نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > مكتبات > بركة ساكن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-11-2008, 10:04 AM   #[1]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي الفصل الأول من رواية مسامير الأرض

(ملحوظة: نشرت الكتابة الأولى من هذه الرواية في سودانيات بعنوان عرس الطين، هذه هي النسخة الأخيرة، حيث
ظلت الرواية في حالة كتابة منذ عام 2004، اكتبوا ملحوظاتكم عليكم الله.
).


مَسَامِيرُ الأرِضْ

عبد العزيز بركة ساكن

إهداء

(إلى روح الجميلة، النظيفة،النقية، الشفيفة، مريم بت أبو جبرين، أمي)

( الجنقو مَسَامِيرُ الأرَضْ )
مقولة لمجهوليين


الفصل الأول: سبتمبر.




وَدْ أَمْوُنَةَ: السِجِنُ والسَجّانُ




هذا ما تحصلتُ علية مِنْ عدة حُكاة ورواة، من بينهم حَبيبتي ألمْ قِشْي، و الأُم، مُختار علي، الصافية وود أمُونة نفسه ،مع بعض التدخل و قليل من التاويل و التحوير و الإلتفاف و التقويم و الإفساد أحياناً من قبلنا؛ لحكاية ود أمونة في السجن.

قرر بينه وبين نفسه ألا يغسل الأطباق بعد اليوم ولو أنهم نفذوا تهديدهم ورموا به في الشارع، لا يهم يستطيع أن يبقى خارج السجن ويمكنه النوم تحت الجدار الذي يقابل غرفة أمه، وسوف يأكل ما ترميه أمه له من أعلى السور، وهو أيضاً يعرف كيف يصطاد الطيور والفئران ويشويها، عن طريق المهارات القتالية التي اكتسبها من والدته، يستطيع أن يحارب الأشرار، قد لا يعرفهم الآن ولكنه سينتصر عليهم بمجرد أن يشرعوا في مهاجمته، قطعت حبل تفكيره أنامل الشامة على رأسه،
تعال عليك الله فليني يا ود أمونة. -
كانت أمه أمونة تقول له دائماً:
( كَاَنْ جُوُكْ عِشْرين أو مِيَّة، إنت أَمْسِكْ وَاحْد بَسْ، وإن شاء الله تعضيهُ بسنونك، إن شاء الله تخربشهُ بأظافرك، إن شاء الله تَدَخِلْ يدينك في عينهُ، لكن ما تخلي حَقكْ ولا تبكي ولا تجري. الدُنيا دِي مَا بِيَنَفَعْ فِيها الضَعِيفْ.)

أنا لا أحب الشامة، بالذات، عندها ريحة في فمها أعفن من البول، رأسها كله قمل، ووساخة،وقالوا كتلت راجلها، قالت ليّ الشامة
- أُمُك الليلة طلعوها خدمة في بيت المأمور، أنا ما عارفة المأمور دا عايز منها شنو ما عايز يخليها في حالها.

(ما حأغسل الصُحانة) قال ود أمونة مصدرا أمراً لنفسه.

طباخ السجن النحيف صاحب الأصابع الطويلة واليدين الممسكتين دائماً بالكمُشَةَ أو المِفْرَاكَة، كان يرى في ود أمونة مستقبل طباخ ماهر،
( ود أمُونة يشبهني في أشياء كثيرة عندما كنت طفلاً كنت مثله وسيماً وسميناً وكسولاً وكثير الشجار مع الأطفال ولكني أيضاً كنت أحب أن أكون في صحبة النساء مثله تماماً)

أكثر ما لا يُحبه ود أمونة في طباخ السجن، بالإضافة إلى أطباقه التي دائماً ما تحتاج إلى من يغسلها من الويكة ودهن إدام القرع، أن طباخ السجن لوطي.

بعد أن فرغ ود أمونة بالأمس من غسيل الأطباق ورصها بانتظام على دولاب الحديد طلب منه طباخ السجن أن يلعبا (طُرة كِتابة)، قال له طباخ السجن
- كان غلبتني- تديني بُوسَة- وكان غلبتك أديك بُوسَة.

وبصق سَفّة الصعوط جانباً قرب قدر كبير على الفحم، وبحركة بهلوانية أخرج قطعة عملة من الحديد الفضي، أطارها في الهواء، ثم تلقاها بكفه، وبسرعة البرق أغلق عليها بكل أصابعه واضعاً في نفس اللحظة ابتسامة على طول وعرض فمه الكبير، بين أسنان صفراء متفرقة بارزة، سأل ود أمونة
- طُرة ولاّ كِتابة؟

أطار بعض رذاذ البصاق في الهواء، سقط بعضه على وجه ود أمونة، مسحه بباطن كفه في قرف، أكثر ما أكرهه في هذا الشخص هو شفاهه المبتلة دائماً بالبصاق ورائحة الصعوط.

قالت له الشامة وهي تعيد نظم ضفيرة من الشعر المستعار على رأسها
- أمك حتجي بعد كدا،المأمور كَرّهها الدنيا.. إنت عارف ملابسه وملابس أولاده وبناته، وحتى جيرانه. والله أنا شاكة في إنو قاعد يأخد عمولة من الناس في الغسيل.. أمك لو بقيت مكنة غسيل حتنتهي.. ولكن هانت.. باقي لينا كلنا السنة دي بس، أمك باقي ليها ستة شهور، هانت يا ولدي.

قال له ود أمونة، بصورة نهائية وقاطعة
- أنا ما عايز ألعب معاك طُرة كتابة.
- كويس، تعال أديك بُوسة.
- ما عايز، لا تديني بُوسَة ولا أديك بُوسَة.
- كويس، لمّان يجي الصول ويشوف الكُباية الكسرتها تعرف حاجة.
- حأكلم أمي.
قال الجاويش، طباخ السجن مستهتراً
- أمك تعمل شنو، خليها تقدر على نفسها.
ثم أضاف بلين.
- بطنك بتملاها من وين؟ تعال يا ود أمونة،أديني بُوسَة أو شيل مني بُوسَة زي ما تدور.

