نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتــــدي التوثيق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-03-2008, 11:08 AM   #[31]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

عودة الهارب
بقلم الشريف حسين الهندي - يوم 11 مايو1958
ردّه على مقال جريدة "الأمة": "الهارب"[/align]




"بالخط العريض" وفى صدر الصحيفة الأولى وبالمانشيت البارز، أبرزت صحافة الحكومة إكتشافها الأثري، عن سلفيتي الزراعية، كأنها أطلقت قمراً صناعيا ثالثاً، ثم تخيلت أني قد هربت، وخالت أنها قد انتصرت، وعاشت على هذه النشوة أسبوعا كاملا. ولو كانت الديون تحمل الناس على الهروب، لارتحنا من وجوه كثيرة كانت ولا تزال.. مصدرا لشقاء الكثيرين، ولرحل عن هذه البلاد سادة ولبيعت سرايات وتهدمت دوائر؛ فإن حياة بعض الناس سلسلة متلاحقة من الديون، من عهد فليبيدس وكونتيمخالوس، إلى عهد الكريدي ليونيه..

و لو كان هؤلاء يستدينون من الحكومات والبنوك والشركات فحسب، لسكتنا .. ولكنهم يخطفون اللقمة من الجائع .. لأنه جاهل، ويحوِّلون حبات عرق الكادحين إلى سلاسل من الذهب يكنزونها، ويتنعمون على حساب حقوق المزارعين المتراكمة، ويأكلون أموال الأيامى واليتامى ظلما، ويملأون بطونهم المستكرشة سُحتا وطعاما ذا غُصَّة، و سيصلون بعد ذلك سعيرا وعذابا أليما .. وها هم أولا لم يهربوا للآن.. يصبحون على معونة ويمسون على قرض .. ويبيتون على مؤامرة يخفُّون عند الطمع ويثقلون عند الفزع، يتعاظمون كما تتعاظم القياصرة، ويتفاخرون كما تتفاخر الأكاسرة، وأفقر الفقراء فى هذا البلد أريح ضميرا، وأحسن عند الله مآبا..

نعم إنني مدين لجمهورية السودان وليس في هذا ما أخجل منه .. وعندما كتبت ما كتبت، وسلكت فى حياتي السياسية ما سلكت، لم أكن أجهل هذه الحقيقة، ولم أكن أعتقد أنكم لن تشهروا هذا السلاح عليَّ؛ فإن التهديد، خاصة من أخص خصائصكم .. ولم أكن أعش في المريخ، حتى أن هذه حكومتكم، ووزير ماليتها وزير ماليتكم، وأن أمورها تدبر بليل في سراياكم.. وحتى لو كان فى إمكانكم أن تبيعوا البيوت والممتلكات، فلن تستطيعوا سد منافذ الهواء؛ كما لن تستطيعوا كبح جماح هذا القلم.. فلقد قررت أن أقف بجانب الشعب السوداني، لا أتزحزح ولا أتحـول، ولا أساوم حتى لو أمسك جميع سادتكم، بأطراف هذا القميص المتسخ، الذى يعلوه غبار السفر، يريدون انتزاعه مني..

إن أزهري لم يمنحني سلفية، ولو كان أزهري يمنح الأصدقاء ويمنع الخصوم، لما كنتم الآن في مثل هذا الموقف، الذي ترهبون فيه وتستَعْدون أدواتكم على الناس.. ثم إنني لم أكن في الحزب الوطني الاتحادي، عندما كان الأزهري في الحكم.. فلقد دخلت الحزب الوطني الاتحادي صبيحة إسقاطكم لحكومته القومية.. ومن يومها وضعت يدي في يده.. ولئن تقطع يدي فلن أسحبها من يده، ومهما بطشتم أو نكلتم فستبقى يدي في يده، تشد من أزره وتعاون في أمره، حتى تبلغ ملتقي البحرين، أو نلبث حقبا.. فاذهبوا إذن وابحثوا عن رجل آخر تهددونه أو بضاعة تشترونها، أو نخاسة تقيمونها بدراهمكم البخسة ، وأسلحتكم الصدئة..

لو كنت أنشد الثراء لسلكت طريقا يحذقها بعض الناس، حتى اغتنوا مظهرا وافتقروا مخبرا، ولكنت قد سعيت وراء سراي الشريف يوسف الهندي بوابور المياه، و وراء هبة الثواب المهداة إليه من أخيه؛ وهذه طلاسم تعرفونها جيدا، ويعرفها معكم فضيلة مولانا الشيخ /حسن مدثر، قاضى القضاة السابق.. وأرجو الاّ تضطرني الظروف لفك رموزها، حتى لا تخِف موازين بعض الناس..

إذا فبيعوا ما تشاؤون ونكِّلوا بمن تشاؤون؛ فقط.. نفِّذوا كل ذلك في صمت واسكتوا صبيانكم، حتى لا تحملونا على ارتياد مسالك تعففنا منها زمنا طويلا، وإبقاء على صلات لا أظن أن صبيانكم يعرفونها؛ وإلاّ.. فلن يكون وقود هذه النار التى تشعلونها إلا صحائفهم البائرة؛ بل سيكون وقودها الناس والحجارة.. ولن تسكتنا يؤمئذ قوة؛ فما أكثر ما نعرف، وما أكثر ما نكتم..

ثم أنني لن أهرب ! وأنتم تعرفون ذلك جيدا؛ فلم يهرب عمي.. يوم استشهد في مشارف سنار مقبلا لا مدبرا.. ولم يهرب أبي، عندما قذف بحصانه فى وابورالإنجليز بكرري، عندما ثبت من ثبت، وهرب من يعرفه كبراؤكم ‍ومما سجله التاريخ .. وأخيرا.. فإنني ما زلت محررا بجريدة "العلم"، وهى صفة أعتز بها، وأحرص عليها، ولن أبدلها بملئ خزائنكم ذهبا، أو حشو ثيابكم حطباً..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-03-2008, 02:16 PM   #[32]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيصل سعد مشاهدة المشاركة
نذكر اخونا خالد الحاج ، باننا طلبنا مساعدته في المداخلة
رقم 24 في هذا البوست متضمنة اللنك و الرابط و
نثق في مساعدته و كريم استجابته لطلبنا برفع ملفين
صوتيين في هذا البوست على حسب التساهيل..
سلامات يا فيصل
لم انتبه والله لو لا رسالتك..
الملفات ضخمة أقلها (58ميجا) تحتاج شغل... أديني ساعة...



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-03-2008, 02:33 PM   #[33]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

[align=center][rams]http://sudaniyat.net/up/uploading/Hussien_London_First.wma[/rams][/align]

[align=center]( لقاء الشريف حسين الهندي في ندوة لندن 1980 بالطلبة الإتحاديين "الشريط الأول")[/align]



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-03-2008, 02:51 PM   #[34]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

[align=center][rams]http://sudaniyat.net/up/uploading/Hussien_London_Second.wma[/rams][/align]
[align=center]( لقاء الشريف حسين الهندي في ندوة لندن 1980 بالطلبة الإتحاديين "الشريط الثاني")[/align]



التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-03-2008, 08:52 AM   #[35]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي


لك وافر الشكر و التقدير عزيزنا خالد الحاج
و دمت عونا و سندا للجميع هنا ، علما و مقدرة و خبرة .
الود و الاعزاز ..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-03-2008, 07:44 PM   #[36]
kabashi
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية kabashi
 
افتراضي

[align=justify]الأخ العزيز فيصل
جزيل الشكر على رسالتك ولا مانع لدي البتة فيما إقترحت حول عنوان البوست وجزاك الله خير فقد أسديت لذكرى الراحل المقيم وعطرت المكان بأريج أفعاله وأقواله الخالدة و التي لا شك أنها ثروة قومية لو تم الإطلاع عليها والتنقيب فيها لأثرت الساحة السياسية فهي تجربة وطنية فريدة ولكن كتم عليها لأسباب عديدة وقد كان أشدها مضاضة على النفس تكتم حزبه !! ولكن الله متم نوره رغم كيد الناقصين وأنصاف المناضلين سوف تأتي أجيال تنقب وسيكتب التاريخ حقائق بعيدة عن إدعاءات المدعين ...
والشكر عبرك للأستاذ الرائع خالد الحاج على ما قام به من جهد فني بوضع المادة الصوتية على البوست والتي أضفت عليه حيوية وبهجة . [/align]



التوقيع: سلام يالبقعة مبروكة الاله والدين
حباب الحرورك لا انتماء لادين

حباب السودنوك خلوك سمارة وزين
حباب الازهري النكس ذرا العلمين

حباب الراية هفهافة وتكيل العين
قولوا معاي تبارك اقول دقر ياعين
kabashi غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-03-2008, 01:41 AM   #[37]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

لا شكر على واجب اخونا كباشي ، و ذلك النضال الحقيقي ، و تلك البطولة النادرة ، و التضحية و التجرد و نكران الذات ، و التسامي و نقاء السريرة ، في سيرة و مسيرة شهيد الحرية و الديمقراطية الشريف حسين الهندي ، تفرض و توجب علينا ان نضاعف الجهد في ابرازها و اضاءتها و توصيلها للجميع بصبر و تأني ، و صراحة و وضوح و سماحة ، على نفس منهجه و اسلوبه الراقي محاورة و اقناع ، و انا عاهدتك سابقا و لا زلت على عهدي بان اواصل معك هذا البوست بكل ما املك من معلومات ، و طلبنا مددا من مصادر موثقة سنردفها تباعا ان شاء الله ،، و سنوفي الرجل حقه كاملا مثلما كان وفيا و منحازا لوطنه و شعبه ، و داعما و مساندا للبسطاء و الشرفاء ، و منافحا للظلم ، و متخيرا وعر الدروب نحو الحرية و العزة و الكرامة .

اطيب التحايا..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-03-2008, 06:45 AM   #[38]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

الشريف حسين: صفاته الشخصية وطبيعته الإنسانية
[/align]

اشتهر بين أقرانه بالجرأة والشجاعة والإقدام ؛ ومحاولة المغامرة وركوب الصعاب مع حبه الشديد للمديح والمدّاح؛ يسهر معهم في طفولته وصباه . وكان أنشط الذاكرين في حلقات الذكر؛ إذ كان الوهن والفتور يدبان في الآخرين إذا تقدم الليل ؛ ويظل هو نشطا . وفي صباه ألف بعض المدائح النبوية وعلى سبيل المثال قال قصيدته التي مطلعها:

[align=center]بروق الخيف ضياك بعيد علي المشتاق صباح العيد[/align]


ومنذ أيام الخلوة ، كان إنسانا إجتماعيا محبوبا نشطا ؛ يعمل بيديه مع الذين يعدون الطعام، في التكية القائمة بدارهم لإطعام الضيوف؛ ويساهم في نقله بعد إعداده على عاتقه. أحب المساكين وعاش معهم واختلط بهم ؛ وكان يتفانى في خدمتهم . وعرف بالكرم والإيثار وكراهية الإثرة والأنانية ؛ يعتبر كل ما يكتسبه هو حق مشاع لغيره معه؛ لذا يدع الآخرين يشاركونه حتى في ملابسه .. وذكر زملاء طفولته ببرى ، وبعض زملاء دراسته بود مدنى وفكتوريا ، أن قلبه لا يعرف الحقد ؛ ولكنه لا يقبل أي استفزاز .. وإذا استغضب فإنه يثور ثورة عارمة . وعرف منذ صغره بالفصاحة والإبانة وزلاقة وطلاقة اللسان وقوة البيان ..


عندما أتم حفظه للقرآن الكريم، أخذه خاله أحمد خير معه ليتم دراسته بود مدني .. وألحقه بالصف الرابع بالمدرسة الأوليه؛ وطوى كل المرحلة في عام؛ وامتحن للدخول للمرحلة الوسطى ؛ وقبل بالمدرسة الأميرية عام 1935 م . كان يكتفي بحضور الحصص ، ولا يستذكر دروسه؛ ورغم ذلك كان مبرزا في كل العلوم خاصة اللغتين العربية والإنجليزية ؛ وعندما تُعقد الامتحانات يتبادل المراكز الأولى مع أبرز أبناء دفعته بالمرحلة الوسطى. كان يجيد الخطابة بصوته الجهوري المتميز ؛ ويحفظ الشعر ويتمثل به. وعرف بالشجاعة الأدبية ؛ ويشترك في المناشط الثقافية والأدبية ؛ ويحب الدراما والتمثيل في الليالي التي تقيمها المدرسـة..

" لقد كان الشريف الحسين على المستوى الإنساني ، شخصا كريما يفيض بالمروؤة والإيثار وحب الخير للآخرين .. وقد ساهم في علاج المرضى ، وقضاء حاجة كل من يقصده ، واهتم بطلاب العلم إهتماما فائقا، وقد تلقى الكثيرون منهم دراساتهم الجامعية وفوق الجامعية على حسـابه الخاص ، وكان ينفق كل ما يحصل عليه من أموال طائلة في وقت وجيز ، على المرضى وذوي الحاجات والطلبة .. وحتى الذين يعيشون في فنادق لندن التي أتوها من السودان معارضين ، كانوا يقيمون في أرقى الفنادق ، يعيشون في مستوى محترم، على حساب الشريف . ويقيم آخرون في عواصم أوربية وعربية أخرى ، وينفق عليهم الشريف . وقد خرج هؤلاء بمحض إرادتهم ، لأنهم ضاقوا ذرعا بالنظام في السودان ، ولا تثريب عليهم ، إلا أن بعض السودانيين كانوا متعاطفين مع مايو ، أو المنخرطين في نظامها ، ومع ذلك أعلنوا بعد الإنتفاضة ، أنهم كانوا على صلة بالشريف وبالمعارضة في الخارج.

وكان الشريف على صلة شخصية ، بكثير من الملوك والرؤساء والأمراء والأثرياء ؛ وعلى علاقة وطيدة بعدد من حركات التحرر الوطني، يساعد بعضها في احتياجاتها، وكان يشرف على معسكرات المقاتلين السودانيين في ليبيا وأثيوبيا المعارضين لنظام مايو.


إن الشريف حسين الهندي شخص غير عادي ، وإنسان متعدد المواهب ، وهو بحر واسع من أي جانب أتيته ، ولكن الجوانب التي تستحق أن يتعمق فيها الدارسون ، هي الجوانب الإنسانية . فقد ولج العمل العام من هذا الجانب ، وكان في حياته الخاصة متواضعا ونصيرا للمستضعفين ولصيقا بالبؤساء ، وعطوفا على المساكين الذين أحبهم وأحبوه ، وكان رقيقا في تعامله معهم، ينفق عليهم إنفاق من لا يخشى الفقر. ومن القصص الإنسانية التي تدل على رهافة حسـه ، أنه ذهب مرة لجنينته الواقعة بالفرب من سوق حلة كوكو –شرق النيل الأزرق وبالضفة المقابلة لحي بري، في معية صديقه الأستاذ/ عبدالماجد أبو حسبو ، وأحس الشريف عندما هم بالدخول بحركة ، ورأى صديقا له من المساكين كان منحنيا لرفع جوال ليمون ، فوضع الشريف سبابته على فمه ، مشيرا لأبو حسبو بأن يصمت ، وقاده بسـرعة شـديدة وسط الأشجار الشائكة الكثيفة ، حتى أصاب أحد الأغصان يد الشريف بجرح طفيف ، ولما أبتعدا ذكر الشريف لصديقه أبو حسبو بعد فترة ، أنه لمح أحد أصدقائه ، وكان منحنيا يحرك جوالا مليئا بالليمون ، وخاف أن يرفع صديقه رأسه ويراهما ، فيبتعد خَجَلا منه نهائيا ، ولا يحضر ليطلب منه شيئا ، إذا إحتاج إليه.. وأخذ يوجد المبررات لصديقه الذي إضطرته الحاجة والضرورة لأخذ ذاك الجوال.

