نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > مكتبة الجيلي أحمد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-01-2008, 10:28 PM   #[16]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

تحايا يابنج,

عذرآ للغياب,
وشكرآ على فاتحات الشهية,

سأعود لاحقآ لمواصلة ماأنقطع ..



خارج النص:

كيف "روست"!!



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2008, 10:37 PM   #[17]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح نعمان مشاهدة المشاركة
الجيلى أحمد
عام سعيد جديد موشح بحلو الامانى
تختفى وتعود بالروائع .. أستمتعت بهذا البوست الثر ..لك ودى
تحايا ياصلاح,

وكل سنة وأنت والوطن بخير..
ننتظر منك الكثير ياصلاح فى هذا الخيط,
كناقد أدبى وكاتب
..
سعيد برؤيتك, فلكتاباتك مزاق مختلف..

بلغ عنى التحايا لبركة لو مر ناحيتكم,

وراجينك..



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-01-2008, 12:39 PM   #[18]
الفاتح
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الفاتح
 
افتراضي

سلامات يا بنج..
حقيقه أنا كنت داير أكتب عن موضوع قريب من ده : في إنو بقت عندي إهتمامات غريبة: ما بسمع إلا Ciline Dione,Bryan Adams, Yanni , لغتي بقت مسخ مشوًه من تقرنجه وعربي وشوية " أيش فيك ", بتابع بإهتمام أخبار ناس charlise Therone و Ashley Judd كمن تربطني بهم صلة نسابه . طيب ..هل أنا ماشي بشكل كويس إنو أكون مستلب؟ والإستلاب هو شنو ؟, هل في ردًه عكسيه لإهتماماتي وللا ده وضع طبيعي لتغير أمزجتي؟ المكان البيشكًلني.
كنت داير أكتب عن الوجهه دي, لكن لقيت هنا معطيات كتيره ممكن نناقشها.
ف عن إذنك داير أعمل خشوش في المزًه دي :
اقتباس:
أنّ سعيد هو اسم عدد من العمومة وأبناء العم . غير أنّ تبرير تسميتي تَهافَتَ كلياً عندما اكتشفتُ أنْ لاأجداد لي يحملون اسم سعيد . وخلال سنوات من محاولاتي المزاوجةَ بين اسمي الإنكليزيّ المفخّم وشريكه العربيّ ، كنتُ أتجاوز (( إدوارد )) وأؤكّد على (( سعيد )) ، تبعاً للظروف ، وأحياناً أفعل العكس ، أو كنتُ أعمد إلى لفظ الاسمين معاً بسرعة فائقة بحيث يختلط الأمرُ على السامع . والأمر الوحيد الذي لم أكن أطيقه ، مع اضطراري إلى تحمله ، هو ردود الفعل المتشككة والمدمِّرة التي كنت أتلقّاها : ادوارد ؟ سعيد ؟
1/ Multi الإسم: إدوارد سعيد : التركيبة البالغة التعقيد " شق إنجليزي وشق عربي" .. إلى أي مدى يحمل مدلول الإسم مفتاح القبول لدى الآخر.
ماذا عن الأسماء التي تثقل كاهل أرفف مكاتب الإحصاء لدينا من " خشم الموس, وشطه, دودو " هل كتب علينا أن نحمل عبء إيجاد تفاسير للأسماء التي تفتحت عليها ذهنية آبائنا ؟
2/ Multi الديانه: مسلم مسيحي:
اقتباس:
ولكنْ من أيّ نوع ؟ هل أنت بروتستاني ؟
لا أذكر أنّ أياً من الأجوبة التي جاهرتُ بها رداُ على تلك الاستجوابات كانت مقنعة أو حتى جديرة بأن تَعْلق في الذاكرة . وكان عليّ أن ابتكر خياراتي بمفردي : فأحدها قد يصلح في المدرسة مثلاً ، ولا يَصْلح في الكنيسة أو في الشارع مع الأصدقاء
the father, son, holy spirit, Allah أيًا منهم عليه إنتقاءه أم عليه أن يتبًع ديانته المسجله بشهادة ميلاده , والمعتقد الذي يشكل بداخله , وعبء تفسير هذه الوضعيه.
3/ Multi فلسطيني ومصري ولبناني واميركي يكتب الانكليزية ويقرأ العربية الى جانب العديد من اللغات الاخرى. مثقف فرنسي ومناضل فلسطيني واكاديمي نيويوركي. يتكلم اللهجات اللبنانية والفلسطينية والمصرية.
4/ علاقته الغرائبيه مع أبيه الكضاب:
اقتباس:
روى أنه تعرّض لهجوم بالغازات السامة فأصيب ، فوُضِعَ في الحَجْر الصحّي ، ثم نٌقِل إلى مستشفى في مانتوني ( كان دوماً يستخدم اللفظة الإيطالية لاسم البلدة الفرنسية ) . وذات مرةٍ سألتُه كيف كانت تجربةُ الحرب ، فروى لي قصةً عن إقدامه على قتل جنديّ ألماني من مسافة قريبة وكان (( رافعاً يديه ، وأَطْلق صرخة عظيمة قبل أن أُطلق عليه النار )) . وقد ظلت الكوابيس عن تلك الحادثة تراوده وتقضّ مضجعه خلال سنوات عدة . وبعد وفاته ، عندما اضطُررنا لسبب ما إلى سحب أوراق تسريحه من الجيش ( وقد ظلّت مفقودة طوال خمسين سنة ) ، ذُهلتُ لاكتشافي أنه ، كعضو في فريق التموين ، لم تسجَّل له أيةُ مشاركةٍ في حملة عسكريةٍ معروفة .
والذي لم يسلم أيضاً من هاجس الهويهً :
اقتباس:
ومع الوقت ، تبيّن لي أنّ إقامته في الولايات المتحدة كانت ، قياساً إلىحياته اللاحقة ، بمثابة عملية تحقيق هادفٍ للذات ، مالبث أن استغلّها في كل ما أنجزه وفي ما كان يَدْفع الآخرين من حوله إلى إنجازه ، ولاسيّما أنا . وكان يعلن دوماً أنّ أميركا هي وطنه ، وعندما يحتدم الخلافُ بيننا بصدد حرب فيتنام ، يلجأ إلى الشعار المُريح (( وطني ، أمحقّاً كان أم مخطئاً )
كيف يكتب لعلاقه بين أب وإبنه إن كانت مبنيه على النجر وإختلاق بطولات/ هويًات زائفة.
وجد الإجابه في
اقتباس:
فبين ابتسامة أمّي المقوّية وعبوسِها الباردِ أو تكشيرتها المتعالية المديدة ، وُجِدتُ طفلاً سعيداً وعظيمَ اليأس في آن معاً ؛ فلم أكن هذا أوذاك على نحوٍ كاملٍ .
طبيعة العلاقة بين أبيه وأمه في
اقتباس:
شراكة جنسية مترددة
وأثرها عليه.
5/هذه التراكيب جعلت من إدوارد سعيد أن يصيغ عالمه الخاص بكل تناقضاته خارج وداخل المكان بأبعاد الماضي والحاضر والمستقبل فشق طريقه نحو الكتابه لإثبات ذاته
هذه التركيبه مجتمعه قد حدت به إلى أن يكتب ويعيد صياغة أفكاره وعواطفه وإنفعالاته إلى ماده دسمه يعيد بها إنتاج الأشياء أو إنتاج هويته على أدق تعبير. لكن ما الذي جعل من أفكاره وعواطفه مبشتنه إلى هذه الدرجه؟
غياب المكان إللي بيسهم في التشويه.
هل ممكن أن تنسحب هذه الوضعيه على أبناء المهجر بإعتبار هجين لغتهم + عبء تفكيك مصطلح " ولاد الراحات" , وهل بالضروره أن يرضعوا ولو القليل من كاريزما " الحبًوبه بإعتبارها مرجعاً ما لموطن " دفن صرًتهم".
6/ تواجد السودانيين بالخارج :
اقتباس:
لا بأس ، صالح ( سائق آنطي ميليا السوداني ) يحبُّك ))
سائق أنطي ميليا السوداني , والمهن الهامشيه للسودانيين بالخارج: خارج المكان بحدوده السياسية حيث تتحدث لغة الوساطات والولاء السياسي في التوظيف الشيء الذي يجعله يشد الرحال غير مأسوفاً عليه ويولي كل عاطفته للمكان الجديد و إن كانت هذه العاطفه تنجب هذا التساؤل:
اقتباس:
هل انت متزوجة من صالح؟" وهو السائق السوداني الذي كان يبدو انه يساكنها،



الفاتح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-01-2008, 09:10 AM   #[19]
الفاتح
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الفاتح
 
افتراضي

اقتباس:
خارج النص:

كيف "روست"!!
__________________
بدون مزًه.



الفاتح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-01-2008, 05:03 PM   #[20]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

سلام جاك يابنج

يااخى انا ذاتى عندى منضمة كتيرة خلاص فى العمل الفخم دا,
لحدى الواحد مايلقى فرقة خليك مواصل ومتابعك بى مزاج



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شليل07 مشاهدة المشاركة
بدون مزًه.
الشكية لله



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-01-2008, 10:02 PM   #[21]
على محجوب النضيف
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

الاخ الجيلي
التحايا الخالصة
الموضوع شيق وجدير بالمتابعة ... توجد فيه رائحة الكثيرين
رغم اختلاف الاسباب ... ولكن الدافع وما خلفه الواقع واحد !
واصل يا صديقي ..



على محجوب النضيف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-01-2008, 01:54 AM   #[22]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

ودالنضيف
ياصاحب من الزمن الفلانى..

أجمل مافى هذه المذكرات انها استصحبت الأرض كتجربة
قادرة على نفيك خارج المكان,
فذكريات الأزمنة والشخوص ذات ترسبات أكثر عمقآ ودلالة
من كل الخرائط فى إنتظامها الجغرافى الممل..

لاأظن أن تجربة إدوارد سعيد كانت قادرة على إستيعابه
داخل زمانها وشخوصها دون أن تنفجر فى لحظات صدقها خارج
الأمكنة..

هنا ينبع سؤال مهم:

هل كان إدوارد سعيد سيكتب هذه المذكرات بذات روح الصدق
والحميميه إذا لم يتعرض لتجربة الموت الحتمية حين أصيب بالسرطان..???



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-01-2008, 04:19 PM   #[23]
على محجوب النضيف
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

صديقنا الجيلي
سؤالك يجيب علي تساؤلات كثيرة تطرح نفسها...
ولكني علي قناعة راسخة، أين ما وجد الصدق ,, ينبع الابداع والاحساس بالظلم والمعاناة يسرع القزف بالحمم البركانية الي الخارج. المبدع مبدع في كل الظروف .. تلاقح التجارب الانسانية والاسهام المتنوع يختصر الطريق ويعبده نحو مستقبل أفضل..

طال الزمن او قصر .. السايقة واصلة.