عندما ينتصف نهار السجن، تسمع طقطقة الزنك كأنها فرقعة عبوات رصاص صغيرة تقدح جماح العرق النسواني التعب المتبل بفطر إبطهن وعاناتهن، رائحة البلاط وزنخ شعر الرأس المُلبّكْ بالأسطبة والجورسي القديم، وطنين الزُبات مختلطاً بقهقهة السجانين، نداء الجاويش المسجوع من حين لآخر
- مُوية يا بنات الموية.
أخرجت الشامة مكافأة صغيرة من مطبقتها وقدمتها لود أمونة نظير متعة التفلية وعربون خدمة قد تطلبها منه في يومٍ ما، العنبر الطويل يحتوى على عشرين سيدة، عجوزتان اتهمتا قبل عشر سنوات ماضية بحيازة جوالين من الحشيش، صبية جميلة رقيقة اعتادت سرقة الذهب والمجوهرات، أمه بائعة عرقي البلح وقد ضاعف قاضٍ غيور على الدين العقوبة عليها سبع مرات لأنها لم تقلع عن الفعل الحرام طالما جلدت مراراً، وغرمت تكراراً وسجنت شهوراً كثيرة متفرقات، الشامة اتهمت بقتل زوجها وتقول إنه شرب الصبغة مع عصير البرتقال من تلقاء نفسه غيرة عليها- وأخريات، وأخريات،وأخريات
ولكن ود أمونة كان لا يهتم بغير واحدة لا يعرف كم عمرها ولا يفهم طبيعة جريمتها، كانت قليلة الكلام، تغني دائماً بصوتها الشجي وتحكي له قصصاً طويلة تقصر عليه الانتظار الطويل بالسجن- ولو أنها كانت تقضي فترات طويلة، مريضة طريحة بلاط العنبر إلا أنها كانت الأكثر مرحاً- هادئة وطيبة لينة وصبور، أمه لا ترغب في أن يتقرب إلى عازة
- يا ولد أخير ليك تختى الشرموطة دي.
وذلك أمام عازة مباشرة وفي حضرة من حضر، لا يهم، تضحك عازة وتجلس على الأرض، تطلب مني أن أركب في ظهرها وفي قفزة سريعة أركب، تنهض بي بالرغم من أرجلي الطويلة تجري بي في الفراغ الذي يقع بين العنبرين.
وعندما دخل الجاويش فجأة المطبخ، ارتبك الطباخ وحؤل أمره إلى ود أمونة بأن يذهب إلى عنبر الرجال ويحضر الأواني الفارغة.
- بسرعة يا ولد.
وهرب ود أمونة نحو عنبر الرجال، أدخل هدية الشامة سريعاً في جيبه ثم تحسسها بكف يده اليمنى ليتأكد من استقرارها هناك، باسته على خده قائلة
- أجري غسِّل يديك، عايز تاكل بيهم كدا.
عندما يضع هدية الشامة في علبة التوفير مع ما وفره من هدايا المسجونين والمسجونات وحتى الطباخ نفسه والعساكر، يكون قد تمكن من مبلغ لا يعرف قدره ولكنه يزداد يومياً، ببطء،ولكنه لا ينقص، حتى عندما يرسلونه إلى الدكان القريب أو السوق لإحضار تمباك أو علبة سجائر أو ما شابه ذلك ويطلبون منه الاحتفاظ بالباقي، فهو يبخل على نفسه بقطعة من الحلوى الكثيرة الشهية التي تطل عليه من بين الأرفف والطبليات وفي أيدي الأطفال الذين في عمره، كان يعرف أيضاً المساجين الذين في عنبر الرجال، قد تتغير الأوجه يومياً ولكن المساجين الجدد يُعرفون في اليوم الأول لقدومهم، بالاسم والقبيلة والجريمة والمدينة والقرية والشهرة، جمع بسرعة الأواني التي دفع بها السجناء خارج زنزاناتهم أو عنابرهم ثم أخذ ما يستطيع حمله على جسده الصغير ومضى به نحو المطبخ- كان الصول ما يذال هناك، وعندما رأي ود أمونة يترنح تحت ثقل الأواني صرخ في وجه الطباخ،
إنت عايز تقتل ود المرا دي ولا شنو؟-
فأسرع الطباخ في تناول الأواني من على كتف ود أمونة وهو يعتذر بهمهمة غير مفهومة.
قال لود أمونة بود
يلا أجري العنبر، أمك في انتظارك، تكون جات من الخدمة.-

قال ود أمونة للشامة
أنا ماشي لعازة. -
ردت له في شماتة
إنت ما عارف إنو دخلوها الزنزانة.-
عارف ووديت ليها موية قبيل، مسكينة عازة.-
قالت بصورة حادة
- ما مسكينة ولا حاجة،عازة دي مجرمة.
قال ود أمونة مستغرباً
-مالها، عملت شنو؟ قالت لي هي ما عملت أيّ شئ.
قالت الشامة
. لقوا عندها ممنوعات-
عندها استطاع أن يربط ود أمونة أحداث قبل الأمس، بأحداث يوم أمس بما سمعه اليوم من الشامة.

أحداث أول الأمس.

كانت عازة تحت الحائط الشرقي، لسنا بعيدين عن بُرج المراقبة، حيث كان السجان بريمة بين وقت وآخر يتبادل الكلمات مع العازة وأيضاً السجائر، حدثتني العازة عن أمانة تخصها عند امرأة في الحُمرة بأثيوبيا، وأن المرأة جاءت من هناك، وهي الآن في القضارف ولم تجد طريقة لإحضار الأمانة لها في السجن، لأنها تخاف من البوليس ولها سوابق كثيرة، ثم أضافت ضاحكة
سُمْعَتها سيئة. -
أحسَّ ود أمونة حقيقة بارتباك في تفكيره عند سماعه الجملة الأخيرة (سُمْعَتها سيئة)، ولم يفهم لهذه الجملة معنى محدداً ولكنه، ابتسم واقترح في نفسه أن لها معنى مثل جملة الطعام الفاسد، تجاوز ذلك، أو لم يستطع أن يتجاوز ذلك، قلت لها
يعني مالها؟-
قالت له
!! يعني-
و أحنت رقبتها الطويلة بطريقة عقدت المعنى، ثم أضافت
سجنوها كم مرة.-
زي أمي كدا. -
قالت بسرعة
. أمك مسكينة ما عندها حاجة غير عرقي بلح بس ولكن القاضي قاصدها-

قذف بريمة للعازة بعلبة سجائر برنجي، سقطت على حجرها مباشرة، وعندما نظرت إليه غمز لها بعينه اليُسرى، فضحكت وضحك، ضمتني عازة إلى صدرها بشدة إلى أن شممت رائحة إبطها وقالت لي هامسة
تساعدني يا ود أمونة.-
كيف؟-
تجيب لي الأمانة من ألم قَشي؟-
ألم قشي؟
إنت ما قلت لي مرا من الحُمرة.
؟ أيوه، إنت ما عارف إنو ألم قشي من الحُمرة-
أضاف في استسلام
- وين ألاقيها؟
قالت وهي تحك بأظافرها سيخ الباب
. في موقف الشُواك -
وكيف أطلع؟ -
قالت لي مبتسمة
- ساهلة، لما يرسلك الطباخ للسجائر زي كل يوم، تقوم جاري لموقف الشواك وتلقاها هناك منتظراك، الكلام دا بعدين، بعد صلاة الضهر. زي كل يوم.
؟ لو ما رسلني الليلة-
قالت بثقة
. حيرسلك، دَخِّلْ الأمانة هنا-
- وين؟
. هنا، هنا-
ولا يدري، أحدث هذا صُدْفَة أم عِنيّة، ولكن استقرت كفها هنالك لوقت خبيث لا بأس به، وقبل أن تشرح له أكثر قرصته برقة فيه، رقة وحشية غامضة، رقة أكثر.