وذات مرة ، حدثت مشادة كلامية بينه وبين الأستاذ/ أحمد إبراهيم دريج زعيم المعارضة داخل الجمعية التأسيسية يومها، وبعد أيام كان الشريف في طريقه لسنجه ، ليقضي فيها أيام العيد مع أخواله ، وكان ينوي أن يمضي ليلة باستراحة مشروع الجزيرة ببركات ، وعلم أن السيد دريج زعيم المعارضة ، سيأتى ترافقه أسرته لقضاء أيام العيد بها ، فقرر أن يواصل رحلته ويدع الإستراحة لدريج وأسرته ، وطلب من أصدقائه ببركات أن يحسنوا إستقبالهم ، وأن يحفوهم باهتمامهم ، طيلة فترة وجودهم معهم ؛ وأشرف بنفسه على تجهيز المكان ، الذي كان مقررا أن ينزل فيه السيد دريج . وقد إندهش البعض لهذا الإهتمام ، وهذه الرقة المتناهية ، وذكروا له أن بينه وبين السيد دريج في دنيا السياسة ما صنع الحداد ، فقال لهم:

" تلك أحاديث السياسة ، ولكننا على المستوى الشخصي إخوة ، لا شحناء أو بغضاء بيننا،
وإنني أعتبر أن أبناءه هم أبنائى ، وأن أسرته هي أسرتي ، ويجب أن تحتفوا بهم " ..


ويقول اللصيقون به، أنه في حياته الخاصة إنسان ودود ، دمث الأخلاق ، يألف ويؤلف قضى أخريات أيامه في العبادة ، وتلاوة القرآن الكريم وقراءة مولد والده (كتابه للسيرة النبوية) . وقد سجل منه بعض الألواح (فصول)، وقضى شهرين قبل وفاته بالمدينة المنورة يشارك في مديح الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع بعضا من أحباب والده، ويبكي بكاءا حارّا ، عند قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعدما يؤدي صلواته فيه.


كما كان بطبعه وتربيته الصوفية يميل إلى الزهد؛ قليل الطعام، قليل المنام، بليغ الكلام .. ديموقراطي النزعة واشتراكي المبدأ في عيشه الشخصي والحياة؛ برغم ما كان يملك من المال فما أكثره! ومن الجاه وما اوسعه! فلا عجب إن كتب في مذكراته انه (وفيما يخص ذاته) لا يؤمن بالملكية الفردية عملا بقول جده الرسول محمد (ص): "الناس سواسية في الماء والكلأ والنار" يعني الوقود.. أوليست هذه ركائز العيش والحياة؟ والماء وحده قال تعالى عنه: " وجعلنا من الماء كل شيء حي".. فإذا كانت الديمقراطية هي المشاركة في التشريع والحكم والإشتراكية هي توزيع الموارد والمال والملكية على الناس جميعا معنى ذلك أن الديمقراطية تعني إقتسام السلطة والإشتراكية تعني إقتسام الثروة التي تنعم بها البلاد، وهذا ما كان يؤمن به الشريف ويعمل على تحقيقه إلى أن لقي ربه (رحمه الله).

(من كتيّب "الشريف الحسين الهندي: أسرار وخفايا"؛ لصديق البادي).



[align=center]"لا قداسة مع السياسة"
مقال الشريف حسين الهندي بجريدة "العلم"
(في منتصف الخمسينات من القرن الماضي)[/align]



كان بعض الزملاء يستفسـرون الشـريف عن سبب عدم انضمامه للحركة الإتحادية، وهم يدركون تعاطفه معها؛ وكان يتذرع فى رده عليهم بأسباب واهية لم تقنعهم. ولكن بعض أصدقائه الحميمين كانوا يدركون ، أن من رأيه أن الطائفية ينبغي أن تبتعد عن العمل السياسي الحزبي - وعلى قادتها ألا يتدثروا بالقداسة ، إذا أرادوا أن يخوضوا مع الآخرين غمار السياسة ، ولذلك رفع الشريف منذ وقت باكر شعار : "لاقداسة مع السياسة" ، وهو الشعار الذى التقطه الأستاذ يحي الفضلي فيما بعد . وفور انفصـال طائفة الختمية وتكوينها لحزب الشــعب الديمقراطي ، بادر الشريف الحسين بالإنضمام للحزب الوطني ، وقد كتب الشريف عن الطائفية فى جريدة العلم ، مقالا بعنوان : "لاقداسة مع السياسة" ؛ جاء فيه :

"نحن نحترم رجال الدين ما التزموا جانب الدين، واعتصموا بدينهم وربهم إبتغاء مرضاة الله، ولكننا لن نهادن الكهنوت السياسي والرهبنة . وعندما نتعرض لزعيم ديني ، أصبح زعيما دينيا - سياسيا، فإننا لانتعرض لمسائله الخاصة، فهي ملكه. إننا لا نتحدث عن طعامه وشرابه وعواطفه.. وإنما نتحدث عن مدى صلته بالمجتمع الذى يعيش فيه، ومدى تأثيره السياسي على طائفة من المواطنين، بغض النظرعن الأسلوب الذى يتبعه، لأنه سياسي على كل حال"

- الشريف حسين الهندي -





التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-03-2008, 07:10 AM   #[39]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

البرنامج الاقتصادي للإنقاذ الوطني
الشريف حسين الهندي[/align]


تمهيــد

الاختناقات الاقتصادية(سلع وخدمات)بين الحكم والإدارة


كل مهمة هذا النظام (مايو النميري ) أن يحـكم ، ليس مهمته أن يديـر شئون البلاد بل أن يحكم بالقهر!! وطالما هو مستمر في الحكم ، طالما هو مستمر في القهر .. لا يهم أن يكون هناك مـاء أو أن تكون هناك كهرباء أو أن تكون هناك خدمات أو أن تكون هناك سـلع ولا يهمهم أن تكون هناك اختنـاقات .

وفي واقع الأمر ، إذا بدأنا نعد - ونحن الآن في مرحلة العد التنازلي ، ولكننا كنا في مرحلة العد التصاعدي (منذ بداية هذا النظام) وأصبحنا نعد يوما بعد يوم ؛ إذا أصبحنا نعد الآن .. مجمل الاختناقات الموجودة ، والتي تطفح على السطح ، لعجزنا عن العد ، ولقلنا أن شعبنا يعيش الآن في خناق وفي اختناقات متكررة متجددة ، وفي كل يوم ! وهو لا يبرح من اختناق ، إلاَّ لكي يقع في اختناق آخر .

وفي الحقيقة .. إن مرد هذا الاختناق للسلطة نفسها ، لأنها سلطة جاهلة وواهية ، وغارقة في مشاكل أخرى لاتهم المواطنين . ليس هناك حلول أساسية وجذرية لهذه الاختناقات ، إلاَّ إزالة هذه السلطة ، إزالة جذرية ؛ وأن يأتي الشعب بسلطة تهتم بمشاكله فتزيلها ، وباختناقاته فتزيحها . هذا هو الحل الوحيد ، لهذه المأساة التي يعيشها الشعب السوداني ، والتي يسميها النظام وتسميها صحفه … اختناقات !

مراحل البرنامج الاقتصادي للإنقاذ الوطني

لو استطردت في شرح المشاكل المعيشية والاقتصادية التي يعانيها السودان ، والافلاس الذي حدث فيه؛ بأرقام ونماذج مختلفة ، لأخذ هذا الحديث مئات الساعات . ولكن ، حقيقة الأمر أننا ، أنا وأنت والسودانيين وبقية العالم ، والمجتمع الاقتصادي والمصرفي بأكمله والدول ، نعرف أن السودان مفلس اقتصاديا لا ينقصه إلا إشهار إفلاسه . وبالتالي … فهذا الحديث عن الافلاس الاقتصادي وانعدام السلع وندرتها ، حقيقة واقعة . وكثيرا ما يقول لنا الناس: لماذا تتعبون أنفسكم ، وهذه السلطة منهارة اقتصاديا‍؟ والاصلاح الاقتصادي من بعدها مستحيل أومعجزة … أوما يشبه المعجزة‍‍‍.

لكننا نحن وطنيون ، لا يمكن أن نقتنع بهذا المنطق . ونحن نعتقد أن استمرار السلطة يوما واحدا، يشكل سنة كاملة من زيادة الانهيار الاقتصادي . وبالتالي ، فنحن كمواطنين - وبالدرجة الأولى - مطلوب منا فورا انهاء هذه السلطة .. لأن بداية نهايتها موجودة الآن . وبذلك ، لكي لا تتضاعف المشاكل الموجودة الآن ، اقتصاديا وإداريا ، وأدائيا ، وأخلاقيا ؛ فيصبح اليوم سنة كاملة من الانهيار ، فواجبنا كمواطنين أن نتصدى لقضايا بلادنا؛ مثلما واجبنا كمواطنين أن نتصدى للدفاع عن حدودها .. إذا اجتاحها عدو . فلا عذر لنا أن نقول إن الموقف ميؤوس منه للدرجة التي تدفعنا للتخلي . الواجب الوطني يتهمنا بالخيانة إذا قلنا ذلك . هذا في المقام الأول . في المقام الثاني ، لقد قلنا – وأنا أؤكد لك – إن المشاكل الاقتصادية الموجودة في السودان الآن ، والتي بلغت حدا يرى الكثيرون أنه لا حدود له ، نحن لدينا له حدود محددة . وأنا لا أستطيع الآن أن أشرح لك الحلول المحددة . ولكن ، سأعطيك أربع أوخمس نقاط تشكل برنامجا اقتصاديا للانقاذ .. على ثلاث مراحل ، يطبقه حكم قومي مجمع عليه من جميع السودانيين ، لكي ينجح .


المرحلة الأولى

علاج الميزان السلعي



معالجة الميزان السلعي بزيادة عرض السلع - في البلاد - على طلبها؛ بحيث لا تكون هناك ندرة للسلع ، ولا سوق سوداء ولا متاجرة بها؛ وبحيث تعود حلقة السلع التي انقطعت فتواصل دوراتها؛ وبحيث يكون المعروض من السلع في الأسواق أكثر من الطلب عليها . نحن في المدى الأول سوف نستورد كميات كافية من السلع ، تجعل المواطن السوداني واثقا أنه كلما طلب السلعة وجدها . ولا يجد نفسه مضطرا للتخزين المنزلي ، كما يحدث الآن في السودان .


مثلا : كلما وجد مواطن سلعة ، بدلا من أن يشتري حاجته منها ليوم أولأسبوع ، كان يشتري حاجته لسنة؛ لأنه في داخله يعتقد أنه لن يجدها مرة أخرى . وهو يتنافس فيها مع آخرين ويرفع سعرها . ويستغل ذلك تجار السوق السوداء . نحن سنطرح السلع الأساسية – حتى شبه الأساسية والرأسمالية وشبه الرأسمالية – بالدرجة الكافية التي تحدث زيادة في عرضها على طلبها … وبالدرجة التي تطمئن أي مستهلك لها ، أنه كلما أرادها وجدها ، فهو ليس مضطرا لتخزينها . وبذلك فنحن لدينا دراسة عن السلع المطلوبة والناقصة وغير الموجودة؛ ونحن نعرف مقدارها نقدا بالتقريب . ونحن باتصالاتنا، نستطيع إن نؤكد إننا قادرون على تأمين المبالغ اللازمة لشراء كل السلع التي تعيد التوازن السلعي في السودان ... أي التوازن بين السلع والأسعار . والتوازن بين العرض والطلب. بل وزيادة العرض على الطلب في المرحلة الأولى؛ والمبلغ الذي يؤمن هذا والذي قد يفوق البليون دولار، أنا اؤكد لك إننا سنؤمنه .


ونحن سنجعل كل رخص الاستيراد مفتوحة .. أي إلغاء الرخص ، بحيث لا تحدث تجارة رخص ... نسجل الاستيراد فقط في المرحلة الأولى، ونجعله مفتوحا . وفي نفس الوقت ، نحن لن نحارب التجار بإدخال السلع في البطاقات ، وبالمحاكم المدنية ، وبالتسعيرة ، وبتفتيش المخازن ، لأن هذا هو مطلب التجار فعلا . إذا ما أدخلت السلع في التسعيرة ، اختفت وزاد سعرها .. وزاد ربح التاجر منها . نحن سنعالج المشكلة . وأنا لا أقصد أن نحارب التجار . فنحن نطلب التعاون معهم ، ولكن السياسة التي سنطبقها هي: أن نجعل السلع تفيض على السوق؛ بالدرجة التي تجعل المواطن يجدها في كل محل وفي كل إقليم .. وفي كل عاصمة؛ وبحيث لا يستطيع التاجرأن يستغل انفراده بها .. كما يحدث الآن . وفي ذات الوقت بدون أن نحرم التجار من الاستيراد ، ستستورد الحكومة جميع أنواع السلع كاحتىاطي واقي؛ يكون موجودا لديها تطرحه في السوق إذا ما شعرت بأن التجار يريدون الاستغلال ورفع الأسعار. وعند ذلك لن يصيب التجار الا الخسارة ماديا . وأنت لا تحارب التاجر بالتسعيرة والبطاقات - التي تخلق السوق السوداء - لأن هذا مطلبه هنا .. حيث يربح . أنت تحاربه بالخسارة المادية . فإذا كان يخزن سلعا، واستوردت أنت عشرة أضعاف المطلوب منها ، عند ذلك سيضطر لبيعها خوف الخسارة .


نحن مستعدون أن نجلب للسودان ما هو ناقص من السلع؛ و بالأحرى .. ما هو مطلوب؛ لأنه ليس هناك سلع في السودان اطلاقا . وفي مدة لا تتجاوز الأسابيع، بحيث يحدث تشبُّع كامل من كل هذه السلع؛ و بحيث يزيد العرض على الطلب زيادة كبيرة واضحة؛ وبحيث يطمئن المواطن فلا يشتري اكثر من حاجته ، ليخزنها منزليا؛ وبحيث يخاف التاجر، فيكتفي بالربح الزهيد . وبعد أن نطمئن إلى أن حلقة التجارة التي انقطعت قد عاودت دورانها مرة أخرى؛ وأن كل المخازن (سواء مخازن المستوردين أو مخازن تجار الجملة او تجار القطاعي أوتجار الأ قاليم، أو تجار القرى في الأقاليم ، ومخازن الحكومة نفسها) ، قد تشبعت بالسلع ، نعد الاحتياطي الواقي ، ونعيد - بعد ذلك كما قلت لك - التوازن بين العرض والطلب . أما في البداية ، فلابد أن نزيد العرض على الطلب بحيث ندخل الاطمئنان للمستهلكين ، و نوحي بالخوف للتاجر الذي يريد أن يراهن على السوق السوداء ، و نقضي على التخزين المنزلي الذي هو أخطر أنواع التخزين .


