[align=center]ارسل: الاربعاء اغسطس 31, 2005
رواية رماد الماء لعبدالعزيز بركة ساكن
ebade[/align]
الي عفاف عباس
الي الصادق حسين
في ذكري الأيام القادمات
أيام الريح
حينما كنا نعد الشباك
لإصطيادنا
واللعب بنا
ونحن أطفال ذو أجساد نحيلة
متعبة كالقطط الضالة
أدين كانت تحمل حزمة من خشب الوقود
أدين تركت الحزمة تقع علي قرعتي
وقالت أدين :
تستطيع أن أردت أن تقول
وقالت أدين :
انني لست أبن رجل
وقالت أدين :
انني أبن الأنناس
ولذلك سأذهب الي بلاد الأنناس ، يا أدين
أدين
أووه
أووه
أدين
عن قصة شعبية من قوم إلجا
السودان بيت التعب
مقولة عن قبيلة الفلاني
فها أنا أجند جميع قبائل الشمال بقيادة (نبوخذ ناصر) عبدي ، واتي بها الي هذه الارض فيحتاحونها و يهلكون جميع سكانها مع سائر الامم المحيطة بها ، واجعلهم مثار دهشة وصفير وخرائب أبدية ، وأبيد من بينهم أهازيج الفرح والطرب وصوت غناء العروس و العريس ، وضجيج الرحي ونور السراج فتصبح هذه الارض فقرا خرابا و تستعبد جميع هذه الامم لملك بابل طوال سبعين سنة ،
الكتاب المقدس
أرمياء 25
السـلم هو جثة الحرب .................................................. ........... 1
لا شئ ، لا شئ
لا شئ غير هياكل الأشجار المحترقة ،
أشجار الحبحب ، المهوقني والمانجو والتك العملاقة ،
لا شئ ، غير ، هياكل من الفحم والرماد ،
أما القشدة والأناناسات ، البابايات وغيرها من الشجيرات الهشة والتي كانت تنمو علي جوانب التلال الخصيبة الممتدة ما بين الدغل الأوسط والشرقي عبر قري :
لا لا،
شاري ،
فترا ،
وكهوف الكا المتفرقة فيما وراء بحيرة التماسيح ، قبيلة الكا المرعبة ، تمتد خلفها سلسلة جبلية وعرة يقولون أنها أم البحيرات تحتضنها منذ أن خلق الله رجلاً أسود جميلا وسيدة سوداء ورمي بهما من السماء في افريقيا: علي قمة شجرة جوغان ، هذه الشجيرات الهشة لا وجود لأشباح هياكلها ، لأن النيران ، التهمتها تماماً ،
تلك النيران التي يطفئها المطر ثم تشعلها قذائف الراجمات وقنابل الأنتينوف البرميلية والشحنات النووية الصغيرة محدودة الأثر، والتي تمت صناعتها لتفعيل الحروب التقليدية التي تحدث في رقعة من الأرض محدودة: عشرة أعوام علي التوالي ، الأرض سوداء: ليس نتيجة خصوبة أو أن الله خلق لها طيناً في بشرة الانسان ، ولكن لأنها محترقة ، أيضاً: تتناثر عليها بين مكان لآخر شظايا المقذوفات المدفعية: الهاون/ الرجمات / الدوشكا / م د ،
فوارغ فوارغ فوارغ ،
جثث الالآت العسكرية الثقيلة ، إطاراتها ، هياكلها ، خوذات العسكر ، البنادق المهشمة ، الألغام الفاسدة والتي هي طفلات غير شرعيات لألغام لئيمة صامدة تنتظر تحت الأرض :
تسبح بحمد الله عسي الله أن يرزقها عثرة ،
هياكل عظمية ، هياكل عظمية يا حبيبتي
هياكل عظمية ،
قطط مشوية ،
قردة مشوية ،
صقور مشوية ،
أرانب مشوية ،
أسد ، كلب ، قط ، ولد ، ولد ، ولد ، نساء مشويات ينمن قرب جنائز الآلة ،
أشجار مشوية ،
أحذية ، وأحذية عليها بقايا أرجل بترتها الألغام،
أحذية تدوس علي أزرار دبابات هالكة ،
أحذية هالكة ، أحذية عسكر ياحبيبتي ،
عسكر ، أموات ،أموات
مقابر جماعية ، هاونات معطوبة ،
جندي محترق نصفه الأعلي ، نصفه الأسفل في الخندق ، سحلية لا رأس لها ، سحليتان ، خوذ حديدية بداخلها روؤس ، حراب ودروع من جلد وحيد القرن ،
نمل شديد السواد منكمش علي نفسه ، و الأرض سوداء ،
ويدل علي وجود القرية الأواني الفخارية والتي دائما ما يحملها البشر البائدون مهمة ان تعلن عنهم في الزمن القادم ، زمن ليس بزمانهم ، ويدل عليها الأطفال المقـليين المشويين المتناثرين بين هنا وهنالك ،تدل عليهم بقايا كهوف
تدل عليها قرب الماء المشوية ،
تدل عليها الأغنام و الأبقار المشوية ،
تدل عليها الدجاجات و التي هي ريش الآن منثور ، يدل عليها طفل علي صدر أمه ، هيكلان يحتضنان تحت هيكل شجرة ويتساقط الرماد منها :
عليهما ،
سلاما،
سلاما،
كلما عبثت بها ريح لم تمت ، وهل تموت الريح ،
ثم ، ثم ، عند منتصف الوادي وعلي بعد مسيرة أيام قليلة من مدينة نيلو الحدودية يوجد حطام لمبني ، شيد من الحجارة والمواد المحلية الأخري ويبدو أنه المبني الوحيد بالوادي شيد بالحجارة ، المبني المهدم ، ولكنه علامة تدل علي أثر إنسان واضح أيضا أنه ، أتخذ في وقت ما حامية مؤقتة للجيش ، فبقايا موتهم تدل عليهم ، تشير لأى حياتهم السابقة ،
خنادق ، فوارغ القذائف ، صفائح الأطعمة الجاهزة بعضها فارغ و بعضها محترق بما فيه ، هياكل عظمية ، خوذات الحديد بها جماجم ناضجة ، بقايا سترات عسكرية ، جسد مشنوق علي شجرة مانجو وهي علي شئ من الخضرة ولو أن اوراقها مشوهة وبليدة تنمو علي أشكال مرعبة: الجثة المشنوقة ،
جسد جاف تماما ، ولم تمسسه حتي الأطيار الجارحة أو الديدان ، لشاب في مقتبل العمر لم تنبت له لحية بعد ولا شوارب ، كان عاريا وعلي عنقه تتدلي تميمة كبيرة بين نابين لنمر أبيض كالبرد شعره مرسل ، أشقر وأيضا وبسهولة يمكن التأكد من أن له عين واحدة فقط ، الأخري مفقوءة وإذا جاز – وهذا مستحيل بالطبع – لأحد أبناء القرية أن يصحو من موته أو يأتي من حيث أدخره الله ورأي هذه الجثة لصاح في ألم قائلا :
أنه بانارودنا ،
أنه دائما أسواء الناس حظاً ،
كانت الريح تدور في المكان تصر صريرا مرعبا وهي تعبث برماد الأشياء لتعمي أعين الموتي الفارغة ، أعين الدبابات المحترقة ، اعينها السرية جدا ، لا أثر للحياة في الأرض لا إنسان ولا حيوان ،
ولكنك ياحبيبي: إذا تطلعت الي السماء بعينيك الحلوتين لرأيت من وقت لآخر اسرابا من النسور الصلعاء تدور في حلقات ، فاردة أجنحتها لتحملها تيارات الهواء حيثما شاءت ، هنالك أيضا اسراب الطيور المهاجرة تعبر المكان متجهة نحو الجنوب أو الشرق ، نحو الغرب ، أنها لاتهبط اطلاقا: أما في الليل ، والليل ياحبيبتي زهرة تعشينها دائما
والليل ياحبيبتي قنديل ، والليل نعاس لذيذ وقبلة ، أما في الليل وبعد أن يختفي آخر شعاع خصه الله بالشمس ، وهو خير الخاصين عندها ياحبيبتي ....، عندها يحيا الموتي يتمطون ، فتطقطق عظامهم الجافة العطشي ميقظة البنادق والالآت الحربية المعطوبة فيرعون الألغام ، ويبنون الحواجز الترابية والاسلاك الشائكة ، يطلقون قذائف الهاون والراجمات في الهواء فيحيلون الليل الساكن الساكت الشاجي ، ليلك الجميل ليل عينيك السنجابيتين ، فيحيلون ليلك جمرة كبيرة مستعرة ، يقتلون بعضهم البعض ، وهو ينشدون ممجدين الظلام والكلاب الضالة ، لاعنين مثقاب الداعرات بمنهاتن وبومباي ومدينة ودمدني وتسني ، حتي اذا بزغ الفجر بلياليه العشر ، عادوا الي موتهم :
ماتوا فيه موتاً أسكت وأسكن من موتهم الأول ،
وفوق الأرض بقليل ، ودون السماء الي أعلي الهضبة توجد البحيرة ، حليقة من العشب والشجيرات التي كانت تحيط بها في زمان ما قبل ،
ماء البحيرة غاية الصفاء ويمكن رؤية قاعها بكل سهولة ويسر ، ولكن الموت الموت ، الموت لمن شرب من مائها لأن شيطان كيميائي ينوم فيها منتشراً بين مسام مائها ،
المطر يهطل بين الحين والحين ليسقي الأرض التي لا ترتوي ، ويغسل الأشجار والآليات والجثث من الرماد والأغبرة العالقة بها ، يداعب الموتي مضيئاً إياهم بالبرق وهي لعبة يسميها الأطفال فيما قبل : غمضت لبدت ،
وتنبت نباتات غريبة لا عهد للوادي بها ، تجري الخويرات بماء أسود ، ثقيل لتصب في النهر البعيد في البلاد المجاورة فتخنق الأسماك ويصاب المواطنون بالأسهال والذي يعالج : بالموت،
يا حبيبتي الموت ، البارد الذي لا دم فيه والذي هو ،
ثمن السلام الدائم ،
مقتل الحارس
الوقت منتصف النهار ، وهو مرهف عطشان وجوعان يمضي الي الأمام ولن يشرب ، ولو قليلاً من الماء ، لأن التجربة علمته أن شرب الماء علي الجوع يصيبه بالتواء في أمعائه ، ، حدث له ذلك عدة مرات ،
الماء موجود في الأمكنة حوله ولو أن المطر قل هطوله في الثلاثة أيام الأخيرة ، برك الماء لم تجف ، الخويرات الصغيرة مازالت تحتضن بعض من الماء ، تجري الخويرات عند هطول المطر اتجاه بحيرة التماسيح وهي بحيرة صغيرة غير موضحة في الأطلس ، لا يعرفها الجغرافيون ولكن الخريطة التفصيلية للمنطقة المقفولة والتي سرقها من دار الوثائق القومية ، تبين البحيرة ، تعطي أدق التفاصيل عنها ، عمقها ، مساحتها ، العدد التقريبي للتماسيح التي تسكنها ، أصلها ، فصلها ، فالتماسيح هي ما يميز هذه البحيرة عن غيرها ، التماسيح الأشرس في القارة كلها آكلة لحوم البشر ، وتسببت هذي التماسيح قبل عشرين عاماً في إبادة قرية بأكملها حينما زحفت في جماعات جائعة نحو القرية تختطف الأطفال والنساء والشباب أيضاً ، تسعة وتسعين تمساحاً ، وكان هذا سبباً ذكرته الحكومة المركزية في الشرق في تعليلها لنقل مائة قرية من الدغل الشمالي والأوسط تخوم المدن الحضرية في الشرق ولو أن الهدف الأساسي من الترحيل بالتأكيد لم تقله الحكومة وتتهم كل من يشير إليه بالتحريض وإثارة الفتن وموالاة الدول المعادية بل الخيانة العظمي ، وكان سبب الترحيل يتمحور حول مسح الدغلين ، تتضيع هويتهم الثقافية والعرقية ودمجهم في ثقافة الأغلبية الحاكمة في الشرق بل ، كما يؤكد بعض الدغليين الذين نالوا ، قدراً من الثقافة : تجنيدهم لحماية ثقافة الشرقيين وتبنيها والدفاع عنها ومحاربة ثقافتهم الخاصة ، بدعوي أنها ثقافة وثنية ، قديمة وبائدة ، وما برم بجيل غير صنم شيده الشيطان علي شط النهر العجوز ، غير أن كثيراً من القبائل قاومت الترحيل وأعتصمت بالدغل والأحراش ،
كان يحمل علي ظهره سريره الجوال وناموسيته وبعض الملابس ، بعض الأطعمة المعلبة والمجففة التي زودته به أمه ، أمه التومة ، كان اسمها قبل التهجير أنجو دورنا ، هجرت وهي صغيرة مع أسرتها من أواسط الدغل الأوسط ، وهي الآن تنكر أصولها ، جدتها كما هو مؤكد لكبار المهجرين من قبيلة : الكا ،