ما حدث بالأمس.
اعتاد ود أمونة أن ينام مع أمه في ذات السرير، أو هي كانت تصرّ على ذلك، ربما خوفها الشديد عليه له ما يبرره، خوفها من الجميع دون فرز، مسجونات ومسجونين، سجانين وعمال سجن، لم يكن هو الطفل الوحيد الذي في صحبة أمه بالسجن، بل كانت هناك ثلاث طفلات، ولكنهن رضيعات ولا يعرفن شيئاً، بل لا يمكن اصابتهن بمكروه ظاهر، لكن طفلها، ود أمونة، طفل التاسعة في خطر دائم من الجميع، لأسباب أهمها أن لإبنها جسداً أكبر من عمره وأنه رغم البؤس وسوء الطعام مع قلته، له جسدٌ سمينٌ وساقان طويلتان مما يجعله أكبر من عمره بكثير، وإذا أضافت إلى ذلك وسامته، فإن الأمر يبدو واضحاً وجليا.ًأمه، تعرف أن الطباخ منحرف، وأنه يتقرب إلى إبنها وقالت لنفسها
- إذا لمس الولد ده لمسة، لمسة حأكتلوا كتلة يتحدث بها الناس إلي يوم القيامة ولكنها تخاف عليه أيضاً من النساء ولو أنه لم يبلغ الحلم بعد ولكنها تعرف أنهن يعرفن كيف يستخدمنه.
ولقد خاطبتهن على ملأ
- أسْمَعنْ يا شراميط هيييي، اليوم الألقى فِيهُ ولدي دا مع واحدة، حأرسلها الآخرة.
ضحكن؛ غِظنها بقولهن إنهن سيفعلن، وإنها فرصة له ليتدرب، ولكنهن في باطن عقولهن،كن يعرفن أنها جادة في قولها وأنها ستفعل.
عندما استيقظت أمه استيقظ، في الحق استيقظ العنبر كله على جَلَبَةِ مصدرها عراك في عنبر الرجال، السبب البنقو.
؟ البنقو-
وكعادة السجانين أنهم يتبعون أقصر الطرق للحصول على الحقيقة وهي الضرب المبرح والقرص بالزردية، لذا لم يستغرق الأمر طويلاً، جاء جاويش يُسمى غلبة إلي عنبر النساء، أمسك بيد عازة، أوقِفَتْ، ثم صُفِعَتْ في وجهها بكف كبير قبل أن يقول لها غلبةُ:
. أرح وراي-
قال ود أمونة للشامة وقد استدرك الأشياء كلها، وربط بينها
. البنقو، مش كدا-
قالت له الشامة
. أيوه، البنقو-
سألها
جابته من وين؟-
قالت له
. أبت تعترف-
قال خائفاً
؟ وإذا دقوها حتعترف-
قالت له
. هم ضربوها ولكن العازة عنيدة، ولو كتلوها ما حتعترف-
جلس عند باب الزنزانة، كانت يدها على يده بين السيخ، قوية وواثقة ودافئة، كانت أثار الضرب واضحة على وجهها، اعتاد ود أمونة على هذه المناظر وما عادت تؤلمه كثيراً، فقد رأى أمه مراراً بوجه متورم وظهر متقيح بل شاهد ذات مرة غلبة يتحرش جنسياً بوالدته وعندما أبعدته عن نفسها، قام بصفعها في وجهها عدة مرات.
قال بصوت ضعيف مرتجف
. حيقبضوني-
ضحكت العازة مؤكدة له أن الشئ الذي أحضره من ألم قشي ليس هو البنقو ولا شئ ممنوع وفتحت له كيساً كان قربها وأخرجت من لفافة، هي ذات اللفافة التي أحضرها، مدتها له قائلة
. افتحها-
أبعد يديه في خوف
. لا-
. أقول ليك شوف فيها شنو، عشان تتأكد-
وعندما رفض وحاول أن يهرب، قامت بفضها، فلم يكن بها سوى قطن طبي-
قالت له
- قطن، قطن تحتاج ليه النسوان، وهو ممنوع في السجن لأن المساجين بيعملوا منه قنابل بالبنزين.
لم يقتنع ود أمونة ولكنه أحس براحة نفسية عميقة، قالت له
- أنا ما بعت أي بنقو للمساجين- ولا يحزنون- وما تخاف عليّ ولا على نفسك-
قبل غروب الشمس بقليل جاءت أمه، كان قد استحم وغسل جُلبابه الآخر وحذاءه البلاستيكي وانتظرها راقداً على السرير، كاد أن أن ينام، رمت عليه كيساً صغيراً به تفاحة وقطعة حلاوة المولد، ورغيف وطحنية.
- الليلة اشتغلنا غسيل في بيت المأمور، غسلنا ملابس ناس الحلة كلها.
(-------) -
قالت له أمه في حنية وهي تمسح رأسه بكفها
؟ كنت وين بالنهار؟ رسلوك للدكان والسوق-
. غسلت العدة للطباخ واتونست مع عازة، لو شفتي يا أمي دقوها دق-
قالت أمونة جملة واحدة ورمت بنفسها على السرير قربه
. تستاهل-
؟ ليه يا أمي-
؟ البت دي قليلة أدب شوية- الوداها تبيع البنقو شنو-
قال دون تركيز
. يا أمي هي عندها قطن مش بنقو-
قالت مستغربة
؟ قطن شنو؟ في قطن يبيعوه-
. والله أنا شُفتُهُ-
. إنت ما عايز تختى الزولة دي، أنا مش قلت ليك ما تكون معاها-
سكت ود أمونة قليلاً، بدأ يقضم جزءاً كبيراً من التفاحة، أكلها باستمتاع ظاهر، قال
. كل يوم جيبي لي تفاحة-
. كويس-
عندما نامت أمه، أخذ ما تبقى من الكيس ومضى نحو الزنزانة كان الظلام قد بدأ يهبط ولكن الإضاءة الضعيفة عبر الممر دائماً ما تمكنه من التجول بسهولة في أنحاء السجن، كما أن الحرس قد اعتادوا عليه ولا يعترضون تجواله بل يرحبون به ويداعبونه ويرسلونه، على كلٍ، هو شخص محبوب هنا، رفضت العازة في بادئ الأمر، تناول ساندوتش الطحنية الذي مده إليها ود أمونة، ولكنه عندما بدأ يبكي، أخذته منه، كانت جائعة جداً وبدت له شاحبة وهزيلة وأظهرتها الإضاءة الباهتة مثل شبح كبير حقيقي، ولكن كفها الدافئة تؤكدها باستمرار وتسري في نفسه بهجة وحباً، لأول مرة تسأله عن والده، قال لها
-أمي قالت لي أبوي يمني، وقالت رجع اليمن، كان عنده دكان في الحلة، عرس أمي وطلقها.
؟ ما عندك أخوان تاني-
. لا، أنا وأمي بس، أهل أمي في البلد-
وين بلدكم ؟ -
- والله ما عارفها، أمي قاعدة تقول البلد، والبلد دي وين؟ أنا ما شفتها.. أنا ولدوني في (الحلة) وما مشيت أي مكان تاني غير جينا هنا القضارف في السجن، دخلت مع أمي كتير.... قالوا من ما كنت برضع، ولكنها طلعت ودخلوها تاني
- أنا حأطلع قبل أمك.. لو أمك وافقت حآخدك معاي أنا عندي أهل وأسرة في القضارف هنا.. تعيش معانا في البيت لحدي ما تطلع أمك من السجن: كويس؟
قال لها في يأس
. أمي ما بتقبل.. لو علي أنا... حأمشي معاك طوالي -
حأحاولها، إن شاء الله تقبل... إنت لازم تمشي المدرسة. هسه عمرك كم؟ -
- تسعة سنين.. ما حيقبلوني في المدرسة؟ أنا حأمشي اشتغل مع الميكانيكيين عشان أطلع سواق وميكانيكي.
قالت بصورة مؤثرة
. لأ.. حتقرأ وتطلع دكتور-
قَدّمَ لها قطعة كبيرة من حلاوة المولد وهو يضيف
. وأمي قالت بدون شهادة ميلاد مافي ليّ طريقة-
قالت وقد رأى بريق عينيها عبر ضوء الممر الخافت
حأطلع ليك شهادة تسنين، وحأدخلك المدرسة.. أنا بعرف مدير مرحلة الأساس، قاعد يجي بيتنا في القضارف، وبعرف الزول البيطلع شهادات التسنين، ما عندك أي مشكلة، بس كيف أمك توافق
مرّ بهما جاك طويلة، وهو شرطي نحيف طويل اسمه علي، يعرفونه بالجاك طويلة، شخص مرح ويعرف بأنه متدين، ودائماً ما يؤم السجانين في الصلاة، قال مخاطباً عازة
. لقيتي زول تتونسي معاه-
ردت عليه عازة
. الله كريم-
قال وهو يمسك باب الزنزانة
. لاقيت أبوك اليوم الصباح-
طبعاً ما سأل مني. -
. قاللي لو طلعتوها من السجن، أخوانها حيقتلوها. أخير تكون قاعدة معاكم-
قالت بإصرار
مافيش زُول يقدر يقتلني.. والراجل يمد إيدو علي، وأنا حأطلع بعد شهر. ونشوف: الحشاش يملأ شبكته.
قال وهو يحملق في وجهها الذي ألصقته بسيخ الباب.
، سافري من البلد، أمشي أي مكان تاني تعيشي فيهو، وإنت زولة متعلمة.. وعندك مهنة -
قالت محاولة أن تبتسم
؟ الغُنَا دا كمان مهنة -
. لييه؟؟ الفنانين ديل دخلهم دهب-
- أنا حأشتغل أبيع شاي،، وفي القضارف،، وعارفه ما فيهم واحد راجل يقدر يلمسني كان أحمد ولا الصادق.
قال لها مغيراً مجرى الحديث
- المإمور قال بكرة حيطلعك من الزنزانة للعنبر، ولكن حيكتبك إقرار عشان ما تقومي بأي عمل إجرامي هنا في السجن.
قالت
. رَبُنَا أحسن منه -
قال ضاحكاً
. إنت بس لو ختيتي بنات حي فوق ديل، مافي حاجة تجيك-
قالت بضيق
- أنا يا مولانا ما عملت حاجة، يعني شنو لو لقوني في بيت عزابة؟ ولييه ما سجنوا العزابة؟؟
قال
. العزابة هربوا-
قالت بمرارة
- كلهم معروفين.. وقاعدين في القضارف، ولو عايز هسه أرح أمشي معاي أسلمك ليهم واحد واحد..... ومنو القال ليك هم عزابة؟
قال في صوت خفيض
- دي مسئولية المباحث والتحري والقاضي، أنا زول شغال في السجن هنا، يجيبوا لي أحرس،، ما جابوا... ما عندي غرض بزول.
أيضاً لم يفهم ود أمونة ماذا يعني أن يقبضوا على امرأة إذا دخلت بيت (عزابة) اعتبر ذلك مثل الطعام الفاسد أيضاً.
عندما مضى جاك طويلة جلست معطية ظهرها للباب الحديد،وخلف السيخ كان ود أمونة يمشط شعرها بخلاله وهي تغني بصوت شجي عميق:
من طرف الحبيب جات أغرب رسايل
يحكي عتابُهُ فيها
قال ناسينُهُ قايل
قال ناسينُهُ قايل