حَماة الطفيلية افرغو البلد من اهلها الطيبين.. فهاموا في رحلة البقاء القاسية. واصبحت خطاهم
مثقلة بالتعب. اينما تجدهم تلمح اثار الارهاق تبدوا علي وجوهم، وعناقد الغضب تسيطر علي محياهم
الذي عهدناه ملئ بالابتسامة في حالات المر والحلو.



على محجوب النضيف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-12-2008, 02:15 AM   #[24]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة على محجوب النضيف مشاهدة المشاركة
صديقنا الجيلي
سؤالك يجيب علي تساؤلات كثيرة تطرح نفسها...
ولكني علي قناعة راسخة، أين ما وجد الصدق ,, ينبع الابداع والاحساس بالظلم والمعاناة يسرع القزف بالحمم البركانية الي الخارج. المبدع مبدع في كل الظروف .. تلاقح التجارب الانسانية والاسهام المتنوع يختصر الطريق ويعبده نحو مستقبل أفضل..

طال الزمن او قصر .. السايقة واصلة.

حَماة الطفيلية افرغو البلد من اهلها الطيبين.. فهاموا في رحلة البقاء القاسية. واصبحت خطاهم
مثقلة بالتعب. اينما تجدهم تلمح اثار الارهاق تبدوا علي وجوهم، وعناقد الغضب تسيطر علي محياهم
الذي عهدناه ملئ بالابتسامة في حالات المر والحلو.


سلام ياودالنضيف

يالزحمة الأشياء..!!
كيف لم نواصل فى هذا الطرح..??

وجدت هذا السفر لم يكتمل ,
وودت لو يستمر قليلآ...



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-04-2009, 11:08 PM   #[25]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شليل مشاهدة المشاركة
-بعد إذنك- أقدم إعتذاري عن صيغة التثنية أعلاه .
وأدعو الجميع للقزقزه , لست ناقداً أدبياً لكنني أحب نوع هذه الكتابه الشحمانه.


يالها من كتابة يابنج,

قراءة هذا العمل كانت شيقة ولكنها رحلة لاتخلو من أوجاع,
تخيل أن تطالع إدوارد سعيد بشحمه ولحمه , يسعى فى سيرة
حياة ممزقة بين الإنتماء والاإنتماء,
بين الوطن والوطن الآخر,
بين ماتوده وماأنت عليه,

تجربة كاملة خارج المكان , تصبح متاحة وبكل التواقيت,
لغة مدهشة ,

مدهشة وكفى


يالها من كتابة...



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-04-2009, 08:50 AM   #[26]
على محجوب النضيف
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي

الجيلي التحايا
واصل يا صديقي ..
وادعو عمك علي عوض وخالد الحاج للمشاركة
تحياتي



على محجوب النضيف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-10-2009, 01:19 AM   #[27]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة على محجوب النضيف مشاهدة المشاركة
الجيلي التحايا
واصل يا صديقي ..
وادعو عمك علي عوض وخالد الحاج للمشاركة
تحياتي
محمود درويش كتب
مالايمكن فهمه بسهولة عن إدوارد سعيد



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-10-2009, 01:48 AM   #[28]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

البنج شليل عندو رأى

وهو تفتيت الكتابة

وأنا شايفو رأى سمح./


اقتباس:
تخترع جميع العائلات آباءها وأبناءها وتمنح كلَّ واحدٍ منهم قصةً وشخصيةً ومصيراً ، بل إنها تمنحه لغته الخاصة.
وقع خطأٌ في الطريقة التي تمّ بها اختراعي وتركيبي في عالم والديّ وشقيقاتي الأربع . فخلال القسط الأوفر من حياتي المبكرة ، لم أستطع أن أتبيّن ما إذا كان ذلك ناجماً عن خطئي المستمر في تمثيل دوري أو عن عطب كبير في كياني ذاته . وقد تصرّفتُ أحياناً تجاه الأمر بمعاندة وفخر . وأحياناً أخرى وجدتُ نفسي كائناً يكاد أن يكون عديم الشخصية وخجولاً ومتردداً وفاقداً للإرادة . غير أنّ الغالب كان شعوري الدائم أنّي في غير مكاني .
هكذا كان يلزمني قرابة خمسين سنة لكي أعتاد على (( ادوارد )) وأخفف من الحرج الذي يسببه لي هذا الاسم الإنكليزيُّ الأخرق الذي وُضِع كالنير على عاتق (( سعيد )) ، اسم العائلة العربيّ القحّ . صحيح أنّ أمي أبلغتني أنّي سُمّيتّ ادوارد على اسم أمير بلاد الغال ( وارثِ العرش البريطانيّ ) الذي كان نجمُه لامعاً عام 1935، وهو عام مولدي ، وأنّ سعيد هو اسم عدد من العمومة وأبناء العم . غير أنّ تبرير تسميتي تَهافَتَ كلياً عندما اكتشفتُ أنْ لاأجداد لي يحملون اسم سعيد . وخلال سنوات من محاولاتي المزاوجةَ بين اسمي الإنكليزيّ المفخّم وشريكه العربيّ ، كنتُ أتجاوز (( إدوارد )) وأؤكّد على (( سعيد )) ، تبعاً للظروف ، وأحياناً أفعل العكس ، أو كنتُ أعمد إلى لفظ الاسمين معاً بسرعة فائقة بحيث يختلط الأمرُ على السامع . والأمر الوحيد الذي لم أكن أطيقه ، مع اضطراري إلى تحمله ، هو ردود الفعل المتشككة والمدمِّرة التي كنت أتلقّاها : ادوارد ؟ سعيد ؟
اندغم عندي تحمّلُ مشقّات مثل هذا الاسم مع ورطةِ لم تكن أقل إقلاقاً ، تتعلّق باللغة . فأنا لم أعرف أبداً أية لغةٍ لهجتُ بها أولاً : أهي العربية أم الإنكليزية ، ولا أيَّا منهما هي يقيناً لغتي الأولى . ما أعرفه هو أنّ اللغتين كانتا موجودتين دوماً في حياتي ، الواحدة منهما ترجِّع صدى الأخرى ، وتستطيع كلُّ منهما ادعاءَ الأولوية المطلقة ، من دون أن تكون هي فعلاً اللغة الأولى . وأنا أعزو مصدر هذا الاضطراب الأوّليّ إلى أمي التي أذْكر أنها كنت تحدّثني بالإنكليزية والعربية معاً على رغم أنها كانت تراسلني بالإنكليزية على مدى حياتها ، وبمعدّل مرّةٍ في الأسبوع ، وكنتُ بدوري أعاملها بالمثل ، إلى أن طواها الموت . كانت بعض عباراتها المحكية عربية ، مثل (( تِسْلَمْ لي )) و(( مش عارفة شو بدّي أعمل )) و(( رُوحها [ للماما] )) والعشرات غيرها ، ولم أضطرّمرّة إلى ترجمتها أو حتى إلى أن أفقه معناها تماماً ، كما في حال (( تِسْلًمْ لي )) . وكانت تلك العبارات جزءاً من مناخ الأمومة الغامر الذي أحنّ إليه في الأوقات العصيبة ، وتضفي عليه رقّةُ عبارة (( يا ماما )) مناخاً يغري كالحلم وإذا به يُنتزع فجأةً منك انتزاعاً بعد أن يكون قد وعدكَ بأشياء لم يفِ بها أبداً .
على أنّ أمي كانت توشّح لغتها العربية بالكلمات الإنكليزية ، مثل naughty boy ( ياشيطان) وتوشِّحه طبعاً باسمي ذاته الذي تلفظه Edwaad ( إدوآاد) . ولا تزال تراودني ذاكرةُ جَرْسِ صوتها ، في المكان والزمان عينهما ، وهو يناديني (( إدوآاد )) منزلقاً على نسيم الغسق عند موعد إقفال (( حديقة الأسماك )) ( الحديقة الصغيرة في الزمالك المزوّدة بحوض للأسماك ) ، وشخصي يتردّد بين أن أجيبها وبين أن أبقى مختبئاً برهةً قليلةً أطولَ مستمتعاً بلذةِ أنني المنادى وأنني المطلوب ، بينما الجزءُ غير الإدواردي من شخصي يَنْعم بترف التمهّل في الإجابة ، إلى أن يضيق كياني بصمته . كانت لغتها الإنكليزية محمّلةً ببلاغة تعبير وقاعدةِ سلوكٍ لم تغادرني أبداً . وما إن تنتقل أمي من العربية إلى الإنكليزية حتى تصير نبرتُها أكثر موضوعيةً وجديةً ، فتكاد تَطرد نهائياً الحميميةَ المتسامحة والموسقة للغتها الأولى ، العربية .
في الخامسة أو السادسة من عمري ، أدركتُ أني (( شيطان)) ميؤوس من إصلاحه ، تنطبق عليّ في المدرسة كلُّ الأوصاف التي تُطْلَق على أفعال غير حميدة مثل ((fibber)) ( كذّاب ) و ((loiterer)) ( متسكّع ) . وما إنْ أدركتُ تماماً أني أجيد الإنكليزية بطلاقة ، من دون أن يعني ذلك أني كنتُ أتكلّمها دوماً على نحو سليم ، حتى صرتُ أشير إلى نفسي بصفتي (( هو )) بدلاً من (( أنا )) . كانت تقول لي : (( ماما لا تحبّك ، ياشيطان )) فأردّ مؤكِّداً في مزيج من الإلحاح الشاكي والتحدي : (( ماما لا تحبك ، لكن آنطي ميليا تحبّك )) . وآنطي ميليا هي خالتها العانس التي شغفتْ بي وأنا بعدُ طفلُ يحبو . (( لا . إنها لا تحبّك )) ، تصرّ أمي . فكنتُ أختم بالقول : (( لا بأس ، صالح ( سائق آنطي ميليا السوداني ) يحبُّك )) ، مبدّداً شيئاً من الوجوم المخيّم .
لم أكن أعرف من أين جاءت أمي بلغتها الإنكليزية ، أو أيَّ شيء عن هويتها القومية . وقد استمرتْ تلك الحال الغريبة من الجهل إلى فترة متأخرة نسبياً من حياتي ، عندما بلغتُ المدرسة الثانوية . في القاهرة ، وهي أحد الأمكنة التي نشأتُ فيها ، كانت عربيّتها المحكية تبدو مصرية طليقة . على أنها ، لأذنيّ الأكثرَ رهافةً وللعديد من معارفها من المصريين ، بدت لهجة شامّية صرفة أو على الأقل شديدة التأثر بهذه اللهجة . وحقيقة الأمر أنّ أمي كانت متمكّنة على نحو ممتاز من العربية الفصحى ، كما من المحكية ، وكانت في ذلك أفضل بكثيرٍ من أبي الذي تبدو مؤهِّلاته اللغوية بدائيةً إذا ما قورنت بمؤهلاتها . على أنها لم تكن تملك من المحكية ما يكفي لكي تُقْنع بأنها مصرية . وهي لم تكن مصرية أصلاً . فقد وُلدتْ في الناصرة ثم أُرسِلتْ إلى مدرسة داخلية ومنها إلى (( الجونيور كوليج )) في بيروت ، أي أنها فلسطينية مع أنَّ أمها منيرة لبنانية . لم أعرف أباها قطّ ، ولكني اكتشفتُ أنه كان القسيس المعمدانيّ في الناصرة ، بعد أن أقام فترةً في تكساس، وهو أصلاً من صفد .
ولم يقتصر الأمر على عجزي عن استيعاب كل مراوحات ومقاطعات تلك التفاصيل ، ناهيك عن التحكم بها ، التي تبتر سياقاً سلالياً بسيطاً ، واستعصى عليّ أيضاً إدراكُ لماذا لم تكن أمي أماً إنكليزية بكل بساطة . ولقد امتلكني هذا الشعورُ المقلق بتعدّد الهويات - ومعظمُها متضارب - طوال حياتي ، ورافقته ذاكرةُ حادة أني كنت أتمنى بشكلٍِ محموم لو أننا جميعاً عرب كاملون أو أوروبيون أو اميركيون كاملون أو مسيحيون أرثوذكسيون كاملون أو مسلمون كاملون أو مصريون كاملون وما إلى ذلك . واكتشفتُ أني أمام خيارين أُجابهُ بهما اسئلةً أو ملاحظات شكّلت بالفعل سياقَ تحدٍّ واعترافٍ وهتكٍ ، من نوع (( ما أنت ؟ )) ؛ (( لكن سعيد اسم عربي ... )) ؛ (( هل أنت أميركي ؟ )) ؛ (( تقول إنك أميركي مع أنّ اسمك ليس أميركياً وأنت لم تزر أميركا قط )) ؛ (( لايبدو شكلك أميركياً ! )) ؛ (( كيف يُعقل أن تكون ولدتَ في القدس وأنت تعيش هنا؟ )) ؛ (( أنت عربيّ ، في نهاية المطاف ، ولكنْ من أيّ نوع ؟ هل أنت بروتستاني ؟ ))
لا أذكر أنّ أياً من الأجوبة التي جاهرتُ بها رداُ على تلك الاستجوابات كانت مقنعة أو حتى جديرة بأن تَعْلق في الذاكرة . وكان عليّ أن ابتكر خياراتي بمفردي : فأحدها قد يصلح في المدرسة مثلاً ، ولا يَصْلح في الكنيسة أو في الشارع مع الأصدقاء . الخيار الأول كان أن أتبنّى نبرة أبي التوكيدية الوقحة فأقول لنفسي (( أنا مواطن أميركي )) ، وهذا كل ما في الأمر . وقد اكتسب أبي المواطنية الأميركية لأنه عاش في الولايات المتحدة الأميركية وخدم في الجيش خلال الحرب العالمية الأولى . ولكنْ لمّا كان مثل ذلك الخيار سيجعل مني كائناً خرافياً ، فقد ألفيتُه الخيارَ الأقلَّ إقناعاً . فالإعلان عن نفسي ب (( أنّي مواطن أميركيّ )) في مدرسة إنكليزية في القاهرة زمنَ الحرب ، [ وهي عاصمةُ ] يسيطر عليها الجنود البريطانيون ويعيش فيها مصريون بَدَوا لي شديدي التجانس ، كان مغامرةً خرقاء لم أجازف بها علناً إلا جواباً على التحدي الرسميّ بأن اعرّف بمواطنيتي . أمّا في الجلسات الخاصة فلم أستطع التمسك بذلك الجواب طويلاً ، لسرعة تهافُتِ التوكيد أمام التمحيص الوجودي ّ .
على أنّ خياري الثاني كان أقل توفيقا من الاول. ويتلخص في أن أنكبّ على فوضى تاريخي الحقيقي وأصولي، منتقياً عناصرها نتفة نتفة لأحاول منثم إعادة تركيبها بشيء من الانتظام. غير أني كنت بعيدا جدا عن امتلاك ما يكفي من المعلومات، ولم أعثر على ما يكفي من الوشائج الفعالة لوصل الاجزاء التي اعرفها او التي توصلتُ غلى نبشها. لم تكن الصورة الكاملة واضحة تماما. وبدا لي أنّ الاشكال يبدأ مع ماضي والديّ واسميْهما. فوالدي وديع مالبث أن تكنّى بوليام (وهي مفارقة مبكرة افترضتُ لمدة طويلة انها مجرد ترجمة انجليزية لاسمه العربي، ولكني سرعان ما توجستُ من أنها أشبه بانتحال شخصية، إذ اسقط اسم وديع، واقتصر استخدامه على زوجته وشقيقته، لأسباب ليست مشرِّفة تماماً).

