نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-01-2008, 07:26 AM   #[31]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Nasir Yousif مشاهدة المشاركة
هذا جهد راقٍ
جهدٌ خرافي
لا يقوي عليه إلا من له درجةً رفيعةً من الذوق العالي رفيع الإحساس
شكراً لك أخي العزيز فيصل سعد علي هذا الدسم المنقي المُنَقَح
شكراً وكفي إن كانت شكراً تكفي
شكرا حبيبنا ابو رحيق على كلماتك الطيبة ،و التى صارت نادرة حاليا و رغم انه نحن ما محتاجين شكر للنهوض بمنبرنا، الا ان هذا الاطراء يسر و يفرح و يبهج و هو ياتينا من قلبك العامر بالحب و الامل و الصفاء الحميم و دم طيبا و بخير و الشكر لاخونا عكود بنفس القدر.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-01-2008, 07:28 AM   #[32]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عكــود مشاهدة المشاركة
(بس مش عافية حسن)
اقوم ارد عليك تقوم ترفدني بالله دا عدل دا



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-01-2008, 06:02 AM   #[33]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]ارسل: الاربعاء اغسطس 31, 2005
رواية رماد الماء لعبدالعزيز بركة ساكن

ebade[/align]


الي عفاف عباس
الي الصادق حسين
في ذكري الأيام القادمات
أيام الريح
حينما كنا نعد الشباك
لإصطيادنا
واللعب بنا
ونحن أطفال ذو أجساد نحيلة
متعبة كالقطط الضالة

أدين كانت تحمل حزمة من خشب الوقود
أدين تركت الحزمة تقع علي قرعتي

وقالت أدين :
تستطيع أن أردت أن تقول
وقالت أدين :
انني لست أبن رجل
وقالت أدين :
انني أبن الأنناس

ولذلك سأذهب الي بلاد الأنناس ، يا أدين
أدين
أووه
أووه
أدين

عن قصة شعبية من قوم إلجا

السودان بيت التعب
مقولة عن قبيلة الفلاني

فها أنا أجند جميع قبائل الشمال بقيادة (نبوخذ ناصر) عبدي ، واتي بها الي هذه الارض فيحتاحونها و يهلكون جميع سكانها مع سائر الامم المحيطة بها ، واجعلهم مثار دهشة وصفير وخرائب أبدية ، وأبيد من بينهم أهازيج الفرح والطرب وصوت غناء العروس و العريس ، وضجيج الرحي ونور السراج فتصبح هذه الارض فقرا خرابا و تستعبد جميع هذه الامم لملك بابل طوال سبعين سنة ،

الكتاب المقدس
أرمياء 25

السـلم هو جثة الحرب .................................................. ........... 1

لا شئ ، لا شئ
لا شئ غير هياكل الأشجار المحترقة ،
أشجار الحبحب ، المهوقني والمانجو والتك العملاقة ،
لا شئ ، غير ، هياكل من الفحم والرماد ،
أما القشدة والأناناسات ، البابايات وغيرها من الشجيرات الهشة والتي كانت تنمو علي جوانب التلال الخصيبة الممتدة ما بين الدغل الأوسط والشرقي عبر قري :
لا لا،
شاري ،
فترا ،
وكهوف الكا المتفرقة فيما وراء بحيرة التماسيح ، قبيلة الكا المرعبة ، تمتد خلفها سلسلة جبلية وعرة يقولون أنها أم البحيرات تحتضنها منذ أن خلق الله رجلاً أسود جميلا وسيدة سوداء ورمي بهما من السماء في افريقيا: علي قمة شجرة جوغان ، هذه الشجيرات الهشة لا وجود لأشباح هياكلها ، لأن النيران ، التهمتها تماماً ،
تلك النيران التي يطفئها المطر ثم تشعلها قذائف الراجمات وقنابل الأنتينوف البرميلية والشحنات النووية الصغيرة محدودة الأثر، والتي تمت صناعتها لتفعيل الحروب التقليدية التي تحدث في رقعة من الأرض محدودة: عشرة أعوام علي التوالي ، الأرض سوداء: ليس نتيجة خصوبة أو أن الله خلق لها طيناً في بشرة الانسان ، ولكن لأنها محترقة ، أيضاً: تتناثر عليها بين مكان لآخر شظايا المقذوفات المدفعية: الهاون/ الرجمات / الدوشكا / م د ،
فوارغ فوارغ فوارغ ،
جثث الالآت العسكرية الثقيلة ، إطاراتها ، هياكلها ، خوذات العسكر ، البنادق المهشمة ، الألغام الفاسدة والتي هي طفلات غير شرعيات لألغام لئيمة صامدة تنتظر تحت الأرض :
تسبح بحمد الله عسي الله أن يرزقها عثرة ،
هياكل عظمية ، هياكل عظمية يا حبيبتي
هياكل عظمية ،
قطط مشوية ،
قردة مشوية ،
صقور مشوية ،
أرانب مشوية ،
أسد ، كلب ، قط ، ولد ، ولد ، ولد ، نساء مشويات ينمن قرب جنائز الآلة ،
أشجار مشوية ،
أحذية ، وأحذية عليها بقايا أرجل بترتها الألغام،
أحذية تدوس علي أزرار دبابات هالكة ،
أحذية هالكة ، أحذية عسكر ياحبيبتي ،
عسكر ، أموات ،أموات
مقابر جماعية ، هاونات معطوبة ،
جندي محترق نصفه الأعلي ، نصفه الأسفل في الخندق ، سحلية لا رأس لها ، سحليتان ، خوذ حديدية بداخلها روؤس ، حراب ودروع من جلد وحيد القرن ،
نمل شديد السواد منكمش علي نفسه ، و الأرض سوداء ،
ويدل علي وجود القرية الأواني الفخارية والتي دائما ما يحملها البشر البائدون مهمة ان تعلن عنهم في الزمن القادم ، زمن ليس بزمانهم ، ويدل عليها الأطفال المقـليين المشويين المتناثرين بين هنا وهنالك ،تدل عليهم بقايا كهوف
تدل عليها قرب الماء المشوية ،
تدل عليها الأغنام و الأبقار المشوية ،
تدل عليها الدجاجات و التي هي ريش الآن منثور ، يدل عليها طفل علي صدر أمه ، هيكلان يحتضنان تحت هيكل شجرة ويتساقط الرماد منها :
عليهما ،
سلاما،
سلاما،
كلما عبثت بها ريح لم تمت ، وهل تموت الريح ،
ثم ، ثم ، عند منتصف الوادي وعلي بعد مسيرة أيام قليلة من مدينة نيلو الحدودية يوجد حطام لمبني ، شيد من الحجارة والمواد المحلية الأخري ويبدو أنه المبني الوحيد بالوادي شيد بالحجارة ، المبني المهدم ، ولكنه علامة تدل علي أثر إنسان واضح أيضا أنه ، أتخذ في وقت ما حامية مؤقتة للجيش ، فبقايا موتهم تدل عليهم ، تشير لأى حياتهم السابقة ،
خنادق ، فوارغ القذائف ، صفائح الأطعمة الجاهزة بعضها فارغ و بعضها محترق بما فيه ، هياكل عظمية ، خوذات الحديد بها جماجم ناضجة ، بقايا سترات عسكرية ، جسد مشنوق علي شجرة مانجو وهي علي شئ من الخضرة ولو أن اوراقها مشوهة وبليدة تنمو علي أشكال مرعبة: الجثة المشنوقة ،
جسد جاف تماما ، ولم تمسسه حتي الأطيار الجارحة أو الديدان ، لشاب في مقتبل العمر لم تنبت له لحية بعد ولا شوارب ، كان عاريا وعلي عنقه تتدلي تميمة كبيرة بين نابين لنمر أبيض كالبرد شعره مرسل ، أشقر وأيضا وبسهولة يمكن التأكد من أن له عين واحدة فقط ، الأخري مفقوءة وإذا جاز – وهذا مستحيل بالطبع – لأحد أبناء القرية أن يصحو من موته أو يأتي من حيث أدخره الله ورأي هذه الجثة لصاح في ألم قائلا :
أنه بانارودنا ،
أنه دائما أسواء الناس حظاً ،
كانت الريح تدور في المكان تصر صريرا مرعبا وهي تعبث برماد الأشياء لتعمي أعين الموتي الفارغة ، أعين الدبابات المحترقة ، اعينها السرية جدا ، لا أثر للحياة في الأرض لا إنسان ولا حيوان ،
ولكنك ياحبيبي: إذا تطلعت الي السماء بعينيك الحلوتين لرأيت من وقت لآخر اسرابا من النسور الصلعاء تدور في حلقات ، فاردة أجنحتها لتحملها تيارات الهواء حيثما شاءت ، هنالك أيضا اسراب الطيور المهاجرة تعبر المكان متجهة نحو الجنوب أو الشرق ، نحو الغرب ، أنها لاتهبط اطلاقا: أما في الليل ، والليل ياحبيبتي زهرة تعشينها دائما
والليل ياحبيبتي قنديل ، والليل نعاس لذيذ وقبلة ، أما في الليل وبعد أن يختفي آخر شعاع خصه الله بالشمس ، وهو خير الخاصين عندها ياحبيبتي ....، عندها يحيا الموتي يتمطون ، فتطقطق عظامهم الجافة العطشي ميقظة البنادق والالآت الحربية المعطوبة فيرعون الألغام ، ويبنون الحواجز الترابية والاسلاك الشائكة ، يطلقون قذائف الهاون والراجمات في الهواء فيحيلون الليل الساكن الساكت الشاجي ، ليلك الجميل ليل عينيك السنجابيتين ، فيحيلون ليلك جمرة كبيرة مستعرة ، يقتلون بعضهم البعض ، وهو ينشدون ممجدين الظلام والكلاب الضالة ، لاعنين مثقاب الداعرات بمنهاتن وبومباي ومدينة ودمدني وتسني ، حتي اذا بزغ الفجر بلياليه العشر ، عادوا الي موتهم :
ماتوا فيه موتاً أسكت وأسكن من موتهم الأول ،
وفوق الأرض بقليل ، ودون السماء الي أعلي الهضبة توجد البحيرة ، حليقة من العشب والشجيرات التي كانت تحيط بها في زمان ما قبل ،
ماء البحيرة غاية الصفاء ويمكن رؤية قاعها بكل سهولة ويسر ، ولكن الموت الموت ، الموت لمن شرب من مائها لأن شيطان كيميائي ينوم فيها منتشراً بين مسام مائها ،
المطر يهطل بين الحين والحين ليسقي الأرض التي لا ترتوي ، ويغسل الأشجار والآليات والجثث من الرماد والأغبرة العالقة بها ، يداعب الموتي مضيئاً إياهم بالبرق وهي لعبة يسميها الأطفال فيما قبل : غمضت لبدت ،
وتنبت نباتات غريبة لا عهد للوادي بها ، تجري الخويرات بماء أسود ، ثقيل لتصب في النهر البعيد في البلاد المجاورة فتخنق الأسماك ويصاب المواطنون بالأسهال والذي يعالج : بالموت،
يا حبيبتي الموت ، البارد الذي لا دم فيه والذي هو ،
ثمن السلام الدائم ،

مقتل الحارس

الوقت منتصف النهار ، وهو مرهف عطشان وجوعان يمضي الي الأمام ولن يشرب ، ولو قليلاً من الماء ، لأن التجربة علمته أن شرب الماء علي الجوع يصيبه بالتواء في أمعائه ، ، حدث له ذلك عدة مرات ،
الماء موجود في الأمكنة حوله ولو أن المطر قل هطوله في الثلاثة أيام الأخيرة ، برك الماء لم تجف ، الخويرات الصغيرة مازالت تحتضن بعض من الماء ، تجري الخويرات عند هطول المطر اتجاه بحيرة التماسيح وهي بحيرة صغيرة غير موضحة في الأطلس ، لا يعرفها الجغرافيون ولكن الخريطة التفصيلية للمنطقة المقفولة والتي سرقها من دار الوثائق القومية ، تبين البحيرة ، تعطي أدق التفاصيل عنها ، عمقها ، مساحتها ، العدد التقريبي للتماسيح التي تسكنها ، أصلها ، فصلها ، فالتماسيح هي ما يميز هذه البحيرة عن غيرها ، التماسيح الأشرس في القارة كلها آكلة لحوم البشر ، وتسببت هذي التماسيح قبل عشرين عاماً في إبادة قرية بأكملها حينما زحفت في جماعات جائعة نحو القرية تختطف الأطفال والنساء والشباب أيضاً ، تسعة وتسعين تمساحاً ، وكان هذا سبباً ذكرته الحكومة المركزية في الشرق في تعليلها لنقل مائة قرية من الدغل الشمالي والأوسط تخوم المدن الحضرية في الشرق ولو أن الهدف الأساسي من الترحيل بالتأكيد لم تقله الحكومة وتتهم كل من يشير إليه بالتحريض وإثارة الفتن وموالاة الدول المعادية بل الخيانة العظمي ، وكان سبب الترحيل يتمحور حول مسح الدغلين ، تتضيع هويتهم الثقافية والعرقية ودمجهم في ثقافة الأغلبية الحاكمة في الشرق بل ، كما يؤكد بعض الدغليين الذين نالوا ، قدراً من الثقافة : تجنيدهم لحماية ثقافة الشرقيين وتبنيها والدفاع عنها ومحاربة ثقافتهم الخاصة ، بدعوي أنها ثقافة وثنية ، قديمة وبائدة ، وما برم بجيل غير صنم شيده الشيطان علي شط النهر العجوز ، غير أن كثيراً من القبائل قاومت الترحيل وأعتصمت بالدغل والأحراش ،
كان يحمل علي ظهره سريره الجوال وناموسيته وبعض الملابس ، بعض الأطعمة المعلبة والمجففة التي زودته به أمه ، أمه التومة ، كان اسمها قبل التهجير أنجو دورنا ، هجرت وهي صغيرة مع أسرتها من أواسط الدغل الأوسط ، وهي الآن تنكر أصولها ، جدتها كما هو مؤكد لكبار المهجرين من قبيلة : الكا ،
يحمل ضمن أمتعته كاميرا كوداك ، حديثة ، غالية الثمن ، لديها قدرة علي إلتقاط صور الأشياء وتسجيل أصواتها من علي بعد سحيق ، تستطيع العمل في كل الظروف وتحت الماء ، عند العاصفة ، تحت درجة حرارة عالية ، عند درجة رطوبة عالية ، بالليل ، بالنهار ، تعمل وحدها ببرمجة بسيطة سهلة ، وتستطيع أيضاً ، كانت خفيفة الوزن صغيرة الحجم ، و وذا أضيف الي الحمل سلاحه الشخصي وهو مسدس صغير ماركة النجمة ، سيزن الحمل ثلاثون كيلو غراماً فقط أي نصف وزنه هو بالتمام ، حدد هذا الوزن مسبقاً بصورة علمية مدروسة أخذت في الاعتبار المسافة ، نوعية التربة ، وعورة المسالك ، حالة الطقس ، وفوق ذلك كله وزنه الشخصي واعتبارات الضرورة
هو رجل شجاع وثري جدا من أسرة مجزرة في المال ، مجزرة في الترحال والمغامرة ، يكفي أن جده الأكبر ، تيه تيه ، أكله دب في أحراش التبت ، كيف ، لا أحد ، كان يمشي متوغلاً في أحراش الغابة عبر تربتها الصخرية الحمراء علي أشواك السنت ، النخيل المتسلق ، أشواك الأيفوربيا المتوحشة ، حذاؤه الكولمان الجيد سيقيه لدغات الثعابين السامة ، العناكب والقراد أيضا : السحالي ، ذات الحذاء الذي سيخوض به برك الماء الراكدة ، حقول الطين الحمراء ، سيجد نفسه في مواجهة أرض فضاء شاسعة ، ذلك لأول مرة منذ أن أطلق ساقية للمسافة ، عندما تسلق ضفة الخور الترابية العالية ، رأي علي البعد مبني تحيط به أشجار عالية خضراء ، جلس علي حجيرة ، وأخذ يتفحص تفاصيل الخارطة ، فهي تشمل أدق خصائص المكان : علاماته ، قناطير التراب ، ضفة الخور العالية ، وقف عليها قبل قليل ، وجد المبني ، كتب في تفسيره : مستر ومسس جيني ، البدائيان ، عندما أدار صفحة التفسيرات التفصيلية وجد كليمات تشير الي تاريخ تشييد المبني ، مواد بنائه ، بناؤه ، وعن ميول جينس البدائية ، أصلهما أمريكا
إنهما عالمان خطيران في السلاح الحديث ، أختفيا في ظروف غامضة
وهنالك أقاويل غير مؤكدة بل وخيالية عن أحفادهما ولو أن الشروحات بدأت غريبة ومثيرة للأسئلة وروح المغامرة ، الا أنه لم يقف عندها كثيرا فهو شخص عملي ولا هدف له الآن غير استكمال الجزء العملي من رسالة الدكتوراة ، التي سيقدمها بعد شهرين للمجلس العلمي ، بعد ذلك بشهرين ستناقش الرسالة ، اذا قبلت ، سيتحقق حلم عمره ، يصبح محاضراً في الحياة البرية ، كما أنه لا يميل إلي ما يسميه بساخافات الخواجات ، بدائية ، مشاعية ، وجودية وأشياء أخري يجد نفسه مدفوعاً لقراءتها دون لذة بل ويستطيع أن يقول لصديقه الصادق الكدراوي : انني لا أفهم فيها شيئاً ،
عندما أدرك بوابة المبني ، المصنوعة من قنايات البامبو ، أنزل ما بظهره من حمل ، علي كومة من المحاريب ، تمطي ، تفحص المكان بعين سائلة ، الباب القديم ، الغارق في بركة من الوحل ، المكان شائخ ومهجور هجراناً تاما ، صامت كلوحة رديئة : كجثة ، ولا أثر لإنسان ،
تمتم بتعويذتين قصيرتين تفيدان في دخول الأماكن المهجورة المعزولة والتي كثيراً ما يسكنها الجن والشياطين وخلافهم من العفاريت ، تبسمل ، تلي بصوت مسموع أسماء أهل الكهف: مكسيما ، ثمليخا ، مرطونس ، نينوس ، ساريولس ، ذو نواس ، فليستطيونس وهو الراعي والراعي واعي ، ، قمطير أو حمران أو ريان هو كلبهم ، ثم توكل علي الله والله خير من يتوكل عليه ، دفع الباب ، لكن الباب إنهار إنهياراً تاماً ، متكوماً علي بركة من الطين مصدراً هديرامفزعا مما جعله يقفز مبتعداً عن رشاش الماء وشظايا البنيان المهدود ، ولكن لا يستطيع الدخول ، فجثة الباب أصبحت عقبة تمنعه الولوج ، لأن شجرة شوكية عملاقة ، نمت خلف الباب مباشرة مغطية مساحة شاسعة من الأرض ، كانت شبة زاحفة ، لم ير مثلها في حياته من قبل ، المبني يتوسط سياجاً ضخماً من أعمدة التك والمهوقني ، تتعارض عليها عيدان القنا والبامبو مكونة مربعات صغيرة تتشعبط عليها المتسلقات الاستوائية دائمة الخضرة ، ذات أزهار جذابة ، وأوراق كثيفة عريضة تعتم السياج فلا يمكن رؤية ما بالداخل ،
تمشي قليلاً لصق السياج محاولاً تفحص ما بالداخل المحريبات وعشيبات الحسكنيت وما يسميه قوم الدغل الأوسط بالماجا وهي عشبة لها أشواك تنطلق كالسهام نحو الفريسة أو كل شئ يمس الماج ، لكنه رغم هجوم الماج والحسكنيتات وأشواك النخيل المتسلق ، استطاع أن يميز الصخور الحمراء التي بني منها المبني القديم المشحون بأسرار أزمنة تليدة ذات شيخوخة بائلة تحيط به أشجار المانجو والموز وفي فنائه هنا / هناك تري بعض نبتات الأناناس ،
هو لا يعرف شيئاً عن مستر ومسس جين البدائيان ولا يعرف شيئاً عميقاً عن البدائية غير أنها مرحلة تتعلق بأجدادنا القدماء كما تعلم من معلم التاريخ في المرحلة الابتدائية ، غير أنه شئ ليس من اهتماماته ، ولكنه لم يتردد ثانية في الولوج داخل المكان عندما وجد معبراً صغيراً يمكنه من الدخول اذا حمي راسه وظهره وأستخدم كفتيه في الحبو ، وفعل ، هربت بعض الأرانب البيضاء والسحالي من قرب رجليه ، قردان من علي شجرة مانجو يرقبانه بحذر واستغراب ، لم يرهما ، دار حول المبني دورات عدة ، كانت نوافذه الكبيرة مغلقة ولا منفذ للداخل غير أبواب موصدة ، وحسب تقديري يحتوي المبني علي ما بين ثلاث الي أربع حجرات ومطبخ بالاضافة الي قاعة كبيرة في الوسط وحجرات أخري صغيرة متداخلة في ذات المبني الأساسي ، توجد بناية خارجية عرف أنها تمثل مرحاضاً ، جذب باب المرحاض للخارج صر ، صريرا بائسا ، ودون أن يقرأ احدي التعويذات السبع ، التي تفيد في دخول الأماكن المغلقة المهجورة ودون أن ينادي بأسماء أهل الكهف أو يذكر مرطونس ، يا صاحب البقية ، وبين ما هو في شأن أن يقول بسم الله ، اذا به يسمع شيئاً ، وقبل أن يتبين مصدر الصوت ، سمع الفحيح ،
قفز للخلف بحركة رياضية مشهراً بندقيتة الصغيرة ماركة النجمة مصوبا اياها نحو ظلام المرحاض ، لم يسمع شيئاً ، عندما استدار للرحيل ، خرجت ، كانت حية شديدة الضخامة جلدها يتوهج مع شعيعات الشمس المتسربة بين أفرع الأشجار ، كانها خيط سميك من الحرير مسقي بزيت نقي أسود ، طولها يفوق المترين ، ولم ير مثلها في حياته ، كانت جميلة ومرعبة سيطلق النار إذا هي حاولت مهاجمته أو مالت نحوه ، هو لن يبادر ، دارت الحيه السوداء الجميلة المرعبة حوله نفسها دورة واحدة ثم تكومت ، سكنت ، عدا مؤخرة ذيلها والتي أخذت تبصبص كذيل كلب فخور بسيده ، إنسحب من المكان بسرعة معيداً بندقيته إلي جرابها في حزامه الجلدي ، هو رجل شجاع وعقلاني وحينما يكون داخل المدينة ، لا يؤمن بالتعاويذ والتمائم ويسميها شعوذة ودجل وتخلف في الجهة الجنوبية توجد شجرة فيكس إلستكا ، أوراقها غزيرة ، سميكة جميلة ، لايوجد شئ تحت الشجرة ، مرت سحلية صغيرة صفراء منزعجة امامه ، اختبأت تحت أجمة من العشب ، ثعبان صغير يتسلق شجرة قشطة ، قفقفة صقر تأتي الي مسمعه من بعيد ، الساعة تشير الي الثالثة بعد الظهر ، الشمس دافئة نسبة لارتفاع درجة الرطوبة ، نصب سريره الجوال بعيد عن المبني ، ولأن أسراب الباعوض أخذت تحلق في كتلة كبيرة حوله ، نصب أيضاً ناموسيته أشعل النار في كومة من الأعشاب في أرض فضاء قربه حتي لا تحترق الغابة ، قام بقطع بعض الأخشاب والشوك وصنع منهما سياجاً صغيرا حول سريره ، اعتاد أن يفعل ذلك كل ليلة منذ الثالثة أو الرابعة بعد الظهر ، أخرج خرطته وأخذ يدرسها بدقة متناهية وكانه يراها لأول مرة ، تقول الخريطة : ان هذا المكان يبعد عن أقرب قرية حضرية مسيرة 15 يوماً مشياً علي الأقدام دون توقف ، أي حوالي 54 ميلا ، وتوجد بعض القبائل البدائية في مساحة ليست بالبعيدة ولكنها غير محددة بدقة ويمكن الوصول لها بسهولة أكثر من الدول المجاورة ، حيث لا تبعد عنها أكثر من عشرة أميال ويبعد هذا المكان عن بحيرة التماسيح حوالي الخمسين ميلاً عن طرق شائكة وجبلية ، لأن البحيرة تقع بين منخفضين ، ثلاثة جبال تحيط بها من جهة الشرق الجنوب والغرب ، المدخل الوحيد للبحيرة عبر النهر الذي ينبع منها أو عبر مسلك الخويرات الصغيرة التي تصب فيها وهذا هو المسلك الأكثر أمناً ، لأن بنهر البحيرة توجد أيضاً بعض التماسيح الخطيرة ، وكل الأقليم يقع في المنطقة الاستوائية ، دائمة الخضرة ، دائمة الأمطار ، كثيفة الأشجار توجد بها كل ما خلق الله من حيوان : خصيصاً للمناخ الاستوائي وتندر بها الأفيال والأسود وغيرها من الوحوش ذات الأجسام الضخمة والقلة الموجودة منها تعيش في الأماكن التي تقل بها الأشجار أي الأماكن الكاشفة عن الأرض ، بها من الطيور الطنان ، طوقان ، براكيت ، مفو ، الطاؤوس ، بوقير ، الوروار ، عشرات من الأطيار الجميلة والنسور وأطيار لا يعرف لها اسما ولكنه يخاف : البوم ، يعرف ما يحدث غداً ،
يعرف الشر المتربص بالانسان ، البوم ،
لا يصرخ عبثاً البوم يصرخ : ليقول
وبمنطقة الدغل توجد بعض التجمعات البشرية التي قاومت التهجير الحكومي خلال الخمسين سنة الماضية ، ودخلت الحكومة في حروبات عرقية قصيرة حسمتها الأمم المتحدة بأن يهاجر من يريد الهجرة طائعاً ويترك بغابته من شاء طائعاً ، وهددت دولة لها قوة عسكرية ، تستحق احترام الجميع بأنها ستتدخل اذا واصلت الحكومة الشرقية سياسة التهجير بالقوة ، أعلنت الحكومة المركزية في الشرق ما أسمته سياسة المنطقة المقفولة ، من يدخلها غير داعية أو بدون تصريح أو تفويض حكومي يعرض نفسه للسجن أو الجلد أو الثلاثة معاً ، ولكن من دخل هذا الدغل المحرم دخوله يعرف الجميع أن له عقوبة واحدة : أن يختفي للأبد ، أذا قبضت عليه الحكومة المركزية بالشرق ، وكان سلطان تيه يعرف ذلك جيداً ، ولكن سلطان تيه بالذات لا تشك السلطة في عدم ولائه ولو أنه من جذر دغلي بحت الا أنه له أبدا بما يدعي سريا بالقومية الدغلية) أو ما تسميه الحكومة (بالدغليين) وأنه ملكي أكثر من الملك ، لذا حصل علي تصريح موقع من رأس السلطة مباشرة ،
سلطان تيه شاب كثير الترحال ، وكان يقوم برحلاته بصحبة صديقه الصادق الكدراوي ، عبر البلاد الكبيرة شرقاً وغرباً بالقطار ، بالسيارة ، ركبا الحمير و العجلات واحتال عليهما لصوص وواجها النهب المسلح في الجنوب و الغرب ، وكان الصادق الكدراوي وهذا كما يؤكد سلطان تيه نفسه : عيني التي تري ، واذني التي تسمع ، وعقلي الذي يحلل ، ولكن يعترف سلطان تيه أن الصادق الكدراوي هو : دليلي إلي عالم المرأة ، الغامض ،
هو شخص ليس بالإمكان الإستغناء عنه ، تخلف الصادق الكدراوي في هذه الرحلة نتيجة لإصابته بداء التهاب المفاصل المؤلم ، كانا من اسرتين غنيتين ، كانا منعمين وكان الصادق الكدراوي ذو حظوة لدي النساء وطارح نفسه كمشروع للحب و العلاقات البناتية ، مشروع كما يقول الصادق : قومي ،
و ، أقسم بينه وبين نفسه : أن يعاشر من كل قبيلة في البلاد الكبيرة ، امراة ، و أضعف الإيمان قبلة عميقة ، أنها دعوة من أجل توحيد البلاد عاطفيا ، بلاد بها عجز الدين و المنطق والثقافة و العرق : فلنجرب المراة ،
لا يحبان السياسة لا يحبان التحدث في الجنس و القبيلة والعرق ، المال ، الفقر ، الدين ، أنهما مواطنان في البلاد الكبيرة : حسبهما ذلك ،
تضع علي النار مزيدا من الاشواك وأحطاب السنت الخضراء عل دخانها يطرد الباعوض و الحشرات الصغيرة الطائرة ،
توضأ بماء المطر ثم شرع يصلي العصر ، ثم أخرج مسبحته و أخذ يردد بعض أسماء الله الحسني ، اعتاد ان يتلو بعض الأوراد ، التي أخذها عن أبيه و الذي يتبع طريقة صوفية لها طقسها الخاص و العميق ، الآن ومنذ أن بدأ رحلته نحو بحيرة التماسيح إستعاض عن الأوراد بتعاويذ تفيد في تجنب الأرواح الشريرة : في المدينة كان يكفر بها ،
وبعد أن حوط نفسه آمنا شرور الأشرار ، أدار مؤشر الراديو الصغير الي الـ BBC الاذاعة الوحيدة التي يصدق اخبارها ويثق فيما تقوله من خبر ويراسلها ايضا ، مثل كل ليلة قضاها بهذا الدغل كانت الذئاب تحوم حوله وهي تقفقف ، ومسدسه ماركة النجمة دائما معد لإطلاق النار لكنه لم يستخدمه الي الآن ، هو شخص حسن الحظ ، لم يهاجمه الي الآن حيوان مفترس نعم ، يقل بالغاب الجاموس : هي حيوانات عدوانية بطبعها ولكن الذئب ،، ولكن كلب ، السبع ، اللبوءة ،
هل لدعوات أمه الطيبة التومة شأن ، والا ، ما سبب سكون حية المرحاض السوداء والتي كان بامكانها فعل ما تشاء ، حلق عليه وطواطان ، ضحك في ذات نفسه ، كان طفلا في سن المراهقة يصحبه عدد من اصدقاء الطفولة المراهقين يحملون مسحوق لحم الوطواط ، مخلوطاً برماد زيل السحلية وهم يختبئون خاف نباتات العشر ، علي ضفة خور المقابر الكبير حيث يقضي الناس حاجاتهم وكانوا ينتظرون ، نفيسة ، الجميلة بنت الاستاذ القادمة حديثاًَ من المدينة الكبيرة ، ستأتي في صحبة والدتها لقضاء الحاجة ، سيضع الأطفال المراهقون خليط الوطواط والسحلية علي بول نفيسة الجميلة حتي لا تستطيع نفيسة الجميلة النوم ما لم يضاجعها أكثر الصبية حظاً ولسخرية القدر جاءت أخته الرضية وتبولت بمكان لم يره منها هو ، كانت جميلة ، دائما ما يحلم صديقه حماد بمعانقتها ، كان حماد في موقع ليس بالبعيد عنها ، عندما قضت حاجتها وغادرت انزلق حماد من تحت العشرة وصب مسحوق السحلية وصب مسحوق السحلية و الوطواط علي موقع بولها، ثم لما تأكد من أنها أختفت عن الأنظار ، ذهب الي مكمن صديقه ، همس في إذنه ، كانت نفيسة هنالك ، وسكبت مسحوق علي بولها ، هيا ، لنعد ، هل سأكون محظوظا الليلة ، وكان سلطان تيه يعرف نفسه بأنه الأكثر حظا بين اصدقائه ، وسأفوز الليلة أنا بنفيسة ابنة الأستاذ ، عندما التقي صبيحة اليوم الثاني ، بادر سلطان تيه رفاقه في فخر ، جاءتني نفيسة في منتصف الليل بعد أن نام كل من في المنزل ، وصحبتني الي منزلها حيث تنام وحدها بالبرندة ووالديها ينامان (بالعوضة) وأنها وأني وأنها و...و فضحك عليه الأطفال المراهقون ضحكا اثار شكوكه ، ولم يعرف مكيدة حماد الا بعد أعوام كثيرة علي الحادثة يبدو لسلطان تيه خلف ظلال النار بعيدا خلف شجرة صغيرة خيال شخص ، وقبل أن تتأكد الرؤية اختفي الخيال ، هل هي أشباح الليل ، أو لربما دب النعاس في عيني ، ولكن عندما تناهي لمسمعه عواء ذئاب في ناحية اختفاء الشبح أمعن النظر ، فترائي لناظراه ما يشبه ومضة برق خاطفة ، ك ، زناد ، أو ، اشعال عود ثقاب ، لكنه يعرف علي الأقل خمسة أنواع من الحشرات التي تضئ اثناء طيرانها : كلها توجد بالدغل ، عواء الذئب يصبح أكثر افزاعا هل اصطادت فريسة ما ، أم أنها تحوم حول أشخاص/بشر كان بعضهم قربه قبل قليل ،
هو رجل شجاع ، طوال هذه الأيام التي قضاها عابرا الدغل لم يصدف أن قابل أحدا ، غير رجل واحد : قابله قبل يومين ، رجل عاري كالشيطان مشعر طويل القامة ، تصادفا ذات صباح عند خور كثيفة أعشابه ، في طول الانسان و يبدو أن الرجل كان يعد شركا بدائي لإصطياد حيوان صغير ، بينما هو يفعل ، إذا بسلطان تيه يخرج اليه من بين الأعشاب ، فزع الاثنان ، هرب سلطان تيه ناحية ، هرب الرجل ناحية ، تاركا وراءه شركا مصنوعا من صوف ذنب الزراف ، بينما سلطان تيه يهرب بعيدا لم يلاحظ أن امراة جميلة كأنها من قبيلة الكا كانت هي الآخري تعد شركا في موضع ليس بعيد عن شرك الرجل ، وأنها لم تهرب بل كانت تنظر الي سلطان تيه وهو يهرب وعلي ظهره حمله ، في برود تام ودون أدني اكتراث وكأنها تري هذا المشهد للمرة المليون ،
وفقا للخريطة ، لا توجد قرية قريبة من هذا الموقع ، قرية لا لا تقع علي بعد يومين ونصف اليوم في إتجاه الغرب ، من أين أتي الرجل الغريب ، كانت الذئاب تعوي ، أقفل الراديو ولو أن البرنامج كان سيثير أنتباهه في الحالات العادية ، فهو متابع جيد للبرامج العلمية ، دار حول سريره عدة دورات دون سابق تفكير أخذ يردد تعويذة سرية تفيده في تحويط المكان ،تبدأ ، بـ ، ايلاف قريش ، تنتهي ،
أصبحنا بالحديد ،
أمسينا بالحديد ،
ما نفع إلا ربنا الشديد ،
كان شجاعا ، ذكيا ، كان عقلانيا في تفسيره للظواهر الغريبة ، أو ، التي تبدو غريبة والمخافات ،
تتجمع بعض السحابات فتخفي النجوم الكثيرة جدا ، النجوم التي تساوي عدد نجوم المدينة مضروبا في ، بالدغل لكل نبتة ، نجم ، هل خلقت هذه الأنجم من أجل الغابة فقط ، نجمة من أجل كل صفقة ،
لديه خوف فطري من المطر ، لأن المطر : لا يفرق بين الصالح والطالح ،
لأن المطر : يهبط علي الجميع ،
لأن المطر : يعمق غربته ووحدته ،
لأن المطر ثلاث مخافات ،
مخافة من فوق : الماء
مخافة من تحت : السيل
مخافة من حيث لا يحتسب : الصاعقة ،
إذا جاء المطر، سيدخل إلي البيت المهجور : الأفعي ،
وما يمنع البيت من أن يكون مسكونا بالجن ، من يدري ،
خلط بين تعويذتين لا يستحب الخلط بينهما ، أخذ تعويذاته السرية ، حسيس النار ، خلف صمت الراديو الصغير : خليط التعويذتين ، دخل ناموسيته ، أدار الراديو مرة أخري كان شجاعا ،
لا يدري كيف قفزت حادثة وفاة والده الي رأسه بالذات ، حادث السير المشؤوم كانت رأسه ، سحقت تماما علي الأسفلت هو ـ سلطان ـ والسائق نجيا من الموت وكان والده سينجو لولا أن قفز من العربة في اللحظة التي انحرفت فيها سيارة نقل ثقيلة نحو عربته الصغيرة والتي كانت بصدد أن تتخطي عربة النقل ، هو نفسه – سلطان – اذا كان قرب الباب لما تردد لحظة في القفز ، ، كل حمولة الشاحنة مرت علي رأس والده الأشيب ذو الصلعة ، الملانة بالفكاهة والحكاوي الملانة بأسرار الصوفية وكلام الله ، كان أبي رجلاً مرحاً متديناً ،
جاء وحده : ذئب ضخم عجوز ، يدور حول النار علي بعد متيرات قليلة عن مركزها كان يرقبه عبر مسام غزل الناموسية ، يعرف أن الذئب يعجز عن مهاجمته وإختراق سياج الشوك الذي حصر به نفسه ، لكنه متيقناً من مقدرة هذا الذئب العجوز علي القفز فوق سياج الشوك والسقوط عليه مباشرة ، تمزيقه ثم أكله ، كل شئ ممكن الذئب العجوز يحفر بقوائمه الخلفية خنادق صغيرة وهو يقف مستديراً حول النار ، بينما كان يغادر المنزل ليؤسس الخطوة الأولي لرحلته ، دعت له أمه التومة بأن يحيطة الله برعايته ويعيده سالماً غانماً ويقيه شر (الكا) أكلة لحوم البشر ، بالتاكيد ، كانت في غيبوبة عن أصلها من جهة جدتها ، لولا بعض الحياء لأوصته بأن لا يقترب من أية امرأة خاصة اذا صادفها في الغابة متهيئة للمواقعة ، هكذا يصطاد (الكا) فرائسهم ، اذا واقعتها التصقت بها واذا التصقت بها ، بظفرها ثقبتك في عدة مواضع قطعت شريانك والنهاية ، كانت لا تريده أن يذهب الي بحيرة التماسيح ولأنها تعلم أنه سيذهب طالما أراد ذلك ، فلم تقف في طريقه كي لا تصيبه لعنة عقها ، هي لعنة يعجلها الله في الدنيا قبل الممات : لعنتان ،
لم يكن في ذهن أمه أبداً : هذا الذئب العجوز ،
دار دورتين سريعتين حول سياج الشوك ثم أختفي ، فجأة عاد مندفعاً نحو السياج الشوكي مقذوفاً في اتجاه سلطان تيه ، في تلك اللحظة أطلق سلطان رصاصة ولكنها أخطأت الذئب العجوز الجائع ، ألحقه رصاصة أخري ، عوي الذئب عواء حزيناً ،
سقط ،
علي بعد أمتار قلائل من سرير سلطان ، ثم أطلق ، علي صدره رصاصتين اخيرتين