هذه الأغنية لا تعجبه، تعجبه أغنية

ما هي دنيتنا الجميلة
شوفو دنيتنا الجميلة
بأزهارها بأشجارها ونخيلها

غنتها له، عندما دقّ جرس النوم، أي دوي الطرق على القضيب المعلق وسط السجن معلناً أن الساعة الآن التاسعة مساءً، تلمس ود أمونة الطريق نحو عنبر النساء، وهو في الطريق، لأول مرة يفكر في شيئين: أبوه والمدرسة.
وهما شيئان ما طرقا باب مخيلته من قبل، هو لم ير أباه في يوم ما، ولا حتى صورته بل لم تحدثه عنه أمه إطلاقاً، وما قاله للعازة ليس سوى بعض مما سمع من حديث لأمه مع جارة لها، قبل أعوام كثيرة ولم ينسه، أعمل فيه بعض الخيال وقاله لها.
أما المدرسة فلم يفكر فيها، كأنما هي شئ لا يعنيه على الإطلاق، وهي حلم كبير لا تسعه مخيلته، فقد دخل السجن في هذه المرة الأخيرة مع أمه منذ سنتين، أي أنه كان في الثامنة من عمره وهو العام ذاته الذي التحق فيه أنداده من أطفال الجيران بالمدرسة، فهو لم يرهم يذهبون إليها ولا يعرف عنهم شيئاً منذ عامين، مازال يتخيلهم يلعبون في الخور وعند الماسورة المتعطلة أو يصطادون الطيور، الفراشات، الجراد والفئران، أو يلعبون دكاتره وممرضات مع البنات اللائى في أعمارهم، يجرون بترتاراتهم، يركبون الحمير السائبة وفي موسم الصمغ يذهبون إلى زريبة المحاصيل لخطف الصمغ من الحاجات وعند العصر يلعبون حرب حرب، ضد أولاد الحي المجاور، أما أن يذهبوا إلى المدرسة، فهذه فكرة لا يعرف إليها سبيلاً.
وجد أمه ما تزال نائمة ويعرف أنها لن تستيقظ إلا عند صلاة الصبح حيث يصلي جميع المسجونين في العنابر صلاة جماعية إجبارية في الميدان وسط السجن، الرجال في الأمام والنساء خلفهم، ود أمونة وحده خلف النساء، قرر بينه وبين نفسه أنه بعد صلاة الصبح سيسأل أمه عن أبيه ويطلب منها أن ترسله إلى المدرسة، وعندما نام، حلم بأنه ذهب إلى المدرسة، كان يحمل حقيبة كبيرة فارغة، قابله مدير المدرسة وهو طباخ السجن ذاته، ملأ له الحقيبة بالكتب والكراسات وقدّم له حَلَّة كبيرة مملوءة بالعدس والطحنية، وقال له
خذها إلى العازة، وقول ليها دي جنازة أبوك. -
فَجَرّ الجثة خلفه عبر ممرات الزنازين إلى أن أوصل الفرس(تحولت الجثة إلى فرس) إلى عزة، ركبا الفرس ْ وهربا بعيداً، كان الأشرار يطاردونهما عبر النجوم والغابات، ولكنهما مضيا على متن سحابة كبيرة ممطرة إلى الأعلى.. الأعلى... الأعلى... الأعلى.
حدثهم جاك طويلة عن عذابات يوم القيامة، كأنما كان يخاطبهم فرداً فرداً، عذاب السارق، عذاب القاتل، عذاب اللوطي، عذاب الشرموطة، عذاب صانع الخمرة، شاربها، مناولها، بائعها، ناقلها المنقولة إليه، عذاب من لم يطع الحاكم،السياسي، عذاب من يهرب من العدالة، من يحرض على الهرب، الكاذب، الغاضب، الذي يموت وفي عنقه دين، المتمرد، الزاني، المزور، الذي لا يصلي، من أفطر في نهار رمضان، ثم تحدث عن عذاب الكافر وذكر تحت هذا المسمى:
الشيوعي،
والشيعي،
والمسيحي،
واليهودي،
والوثني،
والأمريكي،
وناكح الفرجين،
وناكح الرجل،
والرجل المنكوح،
الساحر، تارك الصلاة،
والخنزير، شجرة الزقوم
وآكل الخنزير، وآكل الزقوم
وقاتل النفس البشرية ولكن بغير حق.
وآكل مال اليتامى
ولكي لا يغلق الباب الذي فتحه الله للإنسان، أكد أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له،
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) اذهبوا إلى عنابركم.
قال لأمه وهو يُمسك بثوبها لكي تقلل من سرعتها، حيث أن الجميع يهرول من ميدان الصلاة هرولة الى العنبر،ليكملون نومهم.
أبوي وين؟ -
قالت مندهشة وهي تقف فجأة وتنظر إليه في استغراب كأنها تراه لأول مرة في حياتها.
الليلة من وين طريت أبوك؟ بسم الله الرحمن الرحيم، -
. بس عايز أعرف -
. أبوك في اليمن... طلقني ومشى اليمن، وإنا لسع ما ولدتك-
- مش حايجي تاني؟
أجابت متسائبة
؟ أنا نعسانة و عايزة أنوم. -والله ما عارفاهُ، لمّان تكبر تمشي تفتش عنُهُ في اليمن، كويس
صمت قليلاً ثم قال
. أنا عايز أخش المدرسة-
- يا ولد، إنت جنيت؟ الليلة مالك؟ من الصباح دا قايم عليّ... كدي قول بسم الله الرحمن الرحيم، وخلي الشمس تطلع، إنت قايل المدرسة دي ساي كدا.. حتقعد مع منو؟ حتأكل من وين؟ والرسوم والكتب.... وشهادة الميلاد.... زول شهادة ما عنده؟؟؟؟!
قالت بطريقة وكأنها تحمله المسؤولية كاملة، هي عدم امتلاكه لشهادة الميلاد، ثم أضافت برقة.
- كدي خليني أطلع من السجن وأشوف لي شُغل، إن شاء الله فراشة بعد داك أدخلك المدرسة.
قال لها وهو يمسح وجهه بظهر كفه
لمّان تخرج عازة من السحن بعد شهر أنا حأمشي معاها، هي حتدخلني المدرسة-
هي قالت ليك كدا؟ -
رد في تردد
. أنا قلت براي -
قالت بصورة قاطعة لا تخلو من الحنق
- حنطلع من السجن دا أنا وإنت في لحظة واحدة: سوا سوا،
شيطان ما حياخدك مني.. إنت ولدي أنا.... ولد أمونة: فاهم.
نواصل



التعديل الأخير تم بواسطة خالد الحاج ; 12-11-2008 الساعة 01:33 PM. سبب آخر: تنسيق
عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2008, 10:29 AM   #[2]
مهند الخطيب
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية مهند الخطيب
 
افتراضي

ياساكن .............

لم أقرا من الفصل بعد سوى فرحتي بحرفك هنا ..........

ماذا فعلت ؟؟!

سأعود لأقرا فعبد العزيز تحتاج معه الى روقة (أو في حالة العدم جوطة شديدة) وخلفة كراع ....

فرح أنا حتى اعود .....



التوقيع:
"أتعرفين ماهو الوطن؟ الوطن هو ألّا يحدث ذلك كلّه...!"