يحمل ضمن أمتعته كاميرا كوداك ، حديثة ، غالية الثمن ، لديها قدرة علي إلتقاط صور الأشياء وتسجيل أصواتها من علي بعد سحيق ، تستطيع العمل في كل الظروف وتحت الماء ، عند العاصفة ، تحت درجة حرارة عالية ، عند درجة رطوبة عالية ، بالليل ، بالنهار ، تعمل وحدها ببرمجة بسيطة سهلة ، وتستطيع أيضاً ، كانت خفيفة الوزن صغيرة الحجم ، و وذا أضيف الي الحمل سلاحه الشخصي وهو مسدس صغير ماركة النجمة ، سيزن الحمل ثلاثون كيلو غراماً فقط أي نصف وزنه هو بالتمام ، حدد هذا الوزن مسبقاً بصورة علمية مدروسة أخذت في الاعتبار المسافة ، نوعية التربة ، وعورة المسالك ، حالة الطقس ، وفوق ذلك كله وزنه الشخصي واعتبارات الضرورة
هو رجل شجاع وثري جدا من أسرة مجزرة في المال ، مجزرة في الترحال والمغامرة ، يكفي أن جده الأكبر ، تيه تيه ، أكله دب في أحراش التبت ، كيف ، لا أحد ، كان يمشي متوغلاً في أحراش الغابة عبر تربتها الصخرية الحمراء علي أشواك السنت ، النخيل المتسلق ، أشواك الأيفوربيا المتوحشة ، حذاؤه الكولمان الجيد سيقيه لدغات الثعابين السامة ، العناكب والقراد أيضا : السحالي ، ذات الحذاء الذي سيخوض به برك الماء الراكدة ، حقول الطين الحمراء ، سيجد نفسه في مواجهة أرض فضاء شاسعة ، ذلك لأول مرة منذ أن أطلق ساقية للمسافة ، عندما تسلق ضفة الخور الترابية العالية ، رأي علي البعد مبني تحيط به أشجار عالية خضراء ، جلس علي حجيرة ، وأخذ يتفحص تفاصيل الخارطة ، فهي تشمل أدق خصائص المكان : علاماته ، قناطير التراب ، ضفة الخور العالية ، وقف عليها قبل قليل ، وجد المبني ، كتب في تفسيره : مستر ومسس جيني ، البدائيان ، عندما أدار صفحة التفسيرات التفصيلية وجد كليمات تشير الي تاريخ تشييد المبني ، مواد بنائه ، بناؤه ، وعن ميول جينس البدائية ، أصلهما أمريكا
إنهما عالمان خطيران في السلاح الحديث ، أختفيا في ظروف غامضة
وهنالك أقاويل غير مؤكدة بل وخيالية عن أحفادهما ولو أن الشروحات بدأت غريبة ومثيرة للأسئلة وروح المغامرة ، الا أنه لم يقف عندها كثيرا فهو شخص عملي ولا هدف له الآن غير استكمال الجزء العملي من رسالة الدكتوراة ، التي سيقدمها بعد شهرين للمجلس العلمي ، بعد ذلك بشهرين ستناقش الرسالة ، اذا قبلت ، سيتحقق حلم عمره ، يصبح محاضراً في الحياة البرية ، كما أنه لا يميل إلي ما يسميه بساخافات الخواجات ، بدائية ، مشاعية ، وجودية وأشياء أخري يجد نفسه مدفوعاً لقراءتها دون لذة بل ويستطيع أن يقول لصديقه الصادق الكدراوي : انني لا أفهم فيها شيئاً ،
عندما أدرك بوابة المبني ، المصنوعة من قنايات البامبو ، أنزل ما بظهره من حمل ، علي كومة من المحاريب ، تمطي ، تفحص المكان بعين سائلة ، الباب القديم ، الغارق في بركة من الوحل ، المكان شائخ ومهجور هجراناً تاما ، صامت كلوحة رديئة : كجثة ، ولا أثر لإنسان ،
تمتم بتعويذتين قصيرتين تفيدان في دخول الأماكن المهجورة المعزولة والتي كثيراً ما يسكنها الجن والشياطين وخلافهم من العفاريت ، تبسمل ، تلي بصوت مسموع أسماء أهل الكهف: مكسيما ، ثمليخا ، مرطونس ، نينوس ، ساريولس ، ذو نواس ، فليستطيونس وهو الراعي والراعي واعي ، ، قمطير أو حمران أو ريان هو كلبهم ، ثم توكل علي الله والله خير من يتوكل عليه ، دفع الباب ، لكن الباب إنهار إنهياراً تاماً ، متكوماً علي بركة من الطين مصدراً هديرامفزعا مما جعله يقفز مبتعداً عن رشاش الماء وشظايا البنيان المهدود ، ولكن لا يستطيع الدخول ، فجثة الباب أصبحت عقبة تمنعه الولوج ، لأن شجرة شوكية عملاقة ، نمت خلف الباب مباشرة مغطية مساحة شاسعة من الأرض ، كانت شبة زاحفة ، لم ير مثلها في حياته من قبل ، المبني يتوسط سياجاً ضخماً من أعمدة التك والمهوقني ، تتعارض عليها عيدان القنا والبامبو مكونة مربعات صغيرة تتشعبط عليها المتسلقات الاستوائية دائمة الخضرة ، ذات أزهار جذابة ، وأوراق كثيفة عريضة تعتم السياج فلا يمكن رؤية ما بالداخل ،
تمشي قليلاً لصق السياج محاولاً تفحص ما بالداخل المحريبات وعشيبات الحسكنيت وما يسميه قوم الدغل الأوسط بالماجا وهي عشبة لها أشواك تنطلق كالسهام نحو الفريسة أو كل شئ يمس الماج ، لكنه رغم هجوم الماج والحسكنيتات وأشواك النخيل المتسلق ، استطاع أن يميز الصخور الحمراء التي بني منها المبني القديم المشحون بأسرار أزمنة تليدة ذات شيخوخة بائلة تحيط به أشجار المانجو والموز وفي فنائه هنا / هناك تري بعض نبتات الأناناس ،
هو لا يعرف شيئاً عن مستر ومسس جين البدائيان ولا يعرف شيئاً عميقاً عن البدائية غير أنها مرحلة تتعلق بأجدادنا القدماء كما تعلم من معلم التاريخ في المرحلة الابتدائية ، غير أنه شئ ليس من اهتماماته ، ولكنه لم يتردد ثانية في الولوج داخل المكان عندما وجد معبراً صغيراً يمكنه من الدخول اذا حمي راسه وظهره وأستخدم كفتيه في الحبو ، وفعل ، هربت بعض الأرانب البيضاء والسحالي من قرب رجليه ، قردان من علي شجرة مانجو يرقبانه بحذر واستغراب ، لم يرهما ، دار حول المبني دورات عدة ، كانت نوافذه الكبيرة مغلقة ولا منفذ للداخل غير أبواب موصدة ، وحسب تقديري يحتوي المبني علي ما بين ثلاث الي أربع حجرات ومطبخ بالاضافة الي قاعة كبيرة في الوسط وحجرات أخري صغيرة متداخلة في ذات المبني الأساسي ، توجد بناية خارجية عرف أنها تمثل مرحاضاً ، جذب باب المرحاض للخارج صر ، صريرا بائسا ، ودون أن يقرأ احدي التعويذات السبع ، التي تفيد في دخول الأماكن المغلقة المهجورة ودون أن ينادي بأسماء أهل الكهف أو يذكر مرطونس ، يا صاحب البقية ، وبين ما هو في شأن أن يقول بسم الله ، اذا به يسمع شيئاً ، وقبل أن يتبين مصدر الصوت ، سمع الفحيح ،
قفز للخلف بحركة رياضية مشهراً بندقيتة الصغيرة ماركة النجمة مصوبا اياها نحو ظلام المرحاض ، لم يسمع شيئاً ، عندما استدار للرحيل ، خرجت ، كانت حية شديدة الضخامة جلدها يتوهج مع شعيعات الشمس المتسربة بين أفرع الأشجار ، كانها خيط سميك من الحرير مسقي بزيت نقي أسود ، طولها يفوق المترين ، ولم ير مثلها في حياته ، كانت جميلة ومرعبة سيطلق النار إذا هي حاولت مهاجمته أو مالت نحوه ، هو لن يبادر ، دارت الحيه السوداء الجميلة المرعبة حوله نفسها دورة واحدة ثم تكومت ، سكنت ، عدا مؤخرة ذيلها والتي أخذت تبصبص كذيل كلب فخور بسيده ، إنسحب من المكان بسرعة معيداً بندقيته إلي جرابها في حزامه الجلدي ، هو رجل شجاع وعقلاني وحينما يكون داخل المدينة ، لا يؤمن بالتعاويذ والتمائم ويسميها شعوذة ودجل وتخلف في الجهة الجنوبية توجد شجرة فيكس إلستكا ، أوراقها غزيرة ، سميكة جميلة ، لايوجد شئ تحت الشجرة ، مرت سحلية صغيرة صفراء منزعجة امامه ، اختبأت تحت أجمة من العشب ، ثعبان صغير يتسلق شجرة قشطة ، قفقفة صقر تأتي الي مسمعه من بعيد ، الساعة تشير الي الثالثة بعد الظهر ، الشمس دافئة نسبة لارتفاع درجة الرطوبة ، نصب سريره الجوال بعيد عن المبني ، ولأن أسراب الباعوض أخذت تحلق في كتلة كبيرة حوله ، نصب أيضاً ناموسيته أشعل النار في كومة من الأعشاب في أرض فضاء قربه حتي لا تحترق الغابة ، قام بقطع بعض الأخشاب والشوك وصنع منهما سياجاً صغيرا حول سريره ، اعتاد أن يفعل ذلك كل ليلة منذ الثالثة أو الرابعة بعد الظهر ، أخرج خرطته وأخذ يدرسها بدقة متناهية وكانه يراها لأول مرة ، تقول الخريطة : ان هذا المكان يبعد عن أقرب قرية حضرية مسيرة 15 يوماً مشياً علي الأقدام دون توقف ، أي حوالي 54 ميلا ، وتوجد بعض القبائل البدائية في مساحة ليست بالبعيدة ولكنها غير محددة بدقة ويمكن الوصول لها بسهولة أكثر من الدول المجاورة ، حيث لا تبعد عنها أكثر من عشرة أميال ويبعد هذا المكان عن بحيرة التماسيح حوالي الخمسين ميلاً عن طرق شائكة وجبلية ، لأن البحيرة تقع بين منخفضين ، ثلاثة جبال تحيط بها من جهة الشرق الجنوب والغرب ، المدخل الوحيد للبحيرة عبر النهر الذي ينبع منها أو عبر مسلك الخويرات الصغيرة التي تصب فيها وهذا هو المسلك الأكثر أمناً ، لأن بنهر البحيرة توجد أيضاً بعض التماسيح الخطيرة ، وكل الأقليم يقع في المنطقة الاستوائية ، دائمة الخضرة ، دائمة الأمطار ، كثيفة الأشجار توجد بها كل ما خلق الله من حيوان : خصيصاً للمناخ الاستوائي وتندر بها الأفيال والأسود وغيرها من الوحوش ذات الأجسام الضخمة والقلة الموجودة منها تعيش في الأماكن التي تقل بها الأشجار أي الأماكن الكاشفة عن الأرض ، بها من الطيور الطنان ، طوقان ، براكيت ، مفو ، الطاؤوس ، بوقير ، الوروار ، عشرات من الأطيار الجميلة والنسور وأطيار لا يعرف لها اسما ولكنه يخاف : البوم ، يعرف ما يحدث غداً ،
يعرف الشر المتربص بالانسان ، البوم ،
لا يصرخ عبثاً البوم يصرخ : ليقول
وبمنطقة الدغل توجد بعض التجمعات البشرية التي قاومت التهجير الحكومي خلال الخمسين سنة الماضية ، ودخلت الحكومة في حروبات عرقية قصيرة حسمتها الأمم المتحدة بأن يهاجر من يريد الهجرة طائعاً ويترك بغابته من شاء طائعاً ، وهددت دولة لها قوة عسكرية ، تستحق احترام الجميع بأنها ستتدخل اذا واصلت الحكومة الشرقية سياسة التهجير بالقوة ، أعلنت الحكومة المركزية في الشرق ما أسمته سياسة المنطقة المقفولة ، من يدخلها غير داعية أو بدون تصريح أو تفويض حكومي يعرض نفسه للسجن أو الجلد أو الثلاثة معاً ، ولكن من دخل هذا الدغل المحرم دخوله يعرف الجميع أن له عقوبة واحدة : أن يختفي للأبد ، أذا قبضت عليه الحكومة المركزية بالشرق ، وكان سلطان تيه يعرف ذلك جيداً ، ولكن سلطان تيه بالذات لا تشك السلطة في عدم ولائه ولو أنه من جذر دغلي بحت الا أنه له أبدا بما يدعي سريا بالقومية الدغلية) أو ما تسميه الحكومة (بالدغليين) وأنه ملكي أكثر من الملك ، لذا حصل علي تصريح موقع من رأس السلطة مباشرة ،