سؤالك الطبيعي هو: من أين لكم هذه المبالغ والبلاد مفلسة ؟ وأنا لا أسمي ممن سنجد العون . ولكن الذي أقوله لك ، إننا مصدر ثقة بالنسبة لاستعمال الأموال العامة لمصلحة الشعب … وقد كنا كذلك . ونحن نعرف الآن مصادر النقد السائل ، و محلات وجوده .. كما نعرف مصادر انتاج السلع وتصديرها واسعارها الحقيقية؛ ونحن اثناء عملنا للمعارضة ، لا نعمل اعلاميا وتدريبيا فقط ، وإنما دراسة أيضا ، وتلمسا لحل المشاكل الموجودة الآن ، واتصالات بهذا الخصوص . والذي أريد أن أؤكده لك، أننا نعرف بالضبط درجة النقص في السلع ، ونعرف بالضبط قيمتها ، ونعرف من أين تأتي وبسرعة ، ونحن نستطيع أن نؤكد أن لدينا تأكيدا ممن لا يمكن أن يرتفع الشك إليهم .. بأن ما هو مطلوب - لكي يعيش الشعب السوداني معيشة إنسانية - متاح إذا ما كانت هنالك في السودان، سلطة مسؤولة ومستقرة ومطلوبة شعبيا . هذه هي المرحلة الأولي.


في المرحلة الثانية:

الاستمرار في استراتيجية التنمية



والاستمرار في تأمين سلامة الاقتصاد السوداني. نحن سندرس كل مسائل التمويل الادخار والاستثمار(الخاص والعام والأجنبي) ومتطلبات مشاريع التنمية عندنا : الانتاجية والبنية التحتىة؛ المخطط لها أوالمقترحة الآن. وسنصلح أي مشروع تطرق إليه عناصر الفساد والخلل. وسنوقف أي مشروع خلق من أجل الرشوة فقط .. ولا إنتاجية ولا ربحية له؛ والفاشل من حيث الجدوى الاقتصادية. وسوف نرشد التنمية ، ولكننا لن نوقفها؛ بالأحرى سنزيدها. ونحن أيضاً متأكدون من أن الأموال التي تصرف على تنمية نزيهة لمصلحة الشعب السوداني … ستكون موجودة.


في المرحلة الثالثة:

أعادة التوازن الاقتصادي في الموازين غير الميزان السلعي أعلاه



توجب علينا - نحن السودانيين - أن نشترك في معالجة اقتصادنا المنهار ، لا أن نعتمد على الخارج فقط؛ لأنك تعرف أن المعونات والهبات التي تأتي من الخارج ، إنما تأتي من وفورات الشعوب الأخرى؛ لأن الشعوب الأخرى نفسها، يمكن أن تنفق وفوراتها في زيادة دخول أفرادها ، أو زيادة الأجور فيها ، أو زيادة الرفاهية ، وأنت ترى الآن المعارك التي تدور حول زيادة الأجور في العالم ، ولكي تنخفض معدلات التضخم. نفس الدول التي تدور فيها هذه المعارك ، هي التي يقصدها السودان لكي تعطيه ، وهو يصرف أمواله سفها.

في هذه المرحلة نحن سنعيد التوازن الاقتصادي في الموازين الداخلية والخارجية للسودان؛ بمعني أننا نعيد التوازن في الميزان الداخلي (الميزانية) .. بين الصرف والدخل؛ ونعيد التوازن في (سعر الجنيه السوداني) .. على مستوى سعرالعملة الأجنبية؛ وفي الميزان الخارجي (ميزان المدفوعات) .. بين التصدير والإستيراد. ولن نعيد هذا التوازن بالقسر إطلاقاً . ولن نحرم أي طبقة من أي مميزات لديها الآن.


لن نطلب "شد الأحزمة على البطون" – وهو التعبير الشائع في السودان – لأنه في بلادنا لم تعد هناك بطون .. وبالتالي فلن تكون هناك أحزمة. ولكن هنالك في بلادنا صرفاً تفاخرياً .. أغلبه على الأمن ، وعلى استخبارات الجيش – ولا أقول على الجيش نفسه – وعلى الاحتفالات ، وعلى الرشاوي ، وعلى تنظيم سياسي فاسد .. مثل الاتحاد الاشتراكي؛ كلها مصروفات طفيلية وقشورية؛ سوف نشطبها بجرة قلم .

وأيضاً ، نحن نستطيع أن نجعل أسـعار السلع تنخفض بنسبة 300 بالمائة؛ وقد يدهشك ذلك؛ فالسودان الآن يستورد بما يسميه النميري "السعر المتوازي". والسعر المتوازي هو سعر السوق السوداء للعملة الأجنبية .. أي أن الدولار يساوي جنيهاً .. والجنيه الاسترليني يساوي جنيهين وربع الجنيه. وإذا نظرت إلى ذلك تجد إنه يزيد الأسعار100 بالمائة. وهذا ينعكس أيضاً زيادة في التكلفة ، والشحن البحري ، والتأمين ، وأرباح التجار ، والسوق السوداء . نحن سنؤمن العملة التي نستورد بها؛ بالسعر الرسمي للعملة السودانية .. أي بنصف السعر الذي تشتري به السلع الآن؛ ونطرحها في السوق بهذا السعر.

أما الآن ، فالتاجر السوداني يشتري بالسعر المتوازي .. كما تسميه الحكومة، أو بسعر السوق السوداء كما نسميه نحن؛ أي عليه هو أن يوجد العملة الأجنبية . وهذه أول حكومة في العالم تتنكر لمسؤوليتها في إحضار النقد الأجنبي لإستجلاب السلع الضرورية لبلادها . فالتاجر يذهب ويشتري النقد الأجنبي مقابل الجنيه السوداني، وقيمة الجنيه السوداني في الحضيض . والحكومة تسمح له بذلك . وبذلك يضيف كل فروقات أسعار النقد الأجنبي المشترى من السوق السوداء إلى السلع . فيصبح التضخم لدينا، زيادة على قلة السلع والسوق السوداء ، 300 % أو 400 % أكثر من التضخم المستورد من العالم .


إن مستوى التضخم في العالم مثلاً هو: 15% ، نحن يكون لدينا 300 % وأكثر . نحن سنبطل هذا النظام. وستكون لدينا العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع، بالسعر الرسمي للجنيه السوداني . ذلك يرفع من قيمة الجنيه السوداني؛ ويترك المستورد السوداني أن يجد عملة أجنبية – عبر حكومته المسؤولة - من أجل شراء حاجاته .. سواء استهلاكية أو رأسمالية .


وهذا يدعو إلى تخفيض الأسعار عندنا - في اللحظة الأولى - وبمقادير خيالية .. لأن زيادة الاسعار الآن ، ناتجة عن الزيادة في العملة؛ وليست ناتجة عن الزيادة في سعر السلع نفسها؛ لأنك تذهب مثلاً في جدة، وتبيع الجنيه السوداني ب 3 ريالات؛ ثم تشتري الجنيه الاسترليني ب 9 ريالات؛ فكأنك اشتريت السلعة ب 300 % من قيمتها . أما إذا كان لديك جنيهات استرلينية، فإنك تشتريها بقيمتها، وبما فيها من تضخم .. قد يكون 12 % . فالتضخم الآن هو تضخم انعدام الرصيد الأجنبي الكافي للاستهلاك . وبالتالي .. فالحكومة تعطي رخصة لمن يحضر نقداً أجنبياً . والتاجر يشتري هذا النقد بتهريب الجنيه السوداني ، أو المحصول السوداني ، وبيعه في الخارج . ثم إحضار السلع من الخارج . وهذا يضيف 300 % أو 400 % إلى سعرها . وهذا يفسر لك كيف أن قلة تحتكر السلع فتخلق السوق السوداء . وكيف ترتفع أسعار السلع عندنا أكثر من بقية انحاء العالم .



وأريد أن أسالك وانت من لبنان ، وفي لبنان حرب … ليس في السودان عشرة بالمائة منها ، بل وسلسلة حروب متصلة : وانت تعلم أنه في لبنان، السلع أرخص منها في السودان، وأكثر توفراً منها في السودان . وأنت تعلم أننا - قبل الآن - كنا نزود أثيوبيا وأوغندا وأفريقيا الوسطي والتشاد .. بالسلع . والآن ، فبعض هذه البلدان - مثل التشاد - في حرب أهلية طاحنة . ومع هذا ، فهي التي تزودنا بالسلع .



حلنا للمشكلة الاقتصادية ذو ثلاث شعب : المشكلة العاجلة هي زيادة عرض السلع على طلبها؛ ثم التوازن بين العرض والطلب؛ ثم التوازن بين السلع والمال .. من نقد محلي وعملات أجنبية . ليس هناك الآن توازن بين السلع والمال ، السلعة ثابتة وغالية ، والمال قيمته منخفضة .. لأن كميات كبيرة من المال المطبوع - الذي ليس له رصيد - تجري وراء سلع قليلة . وهنا ترتفع الأسعار قطعاً .


أهذا يعني إعادة الثقة الداخلية والخارجيه بالجنيه السوداني ؟


إعادة الثقة الداخلية والخارجية بالجنيه السوداني، لا تحدث إلا بتغـيير السلطة الحالية . والسلطة التي تأتي، واجباتها هي التي قلتها لك . ولا يمكن أن تتم تنمية في السودان إلا إذا تم هذا ، لأن أي تنمية تتم في السودان الآن ستكون نسبة التضخم فيها 400 بالمائة؛ لأنه حتى المواد الداخلية ترتفع أسعارها، لأن مكوناتها من الخارج. حتى العامل السوداني يرتفع أجره، لأنه يعيش من هذه السلع الغالية . فأنت عليك أولا أن تزيل هذا التضخم المصطنع ، الذي هو تضخم عملة؛ بأيجاد الثقة لدى المستهلك السوداني ، وبأيجاد التعاون مع التاجر الذي سيشعر أنه سيخسر كل رأسماله ، وبانعدام السوق السوداء .

ثم بعد ذلك عليك أن تدرس مشاريع التنمية واحدا واحدا ، ودراستنا لها قد انتهت . فتعيد إدارة وتسيير وتنظيم ما هو مفيد ، وتلغي ما هو غير مفيد . وتذهب في التنمية ، لأن التنمية لا تتوقف ، وثالثا ، عليك إن تعيد الاقتصاد السوداني نفسه إلى التوازن .. توازن داخلي بين الصرف والدخل، وتوازن خارجي بين التصدير- الذي يأتي بالعملة الأجنبية - وبين الاستيراد الذي يتطلب العملة الأجنبية . كل هذا دون أن تضغط على جماهير الشــعب ، لأنه لم يبق لديها ما يضغط عليها به . هي الآن في حالة جوع ، فلا يمكن لك أن تطلب منها شيئا . ونحن درسنا هذه المشكلة وأعددنا نفسنا لها ، وأنا أؤكد لك أن كل ما هو مطلوب منها موجود فعلا . الفرق هو ذهاب هذا النظام . لكنه بوجود هذا النظام لا يمكن أن تحدث سياسة مثل هذه .

فحوى كلامكم أن الدعم الاقتصادي الخارجي للسودان، سيتوقف على وجود نظام حائز للثقة الدولية؛ لكن البرنامج يثير تعليقا لابد منه .. بصفتكم وزير مالية سابق، فأنتم تعلمون أن مثل هذا الطرح سوف يصطدم مع برنامج صندوق النقد الدولي ، سواء الموضوعة للسودان أو للدول التي تعيش حالات مشابهة .. وذلك بالنسبة لنقطتين : تخفيض قيمة العملة ، والحد من توفير السلع للمواطنين .. في السودان كما في مصر أولا .

أولا، أنا لم أقل أن النظام يحوز على ثقة الدول؛ وإنما قلت إن النظام يجب أن يحوز على ثقة السودان . والمفروض إنه إذا حاز بثقة السودانيين ، فسيحوز على ثقة الدول . وثانيا ، أنا أعرف كل مشاورات صندوق النقد الدولي، التي اشتركت فيها قرابة خمس سنوات . صندوق النقد الدولي يدعو لتخفيض قيمة الجنيه السوداني، وليس في هذا ما ينفعنا اطلاقا . ولقد خفض السودان قيمة الجنيه ثلاث مرات من غير اعلان . وهو في طريقه للتخفيض مرة رابعة . أنت تخفض الجنيه السوداني إذا ما شعرت أن سلعك الزراعية – المنتجة لديك – تجد تنافسا من دول أخرى تنتج نفس السلع؛ فتخفض سعر الصرف عندك لكي تبيع أكثر . والعكس حاصل عندنا الآن ، السلعة التي ننتجها أسعارها مرتفعة جدا في العالم ، ولولا الأداء السيء للنميري في ال 10 سنوات الماضية ، لكنا الآن نساوي دول النفط أرصدة .

سلعنا … مثل القطن والفول والسمسم والصمغ ، ارتفعت أسعارها سبعة أضعاف عما كانت عليه عام 1969 . ولما انتاجها انخفض إلى الرشوة لم نستفد منها شيئا . وبالتالي ، حتى لو خفضنا سعر الجنيه فهذا لا يفيد . نحن نخفض الجنيه إذا كانت سلعنا في السوق متنافسة مع سلع دول أخرى أرخص منها . وإذا خفضت نيجيريا مثلا عملتها ، ربما نخفض .. إذا خفضت غانا ، أو دولة تنتج القطن .. وهذا ليس حادثا .

ونحن نستطيع إن نقنع صندوق النقد بذلك . صندوق النقد في السودان يضغط دائما باتجاه إن هنالك صرفا تفاخريا أكثر من الدخل ، وإنه ليس هناك دخل . وهو يعلم إنه لو طلب تخفيض الصـرف ، فهذا غير ممكن . لأن الصرف ياتي من فم واحد ، وبلا دراسة . ولا وجود لوزارة مالية لكي تحجب الصرف . وبالتالي ، فأي ترشيد للصرف التفاخري لن يكون مرفوضا لدى صندوق النقد الدولي .

ثم إننا في حالة طوارئ ، ولا يعني هذا إننا نوافق على كل الذي يقوله صندوق النقد ، أوعلى كل الذي تقوله بعثته التي تحضرإلى السودان. نحن نستطيع أن نختلف مع هذه البعثة وأن نذهب إلى صندوق النقد رأسا ، ومهمته هي التوازن الدولي ، ونقنعه بهذه القضية . لأنها قضية واضحة اقتصاديا . وأنا لا أعرف كيف وافق صندوق النقد على الاستيراد بدون عملة . وكيف سيوافق الآن على الاستيراد بالسعر الموازي وهو عدم الاستقرار . إن صندوق النقد الدولي مستشار ، ونحن نعرف سياسته . ونحن متأكدون أننا إذا شرحنا سياستنا والمصادر التي سنأتي منها بتمويل السياسة المتفق عليها ، وتكون هذه السياسة حكيمة اقتصاديا ، فإن صندوق النقد سيوافق عليها ، وبل ويساعد في تحقيقها .

أنا أقول إن برنامجنا الاقتصادي سيكون مقنعا للذين يملكون المال السائل ، وللذين طالما ساعدوا السودان وذهبت أموالهم هدرا . إنهم يرون أنفسهم يدفعون ، ويرون السودانيين يجوعون ويهجرون بلادهم . لكننا لن نضع خطة للشحاذة . بل سنضع خطة اقتصادية للانقاذ والتنمية في بلد موارده التنموية لا حدود لها . وسنقنع بها الذين يملكون النقد السائل ، بل قد أقول لك أننا أقنعنا بها أكثرهم الآن . وسنقنع بها الرأي العام الاقتصادي في العالم، والمؤسسات الدولية ، بشرح الحالة الراهنة ... لأن هذه البعثات عندما تذهب للسودان تعطي ارقاما خيالية ، أوتحجب عنها الوقائع ، فتذهب ل 7 أو8 أيام ، و تحضر بأرقام غير صحيحة وباستقراءات غير صحيحة .