غسّان كنفاني
مهند الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2008, 10:45 AM   #[3]
أسامة الكاشف
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة الكاشف
 
افتراضي

بركه الجيت
فرحنا بالطلة ونحن حارسين الدار
العزيز عبد العزيز تحايا بحجم الوشائج التي تربطنا
بأمونة وولدها.. وعازه وأحلامها وحتى طباخ السجن
قرأت الفصل الأول
لست بناقد ولكن نتابع معاك
نقول خواطرنا في محاولة لإثراء الحوار- التلقي- التفاعل
الفصل الأول لقطة سينمائية تمت منتجتها بمهاره فائقة
تهيئة لدخول عالم الرواية
closeup على راس الشامة - فم طباخ السجن
فلاش باك واسقاطات وتداعيات متداخلة
عالم الرواية مغاير لعوالم الرواية السودانية
ومن هنا تأتي الصعوبة
شخوصها من الملفوظين اجتماعيا لذا يصعب سبر أغوارهم
زمن الرواية الآن- الماضي
تشم الآن من اسقاطات خطبة صلاة الصبح
ومن سجن ست العرقي
عبق الماضي من نظام المضمون الذي يسمح له بالخروج للعمل لدى مسئول
الأسطر الثلاث الأولى - حلم ود أمونة حتى الفرس
لقطتان تحتاجان لمزيد من التكثيف
المدخل.. التهيئة النفسية
أما الحلم فمجال خصب لميلودراما العقل الباطن
واسكتناه ما هو آت
نحب حروفك حتى الثمالة
في انتظارك .. لا تتأخر علينا



أسامة الكاشف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2008, 02:31 PM   #[4]
خالد الحاج
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية خالد الحاج
 
افتراضي

حباب مبدعنا الجميل بركة بعد غيبة "شفقتنا" ..
أعود بي مهلة فهذه زيارة ترحيب وفرح...

هنا رابط للفصل الأول من رواية "عرس الطين" ...
http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=2911




التوقيع: [align=center]هلاّ ابتكَرْتَ لنا كدأبِك عند بأْسِ اليأْسِ، معجزةً تطهّرُنا بها،
وبها تُخَلِّصُ أرضَنا من رجْسِها،
حتى تصالحَنا السماءُ، وتزدَهِي الأرضُ المواتْ ؟
علّمتنا يا أيها الوطنُ الصباحْ
فنّ النّهوضِ من الجراحْ.

(عالم عباس)
[/align]
خالد الحاج غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2008, 02:46 PM   #[5]
منال
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية منال
 
افتراضي

ما غنيت يوم جيتك صدفة


فانت جواى ساكن


برجى باقى الفصول ... و اغرق فى بركتك ... و منتظرة بركتك ايها الشفيف ... استعجل



التوقيع: [mark=#050000]
يا خالدا تحت الثرى
[/mark]
منال غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2008, 03:32 PM   #[6]
الفاتح
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الفاتح
 
افتراضي

بركه..
إتخيًل وأنا بقرا في النص ده ، وقبل ما أفيق منو
في صديق "مجدي بحر" رسًل لي الإيميل ده بعنوان حاجه عجيبة
اقتباس:
يا صديق
في البال دوماً رغم البعد والانقطاع
عبد العزيز بركة ساكت رسل لي الرواية دي.. و هي قيد الطبع في دار نشر ستصدر قريباً
اول مل بديت اقراها.. حسيت انك واحد من ابطالها
اقراها و قول لي رأيك
حاجه عجيبه مش؟
حأرجع ليكم.



الفاتح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2008, 07:14 PM   #[7]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

عزيزنا البركة،

زيارة من باب الترحيب والفرحة بحرفك الوضئ (حقوق الوضئ محفوظة لعادل عسوم). .
سـ "أستمخ" بحرفك واحمد لك إمتاعنا.

كل التقدير



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-11-2008, 09:18 AM   #[8]
طارق صديق كانديك
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية طارق صديق كانديك
 
افتراضي

شششششششششششش ... !!

صمتٌ مطبق .. وجدرانٌ هرمة .. وبعض كاساتٍ دهاقاً .. !!!

الأديب الجميل .. بركة ساكن

أعلن فرحتي برؤية حرفك هنا من جديد .. !

نتلمس خيوط الفجر في رؤياك وفكرتك التي استعصمت عنا كثيراً ..

تحياتي ومودتي وتقديري



التوقيع: الشمس زهرتنا التي انسكبت على جسد الجنوب
وأنت زهرتنا التي انسكبت على أرواحنا
فادفع شراعك صوبنا
كي لا تضيع .. !
وافرد جناحك في قوافلنا
اذا اشتد الصقيع
واحذر بكاء الراكعين الساجدين لديك
إن الله في فرح الجموع



الفيتوري .. !!
طارق صديق كانديك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-11-2008, 10:12 AM   #[9]
أسامة الكاشف
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية أسامة الكاشف
 
افتراضي

متابعين
الحكي أصبح أكثر كثافة
واضح لنا إعادة الكتابة لهذا الفصل
مقارنة بالفصل الذي نشر سابقاً

ما تنقطع

حاشية:
كل الاسايطة محتفين بهذا البوست
وسعيدين بطلتك عبر الشروق



أسامة الكاشف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-11-2008, 06:12 PM   #[10]
حليمة
:: كــاتب جديـــد ::
 
افتراضي بركة من بركة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد العزيز بركة ساكن مشاهدة المشاركة
(ملحوظة: نشرت الكتابة الأولى من هذه الرواية في سودانيات بعنوان عرس الطين، هذه هي النسخة الأخيرة، حيث
ظلت الرواية في حالة كتابة منذ عام 2004، اكتبوا ملحوظاتكم عليكم الله.
).

ود أمونة سلام عليك
دخلنا حوش إبدعاك أأنا واشواقي ولهفة شوفتك الجميلة قلنا ناخد لينا خشم خشمين معاك لكن غلبها الثبات ورجعتنى عطشانة من كله, بطلع أهدهدها وألوليها إمكن تنوم ,,,,
وبرجع ليك



التوقيع: نحن سودان صلَى سلَم نحن عشاق الرسول
نحن للدنيا بنعلم منطق الزوق والإصول
نحن هلالا ساطع مانا نجيما افول
حليمة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-11-2008, 09:33 AM   #[11]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي الشَيَطَانُ، البَنَكُ...........



الشَيَطَانُ، البَنَكُ...........،
سَجَمِيْ.