ولد أبي في القدس عام 1895- وترجّح أمي ان ذلك كان في العام 1893- ولم يَبُح لي بأكثر من دزينة من الاشياء عن ماضيه، هي سلسلة من العبارات المدروسة التي لا تكاد تعني شيئا. وكان قد جاوز الاربعين عند ولادتي.

كان يكره القدس. وعلى الرغم من أني ولدت فيها وأمضينا فيها فترات طويلة من الوقت، فقد كان كل مايقوله عنها انها تذكّره بالموت. عمل والده لفترة ترجماناً، ولأنه كان يجيد الالمانية فقد رافق القيصر وليام خلال زيارته لفلسطين، أو هكذا قيل. وكان جدي من آل ابراهيم. ولم يكن احد يذكره بالاسم باستثناء أمي، التي لم تعرفه أصلا لكنها كانتتسمّيه "ابو أسعد"، ومن هنا عرف ابي في المدرسة باسم وديع ابراهيم \، لم اكتشف الى الان من اين جاء اسم "سعيد" ولم يستطع احد أن يحل لي هذا اللغز. أما التفصيل الوحيد الذي ارتأى ابي إعلامي به عن ابيه هو انّ جَلْدات سوط أبي أسعد له كانت أقسى من جلدته هولي. وقد سألته: " وكيف كنت تتحملها؟"، فأجاب بضحكةٍ مكبوته "كنت أهرب معظم الاوقات". وهذا مالم أحاوله مرة، بل إن الفكرة لم تخطر لي على بال.

تُخَيِّم الظلال نفسها على أصل جدتي لأبي، اسمه احنة وهي من عائلة الشمّاس. ويروي أبي أنها اقنعته –وقد غادر فلسطين عام 1911- بالعودة من الولايات المتحدة عام 1920 لانها تريده أن يبقى الى جانبها. وكان أبي يعلن باستمرار اسفة للعودة الى الوطن، على انه يستطرد قائلا، بدرجة مماثلة من التوكيد، غن سر نجاحه المدهش في الاعمال يعود الى انه "كان يعتني" بوالدته. وهي في المقابل كانت تصلي باستمرار لكي تنفرش الطرقات ذهبا تحت قدميه. لم أشاهد ملامخها في اي صورة فوتوغرافية غير انها –في النظام التربوي الذي طبقه أبي عليّ- كانت تمثل امثولتين متناقضتين لم أنجح مرة في المصالحه بينهما. فهو يقول لي انه يتوجب علينا ان نحب امهاتنا ونعتني بهنّ دون قيد او شرط، ولكن لما كان حبُّهن لنا انانيا فذلك قد يَحرف الابناء عن خياراتهم المهنية (كان والدي يؤثر البقاء في الولايات المتحدة وممارسة المحاماة)، وعليه لا ينبغي السماح للامهات بأن يتدخلن اكثر مما يجب في حياة الابناء. وكان ذلك كل ما اعرفه عن جدتي لأبي.

افترضتُ وجود تاريخ عريق لعائلتي في القدس. وبنيتُ افتراضي على الطريقة التي كانت عمتي نبيهة وأولادها يحتلون فيها المكان، كأنهم وبخاصة هي، يجسدون روح المدينة المميز كي لا اقول المتقشف والمضغوط. بعد ذلك، سمعت أبي يتحدث عنا بصفتنا من "الخليفاوية" وقيل لي ان هذا هو اصل حمولتنا. على ان الخليفاوية اصلهم من الناصرة. وقد تلقيت في منتصف الثمانينيات تاريخا منشورا للناصرة عثرتُ فيه على شجرةعائلة لاحد الخليفاويين لعله جدي الاكبر ولما كان ذلك النبأ الفجائي المدهش –الذي منحني مجموعة جديدة من أبناء العمومة- لا يقابِل تجربة معيشةً ولا ما يوحي بها ولو إيحاءً، فإني لم أُعرهُ كبير اهتمام.

عن بي أعلم انه درس في مدرسة سان جورج في القدس وبرع في كرة القدم والكريكت فكان لاعبا في فريق الدرجة الاولى من الرياضتين خلال سنوات بوصفه لاعب وسط متقدما وحارس مرحى على التوالي. لم يذكر لي مرة ما الذي تعلمه في سان جورج، كما لم يفصح لي الكثير عن المكان ذاته. كل ما افصح عنه انه صيته ذاع لانه كان يستولي على الكرة من طرف الملعب ويظل يلاعبها الى ان يبلغ الطرف الاخر ويسجل الهدف. ويبدو ان والده حثّه على مغادرة فلسطين للهرب من التجنيد الاجباري في الجيش العثماني. ثم قراتُ في مكان ما نبأ اندلاع حرب في بلغاريا حوالي عام 1911، وقد استدعت تلك الحرب إرسال قوات عثمانية إلهيا، فتخيلتُ أبي وقد نجح في أن يفلت من مصير مخيف يصبح فيه حشوة مدفعٍ فلسطينية مكربةً للجيش العثماني في بلغاريا.

غير أن أيا مما تقدم لم يعط لي وفق سياقه الزمني. فكأنما أبي آثر التعتيم على سنواته قبل الامريكية معتبرا اياها نافلة، قياسا إلى هويته الحالية بوصفة ابي وزوج هيلدا ومواطنا امريكياً. ومن بين القصص المخّمة والمعلّبة التي رويت لي المرة تلو الاخرى خلال نشأتي قصة مجيئه الى الولايات المتحدة. كانت اشبه برواية رسمية على طريقة قصص هوراشيو الجر، الغرض منها علام المستمعين وتربيتهم، والمستمعون هم في الغالب اولاده وزوجته، لكنها –أي الروايةالرسمية- كانت تجمع وتكرس ما كان والدي يرغب في أن يُعرف عنه قبل زواجه من امي. وما هو مسموح الجهر به لاحقا للملأ. ولا أزال معجبا بكيفية تمسكه بالقصة ذات الحقبات المختصرة والتفاصيل الشحيحة خلال السنوات الست والثلاثين التي كان في أبا لي، إلى حين وفاته عام 1971، ومدة نجاحه في اسبعاد كافة الجوانب الاخرى المنسية أو الممنوع تداولها من القصة. وبعد عشرين سنة من وفاته، ادركت اننا كنا في السن ذاتها تقريبا عند قدومنا الى الولايات المتحدة، مع فارق اربعين سنة بالضبط بين الواحد والآخر. ولكنه جاء ليشقّ طريقه في الحياة، وجئتُ أنا لألعب الدور الذي رسمه لي، إلى أن تحررت من الدور المرسوم وبدأتُ احاول أن اعيش الدور الذي رسمته لنفسي.

