنا السمراء في عزيمة
وينحني تأدباً في (البركل) الذي يلي كريمة
عادل عسوم
www.marawinews.com
[/frame]
imported_عادل عسوم غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 08:43 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.