أُفْتِتَحَ البَنكُ في وقت حُسِبَ بدقةٍ ليواكب المُوسم الزراعي لهذا العام.. وجاء الموظفون ونزلوا في ضيافة شركة الاتصالات، إلى أن تكتمل اللمسات الأخيرة لميس خاص بهم، تَم بناؤه من المواد الثابتة وشبه الثابتة ليوائم المُناخ وطبيعة المكان، كان يدور حوله صريف من القصب والشُوك كغيره من بيوت السُكان، ولكن القطاطي فيه مَبَنِي الجزء الأسفل منها بالطوب الأحمر والحجر، الجزء الأعلى من القَشْ النال والقنا، كما تبتني القطاطي عادة في الحلة.. أول من تعرف عليه موظفو البنك كانت ألم قِشي.. حيث أنها تعمل في ميس شركة الإتصالات، وعندما سألوا عن شخص يعمل معهم كمراسل.. اقترحت عليهم ود أمونة بدون تردد.. كان الشخص الوحيد الذي بدا لها مفيداً، في هذه المِهنة، ولربما لمعرفتها التي اكتسبتها من معاشرة أولاد المُدن في ميس الشركة، ولمعرفتها لود أمونة، حيث أنه طيع وطائع وسهل التعامل، ويمكن إرساله لأي غرض مهما صغر، كإشعال سيجارة مثلاً، ومهما كَبُرَ كخطبة امرأة.. فلا يشكو أو يتبرم.. دائماً ما يُرى نظيفاً طلق الوجه، لا يسكر إطلاقاً بالنهار مهما كان الندامى، أما عند الليل ليس بعد أن يتأكد أن لا أحد يحتاج إلى خدماته.. شخصٌ مثله نادراً ما يُوجَدْ، حيث السِمة العامة للرجال هنا هي الفظاظة والرعونة والرائحة النتنة: ود أمونة.. ود أمونة.. ما في غيره.. ظريف وسيم مؤدب طيع ومسكين ويترسل.
حدثتهم.. إنه يعمل الآن في بيت الأم بأجر زهيد، وشرحتْ لهم الصفات التي إعتبرها بعضهم نعمة. لم يرفض، شَكَرَهَا، اشترى بنطلون وقميص وصتني وصيتا جديدين، وذهب للعمل.
في الحقيقة الأم هي التي أعطته المال ليبدو بمظهر يليق بمراسلة كان يعمل عندها منذ زمن طويل، ومثل أم رؤوم دعت له بالتوفيق والنجاح في مهنته المقبلة، وطلبت منه أن يبتعد من خِصْلةٍ وحيدة سيئة، رافقته منذ الصغر.
- أوعك من: القُوالة والسُواطة.
وتقصد الأم: نقل الكلام من زول لزول.
أرسلت له أمه أمونة من القضارف عندما عرفت بوظيفته الجديدة، حذاءً جديداً من الجلد الأصلي، دعت له بالخير والبركة وحذرته من خِصَلةٍ وحيدةٍ سيئةٍ فِيه، رافقته منذ أن أخذ يعمل عند الأم.
- أوعك من فَشْ أسرار الناس.
وتقصد أمونة: علاقات الناس العاطفية وعاداتهم التي يريدون أن تبقى سرية.
أهدته أداليا دانيال ساعة سيكو جميلة لها خلفية ذهبية كانت قد اشترتها من أحد الجنقو قبل موسم مضى، وحذرته من خِصْلةً واحدة سيئة فيه اتصف بها منذ أن عرفته.
-أوعك من التعرصة !!
وتقصد أداليا دانيال، عدم المقدرة على مقاومة الرغبة الجامحة نحو جعل كل فتاة جميلة أو غير جميلة أيضاً، تنام مع رجل ما ويكون الفضل له في ذلك وحده، وعندما يتم مثل هذا اللقاء، يشعر ود أمونة برضى في نفسه ولذه لا تشبهها لذة أبداً.
أرسل إليه فكي عليْ طالباً أن يبارك وظيفته الجديدة، أعطاه حِجاباً يقيه من الحسد والغيرة وأولاد الحرام وبنات الحرام، وحذره من خِصْلة واحدة سيئة فيه، عرفها عنه الفكي منذ عامين ونيف.
- أوعك من النسنسة والدسدسة والخسخسة.
ويقصد الفكي عليْ، فِعلة كان هو طرف فيها، والطرف الآخر الشرطة، ولُقِّنَ فيها الفكي درساً لن ينساه.
طلبته بوشي، أهدته شريط أغنيات حبشية، وحذرته من خِصْلةٍ وحيدة فيه، إذا تركها فانه سيمتلك القلوب.. قالته له
-أوعك من الكذب.
وتقْصِد ما شهد به في ندوة بغيضة من قبل أعوام، نُوقِشَتْ فيها حقيقة عذريتها.
أرسلت له العازة هدية من سجنها بالقضارف، وهي عِبارة عن شَالٍ من الصُوف، صنعته بيديها، و أوصته بأن هنالك خصلة واحدة فيه، عليه الحفاظ عليها، وهي: الوفاء.
وتقصد كما هو واضح وجلي، إلتزامه نحوها بدفع ما عليها من دِيّة، حتى يتم إطلاقها من السجن.
وطلبه كثيرون لأجل هدايا ووصايا، إلا أنه اعتذر في أدب جم، في أن الوقت سوف لا يسعفه وعليه الذهاب إلى العمل.
مضى وفي ذهنه وصيةٌ واحدةٌ همستْ بها نفسهُ إليه قائله:
- أوعك تخلي الفرصة تفوتك.. أطلع فوق.. فوق.. فوق.. فوق.
جاء بيت الأم في الصباح الباكر مجموعة من الجنقو ومعهم الصافية، في صحبتهم ثلاث جنقوجورايات أخريات، عشرة في تمام حالهم وكمالهم، قابلتهم في الديوان، وهو حيث يُستقبل الضيوف في بيت الأم، قالوا إنهم يريدون الذهاب إلي البنك طالما كان هذا البنك للفقراء والمساكين من المزارعين كما قيل في خطبة جمعة قبل عام مضى، في الحق لم يحضرها أي أو أية من الحضور، حتى الفكي الزغراد نفسه كانت عنده حَضَرةٌ في ذلك اليوم من جن جاء على عجلٍ من بلاد الفِرِنجة، كما فسر سر غيابه لاحقاً.
أكدوا أنهم يريدون سلفية من المال، تمكنهم من شراء مشروع كبير ينظفونه بأنفسهم ويحرثونه بوابور يشتريه البنك لهم أيضاً، مزوداً بِمِحراث من ماركة جيدة تم تحديدها بدقة فائقة: موديلاً ماركةً صناعةً ولوناً.
إذا صادفت السلفية خريفاً جيداً كريماً معطاءً، سيعيدون أصل الدين في ذات العام.
. وتفضل لينا شُويّة حربَشَات نتقاسمها-
قال أبرهيت وفي فمه ابتسامة كبيرة جعلت شاربه يبدو طويلاً وعريضاً، ثم أضاف
-ونرّجِع للبنك الأرباح السنة البعدها، وبعد داك يكون البابور والدسك والمشروع ملكنا نحنا برانا، ولا كيف يا أخوانا؟
قلت له:
. كلامك في مكانه، ولكن زي ما عارفين، الموضوع دا يحتاج لدراسة جدوى-.
سأل جنقوجوراي صغير الحجم. أنيق، يحمل قلماً ونوتة في جيب قميصه التترون، كان يجلس ما بين أبرهيت وإحدى الجنقوجورايات
شنو دراسة الجدوى دي؟ -
ثم تساءلت الصافية
يمكن نشتريها من سُوق القضارف، مهما كلّف؟-
طلبت منهم أن يمهلوني أياماً قلائل وبإمكاني إعدادها لهم
. - تلاتة أيام بس
كنت أرى أحلامهم بالنجاح والثراء بأم عيني تتطاير حولنا، تملأ المكان إنشاداً، بهجة، ووداداً قبل أن يذهبوا،انتحي بي أبرهيت جانباً و اعتذر لما بدر منه من رعونة، في موضوع صديقي، و أنه ظنه مرسل من قبل الأمن، حدثني عن بعض المصاعب التي مازال يُعاني منها من جهات كثيرة، أمنية و دينية متطرفة، نسبة لدورة المزعوم في ترحيل الفلاشا لإسرائيل، وقَدّم ليّ نِيَابة عن المجموعة، هدية مرتجلة وهي زجاجة كونياك، قالوا لي فيما أنها مفيدة لرجل تزوج حديثاً من حبشية جميلة كانت تعمل في بيت أدّي، احتفلنا أنا و ألم قشي، احتفالاً صباحياً بالهدية، تناقشنا في فكرة الجنقو الخطيرة، سألتني ألم قِشي سؤالاً مباغتاً
-بتظن البنك حيديهم القرضْ؟
قلت لها:
-ما عارف، ولكن نكتب ليهم دراسة الجدوى، بعد داك الله كريم.. يمكن.. ويمكن، مافي شئ عند الله بعيد.أما بيني وبين نفسي، فكنت أعرف النتيجة مسبقاً، واستطعت أن أتخيل تماماً منظر الجنقو وهم يُطْرَدُون من البنك شَر طردة، وأنا معهم أعتذر أو أتوعد، الأمر سيّان، ولكن عندما ردت ألم قِشي معلنة:
. الناس ديل وراهم الفكي علي الزغراد نفسه-
وفكي علي كما هو معلوم لا يعمل بالقرآن وحده، ولا بالكجور وحدها ولا بالشجر أو السحر الأسود، ولكنه يعمل بالكتب والقرآن، السحر، التنجيم وعلم الحرف، ولديه خُدام،وبإمكانه أن بفعل ما ينوي فعله، قالت:
. فكي علي يَدهُ لاحقة... فكي علي يرَوّب المُوية عديل كدا-