سلطان تيه شاب كثير الترحال ، وكان يقوم برحلاته بصحبة صديقه الصادق الكدراوي ، عبر البلاد الكبيرة شرقاً وغرباً بالقطار ، بالسيارة ، ركبا الحمير و العجلات واحتال عليهما لصوص وواجها النهب المسلح في الجنوب و الغرب ، وكان الصادق الكدراوي وهذا كما يؤكد سلطان تيه نفسه : عيني التي تري ، واذني التي تسمع ، وعقلي الذي يحلل ، ولكن يعترف سلطان تيه أن الصادق الكدراوي هو : دليلي إلي عالم المرأة ، الغامض ،
هو شخص ليس بالإمكان الإستغناء عنه ، تخلف الصادق الكدراوي في هذه الرحلة نتيجة لإصابته بداء التهاب المفاصل المؤلم ، كانا من اسرتين غنيتين ، كانا منعمين وكان الصادق الكدراوي ذو حظوة لدي النساء وطارح نفسه كمشروع للحب و العلاقات البناتية ، مشروع كما يقول الصادق : قومي ،
و ، أقسم بينه وبين نفسه : أن يعاشر من كل قبيلة في البلاد الكبيرة ، امراة ، و أضعف الإيمان قبلة عميقة ، أنها دعوة من أجل توحيد البلاد عاطفيا ، بلاد بها عجز الدين و المنطق والثقافة و العرق : فلنجرب المراة ،
لا يحبان السياسة لا يحبان التحدث في الجنس و القبيلة والعرق ، المال ، الفقر ، الدين ، أنهما مواطنان في البلاد الكبيرة : حسبهما ذلك ،
تضع علي النار مزيدا من الاشواك وأحطاب السنت الخضراء عل دخانها يطرد الباعوض و الحشرات الصغيرة الطائرة ،
توضأ بماء المطر ثم شرع يصلي العصر ، ثم أخرج مسبحته و أخذ يردد بعض أسماء الله الحسني ، اعتاد ان يتلو بعض الأوراد ، التي أخذها عن أبيه و الذي يتبع طريقة صوفية لها طقسها الخاص و العميق ، الآن ومنذ أن بدأ رحلته نحو بحيرة التماسيح إستعاض عن الأوراد بتعاويذ تفيد في تجنب الأرواح الشريرة : في المدينة كان يكفر بها ،
وبعد أن حوط نفسه آمنا شرور الأشرار ، أدار مؤشر الراديو الصغير الي الـ BBC الاذاعة الوحيدة التي يصدق اخبارها ويثق فيما تقوله من خبر ويراسلها ايضا ، مثل كل ليلة قضاها بهذا الدغل كانت الذئاب تحوم حوله وهي تقفقف ، ومسدسه ماركة النجمة دائما معد لإطلاق النار لكنه لم يستخدمه الي الآن ، هو شخص حسن الحظ ، لم يهاجمه الي الآن حيوان مفترس نعم ، يقل بالغاب الجاموس : هي حيوانات عدوانية بطبعها ولكن الذئب ،، ولكن كلب ، السبع ، اللبوءة ،
هل لدعوات أمه الطيبة التومة شأن ، والا ، ما سبب سكون حية المرحاض السوداء والتي كان بامكانها فعل ما تشاء ، حلق عليه وطواطان ، ضحك في ذات نفسه ، كان طفلا في سن المراهقة يصحبه عدد من اصدقاء الطفولة المراهقين يحملون مسحوق لحم الوطواط ، مخلوطاً برماد زيل السحلية وهم يختبئون خاف نباتات العشر ، علي ضفة خور المقابر الكبير حيث يقضي الناس حاجاتهم وكانوا ينتظرون ، نفيسة ، الجميلة بنت الاستاذ القادمة حديثاًَ من المدينة الكبيرة ، ستأتي في صحبة والدتها لقضاء الحاجة ، سيضع الأطفال المراهقون خليط الوطواط والسحلية علي بول نفيسة الجميلة حتي لا تستطيع نفيسة الجميلة النوم ما لم يضاجعها أكثر الصبية حظاً ولسخرية القدر جاءت أخته الرضية وتبولت بمكان لم يره منها هو ، كانت جميلة ، دائما ما يحلم صديقه حماد بمعانقتها ، كان حماد في موقع ليس بالبعيد عنها ، عندما قضت حاجتها وغادرت انزلق حماد من تحت العشرة وصب مسحوق السحلية وصب مسحوق السحلية و الوطواط علي موقع بولها، ثم لما تأكد من أنها أختفت عن الأنظار ، ذهب الي مكمن صديقه ، همس في إذنه ، كانت نفيسة هنالك ، وسكبت مسحوق علي بولها ، هيا ، لنعد ، هل سأكون محظوظا الليلة ، وكان سلطان تيه يعرف نفسه بأنه الأكثر حظا بين اصدقائه ، وسأفوز الليلة أنا بنفيسة ابنة الأستاذ ، عندما التقي صبيحة اليوم الثاني ، بادر سلطان تيه رفاقه في فخر ، جاءتني نفيسة في منتصف الليل بعد أن نام كل من في المنزل ، وصحبتني الي منزلها حيث تنام وحدها بالبرندة ووالديها ينامان (بالعوضة) وأنها وأني وأنها و...و فضحك عليه الأطفال المراهقون ضحكا اثار شكوكه ، ولم يعرف مكيدة حماد الا بعد أعوام كثيرة علي الحادثة يبدو لسلطان تيه خلف ظلال النار بعيدا خلف شجرة صغيرة خيال شخص ، وقبل أن تتأكد الرؤية اختفي الخيال ، هل هي أشباح الليل ، أو لربما دب النعاس في عيني ، ولكن عندما تناهي لمسمعه عواء ذئاب في ناحية اختفاء الشبح أمعن النظر ، فترائي لناظراه ما يشبه ومضة برق خاطفة ، ك ، زناد ، أو ، اشعال عود ثقاب ، لكنه يعرف علي الأقل خمسة أنواع من الحشرات التي تضئ اثناء طيرانها : كلها توجد بالدغل ، عواء الذئب يصبح أكثر افزاعا هل اصطادت فريسة ما ، أم أنها تحوم حول أشخاص/بشر كان بعضهم قربه قبل قليل ،
هو رجل شجاع ، طوال هذه الأيام التي قضاها عابرا الدغل لم يصدف أن قابل أحدا ، غير رجل واحد : قابله قبل يومين ، رجل عاري كالشيطان مشعر طويل القامة ، تصادفا ذات صباح عند خور كثيفة أعشابه ، في طول الانسان و يبدو أن الرجل كان يعد شركا بدائي لإصطياد حيوان صغير ، بينما هو يفعل ، إذا بسلطان تيه يخرج اليه من بين الأعشاب ، فزع الاثنان ، هرب سلطان تيه ناحية ، هرب الرجل ناحية ، تاركا وراءه شركا مصنوعا من صوف ذنب الزراف ، بينما سلطان تيه يهرب بعيدا لم يلاحظ أن امراة جميلة كأنها من قبيلة الكا كانت هي الآخري تعد شركا في موضع ليس بعيد عن شرك الرجل ، وأنها لم تهرب بل كانت تنظر الي سلطان تيه وهو يهرب وعلي ظهره حمله ، في برود تام ودون أدني اكتراث وكأنها تري هذا المشهد للمرة المليون ،
وفقا للخريطة ، لا توجد قرية قريبة من هذا الموقع ، قرية لا لا تقع علي بعد يومين ونصف اليوم في إتجاه الغرب ، من أين أتي الرجل الغريب ، كانت الذئاب تعوي ، أقفل الراديو ولو أن البرنامج كان سيثير أنتباهه في الحالات العادية ، فهو متابع جيد للبرامج العلمية ، دار حول سريره عدة دورات دون سابق تفكير أخذ يردد تعويذة سرية تفيده في تحويط المكان ،تبدأ ، بـ ، ايلاف قريش ، تنتهي ،
أصبحنا بالحديد ،
أمسينا بالحديد ،
ما نفع إلا ربنا الشديد ،
كان شجاعا ، ذكيا ، كان عقلانيا في تفسيره للظواهر الغريبة ، أو ، التي تبدو غريبة والمخافات ،
تتجمع بعض السحابات فتخفي النجوم الكثيرة جدا ، النجوم التي تساوي عدد نجوم المدينة مضروبا في ، بالدغل لكل نبتة ، نجم ، هل خلقت هذه الأنجم من أجل الغابة فقط ، نجمة من أجل كل صفقة ،
لديه خوف فطري من المطر ، لأن المطر : لا يفرق بين الصالح والطالح ،
لأن المطر : يهبط علي الجميع ،
لأن المطر : يعمق غربته ووحدته ،
لأن المطر ثلاث مخافات ،
مخافة من فوق : الماء
مخافة من تحت : السيل
مخافة من حيث لا يحتسب : الصاعقة ،
إذا جاء المطر، سيدخل إلي البيت المهجور : الأفعي ،
وما يمنع البيت من أن يكون مسكونا بالجن ، من يدري ،
خلط بين تعويذتين لا يستحب الخلط بينهما ، أخذ تعويذاته السرية ، حسيس النار ، خلف صمت الراديو الصغير : خليط التعويذتين ، دخل ناموسيته ، أدار الراديو مرة أخري كان شجاعا ،
لا يدري كيف قفزت حادثة وفاة والده الي رأسه بالذات ، حادث السير المشؤوم كانت رأسه ، سحقت تماما علي الأسفلت هو ـ سلطان ـ والسائق نجيا من الموت وكان والده سينجو لولا أن قفز من العربة في اللحظة التي انحرفت فيها سيارة نقل ثقيلة نحو عربته الصغيرة والتي كانت بصدد أن تتخطي عربة النقل ، هو نفسه – سلطان – اذا كان قرب الباب لما تردد لحظة في القفز ، ، كل حمولة الشاحنة مرت علي رأس والده الأشيب ذو الصلعة ، الملانة بالفكاهة والحكاوي الملانة بأسرار الصوفية وكلام الله ، كان أبي رجلاً مرحاً متديناً ،
جاء وحده : ذئب ضخم عجوز ، يدور حول النار علي بعد متيرات قليلة عن مركزها كان يرقبه عبر مسام غزل الناموسية ، يعرف أن الذئب يعجز عن مهاجمته وإختراق سياج الشوك الذي حصر به نفسه ، لكنه متيقناً من مقدرة هذا الذئب العجوز علي القفز فوق سياج الشوك والسقوط عليه مباشرة ، تمزيقه ثم أكله ، كل شئ ممكن الذئب العجوز يحفر بقوائمه الخلفية خنادق صغيرة وهو يقف مستديراً حول النار ، بينما كان يغادر المنزل ليؤسس الخطوة الأولي لرحلته ، دعت له أمه التومة بأن يحيطة الله برعايته ويعيده سالماً غانماً ويقيه شر (الكا) أكلة لحوم البشر ، بالتاكيد ، كانت في غيبوبة عن أصلها من جهة جدتها ، لولا بعض الحياء لأوصته بأن لا يقترب من أية امرأة خاصة اذا صادفها في الغابة متهيئة للمواقعة ، هكذا يصطاد (الكا) فرائسهم ، اذا واقعتها التصقت بها واذا التصقت بها ، بظفرها ثقبتك في عدة مواضع قطعت شريانك والنهاية ، كانت لا تريده أن يذهب الي بحيرة التماسيح ولأنها تعلم أنه سيذهب طالما أراد ذلك ، فلم تقف في طريقه كي لا تصيبه لعنة عقها ، هي لعنة يعجلها الله في الدنيا قبل الممات : لعنتان ،
لم يكن في ذهن أمه أبداً : هذا الذئب العجوز ،
دار دورتين سريعتين حول سياج الشوك ثم أختفي ، فجأة عاد مندفعاً نحو السياج الشوكي مقذوفاً في اتجاه سلطان تيه ، في تلك اللحظة أطلق سلطان رصاصة ولكنها أخطأت الذئب العجوز الجائع ، ألحقه رصاصة أخري ، عوي الذئب عواء حزيناً ،
سقط ،
علي بعد أمتار قلائل من سرير سلطان ، ثم أطلق ، علي صدره رصاصتين اخيرتين
أهل الكهف
لا يدري متي خلد للنوم ، عندما استيقظ كانت الشمس ، علت هامات الأشجار ، ولأنه ينام في موقع فضاء ، أصابته أشعة الشمس من اتجاهات عدة ، قربه علي بعد ثلاثة أمتار تر ، جثة الذئب :
قذرة ومتضخمة وعنيدة ،
حوله ولكن خارج السياج كانوا : جميعهم علي ما يبدو – ذكور ، يحيطون خصورهم بقلائد من الخرز وأنياب الحيوانات المتوحشة ويخفون ما بين السرة وما فوق الركبة بقليل ، بجلود أو أردية من النباتات ،