نحن سنشرح الموقف وسنشرح خطتنا، وهي الخطة الوحيدة للعلاج . ونحن واثقون إن دوائر المال في العالم والمؤسسات الاقتصادية ، والدول التي تملك المقدرة على مساعدتنا سوف تقتنع بها . وإلا فما مصلحتها في سودان مفلس لا تستطيع استرداد ديونها منه ؟ ويخل هو نفسه بالتوازن الدولي ويزيد الأزمة الاقتصادية العالمية، ولا تكون منه فائدة ، كان سيكون "سلة خبز" في وقت انتشرت المجاعات ، أومحلا لزيادة الرقعة الزراعية في وقت انخفضت فيه في العالم . ما الفائدة إذا استمر السودان على هذا النحو ؟ أنا واثق أنه حتى التجار السودانيين سيتعاونون كلهم ويكتفون بالربح البسيط فقط، ويغيرون من أساليبهم كلهم لمحاولة انقاذ بلادهم ... لأنه ما هي مصلحتهم في مستهلك سوداني ليس لديه ما يشتري به ، أويجد سلعة ليس له طاقة على مشتراها؟

إن مصلحة متوسطي الحال وصغار التجار – الذين نمثلهم – هي أن يكون هناك رواج اقتصادي ، وزيادة في البيع ، وقلة في الربح ، بحيث أن زيادة البيع تحل محل زيادة السعر. أما في بلد كلها سوق سوداء لن يستفيد منها إلا – كما هو حاصل الآن – أصحاب 10 أو15 أضعاف السعر. أما في بلد بها السلع متوفرة وبها مستهلك أومزارع يأخذ فوائد انتاجه لنفسه ، وتزداد انتاجيته بزيادة مقومات الانتاج من الحكومة ، وبالقيام بواجباتها بإحضار كل مقومات الانتاج ، وإعطاء المزارع حقوقه في الانتاج بسعرها الأصلي العالمي ، فذلك يزيد قوته الشرائية . ويقابل ذلك طرح السلع ، فسيحدث الرواج الاقتصادي . وبذلك ، حتى التجار سيتعاونون . لأنهم وطنيون في المقام الأول؛ والمزارعون سيتعاونون لأن روحهم المعنوية سترتفع؛ ويجدون أسعار سلعهم (وأسعارها في العالم عالية) . وما يجدونه منها في السودان ، لايساوي 10 بالمائة ؛ نتيجة لأن الحكومة ليست لديها مقومات للأنتاج ؛ لا آلات ولا مخصبات ولا مبيدات حشرية ولا إدارة .. ولا أداء . ولها تسويق مرتش مع السماسرة . فيعود كل ذلك بفقر على المزارع ، فيترك الحقل الزراعي ، ويهاجر لكي يعمل في الخارج .


الانتعاش الاقتصادي وعودة الكوادر واليد العاملة المهاجرة

في سنة 1968 - وكنت في وفد يطوف الدول العربية - كانت كل دولة عربية أصل إليها ، تطلب مني مئات من المدرسين والمهندسين والأطباء والمهنيين والفنيين السودانيين. وكانت حاجة بلادي تدفعني لكي لا أعطي إلا العشرات. أما الآن فكل هؤلاء - من أعلى المستويات وحتى العامل الزراعي - قد هجروا السودان وذهبوا للخارج . ونحن في أشد السرور أن يشترك إخواننا في التنمية في البلاد العربية ؛ ولكن إخواننا يعلمون أن التنمية في بلادنا أيضا ، ستفيد المنطقة العربية نفسها .

وأنا واثق .. إنه بعودة الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي والاستقرار المعيشي ، ومع توفر السلع ورخص الحياة في السودان ، فسيعود العدد الكبير من هؤلاء ، الكافي لإنعاش التنمية في السودان ؛ ولإحداث الاستقرار الاقتصادي ؛ والكفاءآت التي تستطيع أن تعدِّل السياسات الفاسدة والجاهلة الموجودة الآن . هذا العدد سيعود . وسيبقى في البلدان العربية عدد آخر يكفي لمشاريع التنمية فيها ، ويساعد أيضا بدخوله الخارجية على إنعاش الاقتصاد السوداني



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-03-2008, 07:59 AM   #[40]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

الشريف.. وقصة قيام الجبهة الوطنية ومعسكراتها بإثيوبيا
(بقلم: محمد سليمان بابكر رجب)[/align]


تكوين الجبهة الوطنية وبنود اتفاقها

في شهر رمضان المبارك ، (اكتوبر 1969) كان لقاؤنا بالمناضل الشهيد الشريف الحسين يوسف الهندي - رحمه الله - في شرق أفريقيا وفي أديس أبابا بالتحديد ؛ وقبل ذلك ... فإن أخبار تحركاته لضرب الإنقلاب المايوي الشيوعي العميل ، كانت تصلنا حيث كنا آنذاك خارج أفريقيا ، لمنازلة الصهاينة في الجولان وغرب نهر الأردن ؛ ولكن أذنابهم وتلاميذهم النجباء ، سددوا لنا طعنة من الخلف ليصرفونا عما نحن فيه ...

لقد كانت مجموعتنا تحت قيادة الأخ الشهيد المجاهد الدكتور/ محمد صالح عمر - رحمه الله . وفي ذات يوم عقد إجتماع حيث تقرر فيه أن يسافر الأخ/ محمد صالح عمر لمتابعة الأخبار ؛ على أن يكون الجميع في أهبة الاستعداد للإنتقال إلى أي مكان . وبعد مدة من الزمن عاد إلينا محمد صالح عمر وعقد معنا إجتماعاً أطلعنا فيه على مجريات الأمور . وأخبرنا بأنه التقي باحد قياديي الجبهة الوطنية المهمين ؛ والذي خرج من السودان حاملا النقاط التي تم الإتفاق عليها ؛ والتي وقع عليها أحزاب الأمة والإتحادي الديموقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي وهي:

أولا: إزالة الواجهة الشيوعية من الحكم.
ثانيا: رفض التدخل الأجنبي في البلاد.
ثالثا: إطلاق سراح المعتقلين السياسين الأبرياء، وتقديم من تثبت إدانته للمحاكم الفورية.
رابعا: إجازة مسودة الدستور الإسلامي وإجراء إنتخابات عامة في البلاد.
خامسا: تكوين حكومة قومية ترأسها القوات المسلحة.
سادسا: رجوع الجيش إلى ثكناته.


وبعد نقاش مستفيض تقررأن نغادر بلاد الشام ، إلى مكان آخر- سيعرف في حينه - وعلى مجموعات . وكنا في أول مجموعة تحركت مع الأخ/ محمد صالح عمر ؛ حيث تم لقاؤنا بالشريف الهندي كما ذكرت سابقا ، حيث قدمنا إليه الأخ/محمد صالح عمر ، وبعد التحية والبشاشة والكرم الذي عرف به ، بدأ يسألنا عن مناطقنا في السودان ، ليتعرف على كل واحد منا.

قيام معسكرات الجبهة الوطنية بإثيوبيا

مكثنا أياما في أديس أبابا ، حيث كان عددنا ستة أشخاص ؛ ثم وصل إلينا من أوروبا كل من الأخوان : الدكتور/ عمر نور الدائم ، والأستاذ/ عثمان خالد مضوي المحامي ، و الدكتور/ أحمد إبراهيم الترابي ، وغيرهم من المجاهدين . وكان الجميع يواصلون الليل بالنهار يراجعون الخرط الحدودية ، ويخططون ويتشاورون . وفي يوم من العشرة الأواخر من رمضان ، أخبرنا الشريف : أن مندوب الإمام الهادي المهدي قد وصل منطقة الحدود ، وعسكر برجاله وجماله .

وقال: " لا بد من الإسراع إليهم قبل أن يكتشف وجودهم في المنطقة ، من قبل عيون النظام " ... واقترح علينا فتح جبهتين لإقامة المعسكرات للتدريب وتسريب السلاح ؛ وهما جبهتا الكرمك والقلاَّبات . وقال لنا بصوته العالي:

" أمشوا في هذا البلد مرفوعي الرأس ، موفوري الكرامة ، لا تظنوا أن أحداً هنا يَمْتَنَّ علينا .. هؤلاء الأحباش الذين نحن في أرضهم الآن ، هم مدانون لنا نحن السودانيين مرتين ؛ الأولى : عندما احتل أرضهم الطليان ؛ فقد هاجروا للسودان ، فاستضافهم وآزرهم ، وقدم لهم كل عون حتى حرّروا أرضهم ، واســتردوا حريتهم . والثانية : عندما أطيح بعرش إمبراطورهم هيلاسلاسي ، في زمن حكم الفريق إبراهيم عبود أيضا ، وقف معهم السودان" ..

وهذه أول مرة يهاجر فيها السودانيون لأرض الحبشة ، بسبب تسلط الإلحاد وأذنابه . واقترح أن تتحرك مجموعة محمد صالح عمر إلى أحراش المتمَّة : (متمة المك نمر) في موازاة القلابات ؛ والمجموعة الثانية لمنطقة جبل الرادوك في موازاة الكرمك . وأصرَّ أن يتحرك مع هذه المجموعة ، رافضاً البقاء في أديس أبابا ، رغم أنه كان مصاباً بعدة أمراض من بينها الضغط والسكرى .

غادرنا أديس أبابا صبيحة السابعة والعشرين من رمضان بقيادته ؛ حيث سلكنا طريقاً عجيباً إبتدأ جميلا ومسفلتا ؛ وبعد مسيرة أربعين كيلومتراً بين الجبال والوديان الخضراء بضواحي أديــس .. ونحن نسـتشف نسمات الصباح الجميل ، وبعد أن تركنا مدينة (أمبو وها) - وهي تعني بالأمهرية : " مدينة الماء العذب " - حيث ودعنا الطريق المسفلت ؛ ومن ثم بدأت مشقة الطريق ... فتارة نصعد معه إلى قمم الجبال ، وأخرى ننحدر معه إلى سفح الوديان ، بين الأحراش و التلال ؛ وأحيانا تختفي عنا الشمس ونحن في وسط النهار .

وكنا نأخذ قسطاً من الراحة ثم نواصل المسير ؛ وكان دليلنا الحبشي يحب الراحات ، بعكس الشريف الذي كان يتعجل الوصول لملاقاة رسول الإمام الهادي . وهنا ... قال لي الشريف بإسمي الحركي الجديد : " يابيلو ! أنا شايف دليلنا عندو نية مبيت ! والراجل دا بخاف من الدبيب خوف شــديد ، ودحين داير منك بعد ما ترتاح شـوية ، وتشوفني قعدت معاه ، تجيني وتكلمني زي البتهمس في أذني بكلام سر ، وتقول لي بصوت عالي جداً جداً : " أنا شفت ثعبان لكن ... ماكتلناه !! وعندما انصرفت منهم ، سمعت الشريف يقول للدليل : " بيلو قال .. شــافوا ثعبان ولم يتمكـنوا من قتله . فنهض الدليل واقفاً وقال : " ترو آي دلم " - يعني المكان خطر - ويجب أن نواصل سيرنا ونبيت في مدينة أصوصا .

وبالفعل قضينا الليل وتناولنا السحور بها ؛ وغادرناها بعد الفجر. وكان ذلك في 29 رمضان .. وبعد مسيرة طويلة وشاقة لا حت لنا الكرمك ، فتوقفنا للراحة والاستجمام ؛ ثم واصلنا السير نحو جبل الكرمك - والذي كنا نراه على البعد مثل الجمل أبوسنامين . وعندما اقتربنا منها حوالي ثلاثين كيلومتراً ، إتجهنا جهة اليمين في شكل قوس حول وادي الرادوك ، وهو الهدف المنشود لإقامة المعسكر رقم (1) للجبهة الوطنية ، بقيادة وإشراف الشريف حسين الهندي ..

في تلك الليلة علمنا من إذاعة أم درمان ، ثبوت عيد الفطر المبارك ؛ وأصبح علينا العيد وصلينا صلاته ؛ وكان خطيبنا وإمامنا الأستاذ/ زين العابدين الركابي ؛ وكانت خطبة عظيمة شاملة ، تمنى يومها أخونا الدكتور/ عمر نور الدائم ، أن لو سمع تلك الخطبة المسلمون في جميع أنحاء العالم .. وبعد أن تبادلنا التهاني وتناولنا وجبة الإفطار ، إنصرف كل منا لعمله .. فالبعض يقطع الأخشاب لتشييد المعسكر ، وآخرون يتفقدوا العربات ويجهزوا السلاح ، الذي سيرسل على الجمال للسودان .

ومجموعة ذهبت مع الشريف ، للبحث عن تواجد أماكن مياه تصلح للشرب . وكنا في بحثنا معه عن الماء ، نردد النكتة التي كانت متبادلة بيننا في الطريق ، ونضحك عندها كثيراً ؛ وهي : أن أحداً منا قال للآخر :

" بالله الشريف دا ، كان وزير مالية واقتصاد ... أم كان راعي إبل ؟ ".


ثاني أيام العيد تم تحميل جمال مندوب الإمام ؛ وهو الشيخ/ بشرى عويضة ، وجماعته من قبيلة رفاعة بضواحي سنجة . وكلف الإخوان/ بابكر العوض و أحمد سعد عمر بمرافقتهم ، حتى يبتعدوا عن الكرمك . وعند عودة الإخوان/ بابكر وأحمد سعد ، ضلوا الطريق ؛ وأصبح عليهم الصبح ، وهم في مجرى الخور ، داخل مدينة الكرمك ؛ وكتبت النجاة للأخ بابكر العوض - من أبناء فداسي الحليماب - واعتقل الأخ/ أحمد سعد عمر ومعه سلاحه ، وزج به في سجن الكرمك .. وكان هذا أول خطر نواجهه ، ونحن في مقرنا الجديد.

أحمد سعد أصغرنا سنَّا ، وقد ترك الجامعة في السنة الأولى بكلة الصيدلة ، وجاء مجاهداً .. فكيف يكون هذا ؟ وما الحل؟ وهنا تجلت عبقرية الشريف الهندي، إذ استطاع بعون الله ، تخليص أحمد سعد من الأسر وعاد إلينا سالما ، ولم يبح لهم بأي شيء.

منطقة وادي جبل الرادوك ، كثيرة الجبال المختلفة الألوان ؛ وكثيرة الأشجار والوديان ؛ وحولها تنتشر قرى كثيرة تسكنها قبائل مختلفة ؛ ولغة التخاطب السائدة مع غيرهم ، هي العربية المصبوغة بلكنة ؛ وإن كان لكل قبيلة لهجتها الخاصة بها .

كنت أسأل الشريف عن القبائل ؛ فيحدثني عن قبيلة (القالّة) - وهي من أكبر القبائل في أثيوبيا - أما (الوطاويط والشنقرة والقز) ، فهي قبائل مشتركة بين أثيوبيا والسودان . وقال لي:

" لنا أبناء عمومة هنا من آل الهندي "

وأذكر أنه قال لي : " ألم تر الجماعة الجالسين للفطور ، كما يجلس السودانيين للفطور في رمضان ؟ " ... فهؤلاء هم بنوا عمومتي . وأذكر أنه أرسـل إليهم إثنين من الإخوان أيام العيد ؛ وسألت الإخوان : " هل صحيح أنكم وجدتم أبناء عمومة الشريف في تلك القرية ؟ " . قالوا : " نعم ! " . و جزم لي أحدهم بأنهم يشبهوا الشريف لدرجة " الشام " الذي في وجهه .. فيهم .

وفي اعتقادي أن الشريف كان بارَّا بهم عندما أرسل لهم الإخوان ، ولكنه لم يقابلهم ، ولم يفصح لهم الأخوان عن هوية الشخص الذي أرسلهم ، وكل الذي يعرفه عنا أهل القرى بصورة عامة ، أننا في هذه الجبال نقوم بأعمال تعدين ؛ و فعلا كنا نأخذ من داخل الأرض عينات من الحجارة الملوّنة ، ونضعها حول الطريق الرئيسي الذي يربط الكرمك بأصوصة عن طريق (دول) الحبشية .