غادر أبي وصديقٌ له يدعى بالوُرا (لم نعطَ اسمه الاول) مرفأ حيفا إلى بور سعيد عام 1911، حيث استقلا باخرة شحن إنجليزية الى ليفربول. وقد أمضيا على ظهرها ستة أشهر قبل أن يجدا عملا كخادمين على باخرة ركاب متجهة الى نيويورك. كانت أولة مهمة كُلفا بها هي تنظيف القمرات. ولما لم يكونا يعرفان ما هي القمرة، على رغم ادعائهما "باعا طويلة في حياة البحر" ليحصلا على الوظيفة، فقد قاما بتنظيف كل شيء على الباخرة الى القمرات. "توتّر" الوكيل (والتوتر هي الكلمة التي يستخدمها أبي باستمرار للدلالة على الغضب او الانزعاج بشكل عام) وطرح سطل الماء أرضا وكلفهما مسخ ارضية الباخرة. ثم عيّن وديع نادلا في المطعم والامر الوحيد الذي يذكره بهذا الخصوص انه كان يقدم الوجبة الاولى ثم يهرع خارجا ليتقيأ، فيما الباخرة تتقاذفها الانواء، ثم يعود متعثِّر الخطى ليقدم الوجبة التالية، وهكذا ودواليك. وقد وصل وديع وبالورا الغامض الى نيويورك من دون اوراق شرعية، فكان عليهما الانتظار على الباخرة فتذرعا لمغادرتها بالرغبة في ارتياد إحدى الحانات القريبة واستقلا حافلة عامة "ذاهبة الى حيث لا ندري" وبقيا فيها إلى آخر الخط.

القصة الاخرى التي كان ابي يكررها باستمرار تتعلق بسباق سباحة نظمته "جمعية الشبان المسيحيين" في بحيرة ظاهر ولاية نيويورك. وقد زوّدتهُ تلك التجربة بحكمة مثيرة، إذ كان آخر من وصل من المتسابقين، إلا انه اصر على الاستمرار ألى نهايةالشوط (وشعارة هنا "لا تستسلم أبدا")، بل استمر في السباحة الى حين بداية السباق التالي. لم اضع مرة الامثولة المعلّبة –" لا تستسلم ابدا"- موضع تساؤل، وانما رضختُ لها كما ينبغي. ولكن عندما بلغتُ مطلع الثلاثينيات لاح لي فجأة أن وديعاً كان من البطء والعناد بحث أخّر سائر النشاطات، وهذا امر لا يستحق الثناء، فقلت لأبي، بعجرفةِ مواطن تحرر حديثا لكنه لا يزال ضعيف القدرات "إن شعار "لا تستسلم أبدا" قد يعني أيضا أنك "آفة اجتماعية" تعرقل نشاط الاخرين وتؤخر البرنامج وربما تبيح للمشاهدين النافذي الصبر فرصة التهويش على السبّاح المؤذي في بطئه والمستهتر في عناده"، فحدجني بنظرة مفاجئة لا تخفي انزعاجه كأنني حشرته في الزاوية أخيرا، وإن بطريقة وضيعة ثم أشاح بنظره مندون أن ينبس ببنت شفة. وكانت تلك المرة آخر مرة رُوِيت فيها تلك القصة.
عمل أبي بائعاً عند (( آركو )) ، وهي شركةُ دهاناتٍ في كليفلاند ، ودرس في جامعة (( وسترن ريزورف )) . ولما سمع ذاتَ مرةٍ أنّ الكَنَديّين عازمون على إرسال فوج (( لمقاتلة الأتراك في فلسطين )) ، عَبَر الحدود وتطوّع في الجيش الكَنَديّ . لكنه سرعان ما اكتشف أنْ ليس ثمة نيةُ لإنشاء الفوج العتيد ، ففرّ من الجيش الكنديّ بكل بساطة . ثم انضم إلى (( قوة التدخل الأميركية )) وأُرسِل ليعاني الأمرَّيْن في كامب غوردون في جورجيا حيث كانت ردة فعله على وابل اللقاحات الذي انهمر عليه أنه أمضى القسم الأكبر من تدريبه مريضاً طريحَ الفراش . ثم ينتقل المشهدُ إلى فرنسا حيث قاتل فترةً في الخنادق . وكانت أمّي تحتفظ بصورتين له مرتدياً البزةَ العسكرية لذلك الزمن ، ويتدلى من عنقه (( صليبُ اللورين )) برهاناً على خدمته العسكرية في فرنسا . وروى أنه تعرّض لهجوم بالغازات السامة فأصيب ، فوُضِعَ في الحَجْر الصحّي ، ثم نٌقِل إلى مستشفى في مانتوني ( كان دوماً يستخدم اللفظة الإيطالية لاسم البلدة الفرنسية ) . وذات مرةٍ سألتُه كيف كانت تجربةُ الحرب ، فروى لي قصةً عن إقدامه على قتل جنديّ ألماني من مسافة قريبة وكان (( رافعاً يديه ، وأَطْلق صرخة عظيمة قبل أن أُطلق عليه النار )) . وقد ظلت الكوابيس عن تلك الحادثة تراوده وتقضّ مضجعه خلال سنوات عدة . وبعد وفاته ، عندما اضطُررنا لسبب ما إلى سحب أوراق تسريحه من الجيش ( وقد ظلّت مفقودة طوال خمسين سنة ) ، ذُهلتُ لاكتشافي أنه ، كعضو في فريق التموين ، لم تسجَّل له أيةُ مشاركةٍ في حملة عسكريةٍ معروفة . ولعل في الأمر خطأً ما لأني ما أزال أصدّق رواية أبي .
عاد إلى كليفلاند بعد الحرب وأنشأ فيها مصنعاً للدهانات خاصاً به . وكان أخوه الأكبر ، أسعد ( آل ) يعمل آنذاك بحّاراً على (( البُحيرات الكبرى ) . وحتى في ذلك الوقت المبكّر ، كان الأخ الأصغر - وقد غيّر اسمَه في الجيش إلى (( بيل )) - يزوّد أخاه الأكبر بالمال ويرسل نصف أَجْره إلى والديه . وذات مرة هدّده أسعد بسكين لأنه كان بحاجة إلى مال أخيه الأصغر الميسور ليتزوج من امرأة يهودية . وقد خمّن أبي أنه هجرها من دون أن يطلّقها عندما عاد فجأةً إلى فلسطين في العشرينيّات .
والغريب في الأمر أنه لم يبقَ من السنوات العشر التي أمضاها أبي في أميركا غيرُ رواياته المكرورة العجفاء عنها ، ونتفٍ غريبة عن ولعه بال (( آبل باي آلا مُود )) ، وعباراتٍ كان يحلو له تردادُها مثل (( هانكي - دوري )) و(( بيغ بوي )) . ومع الوقت ، تبيّن لي أنّ إقامته في الولايات المتحدة كانت ، قياساً إلىحياته اللاحقة ، بمثابة عملية تحقيق هادفٍ للذات ، مالبث أن استغلّها في كل ما أنجزه وفي ما كان يَدْفع الآخرين من حوله إلى إنجازه ، ولاسيّما أنا . وكان يعلن دوماً أنّ أميركا هي وطنه ، وعندما يحتدم الخلافُ بيننا بصدد حرب فيتنام ، يلجأ إلى الشعار المُريح (( وطني ، أمحقّاً كان أم مخطئاً )) . على أني لم ألتقِ أحداً من أصدقائه أو معارفه من تلك الفترة ولا سمعتُ بأحدٍ منهم . كلُّ ما عثرتُ عليه صورةٌ صغيرة ٌ لوديع في مخيم ل(( جمعية الشبّان المسيحيين )) ، ونبذاتٌ مقتضبة لاتنبئ بالكثير مدوّنةٌ سنةَ الحرب 1917 - 1918 في دفتر يومياته حين كان مجنّداً . وهذا كل مافي الأمر . بعد وفاته، تساءلتُ ما إذا كانت له ، مثل أخيه أسعد ، هو أيضاٌ ، زوجةٌ أو ربما عائلةٌ بأكملها خلّفها وراءه في أميركا . ومهما يكن ، فقد كان لقصته دورٌ تعليميٌّ في تكويني كيافع في ظل قيادته ، وهي قصة بلغتْ درجةً من التماسك بحيث لاأَذْكر أني وَجّهتُ إليه مرةً أيَّ شيء يشبه السؤال النقديّ .
بعد أميركا ، تكتسب القصة وتيرةً متسارعة وتبتعد كلياً عن التشبّه بروايات هوراشيو آلجر الرومانسية . فكأنّ وليام أ . سعيد ( وديع إبراهيم سابقاً ) ، حين عاد إلى فلسطين عام 1920 متسلِّحاً بالجنسية الأميركية ، تحوّل فجأةً إلى رجل أعمالِ رائد وعاقل وعظيم النشاط وبروتستانتيّ من سكان القدس ثم القاهرة . ذلك هو الرجل الذي عرفتُه . لم أَسْبر أغوار طبيعة علاقته المبكرة بابن عمه البكر بولس سعيد - الذي كان أيضاً زوج شقيقته نبيهة - مع أنه تأكد لي أنّ بولس هو مؤسس (( شركة فلسطين للتعليم )) التي مالبث أن انضم إليها وديع ووَظّف فيها بعضَ المال عند عودته إلى البلاد . فصار الرجلان شريكين متساويين ، مع أنّ وديعاً هو الذي تولى تفريع الشركة عام 1929من القدس إلى مصر ،حيث تمكّن ، في أقل من ثلاث سنوات ، من تأسيس (( شركة الراية للقرطاسيات )) ، وهي شركةٌ تملك محلّيْن لبيع التجزئة في القاهرة وواحداً في الإسكندرية ووكالاتٍ عدة ووكالاتٍ فرعية في منطقة قناة السويس .
وكان في القاهرة جاليةٌ شاميةٌ متكاثرة ، ولكنْ يبدو أنه ابتعد عنها مؤْثراً العملَ لساعات طويلة ولعبَ كرةِ المضرب مع صديقه وليام أبو فاضل . وقد أبلغني أنهما كانا يلعبان في الثانية بعد الظهر ، عندما تكون حرارةُ الشمس في ذروتها ، فخلصتُ إلى أنّ الانضباط الحديديّ الاقتصاصيّ في قساوته كان دأبَه في كلِّ ما فعله ، بما في ذلك الرياضة .
نادراً ما كان أبي يشير إلى السنوات التي سبقتْ زواجَه عام 1932 ، ولكنْ يبدو أنّ تجارب الجسد - حياة القاهرة الليلية المبهرجة ومواخيرها واستعراضاتها الجنسية وفٌرَص البذخ العام التي كانت توفرها للأثرياء من الأجانب - لم تُثِرْ أيَّ اهتمام لديه . كانت عزوبيته عفيفة وخلواً من أيّ أثرٍ للفسق . وروت لي أمّي - التي لم تكن تعرفه آنذاك طبعاً - أنه كان يأوي إلى شقته المتواضعة في باب اللوق ويتناول وجبة طعام بمفرده ثم يقضي ليله في الاستماع إلى الأسطوانات الكلاسيكية ومطالعة الأعمال الخالدة التي تنشرها دارا (( هوم لايبراري )) و(( إفريمانز لايبراري ))، بما فيها العديد من روايات ويفرلي ، إضافة إلى (( أخلاقيات )) جي . إي . مور وأرسطو ( على أنه ، زمنَ مراهقتي وما تلاها ، اقتصرتْ قراءاته على مؤلَّفات في الحرب والسياسة والديبلوماسية ) .
عام 1932 ، بلغ أبي مستوى من اليُسر مكّنه من أن يتزوج وأن يصطحب زوجته الأصغر منه بكثير - كانت في الثامنة عشرة وهو في السابعة والثلاثين - لقضاء (( شهر عسل )) استغرق ثلاثة أشهر في أوروبا . تمّ الزواجُ بتدبير من عمتي نبيهة من خلال علاقاتها في الناصرة ، وأسهمتْ في التدبير ، ولو بدرجةٍ أدنى ، خالةُ أمّي في القاهرة، ميليا بدر ، العانسُ المذهلةُ التي لعبتْ ، وسائقَها الودودَ (( صالح )) ، دوراً هاماً في مشهد طفولتي . وكانت أمّي هي التي زوّدتني بهذه التفاصيل كافةً ، وقد استمعتْ إليها كنوعْ من التمهيد لدخولها القفصَ الذهبيَّ مع رجلٍ يكبرها سناً لم تشاهده من قبل ويعيش في مكانٍ لاتعرف عملياً عنه شيئاً . والحال أنّ ذلك الرجل تحوّل زوجاً نموذجياً وأباً أسهمتْ أفكاره وقيمُه، ناهيك عن أساليبه ، في تكوين شخصيتي .
مهما تكن الوقائع التاريخية الفعلية ، يبقى أنّ أبي كان مزيجاً طاغياً من القوة والسلطان ومن الانضباط العقلانيّ والعواطف المكتومة . وقد أدركتُ لاحقاً أنّ هذه جميعاً قد طبعتْ حياتي ببعض الآثار الإيجابية ، ولكنها لم تعفني من الكوابح والمعوِّقات . ومع تقدمي في العمر ، توصلتُ إلى تحقيق التوازن بينها ، على أني عشتُ محكوماً بها من الطفولة حتى سن العشرين . فقد بنى لنا أبي ، بمساعدة أمّي ، عالماً كان أشبه بشرنقة جبارة أُدخِلتُ إليها وحُبِسْتُ فيها بكلفة باهظة ، أو هكذا أرى الآن إلى تلك التجربة إذ أستعيدُها بعد نصف قرن . وما يثير دهشتي الآن ، إضافة إلى صمودي ، هو نجاحي ، بطريقةٍ ما ، خلال أداء عقوبتي داخل ذلك النظام ، في أنْ أَرْبط بين مصادر القوة الكامنة في تعاليم أبي الأساسية وبين قدراتي الشخصية التي عجز هو عن التأثير فيها وربما عجز أيضاً عن إدراكها . ولسوء الحظ ، فقد أورثني أيضاً إصرارَه الذي لا يكلّ على أداء العمل المفيد وإنجازِ ما يجب إنجازُه (( دون أن يستسلم أبداً )) وذلك على نحو دائم تقريباً . فأنا لاأعرف معنىً للترفيه أو الاسترخاء ، وأفتقر على التخصيص إلى أيَّ شعور بالإنجاز التراكميّ . فكل يوم عندي أشبهُ ببداية فصل جديد في المدرسة يأتي بعد صيفٍ طويلٍ مملٍّ وينتظره غدٌ مجهول . ومع الوقت ، صار (( ادوارد )) وكيلَ أعمال متطلباً ، يسجِّل لوائح من النواقص والإخفاقات ، بمثل الزخم الذي يسجِّل فيه الواجبات المتراكمة والالتزامات ، فتتوازن اللائحتان وتلغي إحداهما الأخرى . ولا يزال (( إدوارد )) يبدأ يومه كأنه اليوم الأول من عمره ، ولا يجد أية غضاضةٍ في أن يَشْعر في نهايته أنّ النَّزْرالقليل مما حققه خلاله كان يستحق العناء .
المؤكد أنّ أمّي كانت الرفيق الأقرب إليّ والأكثرَحميميةً خلال ربع قرن من حياتي . وإني أشعر أني مطبوعٌ بالعديد من وجهات نظرها وعاداتها التي لاتزال تسيّر حياتي : من قلقٍ يشلّ إرادتها إزاء تعدد احتمالات التصرّف ، إلى أرقٍ مزمنٍ ، معظمُه فرضتْه على نفسها فرضاً ، وعدمِ استقرارٍ عميقِ الجذور يضارعه مخزونٌ لاينضب من الحيوية الذهنية والجسدية ، واهتمامٍ عميقٍ بالموسيقى واللغة وبجماليات المظهر والأسلوب والشكل ، وربما أيضاً من ميلٍ متضخّم إلى الحياة الاجتماعية
بتياراتها وملذّاتها وما تَحْمله من طاقة على السعادة والحزن ، ونزوعٍ لا يرتوي - ومتعددِ الأساليب إلى حدٍّ لا يصدّق - إلى تنمية الوحدة بما هي شكلٌ من أشكال الحرية والعذاب في آن معاً . ولو أنّ أمّي كانت مجرد ملجأ ، أومأوى آمنٍ ، أفيء إليه بين حين وآخر هرباً من مرور الأيّام ، لما استطعتُ التكهنَ بالنتائج . إلا أنها كانت تحمل أعمقَ الالتباسات التي عرفتُها وأكثرَها إشكالاً تجاه العالم وتجاهي أنا شخصياً . فعلى الرغم من الأُلفة بيننا ، كانت تطالبني بالحب والتفاني وتعيدهما إليّ أضعافاً مضاعفة . على أنها قد تصدّ مشاعري فجأةً ، باعثة رعباً ميتافيزيقياً في أوصالي لا أزال أتمثله بانزعاج شديد ، بل برهبةٍ قوية . فبين ابتسامة أمّي المقوّية وعبوسِها الباردِ أو تكشيرتها المتعالية المديدة ، وُجِدتُ طفلاً سعيداً وعظيمَ اليأس في آن معاً ؛ فلم أكن هذا أوذاك على نحوٍ كاملٍ .
تراءت لي أمي امرأةً في مقتبل العمر، غير معقدة، موهوبة، محبة جميلة. وإلى حين بلوغي سن العشرين، وقفد بلغت هي الاربعين، كنت أراها في تلك الصورة، فلا ألومن إلا نفسي إن هي انقلبت شخصاً آخر. بعد ذلك، ارتسمت ظلال داكنة على علاقتنا, ولكني وأنا في مقتبل العمر غمرتني حال من الحبور بسبب التناغم الهش والموقوت جدا القائم بيني وبين أمي، إلى درة انه لم يكن لي فعلا اصدقاء من عمري. وكانت علاقتي بشقيقاتي الاصغر مني سناً –روزماري وجين وجويس وغريس- علاقات واهنة، بل انها لم تكن مرضية كثيرا، بالنسبة الي على الاقل. إلى أمي حصراً كنت أتوجه للرفقة الفكرية والعاطفية. وهي تقول انها مذ فقدت طفلها الول في المستشفى بُعيد ولادته، أخذت تثغدق علي جرعات زائدة من العناية والاهتمام. على ان هذا المبالغة لم تكن لتحجب عشاؤمها الدخلي الشديد الي يموِّه غالباً إعلاناتها الايجابية عني.