من أعناقهم تتدلي التمائم ،
يقفون حول السياج حاملين حراباً لها مقابض طويلة من القنا ، البعض يحمل سهاماً البعض يحمل فؤوساً وأسلحة بدائية ،
ينتعلون جلوداً سميكة ، ربما كانت مصنوعة من جلد فرس البحر أو الجاموس ، سود مثله ، غير أن قامتهم عالية بعض الشئ وأجسامهم نحيفة متناسقة تشع :
قوة ورشاقة وكأنهم نمر ،
تقاطيع وجوههم وسيمة قاسية وحادة ، بدأ من الواضح لديه أنهم محاربون من قبيلة بدائية تقيم بمقام ليس ببعيد سمعوا إطلاق الرصاص أو رأوا لهب النار بالليل ، ويستطيع أن يؤكد لنفسه أنهم ليسوا أكلة لحوم البشر: (الكا) تقيم بعيد جداً عن هذا الموضع ، حسب وعيه بجغرافية المكان السكانية ، ربما كانوا من قبيلة (لا لا) ،، ولكن السؤال الساخن الآن هو – ماذا سيفعلون بي- هل سيرمونه بالحراب ، اذا خرج من ناموسيته ظناً منهم أنه سيبادرهم بالهجوم ، - هل أبدأ أنا باطلاق النار ، رصاصتان في الهواء ترعبهم فيهربون فزعاً ، ثم أهرب أنا بدوري أم أنتظر لأري رد فعلهم ، لا ، لا ، ، يكون ردي متأخراً ، بعد فوات الآوان – تريث يا سلطان تيه ، تريث ، أتري ما سيكون تصرف الصادق الكدراوي أذا كان في ورطتي ،أو اذا كنا معاً لابد أنه سيختلق فعلاً يجعلهم يرمون أسلحته ويعانقوننا واحداً واحداً ومن ثم يأخذونا الي مساكنهم ويؤمنون لنا الطعام والشراب ثم يكرموننا بأجمل فتاتين في القرية كعادة كثير من القبائل البدائية في كرمها للضيف ، ولكن أين الصادق الكدراوي ، أطلق الرصاص في الهواء وأنتظر .... تريث لا تفعل شيئاً أن كثيراً من القبائل البدائية لها طبع مسالم ، أطلق ، لا تنطلق ، كانوا صامتين كأنهم يستنبطون ما يدور في ذهنه ،
بعيدا عن ذهن سلطان تيه كان الصباح جميلاً ومشرقاً ، طيور زرقاء ذات مناقير حمراء ترك علي أغصان شوكة ، تغرد نغماً خفيفا حلواً ثم تطير فجأة نحو الغرب ، من بعيد يأتي نشيد المغني : طائر صغير الحجم له ذيل طويل ، به لونان في الغالب الأزرق والأبيض ، كان نشيده الحلو يعمق براءة الصباح : يزيده بهاء ، سلطان ، تعلم التفاؤل بسماع المغني منذ أول صباح عانقه بالدغل ولو أنه لم يراه غير مره واحدة نسبة لإختبائه بين أوراق الأشجار العريضة ،
وبعيداً عن وعيه المشوش بالمأساة : ايقاع الطبل الآتي من عمق المسافة جميل أيضاً ، يحتاج لكي يتبول ، يعلو صوت الطبل ويقترب ، كلما دنا أكثر اتضح صوت الجوقة التي تتبع الايقاع والنشيد ، وبأسرع مما توقع :
ظهرت طلائعهم بين الأشجار الغزيرة ،
عندما دخلوا الأرض الفضاء ، عدهم ، واحداً واحداً ، من داخل ناموسيته وكانوا عشرين شخصاً من بينهم أمراة جميلة سوداء ، تلبس رداء جيد الصنع من الجينز ، صدرها عاري ، عليه ثديان نزقان ، تتدلي ما بينهما تميمة كبيرة الحجم ، من العاج ، من بينهم ، رجل أبيض البشرة ، يلبس مثلهم : أشقر ،
عيناه خضرا وأن كقط ، في الحق كانت له عين واحدة والأخري مفقوءة ويبدو كما خيل لسلطان تيه أن هذا الأبيض حوري ، الحواري كما يعرفه سلطان تيه ، ليس من الجن بل هو مولود نتيجة طفرة وراثية من أب وأم اسود ، الطفرة هي نتيجة تفاعلات كيمائية أو فيزيائية في الجينات وهذا بالضبط ما تعلمه من أستاذ الأحياء بالثانوي ،لكن قفزت في وعيه مسألة مستر ومسس جيني : ، يكون هذا من مخلفاتهما،
أنفجر الصمت بوصول القادمين ، أخذ الجميع في شرب شئ أتي به القادمون في قرب كبيرة من الجلد وأوعية من القرع و الفخار ، كانت رائحة المشروب ذكية أثارت فيه شهية الشرب وشهية الشرب كشهية الموت ،
تبدأ بآكلان في القلب ، لا تنتهي الا بنهاية الجسد ،
كانوا لا يأبهون به وكأنه لم يكن ، هو يهتم بكل تفاصيل فعلهم ، حصلات الأشقر المجنونة ، أسنة رماحهم ، اطيارهم الراكة علي شوكة ، ذئبهم أو ذئبه ، لا فرق ، طبلهم الذي صمت ونام علي شجرة عرديب طفلة ، سمائهم الزرقاء ذات السحيبات البيض الخفيفات ، هونفسه : أسيرهم،
القابع تحت ناموسيته يرغب الموقف ويؤسس لفعل ،
أما أن ينجيه ،
أما أن يميته ، أما أن يخوزقه ،
والعياذ بالله من الخازوق ، لوقوعه في مسافة ما بين النجاة و الموت ،
وقف الجماعة لشخص قادم احتراما ، ظهر من بين الأعشاب يمتطي حمارا وحشيا اليف ،
يلبس رداءً ثقيلا حول خصره ، تتدلي علي جانبي الحمار وعلي صدره تمائم وعقود ، علي كتفه فراءً ناعم يغطي كثيرا من صدره ، من الواضح أن القادم ذو شأن ، كان كبيرا في العمر ، وبدأ عليه التعب والإرهاق ، فيرفقة جماعة راجلة وحامرة أيضا،
جلس الجميع في دائرة ، في احدي طرفيها القادم : الكهل ،
وبعد مداولات طالت ، برطانة لا يفهم سلطان تيه منها شيئا ، أزاح المحاربون الشبان الأشواك ، قام نفر منهم بجر جثة الذئب الي حيث الطبل القابع الساكن الساكت تحت العرديبة الطفلة ، حدث ذلك برفق شديد ، أدي الجمع صلاة صامتة في شكل رقص حزين ، اتبعته نقرات خفيفة علي الطبل أداها الأبيض الأشقر الأعور ، مخلفات آل جيني ، أو كما يظن ،
يبدو أنني قتلت شيئا مهما ، شيئا مقدسا ،
تورطت يا سلطان تيه ،
أين الصادق الكدراوي ،
هل سيقتلونني ، كما قتلت ،
هل يربطونني لأبناء الذئب لينتقموا مني ،
هل ، هل ،
أخذ بعض المحاربين يسلخون الذئب ، بينما اتجه الرجل الشيخ نحوه ، معهم الفتاة الناهد الجميلة وبعض المحاربين ، وقفوا حوله في حلقة ، كان رجلاً شجاعاً سلطان تيه وهو يرتعد من الخوف في انتظار المصير المجهول ، لا وقت لديه لقراءة التعاويذ أو ذكر أسماء أهل الكهف وكلبهم ، بينما في شتاته اذا بصوت الفتاة يأتيه بكل وضوح :
Who is there
بلغة انجليزية سليمة دون اية لكنة ، كأنما هي لغتها الأم ، أحس بطمأنينة بالغة وكأنما قفز من حضن الغول الي حضن أمه مباشرة ودون مقدمات أزاح الناموسية ببطء وأطل بوجهه نحو الجمع والذين كانت دهشتهم أكبر لتبينهم أنه ليس الا رجلاً أسود مثلهم ، وجهه كأوجههم ، كل شئ فيه فيهم الا أسلوب لباسه الذي رأوه من قبل عند مسس ومستر جيني في أيامهم الأولي ورأوه بين حين وآخر يلبسه الصيادون ورآه من يذهب منهم للمدينة حيث يلبسه الشرقيين ، يلبسه الحكوميين والذين كثيراً ما اصطدموا بهم ، يلبسه العسكر الحكوميون ،
رأوا فيه شخصاً عادياً وربما كان صياداً ضل طريقه ،
من أنت ،
Who are you,
قال إنه باحث اكاديمي في طريقه الي بحيرة التماسيح لأنه يعد رسالة مهمة عن التماسيح ، فضحكت الفتاة فجأة ضحكاً أثار غيظه ، ضحكاً أثار فضول اصحابها ، أرتفعت أصواتهم احتجاجاً لعدم الفهم وأنهم يريدون ترجمة فورية لما يقال ، نظرت نحو الشيخ المنتظر تفسير ما يضحك ، رطنت ، وما أن خلصت من القول حتي أندلق الجميع في وحل الضحك ، ثم تحدث الكواكيرو وهو الشيخ بلغة لا لا ، قالت المترجمة لسلطان تيه ،
يقول الكواكيرو انك صائد تماسيح وانك صائد ماهر وقتلك للحارس دليل ، أكد سلطان تيه انه دارس اكاديمي ، استمات في برهنة ذلك لأنه يعلم أن الدغليين لا يحبون اثنين : سلطات الشرق ،
والصيادين ،
طلب منهم فحص متعلقاته ، طلب منه الكواكيرو أن يعطيهم السلاح الذي قتل به الحارس ، أمن المسدس بهدوء وأعطاه للفتاة ، ناولته بدورها للكواكيرو ، قلبه يمنة ويسري ، بكل حرفيه أخرج خزانة الرصاص ، ثم أعطي المسدس والخزانة لأحد المحاربين ، وضعه في سلة من السعف ، قاموا بفحص معداته بدقة متناهية ، فحصوا كفتي يديه وكتفه ، وجدوا علب طعام محفوظة وجدوا كتباً بها تماسيح مصورة ، كاميرا ، فأس صغيرة ، مدية صغيرة ، أقلام ، لم يجدوا أنياباً نادرة أو عاجاً أو جلد حيوان نفيس أو مصل حية ،
ولكنك قتلت الحارس ،
أتدري ما عقوبة ذلك أذا كنت صيادا ،
لكنك طالب علم ،
نحن نقدر لك ذلك ،
ولو أنك تدرس شيئا تافها لا فائدة منه ، ترجي شيئا تسكنه خمسون روحا شريرة ،
لكنك قتلت الحارس ،
نعرف أنه لولا قتلك له لقتلك ، أنت تدافع عن نفسك نعرف ذلك ،
ولكن هذا لا يسقط عنك عقوبة قتل الحارس ، فأنت قتلت الحارس ،
عقوبة ذلك في العادة أن تحل روحه فيك وأن يحل جسده فيك ،
أما روحه فأنها في اللحظة التي قتلته فيها ،
دخلتك ،
أما جسده ،
نقوم بحبسك أعلي الجبل الي أن تأكل آخر قطعة منه ، عندها سيحل جسده فيك حينها ،
سنطلق سراحك : مذؤباً ،
أولاً ، سارت مجموعة المحاربين الشبان يحملون شرائح لحم الذئب علي عصي طويلة من البامنو ، كل أثنين يحملان قناة واحدة طويلة ، تتدلي علي جوانبها شرائح اللحم وهي تقطر دهناً ، كان حيواناً شحيماً ، تبعه حامل الايقاع ، الرجل الأبيض ذو العين الواحدة القطية والخصلات الشقراء ، يقرع الطبل بإيقاع حزين مهدور ممل خفيض ، ثم ، سلطان تيه وعلي ظهره حاجياته كلها ، خلفه مجموعة من المحاربين الشبان يحملون حرابعهم وعصيهم ، يغنون لحناً حزيناً موقعاً بطبل الرجل الأشقر الأعور ، أصواتهم تعلو فجأة حتي تصبح ، الهتاف ثم تنخفض فجأة لتصير ، الهمس
همساً عميقاً ،
وفي حركة أخري تتدرج أصواتهم ما بين الهمس والهتاف ، تتنقل من الأول للأخير بكل سلاسة وحرفية ، ثقافتهم في مجال الغناء والموسيقي أحلي والا وجد أسماً مناسباً لما يقومون بأدائه أما الآن ، فهو يسمي ذلك هارموني أو يسميه تماهي لو استطاع أن يمتع نفسه بذلك دون تعارف لتمكن من طرد كثير من السؤالات السوداء ،
كيف تتحدث هذه الصبية المتخلفة اللغة الانجليزية وكأنها لغتها الأم ، ولكن عندما هدأت أعصابه قليلاً ، اطمأن قلبه ، عاد وربط ذلك بمستر ومسس جيني ،
ما هو مصيري ،
أنت في ورطة – هل سأخرج سالماً من هذه الورطة ،