الأهالي في هذه القرى ... يعملون بالزراعة والبحث في مجاري الوديان ، وفي جبال الإنقسنا وجبال شمبول عن الذهب . ويخترق هذه المنطقة الحدودية خور (أحمر) المشهور. وفي يوم من الأيام ، بينما الأهالي يفتحون خطوط النار ، لتقيهم الحرائق في فصل الصيف ، إذا بنا نرى على البعد من المعسكر ، نيران إتجهت بها الرياح نحو المعسكر . وكان العدد الموجود في المعسكر في ذلك الوقت عدد قليل ؛ وعندما علم الشريف بالخبر ، وقف في أعلى التل كالطود الشامخ ، مخاطبا لنا : "أنتم إخواني .. أنتم أبنائي .. أنتم أبناء السودان .. لا !! أنتم السودان كله ؛ أنتم النواة الخيرة ؛ هيا حملوا السيارات ؛ هيا أنقذوا الأشياء المهمة ؛ هيا إبتدوا بالمتفجرات والذخيرة" . وأخذ يوجهنا ويدعوا لنا : "الله يعينكم؛ موفقين بإذن الله"؛ ثم أمر الأخ/ بابكر العوض مع مجموعة ، ليتصدوا لسرب من النار اقترب من المعسكر . فكنا نسمع صوت الأخ /بابكر وإخوته ، يرددون التكبير: " الله أكبر" ... وفي أياديهم فروع الشجر الأخضر يقاومون بها النيران .

وبفضل الله .. تم شحن السيارات ؛ وخرجت لمكان آمن . وطلبنا من الشريف أن يرافق السيارات ، ولكنه رفض ؛ وظل معنا .. وهنا إلتفت النيران بالمعسكر من جميع الجهات ؛ وابتدأت تلسعنا حرارتها ؛ والكل يكبر ويهلل ويردد الشهادة . ونزلنا أسفل الوادي . وهنا وسعتنا رحمة الله ولطفه الخفي ؛ إذ سكنت الرياح ، وخمدت النيران . فخرجنا خلف الأخ بابكر العوض ، نردد التكبير ونقضي على النار ، التي اخترقت المعسكر من الناحية الشمالية . وبعد إخماد النار حمدنا لله وعانقنا بعضنا بعضا ، وتحلقنا حول أبينا وأخينا الكبير الشريف الحسين الهندي.

كما ذكرت ... إن الفترة التي مكثها الأخ/ أحمد سعد ، لم يكن لها أي تأثير سلبي على مهمتنا ؛ وواصلنا إرسال السلاح على الجمال ، تحت قيادة الشيخ/ بشرى عويضة مندوب الإمام الهادي .وعندما اكتملت الصيانة الموسمية ، التي تجري عادة بعد فصل الخريف ، لطريق سنار- الروصيرص - الكرمك .. أرسل الشريف للإمام لكي يرسل السيارات ؛ وكان الشريف يتشاور معنا ويطلعنا على كل شيء ينوي عمله. وكنا نعلم أن الأشياء التي يسألنا عنها .. هو يعرفها سلفا ؛ ولكنها الأخوة والزمالة ، والحب المتبادل ، والتربية الرشيدة ، وعدم التسلط والإستبداد بالرأي . فقلنا له : " قلت لنا أن الطريق طويل ، وأن عيون النظام مفتوحة ، وأن الجمال مهمتها محدودة وآمنة ، فكيف بك تريد أن يتم التحميل على السيارات إلى الجزيرة أبا ؟ والخرطوم ؟ ومدن السودان الأخرى ؟ فقال : " أعطوني خاطركم ، وستروا بأعينكم كيف تحمل السيارات السلاح ، وتصل بإذن الله إلى الجزيرة أبا ، وأي مكان نريده في السودان !! ".

وعندما حضرت أول سيارة لمنطقة الحدود ، وذهبنا لتحميلها ، وبعد السلام والسؤال عن أحوال الطريق، وقبل بداية التحميل، قال الشريف: "هل أنتم ستعدون ؟ " فأجاب الجميع : " نعم ! " ؛ قال : " السيارة الأولى يتم شحنها بالقنا " ، فقلنا : " سبحان الله ! من سلاح إلى قنا ؟ " . وبسرعة أجاب : " نعم قنا ! مساهمة منكم في إعمار جامع الكون ، في الجزيرة أبا " ؛ وفهمنا ما يعني الشريف . وقلنا لبعضنا : " عدّل عن خطّة 4،2،4 ... ليتعامل مع عيون النظام بخطة القشاش " ؛ أما السيارة الثانية ، فقال : " إبتدوا بالقنا ثم السلاح ثم القنا مرة أخرى " ؛ يعني لعب بـ 4،2،4 ... وفعلا نجحت الخطة وسارت عملية الترحيل على ما يرام.

وقبل أن تصل نسبة ما سربناه من السلاح إلى 40% ، فاجأتنا أحداث ضرب الجزيرة أبا وودنوباوي ؛ فتوقف كل شيَّ ؛ وتقرر تجميع السلاح من معسكرات ومستودعات الحدود ، إلى داخل العمق الأثيوبي ؛ وإخلاء المعسكر الرئيسي رقم (1) ؛ ونقله إلى موقع آخر بالقرب من أصوصة . وقد كلفت ومعي الأخ/ أحمد مساعد - وهو من ابناء بارا ؛ وهو الآخر قطع دراسته في جامعة الخرطوم كلية الآداب ولحق بالجهاد - وكان نعم المعين لي في تلك المهمة التي كلفنا وأبلغنا بها الشريف شفهيا ، قائلا لنا :

" قررنا أن ترابطا أنتما الأثنان ، في معسكر الرادوك ، لمدة أسبوعين ، لا ستقطاب القادمين إلينا من السودان " . وقال لنا : " في اعتقادي إذا كان محمدصالح عمر، ومهدي إبراهيم ، وعزالدين الشيخ ، وعبدالمطلب خوجلي ، على قيد الحياة ، أول من يصلوا إليكم لأنهم يعرفون الموقع .. والسلاح ، والذخيرة واحتياطي .. تكون معكم سيارة لاندروفر أخرى ؛ وسنكون على اتصال بكم ؛ وكلنا ثقة فيكم ؛ وأنتم رجال نعرفكم حقا ؛ ومع السلامة .

إستشهاد الإمام الهادي وانتقال قيادة الجبهة إلى جدة

في مساء اليوم الذي غادرونا فيه ، سمعنا من إذاعة أم درمان ، بياناً يعلن إستشهاد الإمام الهادي ، وبعض مرافقيه . وفي صبيحة اليوم ، حضر إلينا في السابعة صباحاً الشيخ/ حسين - وهو شيخ قرية على الحدود - وأخبرنا بتفاصيل الحادث . وفكرنا في عمل كمين ، لقطع طريق الكرمك الروصيرص ، لتخليص وتحريرالأسرى المعتقلين ، ولكن علمنا أنهم أخذوهم لمطار الدمازين فوراً ومنها للخرطوم.

في نهاية الأسبوع الأول ، وصلنا في مقرنا بالمعسكر ، الأخ المجاهد/ مهدي إبراهيم ، وشرح لنا تفاصيل ما حدث بالجزيرة أبا وربك ؛ وعلمنا منه إستشهاد الأخ المجاهد الشهيد/ محمد صالح عمر ، وكيف دفن ومن معه في حفر من قبل الجيش . وعندما عرف الشريف بوصول مهدي إلينا ، جاءنا مسرعا ؛ وجلس معنا حوالي نصف ساعة ، وأخذ معه مهدي ؛ وطلب منَّا مواصلة الرباط حتى نهاية الأسبوع الآخر؛ وقبل نهاية المدة بيومين ، وصلتنا تعليمات منهم أن نخلي المعسكر ، ونلحق بهم فوراً ... وقد كان.

وعند عودتنا إلى أديس أبابا ، عقد الشريف الهندي إجتماعا عاما ؛ حيث تحدث قائلا : " الحمد لله ... إن الجميع قد أدوا واجبهم على النحو الأكمل ؛ ولكن إرادة الله فوق الجميع ؛ وسنعيد حساباتنا ونرتب أمورنا ؛ ونحن على استعداد لتنفيذ رغبة أي فرد ؛ سواء كان يريد الدراسة ، أو التجارة ، أو مواصلة العمل من الداخل " . وقد أطلعه الجميع على رغباتهم ، التي نفذها فوراً.

وبحكم معايشتي الشخصية ، وملازمتي والتصاقي به ، فإن الشريف رجل عرفناه ، مسلما مجاهدا، ومناضلا وطنيا، فوق الصفات الحزبية والأسرية؛ وقد سمعنا منه الكثير؛ وتعلمنا منه الكثير... وإن كنا طلاب مرحلة أولية في مدرسته الكبرى.

رحمه الله رحمة واسعة ، بقدر ما قدم لأمته ووطنه .

محمد سليمان بابكر



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 18-03-2008, 07:31 AM   #[41]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

علاقة الزمالة والصداقة الحميمة بين
الشريف الحسين والإمام الهادي المهدي [/align]






يقول الشريف حسين في مذكراته عن هذه العلاقة عند وقوع إنقلاب مايو:

وفي مساء يوم ما، حضر إليَّ ( م ) وقد أخفى الشريف اسمه حماية له من إرهاب نظام مايو وبطشه ،وكان أحد ملازمي الإمام الهادي المقربين ، موضع السر ومحل الثقة ؛ وهمس في أذني : " يقول لك الإمام ، إذا بللت رأسك للحلاقة ، فاحْـلِقه عندي في الجزيرة (أبا) .

كانت صلتي بالإمام الهادي قوية وثابتة ، لم يؤثر عليها مرور عشرات السنين ؛ ولا عبور العديد من المشاكل ؛ ولا اختلاف الانتماءات السياسية . وكان تقديري لصفاته الخلقية ، ولدينه ووطنيته واستقامته وأمانته ووفائه ، وليدة التجربة المستمرة والمعايشة الدائمة ، منذ أن كنا أطفالا ؛ وكان يكبرني ببضع سنوات .. ولم تكن وليدة الاسم ولا اللقب ولا الأسرة ؛ بل هي ثمرة التجربة الطويلة المتواصلة والاختبار اليومي ، في صِغار الأمور وفي كِبارها .. خلق بيننا ثقة متبادلة ومحبة متواصلة .

وكنت أعرف أنه المتدين ليس بالوراثة ، والأمين ليس بالأسرَة ، والوفيَّ بغير اللقب ، والشجاع لا بالولادة ؛ بل بالمعدن والأصل والطبع والخلق . وكنت أعيش مشاكله وآلامه ، وآماله ومثله وقيمه كما لم يعشها ؛ ولم يعرفها أقرب الناس إليه من أفراد أسرته . وأستطيع أن أؤكد بالأمس واليوم وغداً ، أنه منذ الإمام المهدي وإلى اليوم ، لم تلتحم جماهير الأنصار بشخص ، أيقظ فيها نفس الشحنة الدينية التي صنعت (المهدية) ، ولم يعاشر الأنصار من يقاربه تدينا والتحاما بهم ، واقترابا بمشاعرهم مثله ؛ وليس بذلك غرابة .. فقد كان تدينه الفطري ، واستقامته الغريزية ، وامتزاجه بالبسطاء الطيبين - رهبان الليل وفرسان النهار- المتهجدين آن السحر ، والمتواجدين لدى "راتب الفجر" ، التاركين متاع الدنيا ، وملذاتها وصغائرها وراءهم ، والمستقبلين رضاء الله ؛ الساهرين في سبيل مرضاته ، الخبيرين بلقائه ، والمستبشرين برضائه ؛ والباذلين النفس والنفيس في نصرة دينه . كان هؤلاء هم أحب البشر إليه ، مما جعله مثلا لفرسان عصور الإسلام الزاهرة، وبقية السلف الصالح، الذي انقرض منذ عهود غابرة.

وكنت مستودَعا لأدق أسراره ، وشريكا أصيلا وفيَّاً له في مساره ؛ ولذلك .. فلم استغرب رسالته ، بل أسرعت لتلبيتها لأقف بجانبه ؛ وحتى لأموت دونه أو معه ، وبلادنا تمتَحَن في دينها وكرامتها واستقلالها ؛ فأنا أعرف مشاعره وتصرفاته ، ومواجهته لمثل هذه الامتحانات القومية المصـيرية ..

لو لم يكن للجزيرة (أبا) دور في التاريخ ، غير أنها كانت مأوى لكل مواطن شريف ، لا جريرة له إلا أنه ليس من المجرمين، ولا من مرتادي السجون؛ ومع ذلك فهو لا يحس بالأمن إلا إذا دخل الجزيرة(أبا)، وقابله أهلها مرحبين:" أدخلوها بسلام آمين " ؛ ومن دخل الجزيرة (أبا) ، فهو آمـن .. لكفاها هذا الدور في التاريخ - التاريخ الذي أظلت فيه أحرار الرجال وأعراضهم وعقائدهم ؛ وأحاطتهم بحماية من دماء أبنائها من الأنصار.

ونار الضيافة لا تنطفئ فيها ليل نهار ؛ ويقوم بالخدمة فيها على كل من احتمى ، آلاف الرجال والنساء ؛ ويخرج من منازلها عشرات الآلاف من أواني الأكل والشرب ملأى ؛ وتفرش فيها آلاف الأسِرَّة ؛ وتجد فيها وحدها - دون كل أرض السودان - بشاشة السودانيين وأخلاق السودانيين؛ ودينهم وكرمهم وإيثارهم على أنفسهم، ولو كانت بهم خصاصة .

سوف يسجل التاريخ أنه لقرابة عام كامل ، كانت الجزيرة (أبا) هي السودان .. كما نعرفه ونحبه وننتمي إليه؛ وبقي كل السودان غريبا عنا .. الأحرار فيه هم السجناء ، والمجرمون فيه هم الطلقاء ؛ ليس فيه مكان لأبنائه المخلصين البررة ؛ وأصبح البقاء فيه احتواءا جغرافياً ، وليس انتماءا وجدانياً وعاطفياً . وبقيت الجزيرة (أبا) .. إمامها البطل .. أنصارها المخلصون البواسل .. نساؤها ، أطفالها ، شيبها ، شبابها .. هم كل السودان ، وكل ما يمثل أهل السودان ، من نبل وكرم وشهامة وحماية.

بقيت هكذا .. ولجأ إليها واحتمى بها كل مقهور؛ فلم يسئ إليه أحد ؛ ولم يعبس في وجهه أحد ؛ ولم يبت فيها أحد على الطوى ؛ ولم تمتد إليه يد السلطة الغاشمة المستبدة . بقيت هكذا حتى تجمعت ضدها كل قوى الشر والعدوان ، ودافع أهلها عنها دفاع الأبطال . وأساطير شجاعتها مشاعل للتاريخ ؛ كافحت العدوان في البحر والجو والبر؛ ومن قوَى تفوقها عدداً أضعافا مضاعفة ؛ ومن عدة دول لا دولة واحدة.