أهل الكهف

لا يدري متي خلد للنوم ، عندما استيقظ كانت الشمس ، علت هامات الأشجار ، ولأنه ينام في موقع فضاء ، أصابته أشعة الشمس من اتجاهات عدة ، قربه علي بعد ثلاثة أمتار تر ، جثة الذئب :
قذرة ومتضخمة وعنيدة ،
حوله ولكن خارج السياج كانوا : جميعهم علي ما يبدو – ذكور ، يحيطون خصورهم بقلائد من الخرز وأنياب الحيوانات المتوحشة ويخفون ما بين السرة وما فوق الركبة بقليل ، بجلود أو أردية من النباتات ،
من أعناقهم تتدلي التمائم ،
يقفون حول السياج حاملين حراباً لها مقابض طويلة من القنا ، البعض يحمل سهاماً البعض يحمل فؤوساً وأسلحة بدائية ،
ينتعلون جلوداً سميكة ، ربما كانت مصنوعة من جلد فرس البحر أو الجاموس ، سود مثله ، غير أن قامتهم عالية بعض الشئ وأجسامهم نحيفة متناسقة تشع :
قوة ورشاقة وكأنهم نمر ،
تقاطيع وجوههم وسيمة قاسية وحادة ، بدأ من الواضح لديه أنهم محاربون من قبيلة بدائية تقيم بمقام ليس ببعيد سمعوا إطلاق الرصاص أو رأوا لهب النار بالليل ، ويستطيع أن يؤكد لنفسه أنهم ليسوا أكلة لحوم البشر: (الكا) تقيم بعيد جداً عن هذا الموضع ، حسب وعيه بجغرافية المكان السكانية ، ربما كانوا من قبيلة (لا لا) ،، ولكن السؤال الساخن الآن هو – ماذا سيفعلون بي- هل سيرمونه بالحراب ، اذا خرج من ناموسيته ظناً منهم أنه سيبادرهم بالهجوم ، - هل أبدأ أنا باطلاق النار ، رصاصتان في الهواء ترعبهم فيهربون فزعاً ، ثم أهرب أنا بدوري أم أنتظر لأري رد فعلهم ، لا ، لا ، ، يكون ردي متأخراً ، بعد فوات الآوان – تريث يا سلطان تيه ، تريث ، أتري ما سيكون تصرف الصادق الكدراوي أذا كان في ورطتي ،أو اذا كنا معاً لابد أنه سيختلق فعلاً يجعلهم يرمون أسلحته ويعانقوننا واحداً واحداً ومن ثم يأخذونا الي مساكنهم ويؤمنون لنا الطعام والشراب ثم يكرموننا بأجمل فتاتين في القرية كعادة كثير من القبائل البدائية في كرمها للضيف ، ولكن أين الصادق الكدراوي ، أطلق الرصاص في الهواء وأنتظر .... تريث لا تفعل شيئاً أن كثيراً من القبائل البدائية لها طبع مسالم ، أطلق ، لا تنطلق ، كانوا صامتين كأنهم يستنبطون ما يدور في ذهنه ،
بعيدا عن ذهن سلطان تيه كان الصباح جميلاً ومشرقاً ، طيور زرقاء ذات مناقير حمراء ترك علي أغصان شوكة ، تغرد نغماً خفيفا حلواً ثم تطير فجأة نحو الغرب ، من بعيد يأتي نشيد المغني : طائر صغير الحجم له ذيل طويل ، به لونان في الغالب الأزرق والأبيض ، كان نشيده الحلو يعمق براءة الصباح : يزيده بهاء ، سلطان ، تعلم التفاؤل بسماع المغني منذ أول صباح عانقه بالدغل ولو أنه لم يراه غير مره واحدة نسبة لإختبائه بين أوراق الأشجار العريضة ،
وبعيداً عن وعيه المشوش بالمأساة : ايقاع الطبل الآتي من عمق المسافة جميل أيضاً ، يحتاج لكي يتبول ، يعلو صوت الطبل ويقترب ، كلما دنا أكثر اتضح صوت الجوقة التي تتبع الايقاع والنشيد ، وبأسرع مما توقع :
ظهرت طلائعهم بين الأشجار الغزيرة ،
عندما دخلوا الأرض الفضاء ، عدهم ، واحداً واحداً ، من داخل ناموسيته وكانوا عشرين شخصاً من بينهم أمراة جميلة سوداء ، تلبس رداء جيد الصنع من الجينز ، صدرها عاري ، عليه ثديان نزقان ، تتدلي ما بينهما تميمة كبيرة الحجم ، من العاج ، من بينهم ، رجل أبيض البشرة ، يلبس مثلهم : أشقر ،
عيناه خضرا وأن كقط ، في الحق كانت له عين واحدة والأخري مفقوءة ويبدو كما خيل لسلطان تيه أن هذا الأبيض حوري ، الحواري كما يعرفه سلطان تيه ، ليس من الجن بل هو مولود نتيجة طفرة وراثية من أب وأم اسود ، الطفرة هي نتيجة تفاعلات كيمائية أو فيزيائية في الجينات وهذا بالضبط ما تعلمه من أستاذ الأحياء بالثانوي ،لكن قفزت في وعيه مسألة مستر ومسس جيني : ، يكون هذا من مخلفاتهما،
أنفجر الصمت بوصول القادمين ، أخذ الجميع في شرب شئ أتي به القادمون في قرب كبيرة من الجلد وأوعية من القرع و الفخار ، كانت رائحة المشروب ذكية أثارت فيه شهية الشرب وشهية الشرب كشهية الموت ،
تبدأ بآكلان في القلب ، لا تنتهي الا بنهاية الجسد ،
كانوا لا يأبهون به وكأنه لم يكن ، هو يهتم بكل تفاصيل فعلهم ، حصلات الأشقر المجنونة ، أسنة رماحهم ، اطيارهم الراكة علي شوكة ، ذئبهم أو ذئبه ، لا فرق ، طبلهم الذي صمت ونام علي شجرة عرديب طفلة ، سمائهم الزرقاء ذات السحيبات البيض الخفيفات ، هونفسه : أسيرهم،
القابع تحت ناموسيته يرغب الموقف ويؤسس لفعل ،
أما أن ينجيه ،
أما أن يميته ، أما أن يخوزقه ،
والعياذ بالله من الخازوق ، لوقوعه في مسافة ما بين النجاة و الموت ،
وقف الجماعة لشخص قادم احتراما ، ظهر من بين الأعشاب يمتطي حمارا وحشيا اليف ،
يلبس رداءً ثقيلا حول خصره ، تتدلي علي جانبي الحمار وعلي صدره تمائم وعقود ، علي كتفه فراءً ناعم يغطي كثيرا من صدره ، من الواضح أن القادم ذو شأن ، كان كبيرا في العمر ، وبدأ عليه التعب والإرهاق ، فيرفقة جماعة راجلة وحامرة أيضا،
جلس الجميع في دائرة ، في احدي طرفيها القادم : الكهل ،
وبعد مداولات طالت ، برطانة لا يفهم سلطان تيه منها شيئا ، أزاح المحاربون الشبان الأشواك ، قام نفر منهم بجر جثة الذئب الي حيث الطبل القابع الساكن الساكت تحت العرديبة الطفلة ، حدث ذلك برفق شديد ، أدي الجمع صلاة صامتة في شكل رقص حزين ، اتبعته نقرات خفيفة علي الطبل أداها الأبيض الأشقر الأعور ، مخلفات آل جيني ، أو كما يظن ،
يبدو أنني قتلت شيئا مهما ، شيئا مقدسا ،
تورطت يا سلطان تيه ،
أين الصادق الكدراوي ،
هل سيقتلونني ، كما قتلت ،
هل يربطونني لأبناء الذئب لينتقموا مني ،
هل ، هل ،
أخذ بعض المحاربين يسلخون الذئب ، بينما اتجه الرجل الشيخ نحوه ، معهم الفتاة الناهد الجميلة وبعض المحاربين ، وقفوا حوله في حلقة ، كان رجلاً شجاعاً سلطان تيه وهو يرتعد من الخوف في انتظار المصير المجهول ، لا وقت لديه لقراءة التعاويذ أو ذكر أسماء أهل الكهف وكلبهم ، بينما في شتاته اذا بصوت الفتاة يأتيه بكل وضوح :
Who is there
بلغة انجليزية سليمة دون اية لكنة ، كأنما هي لغتها الأم ، أحس بطمأنينة بالغة وكأنما قفز من حضن الغول الي حضن أمه مباشرة ودون مقدمات أزاح الناموسية ببطء وأطل بوجهه نحو الجمع والذين كانت دهشتهم أكبر لتبينهم أنه ليس الا رجلاً أسود مثلهم ، وجهه كأوجههم ، كل شئ فيه فيهم الا أسلوب لباسه الذي رأوه من قبل عند مسس ومستر جيني في أيامهم الأولي ورأوه بين حين وآخر يلبسه الصيادون ورآه من يذهب منهم للمدينة حيث يلبسه الشرقيين ، يلبسه الحكوميين والذين كثيراً ما اصطدموا بهم ، يلبسه العسكر الحكوميون ،
رأوا فيه شخصاً عادياً وربما كان صياداً ضل طريقه ،
من أنت ،

Who are you,

قال إنه باحث اكاديمي في طريقه الي بحيرة التماسيح لأنه يعد رسالة مهمة عن التماسيح ، فضحكت الفتاة فجأة ضحكاً أثار غيظه ، ضحكاً أثار فضول اصحابها ، أرتفعت أصواتهم احتجاجاً لعدم الفهم وأنهم يريدون ترجمة فورية لما يقال ، نظرت نحو الشيخ المنتظر تفسير ما يضحك ، رطنت ، وما أن خلصت من القول حتي أندلق الجميع في وحل الضحك ، ثم تحدث الكواكيرو وهو الشيخ بلغة لا لا ، قالت المترجمة لسلطان تيه ،

يقول الكواكيرو انك صائد تماسيح وانك صائد ماهر وقتلك للحارس دليل ، أكد سلطان تيه انه دارس اكاديمي ، استمات في برهنة ذلك لأنه يعلم أن الدغليين لا يحبون اثنين : سلطات الشرق ،
والصيادين ،

طلب منهم فحص متعلقاته ، طلب منه الكواكيرو أن يعطيهم السلاح الذي قتل به الحارس ، أمن المسدس بهدوء وأعطاه للفتاة ، ناولته بدورها للكواكيرو ، قلبه يمنة ويسري ، بكل حرفيه أخرج خزانة الرصاص ، ثم أعطي المسدس والخزانة لأحد المحاربين ، وضعه في سلة من السعف ، قاموا بفحص معداته بدقة متناهية ، فحصوا كفتي يديه وكتفه ، وجدوا علب طعام محفوظة وجدوا كتباً بها تماسيح مصورة ، كاميرا ، فأس صغيرة ، مدية صغيرة ، أقلام ، لم يجدوا أنياباً نادرة أو عاجاً أو جلد حيوان نفيس أو مصل حية ،
ولكنك قتلت الحارس ،

أتدري ما عقوبة ذلك أذا كنت صيادا ،
لكنك طالب علم ،
نحن نقدر لك ذلك ،
ولو أنك تدرس شيئا تافها لا فائدة منه ، ترجي شيئا تسكنه خمسون روحا شريرة ،
لكنك قتلت الحارس ،
نعرف أنه لولا قتلك له لقتلك ، أنت تدافع عن نفسك نعرف ذلك ،
ولكن هذا لا يسقط عنك عقوبة قتل الحارس ، فأنت قتلت الحارس ،
عقوبة ذلك في العادة أن تحل روحه فيك وأن يحل جسده فيك ،
أما روحه فأنها في اللحظة التي قتلته فيها ،
دخلتك ،
أما جسده ،
نقوم بحبسك أعلي الجبل الي أن تأكل آخر قطعة منه ، عندها سيحل جسده فيك حينها ،
سنطلق سراحك : مذؤباً ،
أولاً ، سارت مجموعة المحاربين الشبان يحملون شرائح لحم الذئب علي عصي طويلة من البامنو ، كل أثنين يحملان قناة واحدة طويلة ، تتدلي علي جوانبها شرائح اللحم وهي تقطر دهناً ، كان حيواناً شحيماً ، تبعه حامل الايقاع ، الرجل الأبيض ذو العين الواحدة القطية والخصلات الشقراء ، يقرع الطبل بإيقاع حزين مهدور ممل خفيض ، ثم ، سلطان تيه وعلي ظهره حاجياته كلها ، خلفه مجموعة من المحاربين الشبان يحملون حرابعهم وعصيهم ، يغنون لحناً حزيناً موقعاً بطبل الرجل الأشقر الأعور ، أصواتهم تعلو فجأة حتي تصبح ، الهتاف ثم تنخفض فجأة لتصير ، الهمس
همساً عميقاً ،
وفي حركة أخري تتدرج أصواتهم ما بين الهمس والهتاف ، تتنقل من الأول للأخير بكل سلاسة وحرفية ، ثقافتهم في مجال الغناء والموسيقي أحلي والا وجد أسماً مناسباً لما يقومون بأدائه أما الآن ، فهو يسمي ذلك هارموني أو يسميه تماهي لو استطاع أن يمتع نفسه بذلك دون تعارف لتمكن من طرد كثير من السؤالات السوداء ،
كيف تتحدث هذه الصبية المتخلفة اللغة الانجليزية وكأنها لغتها الأم ، ولكن عندما هدأت أعصابه قليلاً ، اطمأن قلبه ، عاد وربط ذلك بمستر ومسس جيني ،
ما هو مصيري ،
أنت في ورطة – هل سأخرج سالماً من هذه الورطة ،
ما بين القرية والغابة أرض تخلو من الأشجار الضخمة ، لكنها مغطاة تماماً بالاعشاب الناعمة ذات الأشواك الدقيقة وبعض المهوقنيات والتك في أعمار صغيرة ، بدأت له القرية من علي البعد وكأنها قباب صغيرة مصنوعة من مادة بنية ، شكلت لها خلفية طبيعية في هضبة عالية خضراء عليها الأشجار زاهية الخضرة تحرسها ، وكما هو موضح في الخارطة يوجد منبع مائي صغير أعلي الهضبة ، وهاهو الجبل يفوق تصوره ، في الحق لم تكن لديه تصورات مسبقة عن المكان ، كل تصوره كان ينصب علي بحيرة التماسيح ، موقعها بين الجبال ، شكلها ، مائها ، تماسيحها ، رمال التماسيح البيضاء الباردة وتحتها يرقد بيضها ، كاميرته وهي تسجل حركة التماسيح وعلاقتها الأسرية والجنسية والغذائية ، الآن وجد نفسه في موقف يجبره علي اجلال جمال المكان واحساس تفاصيل عظمتها ، كلما اقترب أكثر من القرية ، تميزت الألوان الحجرية الزاهية التي طليت بها الكهوف ، ثم جاء أطفال القرية وكأنهم النعام بسوقهم الغبشاء وأعينهم النجلاء ، رؤوسهم عليها قنابيرهم ، ليسوا كما رأي من أطفال ، كانوا هادئين وطيبين ، لاحظ ذلك عندما اقتربوا من موكب المحاربين ، جلسوا علي جانبي السبيل علي العشب احتراماً لموكب الكبار ، ولو انهم ، شحنوا بالفضول ، كانوا يحملقون في لحم الذئب وقاتله بعيون سئآلة وحب استطلاع يكبته الأدب و الطقس ، هكذا تراصوا الي مدخل القرية ، النسوة الجميلات حزاني وهن يجلسن علي قارعة الطريق أيديهن علي رؤوسهن ، أنغام الإيقاع القطي الحزين : يبكين ،
يصدرن مواء عميقا ، جعله يحس حقيقة الجرم الذي ارتكبه ، ثم يعلو صراخهن ونقعهن عندما يمر أمامهن موكب لحم الحارس المقتول ،
دن ، دم دم ، دم ، دن ، دم دم ، دن
كان الرجل الأبيض ذو العين القطية جميلاً وهو يدق الطبل ،
حزين جداً ،
طاف الموكب الحزين كثيراً أزقات القرية نهرته كلابها ، هربت من بين أرجل المتوكبين ، دجاجاتها البرية المستأنسة وهي تكيك ، الي أن توقف أخيراً أمام دار ذات فناء متسع ، دخل اللاحمون بذئبهم : دخل هو ،
كان شجاعاً وهو يحس برعدة الخوف تصعقه في عمق السؤال ، ذات السؤال الجبان : بئس المصير ، أنت في ورطة ،
ماذا سيفعلون بي ،
أين الصادق الكدراوي ،
وبدخوله واللاحون في الدار ذات الفناء المتسع ، تفرق المحاربون وتفرقت النائحات يتبعن صغارهن النعام وأصواتهن تختفي تدريجياً ، تتلاشئ تماماً ،
وسط فناء الدار توجد مظلة كبيرة من البامبو مسقوفة بحصير ناعم بدقة وأناقة ذكرته بالكنيسة التي في أحد أحياء المهجرين في الشرق ، توجد بالمظلة مقاعد خشبية مصنوعة من أحطاب العرديب والمهوقني ، بعض الشيوخ يجلسون بالمكان ، طلبوا منه إنزال ما بظهره ، أن يجلس علي أحد المقاعد الخشبية ، أن يشرب ما قدم اليه ، أن يستمع للقول المترجم بواسطة الناهد ، أن يرد ، أن يقال اليه أخيراً ، اتبع هذين المحاربين الي كهفك ، هنالك أعلي الهضبة ،
يخرج وعلي ظهره حاجياته ، لمح ما يشبه عربة جيب في مظلة من البامبو عند ركن بعيد بالدار اذا جاء بعربة كهذه هنا ، ماذا يفعل هؤلاء البدائيين بها ، لا تشغل نفسك بأمور جانبية يا سلطان ، الأهم كهفك ، ذئبك ، سجنك ، بحثك ، طعامك ، فليكن الجيب أو فلتكن طائرة نفاثة ، لا تشغل نفسك ، لا ، لا ،
الناهد ذات الصدر العاري بارعة جداً في التحدث باللغة الانجليزية ، ذات مهارات ترجمانية عالية ، وكانت تستخدم اصطلاحات لا يعرفها هو : القارئ المواظب علي اللغة الانجليزية وكثيراً ما كان يردد ،
أسف ، أسف ،
تعيد صياغة السؤال بلغة أسهل وكلمات أبسط ولو أنها كانت لا تدري اية لغة هي الأسهل وأيها ، المهم كانت تقوم باستعمال مترادفات تسهل علي معرفة السؤال وبالتالي الاجابة ، هي جميلة ، جامحة ورشيقة ، ينقصها فقط شخص كالصادق الكدراوي ليقيس مدي تماشي مؤهلها الجمالي الظاهر مع .......... الامتاعية ، أو كما يسميها الكدراوي : إيقاعها السري ما دون السري ،
سوداء وربما كانت أكثر سواداً منه ، بشرتها ناعمة ملساء ذات لمعان خفيف ساحر وكأنها مدهونة بزيت سحري ، كانت جميلة ، في زيها البسيط المكون من رداء الجينز الأزرق الباهت والخرزات الملونة ، قالت له وهما يسيران خلف المحاربين : انت ستبقي بالكهف دون حراسة ، ويجب عليكأن ألا تحاول الهرب ، لأن القبيلة تحيط بالجبل بيوتها ، ولأن الذئاب تحيط بالقبيلة ، ولأن برم بجيل يحيط بالذئاب ، وأنت بغير سلاحك ، فمن ينجيك ، ولعنة الحارس تطاردك دائماً ، طالما لم تكن أنت جسده ولأن روحه تريد أن تستقر في جسده هو بالذات جسدك أنت ،
أنا لا أفهم شيئاً ،
قالت الحسناء ذات الجينز الباهت ، عليك أن تأكل كل قطعة من لحمه يؤتي اليك بها ، عليك أن تفترش جلد الذئب لحافاً لك ، عليك أن تحتفظ برأسه معلقة علي باب كهفك ، عليك أن تلبس نابيه قلادة ، عليك ثم عليك ،
كان تعباً ومرهقاً من جراء المشوار الطويل والحمل والخوف من مفاعيل المشروب في جسده فلم يقل شيئاً ،
فقط يريد أن ينام
لا أكثر ،
يريد أن ينام ، آه ، همم ، م ، م م ،