ما بين القرية والغابة أرض تخلو من الأشجار الضخمة ، لكنها مغطاة تماماً بالاعشاب الناعمة ذات الأشواك الدقيقة وبعض المهوقنيات والتك في أعمار صغيرة ، بدأت له القرية من علي البعد وكأنها قباب صغيرة مصنوعة من مادة بنية ، شكلت لها خلفية طبيعية في هضبة عالية خضراء عليها الأشجار زاهية الخضرة تحرسها ، وكما هو موضح في الخارطة يوجد منبع مائي صغير أعلي الهضبة ، وهاهو الجبل يفوق تصوره ، في الحق لم تكن لديه تصورات مسبقة عن المكان ، كل تصوره كان ينصب علي بحيرة التماسيح ، موقعها بين الجبال ، شكلها ، مائها ، تماسيحها ، رمال التماسيح البيضاء الباردة وتحتها يرقد بيضها ، كاميرته وهي تسجل حركة التماسيح وعلاقتها الأسرية والجنسية والغذائية ، الآن وجد نفسه في موقف يجبره علي اجلال جمال المكان واحساس تفاصيل عظمتها ، كلما اقترب أكثر من القرية ، تميزت الألوان الحجرية الزاهية التي طليت بها الكهوف ، ثم جاء أطفال القرية وكأنهم النعام بسوقهم الغبشاء وأعينهم النجلاء ، رؤوسهم عليها قنابيرهم ، ليسوا كما رأي من أطفال ، كانوا هادئين وطيبين ، لاحظ ذلك عندما اقتربوا من موكب المحاربين ، جلسوا علي جانبي السبيل علي العشب احتراماً لموكب الكبار ، ولو انهم ، شحنوا بالفضول ، كانوا يحملقون في لحم الذئب وقاتله بعيون سئآلة وحب استطلاع يكبته الأدب و الطقس ، هكذا تراصوا الي مدخل القرية ، النسوة الجميلات حزاني وهن يجلسن علي قارعة الطريق أيديهن علي رؤوسهن ، أنغام الإيقاع القطي الحزين : يبكين ،
يصدرن مواء عميقا ، جعله يحس حقيقة الجرم الذي ارتكبه ، ثم يعلو صراخهن ونقعهن عندما يمر أمامهن موكب لحم الحارس المقتول ،
دن ، دم دم ، دم ، دن ، دم دم ، دن
كان الرجل الأبيض ذو العين القطية جميلاً وهو يدق الطبل ،
حزين جداً ،
طاف الموكب الحزين كثيراً أزقات القرية نهرته كلابها ، هربت من بين أرجل المتوكبين ، دجاجاتها البرية المستأنسة وهي تكيك ، الي أن توقف أخيراً أمام دار ذات فناء متسع ، دخل اللاحمون بذئبهم : دخل هو ،
كان شجاعاً وهو يحس برعدة الخوف تصعقه في عمق السؤال ، ذات السؤال الجبان : بئس المصير ، أنت في ورطة ،
ماذا سيفعلون بي ،
أين الصادق الكدراوي ،
وبدخوله واللاحون في الدار ذات الفناء المتسع ، تفرق المحاربون وتفرقت النائحات يتبعن صغارهن النعام وأصواتهن تختفي تدريجياً ، تتلاشئ تماماً ،
وسط فناء الدار توجد مظلة كبيرة من البامبو مسقوفة بحصير ناعم بدقة وأناقة ذكرته بالكنيسة التي في أحد أحياء المهجرين في الشرق ، توجد بالمظلة مقاعد خشبية مصنوعة من أحطاب العرديب والمهوقني ، بعض الشيوخ يجلسون بالمكان ، طلبوا منه إنزال ما بظهره ، أن يجلس علي أحد المقاعد الخشبية ، أن يشرب ما قدم اليه ، أن يستمع للقول المترجم بواسطة الناهد ، أن يرد ، أن يقال اليه أخيراً ، اتبع هذين المحاربين الي كهفك ، هنالك أعلي الهضبة ،
يخرج وعلي ظهره حاجياته ، لمح ما يشبه عربة جيب في مظلة من البامبو عند ركن بعيد بالدار اذا جاء بعربة كهذه هنا ، ماذا يفعل هؤلاء البدائيين بها ، لا تشغل نفسك بأمور جانبية يا سلطان ، الأهم كهفك ، ذئبك ، سجنك ، بحثك ، طعامك ، فليكن الجيب أو فلتكن طائرة نفاثة ، لا تشغل نفسك ، لا ، لا ،
الناهد ذات الصدر العاري بارعة جداً في التحدث باللغة الانجليزية ، ذات مهارات ترجمانية عالية ، وكانت تستخدم اصطلاحات لا يعرفها هو : القارئ المواظب علي اللغة الانجليزية وكثيراً ما كان يردد ،
أسف ، أسف ،
تعيد صياغة السؤال بلغة أسهل وكلمات أبسط ولو أنها كانت لا تدري اية لغة هي الأسهل وأيها ، المهم كانت تقوم باستعمال مترادفات تسهل علي معرفة السؤال وبالتالي الاجابة ، هي جميلة ، جامحة ورشيقة ، ينقصها فقط شخص كالصادق الكدراوي ليقيس مدي تماشي مؤهلها الجمالي الظاهر مع .......... الامتاعية ، أو كما يسميها الكدراوي : إيقاعها السري ما دون السري ،
سوداء وربما كانت أكثر سواداً منه ، بشرتها ناعمة ملساء ذات لمعان خفيف ساحر وكأنها مدهونة بزيت سحري ، كانت جميلة ، في زيها البسيط المكون من رداء الجينز الأزرق الباهت والخرزات الملونة ، قالت له وهما يسيران خلف المحاربين : انت ستبقي بالكهف دون حراسة ، ويجب عليكأن ألا تحاول الهرب ، لأن القبيلة تحيط بالجبل بيوتها ، ولأن الذئاب تحيط بالقبيلة ، ولأن برم بجيل يحيط بالذئاب ، وأنت بغير سلاحك ، فمن ينجيك ، ولعنة الحارس تطاردك دائماً ، طالما لم تكن أنت جسده ولأن روحه تريد أن تستقر في جسده هو بالذات جسدك أنت ،
أنا لا أفهم شيئاً ،
قالت الحسناء ذات الجينز الباهت ، عليك أن تأكل كل قطعة من لحمه يؤتي اليك بها ، عليك أن تفترش جلد الذئب لحافاً لك ، عليك أن تحتفظ برأسه معلقة علي باب كهفك ، عليك أن تلبس نابيه قلادة ، عليك ثم عليك ،
كان تعباً ومرهقاً من جراء المشوار الطويل والحمل والخوف من مفاعيل المشروب في جسده فلم يقل شيئاً ،
فقط يريد أن ينام
لا أكثر ،
يريد أن ينام ، آه ، همم ، م ، م م ،
يقع الكهف في قمة الهضبة ، كهفاً كبيراً ، ..... ، حفر في صخر ضخم ، لا يستطيع سلطان تيه أن يتخيل ، مجرد تخيل : كيف حفر هذا الكهف ، من الذي حفره ولماذا ، في الحقل الدغليون أنفسهم لا يعرفون تاريخاً أو حدثاً أو شخصاً يؤرخ لهذا الكهف ولكنهم يعرفون كيف يستخدمونه ، غمره احساس أولي بأن هذا الكهف هو مسكن ما يعرفهم بأهل الكهف ، ولو أنه مدرك في وعي حقيقي أن أهل الكهف كانوا علي بعد آلاف الأميال من هذا الموقع ، علي مدن ترقد ، نحو البحر الأبيض المتوسط ، في قمة الهضبة أرض مسطحة متسعة تمتد علي مدي ما يبصر ، بها غابات وجبيلات ، مجاري مائية ، وحيوانات ، وعين أو بحيرة ، قرأها في الخارطة :
وما لم يعلم ،
ليس لديه ما يقوله لها ، لا شئ فقط يريد نوما هادئا عميقا وعندما يستيقظ فليطعموني عظام الذئب لا أبالي ،
كان شجاعا وهو يحس بفراغ الكهف يسري في قلبه ، كالاكلان البارد المرعب ، كما لو أن حية انزلقت علي ظهره وهو عاري ، كان يخاف في شجاعة منقطعة النظير، رهبة الفراغ ،
في هذا الركن كما تري كومة من الأحطاب الجافة ، بامكانك استخدامها للتدفئة وطرد البعوض والذبابة الرملية وذبابة النوم وهي توجد بكثرة في هذه البلدة ، تحتاج النار للاضاءة ، يقول الجد برم بجيل ،
الضوء ،
رجل شجاع ،
حارس أمين ،
وامرأة لا ، تكذب ،
لا يريد أن يعرف من هم لالا ، لا يريد أن يعرف من هو جدهم برم بجيل ،
لا يريد أن يعرف من هو الضوء ، يريد فقط أن يبقي أحد المحاربين بجانبه ،
سنعود الآن تاركين لك مدية ورمح وعصاة ، تحتاج بين الحين والآخر للدفاع عن نفسك من يدري ، لا لن يقرب الحارس كهفك هذا أبداً ، لأنه لا يوجد في قمة هذا الجبل غير الأرانب والثعابين وبعض الغزلان ،
هل تريد شيئاً ،
كان الكهف كبيراً وخالياً ، يحس الآن بصداع حاد ، في حاجة للذهاب للمرحاض هنا كل مكان لا يراك فيه أحد : مرحاض ،
أينما اختليت بنفسك أنت في مرحاض ،
بسم الله ،
تبول ،
سوف آتيك أيضاً غداً ، تحتاج لشئ ، علي كل ، سيداول المحاربون علي مدك بالماء ، الطعام وما تريد ،
الشمس تغيب الآن ، خلفها شفق في لون الدم ، أو ، البرتقال وفقاً للحالة النفسية للمشاهد ونبض قلبه ، يود لو أستطاع أن يجعل الشمس لا تغيب ، أن تبقي جمرة مشتعلة ، نور يضئ به ظلمات الخوف ، تبعد عنه مسافات ، كلما غامت الرؤية كلما أحس بوحدة أحجر ، كلما أحس أكثر : بفراغ الكهف ،
ليالي طويلة قضاها في ظلمات الدغل محيطاً نفسه بالتعاويذ والعصي والصلاة ، تحوم حوله المخافات ، لأول مرة في حياته يحس : الخوف ،
اذا ، هل كنت أستمد شجاعتي من المسدس ، أخذ المسدس ، أخذت الشجاعة ،
أم أن فراغ الكهف هو الذي أشعل قصاصات الخوف فيه ، أو ، الأحطاب ثم صلي صلاة المغرب ، قرأ جهراً كلمات من حزب الأمان كان ، حفظها عن أبيه عرضاً ونتيجة لتكرار واله لها ليلة تلو ليلة ومخافة تلو مخافة ، وما أكثر مخافات ، وآلده ما كان يهتم بقراءة وآلده اهتماماً فعلياً ، يري فيها شيئاً مكرراً مملاً ، الآن ، أمام جلال الفراغ ، الأمر يختلف ،
من بين أوراد وآلده يعشق صلاة النقطة ، يعشق لغتها الصوفية الشفيفة ، ولكن لا يحفظ منها أية كلمة ولو أنه يحس موسيقي روح لغتها تحلق الآن ، تملأ الكهف غناء صامتاً ، ولو أنه يتلمسه الآن : بنبض قلبه ،
لماذا لم يصبح شخصاً متصوفا بصورة جادة وقاطعة كوالده ،
النار كانت شهية ودافئة فهدأ ، شاء أن يرتب أفكاره بصورة منتظمة ، عندما يقضي مدة سجنه سيذهب مباشرة الي بحيرة التماسيح ، كم من الوقت سيقضيه هناك
يريد أن يعود للمدينة : الآن ،
وطواط يزعجه ضوء النار ، يخرج مندفعاً نحو الخارج ، لم يستطع سلطان تيه أن يتبين أن رائحة جسده أصبحت سيئة ولا تطاق ، ربما ، لأن رائحته توحدت برائحة الكهف ، برائحة الذئب ، لحمه المجفف ، رائحة الخوف ،
قالت له نفسه : هنا وضع أهل الكهف رؤوسهم المتعبة قبل أن يخطوا نحو نومتهم الطويلة ، لابد أن كلبهم كان آخر النائمين ، ولابد أنه نبح كثيراً قبل أن ينام ، لابد أنه أكل عدة أرانب كبيرة في طريقه الي النوم ، لابد أنه تذكر كلبة حاول أن يلتصق بها ، وكلبة سيلتصق بها غداً وكلبة أخري وكلبة ،
لابد أنه قبل أن يرقد واضعا رأسه بين قائمتيه الأمامتين محنيا اياه جهة اليسار قليلاً وفوق عينيه تحوم ذبابتان ،
ماذا لو كانت رنا الآن معه ،
نعم ، رنا
الصبية بنت الجيران التي كان يحبها في سرية قضم قطعة حلوي خطفها طفل مستغفلاً والدته ، يقضمها في توحش مصموت ، بين الراكوبة وباب الشارع ، في سرية ابتلع لعابه الحلو في سرية مسح شفتيه وجانبي فمه وهو عائد الي موقع مخطوفته ، في سرية انطبع لون الحلوي الأحمر القاني علي لسانه كشاهد خبيث علي الإختطاف ،
ماكان الأمر يحتاج لكل هذه السرية لأنه لا يوجد من يغضبه حب سلطان تيه لرنا ، ورنا ذاتها كانت ستسعد كثيراً اذا عرفت أنه يحبها ، وما كانت ستبخل عليه بما شاء من تواصل والأبعد من ذلك ، وهذا شئ لن يعلمه وسوف لا يخطر بباله الي الآن وهو أنها لا تمانع أن تعطيه نفسها ،