وسأكتب في مذكراتي ، عن معركة (الجزيرة أبا) ؛ ويومها سيتضح لكل من يعلم : أنها إحدى ملاحم الصمود والشجاعة التي قَلَّ أن يسجل التاريخ مثلها. والذي أريد أن أسجله هنا .. أنه يوم فتحت الجزيرة (أبا) ، لم تســقط هي ؛ بل سقط كل السودان .. بتاريخه ودينه وخلقه وقيمه ؛ فلقد ظلت هي السودان مكبراً ومصغراً ، صامدة عاماً كاملاً ؛ في داخلها السودان كله : المؤمن الوطني المسلم ؛ وفي خارجها جسم غريب لا ينتمي للســودان ، ولا لأهـله ، ولا لكل ما يمثلون من أخلاقيات بشيء.

توقفت في الخارج مدة من الزمن ، أتأمل في اللاجئين من النظام ، من مختلف الاتجاهات ؛ وأتأمل في الحركة الدائبة لخدمتهم . وفي هذه اللحظة وصل السيد/ الإمام الهادي ، إلى الجانب في دار الضيافة ، الذي كنت أجلس فيه . تقدم إلى كعادته يطأ الثرى متمهلا ، والبِشر والبشاشة ينضحان من وجهه ، الذي يتألق بنور من الهدى والتقوى؛ والابتسامة المخلصة الوضاءة الوقورة، تسابق يده الممدودة في مودة لمعانقتي.

كان هادئا وعاديا على غير ما يقتضي الموقف ؛ وكنت أتوقع ذلك منه ، فلقد شاهدته وشاركته ، في مواقف عديدة عصيبة وشائكة ، مثل هذه من قبل ؛ ولكن كان هناك شيء جديد في عينيه ؛ فيهما عمق وإصرار أكثر مما كانا يمتلئان به، في مواقف مشابهة مستعصية .. وأدركت لتوِّي مدى اهتمامه بالموقف وقياسه له، ولم ينتظر. فكما قيل ، فليـس هناك أمور تشرح أو تحلل .. كنت قد شرحت له الموقف في الخرطوم ، ومحاولاتي لمنع الانقلاب . كان مهتما ويساعد مجهوداتي لثقته المطلقة فيَّ ، وكنت قد حددَّت له هوية الانقلاب قبل أن يحدث؛ ولذلك فلم يضع وقتا في الحديث والتفت إلى قائلا :

" إنني لا أعتبر نفسي مسلما ، إذا عشتُ وارتضـيتُ حكما ملحدا؛ وكــذلك لن أعــايش حكما غـير ديمـوقراطي ؛ ولن أقبل حكما عسكريا ".

وكان واضحا أن اهتمامه بالناحية الدينية أكبر؛ ولم يكن هذا جديدا على وليس غريبا عليه ؛ ولم نتناقش طويلا ، إذ كانت وجهات نظرنا متطابقة؛ ونظر إلى يسأل سؤال من يعرف الجواب، وقد حدده سلفا: " ليس هذا مثل حكم عبود ؛ وسنضطر للدخول في مواجهة مسلحة " . قلتها والألم يعصر قلبي ؛ وقال :

" لقد توقعت هذا الرد وليس لي رأي غيره ؛ ونحن ملزَمون شرعا ومضطرون وطنيا " ..

والتفت إلى وقد زاد ذلك البريق في عينيه اشتعالا:

" إن هذا موقف يحتاج لأمور لن يسـتطيع غيرك القيام بها وأنا لا أقصد طلبا في كلامي هذا ؛ فأنا واثق أن هذه قناعتك " .

ثم تكلمنا عن وجوب وجود تنظيم جبهوي لمواجهة الموقف ؛ واتفقنا على ذلك ، وأضاف : " إن هذه عادة قد استنها الأئمة في أزمات قومية ، ولذلك فأنا موافق على ذلك إن معركة الجزيرة (أبا) الحربية ، وغزوها بكل أنواع الأسلحة الحديثة ، والدول التي تحالفت عليها ، وشهداؤها الذين قابلوا الرصاص بالسلاح الأبيض ، وصدورهم مفتوحة للموت ، والذين دفنوا أحياء وهم يحملون القرآن في قلوبهم ، وفي أيديهم وفي ألسنتهم ... لها باب خاص في مذكراتي هذه . أما أيامي التي عشتها فيها قبل الغزو ، فهي أيام خوالد في تاريخي ، وفي تاريخ الرجولة وأخلاق العروبة ، ليس لها مثيل ....



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-03-2008, 05:49 AM   #[42]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]
هو السودان تاني بيتحكم ؟ (الشريف حسين الهندي)
أعباء الدعم الخارجي وسياسات "المباصرة" بين الأشقاء الألداء
وتصب انتفاضات الهامش في حياض الديمقراطية

عبدالماجد محمد عبدالماجد [/align]



ظللت أرقب النذر وأديم النظر في علامات الساعة :ساعة التغيير الذي يطمح الجمهور في تحققه في لبوس جديد نوعا وجوهرا وهو ما يحذره القدامى ممن لا يروق لهم إلا ما اعتادوا على تسويقه من سلع يعيدون إنتاجها - دوما - ولكن بنفس المقاييس والمواصفات ويصرون على تغليفها (غرطستها) في ورق أكثر لمعا وأشد بريقا .

ولا أخفي أن كثيرا من الحذر والخوف اصطحباني في مراقبتي هذا الأمر وأولها التخوف من محاولات إبطال ثورة حلة البخار (البريستو): إنها ستنضج الطرفين كليهما خلسة بنار ليس لها ضرام ( وقد تصهرهما وتكسبهما نضجا رويدا رويدا) : طرف الجالسين على كرسي البارود يتحسسون كل ذبال وفتيل من حولهم فرقا من الشرارة وذعرا من ألسنة اللهب ، أما الطرف الآخر فيرابط في سكة المعارضة يعترض على الغاشي والماشي ويسائل: " من أين جاء هؤلاء". وأضرب المثل بمن عرفت ورافقت انتماءً . سمعتها والله ، بأنبوب أذني اللتين يحثوهما غدا الرمل يوم ألحد في حفرة اسمها "بكرة الدود بياكلنا".

قالها رأس من عجزوا عن حفظ الوصية. كان الحسين الهندي رحمه الله يوصي باستمرار: (عضوا على القضية بالنواجذ) وفي المجالس المغلقة كان يقول : (هو السودان تاني بيتحكم؟!) وكان ذلك قبيل رحلته للحج ومغادرته لمؤتمر خالكيزا باليونان حيث فاجأت فيه المنية. ومنهم قلة تعزت بأن السودان ليس بعقيم (عفوا ، الحزب ليس بعقيم), وبقي الأمل في المؤتمرين وحفنة من عصاة الداخل. ولكن يكثر بينهم من يحب الكلام أو يدمن الطعام أو يرى من تمام الزينة الحلف بالطلاق (وهو يفسر غياب مخز لدور المرأة في ذلكم الحزب، وكيف وهي ترى نفسها يقايض بكرامتها ويستهتر بقيمتها في جلسات الونسة السياسية وولائم ما قبل الاجتماعات حيث تقرر المصائر قبيل إضفاء شبهات الشرعية عليها في لقاءات ومؤتمرات وهمية (وسوف يأتي دور هذه إن شاء الله)، قرفت المرأة فبحثت عن حقوقها في تنظيمات أخرى (والمكضب يعمل إحصائية)). وقرف العمال وقرف المزارعون أو قل لم ينظر لهم كقوة فاعلة في المجتمع كما فعل اليسار في البدء – على سبيل المثال – و الجبهة لاحقا (افتقدوا الناس حين لم يفتقدهم المعنيون إلا يوم الاقتراع – ويكفي أن يقال: "الفقدك ما حقرك").

تبدو كلمة الشريف حسين " هو السودان تاني بتحكم؟" تبدو ملتبسة وقد يرى فيها بعض المنزعجين من صحوة الأطراف (الأقاليم) بأنها تعني تطلع العراة والرعاة أو "مشاباتهم" لاستنقاذ ما ضيّعه المركز - غفلة أو عمدا - من حقوق للناس. ومثل هذا التفسير مسيء للرجل. وقد يستدل به البعض - خطاَ - بأن القبول بالرجل كان لميزة يحملها وراثة. وهؤلاء أقرب للحيران وإن فكوا الحروف عربيّها ولاتينيّها أو أتقنوا إحكام ربطات العنق وأحسنوا أدب المائدة في تناول الطعام بشوكة في اليد اليسرى وسكين حاذقة تستأصل أصفر البيض من بياضه ولا تخطيء .

ومثَلُ من لم ينتفع بتلك الصحبة الكهربائية النادرة من هؤلاء أو يشحذ همته ويشحن قدراته الفكرية والقيادية (وليس الوجدانية الفجّة في حضن الوله ألأبله) مثل من ورد الماء ظمآناً ورجع وهو أشد ظمأً أو كما يقول أهلنا: (كالمرفعين نزل البحر بجنابتو ورجع بجنابتو). أولئك لم يتضح لهم الوجه الآخر لمقالة الحسين (رحمه الله)، وهو قول تفسره كلمة أخرى أكثر من تكرارها : "ماذا نفعل مع جماعات يفتقر معظمها للمؤهلات والمقدرات ويصر كل من أفرادها بأحقيته في قيادة العمل السياسي؟ّ" وكأنه يقول :"جاطت" أو " هزلت حتى بدا منها كُلاها *** وحتى سامها كل مفلس" وحاشاه يتفوّه بمثل هذا فقد كان عف اللسان. وكان يلح في النصح بالخروج عن التشرذم. ولم يعدم من يذكره بأنه ليس بمستثنىً من تحمل جزء من مسئولية ما آل إليه الأمر. وهذا حديث يطول ويستحق معالجة منفصلة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن ذلك النقد لم يخل من بعض قسوة أو ظلم:

فالرجل لم يخف أن كاهله كاد ينوء بأثقال غالب طبقة المثقفين المخضرمين من حوله وامتلائهم بالذاتية والاستعلاء وغيرتهم من الجيل الصاعد وحنقهم على قيادات بالداخل من جلابة السوق ممن اتخذ من المعارضة سبيلا للازدياد برغم تفرد فئة منهم بروح ثورية نادرة واستعداد للنزال والتضحية ممن لا يلين عزما أو يهن همةً وإن نحل جسدا واشتعلت منه الرأس شيبا (وخلا كتابه من برامج شاملة؟).
غير أن ما كان يقلق الرجل وحفنة معه (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) ظل يتحقق باستمرار: تفاقمت الانقسامات وازداد التشرذم واستفحلت الخصومات الشخصية لتشرخ الحزب شروخا غائرة أضعفت جميع أطرافه واضطرت فئات كثيرة للارتماء في أحضان الألداء أو الانقياد الأعمى للأقوى من الحلفاء وربما الاستكانة الكاملة و الذوبان في فكر الشركاء.

وليس هذا كله بجديد. بدأ الاضمحلال منذ اضطرت المعارضة للهجرة للضغط على الأنظمة من الخارج (وهي هجرة مشروعة كان يمكن لها أن تثمر أكثر لو كانت انطلقت من أراض تنعم بالديمقراطية. ولكن، وللأسف تعرضت المعارضة في الخارج لضغوط ولإملاءات ومحاولات اختراق كثيرة إضافة لاختراقات في الداخل من قبل الأنظمة نفسها، فجند البعض حتى خان ومرق وآخرون روٍّضوا أو استؤنسوا. وهو السبب الذي أدخل المعارضة الاتحادية في أزمة مع شريكيها العربيين مما اضطر الحسين رحمه الله لنقل القيادة السياسية للندن والإبقاء على العسكريين في الصحراء لا سيما وأن النظام الليبي كان جوادا بالسلاح (كما سمعت منه) ولكن الاختلاف في الرؤى السياسية كان مصدر إزعاج شديد أدخل القيادة في مأزق ما كان ليسوسه إلا حاذق لبيب كان يمكن أن يدفع حياته ثمنين: ثمنا لاختلافه مع نظام الخرطوم وثمنا لاختلافه مع الحلفاء المضيفين. وللتاريخ نشهد بأنه ما كان على وفاق كامل أو ود شديد مع البلدين وإن الطواف بجثمانه عبر الأجواء لم يكن إسداء عرفان للمضيفين كما قيل بقدر ما كان تخويفا (وتلويعا) لنظام الخرطوم وربما قصد غير ذلك كاستدرارٍ أخير لموارد جففها الموت).

والحق إن الحزب لم يتدحرج للوراء – في ما أحسب – كما تدحرج في تلك الفترة فقد استخدم الدرهم بشح شديد وتقتير أشد لتحجيم الحركة الاتحادية الجديدة. وزرعت فتن بين قياداتها ولكنها استطاعت كشف التآمر ومحاولات إضعافها تارة بالتشكيك في الأمانة وتارة بوضع العراقيل أمام تحرك بعض ناشطيها. والمثل على ذلك انعقاد بعض المؤتمرات لإصلاح ذات البين سرا ليس خيفة من النظام ولكن حذر الحلفاء. عروبية الحزب الصارخة (برغم توجهه الليبرالي) جرت عليه أدواء العروبية الشمولية المزمن .ولم يشفع له إيمانه بالمؤسسية الديمقراطية، بالعكس، فقد كان ذلك النزوع نحو التعددية وبالا عليه. ونستطيع القول أن الدور الاتحادي في مؤتمر الصمود والتحدي أصاب بعض الحلفاء بالذعر من انطلاقة عروبية تؤمن بالديمقراطية التعددية. وما كان مثل ذلك التطور شيئا يراد من أولئك الشموليين الذين شرعوا في عملية الإضعاف, ويعاونهم الأجل.

ومن حاضرة الرشيد كان العون يجيء بمقدار ولكن أصابع القطريين كانت تضغط بشدة على أزرار التحكم في الحزب مع الحرص على إبقائه حيا لأن في استمراره ضعيفا شرط تمددها في رقعته وانتشارها على أرضه.(وبالدوغري: يريدون نشل الحزب مثلما يتوسم آخرون ويعشمون).

لعله اتضح لك الآن شيء من عوامل ضعف الاتحادي ومسببات انحساره وتستطيع أن تلمح ما جعل ولوج الآخرين مداخله سهلا ويمكن إجمال ذلك في خلوه من الأطر التنظيمية واعتماده على القيادات الفذة (فإن لم تولد هذه القيادة توجب عليه انتظارها بالتشبث بأي قيادة طالما ادعت نسبا مميزا). هذه العروبية التي أجبر عليها لما هاجرت قيادته وهرع إليها شطر منه طائعا مختارا لما في قصر الرئاسة وبقي الشطر الآخر يناور من أجل شراكة مماثلة ولكن الشطرين لم ينفضا عنهما غبار الشحناء التاريخية وإن بحت أصوات كثيرة بنبذ الفرقة والخلاف والجلوس لرأب الصدع. وغريب حقا أن لا يلأم الشطران خلافهما ولكن ليس بغريب أن يشاركا خصمهما الذي يحمل شعاريهما الأساسيين ( الإسلام والعروبة) سواء كان ذلك قبل التوالي أو بعدها. ولك أن تتساءل عن اختلافهما في الإيمان بالتعددية ولم لا يقف عائقا أمام تلك الشراكة. ونقول أن الديمقراطية كان التنصل منها أخذ شوطا بعيدا وأنها منذ البدء أخذ من مظهرها أكثر مما أخذ من جوهرها وإن الشكل الديمقراطي الذي ينادى به اليوم (طوعا أو كرها) ربما كان هو الأكثر ملاءمة لتطلعات الشعب السوداني.

فاليوم نحن اليوم نسمع مصطلحات جديدة (تنمية، توازن، اقتسام سلطة، اعتراف بالآخر، قضايا الجندرة وحقوق الأطفال .... الخ) كانت شبه غائبة أو مغيّبة. ولقد كان هذا الغياب من جملة الأسباب التي حدت بالكثيرين على الترحيب بالانقلابات أملا في تحقيق إنجازات تغير مجرى الحياة اليومي بعدما سئم الناس ثقافة الكلم الرطب والخطب الرنانة.