يقع الكهف في قمة الهضبة ، كهفاً كبيراً ، ..... ، حفر في صخر ضخم ، لا يستطيع سلطان تيه أن يتخيل ، مجرد تخيل : كيف حفر هذا الكهف ، من الذي حفره ولماذا ، في الحقل الدغليون أنفسهم لا يعرفون تاريخاً أو حدثاً أو شخصاً يؤرخ لهذا الكهف ولكنهم يعرفون كيف يستخدمونه ، غمره احساس أولي بأن هذا الكهف هو مسكن ما يعرفهم بأهل الكهف ، ولو أنه مدرك في وعي حقيقي أن أهل الكهف كانوا علي بعد آلاف الأميال من هذا الموقع ، علي مدن ترقد ، نحو البحر الأبيض المتوسط ، في قمة الهضبة أرض مسطحة متسعة تمتد علي مدي ما يبصر ، بها غابات وجبيلات ، مجاري مائية ، وحيوانات ، وعين أو بحيرة ، قرأها في الخارطة :
وما لم يعلم ،
ليس لديه ما يقوله لها ، لا شئ فقط يريد نوما هادئا عميقا وعندما يستيقظ فليطعموني عظام الذئب لا أبالي ،
كان شجاعا وهو يحس بفراغ الكهف يسري في قلبه ، كالاكلان البارد المرعب ، كما لو أن حية انزلقت علي ظهره وهو عاري ، كان يخاف في شجاعة منقطعة النظير، رهبة الفراغ ،
في هذا الركن كما تري كومة من الأحطاب الجافة ، بامكانك استخدامها للتدفئة وطرد البعوض والذبابة الرملية وذبابة النوم وهي توجد بكثرة في هذه البلدة ، تحتاج النار للاضاءة ، يقول الجد برم بجيل ،
الضوء ،
رجل شجاع ،
حارس أمين ،
وامرأة لا ، تكذب ،
لا يريد أن يعرف من هم لالا ، لا يريد أن يعرف من هو جدهم برم بجيل ،
لا يريد أن يعرف من هو الضوء ، يريد فقط أن يبقي أحد المحاربين بجانبه ،
سنعود الآن تاركين لك مدية ورمح وعصاة ، تحتاج بين الحين والآخر للدفاع عن نفسك من يدري ، لا لن يقرب الحارس كهفك هذا أبداً ، لأنه لا يوجد في قمة هذا الجبل غير الأرانب والثعابين وبعض الغزلان ،
هل تريد شيئاً ،
كان الكهف كبيراً وخالياً ، يحس الآن بصداع حاد ، في حاجة للذهاب للمرحاض هنا كل مكان لا يراك فيه أحد : مرحاض ،
أينما اختليت بنفسك أنت في مرحاض ،
بسم الله ،
تبول ،
سوف آتيك أيضاً غداً ، تحتاج لشئ ، علي كل ، سيداول المحاربون علي مدك بالماء ، الطعام وما تريد ،

الشمس تغيب الآن ، خلفها شفق في لون الدم ، أو ، البرتقال وفقاً للحالة النفسية للمشاهد ونبض قلبه ، يود لو أستطاع أن يجعل الشمس لا تغيب ، أن تبقي جمرة مشتعلة ، نور يضئ به ظلمات الخوف ، تبعد عنه مسافات ، كلما غامت الرؤية كلما أحس بوحدة أحجر ، كلما أحس أكثر : بفراغ الكهف ،
ليالي طويلة قضاها في ظلمات الدغل محيطاً نفسه بالتعاويذ والعصي والصلاة ، تحوم حوله المخافات ، لأول مرة في حياته يحس : الخوف ،
اذا ، هل كنت أستمد شجاعتي من المسدس ، أخذ المسدس ، أخذت الشجاعة ،
أم أن فراغ الكهف هو الذي أشعل قصاصات الخوف فيه ، أو ، الأحطاب ثم صلي صلاة المغرب ، قرأ جهراً كلمات من حزب الأمان كان ، حفظها عن أبيه عرضاً ونتيجة لتكرار واله لها ليلة تلو ليلة ومخافة تلو مخافة ، وما أكثر مخافات ، وآلده ما كان يهتم بقراءة وآلده اهتماماً فعلياً ، يري فيها شيئاً مكرراً مملاً ، الآن ، أمام جلال الفراغ ، الأمر يختلف ،
من بين أوراد وآلده يعشق صلاة النقطة ، يعشق لغتها الصوفية الشفيفة ، ولكن لا يحفظ منها أية كلمة ولو أنه يحس موسيقي روح لغتها تحلق الآن ، تملأ الكهف غناء صامتاً ، ولو أنه يتلمسه الآن : بنبض قلبه ،
لماذا لم يصبح شخصاً متصوفا بصورة جادة وقاطعة كوالده ،
النار كانت شهية ودافئة فهدأ ، شاء أن يرتب أفكاره بصورة منتظمة ، عندما يقضي مدة سجنه سيذهب مباشرة الي بحيرة التماسيح ، كم من الوقت سيقضيه هناك
يريد أن يعود للمدينة : الآن ،
وطواط يزعجه ضوء النار ، يخرج مندفعاً نحو الخارج ، لم يستطع سلطان تيه أن يتبين أن رائحة جسده أصبحت سيئة ولا تطاق ، ربما ، لأن رائحته توحدت برائحة الكهف ، برائحة الذئب ، لحمه المجفف ، رائحة الخوف ،
قالت له نفسه : هنا وضع أهل الكهف رؤوسهم المتعبة قبل أن يخطوا نحو نومتهم الطويلة ، لابد أن كلبهم كان آخر النائمين ، ولابد أنه نبح كثيراً قبل أن ينام ، لابد أنه أكل عدة أرانب كبيرة في طريقه الي النوم ، لابد أنه تذكر كلبة حاول أن يلتصق بها ، وكلبة سيلتصق بها غداً وكلبة أخري وكلبة ،
لابد أنه قبل أن يرقد واضعا رأسه بين قائمتيه الأمامتين محنيا اياه جهة اليسار قليلاً وفوق عينيه تحوم ذبابتان ،
ماذا لو كانت رنا الآن معه ،
نعم ، رنا
الصبية بنت الجيران التي كان يحبها في سرية قضم قطعة حلوي خطفها طفل مستغفلاً والدته ، يقضمها في توحش مصموت ، بين الراكوبة وباب الشارع ، في سرية ابتلع لعابه الحلو في سرية مسح شفتيه وجانبي فمه وهو عائد الي موقع مخطوفته ، في سرية انطبع لون الحلوي الأحمر القاني علي لسانه كشاهد خبيث علي الإختطاف ،
ماكان الأمر يحتاج لكل هذه السرية لأنه لا يوجد من يغضبه حب سلطان تيه لرنا ، ورنا ذاتها كانت ستسعد كثيراً اذا عرفت أنه يحبها ، وما كانت ستبخل عليه بما شاء من تواصل والأبعد من ذلك ، وهذا شئ لن يعلمه وسوف لا يخطر بباله الي الآن وهو أنها لا تمانع أن تعطيه نفسها ،
هكذا بكل بساطة ،
اذاً وفر علي نفسه الليالي التي قضاها مؤرقاً يرسم نهديها وردفيها وبسمتها في فراغات حجرته ، يرسم صوتها ثم يستدعيها لتنام قربه الي أن يؤذن الصبح : فيغتسل شاوياً نفسه بالماء البارد ،
لوفرت علي نفسك عذابات الاستمناء ،
اذا كانت تنقصه الخبرة ، وهي الكنز الذي تهديه المغامرة والتجربة والوقت للانسان ، يمتلكه صديقه الصادق الكدراوي ،
لا لم يكن خجولاً ، بل هو جرئ ولكنه لا يعرف : كيف ومتي يستخدم جرأته ، فيم ومع من اذاً ان مشكلته الحقيقية هي مشكلة ايقاع ،
كروانان يتناديان يفرق بين نداءيهما نداء بوم أجش ، والبوم نذير شؤم والكروان فأل خير ، سيصلي صلاة العشاء ،
كيف هرب عنه النوم والتعب ، في المكان الذي هيأه لصلاة المغرب ، صلي العشاء ، وفي الحق لم يكن منتبها تماماً لما يقرأ ويفعل في صلاته ، كان منشغلاً بشكل تام عن الله ، هو الآن يقوم بأداء حركات اعتاد عليها ، باله منشغل بمشاكل الوحدة والخوف ،
كان عواء الذئب يأتي من بعيد ، من كل أتجاهات الظلام ،
الست ،

البحيرة

في ايقاع بطئ ، كانت تدور عقارب انتظاره ، ثقيلة باردة مذئوبة بشواء الحارس وعفن جلده المدبوغ ، كانوا لا يطعمونه سوي : مرق الذئب ،
شواء الذئب ،
دهن الذئب ،
لحافه ، فراء الذئب ،
مذبته ، ذيل الذئب ،
عندما يستيغيظ ناظراً لضوء الفجر عبر باب الكهف الكبير المنغلق بأغصان شوكية ، يري وجه الذئب المحنط المعلق علي بوابة الكهف محملقاً بعينين مفرغتين من الداخل ، نحوه ، نحو أهل الكهف الذين استيغظوا في وقت سابق وذابوا في المكان ،
كل شئ ، الذئب ،
بين حين وآخر ، تزوره الفتاة المترجمة تسأله ما اذا كان يريد شيئاً ، ثم تنصحه بأن يأكل كل ما يؤتي اليه به ، من أشياء ذئبية ، لأن هذا يعجل باطلاق سراحة وأن لحم الذئب مفيد لجسد الانسان وأنه يجعل القلب أكثر ثباتاً والاقدام أكثر قوة ، والعينين أكثر رؤية ، لم تقل له أنه محرم أكله علي قبائل الدغل كلها ،
لأنه جدهم في الروح ،
بدأ يلاحظ أن وزنه أخذ في الزيادة بصورة واضحة ، أرجع ذلك لعدم ممارسته الرياضة وأن الطعام شديد الدسامة وأن الذئب كان شحيماً جداً ، أرجع ذلك للطمأنينة النسبية التي حسها بعد قضاء أسبوع كامل بالكهف واعتياده علي المكان ،
إذ قال لنفسه ، سأقوم باستكشاف المكان والا أصبحت فيلاً آدمياً ، دعني أمشي هنا وهنالك ، لماذا لا أبحث عن العين المائية ، ربما رفهت عن نفسي بدهشة الاكتشاف ولم لا ،
لبس نعله الواقي الثقيل ، الكولمان ومضي تاركاً الشمس خلف ظهره ، نحو مغرب الشمس لأنه اذا فشل في الوصول الي العين غرباًَ ، اتجه شرقاً ثم بقية اتجاهات الدنيا الكثيرة ، فلديه من الزمن ما يكفي للدوران حول الجبل كله ألف مرة ، لديه من الزمن مايكفي لأكل ذئب كبير عجوز قذر ،
كان يحاول أن يضع علامه علي طريقه يهتدي بها عند العودة ،
علي الأشجار ، كان يكثر فرعاً كبيراً ، أو يربط منديلاً أو يلاحظ تميز صخرة ، الي آحر ما صنعه من لغة ترشده سبيل العودة ، كان يرسم المكان في ذاكرته :
ينحت علاماته في ذاكرة المكان ،
الحيوانات التي تلتقيه في الطريق هي الأرانب ، فئران الجبل الكبيرة الحجم ، الصبرات ، السناجب ، الثعالب : هي لا تمثل له مخافات فعلية ،
بل أنه حاول أن يصطاد أرنباً كبيراً أبيض الفراء ، فشل في ذلك ،
في الحق كان هو المخافة ، فزاعة الأرانب والفئران المسكينة ، هل لأن رائحة الذئب تفوح من جلده ، هل لأن روح الذئب ، هل لأنه ،
تأكد أنه يمشي نحو العين ، عندما شاهد أمامه علي بعد ميل واحة تجمع أشجار ذات خضرة متميزة وقامات قال أعلي مما يجاورها ، وكلما أقترب من المكان وافته الريح ببرودة الماء ورائحته ، عطن أوراق وفريعات الأشجار المتعفنه بفعل ماء المد ،
يشق الأعشاب الكثيفة الخضراء قافزاً هنا وهنالك متخطياً عشبة شوكية وقنفذاً صغيراً أو نتوءآت صخرية ، فإذا به يجد نفسه في مواجهة عين ماء ساحرة ولكنه لم يقترب كثيراً من موضع الماء لأنه يعرف أن التماسيح التي تعيش في هذه الأنحاء غالباً ما تكون شرسة وشرهة وذات شهية منقطعة النظير للحوم البشر ، جلس تحت شجرة وارفة لا يدري ما فصيلتها أو اسمها ولكنه ، شاهد منها كثيراً في هذه الأنحاء ، لها ثمار زرقاء صغيرة مرمية تحتها كثيرة ، بعضها يابس منكمش علي ذاته كحبات النبق وبعضها ما يزال رطباً ، أخذ واحدة وتذوقها ، كانت حامضة ، حامضة جداً ، رماها بعيداً في عشب المحريب ، البحيرة هادئة ، سطحها منبسط مصقول كالمرآة ، عندما تهب عليه نسيمات هادئات يتموج في بطء وانتظام مكوناً أمواجاً طفيفة لا تكاد تلاحظ ، كتموجات خصلة حورية مسدلة علي ظهرها ، كان يترقب بين لحظة وأخري أن تطل أنف تمساح مهشمة صقل السطح أو يخرج تمساح بكامله من الماء زاحفاً نحو رمال الشاطئ ،الرمال البيضاء الشهية ، التي لها لمعان حلو وهي تعكس ضوء الشمس المنسرق اليها عبر أغصان وأوراق الاشجار العالية الخضراء ، كانت تفصله عن البحيرة عدة شجيرات ظليلة كثيفة الأوراق وهي لا تمنعه من مراقبة البحيرة ولكنها تحميه من أن ينتبه لوجوده من جهة البحيرة ، إذ بامكان التماسيح الخروج ما شاءت والرقاد واللعب علي الشاطئ الرملي أيضاً دون أن يزعجها وجوده ، كان يعرف أن التماسيح تفضل الشواطئ الرملية لأنها ستضع بيضها فيها وتظل تراقبه وتحميه الي أن يفقس ،ولو أن هذا الفصل ليس بفصل التبييض ، إلا أنها ، تخرج للبحث عن فريسة ما علي الشاطئ ، يظن أنه لو دقق النظر علي سطح الماء سيتمكن من رؤية أنف التمساح ،، كان يعلم ، كباحث في الحياة البرية أن الوقت الذي يقضيه التمساح خارج الماء أكثر بكثير من الزمن الذي يقضيه بداخل الماء اذاً كان مترقباً يقظاً لكل بادرة تشير علي أن هناك : فك مفترس ،
عندما أطل وجهها ، بين شجيرات الشاطئ الخيمية وأعشاب المحريب العطري ، وسط مهرجات الفراشات والعصافير والتي أخذت تهرب في كل صوب وجه ، عبر خشخشة أوراق الأشجار المتساقطة علي الأرض ، عبر خياله المشحون يترقب ظهور تمساح بين حين وآخر ، عبر عصارة الذئب تسري في شريانه في صمت خبث ،
أطل وجهها ،
ووجهها الأبيض المسقي بورديه خفيفة هي سريان دم الشمس عبر شعيراتها الدموية الرقيقة ، ثم ، اندفعت كلها خارجة من بين الأشجار ، كأنها جنة حقيقية : مثلما في خياله منذ الطفولة الأولي وقصص كامل كيلاني وأحاجي جدته عن الجنة التي تسكن شاطئ النهر ،اذا هي جنة بكل ما يشاء لها من توصيف وتخيل ، كأن شعرها الأشقر مسدل علي كتفيها وظهرها هابط الي مادون عجزتها قليلاً ، فارعة القوام بجسد مهر جسد نزق مشاغب ، صدرها عاري ونهداها منتصبان مكتنزان منفعلان كأنهما نسرين يهمان بالطيران ولكن تمسك بهما شباك الصياد ، فلا هما يستسلمان ولا هما ينفكان ، كانت تلبس رداء من القصب الناعم يبدأ من وسطها وينتهي مادون الركبة ليفسح المجال لصراخ الفخذين الجنينين الثائرين ،
بالتأكيد هو رجل شجاع ،
ولكنه كان في طريقه للانسحاب من تحت الشجرة وحمل خطاه في خفة والهروب بعيداً لولا أن ظهرت خلفها ، من بين الأشجار الفتاة المترجمة ،
فلوباندو ،
كانتا جميلتين ورشيقتين ، يحطن خصورهن بفساتين من القصب ، رآها ذات مرة تلبسها فرقة شعبية في مسرح المدينة ، الآن لا يحتاج الأمر عنده ولو للقليل من إعمال الفكر والتحرر ، يا ، انها أخت الأبيض المتوحش ، مخلفات مستر ومسس جين ، يا لهذا الجمال الضائع في الأحراش ، في صدأ الرطوبة النتنة والتخلف وردة العفن ،
ولولا أن خذلته مخيلته لضعف تعاني منه لقال شعراً ، أو شيئاً قريباً من الشعر ، خلعتا أقصابهما وقلائدهما ، أضحتا عاريتين ، كتمثالين من البرونز والعاج ، والحق أنه لأول مرة في حياته يري امرأة بالغة وهي عارية تماماً ، ولأول مرة تصعقه قشعريرة كهرباء ، الجسد الأنثوي ويحس بفوضوية تامة بألوهية الموسيقي المنبعثة في تفاصيل التفاصيل والتي يفرض عليها الجسد :
ربوبيته وشيطانيته ، أيضاً ،
الجسد ،
نشيد انشاد الأنسان ،
والجسد ،
قرآن الروح ،
هكذا كان يعرفه صديقه الصادق الكدراوي ، العارف بالمرأة ، كان يستحلي التعبير لصوفيته ولكنه لم يفهمه سوي في هذا : الآن بالذات ، ذات لحظة الصقع ،
ذات لحظة الانشاد لبعظيم ،
الموسيقي تهب كالعاصفة ، مثل درويش ثمل يدور به خمر الايقاع ، فيصبح دوارة ،
لا تستريح ،
موسيقي ،
موسيقي ،
لا تستريح ،
الجوقة عباقرة ، الحانهم عطر ، أوتارهم سبائب الجنيات وعصب عشاقهن ،
تتسرب الموسيقي عبر مسام جسده متحولة الي راح : لا يسكر ولكنه يذهب بالعقل ، كانت لغة الجسد معقدة عصية وموسيقاها : صقع ،
أمرأتان عاريتان ،
أمرأتان عاريتان ،
سيحاول أن يؤكد لنفسه حقيقة الرؤية ، الفتاة المترجمة أخت الأبيض المتوحش ،
تلك هي بطونهم ،
تلك هي أفخاذهن ،
تلك هي أردافهن ،
تلك هي الجذر السوداء ،
شعورهن السرية أمرأتان ،
حقيقتان ،
عاريتان علي شطء البحيرة ،
كانتا تضحكان وهما تتحدثان باهتمام بالغ ، علي الرمال الشهية البيضاء ، رقدت الفتاة المترجمة علي ظهرها موسدة رأسها قطعة خشب صغيرة ، كان جسدها يشع عظمة وموسيقي ، جلست الفتاة البيضاء ذات الخصلة الساحرة ، تفحصت عانة صديقتها جيداً وهي تترنم بلحن ، ساعدت رطوبة البحيرة في نقله الي مسمعه بصورة حسنة ، كان لحناً رائعاً ، وعندما فرغت اضجعت هي أيضاً علي ظهرها ، علي الرمل الأبيض الشهي وأخذت الفتاة المترجمة تعمل في عانتها ،
كان يراقب الأمر بعينين جاحظتين وأذنين مفتوحتين وصمت موقوت ، صرخ في
ذاته ،
أنت موعود يا سلطان تيه بليالي حمراء : موعود بأجساد بكر ،
ياحبذا اذا كان معي الصادق الكدراوي ،
لكنا في هذه اللحظة ملتصقين بهما كقرادات البقر ،
مر ليس ببعيد عنه ثعبان ضخم ، انزلق نحو البحيرة ، سحليتان تتخصبان قرب رجله ،
قرد صغير تسلق الشجرة التي يجلس هو تحتها الآن ، ولكنه لا يلاحظ شيئاً ، ثم ، قفزتا في لحظة واحدة ، بحركة رياضية ومن علي ساق مهوقني مرمري علي الشاطئ قفزتا في الماء ، وتطاير الماء في الهواء وكأنه ذعر متفاجئاً بهما ، وهكذا تحول سطح البحيرة من هدوء وسكون الي أمواج دائرية كبيرة ، رشاش ماء ، ضجيج ضرب أكف وأقدام ، الفتاتان الجنيتان ، كانتا أمهر مما رأي من سباحين مثل دلفينين مسحورين : تلعبان في الماء بكره ويبدو أنها ثمرة لشجرة ما ،
ثم غطستا في الماء معاً ،
ثم خرجتا معاً ، ثم غطستا ثم خرجتا ،
جلستا علي رمل الشاطئ تستجمعان أنفاسهما قبل أن تشرعان في غناء بهيج ، قبل أن تلتقطان بعض العصي الناشفة من تحت الأشجار ، ترصانهما علي عودين كبيرين تمكنتا بعد جهد من جرهما الي الماء ، مبقيتان نهايتهما علي الرمال ، ثم ، أخذت الفتاة المترجمة أثنين من العصي ، أخذت تطرق بهما علي بقية العصي المرصوصة علي العودين الكبيرين المنطرحين علي الرمل والماء ،
في هذا الحين فقط أحس بخطورة المسألة حين سماعه لهذا الايقاع المجنون وقبل أن يفيق اذا بالفتاة البيضاء ترقص ،
في البدء كانت تتحرك في هدوء ، تثني وسطها مع الابقاء علي الرجلين ثابتتين ، علي الرمال والإحتفاظ بالصدر ساكناً ، في الحق بهذه الرقصة البسيطة المعقدة ، أثارت فيه غرائزا أقل ما يمكن أن توصف به : أنها ،
غرائز جنسية ،
والدليل العملي علي ذلك ، إنتعاظ مفعاله بلذة مصحوبة بحرقان طفيف ، وقبل أن يفيق انتقلت الراقصة البيضاء الي مرحلة أخري ، مرحلة أكثر عمقاً ومأساة ، حينما أخذت عنقها ناحية اليسار قليلاً ، اندلق شعرها الأشقر علي نهدها الأيسر ذو الحلمة الكبيرة الصفراء في ذات اللحظة التي أرتعشت فيها قدمها اليمني في انفعال ، وهي ترتكز علي مقدمة أناملها محركة الجانب الأعلي من فخذها مع حركة ايقاعية للصدر كله ، استمرت علي هذا الحال ثوان معدودات ، أو خيل اليه ذلك ،
ثم ، عادت ، حركت الوسط فقط فقط ثم ، خلطت بين الحركتين الوسط / الفخذ / الصدر ، وعلي حين غرة غيرت الفتاة المترجمة الايقاع : أسرع / أخف / أرقص / أمتع / أصوف ،
يا إلهي ،
يا مالك الملك ،
كان يمسك بيديه درويشان ، يدوران به في مدار حلزوني عكس اتجاه دوران الأرض والقمر والشمس ، عكس انطلاق المجرة كلها في فلكها الغير متناهي ،
كانت جلابيبهم المتسعة الرقيعة الصفراء الحمراء البيضاء السوداء الخضراء ، تزأر وهي تعض الريح هنا وهناك ، ومن السماء مباشرة حيث يصعد نشيد الدرويشين : تسقط أناشيد ، هي : عصارة أنوثة كل بنيات الدنيا ، السابقات / الحاضرات / الآتيات بمشيئة ،
الله ،
يدور الجسد الشهي المنقوط من السماء ،
لماذا ،
لم يكن يدر ، من قبل ، أن هذا الجسد لم يخلق الا : للرقص ،
كيف طوعت هذه الوحشية البيضاء كل مادة الحياة : حركة ،