خلال نشأتي لم تفصي امي إلا القليل عن أصلها وماضيها، مثلها في ذلك مثل أبي ولكن مع اختلافي كلّيّ في الدوافع. ولدت عام 1914، وكانت البنت الوسطى في اسرة من خمسة اولاد، والباقون هم أخوالي الاربعة الذين كانت لي علاقات اشكالية معهم جميعا. وكلّ من عرف امي في الناصرة يصادق على زعمها انها الاثيرة لدى ابيها. ومع انها تصفه بأنه رجل "طيب"، فقد بدا لي قسيساً معمدانياً عيدم الجاذبية بطريركا قاسيا وزوجاً قامعا. أُرسلت هيلدا، وهذا اسم والدتي، الى مدرسة داخلية في بيروت، وهي المدرسة الامريكية للبنات، وهي مؤسسة إرسالية احكم صلتها بالعاصمة اللبنانية اولا وأخيرا، فأضحت القاهرة مجرد استراحة مطولة بين إقامتين فيها. في المدرسة الداخلية، كما في "جونيور كوليدج" (الجامعة اللبنانية الامريكية حالياً)، سطع نجمها، فكانت متفوقة –بل الاولى في صفها- في معظم الامور وتتمتع بشعبية كبيرة. ومع ذلك، لم يكن من رجال في حياتها لشدة عذرية وجودها في المدرستين الدينيتين. على عكس أبي الذي بدا متحررا من كافة ارتباطاته الاولى عدا العائلية، حافط أمي على صداقات وثقة مع زميلاتها في الصف ومجايلاتها في الكلية الى حين وفاتها. وكانت السنوات الخمس من حياتها كطالبة في بيروت اسعد فترات حياتها قاطبة، وقد وسمت كل من عرفته وكل مافعلته خلالها بشعور من المتعة الدائمة. فتجدها تتحدث بخيبة وتقول لي بغضب. عن شخص اسمتعت بصحبته بعد ترمّلها: " وداد ليست صديقتي حقاً، لانها لم تكن في المدرسة معي"

عام 1932، اقتُلِعتْ امي من حياة بيروت الرائعة ونجاحاتها، أو هكذا جرى تجميل تلك الحياة لاحقا، وأعيدت الى الناصرة الصامرة لتُزفَّ إلى أبي في زواج مُعد سلفاً. لن يستطيع احد الان ان يحيط تماما بما كان ذلك الزواج أم إلامَ أفضى. ولكن جرى تدريبي منطرفها –وكان أبي يلتزم الصمت عموما حول هذه النقطة- على أن أرى أن الزواج المذكور بدأ صعباً إلا أنها ما لبثت أن تكيفت معه تدريجياً على مدى أربعين سنة محولة أياها الى الحدث الاهم في حياتها. لم تعمل ولم تواصل دراستها بعد زواجها، باستثناء أخذها دروس الإنسانيات في كليتها البيروتية السابقة. وكانت تروي حكايات عن إصابتها بفقر الدم ودوار البحر خلال رحلة شهر العسل، تتخللها تعليقات عن صبر ابي وحدبه على الزوجة العذراء الشابة البالغة الهشاشة والسذاجة. وهي لمتكن تأتي على ذكر الجنس إلا مرفقا برعدةِ نفورٍ وانزعاج، على الرغم من أن اشارات ابي المتكررة الى ان الرجل خيّال ماهر والمرأة فرس مروّضة تشير الى شراكة جنسية مترددة أساساً. وإن تكُ شديدة الخصوبة مادامت قد أنجبت ستة أطفال (عاش منهم خمسة).