ثمّة عامل آخر ساعد في اجتذاب الأحزاب الليبرالية (أفراد أو جماعات) نحو مضيفها الحالي (شريكهما), وهو قدراته التنظيمية المتفوقة ومهارته في توفير أهم عوامل المنعة والقوة: المال مع القدرة على تحصيله وإنمائه. وقد تحصنوا به وبذلوه وجعلوا منه مخصصات للمجموعات المشاركة لأجل إبقائها حية (ذات نفس يعلو ويهبط ولكن على السرير) . هذه الحياة السريرية ضرورية للإبقاء على الشكل و اتقاء ما يجلب ضيقا أو "عكننة". أما الجمهور فيسهل تخديره أيًرخى له ويًشد بحسب الظرف (ومنه الحوافز التي تمنح للعمال والموظفين والتي يشاع أنها أحيانا تتجاوز الراتب الأساسيّ، والله أعلم).

ودليل قلق الشريك الأكبر من علل شركائه استدعاء رأس مجموعة من مجموعات شراكة التوالي لمناقشة خلافات حزبه الداخلية مع أخطر شخصية سياسية على الساحة كما يطلق عليه بعض أعضاء الحركة الشعبية قبيل نيفاشا. لعله قلق من شدة الاعتلال (الجماعة ديل الحقوهم ،عايزين يموتوا لينا في إيدينّا ولا شنو ؟) ولا يستبعد أن يستبد القلق أيضا إذا نعمت هذه الأحزاب بتمام الصحة وكمال العافية فالشراكة القوية لها مثالبها أيضا لاسيما في ضوء المستجدات وما وًعِد بتطبيقه.

وبرغم ذلك فلا بد من أن نترك هامشا لمزيد من القراءات كأن نستمع لمن يرى أن المؤتمر الوطني لا يرى خلافا برنامجيا بينه وبين الاتحادي تحديدا وبالتالي فاتحادهما أو ذوبان أحدهما في الآخر غير مستبعد إن لم يكن متوقعا. ذهب المؤتمر الوطني بعيدا في تنفيذ برامجه الإسلامية والعروبية وقطع شوطا في تنقية الأجواء مع الحليف الاتحادي الاستراتيجي (مصر) وبدأ في الدنوّ مما علا به الصوت الاتحادي حتى كاد يضج به الفضاء: "الديمقراطية" وفوق ذلك وقع اتفاقية سلام ذات بنود تنص على مزيد من التطور الديمقراطي والخروج به من الشكل إلى المضامين ليشمل الاقتصاد والبناء المتوازنين واعترف بحقوق الأقليات والمستضعفين (وتشكر الحركة الشعبية وانتفاضة الأطراف (وأرى أن البرمة ما زالت تغلي)). لا غرابة إذن في الاحتفاء المتواصل بالأزهري من قبل النظام الحاكم الحالي وبإكثار رئيس الجمهورية من ترداد اسمه في معظم المناسبات مما قد يحسبه البعض استهلاكا أو قطع للطريق أمام الجناح المعارض. ولا غرابة أيضا في اتخاذ الشريف زين العابدين الهندي موقفه المعروف مع النظام للدرجة التي جعلت الكثيرين يظنون به الظنون ويحيّرهم تفسير موقفه وبخاصة على خلفية زهد شهد عليها الكثير من الناس. وأحسبها قناعة مؤسسة على قواسم مشتركة ( متطابقة؟). ولعل الجناح الآخر لم يستبن ذلك إلا مؤخرا أو كان يعلمه، ولكن يساوم فتستعصي عليه المساومة مع طرفين يتأففان من الطائفية ( وإن قبلت في بعض المراحل كرها أو اضطرارا) .

ولا فكاكَ من الطائفية السياسية في السودان على المدى القريب ، في تصوري. ذلك لأن الطائفية السياسية هي الإفراز المنحرف لأسّ البعد الإيماني المقوّم للعقيدة الدينية والذي تشكّل في السودان بصورة محلية أعطت الإسلام نفسه هوية متفرّدة, فلا غرو أن أصبحنا نسمع اليوم كثيرا من المثقفين يتحدثون عن الإسلام السوداني. هؤلاء يتحدثون عن التصوف (ولا غبار عليه لأنه من وسائل إشباع البعد النفسي وفيه ملء وتحريك للحياة الجوانية التي يفتقر إليها إنسان المجتمع المادي البحت (حيث خواء الروح)، ولا أريد الخوض في مسائل البحث عن الحقيقة الحقّة (The really real) في هذا النزوع السوداني الخاص (أو سمّه الابتكار)). أسميته انحرافا ولم أسمه انهيارا أو خروجا كاملا عن مسار ما أبدعه المجتمع السوداني عبر قرون ليست بالطوال. وإذا سلّمنا بأن أي نشاط إنساني (فكري أو عملي) قابل للانحراف وأن كل انحراف قابل للتعديل, نستطيع القول بأن هذا الانحراف يمكن تداركه وبتعديله يسهّل قبوله والتعايش معه, وهذا أسلم وأصح من محاولات التحايل المتبادل على المسير سويا., وهو نوع من أنواع "مباصرة الآخر ومخاتلته", هذه المباصرة صرفت أنظار الحاكمين والطامحين عن مهامهم الأساسية وشغلتهم عن حاجات العباد وصرفت معظم وقتهم لمراقبة ما يدور في الأروقة أو في حضرات الأضرحة والقباب و استنفذت طاقاتهم في محاولات تخمين ما يجري في أذهان الآخرين.

غير أن مراجعة الانحراف الطائفي (أي الميل نحو تحقيق مكاسب للطائفة عبر بوابة القصر (الطمع)) أمر ممكن ولكنه شاق ويتطلب مراجعة مستمرة. ومن أدواته التعليم ونشر الاستنارة الغير معادية والغير متربصة وتحريض الجمهور على وضع يده على مفاصل أدوات التغيير في ما يتعلق بأمور المعاش وبطريقة يمكن أن يتصور معها جموع مختلفة الطرق والعقائد تعمل مجتمعة من أجل المنطقة الجغرافية المعينة بغض النظر عن اختلاف العقائديات والإثنيات. عندئذ – أي بعدما يتحقق شرط إمساك الناس بأزمة الأمور – تكون الطائفة مصدر إلهام للناس وطريق لممارسة شعائر العبادة من شكر وحمد وطلب لمعرفة المزيد وتحقيق الأكثر نفعا. ستكون الطرق من آليات ترقية السلوكيات الفردية والجماعية لشعوب وقبائل تتعارف وتتضافر (تتنافس) لاجتلاب الخيرات ولا تتصارع من أجل الهيمنة فلا نسمع بعدها (شيخي أفضل من شيخك أو أبونا غوث وأبوك نقيب لا غير). هذا أفضل من محاولة إفراغ الطرق (مفرخة الطوائف) من كل مضامينها عن طريق استبدالها بتأويلات جديدة غريبة على الأرض والمجتمع. والكل يعلم مغبة محاولات استيراد فقه البداوة الأولى وتطبيقه في مجتمع شديد الاختلاف عن مجتمع نشأة هذا الفكر المستورد (ولك أن تتصور مبلغ الضرر لو سمح للرؤية اللادنية (من بن لادن) بالترعرع في السودان.

الإسلام لا يحتاج لإعادة نظر والمسيحية لا تحتاج, وكذلك كريم العقائد, ولكن الاجتهاد والتأويل أمران لا مناص منهما لمن يريد أن يعيش حياته في وئام. ولئن لم يحمل أمر التجديد هذا محمل الجد فلا يلومًنّ الناسً إلا أنفسهم في قتل دينهم وما بني عليه انحرافا (بما فيه الطوائف نفسها): سيقول كثير من الناس لا خير في أمر يفرّق ولا يجمع, وسيمرقون. فانتبهوا(وإني ليفزعني خواء الروح ويقرفني الطمع – الكاتب). ولا إجابة عني عن المطلوب الآن سوى نصيحة تهدى لطالبها:

لا مبرر لاختلاف هذه الأجنحة لو كانت ذات برنامج مشترك أوموثق غليظ. فإن قالوا: (لدينا) قيل: إذن لا يمنع توحدكم إلا بقية من حقد أو نار من حسد، ولستم بأهل للريادة ولا استحقاق لكم في القيادة. أين البرامج المعدّة إعدادا جيدا متأنيا لمؤتمر عريض لا تحصر فيه رقاع الدعوة على من يؤمن جانبه من أصحاب البيعة المطلقة والمساندة المسبقة؟ وكفى مؤتمرات عجلة ومكلفتة (كلفتة الإقصاء )).

ولئن رأينا اليوم شيئا من تقدم وبارقة أمل في الشعارات الجديدة والمصطلحات التي لم تكن واردة في الماضي, يبدو لنا أن ضغوط الأطراف الملتهبة كانت عاملا من عوامل إعادة النظر المحمودة هذه. إن تصدى الناس في الأطراف للنضال من أجل حقوق الهوامش المهضومة نتج عنه توجه نحو مزيد من الديمقراطية وصارت أطروحاته تجد قبولا في المركز (وهو محمدة) وقبولا من المعارضين. ولا نقول بأن إدراج هذه المستجدات مجرد انحناء مؤقت لعاصفة طارئة. نعتقد أنه قبول رضا واقتناع برغم ارتفاع أصوات ترتفع هنا وهناك تريد إطفاء هذه النور بأفواهها. أحسب أن جميع الأصوات المعارضة لتوجه السودان نحو ديمقراطية اللامركزية تخفي خوفا من مصالح ذاتية (آنيا أو مستقبليا).

ولا شك لدي في أن الضغط الشعبى كان دائما هو العامل الأساسي في تطور الديمقراطية (حتى في مواطن نشأتها) سواء كان الوسيلة هي الإضراب أو التظاهر أو إرسال العرائض (ولنرجع لمراجعة تطور الديمقراطية في بريطانيا كمثال). وأكاد أكون على يقين بأن حكومة بلا معارضة لن تتقدم كثيرا ، وستترهل لانعدام عامل الرقابة والمساءلة وربما فسدت نهائيا في ظل القبول المطلق، وأحسب أن آذانا في الخرطوم وعت ذلك وأدركته. هؤلاء يمدون في أسباب استمراريتهم بإصغائهم لحس الشعوب واستجابتهم للمطالب العادلة والمعقولة (ومما هو غير معقول تجزئة البلد ولا أرى أحدا جرؤ على رفعه وقد علقته الحركة الشعبية في رقاب الشماليين, وكذلك يعلقه أبناء بقية الأقاليم ممن يحسون هضما).

هذه الحركات الجديدة – برغم ما بينها من اختلافات ستقلص من حجم الغفلة (وربما التواطؤ والتقاعس) التي عرف المركز منذ نشوئه وتخفف من قبضة قاسية قسوة المستعمر المستعلي. وفي اعتقادي أن كل فجاج السودان وقراه ستشهد انتفاضات (ليس بالضرورة أن ترفع كلها الأسنّة، ولا عاقل يدعو له): انتفاضات يسلحها الوعي بالحقوق والواجبات وستحرسها معارضاتها الداخلية ودستور في المركز توصل له بالتراضي ولم يكتب بالإنابة أو الوصاية.

هذه الحركات التي ركبت أسنة الرماح ستركب غدا القلم والورق وتمتطي صهوات الإعلام وإيصال الصوت بكل الوسائل الممكنة. ومن المهم أن نتصور وضع الانحرافات المحتملة:
ستكون انحرافات صغيرة يمكن معالجتها محليا. وسترغم الأحزاب فتنتقل للانتشار من القواعد ويمتنع عليها تصدير النواب. في ذلك اليوم يمكن لكل طامح أن يسعي لتحقيق برامجه بطمأنينة. طمأنينة مردها واقعية البناء من قاعدة الهرم لا من قمته.
إن ما يحدث في بلادنا ثورة
ثورة بدأت من أطرافه وتبناها رجال ونساء في كبد عاصمته وما زالوا يكابدون.
عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة، لعله اتضح لكما الآن علاقة هذه الكلمة المسهبة بعنوانها واعتذر عن الاستطراد الذي حتمته الضرورة. ولست بحاجة للاعتذار عن عدم ضربي أمثلة بأحزاب غير تلك التي عايشتها وادعي أنني ملم ببعض خباياها.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-03-2008, 07:01 AM   #[43]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center][/align]



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2008, 07:57 AM   #[44]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

[align=center]الوطنية والقومية .. في فكرالشريف حسين الهندي
بقلم : محمد عبد الجواد
[/align]

لاريب أن أبرز الملامح التي تميَّز بها فكر الشهيد المناضل/ الشريف حسين الهندي، هي إلحاحه المستمر على عروبة السودان؛ واعتبارها أساسا متينا للوطنية السودانية ؛ ودعامة راسخة من دعائم نشوئها وقوتها واستمرارها .. وتصديها لأعدائها.

وقد كان لهذا التأكيد - على ارتباط العروبة والإسلام في صياغة فكرالفقيد - أثره الحاسم في بلورة عقيدة الحزب الإتحادي الديموقراطي .. سواء على الصعيد الوطني الداخلي ، أو على صعيد علاقاته بالقضايا المصيرية ؛ التي نظر إليها المناضل الشريف حسين الهندي باستمرار، على أنها مترابطة، لايمكن التعامل مع جزء منها، وإهمال الأجزاء الأخرى؛ والدليل الذي لايُدحض على ذلك، أن الزعيم الراحل كان يرى في قضية السودان، مظهراً مكملا لقضايا العروبة ، من الخليج إلى المحيط .

وبهذا الإعتبار.. فالقضية السودانية والقضية الفلسطينية وقضية عروبة الخليج ، كلها وجوه لقضية عربية واحدة . إلاّ أن العروبة في فكر الشريف ، تكتسب وجهها الإنساني الشامل والبعيد عن الأدواء ، التي يحاول الشعوبيون دائما - سواء في تاريخ العرب القديم أو في تاريخهم الحديث - أن يلصقوها بهذا المفهوم الحضاري ؛ الذي يؤكد رافعوا رايات القومية باستمرار.. أنه إسناني غير عدواني وغير متعصب . وبالتالي .. فإنه يختلف عن النزعات (القومية) ؛ أي النزعات القومية العدوانية أو المصطنعة اصطناعا ، على حساب القوميات الأخرى . ومن هذا المنطلق يقرر الشريف بوضوح لالبس فيه : " نحن قوميون ونحن نؤمن بالقومية العربية .. لا نؤمن بها لوناً ولا نؤمن بها عرقا . نحن نؤمن بها حضارة .. ونؤمن بها لسانا .. ونؤمن بها قومية إنسانية إسلامية ليست عدوانية .. تعيش على الرضا والقبول والإحترام .. وتعيش مع القوميات الأخرى وتنصهر معها ؛ فنحن لذلك نؤمن بوحدة الأمة العربية ".

وبهذا الإعتبار ، فإن نزوع الشــريف حسين الهندي .. القومي ، نزوع إنساني الوجه ، إسلامي اليد ، عربي اللسان . فالقومية العربية عنده لحمتها الإسلام ، وسداها الإنسانية جمعاء ؛ وترجمتها الإجرائية : هي الوحدة العربية الشاملة من المحيط إلى الخليج . كما أن المناضل الشريف حسين كان من جهة أخرى ، يرى في هذه الترجمة - الإجــرائية للقومية العـربية - بعدا عمليا حدده بجلاء ، حين قال : " إن مشاكل الأمة العربية الإقتصادية ، أوالنضال ضد الإستعمار ، أو ضد الصهيونية ، إنما تُحل عن طريق الوحدة العربية ".