رقصة البحيرة 5

الصفراء، في ذات اللحظة التي ارتعشت فيها قدمها اليمني في إنفعال ،وهي ترتكز علي مقدمة أناملها محركة الجانب الأعلى من فخذها مع حركة أيقاعية للصدر كله، استمرت علي هذا الحال ثوان معدودات ، أو خيل إليه كذلك ،
ثم ،عادت ،حركت الوسط فقط ثم ،خلطت بين الحركتين الوسط /الفخذ /الصدر ، وعلي حين غرة غيرت الفتاة المترجمة الإيقاع : أسرع /أخف/ أرقص /أمتع/أصوف
يا إلهي،
يا مالك الملك ،
كان يمسك بيديه درويشان ، يدوران به في مدار حلزوني عكس اتجاه دوران الأرض والقمر والشمس ،عكس انطلاق المجرة كلها في فلكها الغير متناهي ،
كانت جلابيبهم المتسعة الرقيعة الصفراء الحمراء البيضاء السوداء الخضراء، تزأر وهي تعض الريح هنا وهناك ، ومن السماء مباشرة حيث يصعد نشيد الدرويشين : تسقط أناشيد ،هي :عصارة أنوثة كل بنيات الدنيا ، السابقات/ الحاضرات /الآتيات بمشيئة ،
الله،
يدور الجسد الشهي المنقوط من السماء ،
لماذا ،
لم يكن يدر، من قبل، أن هذا الجسد لم يخلق إلا: للرقص ،
كيف طوعت هذه الوحشية البيضاء كل مادة الحياة : حركة ،
كل عضلة فيها تؤدي استعراضا انسانيا راقصا، بعمق متفرد ، وكل عضلة فيها كانت تنشئ فهمًا بهيميًا ينفي ذاته ويتعالى علي كل: شيء ،
الرويد ح ، البحيرة ، الشبق ، الديمومة ، ينفي نفسه المتعالى عليها ،
كل عضلة مهرجان وثورة /عشرات النساء يؤدين أوبرا : الأبدية ،
ور به الدرويشان ، يمزقان نياط مدينته يسحرانه : عينا واذناً ،
كيف طوعت هذه الوحشية الروح في تموجات عضلات جسدها ،عبر إيقاع البنت المترجمة المسحور ، كيف استنطقت عصارة السر من علياء البنيان ،
لا، لا،
لماذا لم يعرف، أن روح الجامد الساكن المقاد هي ثورة الجسد ،
لماذا لا يؤمن ،
يدور به الدرويشان ،
لماذا لا تؤمن ،
ترقص ،
ترقص ،
ترقص ،
يدور به الدرويشان , تذوب الروح ،
ترقص ،
ترقص ،
ترقص ،
تذوب الروح وتصبح / الجسد ،
ترقص ، ترقص ، ترقص ، ترقص ،
ثم غاب عن الوعي ، أنامه ملكان ، أيقظه ملكان ،نظر به نحو البحيرة الساكنة شيطان الحاضر : الآن ،
وآ أسفاه ،
أين ذهبتا ، كم سنة نمت ،
***
بالكهف عاده الاحساس بالضياع بالوحدة بالخوف ، بالحزن ،
مكسـيما،
تملـيخـا،
مرطـونس،
نينوس ، ساريولس،
فليستطيونس،
قمطير ، حمران، أو ريان،
ماذا لو كانوا قربي الآن ، نائمون هنا ، ماذا لو أتت الفتاة البيضاء ،رقصت علي إيقاع شخيرهم المنغم بشهيق قمطير وهلوسة فليستطيونس وهو يرى في المنام أن ذئباً يتحرش باغنامه ،
هل كانوا سينقلبون قليلاً جهة اليسار، إذا هي أحنت رأسها قليلاً جهة الشرق اندفقت خصلاتها الشقراء علي نهدها ،وهل ، إذا انتهرت عضلة واحدة بردفها وأرقصتها بايقاع خفيف مموسق ،بزفير ثمليخا ذلك الحاطب التعب المرهق الذي استراح أو شاء له أن : ، أكل لحم الذئب المشوي شواءاً رديئاً، علي عجل وشرب قليلاً من جعة الأنناس قبل أن يأخذ كاميرته وملحقاتها ويغلق الكهف بغصن من الشوك كبير ويتجه بخطي عجلة نحو البحيرة ، سأقوم بتصويرهما هذه المرة ويجب علي الصادق أن يري مثل هذا الرقص الذي لا يشبه الرقص ،
في دخيلة نفسه ،كان يعرف أن الصادق سيهتم أيضا بسوق الفتاتين العاريات سيهتم بسوقهن سيهتم بالرقص ، سيهتم بسوقهن ،
كمن في مخبئه الذي قرب البحيرة، نصب كاميرا كوداك صوب موقع أداء الرقصة السابقة ، مرن نفسه بتصوير البحيرة إنحناءآت الأغصان بتاثير ريح خفيفة ناعمة، تهب من جهة الجنوب الغربي صور سرباً من أطيار ذات أرياش جميلة، وألوان زاهية كانت تحلق علي سطح البحيرة الممتد أميالأ في أفق ينتهي بأشجار عالية بعيدة ، ثم قرر أن يحتفظ بطاقة بطاريته الجافة لتسجيل رقص البنتين ،لربما سترقص اليوم الفتاة المترجمة ، ستحضران حالأ بين لحظة وأخري لقد حضرتا بالأمس في نفس هذا الوقت ذات البحيرة ،
ستحضران حالاً ، سترقصان حالاً ، بذات النشاط ،
كان يتلهي بالأشياء حوله وهو ينتظرهما ، ولكن الزمن سيمضي ممثلاً في عقارب ساعته واستدارات الشمس نحو الغرب وهو لا يحس بذلك أو كان يخدع نفسه ويسقطها في فخاخ إستراتيجية عميقة وبتكتيك عسكري كان يصدر لهما الأوامر :
ستحضران حالاً ،
حان حضورهما واستسلم ، لارهاب العاطفة وتخدير المخ، الموقع بالأمل في الحضور الفوري ، والرقص الفوري ، العري الفوري ،العُري العظيم المقدس ،
كان كمدمن في انتظار جرعة مخدر ، تأخرت ، كحبلي علي فراش الولادة ، في انتظار الطلق ، كان:كلا يدري ،
في تلك اللحظات تكثفت حاجات العمر كله في أمل واحد لا غير ، وضاق الكون بما فيه وانكمش، متمثلاً في عضلة تنتفض علي إيقاع بنت ، عضلة في ردف جنية، غناء الأطيار ، ألحان المغنين كلهم ، موسيقي الطبيعة، نغمة من فيه صبية البحيرة ،
لحظة هي : المدد عند الصوفي ،
وشاءت ألا تكون ،
وعندما وعي غروب الشمس نتيجة لإحتجاب الرؤية ، أصدر أمرًا ميدانياً حازماً لنفسه : سيطلع القمر وسيحضرن حالأ ،
نعم فليعلو القمر قبة السماء بعض الشيء ،نعم لا بأس ، فليصعد قليلاً ،
يومياً ، كان يشهد شروق الشمس علي شط البحيرة ، يشهد غروبها علي الشط الآخر، وينتظر بتلهف ميئوس مدمي طلوع القمر ثم ، يعود لأهل الكهف يشاركهم الغياب ،
الليلة قمراء ،
مضاء الدغل كله ، مظلم الأمل في غرف ذاته : مشتى الحزن ، القمر يضيء كل شيء إلا الحزن ، أنه يزفته ويطينه ،
يستطيع من امام كهفه أن يري بنايات القرية ، النار المضرمة بالكهف تستعر معها فراغات الكهف : وحدته ،
كان يستمع إلي راديو فرنسا الدولي، في الحق لم يكن منتبهاً لما يذيعه الراديو ، أيضا لم يكن منتبهاً لما يدور خارج الكهف، لأنه إذا كان منتبهاً لسمع صوت البنت المترجمة تنادي ،YOU MAN , YOU MAN
حركت الشوك المنسد به باب الكهف ، حينها صاح مذعورًا ،
من هناك ، من هناك ، إنس أم جان ،
وهب واقفاً علي ،رجليه وبيد مرتجفة أمسك فأساً قريبة منه ، قالت الفتاة المترجمة وهي تزيح الغصن الشوكي تماماً عن الباب،
أنا فلوباندو الفتاة المترجمة ، ناديتك من الخارج ولم تسمع ،
كانت تتحدث بهدوء وطلاقة ولغة إنجليزية راقية وأعصاب باردة كأنف كلب ، فبادرها ،
هل أنت وحدك ،
نعم وحدي ،
في الحق لا يدري لم سألها هذا السؤال ، ولكن للسؤال جذور متأصلة في عمق مأساته ،من تظن كان يجب أن يكون في صحبتها ، أم أنك تريدها وحدها ، جلست علي أرض الكهف ، بأدب، ضامة فخذيها، متخذة من ساقها اليسري مسنداً، قدم لها سريره الجوال كي تجلس عليه ،لكنها رفضته قائلة إنها تفضل الأرض لأنها تعودت علي ذلك ثم أضافت ، الأرض لا تؤذي أحدًا ،
إنها أمنا ،أمنا جميعاً ،وهكذا أيضا كان يؤمن مستر جين ،و مسس جين ،
نعم عرفته إنه البدائي،نعم ، كنت تقيمين معهما في المنزل أليس كذلك ،
نعم ، ليس بالصعب أن تتنبه إلي ذلك ،
نعم ،
في الحق هي تحب الثرثرة عندما يكون المثرثر فيه آل جين ، وهوأيضا يحب أن يعرف عنها الكثير ولكنه يحب أن يبدأ الكلام بالمقلوب : ليس بالأباء ولكن بالنسل ، الحفيدة وهل البنت البيضاء هي إبنتهما ،
سنيلا،
أين رأيتها، إنها سنيلا ،
صمت ، حسبما خيل له، لوقت قصير جدًا ،ولكنه ،في الحق: صمت لوقت طويل جداً، شرد فيه بكليته الواعية، إلي حركة مفصل الركبة المتزامن مع إهتزازة طفيفة للنهدين وحنية الراس جهة اليسار ،
سنيلا ، سنيلا ،
أنت تهذي ، هل تعاني من مرض ما
لا شيء علي الأطلاق ،
لماذا لا تجلسين علي السرير ، بالأرض هوام ،
الأرض لا تؤذي ، الأرض لا تؤذي ،
كانت تحدثه عن مسس ومستر جين البدائيان بشهية غنائية وبرؤية بسيطة صادقة ببصيرة كلب / طفل ،
في البدء كانا ملكين هبطا في غفلة عن العادي الي الأرض ، جاءا من حيث لا يدري أحد ،كنا أطفالُ تقتلنا الدهشة ونحن نري لونهما الأبيض ، لبسهما والوانه الزاهية والتي كانت تفعل فينا فعل السحر عيونهما الخضراء ، تشبه عشب الخريف ، عربتهما كل شيء ، كل شيء ، ولكن ،ما كان يثير القرية ويفتح شهية الكواكيرو شخصياً هو : الأمل المتمثل فيما يمكن أن يحدثه هذين الشخصين من تتطور ،
لابد،إنهما سينشئان بيتاً للتعليم،
لابد،إنهما سينشئان بيتاً للعلاج،
لا بد ،إنهما سيعلمان الدغلين طرقًا جديدة لكسب العيش والحياة الأفضل ،
لا بد،إنهما سيصبحان رسولين للحضارة والتقدم الذين تنعم بهما بلدهم ،
هكذا فعل البيض في الشرق ، هؤلاء البرص أصحاب العيون الخضراء يفعلون المستحيل ، إنهم سحرة لا يبارون ، ولكن يعلم أهل القرية أيضا أن الأبيضين ، يبدآن ببناء بيتاً لعبادة الرب المثلث ثم، جند لحماية البيت أو: يتاجران بالرقيق ،
في ذلك الحين سنحرقهما ،
الدغليون لا يعرفون أحداً يتوجهون اليه بأدعيتهم ويطلبونه ساعة المخافة ويحمونه في سريرتهم غير :برم بجيل،
اسمي سلطان تيه ،
فلوباندو ، فلوباندو،
أين سنيلا الأن، إنها في القريه الأن ، اليوم ليلة الأحتفال ب وز ،كما تعلم هو الحارس لجد القبيلة ، وهذا ما جئت لاجله،
من أجل سنيلا
لا من أجل ليلة وز ،
آه ،نعم،
اختلط علي الأمر، إذاً، هل سأذهب معك لمشاهدة الأحتفال،
للأسف، لا ،
لا يحضر الأحتفال الغرباء والأ اصيبوا بالعمي لأن وز سيري ،والا أصيبوا بالخرس لأن وز سيتحدث ، أما أنت بالذات، ردودا داما، ملعون ما لم تذئب ، ما لم تأكل كل لحم الحارس ،ما لم تتخذ فرائه لك فراشًا دائماً ، ما لم يسكن روحك ، ما لم تكنه،تكنه،تكنه،تكنه،
إذا ماذا تودين القول لي،
يجب عليك أن تنام هذه الليلة خارج الكهف، طالما كان القمر يمشي في السماء سيظل الجد وز يري دغله، مكشوفاً ، وسوف يراك لأن عينه القمر ،
حاول أن يتلقي الخبر بشكل جاد والا يسخر منه لأن السخرية ، تغضب فلوباندو وغضب فلوباندو يعني غضب السلف الحارس وز ،هذا يعني غضب القبيلة ،هذا يقود الي عدم رضاء الحراب والفئوس عنه ، وقبل أن تنهض جامعة جسدها من علي الأرض سألته
هل تريد شيئا، قال بصورة جادة و بصدق ،
نعم، فقط لو ترقصين قليلاً،
بعض من الرقصة التي أدتها سنيلا علي شاطيء البحيرة الأسبوع الماضي ولا شيء أكثر ،


















عرفنا ذلك في وقت مبكر من صبيحة اليوم الرابع عشر ،
قالت له فلو باندو ، تتكيء بظهرها علي جزع دليبة، عملاقة بعيداً عن الكهف ،
أخبرنا بشأنها المحاربون الذين كتموا الأمر كما يجب عليهم أن يفعلوا عندما يكون الأمر مهمًا وخطيراً ، لأسبوعين كاملين كانوا يرقبون سلوك الغرباء ، أصحاب الحمار الكبير ، البرص ، وعندما جاء البناؤون وأخذوا في تشيد البيت الكبير كان المحاربون أيضا هناك خلف الأشجار في جحار الذئاب والحلاليف وعلي قمم الدليب والتبلدي الحبب يراقبون في صمت وينقلون ملحوظاتهم في إشارات صغيرة الي بعضهم البعض ، اجتمع مجلس المحاربين مرارًا وتكرارًا متباحثاً في شأن الغرباء ، هل نجبرهم علي مغادرة الأرض ، هل نسمح لهم بالبقاء ، هل نقتلهم ، هل نسجنهم بالكهف ، الي أن نستبين مقصدهم ، ولكن الكواكيرو ومعظم نوابه يرون أن قدوم الأبرص الي أرضهم لا يعني دائما : الصيد ، الكنائس ، الرقيق ، الحروب ، ربما يعني حياة جديدة متحضرة كالتي في الشرق ، أليست من صنع الأبرص ، المصانع المواصلات الحديثة ، المزارع الكبيرة الآلة الحربية ، الطعام الشراب اللباس أليس كل ذلك من صنع الرجل الأبيض في الشرق، ، مضي عهد الأستعمار ولا عوده ومضي قبله الأتجار بالرقيق ولا عودة ، مضت عهود مشابهة كالعهدين عهود كثيرة متباينة ، نعم ، ورثنا من تلك العهود الحزر والخوف ، ولكن ما يميزنا نحن في قبيلة
لا لا ،ولو أننا لانزال في وحل التخلف /الفقر /العوز ، إلا أننا نسعي بكل جد أن نصبح قبيلة ذات شأن ولو مقارنة مع قبائل الدغل الأوسط والشمالي ، ولن نكون كذلك إلا عن طريق العلم والمعرفة ، وبدأ ذلك واضحًا عندما ابتعثت القبيلة عشر من ابنائها للشرق لإكتساب المهارات العلمية/ الحديثة ، وانفقت عليهم من ذهبها الكثير ، ولكن هل عاد الأبناء ، هل تخلت القبيلة عن مشروعها الحضري ، ولكن هذه هي فرصة أخري ، قدم الأبرصين ، الي ديارنا ،أتصبح ضربة الحظ التاريخية ،بعد مداولات كثيرة ،قرر مجلس الكواكيرو إمهال الأبرصين زمنًا قبل الحكم عليهم ، قمران كاملان ، وعلق بندو مندو أحد المحاربين وصاحب كلمة مقدرة ، علينا أن نتفاءل ، وإذا كانوا غير ما نشاء، كانوا قتلة: قتلناهم ،
في اليوم الرابع عشر عند الفجر أعلمنا بوجود أبرصين بشرق أرض، لالا، بين خور السلاحف ووادي الأنناس ، وانطلقنا نحوهما ، أطفال ونساء وبعض المحاربين الذين ربما كانوا ينشدون الفتيات وهن ينشدن فتيانهم ، كنت في السابعة من عمري وتبقي لي من سن الحماية عامان ، لذا كان ما يشغلني هو : الأبرصان ولا شيء آخر ، ولا يشغلني الشبان ،
ظللت اجري بكل ما لدي من قوة ، أقفز فوق الأعشاب الشوكيه الصغيره ، اعثر بالحجارة وجذوع الأشجار ، وكان علي أن اري الأبرصين قبل أن يختفيا فجأه : يطيران في السماء أو يغطسان في الأرض ، كان علي أن اراهما قبل رفاقي جميعهم لأشير اليهم أنظروا ،
عندما اشرفنا علي خور السلاحف سمعنا نباح آلتهم ، فزعنا في باديء الأمر وتجافلنا كسرب الغزلان الذي فوجيء بالنمر ، تجافلنا في كل صوب وجهة ، وايضا بعد ما يتجمع السرب بعد مخافة ، تجمعنا ضحكنا علي بعضنا ، تشجعنا ببعضنا ومضينا نحو البرص ، سأكون صريحاً وواضحاً مع فلوباندو ، قال لنفسه أيضاً ، أقول لها أنا أحب سنيلا البرصاء ، وعندما استمعت لمقاله ، لم تندهش ولم يبدو علي وجهها أي انطباع يستطيع قراءته ، كانت عيناها عاديتان وباردتين وعندما تفوهت قالت ،
كل الناس يشفقون عليها مثلك ،
قال في انفعال ظاهر ،
لا ، ليس شفقة ولكني اُحبها ،
وصرخ هاتفاً،
I LOVE HER
قالت ببرود وهدوء ،
نعم كلنا نحبها ،جميع القرية وليس لها ذنب أن تصبح برصاء ،
عرف بينه وبين نفسه أن الأشكالية هي إشكالية لغة وتواصل ، وربما تعني كلمة حب عند فلوباندو الشفقة، لا أكثر ، هي ذات الأشكالية التي واجهت آل جين، في الماضي عندما شاءت مسس جين أن تعلم فلوباندو اللغة الأنجليزية وشاءت أن تتعلم لغة لالا ،فكانت كلمة حب ليس لها ما يقابلها في لغة لا لا ،غير كلمتين ، الأولي : ممارسة الجنس: طم ، الثانية : الشـفقة ِأشخ ، فضلت مسس جيني أن تختار المعني الأخير لتقابل به كلمة حب LOVE وكانت كلمة لالا المقابلة هي أشخ ، إذاً ما كان بإمكان سلطان تيه أن يجعل فلوباندو تفهم مقصده إلا إذا قال لها أريد أن أضاجع سنيلا ،
ولكن هل يريد سلطان تيه حقا أن يفعل ذلك ، ولو أن حبه لها ، يقود الي ذلك، ألا يحتاج الأمر لشىء من التكتيك والدبلوماسية ، بائس متشائم ، يغسل علي حجر بالشاطيء ملابسه الداخلية ، وكان محبطاً ، لا يدري كم مضي عليه وهو بالكهف ولا يدري كم تبقي له من سجن ولحم ذئب ، كانت تفوح منه رائحة الذئب ، من جلده ، ومن أنفاسه ، عرقه وصنان إبطيه ، بوله ، توقفت فلوباندو عن زيارته ، لا يدري سبباً لذلك ، كانت تؤنس وحدته بحديثها الذي لا ينقطع عن مستر ومسس جين وعن تأريخ الدغل وحروبه القديمة وأساطيره ، نشأة سكانه ، روابط الدم بينهم ،قبائل الدغل الأخري ، خصوماتها مع مع سكان الدغل الشرقي المتحضر ، عن برم بجيل ،
أهلي كثيراً ما يرسلونني مع المتسوقين الي المدن المجاورة كمترجمة ، سافرت كذلك الي كل دول الجوار علي حمير الوحش لتسويق الذهب أو شراء بعض الأبقار أو جلب البترول لعربة الجيب ،
إذاً هل سافرت فلوباندو في رحلة طويلة الي مكان ما ،
حتماً ستأتي وأن طالت وحدتي ،
هكذا أصدر قرارًا نهائيًا لنفسه بالأمل ، وتخيل مجرد تخيل أنها عادت ومعها الجميلة، جنة روحه، سنيلا ، كأجمل ما تكون ، بشرتها تشع نوراً ، نورًا ازرق، فمها يرتجف في انفعال وهي تقول له: أنا هي سنيلا ، هل تريدني ، إذًا ،أنا بين يديك ، أمرك يا سيدي ،
أريدك ، أريدك أن ترقصي ، هذا اقل ما يمكن فعله من أجلك ، ولكن أين البحيرة ، الرمل ، أين أطيار الكرووو كروووو ،أين عيد مابندوتييرا ،ثم ضحكت وتلاشت، إنها خدعتني ، لاحظ سلطان تيه أن ليس بالبحيرة أسماك ، ماؤها نقية صافية تتغلل بينها خيوط الصابون الرمادية مكونة جزيرة صغيرة من التلوث الكيميائي والذي يبدو غريباً، ليس من إهتماماته الفعلية صحة البيئة ولو أن الدراسة التي يجب أن ينال بواسطتها شهادة الدكتوراه كانت من منظمة السلام الأخضر العالمية، ولكنه باحث أكاديمي ذكي فحسب وليست له إنتباهات لغير آلية العمل الأكاديمي وليست روحه ، وكان يعرف في قرارة نفسه أنه كالكمبيوتر : يعمل بصمت /جدية واتقان ولكن بغير عاطفة ، وكان يستعجب لذلك ، أخذ ينشر ملابسه علي أشواك الأشجار والأحجار التي علي الشاطيء وكانت رائحة الذئب تذكم أنفه , سيبقي اليوم بطوله في الماء ، سيدلك جسده بالرمل والطين والصابون ، ولكن بأنفاسه : رائحة الذئب ، فويل لمن يقتل الذئب .



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-01-2008, 12:36 PM   #[34]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]حُزن نبيل في عِوينَاتْ الوطن
مع الشاعر الدكتور / مبارك بشير سليمان[/align]


جامعة الخرطوم ، أوائل السبعينات من القرن الماضي .كُنت مع أحد الأصدقاء في الباحة بين بنايتي كسلا والقاش في مُجمع داخليات طلاب ( البركس ) التي كانت في الأصل ثكنات الجيش الإنجليزي قبل جلاء المُستعمِر . بناءان قاما في الستينات ، لكلٍ أربع طوابق ، في الطابق الأرضي من إحداهما غرفة عامة ، وفي الطابق الأرضي من الأخرى مُصلى وتجاوره بعض الغرف السكنية لطلاب الجامعة . الوقت قبل الغروب بقليل حين أخذ الصديق ( محمد علي ) بيدي فرِحاً وهو يقول : ـ
ـ أُعرِّفك اليوم على طالبٍ وديع نبيل ، وشاعر مُرهف الحِس ، يتقدمك عاماً دراسياً . هو في السنة الثانية في كلية الآداب و هو ( رُوميِتي في الغُرفة ) واسمه مُبارك بشير .
كان مُبارك حينها يرتدي جُلباباً أبيضاً ، يجلس على مقعدٍ ويديه تُقلب أوراقاً . أدار محمد علي مقبض الباب وصِرنا نواجه ظهره ، قام هو من مقعده للتفقد و التقت العيون ببعضها . لم يدر بذهني أن خيط الود الرفيع الذي بدأ يربطني به منذ اللحظة ، سينسج بُردة رائعة من رفقة صداقة جميلة ستُلوِن العمر . تتوهج بالفراق ، تَتقد ثم تُزهر باللقاء عندما تضمنا إلى صدرها بقعة من بِقاع وطنٍ ، غُباره حَنين على الرِفقة رغم عَنت ْ الحياة .
أمسكت يده وأنا أتطلع . هادئ الوسامة بسُمرة لون أليفة لمرآي آنذاك ،فنحن في مُقتَبل الشباب بين التاسعة عشر والعشرين من سنوات العُمرْ . عيناه واسعتان بِحَوَرٍ يُلْحَظ . تَبسَّم هو ، و من بعد كلمات التعريف الأولى استطرد محمد علي : ـ
ـ إنني سعيد إذ تخيرتني الصدفة و اقتسمت السكن مع مبارك و آخرين . هذا الصغير الذي تراه هو شاعِر ( عِويناتِك ) التي لحنها وغناها الموسيقار محمد الأمين !
قلت بفرح وإعجاب طفولي : ـ
ـ أتلك القصيدة العاصفة المُلتهِبة المشاعر ، كَتبها هذا العِمليق المتضمخ بالوداعة والهدوء والرقة واللطف ! .
كان لفوران الصِبا وصخبه ما يمنع صبري على المُتعة القادمة واستعجَلتها . بعد إلحاحي كتب مُبارك القصيدة قبل أن يقرأها علينا : ـ
عويناتِك تُرع لُولي وبحَار يَاقوتْ
مناحات ريدْ حَزاينية
بغازِل فيها مأساتي
وفي شَرَف العِبور ليها
بَموتْ وأكسِر شراعاتي
....................
تطفلت وسألته وأنا أسير دهشة لا أول لها ولا آخر ، فدروب الكلِمات كدروب الحواري في المُدن القديمة ، معانيها فاجأتني بصباح جديد آسر وأنا عند الغروب . محبة للحُزن تملَكتني لم أعرف لها سبباً ، فقلت : ـ
ـ أتفتح لي قلبك وتحكي قصتها ؟
صمت هو قليلاً وخاطبني بلغة حيادية : ـ
ـ هي قصيدة وفي باطنها كل شيء .
عرفت حينها أنني قد أسرفت الفضول ، فمائدة ذلك المساء كانت تكفيني أياماً وأسابيع ، فالغول الأكاديمي في شُعبة هندسة العمارة يأخذ كل وقتنا ، ويحرم الجميع من أُنس يُمتِِّع و حديث يعبُق إلفة . مصطلحات جديدة علينا تُمسِك بتلابيب النفس ، تحُضَّها لتتمرَّد على الكلام العادي والمسلَكْ العادي والأُنس والمَحبة التي اعتدنا من قبل . خرجت من بعد لقائه الأول وأنا مُشتتْ الذهن ، قرأت القصيدة مرة ، ومرات . فتبدت الدُنيا في ناظِريّ امرأة تنظر أنت عيناها ويتسع المَشهد لترى بُحيرة ماء وسط خُضرة . يسبحُ اللأوز فيها كاللؤلؤ الأبيض ، ولون الماء يتقلب ياقوتاً . اختلطت عليّ الرؤى والتفاسير .ضَحِكت عليّ سَذاجتي ، فاللُغة قد أسرجت أفراسها وانطلقت ، وأنا من ورائها ألهث أطلب اللحاق . قلت في نفسي أينعت أرض النيل فارِساً في شِعر الغناء عندنا ، فميلاد الإبداع الجديد من ذواكِر تراثنا الحضاري القديم . نُشيِّد نحن قوائمه إن أردنا بالقراءة والمناهِج المتطورة للآداب و العلوم . داهمني خاطر وقال لي : ـ
ـ أهو من أبناء ملوك الزمان ؟
سكن الخاطر حيناً ، وقلت لنفسي ربما هي قصيدة أثارت المشاعر و طفحت بي نشوة الصِبا وفوران الشباب وأحاسيسه المُتلاطمة بالتفَكُر .
بعد مضي أكثر من عشر سنوات وفي أوائل الثمانينات من القرن الماضي كان لنا موعدا في المنافي . هذه مستشفى ( إشبانداو ) في أطراف برلين الغربية قبل توحيدها . كُنت في غرفة للاستشفاء . أيام كانت الدُنيا من حولنا سلسة العبور من أقصاها إلى أقصاها بدون عوائق ، و قبل أن يصبح الأمن هو شُغل الدنيا الشاغل كما هو اليوم ، فالشّك الآن يرحل من النظرية الفلسفية المُترفة إلى تفتيش الملابس وتحسس البَشرة ، عندها يُنَبِه الذهن الجَسَدْ بوحي أخلاقه الموروثة آمراً غُدَّة تُفرز العَرَقْ أن تعمل ، فقد آن موعد التعدي على الخصوصية . يحين عند أول نقطة عبور .
فتح دكتور ياسين الحاج باب الغرفة وأطلّ عليّ بفأل الدنيا ، فزيارته برفقة السيدة الفضلى زوجته كانت مائدة مُترفة أنتظرها بصبرٍ قلق خلال عُطلة نهاية الأسبوع . قال لي وهو يضحك بعد أن تجاوز المدخل : ـ
ـ وصل صديق لكَ من السودان !
ودلف شاب في السُترة المُبطنة بعوازل الحرارة ، والمُعتاد لباسها هناك .أخذتني بضع ثوانٍ بين الدهشة والتطلُع قبل أن يحضنني ( مبارك بشير ) . الدنيا الآن تستبشِر والخطوب في ذلك الزمان قد أخذت حِصتها من جسدي ، وآن لها أن تُفارِق . الروح التي ضُرِبَتْ عليها المَسكنة قد أفاقت ونـزلت عنها أصفاد السنين . بعد أن اطمأن على مسيرتي للشفاء ، قلت له : ـ
ـ تعجلت دنياي أن نلتقي ولم يكن في الحُسبَان . لا أرى إلاّ نجوم سعدي قد تجمعَتْ لتمنحَ نَفسي المُتعَبة راحة اليوم وأنت معي .
بعد الطمأنينة عن الأهل ، نقل لي أخبار الأصدقاء والأحباء جميعاً فرداً .. فرداً ، وأودعني رسائلهم . تحادثنا طويلاً ، ورويت طرائف أن يكون المرء بين مُتعددي الثقافات والأعراق وقد جمعتهم غرف الطعام أو الغرف العامة . يلعبون الورق ، يتحزبون لأعراقهم ويخادعون بعضهم ويختلفون وتتناثر شظايا اللغات هنا وهناك ولكنهم يتفقون على اللغة الألمانية بحياديتها حكماً بينهم رغم ضعف ألسنتهم وغرابة نطقهم . تسامرنا ذلك اليوم طويلاً وضحكت من قلبي كثيراً . امتدح مُبارك طريقتي في الوصف ، وتمنى عليَّ أن أكتب عن تلك الوقائع . قبل ختام الزيارة أخبرني أنه مُبعَث لجامعة ( لايبـزِج ) للتحضير لرسالة ( الدكتوراه ) ، وسوف يغادِر برلين مضطراً بعد يومين . أهدى إليَّ نسخة من ديوان أشعاره الأول ، وقرأ لي منه قصيدة ( عُرس الفداء ) . قال لي إن الموسيقار المُبدع محمد عثمان وردي سوف يغنيها في أعياد الاستقلال القادمة . قرأ لي بصوته القصيدة وانسكب عصير الذكريات وتاريخ قصيدته الأولى منذ رأيته أول مرة . عرفت حينها كيف تُبني القصيدة الوطنية بمحبة تستلهِم تراث البطولة من أمجادنا الغابرة . استنهَضَتْ القصيدة أنفُسنا من الضعف الذي ألمَّ بنا حينها ، و يحتار المرء دوماً الآن كيف يقرأ الشُعراء المُستقبل بفكرهم ؟ . يقفزون عبر حواجز الزمن ويكسرون كل الحُجب . ما أحوجنا اليوم لنقرأ قصيدته مرة أخرى ونتأمل هذا الحُزن النبيل وهو يكسُو عِوينَاتْ الوطَنْ . على الإلفة بيننا والود رجوته أن نتواصل . ودَّعني وفي النفس إن الفرحٍ يحبو في وجه حُزن نبيل يُسابِق الريح . تطلعت للديوان الشِعري وقرأت ( عُرس الفداء ) مُجدداً : ـ

نلتقيك اليوم يا وطني ..لقاء الأوفياء
قد تنادينا خِفافاً ..
كطيور الريح في جوف العتامير
يا أرض البطولات وميراث الحضارات..
نُغني اليوم في عُرس الفداء
ها هنا ..يبتسم النهر القديم ...
لبعانخي ولتهراقا وللمهدي ..
لعلي عبد اللطيف..
لعبد القادر الحَبوب ..للقرشي
لصمود العُرس في كرري ..
وللموت الفدائي العظيم ..
نذكر اليوم جميع الشهداء ..
كل من خطّ على التأريخ سطراً بالدماء ..
نذكر اليوم جميع الشرفاء ..
كل من صاح في وجه الظلم لا ..
نحن أبناؤكِ في الفرح الجميل ..
نحن أبناؤكِ في الحُزن النبيل ..
سنغني لك يا وطني كما غنى الخليل ..
مثلما غنت مهيرة ..
تُلهم الفرسان جيلا بعد جيل
ونغني لحريق المَكِ في قلب الدخيل ..
للجسارة ..
حينما استشهد في مدفعه عبد الفضيل ..
نُكحِل اليوم مآقينا بمرواد الصلابة ..
وبإيمان كإيمان الصحابة
سوف نُفديك دواما..
ونناديك هُياما
فلتعِش حُراً أبياً في مهابة

عبد الله الشقليني
28/04/2005
_________________
من هنا يبدأ العالم الجميل



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-01-2008, 11:23 AM   #[35]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center] دروب الحزن .. ومسدار الحنين .....

مهند الجيلي بادي
الاحد سبتمبر 11, 2005 [/align]





صَبْراً
دُروب الحُزن ،
خَلِيني ما تِستَعجلي
البكا والنواح ..

ما تِتْمسَكي الذِكرى البِتُوجع في القلب
أنا ما هَجرت الحُزنِ
إلا الحُزنِ ما كَفَّاني
لا حرَّقْ ضُلوعي أسى
ولا بلل مواجعي إِرتاح ..

أنا قُتْ أرتِبْ
حِزْمة الحُزنْ المُشَتَتة في غُنايّ
أقيف أبلّلْ دمعتي
في دفقة الشوق المَكَتّمْ في حَشايّ
وأكرُبْ خُطايّ
لي شروق داكْ الصباح ..

وقُبّال شهيق الوَقْفَة
ما يَمْلا الصَدُر
زفر الغُروب رُوحْ النّهار
وأنا لِسّة ماليني الصُراخْ
واللّهْفَة للجري في براحات القَصيدْ
شوق المَقيلْ
في ضُل غناوي الإلْفَة
والوعْد الجميل
قَبْل الرحيل
غِرِقْ النِهار
وأنا يا دُروب الحُزنِ خَيّرتِكْ
أن أمشي فيكْ
أو أغنيكْ
في ضجيج الصمت
بي زَحْمَةْ زَماناً فات ..
أنادي عليك
حَدْ ما يَمْلا صوتي مسام رِمالك دَمعْ
وما إخْتِرتي
إلا مسارب الغُنْوات ..
طَفَح وجعِك
زاد الشوق
إلى مِيقات مراسي الحُزن
إلى ضَحكات تَشِقْ صدر الضَلام فرحة
وكان حُزنِك
أكبر من فرح منتظرو بالسنوات
وما كفَّاني ..
مسدار الحزن وَجعة
ولا لازمْنِي في الخطوات
ولا إتبلت غَنَاوي الشوق على حلّقي
ولا سَكّت رضيع الإلفة في جوايّ
وراح الصوت
مُنادَاة الحنين هَلكتْنيّ
ونيران الصَبُر حرقتْنِي

مساءات الحزن مسكتْنِي
ما فكّتْنِي
قِيفَات الغُنا إتلقَتْنِي
وديك مدن الفرح هجرتْنِي
والزمن العنيد غالطني
ودروب الحزن في لُجتّها من طرف القلب جرّتْنِي
ما خَلّتْنِي .. رتبت الحزن جوايّ
ولا مَهَلتْنِي .. بلّيت الدموع بالشوق
ولا شُفتَ الصباح الراح ...
علمت القلب يصبر
يقول عَشمْ السنين بكرة
يعيش الوجعة بالوجعة
يمِدّ العين على بكرة
يمِدّ العين على بكرة




مرفق :
للجميع محبتي
بــــادي

_________________
وخرجت من وجعي
بآلاف التجارب ...

وامتهنت الصبر
وعشقت بلادي
ثم ملك الموت
وبقيت أحارب ...