على أني لم أشكّ لحظة في أنها اصيبت بصدمة كبيرة عند اقترانها من ذلك الاربعيني الصامت والجبار. فقد انتزعت من حياة سعيدة في بيروت وسلمت الى زوج يكبرها بكثير –ربما لقاء مبلغ معين من المال دفعه الى امها- زوج ما لبث ان أخذها فورا الى ديار غريبة ثم استقر بها في القاهرة، الحاضرة الضخمة الحجم والمربكة، وفي بلد عربي غير مألوف، مع خالتها العانس إميليا بدر ("ميليا"). وكانتميليا قد حطّت رحالها في مصر مطلع القرن، وشقت طريقها في أرض غريبة، مثلما ستفعل امل بأسلوبها الخاص في ما بعد. وكان والد ميليا (أي جد أمي) يوسف بدر هو أول قسيس إنجيليّ مقيم في لبنان، ولعله توسّط لإيجاد عمل لميليا كمدرسة محلية للغة العربية في كلية الامريكية للبنات في القاهرة، وهي مؤسسة إرسالية أساساً.

كانت ميليا امرأة، منمنمة، ولكنها تتمع بإرادة أقوى من إرادة أي شخص آخر عرفته في حياتي. فقد أجبرتِ الأمريكيين على مناداتها "مس بدر" في مقابل اللقب الاستعلائي المخصص للمدرسين المحليين، وهو "المعلمة بدر" . وانتزعت استقلالها الناجز منذ وقت مبكر إذ قاطعت الخدمة الكنسية وهي جزء عضوي من حياة المدرسة والارسالية. سألتُها عام 1956 قبل فترة وجيزة من وفاتها:" هل الله موجود؟" فأجابتني "أشك في ذلك كثيراً" صارفةً إيايّ بسأم ونبرةٍ قاطعةٍ غريبة كانت تلجأ إليها عندما لا ترغب في إعمال فكرها طويلا في موضوع من الموضوعات.

كانت حضورُ ميليا في حياة آل سعيد. قبل ولادتي وبعدها مركز الاهمية. لم نجاور أياً من أنسبائنا ولا شاركناهم السكن. كنا نعيش وحيدين في القاهرة باستثناء رفية ميليا، ورفقة شقيقها، جدتي منيرة، بعد ذلك، حين انتقلت جدتي للاقامة عندنا في الاربعينيات. وكانت ميليا تساعد امي على اكتناه نظام القاهرة الاجتماعي المعقد، الذي كان مختلفا في فورانه عن اي شيء آخر سبق لهيلدا اختباره بما في فتاة مصون في الناصرة وبيروت. وقد قدمت ميليا الزوجيت إلى عدد من الاصدقاء، ومعظمهم من الاقباط و"الشوام" من أهالي تلميذاتها. لم تفصح ميليا عن اهتمام زائد بشقيقاتي. بل شغفت بي لكنها لم تكن تطلق العنان لعواطفها كما هي عادة نساء العائلة الاخريات: فلا اسراف في التعبير ولا عناقات مطولة او إعلانات عاطفية مبالغ فيها ذات وظيفة طقوسية. وقد أعطي لي الحق فقط في أن أسألها أسئلة من مثل" هل انت متزوجة من صالح؟" وهو السائق السوداني الذي كان يبدو انه يساكنها، أو أن انقب بين الحين والاخر في حقيبة يدها الصغيرة المعقدة.

بين سنتي 1945 و 1950، تسنّى لي أن اشاهدها خلال العمل مرات عديدة في الكلية، إنها امرأة نحيلة لا تتجاوز الأقدام الخمس طولا، متدثرة بالاسود دائما، تلف عمامة سوداء حول رأسها، ولا تنتعل غير حذاء اسود عادي منخف الكعب. وكانت شديدة الاقتضاب في حركاتها، خفيضة الصوت. ولا تنمّ عن أدنى تردد أو اي مظهر من مظاهر اضعف الثقة بالنفس، لها أساليبها الخاصة في التعامل مع افراد كل طبقة من الطبقات الاجتماعية المختلفة او مع افراد كل شريحة من تلك الطبقات، وينطوي كل اسلوب على جملة من لياقات غير قابلة للخرق وعلى بعاد تتشبث به في صرامة وبرود. فلا تسمح لاي كان أن يتجاوز معينا من الالفة بل تظل وحدها ممسكة بزمام المبادرة. كانت ترهب الخدم والتلميذات إرهاباً. وتُجبر أولياء التلميذات المرموقين أنفسهم –وبينهم رئيسا وزراء على الاقل- على الرضوخ لقيودها وأحكامها المبرمة و النهائية. وبسبب مثابرتها وأقدميتها وهالة العصمة التي تحيط بها، كانت تجبر المدرسات الامريكيات (وهن عوانس مثلها) على الانصياع لطريقتها بدلا من ان تنصاع هي لطريقتهن. وخلال نصف قرن أمضته في الكلية –وتتسلطن على الطابق الذي تسكن فيه في المبنى- لم تستطع احد ان يتغلب عليها. ثم توقفت عن التدريب قبل ولادتي وعًينت "مديرةً" للكلية، وهي وظيفة أُنشئت تقديرا لمقدرتها على حُكم التلميذات المصريات والمدرسات على حد سواء كان لم تستطعه اي مديرة امريكية.