إذن .. فالقومية العربية ، هي العصب الحي في فكر الشهيد المناضل ؛ والترجمة العملية لهذا المذهب الإنساني ، هي الوحدة الشاملة . أما البعد العملي للوحدة العربية ، فتتجلى في ما يشتمل عليه من إمكانات هائلة ، قمينة بأن تجد الحل المناسب لمشاكل الأمة العربية . ومن الناحية الإقتصادية ، أومن ناحية التصدي للاستعمار ، أوالنضال ضد الصهيونية تحديداً ، وأكثر من ذلك .. فإن الشريف حسين الهندي يشير بدقة ، إلى تفاصيل المشروع القومي الذي ينضوي عليه فكر الحزب الإتحادي الديموقراطي ؛ عندما يقول بوضوح : " موقفنا هو وحدة الهدف لاستخلاص أرضنا المستلبة ، وحقوقنا المهدورة ، وخصوصاً في فلسطين والقدس . أما موقفنا من القومية العربية فنحن معها " . وردا على الذين لم يدركوا أن القومية العربية ، رسالة للإنسانية تهتدي بهدى الإسلام ، وتخاطب مختلف السلالات ، فإن الشريف المناضل يؤكد : " أننا لا نعتقد أن القومية العربية ناقضة لوجودنا الأفريقي ، فنحن المصير الحقيقي للإمتزاج بين المنطقة العربية والأفريقية " .

بهذا الشمول وبهده الدقة ، يرسم الشريف المناضل ، ملامح الصورة المثالية لمجتمع سوداني عربي المنزع ، إسلامي القلب ، سوداني الإنتماء. وبهذا الشمول وهذه الدقة ، يحدد أبعاد الفكر الذي يراه منهجا ومنبرا ، للحزب الإتحادي الديموقراطي . وبهذا الحــزب يشــير إلى الهدف الذي يراه ، الهدف الذي لا يُعلى عليه .. إذ يقول :

" إننا وطنيون وسودانيون وقوميون عرب ؛ نأكل أيادينا و نجوع ؛ ولا نأكل قضايا الوطنية والإنسانية " .

بل إنه يشير إلى صميم الغاية التي ينشدها الحزب الإتحادي الديموقراطي ، في نضاله وكفاحه ومسعاه .. إذ يؤكد دون لبس : " نحن حزب الحركة الوطنية ممثل الجماهير السودانية الكادحة العريضة ؛ من عمال وزراع وطلاب ، ومهنيين وفنيين ، وجنود وتجار ومثقفين . نحن أصحاب الأغلبية الجماهيرية الشعبية : في كل مدينة وكل قرية وكل حي ؛ وكل مزرعة وكل مدرسة ، وكل مصنع وكل ثكنة ؛ وكل حضر وريف وبادية .. وكل مغترب . نحن الأمناء والحراس على مسيرة هذا الشعب ومساره ؛ والحفظة على مكتسباته الوطنية وانتماءاته القومية . نحن الإشتراكيون : بالإلتزام نحو قضايا الكادحين من زراع وعمال ؛ ونحن الإسلاميون : بالولادة والفطرة والسجية والغريزة والعقيدة . نحن القوميون : بالمنشأ والإلتزام والإنتماء والتاريخ ؛ نحن الأحرار الديموقراطيون المتحررون فكرا ونضالا ومسارا ؛ نحن المعارضون لهذا النظام منذ ولادته : بالنظرة الوطنية والبصيرة القومية .. لم نحالفه ولم نصادقه ، ولم نهادنه ولم نشاركه ؛ دقيقة واحدة منذ نشأته وإلى يومنا هذا ؛ وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها".

من البديهي - تأسيسا على هذا البعد القومي والاشتراكي ، الذي يرسمه الشريف للحزب منهجا وعقيدة - أن يكون حلفاء الحزب هم نظراؤه في الفكر والعمل ؛ ولذلك فإن التحالف الذي توصل إليه الشريف المناضل ، لابد أن يكون تحالفا مع العروبيين ، الذين اختاروا العروبة منهجا ، والقومية انتماء .

وبالتالي .. فإن من المنطقي أن يقول (في مبررات التحالف مع حزب البعث العربي الإشتراكي - القطر السوداني : " أن هذا التحالف يقوم على ركيزتين " ... يحددهما بقوله :

" أولاً وطنياً : جميعنا نعارض هذا النظام ، ونتفق اتفاقاً كاملا وأساسيا على إسقاطه وإزالته .

وثانيا وقوميا : مع القضية العربية ، وخصوصا القضية المركزية في فلسطين ؛ موقفا محدداً؛

ذلك أن هذا التحالف هو : " في خدمة المصلحة الوطنية في السودان، وفي خدمة المصلحة
القومية للأمة العربية ، ونحن نعمل في تنسيق وطني وقومي ، لإنجاح الأهداف المقدسة للتحالف".

والواقع أن التحالف الذي يشير إليه الشريف المناضل ، هو الذي يقدِّم البديل القمين بإنقاذ السودان من الكابوس ، الذي يرزح تحت عبئه منذ انقلاب مايو المشؤوم . ذلك أن هذا البديل : هو التنظيم .. بل إنه بلغة الشهيد : " سياسة شعبية جماعية لإنقاذ البلد ؛ وليس رجلا واحداً يشار إليه بالأصبع ، أو يُسمَّى بالإسم ؛ البديل هو : حكم وطني وقومي .. لإنقاد البلاد ".

أما الأساس الذي تتمحور حوله قضية الســودان - وطنياوقوميا - فهو معروف في فكر الشريف : إنه الموقف من النظام العسكري الفردي المتسـلط .. القائم في الســودان ، بوضوح وجلاء . ولهذا فهو يقول في واحدة من عباراته ، التي لايستطيع المرء أن يكف عن ذكراها وتكرارها : " إن أصبعي أو يدي أو ساعدي هذا ، إذا وقف مع النميري في مثل هذا الحكم الذي أرى ، ســأقطعه وأتبرأ منه .. حتى لن أُبْرِىء جرحه ؛ وإن أبي إذا بُعث حيا ، ســأقاطعه إذا وقف مع النميري ؛ وأن أي أخ من إخوتي ، إذا وقف مثل هذا الموقف ، فموقفنا منه موقف حاسم .. والعداء بيننا وبينه " .

لهذا انتصر الشريف .. ولهذا سينتصر فكره . لهذا وذاك .. سيحقق الشعب السوداني حلم القضاء على النظام المنهار في الخرطوم . وليست هذه أمنية الثوريين من خلفائه وحلفائه فحسب ، وإنما هي برنامج العمل ، الذي صاغه فكر الشريف حسين الهندي . ونحن على هديه رافعين لراياته ، حتى يتحقق النصر المؤزر ، على قوى الرِّدة والظلام ؛ وأن الصبح أقرب (إليهم) من حبل الوريد ..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2008, 08:12 AM   #[45]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

احقاً مات الشريف ؟ أحقاً خلت منه الساحة ؟

بقلم: صلاح احمد ابراهيم
مجلة الدستور[/align]


هكذا نقف بإزاء المنية - مستهولين غير مصدقين - من حيث لا ينبغى لنا ، وكم رأينا مصرع كبير وعزيز ولو كان موت فقيدنا الراحل موت شخص عزيز وحسب ، لأسينا وحزنا ثم عدنا لواجبات الحياة باعتبار ماحدث جرحاً شخصياً وألماً خاصاً . اما ان نفتقد فجأة رجلاْ كان يصنع الأحداث ، وقائداً يحرك الجماعات ، وزعيماً يُرجع إليه ، ورائداً تُنتظر منه المبادرات ، فان الفقد يتخذ أبعاداً تتخطى الشخص الى الشخصية ، والموت يلقي باسئلة تتعدى المفقود الي المفتَقد فلا غرو ان أخذنا نردد (وفي خواطرنا تضطرب الاحتمالات) : " أفي هذا المصاب الجلل بداية انقشاع المأزق ام بداية تفاقمه؟" .. نردد مستهولين غير مصدقين لا من حيث الحقيقة بذاتها ولكن لما سينجم عنها :

احقاً مات الشريف ؟ أحقاً خلت منه الساحة ؟ نحن بنو الموتى فما بالنا نعاف ما لابد من شربه.. ان الحياة قصيدة ابياتها اعمارنا والموت فيها القافية .

اين الأكاسرة الجبابرة الالي كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا

وكما قيل :فان حياة بعض الناس موت ، وموت بعض الناس حياة .. كان رحمه الله رجلاً كبيراً بحق .. وكان رحمه الله رجلاْ كريماً .. وكان رحمه الله رجلاْ حليماً .. وكان رحمه الله رجلاْ مقداماً .. وكان رحمه الله رجلاْ متواضعاً وزعيماً .. وكان رحمه الله رجلاْ ذكياً وموهوباً .

هذا بعض ما اصفه به ، وما وصفته به لأنه مات .. الموت من بعد يستثير النزعة للمبالغة في ذكر محاسن من مات ، ولكن وصفته بما عرفت عنه وبما هو حق وصفه علي المنصف . فالمنحاز بدءاً يبالغ .. ولكن المنصف يشهد .. وصفته بعد مماته بما كنت اصفه به ما اقتضتني المناسبة في حياته ، ووصفته به وانا من يعرف بنو وطنى اجترائى بقول الحق عن كل من تعرَّض للمسئولية العامة وتصدى للامانة ، لم استثن احداً .. ولم اداهن احداً .. لأنه لا غرض لي عند احد. ولا مقصد لي غير الحق .. وفي خلال ذلك اخطىء واصيب وضميرى في الحالتين مطئمن .

كان الشريف حسين الهندي اريحياً وهاباً .. بذل ماله لأجل مجده .. يقضي الحاجات ،ويكلاً المحتاج .. ويقيل العثرة .. ويدعو الجفلي .. بابه مفتوح وقاصده ممنوح .. ويده ندية . وكان الفقيد ذكياً موهوباً .. ذا ذاكرة حفيظة لا تفلت منها الاسماء او الارقام ، خطيباً ذرباً بلغتين .. قوي العارضة قديراً علي التاثير .. محنكاً في مجالي عمله : المال والسياسة ، حسن التدبير .. واسع المصادر باسلوب تميز به وتفرد ..

وكان الشريف حسين رجلاً مقداماً .. يجابه صلداً عند المجابهة، ويلاين مرناً عند الملاينة .. ولكنه دائماً يقتحم الموقف الصعب .. ويتصدى للمأزق الحرِج .. ملء العين والبصر؛ لم يقصِّر فى نشاطه الاعلامي والعسكري والتنظيمي .. بعزيمة صادقة؛ فاذا هو بمفرده جيش عرمرم يضرب القدوة في المثابرة والمصابرة والتحدي؛ لم يرأف علي نفسه ولعل ذلك بعض ما اودى بحياته وهو فى ذروة العطاء .

فمضى الشريف حسين الي رحاب ربه .. بعد ان ترك من بصمات العمل القومى والحزبي ما يصعب تكراره .. ولندع صلاح ذلك الكاتب والمقاتل العنيد الذي لا يعرف المحاباه او المجاملة ..لندعه يتكلم في الشريف وعن الشريف ليعرف ابناء وطني .. ورفاق دربي - وقد تفرقت بهم السبل - أي خسارة تلك التي المت بهم وعن أي فقْد نحن نتكلم ..انه فقْد امة .. نعم فقْد امة بكاملها .. نبحث عنه اليوم في ليالينا المظلمة فلا نجده .. ونجمع نثار هتاف قديم .. فلا نرى غير اصداء بعيدة .. بعيدة ..

يكفينى هنا والحزن منيف .. ان احني رأسي اجلالاً .. لرجل مقاتل بحق.. لم يضن بدقيقة من وقت أو ذرة من نشاط في سبيل ما نهض فى سبيله حتى خر في ذلك صريعا؛ لقد كان صوتاً عاليا من أصوات المعارضة السياسية في السودان ... بل اعلاها صوتا .. وكان وجهاً مبرزاً للمعارضة السياسية في السودان ، وفي مواقف ومنابر، وجهها الوحيد .. وكان بجانب ذلك نموذجاً مجسداً للتفاني والبذل والاصرار .. اتفق المرء ام اختلف في شىء احنى رأسي اجلالاْ للعزيمة لم تهن .. وللشجاعة لم تنخذل .. وللسماحة التي دأبنا على تسميتها بالخلق الاصيل تزين الساحة .. احني رأسي اجلالاْ لجوال حمل قضيته علي العاتق واغذ السير .. في ليل ونهار .. في عافية ومرض .. في غربة ممضة ووحدة مريرة .. وفي الجوانح لهفة محلاْ عن مائة، وفي الفؤاد نيل ونخيل ودار وعفاة .. وفى المسامع أصوات احبائه الذين خلَّفهم على عجل من ورائه .. يحول بين الوصال والاتصال حديد علي كتف وحديد علي الصدر .. وحديد علي الساعد ..وحديد علي النعل .. واه من الليل ووحشة الطريق .

لاينبغي لشامته ان يقر عينا او يهدأ بالاً .. بهذا الفقد الفاجع .. والامل المهيض .. فالموت عظة الغافل والمغرور .. يطول الاعزل .. ويطول العزيز ولو كانوا في بروج مشيدة .. ولا ينبغي لشامته ان يقر عيناً ويهدأ بالا .. فإن مالا يذهب قط باق هناك. الافراد مهما بلغ شأوهم وعظم شأنهم وجلَّ عطاؤهم هم بضعة شعبهم الولود .. اذن فما مات الشعب ولا مات تصميمه .. وها المارد يتحرك، والجبل يتململ، والتنور يفور.. ولعل في هذا الفقد ما يوقظ الهمم .. وما يزيد الشعب المناضل حمية علي حمية وهو يرى الغائب آيب، ولا تزال تحكم الوطن النبيل المعايب :

قل لمن عربد في الشعب طويلاْ لعنة التاريخ في إسمك تلصق
عبثاً تطلب منا المستحيـــلا نحن قناصك والسيف المعلَّق

حين كان العمل يتطلب من الشريف حسين الهندي رفع الصوت بالكلمة المرة .. جهر بصوته .. وحين كان العمل يتقضي حمل البندقية تحامل على ألمه .. وحمل البندقية موغلاً في الصحراء .. وحين كان العمل يتطلب منه سهر الليل، تحمَّل اعباء مرض السُكَّر واعياء القلب والبدن وسهر الليل .. وحين كان العمل يتطلب منه الصبر على الجدل .. صبر وجادل حتى تعبت منه اللهاة .. كان في كل مكان؛ وفى كل عمل؛ ولقد كان بإمكانه (لو شاء) .. ان يعيش مرتاحاً في بحبوحة بما تحت يده من مال؛ ولكنه آثر عيشة الجندي المقاتل في اخشوشان الجندي المقاتل ومات - حين مات - في ميدان القتال ما بين الجبهة والجبهة .

فيا رفقة فقيدنا المناضل المقاتل .. تراثه النضالي المقاتل، امانة في اعناقكم؛ فلا تهِنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون .. ضعوا ايديكم في يد شعبكم .. وفي يد أخوة آخرين - بالغاً ما بلغ الخلاف أو الاختلاف - حتى تنجلي غمة الوطن .. سدوا الثغرة وكونوا علي ما كان عليه حزماً وجرأة وثباتاً واصراراً؛ فالمسئولية بأكملها انتقلت اليكم بعده .. ابقوا الراية خفاقة والمشعل عالياً والصوت كما كان جهيراً .



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 06:27 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.