مي هاشم


يا مهند

يحفظك الله ويغطيك..كلام مؤثر جــوّه الجــوّه
_________________
الحب والجمال منشأ الكون

انتقل الى الاعلى


أم سهى




مهند يا صديقي
سمعت الاغنية البتقول
.. انت تبرى من الألم.. الألم ما لينا نحن
مودتي وعميق تقديري
ولكلماتك .. الحزينة الأمل الكبير لتتجدد بشريات وتفاؤل وحب لا يموت


غيداء



مهند الجيلي بادي كتب:

أنا قُتْ أرتِبْ
حِزْمة الحُزنْ المُشَتَتة في غُنايّ
أقيف أبلّلْ دمعتي
في دفقة الشوق المَكَتّمْ في حَشايّ
وأكرُبْ خُطايّ
لي شروق داكْ الصباح ..

وقُبّال شهيق الوَقْفَة
ما يَمْلا الصَدُر
زفر الغُروب رُوحْ النّهار
وأنا لِسّة ماليني الصُراخْ
واللّهْفَة للجري في براحات القَصيدْ
شوق المَقيلْ
في ضُل غناوي الإلْفَة
والوعْد الجميل
قَبْل الرحيل
غِرِقْ النِهار



مهنـد..
قُبّال شهيق الوَقْفَة
ما يَمْلا الصَدُر
واصـل براحات القَصيدْ
وامتد في مطر القوافي
صـاهل غناء
وانفاس نشيـد

غيداء



Ishrag Dirar





مهند يا ود بادي
اعلم ان ايمانك الراسخ بالحب
سيهبك القدرة على طرق ابواب الفرح المضئ

واعلم انك تستطيع وبعزم الهوى فيك
ان تقطع مخاضة الحزن نحو افياء السعادة
دع الحزن لنا فانت لاتزال واعدا تحمل بشريات الفرح
ودي
اشراق


_________________
عيونا محبتك فيهن
بتبقى
وقدر ما يتوهن دموع الشوق بتجلوهن




مهند الجيلي بادي


العزيزة مي هاشم ،،


لك من المودة ما يغرقك ،،
وشكرا على حضورك الدوام الأنيق
حقيقة ...
ليس لي إلا أن أقف تجلة واحترام
لروحك الطيبة النقية

شكرا مي ...


مرفق :
معزتي ومحبتي
بـــــادي
_________________
وخرجت من وجعي
بآلاف التجارب ...

وامتهنت الصبر
وعشقت بلادي
ثم ملك الموت
وبقيت أحارب ...



أيزابيلا


هذا الجمال.....!!!!!

تكتب بطريقة توازى المزاج...

سأقتفى أثرك هنا

انتقل الى الاعلى


عروة علي موسى



بسم الله الرحمن الرحيم

ودبادي

أراك عميق الحزن تستجدي الدروب

تتوسد الذكرى وهاتيك الخطوب

وأراك أقدر ما تكون علي نسج الحروف

فحرف ( الحاء ) حرف الحنين والحزن والنواح

لا الحزن أدخلك الكفاية

ولا استطاع فحيحه أن يحرق القلب المباح

فالحزن أصغر من أن يوازي لوعتك

أو أن ( يرتب حزمة الحزن المشتتة في غنوتك )

واقف معاك ...

أحرق صقيع الغربة من نار لوعتك

وأتناوب الشوق ( لي شروق داك الصباح )

ما ديكنا صاح بي كتمة الحزن البتجرح في القلوب

والنيل هناك ماليه شوق لي نجمة الهجعة البتعرف وجعتو

ماليه شوق لي طلة البنت البترسم لوحتو

ما شوقها فاض وحنينها زاد لي زول وحيد في غربتو

غنيه يا ملك الحزن ... غنيه حزن الدروب

غنيه بي موال حزين يجرح قلوب

يرسم خيوط حزناً إرافقك فب الدروب

والله يا ملك الحزن ...

قد كنت تسأل آخر الأحزان

عن معني الحزن لتُحزِّن الأحزان في معني الحزن

قد كنت قالوا ...

لكنما الحزن النبيل وطوله

قد أخرجاك ذات مرة من حزن فانيةٍ لحزن هاج في وجهك

فقالوا ...

( واشوقي لي مرسى الحزن

وا شوقي لي لهفة رضيع الإلفة في جواك سكن

وا شوقي لي زولاً وطن ... )



بنت المطر


مهند ..
تحياتي

[ مساءات الحزن مسكتْنِي
ما فكّتْنِي
قِيفَات الغُنا إتلقَتْنِي
وديك مدن الفرح هجرتْنِي
والزمن العنيد غالطني
ودروب الحزن في لُجتّها من طرف القلب جرّتْنِي
ما خَلّتْنِي .. رتبت الحزن جوايّ
ولا مَهَلتْنِي .. بلّيت الدموع بالشوق ]
..
هذا الحزن .. المسيطر على كل مسارب الضوء
الواقف على كل منافذ الفرح
أمسكته بين يديك .. وحبسته بين حروفك
ليتك فككته وبعثته للريح .. وارحتنا منه .
_________________
ضللت عليك بي قولة الحق
ما عارف اني معاك .. بسواك !
لكن وحدك متغابي .. وطيب .. وغايظّني
نجلاء التوم



Nasir Yousif


مهند
تخنقنا الأحاسيس هنا وهناك
نحاصرنا المواقف هنا وهناك
فنضيق حتما من كثير عناء
وللقلم إختناقاته ، نكتمه صوته بعدم البوح
والبوح يصارع الحبس عله يخرج سيلا مندفق
فتجئ الكلمات تشاكل الحزن تشابه الألم تعتصر الآخرين
أنا لا أقول لك أطرد الأحزان من كتاباتك دعها تأتي كما تشاء كما تشتهي هي .. ولكني أتمناك فرحا بيننا دوما..
أطالع كتاباتك ومداخلاتك عبر بوستات هذا المنتدي ولكمم وددت أن ألتقيك للثناء والشكر لما تقدمه لي من إضافات معرفية ، شعورية ‘ ثقافية وحسية بشكل كبير ..
لك الشكر



مهند الجيلي بادي


سيدتي وصديقتي
أم سهى ،،

ولكلماتك .. الحزينة الأمل الكبير لتتجدد بشريات وتفاؤل وحب لا يموت

ما كرهت الحزن
وما أنشق الصدر بالآهات بعد ..
وما سئمت الحزن
سأبقى في قاتمات مواجعه
حتى يمل الحزن من حزني
ليرحل بلا عودة
فبعد علو الفرح صهوة الأيام
لا مجال للحزن ..

صديقتي ...

حتما أن الفرح آت
ووقتها .. وبعد كل هذا الحزن
سيأخذ عمق الدم في الجسد
يتسلل كل أماكن العطب يبث فيها الروح من جديد

وسأنتظر ذاك الميقات ..
لأقطع الأحزان ..
وأرتدي إحرام الحجيج إلى مفرحات الإيام
وأنحر بعدها موجعات الليالي إعلانا بأن عاد الإبتسام


صديقتي المحملة بالجمال
دعاش الحرف وقت جفاف الروح

الغيـــداء ،،

واصـل براحات القَصيدْ
وامتد في مطر القوافي
صـاهل غناء
وانفاس نشيـد

إتدفقي ..
وأمليني من مطرك
دعـــاش ..
إترافقي الشوق البكوسك
وكتين تشوف الروح
طشـــاش ..
وبيفقدك مد الحروف الحس
وبيسألك
أن كوني للروح الرُشــاش ..
يا أم حرف
في الحشا هَبّــاش ..


كثيف مودتي لك على حضورك المطر
وكيف لا وأنت الغيداء

مرفق :
حبي وتقديري
وصادقات الدعوات

بـــادي
_________________
وخرجت من وجعي
بآلاف التجارب ...

وامتهنت الصبر
وعشقت بلادي
ثم ملك الموت
وبقيت أحارب ...






حمدي اب جقادو


عزيزي مهـــنّد ود بادي
يامستطاب


عاشقك متل عطشان ..
مهاتيه رويحتو لي جرعة رهاب ..
ما بتلحق ..قال يصحا من سكرة هواك
قال يبتعد من سور ضيا ك
يلفا الشباب ما يحترق
بقدر يتوب ..؟ بقدر يتوب ..
لمن تتوب اليابسه من ريد السحاب ..
لما الشمس بعد الغياب .. ترجع شرق ..
كيف المتاب .. ؟
كيف المتاب والطيف صبح نور العيون ..
كيفن يحول بين العيون والنور حجاب ..
و انا عن أنا الفيك .. أفترق ..

يا مستطاب ..
أشواقي ريح شالتني ليك من الجذور ..
شتلتني في ساحل ضباب ..
ونميت هناك نوع من هواك ..
في عالم النور المذاب ..
سدرة عشق




ايها الحس الخرافه.........
فجأةً..‏ كانْبثاقِ القصيدةِ من شهقةٍ‏ تولد تعبر الطريقَ المؤدي‏ إلى القلب،‏ ثم- كأنشودة- في دمي‏ تسكن.. فجأةً.. تولد‏ فجأةً.. تعبر‏ فجأةً..‏ - قبل أن يعلن القلب أعْراسَهُ-‏
كالصدى‏ في مهاوي‏ الردى‏ تختفي.‏ مكثت هنا طويلا خربشت اشياء ربما شوهت صفحتك لكني كنت احاول ان ارتقي بنفسي لابلغ مداك رائع حزنك (جميل اجتراح في سديم اللغة) صعود إلى عتبة الجمال .. حتي أقاصي التهلكه...ظلمة خفيضة.. تعانق حفنة ضوء منح بمقدار ..نغم رمانسي خفيض يهامس مسامعنا ..اخيراً.....ينهشني صمت تفاصيل المفردات عن صدق الـ قول ..ايها المهـــنّد.. بعد كل هذا ماذا عساي ان اقول..!!
قطراتك هنا...كانت مختلفة كحلم مختلف..فادح...في وصوله وتجسده دواخلنا...شيء من اشتياق...لهكذا حرف...

وشيء من تقدير خاص بك...


ابقي شمس مابتغيب
حمدي اب جقادو



_________________



مهند الجيلي بادي




سيدتي الرقيقة
سيدة الخواطر
إشراق ضرار


الصبا يتسارق الحزن خفية
حينما يتوسط العشق المساء
شبقا إلى الوجع الجميل ....

صديقتي ..

ويبقى إقتفائي لرسم الآهة في ترهات الروح
صدى جديد
وجع جديد
وحلم مختلف
كما العيون في الشوارع
تحمل ما أختلف من صدى الأيام
قطعة من تصورات الحياة
ترتق ثقب رشح الحزن
أفئدة الإنتظار ..

صديقتي ..

هو رصف وبصمة من تواريخ
شرخت جدران الصمت
رافقت مواقيت دفق الوحيح
تربصا بسويداء الفؤاد (عن رضا)
.
.
.
وسيأتي موسم إنبلاج الفرح بلا رحيل (كما يقول العالم)
ستهداء المواجع .. ستنتهي
ويكون لقاء المروج الفرح

احتضان موجة غلبها الرحيل
فرست على حضن شاطئها لتحط آخر أحزانها عليه



مرفق :
محبتي ومودتي
بـــــادي
_________________




مهند الجيلي بادي



إيزابيلا ،،

حضور بهاء
ورشفة الحنين
تطفء الظمأ

شكرا على تلك المزاجيات

وسلمت على غيمة الحي تلك

مرفق :
محبتي ومودتي
بـــــادي



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-01-2008, 08:47 AM   #[36]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]الهكر والكبرت على والفاض عن الحاجة

عثمان احمد
الاحد مايو 08, 2005




والكبرت على..‏
والفاض عن الحاجة‏
المنسي في الدولاب والجوا تلاجة
والفي الزقاق مركون فردا وأزواجا
الكرسى في الحمام ..
البمبر المكسور ..
او باقي دارجة
وال.. بالهوام مسكون
والارضه وازعاجها
ما كان غداً حيكون
للصابر الممكون..‏
يسدوا كم فرقة
و يسدوا كم حاجة
الناس إذن بالناس..
ماتقيفوا فراجا
خوفي المدن تنداس..
لو دونما احساس
اتعلت ابراجا
كم من ولد.. لا ام..
لا بيت.. ولا حاجة
ياحليلو ما بيحلم ..
مدرستو قد فتحت..‏
قداموا ادراجا
ولا بحس بالعيد..
لو مرّ أو ما جا‏
يتوسد الطرقات
والحمى سهراجه
هوج الرياح في الليل ..
ساكيهو كرباجا
الجمرة تحت العين ..
مابكرة نتفاجا
الغبن ذو حدين
والفتنة مزواجه
الواحَد يبقي اتنين
والستة افواجا‏
طقس التسامح زين
القمرة وضاحة
والشمس وهّاجة
فلتفتح الاديان
بيناتنا نفاجا
نتدفا بالحسنى وبالسلم نتناجى
كل العشم ياريت..‏
ما يبقي زول محتاج..
ماتبقي محتاجة.‏


شعر استاذ / محجوب شريف [/align]



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-03-2008, 09:09 AM   #[37]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]المجدلية
الاثنين 10 اكتوبر ،2005 [/align]

[align=center]
فوائد الصمت [/align]


* الصمت يمنحك طاقه قويه للتفكير بعمق في كل مايحصل حولك والتركيز بعقلانية على إجابتك .

* الصمت يجعلك تسيطر على من امامك من خلال نظرات محملة بمعان غير منطوقه تجعلهم حائرين في تفسيرها .

* الصمت المصحوب ببعض الحركات والايماءات يرغم من امامك على البوح بما داخله فيقول اكثر مما يريد فعلا .

* الصمت عند الشجار مع الآخرين يولد لدى الاخرين شعورا بالغيظ الشديد لانهم يعتبرونه هجوما مستترا ، فتكون الاقوى من دون كلام ولا تعب .

* الصمت هو الحل الافضل امام المشاكل الزوجية التافه.

* الصمت في المواقف الصعبة يولد الاحترام ، بعكس الصراع و الجدل الذي يولد التنافر والحقد .


* الصمت يدمر اسلحة من تتشاجر معهم ويجردهم من القدرة على مواصلة الكلام .

* عندما يصمت شريكك اصمت فيتساءل عن سبب صمتك ويبدأ هو بالكلام .

* الصمت يعلمك حسن الاستماع الذي يفتقده الكثيرون .

* الصمت فن حاول اتقانه ولن تفشل ابدا في تحقيق ما تريد في أي وقت وفي أي موقف .

*إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب.

________________________________
من يريد قطف الورد يتحمل وخز الشوك



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-04-2008, 04:10 AM   #[38]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

الاثنين ابريل 11, 2005 5:41 pm

[align=center]القصص الكاملة ... اطياف البنفسج
Bayan
(الى سمر برعى للذكرى)



"سجيمان قال اى حاجة تفكها فى النت بتتقرى .. عشان كدا اتشجعتا انشر قصتى التانية التى اتمنى ان تنال اعجابكم . هذه القصة اول شئ اطبعه بنفسى وكنت لا اعرف اين مفاتيح علامات الترقيم ولذلك نعتذر للسليقة "[/align]



موت البنفسج :

جلست افرك قدمي المتصلبتين من الوقوف الطويل و أمامي
كوب لبن و وكانت عقارب الساعة تشير الى الواحدة صباحا وقبل أن أرتشف
كوب اللبن رن جرس الهاتف فتجاهلته لأني اعرف لا أحد يتصل هذا
الوقت إلا المستشفى و لكن مرة أخرى رن بإلحاح تبا لهذه الآلة
و رفعت السماعة لينطلق صوت صديقتي منار قائلا: يجب أن تأتى ألان
قلت لها: حرام عليكم يا ناس لقد وصلت قبل نصف ساعة فقط
فردت: منار تعالى و بسرعة تعالى ألان قبل فوات الأوان
وتسارعت دقات قلبي فسألتها ماذا هناك
فقالت لى: تعالى وستعرفين و ووضعت السماعة و ارتديت ملابسى بسرعة
و ذهبت إلى الحوادث و التقيت بصديقتي أمام الباب و كان القلق يباديا فى
حركاتها و أخذتني إلى باب جانبى عادة يقود إلى وحدة يحضر فيها المساجين
للعلاج و بدأت أنفاسي فى التسارع هل ياترى حدث شئ لعصام
فجذبتها من يدها و سألتها : هل عصام هناك لم تقل شئ ووصلت إلى غرفة
الإسعافات ووجدت عدد من الأطباء حول مريض لا يظهر إلا جزء قليل من وجهه المغطى بالضمادات المليئة بالدم و لم أتبين ملامحه و عندما اقتربت وجدتهم يقومون بعملية لتنشيط القلب و قبل أن اعرف شئ جذبتني إلى الخلف يد بقوة حتى كدت أن اسقط و عرفت يا للهول وصرخت روحى صرخات داويه و بدأت أحس بالانهيار و أنني أهوي فى حفرة لا قاع لها عصام ما الذى حدث له لماذا هو هنا هل حاول الهرب تساؤلات تساؤلات تدق فى رأسى كالمسامير و حاولت أن أتمالك نفسى يجب إن أكون قوية يجب ألا انهار و بالفعل تمالكت جماع نفسى وو قفت انظر إلى عصام وهو مسجى لا حول له ولا قوة و فجأة صرخ الطبيب فرحا الحمد لله أنني اسمع دقات القلب وبعد قليل بدأ جهاز القلب فى اخراج اصوات نبض ولكنه ضعيف و بدأ الرسم البيانى فى التعرج و اقتربت منه و ناديته بلهفة: عصام
وأكاد اجزم أنني رأيت اختلافا فى الرسم البيانى و كذلك صوت النبض تغير أذن هو يسمع ولا أدرى من أين أتت لي هذه القوة و صرت اطمأنه و أكد له أنه بخير و كل شي سيصير على ما يرام و مسكت يده و يالهول ما رأيت أصابع دامية مالذى حدث لك يا رمانة قلبى و نظرت إلى الطبيب المناوب متسائلة فأشار برأسه إلى الخارج و تبعته إلى الخارج و أخذني إلى ركن و قال لى ل: لقد احضره رجال عرفوا أنفسهم بأنهم من جهاز أمن الدولة و عندما طالبناهم بالبلاغ قالوا هذا أمر يخص أمن الدولة و لا دخل للشرطة فيه و عندهما رفضنا تقديم أي خدمات له حتى يأتى البلاغ أخبرنا احدهم انه طبيب و بالفعل عندما اقتربنا منه بصعوبة تعرفنا عليه و بالفعل بدأنا فى إسعافه إلى أن يخبر قائد السلاح وسألته كيف حدث له هذا الحادث فنظر إلى بدهشة متسائلا : أي حادث؟
فنظرت أليه بدهشة قائلة: الذى ادخله فى غيبوبة
فرد لا يوجد حادث يا دكتورة هذا حدث جراء التعذيب
فسألته: لا اصدق لماذا يعذب انه فقط كان سكرتيرا للنقابة
فرد الطبيب هذه االاصابات أتت جراء التعذيب أين تعيشين يا دكتورة؟
هذه الأيام نستقبل عدد منهم دائما ولكن هذا أول طبيب إلى ألان انهم يعذبونهم ليعترفوا
فسألته بماذا ؟
فنظر إلى لبرهة و ذهب إلى الغرفة و هناك كان المريض فى حالة مستقرة و بعد قليل أتت صديقتى و جلست قربى و عندما خلت الغرفة كانت تحمل آلة تصوير و صارت تأخذ صور لعصام و رفعنا الغطاء و أصبت بحالة من الغثيان كانت آثار السياط و حروق من الراجح إنها ناجمة عن أعقاب سجائر و بعد ذلك سمعنا طرقا على الباب و فتحت الباب لأجد أمامي قائد السلاح الطبي و تمالكت نفسي و رفعت له التحية واخفت صديقتي الة التصويرو خرجت و دخل الطبيب المناوب و اخبر القائد انهم يحتاجون إلى فتح بلاغ في الشرطة لتكملة الإجراءات و لكن القائد اخبره أن هذا مستحيل و ألان علينا نحاول إنقاذ حياته و اقترب القائد من المريض و صار يفحص بعض الأشياء و ينظر إلى الرسومات البيانية و اخبره الطبيب المناوب انهم ينتظرون صور الأشعة و كذلك يريدون رسم للمخ
و لكن المريض فى غيبوبة منذ حضوره و أن الرجال الذين أحضروه
غير متعاونين حتى نعرف مالذى حدث له
فرد القائد أعطني مهلة أعرف مالذى حدث و خرج و بعد نصف ساعة أتت
صور الأشعة لنجد أن المريض لديه عدة كسور فى مناطق مختلفة و بينما كنا
ننظر إلى الصور بدأ جهاز القلب فى اصدار صوت إنذار و هرعنا للمريض
فى محاولة يائسة لإنقاذه و كنت
اعرف انه يقاتل من اجل حياته و لكن هيهات و أعلن الطبيب المناوب موته و
مادت الدنيا بى و استسلمت لا أريد أن استيقظ أبدا فى عالم غيب منه عصام .

نشوة البنفسج:

كان ذلك فى زمن أراه ألان بعيدا ربما قبل عشرات السنين وربما كان
بالأمس و ربما لم يحدث بعد كان الصباح باهرا و خرجت أتمشى على ساحل البحر
انظر إلى زرقة السماء و البحر يلتقيان هناك فى مدى الرؤية و كأنه مرآة و لكن لا
تستطيع أن تميز أيهما الحقيقة والخيال و أنا مغموسة فى لحظة الاندهاش
هذه أبصرته يأتى من الناحية الأخرى و بنطاله مطوى لعند الركبة و يرتدى فانلة و عندما و قع بصره على بسرعة انحنى ليرجع بنطاله و عندما اعتدل واقفا كنت قد وصلته فرحب بى و قال لى ضاحكا: مالذى أتى بك فى هذا الصباح إلا تخشى على شعرك من التجعد؟
ونظرت أليه بدهشة فقال لى انه سأل أحد الطالبات لماذا لا يذهبنا إلى البحر فأخبرته
بأنهن يخشين على شعورهن من التجعد
وضحكت و قلت له :لا يمكن أن أضحى بألا أرى هذا الإشراق من اجل شعرى
و جلسنا هو على حافة الماء و أنا قليلا بعيدا عن الماء و ران الصمت بيننا و كنت
انظر إلى السماء حيث عدد من الطيور بدت و كأنها تقدم عرضا تشكيليا و كان
فقط صوت الماء و الطيور معزوفة إلهية لا يمكن بإفسادها بصوت أنساني و جلسنا
لبرهة نتملى هذا الجمال الباهر و نظرت إليه كم يبدوا وسيما و كأنه جزء من
هذه اللوحة الرائعة منذ فترة و نحن أصدقاء و كم أرقنى شعورى نحوه ولكن هو
هكذا هذا النوع من الناس الذين دائما يعطون من يعرفهم إحساس انهم جد مهمين
له و كنت أراه مع عدد من البنات يعاملهن معاملة تحسبها خاصة و لذلك كنت
أتتجنبه كثيرا و فجأة قطع حبل أفكاري قائلا: هذا صباح جميل جدا أنا آتى هنا
أنظر شروق الشمس و عادة أكون وحدى أنا سعيد بأنك اليوم معي و شكرته
على مجاملته فأردف قائلا أكون صريح معك لقد كنت أفكر فيك و عندما ظهرتى
لى كنت أظن أننى احلم ألان أحس و كأننى احلم و تسارعت دقات قلبى و فجأة أتت
موجة كبيرة و غمرته بالماء فتراجع إلى الخلف و هو يضحك و صار يجلس قربى يكاد
كتفه يلامس كتفى و نظر إلى و راعنى قربه منى فجأة وجدت عيناي مسمرتان فى
عينيه بسرعة أدرت وجهى إلى الأمام فصمت قليلا ثم قال أقرأ ىهذا
و كتب بالانجليزية على الرمل uoy evol I.
فقلت له لا أفهم !
: اقرأيها من اليمين إلى الشمال
و عندما فعلت و جدتها احبك و الجم لسانى لم استطع أن أقول شئ لفترة
طويلة تمنيت أن يقولها لى و ألان بدون مقدمات ها هو يقولها لى و أنا لا
أستطيع أن أقول له شئ و فجأة أتت موجة عالية أخرى و مسحتها و
أنا أحدق غير مصدقة و فجأة وقف و قال: أنا اكتب و البحر يمسح و
مد لى يده بتلقائية ليساعدنى على الوقوف و عندما و قفت لم يترك يدى
و أنا لم اسحبها و مشينا فترة و يدى فى يده و أحسست أننى ملكت العالم
و كذلك لا أخشى إذا شاهدنى أحدهم و يدى فى
يده فنظر إلى و قال: أنت أمراة غامضة و لا تتحدثين كثيرا اليس كذلك؟
ونظرت اليه و قلت له: بالعكس أنا واضحة جدا و لكن حقيقة قد فاجأتنى
ونظر لى برهة ثم قال: اهى مفاجأة سارة ام غير سارة؟!
قلت: فقط مفاجأة .
: كنت اعتقد انك تعرفين شعورى تجاهك!!
و كنا الان قرب بيت الضيافة فترك يدى و مشينا سويا و دخلنا
لنجد عدد من الطلاب يشربون الشاى و ذهبت إلى غرفة الطالبات
و استلقيت على فراشى وكنت خائرة القوة فأغمضت عينيا و صرت ا
سترجع تلك اللحظة فى ذلك الصباح الباهر الذى لا أعرف ألان هل هذا حقا
حدث فى الماضى البعيد أم فى الحاضر أم فى المستقبل و تشظت روحى و تكسرت
إلى آلاف الوحدات .

غياب البنفسج :

عصام و أنا و أنا وعصام شئ واحد هكذا كنت أحس لا شئ يفرقنا
نقضى كل أوقات فراغنا معا أينما تجده تجدنى و أينما يكون أكون إلى أن حدث
الانقلاب العسكرى الذى قبله بقليل كان قد عقد قراننا لحين اكمل تدريبى
و نكمل مراسيم الزواج و اعتقل عدد كبير من الناس و كل اللجان النقابية
و كان عصام سكرتير نقابة الأطباء و شق على عدم رؤيته و كأن عالمى
قد بتر و قطع و بكيت ليلتها حتى جفت الدموع و حاولت أن اعرف أين ذهبوا به و لكن
كل المحاولات لم تفلح إلى أن أتى شخص يحمل لى رسالة قصيرة منه يخبرنى أنه
بخير و يفتقدنى بشدة و هو لا يدرى متى يستطيع أن يكتب لى مرة أخرى
و طلب منى أن أعدم هذه الرسالة لانه ممنوع أن يكتبوا لأى شخص و
لكن لانه يعرف أننى سأكون قلقة عليه جازف و كتب تلك الرسالة و بعدها
مر اكثر من شهر و أنا لا أدرى عنه شئ و كان الحزن يأكلنى و أيامى دونه
خالية و صارت سلوتى هى ذكرياتى اجترها و كأنها شريط سينمائى وكل
شئ يذكرنى له الشوارع و الأشجار و الحافلات ولكن كان كل الناس
يقولون لى من المؤكد سيطلق سراحهم قريبا و هذا ما يحدث فى كل الانقلابات
عندما يستتب الأمن يطلق سراحهم و كنت أعيش على هذا الأمل و بعد مرور
اكثر من ثلاثة اشهر استلمت رسالة أخرى منه و كانت حزينة و يخبرنى
انه يعيش على الذكريات و أنه كان يظن أن الأمر سينتهى بسرعة ليعود
هو مرة أخرى لى و بكيت ليلتها خوفا عليه و شوقا له . .