هكذا بكل بساطة ،
اذاً وفر علي نفسه الليالي التي قضاها مؤرقاً يرسم نهديها وردفيها وبسمتها في فراغات حجرته ، يرسم صوتها ثم يستدعيها لتنام قربه الي أن يؤذن الصبح : فيغتسل شاوياً نفسه بالماء البارد ،
لوفرت علي نفسك عذابات الاستمناء ،
اذا كانت تنقصه الخبرة ، وهي الكنز الذي تهديه المغامرة والتجربة والوقت للانسان ، يمتلكه صديقه الصادق الكدراوي ،
لا لم يكن خجولاً ، بل هو جرئ ولكنه لا يعرف : كيف ومتي يستخدم جرأته ، فيم ومع من اذاً ان مشكلته الحقيقية هي مشكلة ايقاع ،
كروانان يتناديان يفرق بين نداءيهما نداء بوم أجش ، والبوم نذير شؤم والكروان فأل خير ، سيصلي صلاة العشاء ،
كيف هرب عنه النوم والتعب ، في المكان الذي هيأه لصلاة المغرب ، صلي العشاء ، وفي الحق لم يكن منتبها تماماً لما يقرأ ويفعل في صلاته ، كان منشغلاً بشكل تام عن الله ، هو الآن يقوم بأداء حركات اعتاد عليها ، باله منشغل بمشاكل الوحدة والخوف ،
كان عواء الذئب يأتي من بعيد ، من كل أتجاهات الظلام ،
الست ،
البحيرة
في ايقاع بطئ ، كانت تدور عقارب انتظاره ، ثقيلة باردة مذئوبة بشواء الحارس وعفن جلده المدبوغ ، كانوا لا يطعمونه سوي : مرق الذئب ،
شواء الذئب ،
دهن الذئب ،
لحافه ، فراء الذئب ،
مذبته ، ذيل الذئب ،
عندما يستيغيظ ناظراً لضوء الفجر عبر باب الكهف الكبير المنغلق بأغصان شوكية ، يري وجه الذئب المحنط المعلق علي بوابة الكهف محملقاً بعينين مفرغتين من الداخل ، نحوه ، نحو أهل الكهف الذين استيغظوا في وقت سابق وذابوا في المكان ،
كل شئ ، الذئب ،
بين حين وآخر ، تزوره الفتاة المترجمة تسأله ما اذا كان يريد شيئاً ، ثم تنصحه بأن يأكل كل ما يؤتي اليه به ، من أشياء ذئبية ، لأن هذا يعجل باطلاق سراحة وأن لحم الذئب مفيد لجسد الانسان وأنه يجعل القلب أكثر ثباتاً والاقدام أكثر قوة ، والعينين أكثر رؤية ، لم تقل له أنه محرم أكله علي قبائل الدغل كلها ،
لأنه جدهم في الروح ،
بدأ يلاحظ أن وزنه أخذ في الزيادة بصورة واضحة ، أرجع ذلك لعدم ممارسته الرياضة وأن الطعام شديد الدسامة وأن الذئب كان شحيماً جداً ، أرجع ذلك للطمأنينة النسبية التي حسها بعد قضاء أسبوع كامل بالكهف واعتياده علي المكان ،
إذ قال لنفسه ، سأقوم باستكشاف المكان والا أصبحت فيلاً آدمياً ، دعني أمشي هنا وهنالك ، لماذا لا أبحث عن العين المائية ، ربما رفهت عن نفسي بدهشة الاكتشاف ولم لا ،
لبس نعله الواقي الثقيل ، الكولمان ومضي تاركاً الشمس خلف ظهره ، نحو مغرب الشمس لأنه اذا فشل في الوصول الي العين غرباًَ ، اتجه شرقاً ثم بقية اتجاهات الدنيا الكثيرة ، فلديه من الزمن ما يكفي للدوران حول الجبل كله ألف مرة ، لديه من الزمن مايكفي لأكل ذئب كبير عجوز قذر ،
كان يحاول أن يضع علامه علي طريقه يهتدي بها عند العودة ،
علي الأشجار ، كان يكثر فرعاً كبيراً ، أو يربط منديلاً أو يلاحظ تميز صخرة ، الي آحر ما صنعه من لغة ترشده سبيل العودة ، كان يرسم المكان في ذاكرته :
ينحت علاماته في ذاكرة المكان ،
الحيوانات التي تلتقيه في الطريق هي الأرانب ، فئران الجبل الكبيرة الحجم ، الصبرات ، السناجب ، الثعالب : هي لا تمثل له مخافات فعلية ،
بل أنه حاول أن يصطاد أرنباً كبيراً أبيض الفراء ، فشل في ذلك ،
في الحق كان هو المخافة ، فزاعة الأرانب والفئران المسكينة ، هل لأن رائحة الذئب تفوح من جلده ، هل لأن روح الذئب ، هل لأنه ،
تأكد أنه يمشي نحو العين ، عندما شاهد أمامه علي بعد ميل واحة تجمع أشجار ذات خضرة متميزة وقامات قال أعلي مما يجاورها ، وكلما أقترب من المكان وافته الريح ببرودة الماء ورائحته ، عطن أوراق وفريعات الأشجار المتعفنه بفعل ماء المد ،
يشق الأعشاب الكثيفة الخضراء قافزاً هنا وهنالك متخطياً عشبة شوكية وقنفذاً صغيراً أو نتوءآت صخرية ، فإذا به يجد نفسه في مواجهة عين ماء ساحرة ولكنه لم يقترب كثيراً من موضع الماء لأنه يعرف أن التماسيح التي تعيش في هذه الأنحاء غالباً ما تكون شرسة وشرهة وذات شهية منقطعة النظير للحوم البشر ، جلس تحت شجرة وارفة لا يدري ما فصيلتها أو اسمها ولكنه ، شاهد منها كثيراً في هذه الأنحاء ، لها ثمار زرقاء صغيرة مرمية تحتها كثيرة ، بعضها يابس منكمش علي ذاته كحبات النبق وبعضها ما يزال رطباً ، أخذ واحدة وتذوقها ، كانت حامضة ، حامضة جداً ، رماها بعيداً في عشب المحريب ، البحيرة هادئة ، سطحها منبسط مصقول كالمرآة ، عندما تهب عليه نسيمات هادئات يتموج في بطء وانتظام مكوناً أمواجاً طفيفة لا تكاد تلاحظ ، كتموجات خصلة حورية مسدلة علي ظهرها ، كان يترقب بين لحظة وأخري أن تطل أنف تمساح مهشمة صقل السطح أو يخرج تمساح بكامله من الماء زاحفاً نحو رمال الشاطئ ،الرمال البيضاء الشهية ، التي لها لمعان حلو وهي تعكس ضوء الشمس المنسرق اليها عبر أغصان وأوراق الاشجار العالية الخضراء ، كانت تفصله عن البحيرة عدة شجيرات ظليلة كثيفة الأوراق وهي لا تمنعه من مراقبة البحيرة ولكنها تحميه من أن ينتبه لوجوده من جهة البحيرة ، إذ بامكان التماسيح الخروج ما شاءت والرقاد واللعب علي الشاطئ الرملي أيضاً دون أن يزعجها وجوده ، كان يعرف أن التماسيح تفضل الشواطئ الرملية لأنها ستضع بيضها فيها وتظل تراقبه وتحميه الي أن يفقس ،ولو أن هذا الفصل ليس بفصل التبييض ، إلا أنها ، تخرج للبحث عن فريسة ما علي الشاطئ ، يظن أنه لو دقق النظر علي سطح الماء سيتمكن من رؤية أنف التمساح ،، كان يعلم ، كباحث في الحياة البرية أن الوقت الذي يقضيه التمساح خارج الماء أكثر بكثير من الزمن الذي يقضيه بداخل الماء اذاً كان مترقباً يقظاً لكل بادرة تشير علي أن هناك : فك مفترس ،
عندما أطل وجهها ، بين شجيرات الشاطئ الخيمية وأعشاب المحريب العطري ، وسط مهرجات الفراشات والعصافير والتي أخذت تهرب في كل صوب وجه ، عبر خشخشة أوراق الأشجار المتساقطة علي الأرض ، عبر خياله المشحون يترقب ظهور تمساح بين حين وآخر ، عبر عصارة الذئب تسري في شريانه في صمت خبث ،
أطل وجهها ،
ووجهها الأبيض المسقي بورديه خفيفة هي سريان دم الشمس عبر شعيراتها الدموية الرقيقة ، ثم ، اندفعت كلها خارجة من بين الأشجار ، كأنها جنة حقيقية : مثلما في خياله منذ الطفولة الأولي وقصص كامل كيلاني وأحاجي جدته عن الجنة التي تسكن شاطئ النهر ،اذا هي جنة بكل ما يشاء لها من توصيف وتخيل ، كأن شعرها الأشقر مسدل علي كتفيها وظهرها هابط الي مادون عجزتها قليلاً ، فارعة القوام بجسد مهر جسد نزق مشاغب ، صدرها عاري ونهداها منتصبان مكتنزان منفعلان كأنهما نسرين يهمان بالطيران ولكن تمسك بهما شباك الصياد ، فلا هما يستسلمان ولا هما ينفكان ، كانت تلبس رداء من القصب الناعم يبدأ من وسطها وينتهي مادون الركبة ليفسح المجال لصراخ الفخذين الجنينين الثائرين ،
بالتأكيد هو رجل شجاع ،
ولكنه كان في طريقه للانسحاب من تحت الشجرة وحمل خطاه في خفة والهروب بعيداً لولا أن ظهرت خلفها ، من بين الأشجار الفتاة المترجمة ،
فلوباندو ،
كانتا جميلتين ورشيقتين ، يحطن خصورهن بفساتين من القصب ، رآها ذات مرة تلبسها فرقة شعبية في مسرح المدينة ، الآن لا يحتاج الأمر عنده ولو للقليل من إعمال الفكر والتحرر ، يا ، انها أخت الأبيض المتوحش ، مخلفات مستر ومسس جين ، يا لهذا الجمال الضائع في الأحراش ، في صدأ الرطوبة النتنة والتخلف وردة العفن ،
ولولا أن خذلته مخيلته لضعف تعاني منه لقال شعراً ، أو شيئاً قريباً من الشعر ، خلعتا أقصابهما وقلائدهما ، أضحتا عاريتين ، كتمثالين من البرونز والعاج ، والحق أنه لأول مرة في حياته يري امرأة بالغة وهي عارية تماماً ، ولأول مرة تصعقه قشعريرة كهرباء ، الجسد الأنثوي ويحس بفوضوية تامة بألوهية الموسيقي المنبعثة في تفاصيل التفاصيل والتي يفرض عليها الجسد :
ربوبيته وشيطانيته ، أيضاً ،
الجسد ،
نشيد انشاد الأنسان ،
والجسد ،
قرآن الروح ،
هكذا كان يعرفه صديقه الصادق الكدراوي ، العارف بالمرأة ، كان يستحلي التعبير لصوفيته ولكنه لم يفهمه سوي في هذا : الآن بالذات ، ذات لحظة الصقع ،
ذات لحظة الانشاد لبعظيم ،
الموسيقي تهب كالعاصفة ، مثل درويش ثمل يدور به خمر الايقاع ، فيصبح دوارة ،
لا تستريح ،
موسيقي ،
موسيقي ،
لا تستريح ،
الجوقة عباقرة ، الحانهم عطر ، أوتارهم سبائب الجنيات وعصب عشاقهن ،
تتسرب الموسيقي عبر مسام جسده متحولة الي راح : لا يسكر ولكنه يذهب بالعقل ، كانت لغة الجسد معقدة عصية وموسيقاها : صقع ،
أمرأتان عاريتان ،
أمرأتان عاريتان ،
سيحاول أن يؤكد لنفسه حقيقة الرؤية ، الفتاة المترجمة أخت الأبيض المتوحش ،
تلك هي بطونهم ،
تلك هي أفخاذهن ،
تلك هي أردافهن ،
تلك هي الجذر السوداء ،
شعورهن السرية أمرأتان ،
حقيقتان ،
عاريتان علي شطء البحيرة ،
كانتا تضحكان وهما تتحدثان باهتمام بالغ ، علي الرمال الشهية البيضاء ، رقدت الفتاة المترجمة علي ظهرها موسدة رأسها قطعة خشب صغيرة ، كان جسدها يشع عظمة وموسيقي ، جلست الفتاة البيضاء ذات الخصلة الساحرة ، تفحصت عانة صديقتها جيداً وهي تترنم بلحن ، ساعدت رطوبة البحيرة في نقله الي مسمعه بصورة حسنة ، كان لحناً رائعاً ، وعندما فرغت اضجعت هي أيضاً علي ظهرها ، علي الرمل الأبيض الشهي وأخذت الفتاة المترجمة تعمل في عانتها ،
كان يراقب الأمر بعينين جاحظتين وأذنين مفتوحتين وصمت موقوت ، صرخ في
ذاته ،
أنت موعود يا سلطان تيه بليالي حمراء : موعود بأجساد بكر ،
ياحبذا اذا كان معي الصادق الكدراوي ،
لكنا في هذه اللحظة ملتصقين بهما كقرادات البقر ،
مر ليس ببعيد عنه ثعبان ضخم ، انزلق نحو البحيرة ، سحليتان تتخصبان قرب رجله ،