أنا أحد أصدقاء فكي علي، تعجبني حياته البسيطة، ثقته العالية في نفسه وعلمه وفعل يده، رائحة أثوابه وجسده الخليط من الصمغ والوبر وشئ من الجلد المدبوغ، تعطيه مسحة غموض وتؤكد فيما تؤكد تفرده في كل شئ حتى شميم الثوب، لديه فهم للدين، ليس متقدماً أو متخلفاً، ولكنه غريب، وخاصة في مسألة شُرب الخمر والتكليف، حيث يرى أن الناس عند الله ليسو مسلمين وغير مسلمين، ولكن نساءً ورجالاً وأطفالاً، فالأطفال والنساء غير مكلفين بالعبادة لأن لا مكان لهم في موضوع الثواب بالجنة، فالجنة للرجال وحدهم بالتالي عليهم دفع تكلفة ما سيجدونه في الجنة هنا في الدنيا، ويقول في الخمر إنها محرمة على السُفهاء والصعاليك فقط لأنهم يتخذونها لهواً، أما الخيرة والصفوة والمتأدبين من الناس بمن فيهم الحكام والفقهاء و القضاء، فإنها خير جليس لهم. وقال:
-أفكاري دي كلها كلمني بيها ابليس ذاته، ابليس دا كان واحد من الملائكة وأكثرهم
علماً وقرباً من الله، الناس ما تستهين بيهُ.
الكونياك الحبشي ألذ طعماً وليست له آثار اليوم التالي للشُرب من صُداع نصفي مؤلم، حرقان في الحلق أو غثيان، كل ما يفعله بك أنه يجعلك تتبول كثيراً وتتشهى ممارسة الجنس، إذا كنت امرأة أو رجلاً سواء، الأحباش يستوردونه، و يصنعونه أيضاً، أما الإريتريون فإنهم يصنعونه بإمكانيات محلية لا بأس بها في الغالب، أنا أفضل الحبشي.احتفينا عند منتصف النهار، وعند المساء في الحلم جاء إلينا الجنقو، على ظهور حُمر الوحش، تتبعهم أشجار السِمْسِمْ وعيدان قصب الذرة وعلى رؤوسهم تبيض السمبريات والعشُوشَايَاتْ، أخذوا دراسة الجدوى وتركوا لي حميرهم الوحشية، في معية خريف مطير طيني، و شمس حارقة كالنار.
أرجو ملاحظة أنني تجنبت تماماً كل التفاصيل التي ذكرها (هو) لي شخصياً عما وقع بينه والصافية؛ ما عدا تلك التي وافقت ما تحدث به الآخرون، ولكن اعتمادي الأكبر كان على المعلومات التي تدفقت في بيت أداليا دانيال يوم مريستها في سبت مضى عندما أقمت ما يشبه سمناراً أكاديمياً حول ما اُصطُلح على تسميته في تلك النواحي بـحكاية الصافية، وسيُلاحَظ تأثري بالوقائع التي اعتبرها الفكي علي حقائق ثابتة: أولها وأهمها أن الصافية تمتلك عضوين تناسليين، واحد يخص الرجال والآخر يخص النساء، والذي يخص الرجال مكتمل وكبير الحجم ويختفي تحت شعر عانة كثيف وشائك، أما الحقيقة الثانية التي لا يتسامح في شأنها فكي علي هي؛ أن الصافية فعلت بالرجلين فعل الذكر بالأنثى، وأن ذلك مؤكد ولديه دليلان سوف لا يُذكران هنا.
هنالك أيضاً حقيقة يشك الفكي علي قليلاً في صحتها، ولكنه لا ينفيها، ورغم ذلك أنه حلف بجده لأبيه سليمان الزغرات السناري أن يزهق روحه في الحين والآن، أن للصافية بنتاً وولداً من امرأة بازواية تسكن الآن في مشروع دوم، واسمها نِعْمَة مَشَاكِل، وهو يعرفها ويعرف أمها وأباها، وقد رأى البنت والولد بعينيه الكائنتين الآن في رأسه ووجهه، أما فيما يخص تحول الصافية إلى مرفعين إو أسد أو ما شابه ذلك من حيوان فهو جائز، والمسألة عنده تتمحور حول اللبن والمؤكد عنده أن تَيَراب البِنَيّة، يُورث عن طريق لبن الأم المُرضع ثم قاس على ذلك.
إذا نظرنا بدقة إلي حقائق وجوائز وتشككات الفكي علي، ثم قرأناها في إطارها الصحيح، والمقصود بالإطار الصحيح هو قوالات وإفادات ومداخلات وما دار همساً فيما يشبه الندوة في يوم مريسة أداليا دانيال ببيتها، وما تطابق من شهادتي الرجلين اللذين خاضا تجربة واقعية وفعلية مع الصافية مع قوالات وحكايات وحقائق وجوائز وتشككات الناس والفكي علي، وحذفنا من حكايتيهما كل ما شذ عن ذلك مع الإهمال التام والمتعمد لمحكيات الصافية عن نفسها، لأنها سوف لا تقول إلا الجانب المشرف من الحكاية، أي الجانب الذي يجعلها تبدو كضحية لقوى خارقة خارجة عن إرادتها وضحية لبني الإنسان أيضاً. وأنها، كما يُقال اعتمدت على بعض القوالات الدائرة في الحِلة واعتبرتها حقيقة، مما شوش تفكيرها وخلط عليها الواقع بالمتخيل بالحكايات التي صاغها الأهالي سهواً، وأنها.. كما قال الفكي علي الزغراد واصفاً حالها: تشابه عليها البقر.
قبل أن أحكي،حكاية الصافية؛ بالصورة النهائية التي اعتبرها الحقيقة الكاملة فاجأتني أداليا دانيال باعتراف خطير حدث قبل أكثر من ثلاث سنوات، يومها كان الناس في عز الخريف والعمال مشغولون بـكَديب العيش،سوف أحكيه ببعض التصرف عن أداليا: جاء التاجر فلان الفلاني، صاحب أحد المشاريع الكبيرة تخوم زهانة، ولم يكن اليوم يوم مريستي، يوم أحد، طلبت مني الصافية أن أحضر لهما عرقي وعسلية من الحِلة، مشيت لبيت أدّي، وأحضرت لهما كل شئ، وكانا قد أحضرا لحمة من السوق، إلا أنني عتذرت لعدم تمكني من طبخها، لأنني ذاهبة إلي الكنيسة وقد سبقني زوجي وولدي وابنتي إلي هناك، تركتهما يشربان ويطبخان في الراكوبة الكبيرة قُرب اللالوبة، بعد أداء الصلاة في الكنيسة، عدتُ تاركة زوجي بالكنيسة حيث إنه يعمل على خدمة بيت ربُنا إلي ما بعد المغرب أما ابنتي والولد الذي يصغرها بسنتين، هي في الرابع عشر تركتهما والشباب الذين في عمرهما فإنهم غالباً ما يبتكرون برامجاً شيقةً تبقيهم مع بعضهم البعض إلي أن تغيب الشمس، كان بين بيتنا وبين الجيران باباً صغيراً غالباً ما نتركه مفتوحاً ولأن بيت الجيران هو الأقرب للكنيسة، دخلتُ عَبْره، ثم إلى الراكوبة مباشرة حيث وجدت الصافية تعلو جسد الجلابي الأسمر المستكين تحتها المستسلم تماماً، المستلذ، المنكفي على وجهه، صرخت أداليا في دهشة:
-سَجَميْ.
حينها فقط تنبها، وانتزعت الصافية الشئ خاصتها من لحم الجلابي وبدى عليهما خليط من القلق، الحزن، العرم، والخوف الشديد وأخذا في الاعتذار وطلب السُترة.
وعلى الرغم من أن أداليا، حسب إفادتها رفضت المنحة المالية الكبيرة التي دفعها لها الجلابي، إلا أنه أصر وأقسم وحلف بالطلاق وترك لها المال.
قالت أداليا:
- مشوا بيت الأم، الوقت داك ما كانت الصافية عندها بيت محدد، وأنا من اليوم داك عرفت إنو الصافية دا راجل ومرا في نفس الوقت، وعملت حسابي منها.
ولم تخبر أداليا أحداً بهذه القصة غير الفكي علي الزغراد وهو بكل سرية وتحفظ حدّث بها الجميع، أكدت لي أداليا أن شيئها لم يكن طويلاً ولكنه قصير وسمين وأسود ومحشور وسط الصوف، أما الفكي علي فقد وصفه مستخدماً كلمة واحدة فقط
- كبير؟
بالرغم من أنني لا أميل إلي نشر ادعاء صديقي الذي تبجح أمامي ومختار على بالقول إنه أجبر الصافية على حلق شعرها أنه وجدها امرأة كاملة بل وعذراء، وأنه أول رجل في حياتها، إلا أن ذكر تلك الحكاية يفتح أمام الجميع نافذة للفهم والولوج إلى عين الحقيقة، وذلك إذا أضفنا جملته القاطعة:
.أنا نجمتها، مُشْ هي النَجَّمتنِي-
ربما أربك مشروع الصافية هذه مشروع دراسة الجدوى، لأن همّ الناس الآن وقضية ساعتهم هي إدراك حقيقة الصافية والبنك ملحوق، فما زلنا في شهر يناير، ولكن هناك دائماً من يشذ عن القاعدة وعلى رأس هؤلاء الصافية ذاتها، جاءت في وفد من ثلاثة رجال تسأل عن دراسة الجدوى، قلت لهم
. معليش أنا آسف، ما قدرت أكملها، كنت مشغول شوية-
قالت الصافية في جرأة
- في موضوع صاحبك؟
قلت مراوغاً
. في هموم كتيرة، ولكن بكرة الصباح بكون خلصتها-
قالت بصورة حادة وجادة أخافتني وهي تحمّلِقْ في أم عيني بمقلتين حمراوين شرستين.
-أحسن تشوف المواضيع الفيها فايدة، وتسيب القُوالات والصُواطات للشراميط واللوايطة والمعرصين.
وقالت الكلمة الأخيرة بطريقة تعني تماماً أنني من هذه الفئات الثلاث والأخيرة بالأخص.