أشراقة البنفسج:

كان الليل يلف بمعطفه الدنيا و كان عصام يجلس فى كرسى فى
منتصف الحديقة وهو عاقد يديه فى صدره و ينظر إلى الأمام و انا اقترب منه لم يغير
جلسته و بدى و كأنه لا يرانى لوحت له و لكن كان مستغرقا فى التفكير أنا أخطو
إلى الأمام و لكن المسافة بينى وبينه تتباعد و أنا ألوح له و لكنه لا يرانى و ركضت نحوه
و صرخت بأسمه و لكن لا الركض يقربنى له و لا صوتى ينبهه إلى وجودى و صرت
اصرخ باسمه ولكنه لا يسمعنى أناديه وهو لا يسمعنى اركض نحوه و لكن لا اصل أليه
و خوفى يأكلنى لماذا أنت بعيد هكذا لماذا لا ترانى يا رمانة قلبى و بكيت من اليأس و
الاحساس بالخيبة ملأنى فسقطت على الأرض وعندها رأ يت يده تمتد لى مثل تلك
المرة عند شاطئ البحر عندما ساعدنى على الوقوف و عندما مددت يدى
له بدأت فى السقوط إلى هوة عميقة و أنا أهوى و أناديه و أناديه إلى أن
بح صوتى و هو يمد يده و لكن لا يلحق يدى و أنا أبكى و اصرخ و استنجد به
و فجأة سمعت صوت ينادينى منار قولى بأسم الله و استيقظت من هذا الكابوس
و فرحت أنه كان كابوس و صارت دموعى تسيل دون توقف ماذا يعنى هذا الحلم؟
لقد قال لى رمانة قلبى أن الانسان عندما يحب شخص يكون هناك رباط
روحى بينهما و عندما تركز ذهنك فى تذكر ذلك الشخص يمكن أن تنقل له أفكارك
و ضحكت عندما قال لى ذلك و أعتبرتها طرفة فقال لى : أتذكرين عندما آتيت إلى
شاطئ البحر دون ميعاد فقلت له نعم فقال: لقد ركزت روحى عليك و فجأة
رأ يتك أمامى هكذا يحدث الحدس و ضحكت مرة أخرى غير مصدقة
و قلت له: هذه تسمى صدفة و الصدفة فى الحقيقة اجمل من ألف ميعاد
كما يقول ذلك المغنى .
هل ياترى رمانة قلبى يذكرنى كما أذكره ؟و هل تعذبه هذه الذكرى كما تعذبنى؟
وهل يشتاق إلى كما اشتاق اليه ؟
آلاف الأسئلة و لكن لا أجد إجابات لها ربما اعرف عنه شئ فى الغد فأنا
ممتلئة به و خياله لا يراوحنى .


خوف البنفسج :

اليوم مرت ستة اشهر على اعتقاله و لا خبر عنه هكذا وكأنه
خارج العالم و صار الخوف يملأنى على الرغم من انه لا تمر لحظة و إلا اذكره أو
بالأحرى فأنا لا أنساه حتى اذكره دائما على بالى و لكن اشد ما يرعبنى أننى
أحيانا افشل فى استرجاع وجه رمانة قلبى و أطيل التفكير و لكن دون
جدوى يستعصى على استرجاع ملامحه فأستعين بصورته التى احملها فى
حقيبتى حتى فى احلامى لا أرى وجهه .
اليوم قررنا عدد من اسر المعتقلين أن نكتب للنائب العام عن المساجين السياسيين
المعتقلين دون توجيه تهمة محددة لهم و قد كتبنا عريضة و فيها ذكرنا أن
فى اعتقالهم دون تهمة موجهة و محاكتهم يعد تعدى على حقوقهم المدنية
التى يكفلها الدستور و الأعراف الدولية.
وذهبنا مجموعة كبيرة من الاسر و سلمنا تلك العريضة للنائب العام و
ترجمناها إلى الانجليزية و أعطيناها لمندوب الأمم المتحدة
و عندما قابلت عدد من الأسر الأخرى أحسست بأننا ليس وحدى بل
هناك عدد كبير من الأسر تعانى مثلى تماما سألتنى أحد السيدات عن رمانة
قلبى فقلت لها: أن زوجى معتقل و رنت فى ذهنى كلمة زوجى فملأنى
الفخر أن أكون زوجة لرجل فقد حريته من اجل الآخرين أن غدا لناظره
قريب يوما ما سيخرج رمانة قلبى و يصبح حرا يجب
الا يموت الأمل فى دواخلنا فمن أنا بغير هذا الأمل

تشظى البنفسج

أخبرنى رمانة قلبى يوما انه قرأ فى روية للرزاز الذى كان يعجبه كثيرا
: (كنا نقول الحياة جداران…جداران متقابلان… جدار يصطف أمامه
الخاسرون وصدورهم مشروعة و أيديهم مغلولة وعيونهم معصوبة . و
جدار يقف ازاءه المنتصرون يسددون بنادقهم نحو الجدار الآخر .)
و دهشت لهذا الوصف للحياة أضاف رمانة قلبى أنه
حتما سيختار جدار المنتصرين و لكن النصر مسألة نسبية قد يموت إنسان
و لكنه يكون منتصر و قد يعيش الإنسان و لكنه منهزم أن الحياة لا تعنى
الانتصار . و نظرت أليه و قلت له: أنظر إلى الطبيب الفيلسوف. !!
و تبسم رمانة قلبى و أضاف أن الحياة و الموت يختلفان عند فهم الطبيب
الذى يحارب الموت عندما يهزمه الموت و يموت المريض يكون هذا انهزام
ولكن عندما يشفى المريض و يحيى يكون هذا انتصار. ولهذا يكون الموت
و الحياة مسألة نسبية من موقف لاخر .
و صرخت فيه اقسم يا رمانة قلبى اننى كثيرا لا أفهمك و لكنى أحاول فقط
من أين تأتيك هذه الأفكار الغريبة ؟
فى صحوه و زهوه و تشظيه يبقى رمانة قلبى رجلا يملك القدرة على
الإدهاش على الأقل أ إدهاشي أنا بآرائه الغريبة و أفكاره العجائبية التى تملأنى
فخرا كأم تراقب طفلها و هو يخطو خطواته الأولى حتى إذا كنت اعجز عن
فهمه أحيانا إلا أنني احبه كثيرا.
و أخذنى رمانة قلبى يوما لزيارة جدته و بمجرد دخولنا غرفتها
رفعت رأسها
و قالت: (جيت يا المبروك تعال المعاك دى منو) تقدم منها رمانة قلب
فأحتضنته و قبلت رأسه و طلبت منى أن اقترب و أجلستنى قربها و
صارت تتحسس شعرى ووجهى وهى تقولكدى كدى شعرك ناعم
و عيونك كبيرة….. ندهت الله فى بيته عشان المبروك يبقى حكيم
و كمان يلقى بت الحلال السمحة الشعرها ناعم و عيونها كبار و الله
حقق النديهة)
ضحك رمانة قلبى جلسنا قليلا معها و عندما قامت للصلاة تركناها و
سألته : كيف عرفتك و هى لا ترى ؟!و كيف عرفت أنك ليس وحدك؟
ضحك رمانة قلبى و قال لى: انها امرأة مدهشة تعرف كل من يدخل عليها
و لا أحد يعرف كيف . سألته هل ولدت عمياء؟
_ لا لقد فقدت بصرها وهى فى نهاية الخمسينات
و لا يوجد سبب عضوى لذلك.
وذهبنا بعد ذلك لرؤية عمته و جلسنا معها و عندما اردنا
الرجوع ذهبنا الى جدته و و قبل ان نخرج ناولها أقراص فايتامينات
قائلا لها: هذ ا دواء للسكرى و الضغط يا جدتى. و شكرته الجدة و
خرجنا وسألته لماذا قال لها انها ادوية للسكرى و الضغط بينما هى فيتامينات
فرد ضاحكا : أن جدتى تعتقد أنها إذا تناولت أدوية السكرى و الضغط فلن تصاب بهما أبدا

دموع البنفسج:

و تعز على لحظات الوداع مازلت اذكر يوم قررت السفر الى مدينتى فى
الشمال و كان تلك أول مرة نفترق أنا ورمانة قلبى وصلت الى محطة القطار فى
الصباح ووجدته ينتظر على الرصيف و كان الحزن جليا على قسماته و عندما
وجدت حجزى فى القطار جلس معى الى أن بدأ المسافرون فى التجمع و بعدها
نزل الى الرصيف ووقف قبالة النافذة و كانت لحظات تحرك القطار قد أزفت
و معها بدأت نذر دموع فى عينيه و راعني ذلك و أحزنني أن رمانة قلبي ليس
مثله رجل فهو لا يخجل أن تدمع عيناه و لا يخذيه أن يرى الناس حزنه
وتشتته و انطلق القطار و لوحت له ووقف الى آن تحول الى نقطة صغيرة فى
مجالي البصري ورجعت فى مقعدي و أنا أغالب دموعي و حزني
و أحس بشوق عارم لرمانة قلبي و ولكم افتقده
و أخبرنى رمانة قلبى أنه يوما كان مناوبا فى الحوادث عندما أحضر شابا
على مشارف الثلاثينيات و هو فى غيبوبة
و كان مصابا بالملاريا الخبيثة و وكان معه والده الذى كان ينظر الى رمانة قلبى
و كأنه اله و يتوسل اليه أن ينقذ ابنه و قد فعل رمانة قلبى المستحيل و لكن توفى
ذلك الشاب و كان عليه أن يخبر والده و قد شق عليه ذلك و لكن لم يجد بد من
أن يخبره و لكن الشيخ لم لم يتحمل الصدمة و بدأ فى بكاء مرير و كان
يسأل ابنه: الم ارعاك حتى كبرت ؟ هل قصرت فيك؟ لماذا تموت هكذا اوليس
من واجبك أن تدفننى يا بنى؟ الا تفهم لقد فرحت بميلادك وقلت تكبر و تساعدنى
و عندما اموت تدفننى و ترعى اخوتك من بعدى فها أنت تذهب دون أن تؤدى واجبك نحوى
كما اديت أنا واجبى نحوك و اخبرنى رمانة قلبى أن ذلك الرجل صار يكرر ما يقوله
مما اورثه الحزن و فجأة عنى له أن الاطفال هم ثروات الاباء و يتم أدخارهم ضد عوادى الدهر
و قال : أنه لأول مرة يعرف او يأبه للنظر الى هذه العلاقة فأن من المفترض أن يدفن ألابناء
الاباء و ليس بالعكس و أحس كيف أن الاب الذى يدفن أبنه يكون أبا تعيسا و كيف أن
الابن أذا مات قبل أن يدفن أباه يكون قصر فى واجبه تجاهه و أخبرنى رمانة قلبى أنه فى
ذلك اليوم تغيرت نظرته الى والده و صار يقترب منه أكثر وهو فى داخله يتمنى الا
يحدث لوالده ما حدث لذلك الاب المكلوم.ولكن بالمقابل لا يريد أن يدفن والده.

أحلام البنفسج:

عن طريق صديق لصديق عرفنا أنه قد تشكلت لجنة لحقوق الانسان فى مجلس
الشعب الغير منتخب و هذه اللجنة يترأسها أستاذ جامعى شهير و بعد مجهود التقيت
بهذا الاستاذ و أخبرته عما حل برمانة قلبى وطلبت منه المساعدة و طلب منى ان اكتب
ما شافهته به و بالفعل ذهبت و كتبت لأكتشف بعد فترة أن الحكومة قامت بحل هذه
اللجنة عندما صارت حقا تنظر فى تجاوزات حقوق الانسان و هى كانت فقط تريده لجنة
صورية لزر الرماد فى عيون أمريكا التى لا تفتأ تتحدث عن تجاوزات و انتهاكات تقوم بها
حكومة السودان تجاه رعايها و هكذا وأد الحلم و هو فى بداياته. بدأت الايام تتحول الى
اسابيع و ألاسابيع الى شهور و لا بارقة أمل تلوح فى الافق ليتغير هذا الحال المقلوب
و بدأت الاحزان تتكالب على و أنا لا ارى آخر لهذا الليل الممتد و بدأت قصص عن
أفراج على بعض المعتقلين و لكن رمانة قلبى لا يعود و كنت أفتقده و ايضا لا تأتى
منه اى رسائل كتبت الى الهلال الاحمر و الصليب الاحمر و لكن دون جدوى كل
هذه المنظمات فشلت فى اجبار الحكومة على تطبيق قوانين حقوق الانسان و كتبت
الى رئيس الجمهورية و نوابه و لكن كل النداءات وقعت فى اذن صماء من يسمع
فى هذه الحكومة التى فتكت بهذا الشعب و اذلتهم بدواعى دينية ذائفة و سمعت
ان صحيفى الميدان الشيوعية تنشر اسماء المعتقلين و سعيت لهم و بالفعل نشر اسم
رمانة قلبى و سلمت هذه القائمة الى منظمة العفو الدولية و لكن لم يحدث أى تغير
و صرت اجتر أيامى و ذكرياتى و يمضغنى احساسى بالعجز و الهوان .

أمنيات البنفسج:

ليت لى يا رمانة قلبى عيون زرقاء اليمامة لاخترق المسافات
و أراك أو ليت لى بساط الريح لأطلب منه أن يأخذنى
فى طرفة عين اليك أو ليت لى طاقية أختفاء لألبسها و آتى اليك ليت
لى …. ليت لى …. حزنى يغالبنى ها أنا ذى أهذى و لكن تأبى الايام
ألا أن تتطاول و يأبى هذا الليل أن ينجلى وأنا عاجزة تما ما
عن أن أفعل شئ ليغير هذا الواقع المرير الذى ما عدت اطيقه
اصبحت أجتر ذكرياتى و أيامى معه حتى ملتنى حياتى و هذا الظلام
الجاثم على ربوع بلادى لا يراوح مكانه و تحول الشعب الى رهينة
فى يد هؤلاء الاوباش يفعلون به ما يحلوا لهم و صرنا مقسمين
الى قسمين قسم يقف أمام الحائط معصوب العينين و مقيد اليدين
و قسم يقف يحمل بندقية مصوبى الى القسم الثانى و يا ويلك
لو كنت من القسم المعصوب العينين فلا نصير لك و لا منقذ
اما آن لهذا الليل أن ينقضى هيهات هيهات..

ذات يوم من أيام البنفسج:

بكيت كما يبكى الوليد ولم تكن جليد و أبديت الذى لم تكن تبدى
كتبت هذا لرمانة قلبى عندما ذهبت فى تبادل طلابى الى لندن و بكى رمانة قلبى
أمام الجميع و أحسست بالسعادة و الحرج فى آن واحد عندما تضاحك
زملائى على هذا الموقف الغريب . فكتب لى أنه ايدا لن يذهب بعيدا عنى
كما فعلت أنا وأنه لا يطق فكرة أنه يوما ما سيكون بعيدا عنى و هذا يعنى أنه
يحبنى أكثر من حبى له و هو لا يخجل على موقفه هذا و هو لا يهتم بما
يقوله عنه الاخرين وهو ينتظر أن تنقضى فترة الفراق هذه بأسرع ما يمكن
حتى أعود مرة أخرى اليه و أخبرنى أنه يفكر فى مسألة نسبية الزمن إذ أن
الأيام قد تتطاول و أيضا قد انقضى كبرهة من الزمن و أن المسألة النفسية هي
آلتي تحدد طول الزمن و قصره و آن الإنسان قد يعيش زمن قصير و حافل و
كذلك قد يعيش زمن طويل و خاوي . و عندما عدت بكى رمانة قلبى فرحا
و قال لي أيضا الدموع نسبية قد تتساقط لفرح آو لحزن و ضحكت جزل
من حبيبي الطبيب الفيلسوف

تساؤلات البنفسج :

يا رب الحزن فى الدنيا أم الحزن فى داخلي يتابعني أينما
حللت أو رحلت احمل وحدتي و شقائي
هل يعقل أن يعجز الإنسان من أن يفرح؟! هل حقا قد تجف
ينابيع الفرح من داخل الإنسان؟!
رمانة قلبى بعيد و لا تمر لحظة و ألا هو فى خاطري حتى رسائله
أنقطع و أعدمت سبل التواصل و لكن من أبعده عنى لن
و لم يصادر ذاكرتي سيبقى فى قلبى ووجداني ليوم مماتي.

ما بعد موت البنفسج:

عقارب الساعة تشير الى الرابعة و النصف من
يصدق أن كل هذا حدث فى اقل من ثلاثة ساعات
آه يا رمانة قلبى تباعدت بين الأيام وها أنت مسجى و مغطى
بغطاء ملطخ بدمائك يا رمانة قلبى هل العالم وصل الى نهايته ؟
نعم لقد أ نتهى عالمى وتوارى بتواريك
و غيابك عنه هل ستجف دموعى لا أعتقد ذلك
سأبكى عليك ما حييت وانا فى هذه الحالة دخل الى الغرفة رئيس
السلاح الطبى و كان القلق يبدو عليه و ذهب الى الجسد المسجى و اخبر
الطبيب المناوب ان يستخرج شهادة وفاة و سبب الموت ملاريا وصرخت
كالملسوعة : خاف الله يا رجل الا ترى الدماء الا ترى يديه الداميتان و ذهبت
الى رمانة قلبى وسحبت الغطاء انظر ايها الرجل و أخبرنى هل يعقل ذلك؟
يا زباينة تقتلون و تكذبون بأسم الدين انا لن اسكت ابدا ونظر الكل الى فى
دهشة و نظرت الى ذلك المجرم وو قلت له أن هذا الرجل الميت زوجى و انه
لن يكنس تحت السجادة و يخفى لا و الف لا لن يكون رقم فى سجلاتكم و لكن
أنا لن أصمت ابدا وو احسست بيد تجذبنى الى الخارج و و قررت ان اذهب
الى منزل رمانة قلبى و احضر والده و بالفعل أخذتنى صديقتى و ركبنا سيارة
لتنهب بنا الارض و الخرطوم نائمة و جلاوزتها لا ينامون كل الكبارى مغلقة و لكن
كانوا يتركوننا نمر بعد ان يروا بطاقتنا و البذات العسكرية
و عندما وقفت السيارة أمام المنزل جلست و انا ابكى و فجأة انبثق صوت
المؤذن لصلاة الفجر ولا أدرى لماذاا أحسست أن صوته حزينا و كئيبا
واحسست به يتغلغل فى روحى و دعوت ا الله أن يعطينى الصبر حتى
اقوم بمهمة توصيل هذا الخبر الشؤم الى والد رمانة قلبى الذى أبى الدهر
الا أن يجعل والده يدفنه بدلا أن يدفن هو والده و خرجت من السيارة
ووقفت امام ألباب احاول أن اتمالك نفسى المشتتة المعذبة و فى هذه اللحظة
فتح الباب و كان والد رمانة قلبى خارجا لأداء صلاة الصبح و ظهرت المباغته فى
وجهه و دون أن أشعر أرتميت فى أحضانه و بدأت فى نشيج طويل وهو
يسأل : مالك يا ابنتى؟!
, اخبرته أن ابنه فى المستشفى ولم أقوى على أن اخبره أنه مات و فى
لهوجة طلب منى أن ادخل و دخلت وجاءت أمه مندهشة تستطلع الخبر
ولك تمالكت نفسى و اخبرتها أن عصام مريض و ركضت أمه لتوقظ
أخاه و بعد قليل خرجنا أنا و والده , وشقيقه و أتجهنا الى المستشفى
و عندما اقتربنا من المستشفى طلبت من صديقتى أن توقف السيارة و بكلمات
متقطعة أخبرت والد رمانة قلبى ما حدث و جلسنا فى صمت وعندما
دخلنا رفض الحارس أدخالنا و كان هناك عدد كبير من الناس و طلبت من
والده أن يبقى فى الخارج و دخلت انا وصديقتى ووجدنا الطبيب المناوب
و أخبرنا أنه رفض أن يوقع شهادة الوفاة و أخبرته بأن والد رمانة
قلبى فى الخارج فطلب منى أن نذهب و نفتح بلاغ فى البوليس
حتى يتم التحفظ على الجثة و تشرح
فيما بعد وبذلك لا يمكن بعدها أخفاء وتغطية هذه الجريمة البشعة
و بالفعل ذهبنا و فتحنا بلاغا.

عبور البنفسج:

عبر رمانة قلبى وادى الموت سائرا فى ظل الموت لا يرى شرا
و لا يحس شرا **و لكن انا هنا فى وادى الحياة جريحة القلب ابحث
عن العدل و لكن دون جدوى ان وادى الحياة لا يشبه وادى الموت
فأنا اسير و انا ارى شرور هذا العالم و احسها بكل كيانى
و ابحث عن ثأرى لكن دون جدوى يصرخ عصفور روحى
و ينتفض و لكن دون جدوى يعلكنى حزنى مثل دولاب النار و
لكن دون جدوى من انا حتى ارد هذا الدوار؟ *
ونفيت نفسى حملت حقائبى و ارتحلت احمل الامى معى
يا رب الحزن فى الدنيا او الحزن فى دواخلى لا يفارقني.


(هذه القصة قصة خيالية أذا تطابقت مع أى قصة معروفة فهذا من قبيل توارد الخواطر)

نجاة .



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-04-2008, 10:32 AM   #[39]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]فى علايل "اب روف"
مقتطفات من كتاب "عنف البادية" .. وقائع اللحظات الأخيرة فى حياة السكرتير العام للحزب الشيوعى السودانى ..

د. حسن الجزولي
[/align]



ظل عبد الخالق يتتبع الأزقة المظلمة الخالية، ويتجنب الأماكن المضيئة والمطروقة، حتى عبر، بسلام، حى القماير وحى الكبجاب الكائنين فى الجزء الشمالى الشرقى من أمدرمان القديمة، ومن هناك دلف إلى حى أب روف من جهته الشمالية الغربية. كان حظر التجول قد أًعلن، وكان عبد الخالق يسمع، فى ذلك الوقت المتأخر من الليل، أثناء سيره وسط الأزقة الضيقة، أجهزة الراديو والتلفزيون تردد من داخل البيوت المتقاربة نداءات جهاز الأمن ووزارة الداخلية للمواطنين بمساعدتها فى القبض على قادة الحزب الشيوعى، وتهديد كل من يأوى أحداً منهم.

فى العتمة طرق منزل أحد معارفه من الشيوعيين. فتح الرجل الباب، ورحب بعبد الخالق، والأسى ملء عيونه، ووقف يتحدث إليه فى تلك العتمة همساً. شرح له بلباقة أنه، وبحكم موقعه الجماهيرى فى العمل السياسى خلال الأيام الثلاثة الماضية، أضحى (مكشوفاً) لرجال الأمن الذين يتوقع وصولهم، بين كل لحظة وأخرى، لاعتقاله وربما لتفتيش المنزل أيضاً، ولذلك فليس من الحكمة أن يورط عبد الخالق بإيوائه أو حتى بالاقتراب منه فى مثل ذلك الظرف. تفهم عبد الخالق الموقف وشكره ومضى فى طريقه.

فى غضون ذلك كانت أرتال الدبابات والمصفحات العسكرية تجوب شوارع العاصمة وتنشر الرعب فى النفوس. وكان جنود السلطة العائدة يجوسون بين الأزقة، ويداهمون المنازل، مدججين بالبنادق الرشاشة، وكل أنواع الأسلحة الخفيفة، بحثاً عن المطلوبين. وقد نشط كل من جهاز الأمن القومى حينها واقسام وزارة الداخليه فى تعقب الشيوعيين ومن شايعهم، وامتدت الملاحقات إلى كل أنحاء العاصمة والاقاليم، حتى بلغ عدد المعتقلين، خلال بضعة أيام، آلاف المواطنين والمواطنات من 83 مدينة وقرية.

حى أب روف يقع فى الجزء الشرقى من مدينة أمدرمان، على الشاطئ الغربى لنهر النيل. يحده من الشمال حى الكبجاب وحى القماير، وتتداخل معه من الغرب عدة أحياء كالهجرة وسوق الشجرة والخنادقة وود أرو، أما من ناحية الجنوب فيتداخل مع حى بيت المال تداخلاً شديداً. ويعد حى أب روف من أعرق أحياء المدينة، فقد تأسس فى أعقاب انتصار الثورة المهدية، ومع بدايات نشوء أمدرمان نفسها، متخذاً اسمه من اسم الأمير أب روف، أحد قادة الثورة المهدية. ومن أقدم وأشهر الشخصيات التى سكنته رابحه الكنانية التى عاشت حتى منتصف الخمسينات، وكانت قد اكتشفت، على أيام الثورة المهدية خلال الربع الأخير من القرن 19، تدبير الادارة الاستعمارية التركية لمباغتة جيش المهدى فى قدير، فتسللت فى نفس الليلة مشياً على الأقدام لمدة 12 ساعة كى تبلغ المهدى بأمر الهجوم العسكرى الوشيك، وبهذا أنقذت الثوار من ابادة محققة .

ويُعد حى أب روف، ضمن جملة أحياء أخرى بأمدرمان القديمة، رصيداً تقليدياً للحزب الشيوعى بما لديه فيها من وجود مميز، وهى الأحياء التى شكلت خارطة (الدائرة 22 أمدرمان الجنوبية)، حيث فاز عبد الخالق، عام 1968م، على منافسه أحمد زين العابدين مرشح الحزب الوطنى الاتحادى، فقد أحرز عبدالخالق 7665 صوتاً بينما نال الآخير 7122 صوتاً. وكانت تلك الدائرة تضم، بالاضافة إلى أب روف، الأحياء التى تقع على طول الشريط الحدودى الموازى لنهر النيل والذى يضم أحياء بيت المال والملازمين والموردة حتى مدينة الفتيحاب، وإلى ذلك أحياء بانت والعباسية وحى الضباط وأب عنجة وغيرها. وقد نافح أعضاء الحزب وأصدقاؤه فى تلك الأحياء، ومن بينها أب روف وبيت المال، عن دار الحزب الكائنة داخل بيت المال، متصدين، ببسالة نادرة وتضحية جمة، للهجوم الذى شنته عام 1965م، على الدار وعلى الشيوعيين بالسلاح الأبيض، القوى والجماعات المعادية للحزب، آنذاك، بقيادة الأخوان المسلمين وحزب الأمة، والتى سعت لحل الحزب، وحظر نشاطه، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية، وذلك فى أعقاب حادثة معهد المعلمين العالى الشهيرة التى تعرض فيها أحد الطلاب فى ندوة سياسية لبيت النبوة، فسارعت تلك القوى والجماعات تنسبه فى لهوجة مفضوحة للحزب الشيوعى.


كان حسين أحمد عثمان الكد، وشقيقه التوأم حسن، من أبكار خريجى كلية غردون التذكارية، ومن المثقفين اليساريين، بمعايير ثلاثينات القرن الماضى، الذين أسسوا جمعية أب روف للقراءة، وتأثروا بفكر الفابيين FABIANS فى بريطانيا. وكان حسين حتى وفاته فى منتصف ستينات القرن الماضى صديقاً لعدد من الماركسيين، من بينهم قريبه وسكرتير الحزب الشيوعى السودانى عبد الخالق محجوب، والصحفى وعضو لجنة الحزب المركزية محجوب عثمان، وآخرون.

ومنذ ما بعد ظهيرة يوم 22 يوليو كانت أسرة حسين الكد بحى أب روف، على مقربة من شاطئ النيل، تواجه ظرفاً عصيباً. فقد ادلهمت الخطوب عليها دفعة واحدة، حيث كان ابنها الضابط خالد حسين الكد قد أعيد إلى الخدمة بالقوات المسلحة السودانية بقرار من القيادة الجديدة عقب نجاح انقلاب 19 يوليو مباشرة، وبذلك تم إلغاء قرار تسريحه السابق، الأمر الذى كان مصدر سعادة للأسرة. لكن ها هى الأنباء ترد إليها، وإن كانت غير مؤكدة، بأن خالد قد قتل أثناء المعارك الشرسة التى ظلت دائرة منذ عصر ذلك اليوم، 22 يوليو. فهناك من يقول إنه قتل بكبرى شمبات! وآخرون يؤكدون إصابته قرب إحدى محطات الوقود.

من جهة أخرى تضاربت الأخبار أيضاً حول مصير ابن الأسرة الآخر والشقيق الأصغر لعبد الخالق، الرائد محمد محجوب عثمان، والذى تم تعيينه عضواً بمجلس قيادة الثورة فى انقلاب 19 يوليو أثناء وجوده خارج البلاد. وكان من المفترض أن يطير من برلين الشرقية إلى لندن، ليكون برفقة بابكر النور وفاروق حمد الله فى طريق العودة إلى الخرطوم على متن نفس طائرة الخطوط البريطانية التى اختطفتها سلطات القذافى وأجبرتها على الهبوط بمطار بنغازى ليعتقلا هناك تمهيداً لتسليمهما للنميرى عقب عودته لينكل بهما! وسوف يتضح فى ما بعد أن محمد محجوب لم يتمكن، لأسباب فنية، من اللحاق بتلك السفرية المشئومة.

أما من الجهة الثالثة فها هو عبد الخالق أيضاً تهدر الدبابات والشاحنات فى أثره، ويضج المذياع والتلفزيون بنداءات جلاديه إلى المواطنين ليساعدوهم فى القبض عليه.


فى تلك الساعة المتأخرة من الليل كان الأديب المعروف طه الكد، الشقيق الأكبر لخالد، يجلس مهموماً مغموماً على كرسى بفناء منزل الأسرة، يحاول متابعة الأخبار من راديو ترانزيستور، وذهنه مشغول بأفكار مبعثره ولا يكاد يقوى على التركيز، وإلى جانبه يستلقى خاله محمد التجانى على سريره، ومسبحته تكر بين أصابعه، بينما شفتاه تنثران الأدعية، وعيناه معلقتان بالسماء البعيدة.

وفى الجزء الداخلى من البيت كانت الهموم تجثم على صدور جميع أفراد الأسرة بعد أن رأوا، أول المساء، وجه النميرى يطل من شاشة التلفزيون، بعينين تقدحان شرراً، وحنجرة ترغى وتزبد كالثور الهائج، وتتوعد الانقلابيين والشيوعيين، وتطالب بالقبض عليهم "واحداً واحداً"، لافظاً بطريقة غريبة إسم ابن الأسرة "خالد الكد و .. something"، على حد تعبيره.

كانت زخات الرصاص وانفجارات الدانات ما تزال، أنذاك، تاتى متقطعةً يحمل صداها نيل أمدرمان، الصامت الحزين هو الآخر، طوال مساء وليل ذلك اليوم. كان الظلام دامساً، وحركة الشارع قد خبت تماماً مع حظر التجوال والوقت المتأخر من الليل.