أخذت أنطي ميليا امي هيلدا من يدها وأرشدتها أين تتسوق وإلى أين ترسل أولادها وإلى من تلجأ عند الحاجة. وأمدتها بالخادمات ومدرّسي البيانو ومعلّمي الدروس الخصوصية وبأسماء مدارس الباليه والخياطين، ناهيك عن تزوديها –بطبيعة الحال- بنصائح لامتناهية تدلِّسها تدليسا. وكانت تأتي لتناول الغذاء معنا كل يوم ثلاثاء. وهي عادة درجت عليها قبل ولادتي وواظبت عليها الى ان غادرت القاهرة عام 1953 لإقامة قصيرة في لبنان حيث توفيت عام 1956. وكنتُ مبهوراً بأمرين فيها. الأول، طريقتها في تناول الطعام. فربما بسببٍ عطب في أضراسها كانت نتفٌ من الطعام تعلق بين لثتها وأسنانها الامامية، فلا تجد طريقها الى حيث تهرس هرسا ثم تُبلع. وبدل ذلك كانت تلوك الطعام في مقدم الفم، ضاغطة إياه الى اسفل بلسانها، ثم تمتص منه مقدارا زهيدا من العصير، أو ربما حبة ارز او نتفة لحم تلتقمها فجأة وبطريقة غير مرئية. ثم تستعمل الشوكة لاقتلاع ما بقي من طعام في فمها –وكان يبدو لي دوما كأنه لم يُذق إطلاقا- لتضعة بدقة على حافة الصحن. وفي نهاية الوجبة، كانت دوما آخر من ينتهي من الاكل، كنتَ تجد صحنها مزينا بسبع كومات من الطعام او ثمانٍ، تتحلق عوله بعناية، كأن يد طباخ حاذق وضعتها هناك.
أما الامر الثاني الذي كان يذهلني فيها هو يداها المكسوتان دوما بكفين مخرّمين سوداوين أو بيضاوين. بحسب المواسم. وكانت تضع الاساور حولهما، ولكنها لا تزين أصابعها بالخواتم. وكانت تمسك يدها اليسرى على الدوام بمنديل يلتف حول كفها من جهة الابهام، تحِلّه ثم تعيد عقده طوال النهار. وكانت كلما قدّمت لي قطعة من الحلوى –تسميها "باستيليا"- تخرجها من المنديل مضمخة دائما بعطرالخزامي، ملفوفة دائما بورق "السوليفان" ولها دائما طعم مخفف ومتواضع كطعم السفرجل او الثمر الهنديّ، أما يدها اليمنى فممسكة بالحقيبة او متكئة عليها.
كانت العلاقة بين أنطي ميليا وأبي لائقةً إلى أبعد حد وتتسم بالاحترام ، بل إنها كانت وديّةً أحياناً ، ولكنها مختلفةُ عن موقفه من شقيقتها منيرة ، اللطيفة والصبورة والمحبّة إلى أبعد الحدود ، والتي كان يناديها (( امرأةَ عمي )) ويعاملها بنوع من الاستعلاء اللعوب . أما بالنسبة إلى أبناء عمه الأربعة ، فقد كان يكنّ لهم عاطفةً مشروطةً والكثيرَ من النقد . كان أشقاء هيلدا - منير وأليف ورائق وإميل - يعيشون جميعاً في فلسطين، نزورهم هناك بشيء من الانتظام . وبعد العام 1948 أخذوا يتوافدون إلى القاهرة ويغادرونها ومعظمُهم لاجئ و(( في وضع صعب )) يحتاج إلى مساعدة ، على حد تعبير أبي . كانوا أوفر عدداً من أنسباء أبي ، ولاسيّما إذا أضفنا إلى العديد الفلسطينيّ جوقَة أنسباء هيلدا من اللبنانيين . ومع أنّ أبي كان يرفض الخوض في شؤونِ آل سعيد رفضاً قاطعاً - وهذه قاعدة من القواعد الحديدية التي التزم بها ، مؤكداً لي مراتٍ عديدة أنّ عائلة الرجل هي شرفه - فإنّه لم يتردد إطلاقاً في التدخل في شؤون عائلة زوجته وبخاصّةٍ أنه كان دائنهم الدائم ، حسبما اعترف لي ( ولابد أنّ ذلك شكّل مصدرَ إحراجٍ كبيرٍ لأمي ) . كان أبي ثرياً باستمرار ، في حين لم يكن أشقاءُ هيلدا من ذوي اليسار : فقد اقترض أحدهم المالَ منه ليتزوج ، واستلف الآخرون مبالغ من المال لتمويل شتى المشاريع التجارية التي ما لبثتْ أن باءت بالفشل - وأفهمني أنّ تلك الديون لم يسدَّد أيٌّ منها أبداً . وقد ساق إليّ أبي كل هذه المعلومات بشيءٍ من القرف ، ولاشك أنها أثارت لديّ شعوراً غيرَ واعٍ بالانزعاج والنفور الخفيف جعلاني أتعامل معهم ، خلال مراهقتي ، بطريقةٍ تعوزها اللباقة والدماثة .
على أنّ اعتراضه الاساسيّ عليهم ، عبر السنين ، بدأ بكيفية زواجه من هيلدا . وأنا لا أملك كافة التفاصيل عن هذا الأمر ، ولكنه يتصل بكون شقيق والدتي الأكبر ، وهو المحظيّ عند منيرة ، باع قطعة أرض للعائلة ليتزوج ، فأَوقع منيرة المترمّلة ، ومعها هيلدا والأشقاءُ الثلاثة ، في ضائقةٍ مالية . ولقد افترضتُ طويلاً ، وربما عن غير وجه حق ، أنّ ترتيبات الزواج التي أَجْرتها عائلةُ هيلدا مع أبي تضمَّنَتْ شروطاً ماليةً لتأمين معيشة منيرة . وانتهى الأمر أَنْ أَمْضَتْ منيرة سنواتٍ طويلة معنا ، فاعتدنا على سماع القصص عن سوء معاملتها في منزل ابنها البكر أو عن عجز أبنائها الآخرين - بل عدم رغبتهم ، حسبما كان يقول أبي دائماً - عن الإسهام في إعالتها . وقد اعتبر أبي أنه أَنْجَزَ إٍنجازاً فاضلاً إذ أَقنع أحد أبنائها أن يصطحب جدّتي لتناول (( البوظة )) عند (( غروبي )) مرةًَ في الأسبوع .
كان ذلك كله في عين أبي مثالاً تقليدياً ، كي لانقول حاسماً ، على الطريقة السلبية لمعاملة الأبناء لأمهم ، مضيفاً أنه أيضاً مثالٌ سلبيّ على معاملة الأشقاء ل(( شقيقتهم )) ، بعد العام 1948 . وقد طغى هذا النوع من الحديث ، المعبَّر عنه بأسلوب أبي المقتضب ، على المناخ العائليّ عموماً ، وطغى عليّ أنا شخصياً بحدةٍ أكبر . ولم تكن نتيجةُ ذلك وضعَ عائلة أمّي في خانة الاستنكار والحُكْم المبرمِ عليها بعدم الأهلية فحسب ، وإنما أورثتني أيضاً ، كشقيقٍ وابنٍ ، حالاً من الإحراج الحاد . فالمعادَلة الضمنية التي نشأتُ في ظلها هي أنّ (( إدوارد )) يشبه أخواله ( " طالِعْ مِخْوِل " بحسب التعبير المحكيّ ، وهو ما يوحي أيضاً أني كلّما تقدمتُ في السن ازددتُ شبهاً بهم ) . ولما كان أخوالُ (( إدوارد )) أبناء وأشقّاء عاقين ، فالأرجح أنّه سوف ينتهي مثلهم ، وهو ما يستوجب بترَ هذا المسار وإعادةَ تربيةِ الولد وإصلاحه إلى أن يصير أقلَّ شبهاً بهم .
طبعاً ، كان لذلك وقعٌ مروِّع على أمي . ذلك أنّ وصم ابنها وأمها ( التي كانت تعاملها في حضوري بما يشبه الكُرهَ الباردَ المتعالي ) وأشقائها بمثل هذا المصير الداروينيّ المحتوم حوّلها إلى مزيج من وكيلٍ ومُدافع عن عائلتها الاصلية، ومن منفِّذٍ لأوامر أبي في عائلتها الجديدة ، ومدّعٍ عام ومحامي دفاع عني في آن معاً . فكانت كل تصرفاتها تنتظم في تلك الفئات الثلاث من الأحكام التي لا تلبث أن تنتهي معقودةً جميعُها في داخلها ، مع ما يستتبعه ذلك من عواقب محيّرةٍ بالنسبة إليّ ، أنا ابنَها المثيرَ لإعجابها والعائرَ في آن معاً ، الذي يكرّس مع الأسف أسوأ ما في ذريتها . فكان حبُّها لي جميلاً ومكبوتاً في الوقت نفسه ، لكنه صبورٌ إلى أقصى حدود الصبر أيضاً .
هكذا نشأتُ متأرجِحاً بين أن أكون ابناً جانحاً - في عين والدي - أو ابن أخت أخوالي الكلّي الطاعة . وقد ظللتُ أنادي أبي (( دادي )) Daddy إلى حين وفاته ، على أني كنتُ أشعر دائماً أنها تسمية عَرَضِية وأتساءل ما إذا كان يجوز أصلاً أن أَعتبر نفسي ابنه . فأنا لم أطلب منه طلباً دون توجس كبير وساعاتٍ من الإعداد المحموم . وأبشعُ ما قاله لي إطلاقاً - وكنتُ في الثانية عشرة - هو : (( إنك لن تَرِث مني شيئاً . أنتَ لستَ ابن رجل ثريٍّ )) ، مع أني كنتُ فعلاً ابنَ رجلٍ ثريّ . وعند وفاته ، تبيّن أنه أوصى أمي بكل ثروته . ومنذ أن بدأ وعيي بذاتي وأنا بَعدُ طفلٌ ، استحال عليّ التفكيرُ بذاتي إلا بوصفي طفلاً يملك ماضياً مشيناً ويتوعده غدٌ لاأخلاقيٌّ . فكان أنِ اختبرتُ كلَّ وعيي الذاتيّ خلال السنوات التكوينية بصيغة الحاضر ، مجاهِداً كي لا أنقلب إلى الوراء فأقعَ في قالبٍ معدٍّ سلفاً أو أن أتهاوى إلى أمام فأسقطَ في هاوية الضياع المؤكّد . أن أكون أنا ذاتي كان يعني أن لا أكون تماماً في موقعي الصحيح ، ولكنّ الأمر لم يقتصر على ذلك ، وإنما كان يعني أيضاً أني لم أنعم مرةً براحةِ بالٍ ، بل أتوقع باستمرار أن يأتي مَن يقاطعني أو يصوِّب لي أفعالي أو يجتاح حميميتي أو يعتدي على شخصي الضعيفِ الثقةِ بالنفس . كنتُ دوماً في غير مكاني . لم يَتْرك لي نظامُ الضبطِ والتربيةِ المنزلية الجامدِ الصارمِ ، الذي حبسني فيه أبي منذ سن التاسعة ، أيَّ متنفَّسٍ أو أيّ مجالٍ للإحساس بالذات في ما يتجاوز قواعده وترسيماته .
هكذا أصبحتُ (( إدوارد )) ، مخلوقَ والديّ ، تراقِبُه في عذاباته اليومية ذاتٌ داخليةٌ مختلفةٌ كلياً عنه لكنها على درجةٍ من فتور الهمّة بحيث تعجز ، في معظم الأحيان ، عن مساعدته. وكان (( إدوارد )) ، أساساً ، هو الابنَ ثم الشقيقَ وأخيراً الصبيَّ الذي يرتاد المدرسةَ ويفشل في محاولاته التقيُّدَ بالأصول ( أو يتجاهلها ويتحايل عليها ) . وقد كانت عمليةُ خلقه واجبةَ الوجوب لأنّ والديه كانا هما أيضاً نتاجَ عملية خلقٍ للذات بالذات ، فلسطينييْن ينتميان إلى بيئتيْن مختلفتيْن ومزاجيْن متغايريْن جذرياً ، يعيشان في القاهرة الكولونيالية ابنَيْ أقليةً مسيحيةٍ تعيش هي نفسها ضمن حومة من الأقليات ليس لأيٍّ منهما سندٌ سوى الآخر ، وهما يفتقدان ، فوق ذلك كله ، إلى أية أعرافٍ يهتديان بها في سلوكهما ، باستثناء مزيج غريب : من عادات فلسطينية من فترةِ ما قبل الحرب ، وحِكَمٍ أميركيةٍ مجمّعةٍ على نحو انتقائيّ من الكتب والمجلات ومن السنوات العشر التي أمضاها أبي في الولايات المتحدة ( التي لم تزرها أمّي إلا العام 1948 ) ، ومن تأثيرِ الإرساليات والتعليمِ المدرسيّ المتقطع ومن ثَمّ الهامشيّ ، ومن مواقف بريطانيةٍ كولونيالية تمثِّل الأسيادَ وسوادَ (( البشرية)) التي يحكمها هؤلاء الأسيادُ في آن معاً ، وأخيراً ، من نمط حياةٍ عاينه والداي حولهما في القاهرة وحاولا تكييفه مع ظروفهما الخاصة . فهل يمكن ل(( إدوارد )) ، والحالُ هذه ، أن يكون إلا في غير مكانه ؟



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-11-2009, 10:41 PM   #[29]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

[flash=http://www.youtube.com/v/BR8q2yCnudw&hl=nl&fs=1&" type="]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]


سمعت هذه القصيدة عشرات المرات
وفى كل مرة أحس بحمى وجنون الكلمة
أكثر سعيرآ

(فأحمل بلادك أينما ذهبت
وكن نرجسيآ أن لزم الأمر)


ياآ آآه



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-11-2009, 10:45 PM   #[30]
الجيلى أحمد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الجيلى أحمد
 
افتراضي

نيويورك/ نوفمبر/ الشارعُ الخامسُ/

الشمسُ صَحنٌ من المعدن المُتَطَايرِ/

قُلت لنفسي الغريبةِ في الظلِّ:

هل هذه بابلٌ أَم سَدُومْ؟

هناك, على باب هاويةٍ كهربائيَّةٍ

بعُلُوِّ السماء, التقيتُ بإدوارد

قبل ثلاثين عاماً,

وكان الزمان أقلَّ جموحاً من الآن...

قال كلانا:

إذا كان ماضيكَ تجربةً

فاجعل الغَدَ معنى ورؤيا!

لنذهبْ,

لنذهبْ الى غدنا واثقين

بِصدْق الخيال, ومُعْجزةِ العُشْبِ/

لا أتذكَّرُ أنّا ذهبنا الى السينما

في المساء. ولكنْ سمعتُ هنوداً

قدامى ينادونني: لا تثِقْ

بالحصان, ولا بالحداثةِ/

لا. لا ضحيَّةَ تسأل جلاّدَها:

هل أنا أنتَ؟ لو كان سيفيَ

أكبرَ من وردتي... هل ستسألُ

إنْ كنتُ أفعل مثلَكْ؟

سؤالٌ كهذا يثير فضول الرُوَائيِّ

في مكتبٍ من زجاج يُطلَّ على

زَنْبَقٍ في الحديقة... حيث تكون

يَدُ الفرضيَّة بيضاءَ مثل ضمير

الروائيِّ حين يُصَفِّي الحساب مَعَ

النَزْعة البشريّةِ... لا غَدَ في

الأمس, فلنتقدَّم إذاً!/

قد يكون التقدُّمُ جسرَ الرجوع

الى البربرية.../

نيويورك. إدوارد يصحو على

كسَل الفجر. يعزف لحناً لموتسارت.

يركض في ملعب التِنِس الجامعيِّ.

يفكِّر في رحلة الفكر عبر الحدود

وفوق الحواجز. يقرأ نيويورك تايمز.

يكتب تعليقَهُ المتوتِّر. يلعن مستشرقاً

يُرْشِدُ الجنرالَ الى نقطة الضعف

في قلب شرقيّةٍ. يستحمُّ. ويختارُ

بَدْلَتَهُ بأناقةِ دِيكٍ. ويشربُ

قهوتَهُ بالحليب. ويصرخ بالفجر:

لا تتلكَّأ!