قرد صغير تسلق الشجرة التي يجلس هو تحتها الآن ، ولكنه لا يلاحظ شيئاً ، ثم ، قفزتا في لحظة واحدة ، بحركة رياضية ومن علي ساق مهوقني مرمري علي الشاطئ قفزتا في الماء ، وتطاير الماء في الهواء وكأنه ذعر متفاجئاً بهما ، وهكذا تحول سطح البحيرة من هدوء وسكون الي أمواج دائرية كبيرة ، رشاش ماء ، ضجيج ضرب أكف وأقدام ، الفتاتان الجنيتان ، كانتا أمهر مما رأي من سباحين مثل دلفينين مسحورين : تلعبان في الماء بكره ويبدو أنها ثمرة لشجرة ما ،
ثم غطستا في الماء معاً ،
ثم خرجتا معاً ، ثم غطستا ثم خرجتا ،
جلستا علي رمل الشاطئ تستجمعان أنفاسهما قبل أن تشرعان في غناء بهيج ، قبل أن تلتقطان بعض العصي الناشفة من تحت الأشجار ، ترصانهما علي عودين كبيرين تمكنتا بعد جهد من جرهما الي الماء ، مبقيتان نهايتهما علي الرمال ، ثم ، أخذت الفتاة المترجمة أثنين من العصي ، أخذت تطرق بهما علي بقية العصي المرصوصة علي العودين الكبيرين المنطرحين علي الرمل والماء ،
في هذا الحين فقط أحس بخطورة المسألة حين سماعه لهذا الايقاع المجنون وقبل أن يفيق اذا بالفتاة البيضاء ترقص ،
في البدء كانت تتحرك في هدوء ، تثني وسطها مع الابقاء علي الرجلين ثابتتين ، علي الرمال والإحتفاظ بالصدر ساكناً ، في الحق بهذه الرقصة البسيطة المعقدة ، أثارت فيه غرائزا أقل ما يمكن أن توصف به : أنها ،
غرائز جنسية ،
والدليل العملي علي ذلك ، إنتعاظ مفعاله بلذة مصحوبة بحرقان طفيف ، وقبل أن يفيق انتقلت الراقصة البيضاء الي مرحلة أخري ، مرحلة أكثر عمقاً ومأساة ، حينما أخذت عنقها ناحية اليسار قليلاً ، اندلق شعرها الأشقر علي نهدها الأيسر ذو الحلمة الكبيرة الصفراء في ذات اللحظة التي أرتعشت فيها قدمها اليمني في انفعال ، وهي ترتكز علي مقدمة أناملها محركة الجانب الأعلي من فخذها مع حركة ايقاعية للصدر كله ، استمرت علي هذا الحال ثوان معدودات ، أو خيل اليه ذلك ،
ثم ، عادت ، حركت الوسط فقط فقط ثم ، خلطت بين الحركتين الوسط / الفخذ / الصدر ، وعلي حين غرة غيرت الفتاة المترجمة الايقاع : أسرع / أخف / أرقص / أمتع / أصوف ،
يا إلهي ،
يا مالك الملك ،
كان يمسك بيديه درويشان ، يدوران به في مدار حلزوني عكس اتجاه دوران الأرض والقمر والشمس ، عكس انطلاق المجرة كلها في فلكها الغير متناهي ،
كانت جلابيبهم المتسعة الرقيعة الصفراء الحمراء البيضاء السوداء الخضراء ، تزأر وهي تعض الريح هنا وهناك ، ومن السماء مباشرة حيث يصعد نشيد الدرويشين : تسقط أناشيد ، هي : عصارة أنوثة كل بنيات الدنيا ، السابقات / الحاضرات / الآتيات بمشيئة ،
الله ،
يدور الجسد الشهي المنقوط من السماء ،
لماذا ،
لم يكن يدر ، من قبل ، أن هذا الجسد لم يخلق الا : للرقص ،
كيف طوعت هذه الوحشية البيضاء كل مادة الحياة : حركة ،
رقصة البحيرة 5
الصفراء، في ذات اللحظة التي ارتعشت فيها قدمها اليمني في إنفعال ،وهي ترتكز علي مقدمة أناملها محركة الجانب الأعلى من فخذها مع حركة أيقاعية للصدر كله، استمرت علي هذا الحال ثوان معدودات ، أو خيل إليه كذلك ،
ثم ،عادت ،حركت الوسط فقط ثم ،خلطت بين الحركتين الوسط /الفخذ /الصدر ، وعلي حين غرة غيرت الفتاة المترجمة الإيقاع : أسرع /أخف/ أرقص /أمتع/أصوف
يا إلهي،
يا مالك الملك ،
كان يمسك بيديه درويشان ، يدوران به في مدار حلزوني عكس اتجاه دوران الأرض والقمر والشمس ،عكس انطلاق المجرة كلها في فلكها الغير متناهي ،
كانت جلابيبهم المتسعة الرقيعة الصفراء الحمراء البيضاء السوداء الخضراء، تزأر وهي تعض الريح هنا وهناك ، ومن السماء مباشرة حيث يصعد نشيد الدرويشين : تسقط أناشيد ،هي :عصارة أنوثة كل بنيات الدنيا ، السابقات/ الحاضرات /الآتيات بمشيئة ،
الله،
يدور الجسد الشهي المنقوط من السماء ،
لماذا ،
لم يكن يدر، من قبل، أن هذا الجسد لم يخلق إلا: للرقص ،
كيف طوعت هذه الوحشية البيضاء كل مادة الحياة : حركة ،
كل عضلة فيها تؤدي استعراضا انسانيا راقصا، بعمق متفرد ، وكل عضلة فيها كانت تنشئ فهمًا بهيميًا ينفي ذاته ويتعالى علي كل: شيء ،
الرويد ح ، البحيرة ، الشبق ، الديمومة ، ينفي نفسه المتعالى عليها ،
كل عضلة مهرجان وثورة /عشرات النساء يؤدين أوبرا : الأبدية ،
ور به الدرويشان ، يمزقان نياط مدينته يسحرانه : عينا واذناً ،
كيف طوعت هذه الوحشية الروح في تموجات عضلات جسدها ،عبر إيقاع البنت المترجمة المسحور ، كيف استنطقت عصارة السر من علياء البنيان ،
لا، لا،
لماذا لم يعرف، أن روح الجامد الساكن المقاد هي ثورة الجسد ،
لماذا لا يؤمن ،
يدور به الدرويشان ،
لماذا لا تؤمن ،
ترقص ،
ترقص ،
ترقص ،
يدور به الدرويشان , تذوب الروح ،
ترقص ،
ترقص ،
ترقص ،
تذوب الروح وتصبح / الجسد ،
ترقص ، ترقص ، ترقص ، ترقص ،
ثم غاب عن الوعي ، أنامه ملكان ، أيقظه ملكان ،نظر به نحو البحيرة الساكنة شيطان الحاضر : الآن ،
وآ أسفاه ،
أين ذهبتا ، كم سنة نمت ،
***
بالكهف عاده الاحساس بالضياع بالوحدة بالخوف ، بالحزن ،
مكسـيما،
تملـيخـا،
مرطـونس،
نينوس ، ساريولس،
فليستطيونس،
قمطير ، حمران، أو ريان،
ماذا لو كانوا قربي الآن ، نائمون هنا ، ماذا لو أتت الفتاة البيضاء ،رقصت علي إيقاع شخيرهم المنغم بشهيق قمطير وهلوسة فليستطيونس وهو يرى في المنام أن ذئباً يتحرش باغنامه ،
هل كانوا سينقلبون قليلاً جهة اليسار، إذا هي أحنت رأسها قليلاً جهة الشرق اندفقت خصلاتها الشقراء علي نهدها ،وهل ، إذا انتهرت عضلة واحدة بردفها وأرقصتها بايقاع خفيف مموسق ،بزفير ثمليخا ذلك الحاطب التعب المرهق الذي استراح أو شاء له أن : ، أكل لحم الذئب المشوي شواءاً رديئاً، علي عجل وشرب قليلاً من جعة الأنناس قبل أن يأخذ كاميرته وملحقاتها ويغلق الكهف بغصن من الشوك كبير ويتجه بخطي عجلة نحو البحيرة ، سأقوم بتصويرهما هذه المرة ويجب علي الصادق أن يري مثل هذا الرقص الذي لا يشبه الرقص ،
في دخيلة نفسه ،كان يعرف أن الصادق سيهتم أيضا بسوق الفتاتين العاريات سيهتم بسوقهن سيهتم بالرقص ، سيهتم بسوقهن ،
كمن في مخبئه الذي قرب البحيرة، نصب كاميرا كوداك صوب موقع أداء الرقصة السابقة ، مرن نفسه بتصوير البحيرة إنحناءآت الأغصان بتاثير ريح خفيفة ناعمة، تهب من جهة الجنوب الغربي صور سرباً من أطيار ذات أرياش جميلة، وألوان زاهية كانت تحلق علي سطح البحيرة الممتد أميالأ في أفق ينتهي بأشجار عالية بعيدة ، ثم قرر أن يحتفظ بطاقة بطاريته الجافة لتسجيل رقص البنتين ،لربما سترقص اليوم الفتاة المترجمة ، ستحضران حالأ بين لحظة وأخري لقد حضرتا بالأمس في نفس هذا الوقت ذات البحيرة ،
ستحضران حالاً ، سترقصان حالاً ، بذات النشاط ،
كان يتلهي بالأشياء حوله وهو ينتظرهما ، ولكن الزمن سيمضي ممثلاً في عقارب ساعته واستدارات الشمس نحو الغرب وهو لا يحس بذلك أو كان يخدع نفسه ويسقطها في فخاخ إستراتيجية عميقة وبتكتيك عسكري كان يصدر لهما الأوامر :
ستحضران حالاً ،
حان حضورهما واستسلم ، لارهاب العاطفة وتخدير المخ، الموقع بالأمل في الحضور الفوري ، والرقص الفوري ، العري الفوري ،العُري العظيم المقدس ،
كان كمدمن في انتظار جرعة مخدر ، تأخرت ، كحبلي علي فراش الولادة ، في انتظار الطلق ، كان:كلا يدري ،
في تلك اللحظات تكثفت حاجات العمر كله في أمل واحد لا غير ، وضاق الكون بما فيه وانكمش، متمثلاً في عضلة تنتفض علي إيقاع بنت ، عضلة في ردف جنية، غناء الأطيار ، ألحان المغنين كلهم ، موسيقي الطبيعة، نغمة من فيه صبية البحيرة ،
لحظة هي : المدد عند الصوفي ،
وشاءت ألا تكون ،
وعندما وعي غروب الشمس نتيجة لإحتجاب الرؤية ، أصدر أمرًا ميدانياً حازماً لنفسه : سيطلع القمر وسيحضرن حالأ ،
نعم فليعلو القمر قبة السماء بعض الشيء ،نعم لا بأس ، فليصعد قليلاً ،
يومياً ، كان يشهد شروق الشمس علي شط البحيرة ، يشهد غروبها علي الشط الآخر، وينتظر بتلهف ميئوس مدمي طلوع القمر ثم ، يعود لأهل الكهف يشاركهم الغياب ،
الليلة قمراء ،
مضاء الدغل كله ، مظلم الأمل في غرف ذاته : مشتى الحزن ، القمر يضيء كل شيء إلا الحزن ، أنه يزفته ويطينه ،
يستطيع من امام كهفه أن يري بنايات القرية ، النار المضرمة بالكهف تستعر معها فراغات الكهف : وحدته ،
كان يستمع إلي راديو فرنسا الدولي، في الحق لم يكن منتبهاً لما يذيعه الراديو ، أيضا لم يكن منتبهاً لما يدور خارج الكهف، لأنه إذا كان منتبهاً لسمع صوت البنت المترجمة تنادي ،YOU MAN , YOU MAN
حركت الشوك المنسد به باب الكهف ، حينها صاح مذعورًا ،
من هناك ، من هناك ، إنس أم جان ،
وهب واقفاً علي ،رجليه وبيد مرتجفة أمسك فأساً قريبة منه ، قالت الفتاة المترجمة وهي تزيح الغصن الشوكي تماماً عن الباب،
أنا فلوباندو الفتاة المترجمة ، ناديتك من الخارج ولم تسمع ،
كانت تتحدث بهدوء وطلاقة ولغة إنجليزية راقية وأعصاب باردة كأنف كلب ، فبادرها ،
هل أنت وحدك ،
نعم وحدي ،
في الحق لا يدري لم سألها هذا السؤال ، ولكن للسؤال جذور متأصلة في عمق مأساته ،من تظن كان يجب أن يكون في صحبتها ، أم أنك تريدها وحدها ، جلست علي أرض الكهف ، بأدب، ضامة فخذيها، متخذة من ساقها اليسري مسنداً، قدم لها سريره الجوال كي تجلس عليه ،لكنها رفضته قائلة إنها تفضل الأرض لأنها تعودت علي ذلك ثم أضافت ، الأرض لا تؤذي أحدًا ،
إنها أمنا ،أمنا جميعاً ،وهكذا أيضا كان يؤمن مستر جين ،و مسس جين ،
نعم عرفته إنه البدائي،نعم ، كنت تقيمين معهما في المنزل أليس كذلك ،
نعم ، ليس بالصعب أن تتنبه إلي ذلك ،
نعم ،
في الحق هي تحب الثرثرة عندما يكون المثرثر فيه آل جين ، وهوأيضا يحب أن يعرف عنها الكثير ولكنه يحب أن يبدأ الكلام بالمقلوب : ليس بالأباء ولكن بالنسل ، الحفيدة وهل البنت البيضاء هي إبنتهما ،