وكان لحوش آل حسين الكد، على عادة بيوت أمدرمان العتيقه فى إشهار كرم الضيافة، باب مفتوح فى كل الأوقات، ولا يغلق إلا فى الهزيع الأخير. وعبر هذا الباب الغارق فى العتمة انتبه طه فجأة إلى حركة آتية، فى تلك الساعة، من جهة الشارع الغارق، هو الآخر، فى العتمة، فوضع جانباً جهاز الترانزيستور الذى كان ما يزال يكرر، بشكل رتيب، نداءات وزارة الداخليه وجهاز الأمن للمساعدة فى القبض على عبد الخالق ومجموعته، ونهض ليستجلى مصدر تلك الحركة قرب الباب المفتوح، فلاحظ طيف شخص يدلف إلى داخل الفناء. ظل طه واقفاً يحاول بصعوبة أن يتبين ملامح ذلك القادم كلما اقترب رويداً رويداً من الهالة الشاحبة التى ينثرها، بالكاد، ضوء المصباح الخافت فى الفيراندا العتيقة على جزء من الفناء. ولما اقترب القادم أكثر رأى طه فيه رجلاً يرتدى جلباباً أبيض ويضع عمامة تخفى جزءاً كبيراً من رأسه ووجهه ويتلفع بملفحة سمنية وينتعل حذاءً أبيض.

كان محمد التجانى، خال طه، مازال مستلقياً على السرير ممسكاً بمسبحته، غير منتبه للقادم حتى بعد أن ألقى بالتحية عليهما. وعندما لم يعد يفصل بين طه وبين القادم سوى خطوة أو خطوتين ظهرت بوضوح ملامح عبد الخالق لطه الذى ألجمته المفاجأة لبرهة بددها فوراً بأن اندفع نحو ابن خاله معانقاً له فى صمت، وجسده يهتز من شدة الانفعال لفترة طالت، حتى انتبه محمد التجانى فنهض هو الآخر يعانق عبد الخالق بتأثر شديد، ثم ما لبث ثلاثتهم ان دلفوا من فورهم، عبر الفيراندا، إلى داخل الديوان.

لم يكن طه الكد فى الواقع منتمياً للحزب أو حتى مناصراً لأيدولوجيته، بل يمكن القول بأنه كان مناوئاً للماركسية، انطلاقا من قناعاته الفكرية، ونشأته المحافظة، ورؤيته الخاصة للثقافة العربية الاسلامية، اٍضافة الى أنه لم يكن لديه فى الأصل أى ميل إلى السياسة ومعتركاتها، بل كان منصرفاً عنها بكلياته إلى الأدب العربى الكلاسيكى، وبخاصة الشعر العربى بأغراضه وعروضه وأوزانه وقوافيه القديمة التى ظل شغوفاً بها، منافحاً عنها، ومعتزاً بذلك. ومع هذا فقد كانت له، فى المستوى الانسانى، علاقاته الحميمة بكثير من الشعراء والأدباء الشيوعيين، كما كانت تربطه بابن خاله عبد الخالق وشائج من المودة والاحترام. وربما يعود ذلك إلى قدرات عبد الخالق الفذة، وإحاطة موسوعيته بالثقافة العربية الاسلامية منذ بواكير صباه، من جهة، وما عرف عنه من شجاعة وبسالة وصمود، من الجهة الأخرى، وإعجاب طه واحتفائه، أصلاً، بمثل هذه الملكات والخصائص الشخصية، من الجهة الثالثة، علاوة على صلة الرحم التى يعتز بها طه أيما اعتزاز، من الجهة الرابعة، بغض النظر عن الاختلاف فى الرأى والفوارق فى الأفكار.

وثمة عامل إضافى لا يقل أهمية بالنسبة لطه، فقد كان عبد الخالق على علاقة حميمة ووثيقة بحسين أفندى الكد أوان حياته. ولا غرو، فقد كان والد طه، كما سبق أن أشرنا، من كبار المثقفين فى زمانه، وأحد أبرز مؤسسى (مدرسة أب روف) اليسارية، بمعايير ثلاثينات القرن الماضى، والتى انتمى إليها أيضاً توأمه حسن الكد وحماد توفيق وابراهيم يوسف سليمان ومكاوى سليمان أكرت وغيرهم. وكان عبد الخالق ".. كثيراً ما يقضى أوقاتاً طويلة مع والد طه كلما زار حوش أبناء عمته بابى روف، حتى أنه خلال فترات اختفائه فى سنوات سابقة، كان يحرص على زيارة حسين أفندى الكد، حيث يقضى معه فترة طويلة ثم يغادر عند منتصف الليل).

وإذن فقد كان لدى طه ألف سبب فى محبته لعبد الخالق.


ـ "لو كنت أعرف مكاناً آخر فى هذا الظرف لما اضطررت للحضور إليكم وأنا أعلم وضعكم حالياً" قال عبد الخالق لطه.

فرد طه بصوت مزيج من الانفعال والحزم:

ـ "ثق يا عبد الخالق .. والله لن أتخلى عنك أبداً حتى لو قطعونى اٍرباً اٍرباً"

ثم أضاف قائلاً له:

ـ "هذا بيتك ياعبد الخالق .. الله الله.. ولكن يجب أن نبحث عن سلامتك" .

ولكن للخاتم عدلان رأى لا نتفق فيه معه حول أن لجوء عبد الخالق إلى طه الكد هو لجوء "لرابطة الدم بعد أن لم تسعفه رابطة الانتماء الحزبى عند بعض الرفاق الذين كانوا يستجدونه استجداءً لزيارتهم فى منازلهم فى ليال غير تلك الليلاء. ولم يكن عبد الخالق ليذهب إلى طه، ثم يبقى ثلاثة أيام فى منزل قريبه ذى المنصب الحكومى الكبير، وبعلم ذلك المسؤول الكبير، لولا أن تلك الأبواب قد أغلقت فى وجهه"

وأخشى أن هناك تناقضاً فى هذا الكلام. فمن ناحية، وبعد أن يؤمن الخاتم نفسه على أن ذلك السلوك بدر من (بعض الرفاق)، يعود ليعممه على مجموع الحـزب، وهذا غير منطقى. أما من الناحية الأخرى فإن أحداً ممن لامسوا عبد الخالق عن قرب فى تلك الأيام لم يقل إنه أشار لشئ من ذلك أو أنهم أحسوا بأنه ينطوى على مثل هذا الشعور. ضف إلى ذلك أن المصادر المشار إليها أثبتت مشاركة شيوعيين آخرين، قدر معرفتهم واستطاعتهم، فى الجهود التى بذلت لإيواء عبد الخالق وحمايته. وبالتالى فاٍن حق لنا الاحتكام لوقائع الافادات التى وردت وسترد لاحقاً فى هذا الخصوص والتى اٍجتهدنا قدر ما نستطيع للحصول عليها واٍخضاعها للفحص، فانها لاتشير قط الى ثمة أية شبهة فى تردد بدر من شيوعيين أعضاء حزب تجاه قيم المروءة والشهامة والبسالة لكى يخفوا للذود عن سكرتيرهم العام وقائدهم الفكرى من أجل حمايته، وبالتالى فاٍننا نخشى على الخاتم من هذا التفسير الوحيد الذى أبرزه.


أوضح عبد الخالق لطه حاجته للبقاء فى أب روف لثلاثة أيام على الأقل، ريثما يتمكن من إعادة ترتيب الاوضاع فى ظروف التطورات الخطيرة التى كانت تجتازها البلاد آنذاك، ".. وأنه فى حاجة للقاء أحد أعضاء الحزب ممن يقطنون بالحى حتى ينسق معه ومع طه ما يستوجب عمله، وأن الأمر يحتاج لكثير من العجلة، واستطرد بالانجليزية : Things are moving very fast.

وهناك رواية أخرى لملكة الكد، الشقيقة الصغرى لطه وخالد، تؤكد "أن عبد الخالق .. لم يطلب من طه سوى أن يوفر له بأقصى سرعة أى وسيلة لمركب.. ينقله الى الطرف الآخر من نهر النيل عند الخرطوم بحرى! فطمأنه طه بتدبير الأمر مع بعض (مراكبية أب روف) صباح اليوم التالى"

وإذا تركنا مؤقتاً رواية الرفاعى، وتعاملنا مع رواية ملكة، فمن خلال قرائن الأحوال ومنطق الأحداث نجد أن هناك احتمالين لرغبة عبد الخالق فى الانتقال إلى الضفه الأخرى من النهر: الأول أنه كان يريد الوصول إلى حلة خوجلى، حيث الخليفه النور، أحد خلفاء السيد على الميرغنى ووالد زوجة فاروق عثمان حمد الله، والذى قيل إن علاقة وثيقة كانت تربط بينه وبين عبد الخالق. ولكن أفراداً من أسرة الخليفه ينفون هذا الأمر. ورغم ذلك يظل الاحتمال قائماً، حيث أن فى أسرة عبد الخالق من يؤكد تلك العلاقة! أما الاحتمال الثانى فهو أن عبد الخالق كان يريد الوصول إلى بيت صديقه محمد نور السيد الذى رأينا، فى ما تقدم، أنه كان قد أسند اليه مهمة البحث له عن منزل بديل لمنزل (ص. أ) بالخرطوم/2، والذى كان قد أصبح قبلة الناس، مما أعاق أداءه لمهامه. وهكذا فإن من المحتمل أن يكون عبد الخالق قد قصد الاتصال بصديقه القديم لينقله الى ذلك المنزل، واثقاً من قدراته المجربة.


قضى عبد الخالق بعض ليلته تلك فى فناء منزل حسين الكد، بينما نام بقربه كل من طه وخالهما محمد التجانى، فكأن ثلاثتهم "فى جفن الردى وهو نائم"

وقبيل فجر الجمعة 23 يوليو انتقل عبد الخالق إلى داخل (الديوان) لبعض الوقت. وهنالك ظل رابط الجأش، يتابع الأحداث، فى صمت، من خلال جهاز الراديو. وكان، كما نقل عنه طه، "هادئ النبرات، ثابت الجنان، تشى قسمات وجهه بصرامة وحزن عميقين"

ولأنه لم تكن لتخفى عليه فداحة الاخطار التى كانت تحيط بمنزل يُتوقع أن يقتحمه عسكر السلطة فى أى وقت بحثاً، على الأقل، عن خالد، ضمن من انطلقوا يبحثون عنهم منذ أول المساء، فقد ناقش الأمر مع طه الذى اقترح، فى البداية، الانتقال إلى منزل خالهما محمد التجانى، الكائن على تخوم منطقتى القماير والكباجاب شمال حى أب روف. (ولكن محمد التجانى أبدى كثيراً من التردد رغم العاطفة التى يكنها لعبد الخالق)، وبإزاء ذلك اقترح طه الانتقال إلى حوش عمه حسن الكد، فمع كونه يقع على مرمى حجر فى الجوار، إلا أن المنصب الخطير الذى يشغله ابن عمه كمال فى أجهزة النميرى الأمنية ربما .. ربما تعصم ذلك الحوش بالذات عن التفتيش.

هكذا بدت الخيارات ضيقة إلى ذلك الحد.

وكان عبد الخالق، عندما يرى قريباته منتحبات جزعاً على مصيره ومصير خالد ومحمد، يعمد إلى تجاهل حزنه هو الرابض فى جوفه كالجبل، ويروح ينهمك فى ملاطفتهن وممازحتهن ليبدد عنهن رهق الأحزان الجاثمة على صدورهن. وما أن يهدأن قليلاً حتى يعود إلى ارتشاف قهوته ومتابعة إذاعة أم درمان التى كانت تنقل أخبار المحاكم العسكرية الميدانية التى تشكلت على عجل لتطال بأحكامها غير العادلة العديد من قادة ورموز يوليو، عسكريين ومدنيين، بينما سحابة من الحزن العميق لا تخطئها العين تلوح على محياه، وترتسم على تقاطيع وجهه، علاوة على تعب كل تلك الأيام.


ما لبث عبد الخالق أن تسلل مع طه، قبل شروق الشمس، إلى منزل حسن الكد. وهو المنزل الذى سيسمع فيه، عبر جهاز الترانزيستور، نبأ إعدام هاشم العطا وعثمان أبو شيبة ومحجوب (طلقة) وعبد المنعم الهاموش وغيرهم من الضباط الشيوعيين والديموقراطيين رمياً بالرصاص، والذى سترد إليه فيه معلومات غير مؤكدة عن إقدام النميرى على تنفيذ حكم الاعدام شنقاً حتى الموت، بسجن كوبر جنوب شرق الخرطوم بحرى، على الشفيع أحمد الشيخ، الرجل الثانى فى الحزب وعضو لجنته المركزية ورئيس إتحاد عام نقابات عمال السودان ونائب رئيس الاتحاد العالمى لنقابات عمال العالم والحائز على وسام النيلين من حكومة السودان ووسام لينين من الاتحاد السوفيتى قبل ما لا يزيد على العام فقط من ذلك، بالاضافة إلى جوزيف قرنق، عضو سكرتارية اللجنة المركزية. ومما زاد من احتمالات صحة تلك المعلومات القرار الذى صدر وتم بثه عبر الاذاعة والتلفزيون بتجريد الشفيع من وسام النيلين.

وسيبدى عبد الخالق غضبه الشديد من تلك الأخبار، خصوصاً إعدام الشفيع وجوزيف، وذلك لمعرفته الأكيده بأن أية محكمة، بأدنى قدر من العدالة والانصاف، ما كانت لتنزل بهما مثل هذه العقوبة الفظيعة، وسيظل يردد أنهما لا صلة لهما بما جرى، وأنه إذا قدر له أن يعيش فإنه لن يترك ما فعله النميرى ونظامه يمر بدون عقاب.

كما سيستطرد عبد الخالق قائلاً لطه، فى ذلك المنزل، إنه ليست لديه ولا للحزب أدنى علاقة بتدبير الانقلاب، و"أنا لن أنكر مسئوليتى .. لأنهم سوف يقولون إن عبد الخالق خاف وأنكر، سوف أدافع دفاعاً سياسياً إذا قبضونى، ولكن أحملك أمانة أن تقول عنى حين تكون فى مأمن أننى رفضت فكرة الانقلاب، وأننى سمعت به فى الراديو كأى مواطن آخر" .


وبهذا الصدد فإن ثمة حديثاً ظل متداولاً فى أروقة الحزب بصورة غير رسمية عما يسمى (بوصية عبد الخالق)، وفحواه أن عبد الخالق كتب بعض الملاحظات فى كراسة قام طه الكد، فى وقت لاحق، بتسليمها لمحمد ابراهيم نقد الذى انتخب سكرتيراً عاماً بعد إعدام عبد الخالق، وذلك حين التقاه طه فى مخبئه لأجل هذا الغرض. غير أنه لم يصدر عن قيادة الحزب ما يشير لهذه الكراسة. بل لقد أبدى كل من استفسرته عنها من القياديين دهشته نافياً نفياً قاطعاً معرفته أو حتى سماعه بها فقد أشار التجانى الطيب إلى أنه لا علم له "بأية وصية مكتوبة من عبد الخالق سلمت بصورة أو بأخرى لمركز الحزب" . كما نفى يوسف حسين، عضو السكرتارية المركزية، علمه بأية وصية من عبد الخالق، سواء كانت كتابة أو شفاهة .

على أن للخاتم عدلان، أيضاً، إفادة مغايرة يؤكد من خلالها أن عبد الخالق سلم أوراقاً لطه طالباً منه ألا يقرأها "وعندما سألته بعد ذلك بسنوات: هل قرأتها ياطه؟ قال لى: أنا أبوك يا حسين أنا أحنث بالقسم؟ أنا أخون الأمانة"؟ ويضيف الخاتم أن طه قام بالفعل، بعد فترة من الأحداث، بتسليم تلك الأوراق إلى نقد وهو مختفى، و".. سألته شخصياً عنها فأكد لى أنها موجودة معه"
لكن محمد ابراهيم نقد، السكرتير العام للحزب، ينفى "قصة الوصية جملة وتفصيلاً، بل ويؤكد أنها محض أسطورة .. عبد الخالق لم يكتب شيئاً ولم يكلف طه بحمل أية رسالة إلى قيادة الحزب، كتابةً أو شفاهة، وربما اختلط الأمر لدى البعض، فطه قد سلمنا بالفعل كراسة .. ولكنها الكراسة التى تحتوى على إفادته هو نفسه، أى طه، عن الأيام التى لازم خلالها عبد الخالق بأب روف.

ومن جانبه يفيد كمال الجزولى الذى ربطت بينه وبين طه علاقة صداقة خلال السنوات التى أعقبت عودة كمال من الاتحاد السوفيتى فى أغسطس عام 1973 وحتى وفاة طه فى ديسمبر عام 1977م، قائلاً: "لا أستطيع بالطبع أن أنفى أو أؤكد فأنا لم أكن حاضراً تلك الأحداث. لكن طه حدثنى كثيراً، وفى مناسبات مختلفة، عن وقائع تلك الأيام. وأذكر أن أطول تلك الأحاديث، وأكثرها استفاضة وتفصيلاً، كانت بعد يومين تقريباً من هزيمة حركة الثانى من يوليو عام 1976م بقيادة محمد نور سعد. وكنا عدنا سوياً، فى الظهيرة، إلى أم درمان بعد أن قضينا بعض الوقت مع بعض الأصدقاء فى زيارة اجتماعية إلى منزل الكاتبة خديجة صفوت بمنطقة العمارات بالخرطوم، فعرج معى إلى منزلنا بحى بانت جنوب أم درمان، حيث تناولنا الغداء، وأمضينا الساعات التالية، حتى أول المساء، وهو يحدثنى عن أدق تفاصيل تلك الفترة التى كان خلالها لصيقاً بعبد الخالق بأب روف. وأخبرنى فى النهاية بأنه قد ضمن كل ذلك فى (كراسة) سلمها للحزب فى وقت لاحق. لكنه، على كثرة التفاصيل والاستطرادات التى أوردها فى حديثه، والزمن الطويل نسبياً الذى استغرقته مؤانستنا، لم يذكر لى أى شئ عن (كراسة) أو وصية أو رسالة أو مذكرة طلب إليه عبد الخالق تسليمها للحزب.

أما سعاد ابراهيم احمد، عضو اللجنة المركزية، فتقول إنها لم تطلع على وصية من عبد الخالق، وإن أحداً لم يثر أمرها معها وسط الضغوط والمهام التى كانت تواجه الكادر القيادى فى تلك الفترة إلا أنها تشير إلى أن عبد الخالق .. ربما يكون قد رتب بعض الأمور التنظيمية ومن بينها مسألة القيادة ، فقد كان يكن احتراماً عميقاً وثقةً فى شخصية قاسم أمين، ومن الممكن أن يكون قد أشار إلى ذلك فى تلك الرسالة.

ومع أن سعاد لم تؤكد أو تنف وجود تلك الوصية، إلا أن إفادتها تضمنت (إيحاءً) فى غاية الخطورة ، ومن شأنه أن يثير جدلاً واسعاً وأسئلة مقلقة. فهل الحزب قائم، من حيث بنيته الفكرية والتنظيمية، على المؤسسية أم على شئ آخر؟ وهل يعقل أن عبد الخالق الذى وهب عمره لقضية التغيير الاجتماعى التى تعتبر فى مضمونها من أوثق القضايا بمفاهيم الحداثة، يمكن أن يكون قد (أوصى) بأن تؤول القيادة من بعده لشخص محدد؟

وفى شأن "الوصية"، تؤكد فائزة أبو بكر عضو فرع الحزب بأبروف ضمن إفادتها للكاتب بأن عبد الخالق وقبل انتقاله للمنزل الثالث والأخير الذي تم اْعتقاله منه قد أودع لديها (قصاصات) صغيرة الحجم تشير فائزة إلى أنها ربما تكون ملاحظات مهمة حرص على تسجيلها في فترة اختفائه بأبروف، ثم تضيف: "للأمانة لم أطلع عليها، وبعد فترة من تلك الأحداث قمت بتسليمها للمرحوم طه الكد".


بهذه الإفادة لفائزة فإن قصة (وصية عبد الخالق) تزداد غموضاً ضمن مجمل أحداث تلك الفترة على ماهى عليه من تعقيد وإرباك فبينما يشير الخاتم عدلان إلى أن طه قد أكد له أن عبد الخالق سلمه كراسةً طالباً منه أن لا يطلع عليها، وأنه سلمها نقد فيما بعد حسب رغبة عبد الخالق ، فهاهي فائزة تشير إلى أن (قصاصات ) أخرى كانت بحوزة عبد الخالق قامت هي فيما بعد بتسليمها طه الكد . السؤال هو أن افترضنا صحة رواية طه للخاتم بأنه سلم كراسة اْستلمها ( يداً بيد) من عبد الخالق وأودعها نقد، فهل تكون تلك (القصاصات) التي سلمتها فائزة لطه فيما بعد ضمن تلك الكراسة؟ ولماذا لم يشر طه الكد إلى ذلك في حديثه للخاتم عدلان؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فما هو إذن مصير تلك القصاصات التي سلمتها فائزة إلى طه الكد، حسب إفادتها؟


عندما دلف عبد الخالق وطه من الباب الخارجى إلى فناء منزل عم الأخير كان الفتى بابكر حاج الشيخ، الشقيق الأصغر لزوجة عم طه، ينام بحوش المنزل، فأيقظه طه هامساً له أن برفقته عبد الخالق الذى ينبغى أن يقضى بعض الوقت هناك، طالباً منه أن يتكتم على الأمر. وعلى حين ربض عبد الخالق غير بعيد فى الجزء المعتم من الحوش، بدا لطه أن الفتى شد قامته، وشمخ برأسه، قبل أن يؤكد له بعزم أنه لم يعد يافعاً حتى يثرثر بأمور كهذه.

والواقع أن طه الذى كان يتحوط ، خلال تلك الأيام، لكل شئ، قام فى وقت لاحق بصرف خدم المنزل، كما حرص على تجنب الضيوف بقدر الامكان.

لم يكن هناك إذن من كان يعلم بأمر عبد الخالق سوى أفراد الأسرة القلائل من أقربائه. فبالاضافة الى طه وخاله محمد التيجانى وبابكر حاج الشيخ كانت هناك شقيقات طه: بتول وصفية وملكة. لكن، فى ما بعد، وضع طه، بطلب عبد الخالق وتوجيهه، قلة من عضوية فرع الحزب بأب روف فى صورة ما يجرى. وقبل ذلك كانت ثريا الشيخ، زوجة شقيق عبد الخالق الأصغر محمد محجوب، والتى لم تكن قد التحقت، بعد، بعضوية الحزب، قد زارته لبعض الوقت، وكان عبد الخالق يصبرها مشجعاً ويذكرها ببعض الآيات القرآنية "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، وذلك عندما كانت تنتحب ولا تستطيع كتمان جزعها .

ظل الفتى بابكر يقوم على خدمة عبد الخالق طيلة فترة وجوده هناك. ولم يكن بابكر فى واقع الأمر عضواً بالحزب، إلا أنه كان على المستوى الشخصى معجباً بشخصية وثقافة وبسالة عبد الخالق، فتعاطف مع الحزب كأغلبية شباب تلك المنطقة من أم درمان القديمة الذين حملوا عبد الخالق إلى مقاعد الجمعية التأسيسية عام 1968م. هكذا، ورغم فارق السن، نشأت علاقة حميمة بين بابكر وبين عبد الخالق فى تلك المدة الوجيزة بصالون حوش حسن الكد، وتحت ظروف ذلك الكرب، ورهق الساعات بل الدقائق التى كانت تمر ثقيلة متباطئة، والمصير المفزع الذى كان يدنو من عبد الخالق رويداً رويداً! فقد عمل عبد الخالق على إزاحة حاجز الهيبة والرهبة من نفس الفتى تجاهه، ورفع غطاء الكلفة عن علاقتهما، حتى خيل لبابكر أنه يتعامل مع صديق قديم حميم، يتقاسمان السيجارة الواحدة (تخميسة)، ويستدعيان ذكريات تلك الحملة الانتخابية الأنيقة. ومن بينها ذلك الحادث الذى كاد أن يودى بحياة بابكر لحظة اٍعلان النتيجة، عندما تهجم أحد الاتحاديين على بابكر بفأس حُمل على أثرها إلى مستشفى أم درمان، حيث ظل طريح سريرها لأيام زاره خلالها عبد الخالق للاطمئنان على صحته، فعد بابكر ذلك اليوم من أسعد أيام حياته.

سأله عبد الخالق عن شقيقه الأمين، وعن طبيعة عمله بتلغراف الخرطوم، وعن هواياته، وعن كيفية قضائه لأوقات فراغه. ودرءاً لأى التباس قد ينشأ فى ذهن الفتى الذى قد يكون منفعلاً فقط بقيم البسالة، دون أية دراية بمقتضيات العمل السياسى السرى، شرح له عبد الخالق أنه ليست للحزب أو له شخصياً علاقة بالانقلاب، وهو لم يلجأ للاختفاء فى تلك الظروف، خوفاً، ولكن واجبه القيادى يقتضيه الاختفاء فى مثل تلك الظروف حتى يستطيع أن يتحرك بحرية باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه والتقليل من حجم الكارثة بقدر المستطاع . ويروى بابكر أن عبد الخالق، عندما أذيع خبر إعدام هاشم العطا ورفاقه الضباط، تأثر تأثراً بالغاً، حتى أنه لاذ بصمت مفاجئ، واستلقى على سريره منكفئا بوجهه على عمامته لفترة طويلة، حتى خيل لبابكر أنه قد غط فى نوم عميق.

وفى صبيحة السبت، وبينما كان بابكر يتهيأ للذهاب إلى عمله، أخطر عبد الخالق بأنه سيطلب إذناً بالخروج مبكراً من العمل فى ذلك اليوم، كى يعود سريعاً ليكون إلى جانبه. فأوصاه عبد الخالق بأن يجلب معه، عند عودته، بعض الصحف والسجائر، كما طلب منه موافاته بإحصائية عن برقيات التأييد التى وردت لسلطة 19 يوليو والجهات التى بعثتها. لكن بابكر، عندما عاد للمنزل، وجده مقفلاً، وعند ذهابه للاستفسار فى حوش حسين الكد عرف أن عبد الخالق قد غادر الى مكان آخر .


كان عبد الخالق، عندما غادره بابكر إلى عمله، مايزال مشغول البال بأمر الضفه الشرقية، حيث عاود سؤال طه عما إذا كان قد فعل شيئاً بهذا الخصوص. ويبدو أن طه كان قد تراجع عن فكرته الأولى حول ترتيب المسألة مع بعض (مراكبية اب روف)، حين استشعر خطورة تلك المغامرة على حياة عبد الخالق. وكان من المحتمل، بالفعل، أن يكون شاطئ اب روف قد أصبح مرصوداً أيضا من قبل الدوريات العسكرية وعيون العسس التى انتشرت مبثوثه فى كل الأمكنة. فنقل هواجسه تلك لعبد الخالق الذى لم يشاطره الرأى، بل كان يبدو متيقناً من سلامة (العملية)، ولكنه ساير طه، على أية حال، وصرف النظر عن المسألة برمتها.

أصر عبد الخالق، بعد ذلك، أن يتحول من منزل حسن الكد، حيث قدر أن لهاث أجهزة الأمن فى البحث عن خالد الكد لن يلبث أن يدفعها، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى مداهمة ذلك الحوش، رغم المنصب الأمنى الرفيع الذى يشغله إبن الأسرة كمال.

كان طه وقتها يكاد يكون قد انصرف تماماً عن كل شئ، بما فى ذلك حتى مشكلة شقيقه خالد، وركز كل جهده فى إنقاذ ابن خاله عبد الخالق، فأجرى، بتوجيهات الأخير، بعض الاتصالات مع القلة التى لم يطالها الاعتقال بعد من أعضاء فرع الحزب بأب روف. وبالنتيجة تقرر نقل عبد الخالق إلى منزل آخر لا يبعد كثيراً، لكن الشبهات لا تحوم حوله كون مالكه هو أحد رجالات حزب الامة.


قبيل ظهيرة السبت الرابع والعشرين من يوليو كانت العربة التى يقودها المرحوم بكرى السمانى تقف ملاصقة تقريباً لباب منزل حسن الكد. وكان يجلس إلى جواره شقيق زوجته فضل البلولة (أحد أعضاء فرع الحزب بالحى). ومنذ ذلك اليوم أطلق طه إسم (الفحل) على بكرى الذى لم يكن عضواً بالحزب ومع ذلك تبرع بتنفيذ نقل عبد الخالق بعربته، بل وأصر على قيادتها بنفسه. وعلى حين وقفت صفية، إحدى شقيقات طه، تراقب الشارع ريثما يخرج عبد الخالق ليستقر بالعربة، كان هو يلح فى إبعاد طه عن المكان تحسباً لأى طارئ بعد أن رأى حرصه على مرافقته والبقاء إلى جانبه .


هكذا، وفى وضح النهار، انطلقت العربة تشق أزقة ذلك الحى الشعبى، وعلى مقعدها الخلفى جلس الرجل الذى كانت تبحث عنه أرتال عسكر مايو وعسسها، بجلبابه الأبيض وعمامته البيضاء بعد أن أحكم لف ملفحته السمنية حول عنقه ورأسه و صفحتى وجهه. وفى ما بعد حرص طه على رش منزل عمه بمادة تمحو آثار عبد الخالق فى حالة اصطحاب رجال الأمن لكلابهم البوليسيه.