على الريح يمشي. وفي الريح

يعرف مَنْ هُوَ. لا سقف للريح.

لا بيت للريح. والريحُ بوصلةٌ

لشمال الغريب.

يقول: أنا من هناك. أنا من هنا

ولستُ هناك, ولستُ هنا.

لِيَ اسمان يلتقيان ويفترقان...

ولي لُغَتان, نسيتُ بأيِّهما

كنتَ أحلَمُ,

لي لُغةٌ انكليزيّةٌ للكتابةِ

طيِّعةُ المفردات,

ولي لُغَةٌ من حوار السماء

مع القدس, فضيَّةُ النَبْرِ

لكنها لا تُطيع مُخَيّلتي

والهويَّةُ؟ قُلْتُ

فقال: دفاعٌ عن الذات...

إنَّ الهوية بنتُ الولادة لكنها

في النهاية إبداعُ صاحبها, لا

وراثة ماضٍ. أنا المتعدِّدَ... في

داخلي خارجي المتجدِّدُ. لكنني

أنتمي لسؤال الضحية. لو لم أكن

من هناك لدرَّبْتُ قلبي على أن

يُرَبي هناك غزال الكِنَايةِ...

فاحمل بلادك أنّى ذهبتَ وكُنْ

نرجسيّاً إذا لزم الأمرُ/

- منفىً هوَ العالَمُ الخارجيُّ

ومنفىً هوَ العالَمُ الباطنيّ

فمن أنت بينهما؟

< لا أعرِّفُ نفسي

لئلاّ أضيِّعها. وأنا ما أنا.

وأنا آخَري في ثنائيّةٍ

تتناغم بين الكلام وبين الإشارة

ولو كنتُ أكتب شعراً لقُلْتُ:

أنا اثنان في واحدٍ

كجناحَيْ سُنُونُوَّةٍ

إن تأخّر فصلُ الربيع

اكتفيتُ بنقل البشارة!

يحبُّ بلاداً, ويرحل عنها.

]هل المستحيل بعيدٌ؟[

يحبُّ الرحيل الى أيِّ شيء

ففي السَفَر الحُرِّ بين الثقافات

قد يجد الباحثون عن الجوهر البشريّ

مقاعد كافيةً للجميع...

هنا هامِشٌ يتقدّمُ. أو مركزٌ

يتراجَعُ. لا الشرقُ شرقٌ تماماً

ولا الغربُ غربٌ تماماً,

فإن الهوية مفتوحَةٌ للتعدّدِ

لا قلعة أو خنادق/

كان المجازُ ينام على ضفَّة النهرِ,

لولا التلوُّثُ,

لاحْتَضَنَ الضفة الثانية

- هل كتبتَ الروايةَ؟

< حاولتُ... حاولت أن أستعيد

بها صورتي في مرايا النساء البعيدات.

لكنهن توغَّلْنَ في ليلهنّ الحصين.

وقلن: لنا عاَلَمٌ مستقلٌ عن النصّ.

لن يكتب الرجلُ المرأةَ اللغزَ والحُلْمَ.

لن تكتب المرأةُ الرجلَ الرمْزَ والنجمَ.

لا حُبّ يشبهُ حباً. ولا ليل

يشبه ليلاً. فدعنا نُعدِّدْ صفاتِ

الرجال ونضحكْ!

- وماذا فعلتَ؟

< ضحكت على عَبثي

ورميت الروايةَ

في سلة المهملات/

المفكِّر يكبحُ سَرْدَ الروائيِّ

والفيلسوفُ يَشرحُ وردَ المغنِّي/

يحبَّ بلاداً ويرحل عنها:

أنا ما أكونُ وما سأكونُ

سأضع نفسي بنفسي

وأختارٌ منفايَ. منفايَ خلفيَّةُ

المشهد الملحمي, أدافعُ عن

حاجة الشعراء الى الغد والذكريات معاً

وأدافع عن شَجَرٍ ترتديه الطيورُ

بلاداً ومنفى,

وعن قمر لم يزل صالحاً

لقصيدة حبٍ,

أدافع عن فكرة كَسَرَتْها هشاشةُ أصحابها

وأدافع عن بلد خَطَفتْهُ الأساطيرُ/

- هل تستطيع الرجوع الى أيِّ شيء؟

< أمامي يجرُّ ورائي ويسرعُ...

لا وقت في ساعتي لأخُطَّ سطوراً

على الرمل. لكنني أستطيع زيارة أمس,

كما يفعل الغرباءُ إذا استمعوا

في المساء الحزين الى الشاعر الرعويّ:

"فتاةٌ على النبع تملأ جرَّتها

بدموع السحابْ

وتبكي وتضحك من نحْلَةٍ

لَسَعَتْ قَلْبَها في مهبِّ الغيابْ

هل الحبُّ ما يُوجِعُ الماءَ

أم مَرَضٌ في الضباب..."

]الى آخر الأغنية[

- إذن, قد يصيبكَ داءُ الحنين؟

< حنينٌ الى الغد, أبعد أعلى

وأبعد. حُلْمي يقودُ خُطَايَ.

ورؤيايَ تُجْلِسُ حُلْمي على ركبتيَّ

كقطٍّ أليفٍ, هو الواقعيّ الخيالي

وابن الإرادةِ: في وسعنا

أن نُغَيِّر حتميّةَ الهاوية!

- والحنين الى أمس؟

< عاطفةً لا تخصُّ المفكّر إلاّ

ليفهم تَوْقَ الغريب الى أدوات الغياب.

وأمَّا أنا, فحنيني صراعٌ على

حاضرٍ يُمْسِكُ الغَدَ من خِصْيَتَيْه

- ألم تتسلَّلْ الى أمس, حين

ذهبتَ الى البيت, بيتك في

القدس في حارة الطالبيّة؟

< هَيَّأْتُ نفسي لأن أتمدَّد

في تَخْت أمي, كما يفعل الطفل

حين يخاف أباهُ. وحاولت أن

أستعيد ولادةَ نفسي, وأن

أتتبَّعُ درب الحليب على سطح بيتي

القديم, وحاولت أن أتحسَّسَ جِلْدَ

الغياب, ورائحةَ الصيف من

ياسمين الحديقة. لكن ضَبْعَ الحقيقة

أبعدني عن حنينٍ تلفَّتَ كاللص

خلفي.

- وهل خِفْتَ؟ ماذا أخافك؟

< لا أستطيع لقاءُ الخسارة وجهاً

لوجهٍ. وقفتُ على الباب كالمتسوِّل.

هل أطلب الإذن من غرباء ينامون

فوق سريري أنا... بزيارة نفسي

لخمس دقائق؟ هل أنحني باحترامٍ

لسُكَّان حُلْمي الطفوليّ؟ هل يسألون:

مَن الزائرُ الأجنبيُّ الفضوليُّ؟ هل

أستطيع الكلام عن السلم والحرب

بين الضحايا وبين ضحايا الضحايا, بلا

كلماتٍ اضافيةٍ, وبلا جملةٍ اعتراضيِّةٍ؟

هل يقولون لي: لا مكان لحلمين

في مَخْدَعٍ واحدٍ؟

لا أنا, أو هُوَ

ولكنه قارئ يتساءل عمَّا

يقول لنا الشعرُ في زمن الكارثة؟

دمٌ,

ودمٌ,

ودَمٌ

في بلادكَ,

في اسمي وفي اسمك, في

زهرة اللوز, في قشرة الموز,

في لَبَن الطفل, في الضوء والظلّ,

في حبَّة القمح, في عُلْبة الملح/

قَنَّاصةٌ بارعون يصيبون أهدافهم

بامتيازٍ

دماً,

ودماً,

ودماً,

هذه الأرض أصغر من دم أبنائها

الواقفين على عتبات القيامة مثل

القرابين. هل هذه الأرض حقاً

مباركةٌ أم مُعَمَّدةٌ

بدمٍ,

ودمٍ,

ودمٍ,

لا تجفِّفُهُ الصلواتُ ولا الرملُ.

لا عَدْلُ في صفحات الكتاب المقدَّس

يكفي لكي يفرح الشهداءُ بحريَّة

المشي فوق الغمام. دَمٌ في النهار.

دَمٌ في الظلام. دَمٌ في الكلام!

يقول: القصيدةُ قد تستضيفُ

الخسارةَ خيطاً من الضوء يلمع

في قلب جيتارةٍ, أو مسيحاً على

فَرَسٍ مثخناً بالمجاز الجميل, فليس

الجماليُ إلاَّ حضور الحقيقيّ في

الشكلِ/

في عالمٍ لا سماء له, تصبحُ

الأرضُ هاويةً. والقصيدةُ إحدى

هِباتِ العَزَاء, وإحدى صفات

الرياح, جنوبيّةً أو شماليةً.

لا تَصِفْ ما ترى الكاميرا من

جروحك. واصرخْ لتسمع نفسك,

وأصرخ لتعلم أنَّكَ ما زلتَ حيّاً,

وحيّاً, وأنَّ الحياةَ على هذه الأرض

ممكنةٌ. فاخترعْ أملاً للكلام,

أبتكرْ جهةً أو سراباً يُطيل الرجاءَ.

وغنِّ, فإن الجماليَّ حريَّة/

أقولُ: الحياةُ التي لا تُعَرَّفُ إلاّ

بضدٍّ هو الموت... ليست حياة!

يقول: سنحيا, ولو تركتنا الحياةُ

الى شأننا. فلنكُنْ سادَةَ الكلمات التي

سوف تجعل قُرّاءها خالدين - على حدّ

تعبير صاحبك الفذِّ ريتسوس...

وقال: إذا متّ قبلَكَ,

أوصيكَ بالمستحيْل!

سألتُ: هل المستحيل بعيد؟

فقال: على بُعْد جيلْ

سألت: وإن متُّ قبلك؟

قال: أُعزِّي جبال الجليلْ

وأكتبُ: "ليس الجماليُّ إلاّ

بلوغ الملائم". والآن, لا تَنْسَ:

إن متُّ قبلك أوصيكَ بالمستحيلْ!

عندما زُرْتُهُ في سَدُومَ الجديدةِ,

في عام ألفين واثنين, كان يُقاوم

حربَ سدومَ على أهل بابلَ...

والسرطانَ معاً. كان كالبطل الملحميِّ

الأخير يدافع عن حقِّ طروادةٍ

في اقتسام الروايةِ/

نَسْرٌ يودِّعُ قمَّتَهُ عالياً

عالياً,

فالإقامةُ فوق الأولمب

وفوق القِمَمْ

تثير السأمْ

وداعاً,

وداعاً لشعر الألَمْ!



التوقيع: How long shall they kill our prophets
While we stand aside and look
Some say it's just a part of it
We've got to fulfill de book
Won't you help to sing,
These songs of freedom
'Cause all I ever had
Redemption songs
الجيلى أحمد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:42 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.