سنيلا،
أين رأيتها، إنها سنيلا ،
صمت ، حسبما خيل له، لوقت قصير جدًا ،ولكنه ،في الحق: صمت لوقت طويل جداً، شرد فيه بكليته الواعية، إلي حركة مفصل الركبة المتزامن مع إهتزازة طفيفة للنهدين وحنية الراس جهة اليسار ،
سنيلا ، سنيلا ،
أنت تهذي ، هل تعاني من مرض ما
لا شيء علي الأطلاق ،
لماذا لا تجلسين علي السرير ، بالأرض هوام ،
الأرض لا تؤذي ، الأرض لا تؤذي ،
كانت تحدثه عن مسس ومستر جين البدائيان بشهية غنائية وبرؤية بسيطة صادقة ببصيرة كلب / طفل ،
في البدء كانا ملكين هبطا في غفلة عن العادي الي الأرض ، جاءا من حيث لا يدري أحد ،كنا أطفالُ تقتلنا الدهشة ونحن نري لونهما الأبيض ، لبسهما والوانه الزاهية والتي كانت تفعل فينا فعل السحر عيونهما الخضراء ، تشبه عشب الخريف ، عربتهما كل شيء ، كل شيء ، ولكن ،ما كان يثير القرية ويفتح شهية الكواكيرو شخصياً هو : الأمل المتمثل فيما يمكن أن يحدثه هذين الشخصين من تتطور ،
لابد،إنهما سينشئان بيتاً للتعليم،
لابد،إنهما سينشئان بيتاً للعلاج،
لا بد ،إنهما سيعلمان الدغلين طرقًا جديدة لكسب العيش والحياة الأفضل ،
لا بد،إنهما سيصبحان رسولين للحضارة والتقدم الذين تنعم بهما بلدهم ،
هكذا فعل البيض في الشرق ، هؤلاء البرص أصحاب العيون الخضراء يفعلون المستحيل ، إنهم سحرة لا يبارون ، ولكن يعلم أهل القرية أيضا أن الأبيضين ، يبدآن ببناء بيتاً لعبادة الرب المثلث ثم، جند لحماية البيت أو: يتاجران بالرقيق ،
في ذلك الحين سنحرقهما ،
الدغليون لا يعرفون أحداً يتوجهون اليه بأدعيتهم ويطلبونه ساعة المخافة ويحمونه في سريرتهم غير :برم بجيل،
اسمي سلطان تيه ،
فلوباندو ، فلوباندو،
أين سنيلا الأن، إنها في القريه الأن ، اليوم ليلة الأحتفال ب وز ،كما تعلم هو الحارس لجد القبيلة ، وهذا ما جئت لاجله،
من أجل سنيلا
لا من أجل ليلة وز ،
آه ،نعم،
اختلط علي الأمر، إذاً، هل سأذهب معك لمشاهدة الأحتفال،
للأسف، لا ،
لا يحضر الأحتفال الغرباء والأ اصيبوا بالعمي لأن وز سيري ،والا أصيبوا بالخرس لأن وز سيتحدث ، أما أنت بالذات، ردودا داما، ملعون ما لم تذئب ، ما لم تأكل كل لحم الحارس ،ما لم تتخذ فرائه لك فراشًا دائماً ، ما لم يسكن روحك ، ما لم تكنه،تكنه،تكنه،تكنه،
إذا ماذا تودين القول لي،
يجب عليك أن تنام هذه الليلة خارج الكهف، طالما كان القمر يمشي في السماء سيظل الجد وز يري دغله، مكشوفاً ، وسوف يراك لأن عينه القمر ،
حاول أن يتلقي الخبر بشكل جاد والا يسخر منه لأن السخرية ، تغضب فلوباندو وغضب فلوباندو يعني غضب السلف الحارس وز ،هذا يعني غضب القبيلة ،هذا يقود الي عدم رضاء الحراب والفئوس عنه ، وقبل أن تنهض جامعة جسدها من علي الأرض سألته
هل تريد شيئا، قال بصورة جادة و بصدق ،
نعم، فقط لو ترقصين قليلاً،
بعض من الرقصة التي أدتها سنيلا علي شاطيء البحيرة الأسبوع الماضي ولا شيء أكثر ،
عرفنا ذلك في وقت مبكر من صبيحة اليوم الرابع عشر ،
قالت له فلو باندو ، تتكيء بظهرها علي جزع دليبة، عملاقة بعيداً عن الكهف ،
أخبرنا بشأنها المحاربون الذين كتموا الأمر كما يجب عليهم أن يفعلوا عندما يكون الأمر مهمًا وخطيراً ، لأسبوعين كاملين كانوا يرقبون سلوك الغرباء ، أصحاب الحمار الكبير ، البرص ، وعندما جاء البناؤون وأخذوا في تشيد البيت الكبير كان المحاربون أيضا هناك خلف الأشجار في جحار الذئاب والحلاليف وعلي قمم الدليب والتبلدي الحبب يراقبون في صمت وينقلون ملحوظاتهم في إشارات صغيرة الي بعضهم البعض ، اجتمع مجلس المحاربين مرارًا وتكرارًا متباحثاً في شأن الغرباء ، هل نجبرهم علي مغادرة الأرض ، هل نسمح لهم بالبقاء ، هل نقتلهم ، هل نسجنهم بالكهف ، الي أن نستبين مقصدهم ، ولكن الكواكيرو ومعظم نوابه يرون أن قدوم الأبرص الي أرضهم لا يعني دائما : الصيد ، الكنائس ، الرقيق ، الحروب ، ربما يعني حياة جديدة متحضرة كالتي في الشرق ، أليست من صنع الأبرص ، المصانع المواصلات الحديثة ، المزارع الكبيرة الآلة الحربية ، الطعام الشراب اللباس أليس كل ذلك من صنع الرجل الأبيض في الشرق، ، مضي عهد الأستعمار ولا عوده ومضي قبله الأتجار بالرقيق ولا عودة ، مضت عهود مشابهة كالعهدين عهود كثيرة متباينة ، نعم ، ورثنا من تلك العهود الحزر والخوف ، ولكن ما يميزنا نحن في قبيلة
لا لا ،ولو أننا لانزال في وحل التخلف /الفقر /العوز ، إلا أننا نسعي بكل جد أن نصبح قبيلة ذات شأن ولو مقارنة مع قبائل الدغل الأوسط والشمالي ، ولن نكون كذلك إلا عن طريق العلم والمعرفة ، وبدأ ذلك واضحًا عندما ابتعثت القبيلة عشر من ابنائها للشرق لإكتساب المهارات العلمية/ الحديثة ، وانفقت عليهم من ذهبها الكثير ، ولكن هل عاد الأبناء ، هل تخلت القبيلة عن مشروعها الحضري ، ولكن هذه هي فرصة أخري ، قدم الأبرصين ، الي ديارنا ،أتصبح ضربة الحظ التاريخية ،بعد مداولات كثيرة ،قرر مجلس الكواكيرو إمهال الأبرصين زمنًا قبل الحكم عليهم ، قمران كاملان ، وعلق بندو مندو أحد المحاربين وصاحب كلمة مقدرة ، علينا أن نتفاءل ، وإذا كانوا غير ما نشاء، كانوا قتلة: قتلناهم ،
في اليوم الرابع عشر عند الفجر أعلمنا بوجود أبرصين بشرق أرض، لالا، بين خور السلاحف ووادي الأنناس ، وانطلقنا نحوهما ، أطفال ونساء وبعض المحاربين الذين ربما كانوا ينشدون الفتيات وهن ينشدن فتيانهم ، كنت في السابعة من عمري وتبقي لي من سن الحماية عامان ، لذا كان ما يشغلني هو : الأبرصان ولا شيء آخر ، ولا يشغلني الشبان ،
ظللت اجري بكل ما لدي من قوة ، أقفز فوق الأعشاب الشوكيه الصغيره ، اعثر بالحجارة وجذوع الأشجار ، وكان علي أن اري الأبرصين قبل أن يختفيا فجأه : يطيران في السماء أو يغطسان في الأرض ، كان علي أن اراهما قبل رفاقي جميعهم لأشير اليهم أنظروا ،
عندما اشرفنا علي خور السلاحف سمعنا نباح آلتهم ، فزعنا في باديء الأمر وتجافلنا كسرب الغزلان الذي فوجيء بالنمر ، تجافلنا في كل صوب وجهة ، وايضا بعد ما يتجمع السرب بعد مخافة ، تجمعنا ضحكنا علي بعضنا ، تشجعنا ببعضنا ومضينا نحو البرص ، سأكون صريحاً وواضحاً مع فلوباندو ، قال لنفسه أيضاً ، أقول لها أنا أحب سنيلا البرصاء ، وعندما استمعت لمقاله ، لم تندهش ولم يبدو علي وجهها أي انطباع يستطيع قراءته ، كانت عيناها عاديتان وباردتين وعندما تفوهت قالت ،
كل الناس يشفقون عليها مثلك ،
قال في انفعال ظاهر ،
لا ، ليس شفقة ولكني اُحبها ،
وصرخ هاتفاً،
I LOVE HER
قالت ببرود وهدوء ،
نعم كلنا نحبها ،جميع القرية وليس لها ذنب أن تصبح برصاء ،
عرف بينه وبين نفسه أن الأشكالية هي إشكالية لغة وتواصل ، وربما تعني كلمة حب عند فلوباندو الشفقة، لا أكثر ، هي ذات الأشكالية التي واجهت آل جين، في الماضي عندما شاءت مسس جين أن تعلم فلوباندو اللغة الأنجليزية وشاءت أن تتعلم لغة لالا ،فكانت كلمة حب ليس لها ما يقابلها في لغة لا لا ،غير كلمتين ، الأولي : ممارسة الجنس: طم ، الثانية : الشـفقة ِأشخ ، فضلت مسس جيني أن تختار المعني الأخير لتقابل به كلمة حب LOVE وكانت كلمة لالا المقابلة هي أشخ ، إذاً ما كان بإمكان سلطان تيه أن يجعل فلوباندو تفهم مقصده إلا إذا قال لها أريد أن أضاجع سنيلا ،
ولكن هل يريد سلطان تيه حقا أن يفعل ذلك ، ولو أن حبه لها ، يقود الي ذلك، ألا يحتاج الأمر لشىء من التكتيك والدبلوماسية ، بائس متشائم ، يغسل علي حجر بالشاطيء ملابسه الداخلية ، وكان محبطاً ، لا يدري كم مضي عليه وهو بالكهف ولا يدري كم تبقي له من سجن ولحم ذئب ، كانت تفوح منه رائحة الذئب ، من جلده ، ومن أنفاسه ، عرقه وصنان إبطيه ، بوله ، توقفت فلوباندو عن زيارته ، لا يدري سبباً لذلك ، كانت تؤنس وحدته بحديثها الذي لا ينقطع عن مستر ومسس جين وعن تأريخ الدغل وحروبه القديمة وأساطيره ، نشأة سكانه ، روابط الدم بينهم ،قبائل الدغل الأخري ، خصوماتها مع مع سكان الدغل الشرقي المتحضر ، عن برم بجيل ،
أهلي كثيراً ما يرسلونني مع المتسوقين الي المدن المجاورة كمترجمة ، سافرت كذلك الي كل دول الجوار علي حمير الوحش لتسويق الذهب أو شراء بعض الأبقار أو جلب البترول لعربة الجيب ،
إذاً هل سافرت فلوباندو في رحلة طويلة الي مكان ما ،
حتماً ستأتي وأن طالت وحدتي ،
هكذا أصدر قرارًا نهائيًا لنفسه بالأمل ، وتخيل مجرد تخيل أنها عادت ومعها الجميلة، جنة روحه، سنيلا ، كأجمل ما تكون ، بشرتها تشع نوراً ، نورًا ازرق، فمها يرتجف في انفعال وهي تقول له: أنا هي سنيلا ، هل تريدني ، إذًا ،أنا بين يديك ، أمرك يا سيدي ،
أريدك ، أريدك أن ترقصي ، هذا اقل ما يمكن فعله من أجلك ، ولكن أين البحيرة ، الرمل ، أين أطيار الكرووو كروووو ،أين عيد مابندوتييرا ،ثم ضحكت وتلاشت، إنها خدعتني ، لاحظ سلطان تيه أن ليس بالبحيرة أسماك ، ماؤها نقية صافية تتغلل بينها خيوط الصابون الرمادية مكونة جزيرة صغيرة من التلوث الكيميائي والذي يبدو غريباً، ليس من إهتماماته الفعلية صحة البيئة ولو أن الدراسة التي يجب أن ينال بواسطتها شهادة الدكتوراه كانت من منظمة السلام الأخضر العالمية، ولكنه باحث أكاديمي ذكي فحسب وليست له إنتباهات لغير آلية العمل الأكاديمي وليست روحه ، وكان يعرف في قرارة نفسه أنه كالكمبيوتر : يعمل بصمت /جدية واتقان ولكن بغير عاطفة ، وكان يستعجب لذلك ، أخذ ينشر ملابسه علي أشواك الأشجار والأحجار التي علي الشاطيء وكانت رائحة الذئب تذكم أنفه , سيبقي اليوم بطوله في الماء ، سيدلك جسده بالرمل والطين والصابون ، ولكن بأنفاسه : رائحة الذئب ، فويل لمن يقتل الذئب .
|