أوقف بكرى العربة ملاصقة أيضاً لباب منزل قطب حزب الأمة، ونزل عبد الخالق ليجد فى استقباله فائزة أبوبكر العضو بفرع الحزب بالحى وإٍبنة صاحب المنزل، حيث قضى وسط أسرتها الصغيرة ما تبقى من ذلك اليوم حتى فجر اليوم الذى يليه. وقد أفادت فائزة لاحقاً بأن "عبد الخالق قال لى بالحرف: أنا ما عندى علاقة بالانقلاب وبختفى ليس خوفاً من الموت ولكن من أجل أبناء وبنات الشعب السودانى وربنا يقدرنا نقدم ليهم ما يطورهم ويسعدهم، وكانت هذه كلماته الأخيرة لى"

ما كاد ينقضى وقت قصير منذ وصول عبد الخالق إلى هذا المنزل حتى حدثت واقعة اعتقال لأحد الذين يقطنون المنزل الذى انتقل اليه عبد الخالق ،ذلك المنزل المأهول بعدة أسر صغيرة من عائلة واحدة كبيرة، كأغلب منازل أمدرمان القديمة، وعلى الرغم من أن اعتقال ذلك الشخص قد تم من مكان عمله بالخرطوم الا أن ذلك قد جرى دون أن يفطن رجال الأمن لوجود الشخصية المحورية فى حملاتهم المحمومة بمنزل ذلك المعتقل، بل ولم يخطر لهم ذلك أصلاً.

لكن عبد الخالق وما أن ورد خبر الاعتقال، حتى طلب من طه الذى كان قد وصل آنذاك الاسراع بنقله الى منزل خالٍ من السكان. والواقع أن عبد الخالق كان قد اقترح ذلك قبل مغادرة بيت حسن الكد، إذ يبدو أن إقدام النميرى على إعدام قادة الانقلاب من العسكريين، وعلى البطش بالمدنيين، جعله يفكر جدياً فى تسليم نفسه للسلطة المهتاجة، والتى قدر أنها لن تبرأ من سعارها، أو تتوقف عن دمويتها وبطشها بالشيوعيين والقوى الديمقراطية، إلا بالقبض عليه. وقد حاول طه، جهد طاقته، أن يثنيه عن قراره ذاك، إلا أنه تمسك به كقرار نهائى. فطلب منه طه التريث حتى يتم تدبير منزل مناسب، لكن عبد الخالق واصل إلحاحه على أن يتم ذلك فوراً فخرج طه وأجرى اتصالات نتج عنها، على عجل، تدبير منزل أهله على سفر. ".. ويمكن القول هنا أن عبد الخالق كانت تشغله فى تلك اللحظات .. الطريقة التى يفدى بها حزبه ورفاقه، حتى اٍذا اقتضى الأمر تسليم نفسه لموت محقق. ويمكن أن يقال .. إنه كان يفكر فى تقديم نفسه قرباناً لحزبه، ولكنه لن يكف عن أن يكون شهيداً لهذا السبب .. فإن جميع الشهداء بالمعنى الواسع للكلمة هم بطريقة ما وبمعنى من المعانى قرابين".

ولا بد أن عبد الخالق قد أحس بصورة أو بأخرى أن الأمر قد قضى، وأن الخناق أصبح يضيق تماماً، فلم ينتظر، حيث غادر منزل قطب حزب الأمة على عجل برفقة شقيق فائزة أبوبكر،التى قالت "لم يأت أى أحد ليغادر معه ولكن ذهب معه معاوية شقيقى وقد كان وقتها وزير دولة وفيما بعد أصبح وزيراً للتشييد والأشغال وتوفى عام 1978، وكان صديقاً لعبدالخالق، وقد ذهب معه سيراً على الأقدام الى المنزل الذى انتقل اليه، والذى كان قريباً من منزلي، "

هكذا انتقل عبد الخالق، فجر الأحد الخامس والعشرين من يوليو، إلى هذا المنزل الأخير الذى سيعتقل منه، والذى دبره المرحوم عثمان مصطفى عبد الرحمن ، أحد أعضاء فرع الحزب بأب روف، ويمتهن حرفة النجارة، والذى تؤكد فائزة أنه بذل قصارى جهده من أجل تأمين عبد الخالق، وقد وقع اختياره على ذلك المنزل باعتبار أنه لا تحوم حوله أية شبهات، وأنه مملوك لعمه المرحوم الطاهر حاج حمد الذى كان وقتها يرافق زوجته فى رحلة علاج بالقاهرة.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-06-2008, 08:13 AM   #[40]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]الدايات - أمدرمان
شوقي بدري[/align]



الابن/ الأخ أمير الشعرانى كتب موضوعا جميلا عن الدايات أمدرمان . ولكن يبدو أن بعض المعلومات قد حجبت عنه . ويمكن وأنا فى السويد أقول من الذاكرة . قديما لم تكن تذكر كلمة داية بدون أن تذكر السيدة المشلى . وهى أول قابلة قانونية فى السودان متدربة. وأتت الى السودان مع بداية القرن الماضى . وكالعادة يشاد بكثير من الناس بحق أو غير حق وينسى أصحاب الوجعة الأصليين .

اقتباس

(الدكتور عبدالرحمن عتبانى ، المؤمن بفكرة قيام المستشفى بلا حدود، كي يبلغ هدفه النبيل كان لا بد له أن يتجاوز الأسلوب الديواني البطئ، حيث اتصل مباشرة بالزعيم اسماعيل الأزهري رئيس مجلس الوزراء آنذاك الذي تحمس للأمر، فخصص على الفور أراض شاسعة للمستشفي والمدارس الملحقة، وشاء الله تعالي أن يولد للزعيم الأزهري ولداً بالمستشفي بعد افتتاحه بعام واحد هو الراحل محمد اسماعيل الازهري.

بعد أن استلم الدكتور عبد الرحمن العتباني أراضي المستشفي، جند شقيقه المهندس حسن عتباني لتجهيز الخرائط ومراقبة تنفيذ المباني، وقد استغرق التشييد زمناً وجيزاً بلغ ثمانية أشهر من يناير حتي أغسطس 1956م ليبدأ المستشفي عمله فعلياً بأول ولادة في 1/6/1957م، ويتم افتتاحه رسمياً في 15/6/1957م، لتنهال عليه التبرعات التي استهلها المرحوم عبد الله خليل بطلمبة مياه لري الاشجار في عام 1958م) .

الدايات ارتبطت فى السودان بست بتول ، وهى بتول عيسى ، من بنات رفاعة ومن أول خريجات مدرسة رفاعة . ولقد عملت بطريقة متواصلة ومتبرعة كمعلمة فى مدرسة الدايات لمدة سبعة وستين سنة . ولهذا كرمتها الأمم المتحدة كأعظم قابلة . ولم تكرم فى السودان .

ست بتول كانت قوية ممشوقة القامة ، شاهدتها فى سنة 1960 وهى متقدمة فى السن ، تحمل الكوريك لفتح جدول بعد المطر . وهى والدة الرجل النبيل الصناعى ادريس الهادى صاحب الورش فى أمدرمان ومصنع اللحام والهواء السائل . من أبنائه أحمد ومحمد وعلى . وحفيدتها متزوجة من كمال عبدالكريم ميرغنى . وكانت تسكن فى السردارية أمدرمان على بعد ما لا يزيد عن أربعمائة متر من مدرسة الدايات . وجارتها اللصيقة ، وفى المنزل المجاور من الجهة الشمالية ، كانت ست السرّة أو حاجة السرة ، وهى قصيرة القامة نحيفة مشلخة ، هادئة . ولها بنت بالتبنى بيضاء اللون .

من الدايات المشهورات قديما فى السودان ، وزنو ، بت التمّارى ، ست دنيا . وهى امراة جهورة الصوت ، تثير الرعب حتى فى الرجال . وزينب جالدونق ( والتى تعنى بلغة الشلك : الرجل الكبير) والتى حاربت ختان البنات بعنف ، على عكس أغلب الدايات اللائى صرن ثريات من جراء ختان الاناث ، عدلة النفاس ، وعدلة الموت . ومن عملت كذلك بتفانى الخواجية هيلبس . أشهر داية على الاطلاق كانت الخالة قسايا والدة الأخ عبدالقادر الحبر .

القول بأن الدكتور عبدالرحمن عتبانى هو الذى انشأ الدايات ، قول خاطىء .لأن دكتور عتبانى لم يكن من الرعيل الأول الذيت تخرجوا فى العشرينات أمثال على بدرى ، ومحمود حمد نصر الذى هو كذلك من رفاعة ، وحسين أحمد حسين الذى أشتهر كطبيب عيون ، وشقيقه أول مديرى البوليس . والمثل يقول ( العين بحسين ) اشارة الى دكتور حسين ، وان كان الصحيح هو العين باليغلب حسين . ومن ذلك الرعيل الدكتور التجانى الماحى ودكتور الباقر ثم تلاهم دكتور النور عبدالمجيد ودكتور نابريه ..... وكثيرون . وأشتهر عبدالعزيز نقد كحكيم باشى أمدرمان بالشورت الأبيض والشرابات . وفى أيامه كانت المستشفى تعمل كالساعة السويسرية وكل شيىء فى مكانه ، والأكل والعلاج مجانى للجميع . وعندما كان الأستاذ عبدالرحمن على طه وزيرا للمعارف ، وعلى بدرى وزيرا للصحة ، وهذا فى أيام الاستعمار ، كانت ميزانية الصحة والتعليم أكثر من 25 % من ميزانية الحكومة . والأستاذ عبدالرحمن على طه طرد وكيل الوزارة البريطانى من عمله . وطلب من صهره على بدرى أن يطرد وكيل وزارة الصحة البريطانى اذا اعترض .

والقول أن أخيه المهندس عتبانى قد قام بالبناء ، هذا قول خاطىء أيضا . لأن المنشآت الحكومية كانت تدرج فى خطة البناء وتنفذها مصلحة الأشغال . ولا ترتبط بشخص . ومدرسة الدايات بدأت فى العشرينات وليس فى سنة 1957 كما ذكر العزيز أمير . ولمحاربة دايات الحبل . والحبل يا سادتى هو حبل يربط فى مرق الغرفة لكى تشد الحامل نفسها وهى باركة . وتضع الداية قدمها على ظهر الحامل وفردة قديمة حول البطن حتى تساعد عملية الولادة . ونسبة للضغط وتعقيدات الختان الفرعونى ، قد يحدث تمزق حتى بعد اكمال القطعة والوربة ( عملية الفتح ). وكثيرا ما يؤدى هذا الى الناسور البولى ، وهو عدم التحكم فى البول ، ما يجعل النساء معزولات . وهذه المشكلة موجودة بكثرة فى الصومال وأثيوبيا . ودكتور أبّو كان أول من التفت الى هذه المشكلة وطلب بابتعاثه الى انجلترا للتدرب على العملية البسيطة . ثم تدربت دايات على يده .

الدايات كانت تحد بدار الرياضة من الجنوب ، ومنزل آل سوار الدهب ومنهم أسامة الذى كان فى عمرنا . ومنزلهم كان يستقبل كثير من الزائرات ويطرق الباب باستمرار لطلب شربة ماء أو ابريق وضوء لأن منزلهم هو المنزل الوحيد الذى كان يواجه بوابة الدايات الجنوبية . ومنزلهم كان من الطرطشة السوداء . وواجهوا مسؤليتهم الأمدرمانية بنجاح .

ومن الشمال الغربى كان منزل حاج الأمين ، منهم الشاعر عبدالمجيد ، وفاروق وآخرين . وحبوبة حميدة ست العرديبة ، والدة أحمد هبّار ، أبو الأمينة ، وأبو بكر حاج الأمين ( طكس) . ويليهم منزل العم الطيب والد القائم مقام الزين حسن ، وعمر الطيب لاعب الموردة وآخرين . ثم منزل المفتش . وبالرغم من أن حائطه من الجالوص الا أن المنزل حوى على حديقة غنّاء. وبعد منزل المفتش هنالك مدرسة المعلمات المشهورة . ومن الجهة الغربية واجهت الدايات مكاتب الحزب الجمهورى الاشتراكى ، وحتى الستينات كان حمزة فراش النادى يبيع شربات الليمون من أمام المكتب فى أيام مباريات الكورة .

لقد نشأنا فى أمدرمان ووجدنا الدايات كمؤسسة قديمة متواجدة ، والترام كانت له محطة أسمها الدايات . وهى المحطة التى بين السردارية وكاس كمرى.

المبنى الذى شيّد بعد الاستقلال مباشرة هو الزائرات الصحيات . وهذا المبنى الذى يقع جنوب الدايات وعلى نفس شارع بوابة عبدالقيوم .

الأخ العزيز عبدالرحيم الشيخ ( ود النخيل ) ، وهو وشقيقه ابراهيم الشيخ رحمة الله عليه من ظرفاء أمدرمان . وخيلان محمد والفاتح ومصطفى النقر لاعبى الكرة ، ذكر فى برنامج دكتور عوض التلفزيونى أنه ولد فى مستشفى الدايات . ومنزلهم على بعد خطوات من المستشفى . وأظن أن الأخ عبدالرحيم مولود سنة 40 أو 41 . وهنالك من هو أكبر منه فى أمدرمان ولدوا فى الدايات .

البريطانى هوفل ، وهو اخصائى أمراض النساء والولادة بمستشفى أمدرمان فى العشرينات والثلاثينات هو الذى قدم كثيرا للدايات ، وتعليم الدايات . ولقد كان فى أمدرمان اثنين من التيمان عاشوا حتى السبعينات عرفوا بتيمان هوفل ، أو تيمان الاسبتالية ، وكانا ينامان فى الركن الجنوبى الشرقى . ويبدأ أحدهم الكلام ويكمله الآخر خاصة الشتائم . أحدهم طويل والآخر قصير . بعد رجوع هوفل لأهله طردا من المستشفى . وأمهما تركتهما فى المستشفى بعد الولادة . وتكفل دكتور هوفل برعايتهما ، ووجد كثير من الدايات أسر لأطفال هجرهم أمهاتهم بعد الولادة .

عندما بدأ يوسف بدرى عمله كأول صيدلى فى الثلاثينات ، أصطدم بالماترونة الانجليزية التى كانت تتدخل فى عمله ، لأنها كانت تحب مستشفى أمدرمان وتتفانى فى خدمته ، وعندما طلب منها يوسف بدرى عدم التدخل ، اشتكت لدكتور هوفل الذى قال ليوسف بدرى أنها ككل السيدات تحب أن تسيطر فى منزلها ، وهى تحسب أن المستشفى منزلها . وعندما قال ليوسف بدرى ( مرتك فى البيت مش هى العاوزة تقرر ؟) ، رد يوسف بدرى بأنه غير متزوج . فضحك دكتور هوفل وقال ( عشان كده . بعدين لمن تعرس حتعرف ) . الدكتور هوفل كان رجلا نبيلا متفانيا . ولسوء الحظ ان الانجليز كانوا يؤدون عملهم خير منا . ومدرسة الدايات تدين له بالكثير .

التحية

شـــوقى



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-06-2008, 02:25 PM   #[41]
عصمت العالم
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عصمت العالم
 
افتراضي


البد يع الفنان ..العزيز فيصل سعد..

اعلم انك شذى فواح العطر.وانت تضوع بكل ذلك العتق..ياصديقى..اعدتنا لصفاء تلك الايام.المرافىء حيث كانت الاتكأه على ازهار ربيع الدنيا..وانفاس ذلك اللهيب السحر..إستنشاق مسترسل حين يطل القمر من خبايا غفوته.وينشر ضيائه اللجين ..ويغطى كل مكامن الوجدان..وهو ينقر على اهداب الرؤيا.اان تعجل بفتح كل البوابات..
فيصل..
انت تعيد ظلال الماضى من اول..يعطيك العافيه..فهذا إبحار عكس التيار فى قدرات بالغة الاعجاز..
كم اشجانا ذلك واسعدنا .وزرع فى جدب ايامنا زهور مترعة من ندى الماضى..
فيصل..
ما اروعك.وانبلك..وانت تسقى بكل ذلك المد المزن..
عميق المحبه..وكثيف الاعزاز؟؟؟



عصمت العالم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-06-2008, 05:55 AM   #[42]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

كثيف الود و التقدير ايها الحبيب الاديب الاريب
و الشكر الجزيل على الاطراء و الثناء و دا من اصلك
و معدنك الطيب الاصيل و تاكد باننا تلاميذ مدرستكم العامرة التليدة.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-07-2008, 02:14 AM   #[43]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center][align=center]
معلقة الإشارات/محمد عبد الحي
الاربعاء 15 يونيو 2005
غيداء[/align]


معلقة الإشارات
(قصيدة نبوية فى مقَــام الشّعــر وَ التاريـــخ)

1- إشَــــارَة آدَميَّـــــــة

بِالأسْمَاءْ
نَسْتَدْعى العَالَمَ مِن فَوْضَــاهُ :
البَحرُ. الصّحْرَاءْ.
الحَجَرُ.الرّيحُ.الَماءْ.
الشّجَرُ.النارُ.الأُنْثَى.
والظّلمَةُ. والأضــواءْ.
ويجىءُ اللهُ
مُلتَفّاً بالأسْمَاءِ الحُسْنى – بالأسْمَاءْ.
هَذا مَوْلِدُ رؤيَاه

2- إشــــارة نوحِيّــــة:

أكادُ أنُ أصْرُخَ فى وجه الإلهْ
كيف استَرَحْتَ بَعد أن أَطلقتَ
مِن عقالِهِ رُعبَ الميَاهْ
على حُقولٍ نَزَعَتْ بقطراتِ
عَرَقِ الجَبينْ
عَبْرَ مَفَازَة السنينْ
شريحةً مِن خُضْرَةٍ
من بِين فكَّىْ أسَد الَمحْلِ؟..
: لَماذا يبدأ الَمتاهْ
ثانَيةً ؟ لكنَّنى أقولْ.
وكلُّ شىءٍ مالَ للأُّفولْ :
يا برقُ أبرقْ
فى دُجَى غَضَبه
لكى تنيرَ هذه القصيَدهْ :
المرْكبَ الحُبلَى بكلَّ ضعْفِنَا
وشوقِنَا لأرضِنَا القديِمة الجَديدهْ.

3- إشارَة ابَراهيميّـــــة :

هَل سَيأتى؟
هل سيأتى عبَر ليلِ الكَلامِ؟
عبَر صَمتِ الكَلامِ
والوردةِ الكوكَبيّهْ
فى مَركَز الليَّلْ
لامعاً مثلَ صَفحَة السَّيفِ
فى لحمِ الظَّلامِ؟

هلْ سَيأتى مَلاكُكَ الآخرُ الليلةَ ؟ إسْمَع!
صَرخةُ الصَّقْر ، والبَشائُر الوَحشيهْ.
رغوة’’ من دماء كَبشٍ ذبيحٍ فى بُروجِ النُّجومْ.
وخيول’’ نورَّية’’ فى الغيومْ
لُغَة’’ فى الرياحِ من لَهَب أخضرٍ عَلى الأشجَارْ
طائرُ الليلِ هارباً يستحيلُ رمَاداً
فىِ مَرايا النَّارْ

4- إشارَة مُوسَويَّة :

الرمَادْ
فى الصباحِ البِكرِ يِلتمُّ ويعلُو
شجراً أخضرَ فى النور النَّقىْ
ثمراً أحمرَ فى الغُصْنِ النَّدى
طَائراً أبيضَ ، ينبوعاً سَخىْ
كلُّ شىءْ
حُلُم’’ يخبر’ عن أرَضِ الَمعَادْ

5- إشارَة عيسَوية :

هذا رنينُ قدمَ الفجر عَلى التّلال وَالأشجارْ
يخبرُ كَيفَ مرَّت الرِّياحُ علَى القيثارْ
واعتنقَ الملاكُ والعذراءْ
تحتَ سُقوف النّارْ
وضَجَّةِ الشارعِ والغبَارْ –
وافْتَرقا
إلى سمائِهِ ، وَهىَ إلى جَسَدِهَا المقهُورْ
وبَدَأتْ أغنيةُ الدمِ التى تُضِىءُ فى حنجرِة العُصْفورْ

6- إشارَة محَمَّديَّـــة :

فَاجَأتْنا الحَديقةْ
فاجأتْنَا الحَديقةُ
انعقَدتْ وَرْداً ونَاراً فىِ قلبِهَا الأضْواءُ
والخيولُ النُّوريُّة البيضَاءُ
والطّواويسُ نَشَّرتْ
فى بِلاد الصَّحوِ ريشاً مُنَسَّجاً
كلُّ شىء فى غصونِ الحقيقَةْ
آسُ نارٍ ، وموجَة’’ فى بِحَارٍ عَميقةْ
منْ لهيبٍ ومن جَمَالٍ ويُمْنٍ
يَسقط’ الطّيْرُ قبْلَ
أن يُدرِكَ السَّاحِلَ مِنهَا
مُستَقبلاً فى ابتهاجٍ حَرِيقَهْ.

فاجَأتنا الحَديقة’ الزّهْراءُ
أشرقَتْ فى مَركَزِها القُبّةُ الخَضْراءُ
وتوالَتْ بُشرىَ الهوَاتفِ
أنْ قَدْ وُلِدَ المصطَفى وَحقَّ الهَنَاءُ ،
واَكتَسَتْ بالنُّورِ الجَديدِ
من الشمسِ ابتهاجاً وغنَّتْ الأسْمَاءُ.

7- إشـــَارَة

شَمْس’’ مِنَ العُشْبِ ووَرْقَاوانْ
تُغَنِّيانْ
قبلَ بداية الزَّمانْ
بَعْدَ نهَايةِ الزَّمانْ
تَحْتَرِقَانْ
عَلى فُروعِ البَانْ.
[/align]



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-09-2008, 01:48 PM   #[44]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

من روائع استاذنا الراحل الدكتور علي المك :

[frame="1 80"][align=center]

ذهب خمسة صبية الى النهر... اصطادوا سمكة... رجعوا اسيانين الى الحي اربعة... قال النهر :
اخذو مني روحا .. اخذت منهم روحا .
[/align][/frame]



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-04-2010, 01:43 PM   #[45]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيصل سعد مشاهدة المشاركة
[align=center]

أوائل أيام الانتفاضة و تحديدا في مايو 1985 بالميدان الشرقي بجامعة الخرطوم ، كنت شاهدا و مستمتعا باناشيد و الحان وردي "يا شعبا تسامى يا هذا الهمام" ، "حنبنيه البنحلم بيه يوماتي" و كانت فرحة النصر بجلاء دكتاتورية مايو و شرها عميقة و مفرحة لشعبنا العظيم عاشق الحرية ، لا سيما المناضلين و المظاليم و الخارجين من سجون مايو ، و المتحررين من الاسر و القيود و اسر الشهداء ، و كانت بدايات التكوين و الانفعال بقضايا الامة و الحس الوطني ، و كان حماس الشباب و عنفوان التفاؤل بالغد المشرق، - و لكن الانتفاضة سرقها من سرقها، و باعها من باعها و خانها من خانها - في ذلك المساء الطيب و في تلك الندوة الحافلة ، الهب الراحل صلاح احمد ابراهيم قلوب و مشاعر جميع الحاضرين و بحماس منقطع النظير بهذة القصيدة الملحمة ، المعرية للسفاح نميري و نظامه ، بطشه و جبروته و فساده و اليكم بعض من رحيقها الخالد مهدى لكم و لحبيبنا "عصمت العالم" :

محاكمة الشاعر للسلطان الجائر

فيهم قوة فيهم نخوة
فيهم راس
وفى مجلس
رفاقا عزاز
بساط وظراف
مازى زولكم
الزهجى الظلوم الظق
خادم الباشا
دقاق المساكين دق
تيلات جدو
فى التركية فيه مرق
لا بحس بالكرامة
ولا بهمو الحق

يشتم فى البشر
أموات على أحياء
ويشتم كل مغضوب
منو فى الوزراء
وحتى الماتو أذكروا
كيف اليهم أساء
وعاد يبكيهم التمساح
وأى وفاء

غلطانين وصدقنا
الوعود الخانا
لامن شفنا ازداد
بى ورانا تخانا
عندو أمور تحت
أسأل بهاء وسخانا
مافى معاها مادامت
أمل فى رخانا

ثروات بحرنا الأحمر
تنازل فيها
زى مويتنا ما عبود
تبرمك بيها
عجبن لى حراميها
وصبح حاميها
يقهرنا ويقول للغير
أهجموا عليها

أسرع يا سليم
(سليم مستشاره الاقتصادى واحد لبنانى محتال ابن كلب)


أسرع يا سليم
ساعد أخوك عدنان
وهات الشيك
وهيك ملعون أبو السودان
خبراتنا العزيزة
الطاشة فى البلدان
طفشا بى عمايل
ما بتسر انسان

يابايع الوطن للغير
أريت لو بعتو
بالتمن النقول
يمكن يطابق نحتو
كل صاحب جنيهين
أجنبى وطمعتو
بالهوبلى خم وقال
أريتكم جعتو

ماكان العشم قط
يا الأبوك مسكين
تتكى الشعب
تدنا عليه بالسكين
باكر تفنى لكن
تبقى فينا سنين
آثار فعلتك
شوف البسامحك مين

برطعت وعتيت
شعب البلاد شحات
بددت الأمل
والمال نصيبنا فتات
وليك انت النياشين
ترقش الدهبات

سبحتو من حبال
المشنقة المرفوعة
جلابيتو من كفن
الشهيد مقطوعة
صحة عضلو
من مرض الأهالى وجوعا
الفاتورة من لبن
الرضيع مدفوعا

الرحمة بتكورك فى بلاد الغربة
والرحمة بتكورك والعمايل كعبة
فاكر رحمة الله يا أب مشانق لعبة
ولا الرب رهو منك بتدخلو رهبة

سبحان مكرو اسمو المنتقم لعبادو
واسمو شديد عقاب ويل للذين تمادو
يمهل حبلو داك سلبة وطويلن مادو
ما بهمل وقط ظلم النفوس ما واردو

يا سفاح عشان تهنأ وتعيش فرعون
يا داسى الجثث يا الفى الفجر ملعون
يا سارق الفقير مانع على الماعون
يا عارض عرض فوق البلد طاعون

قولة أضربوهم
(قالها للجامعة هنا لو تتذكروا)


قولة أضربوهم كيف يرجعا فوك
وين تلقى العدالة ودا العهدنا سلوك
أحكام ظل بلا بينة وحكم متروك
لا للمادة لكن لى مزاج صعلوك

متهمك يشر دمو وأمام القاضى
يضربو فيه بكفيهم وفخامتك راضى
كيف يتهنا جفنك ساعة بالاغماضى
من يوم يندهوك ويواجهوك بالماضى

ما تتحوى بى آيات عزل معزولة
ما تغشك سبح متسولات بى قولا
ما فيش اليقيك وكتين تجيك فى تولا
نوح نوحن كثير وأطرأ القيامة وهولا

أعزل لى دجل آية وتفادى الأخرى
قالت آخر الظلم الجحيم فى الأخرى
يا العاجباك أمارتك تنقز فخرا
ربك كيدو أكبر يوم يزنقك تخرا

خلى الدين بعيد ما تجروا توب فى دنيتك
ما قال ليك جوعو عبى فى صينيتك
ما قال ليك أسرف وسف وعلّى بنيتك
وعربد وعير وعاند وخلى انسانيتك

خلى الدين بعيد ماتزيد جرايمك سيئة
راعى وبسألوك كيفن ظلمت رعية
يا الحمل الأمانة ظلوم جهول مادية
بتجيب الخبر عند البيقرا النية

إنت المُلهِم الملهَم دوام تتوطح
ما بين مهبط الحكمة وتقوم تتفولح
وين إلهامك؟ البلد التراهو ملولح
غشك ثعلبان حاجتو إنقضت واترورح

فى ضهرك طلع وطلعت إنت فى ضهرو
شيلنى وأشيلك السايس بغاير مُهرو
ينفخك إنت ناصر وإنت تيتو ونهرو
باكر تمشى فى غيرك يمارس عهرو

وين إلهامك؟ الفكر القفلت دروبو
ولا شقاوة الشعب النفضت جيوبو
ولا سقوط قيم فى جيل مفرهد دوبو
حسب الشايفو قدامو بيتم تدريبو

وين إلهامك؟ إلا إن كان كذب وأونطة
أمل الشعب فيك راح زى قتيلة الشنطة
مشدوه بى مواقفك نطة عكست نطة
زى قرد الطلح يوم يسألوك رطنت

صدق القالو منصور
نصرة ضد آمالنا
ضد أولادنا
ضد أحفادنا ضد عمالنا
ضد الشعب كلو القالو مالك ومالنا
حلال بلة من القيد يكون حلالنا

صدق السمّا قائد
للخراب والفرقة
للخلق الرزيل
لى بيع عرض للسرقة
لى سف التراب
للمحقة يوت للحُرقة
زى إبليس يقود
الساقطين للحَرقة

زى السامرى ما برضو قائد ملهم
شال عجل الدهب
قال موسى خائن مجرم
وزى قائد الضلال
مذموم صحائح مسلم
قائد ماشى وين؟؟
دربك ملولو ومظلم

رئيس لى عصابة
حاكم بالعضل بالبنية بالدبابة
تبت إيدو يحكم بى شريعة غابة
بالجمهورى صائل
فى تعابة غلابة

الأخ الرئيس
كل يوم يفاجىء شعبو
بى شيتن يمحن للبعيد والجمبو
مرماه الوحيد كيفن يوهط صلبو
فى كرسى الحكم والباقى شن يعملبو

تمثيلية فينا رئاسة بعد رئاسة
قايل الشعب بى قمبورو ولا دباسة
ماناقصلو غير يعمل عمل بوكاسا
سبورة بعضل متأبط الحداثة

ربنا وابتلانا عشان نخش الجنة
نزل لينا دجال ايدو ماكنة مكنا
جانا فى شكل منقذ مرفعين ضللنا
بى فروة حمل لمن أمِنا أكلنا

انظر نابو بى دم الشباب كيف دامى
وانظر جسمو بى تنميتو كيف متنامى
وانظر مخلبو الفوق المساكين رامى
واسمع عوتو جيعان ولا جنن رامي
[/align]
فهل تدور عقارب الساعة و يتكرر المشهد،
و ينتزع الشعب حريته من براثن نظام الانقاذ،
و ينشد الشعراء القصائد الحماسية الملهبة ؟؟



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 07:36 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.