أبرهيت، الصافية، مختار علي، لام دينق زوج أداليا دانيال، الفكي علي ود الزغراد وأنا، حملنا دراسة الجدوى مكتوبة على ورق فلسكاب نظيف، استبدلناه أكثر من ثلاث مرات حتى يليق بمكانة البنك الراقية، ومضينا.
كان البنك مبنى فخماً متعالياً ومنتفخاً مثل فيل مغرور، على كل كلنا كنا نراه جميلاً وغريباً مطلي بالدهان الأخضر الداكن وهو المبنى الوحيد في تلك النواحي مبنى من طابقين كاملين، واخذ الناس يتجادلون في كيفية الصعود للمدير وماهية السلالم أو المصاعد وكيف أنهم سوف يستخدمونها، وحسم التكهنات ود أمونة الذي عمل مراسلة منذ أيام بالبنك وانتهز فرصة أنه خالِ من مرسال ما لدقائق وأخذ يثرثر مع الجنقو خارج البنك، عن البلاط المزايكو والسلالم الإفرنجية ومعطر الهواء والمكيفات التي تعمل بالكهرباء والماء، وحذرهم بأنهم قد ينزلقون فتنكسر أيديهم أو أرجلهم ولا يُسْتَبَعَدْ أن يفقدوا أعناقهم أيضاً، كانوا يبتسمون في حذر ثم دخل إلى البنك، ثم خرج ليطلب منا دخول الاستقبال، كان كل شئ نظيفاً ولامعاً وطيباً في الداخل، ما عدا الجنقو والذين حاولوا المستطاع أن يأتوا في أبهى ما يمكن، هم الآن الأكثر اتساخاً في المكان الذي عمل على نظافته منذ الساعات الأولى من صباح اليوم ود أمونة ومعه امرأتان غريبتان أتى بهما البنك خصيصاً للنظافة من مدينة الخرطوم، ولأن غريزة موظف البنك تعمل بنشاط عندما يحوم خطر على المال، انتهرنا الكاشير:
هي...... في شنو.... ديل عايزين شنو يا ود أمونة؟! أنا مُش قلت ليك ما تدخل الناس سَاي؟-
قلت له وقد تقدمت نحوه قليلا:ً
. نحن عايزين نقابل مدير البنك-
قال بذات اللهجة الجافة:
عايزين مِنّو شنو؟-
قلت له:
. عندنا موضوع معه-
قال في بجاحة:
عندكم مواعيد ولا لا؟-
قلت:
. لا-
قال:
هل ممكن نعرف الموضوع دا شنو؟-
قلت له بصورة قاطعة:
. لأ.. ما عدا مدير البنك-
قال بخبث:
-المدير عنده اجتماع، انتظروه بره في البرندة أو تحت الشجرة لمّا ينتهي من الاجتماع، ود أمونة حيجي يناديكم. ونظر إلينا محملقاً في وجوهنا منتظراً رد فعل ما، وعندما خرجنا، أحسست به ينتفس الصعداء، ونحن لمّا نمض بعيداً عن الباب سمعنا صوته ينتهر ود أمونة في قسوة، ولكن لم يدم انتظارنا طويلاً في البرندة حتى جاء ود أمونة مرة أخرى، سألنا قائلاً
. موضوعكم لو مكتوب في ورقة؛ المدير قال حيقرأه ويرد عليكم-
قال له الفكي علي:
-إذا عايز يقابلنا، أهلاً وسهلاً، وإذا ما عايز يقابلنا برضو أهلاً وسهلاً.. نحن عايزين نأكله؟! نحن عايزنه في شغل، أمشي قول ليهو الكلام دا يا ود أمونة.
لوى ود أمونة شفتيه في حركة تعني أيضاً أمركم، بالإضافة إلى وأنا مالي، ولكنا فهمنا منها: أنتم ما قدر المكان دا.
وقرأ الفكي ود الزغراد جهراً تعاويذ وأدعية وطواطم بالإضافة إلى سورة قرآنية قصيرة ولم تقف شفتاه ولسانه من التمتمة إلي أن جاء ود أمونة وفي فمه ابتسامة كبيرة جعلت خديه الأملسين يلمعان، وقال:
. اتفضلوا، سيادة المدير عايزكم-
ومضى قدامنا يحرك ردفيه ويديه بصورة بناتية غنجة، ولأننا جميعاً اعتدنا على ذلك لم يثر انتباه أي منا، عندما دخلنا وجدنا شرطيين لم نرهما في المرة السابقة ولا ندري كيف دخلا، وهما معروفان بالنسبة لنا جميعاً، نعرف اسميهما واسمي ابويهما وأميهما واخواتهما وجميع أقربائهما، باختصار الشرطيان من الحِلة، تبادلنا التحايا باقتضاب، وبينما هما مندهشان قليلا،ً صعدنا نحو الأعلى إلي مكتب فسيح تفوح منه رائحة النقود، يتقدمنا ود أمونة مزهواً وهو يدندن بأغنية بنات شائعة.
رحب بنا مدير البنك مدعياً السعادة برؤيتنا معتبراً قدومنا إليه طبيعياً، ولكنا كنا نقرأ ما خلف ذلك بوضوح، كان يريد أن يعرف بسرعة ماذا نريد
. اتفضلوا، مرحباً-
قدمت إليه المجموعة فرداً فرداً، بتمهل، وقفت بعض الشئ عند الفكي علي، مشهود للفكي علي عمايل خير كثيرة، وألمحت إليه تلميحاً أن الفكي علي ود الزغراد بإمكانه أن يضرّ ضرراً بالغاً لمن شاء وقتما شاء وكيفما شاء، تحدثت عن دور البنك كما يفهمه عامة الناس هنا في الحِلة، ثم شرحت له الهدف من الزيارة وأشرت إلى دراسة الجدوى التي أعددتها. ابتسم وهو يسرق النظرات إلى الصافية وهي في ثوبها الجديد ماركة وصتني وصيتا ربما كانت رئتاه تمتلئان الآن بعطرها الرخيص ماركة بت السودان.
قال وهو يحاول ان يكون حاضرا و مركزا
-أدوني دراسة الجدوى، أقراها، وأعرضها على مُدير الاستثمار بعد داك أديكم الرأي، وأنا سعيد بزيارتكم للبنك وأتمنى أنكم تبقوا عملاء لنا دايمين، قالها بطريقة تعني بوضوح والآن اتفضلوا بره.
قالت له الصافية التي يبدو أنها لم تفهم شيئاً مما قال أو أنها الوحيدة التي فهمت
- يعني حتدونا سَلفية تراكتور ودسك ولا لأ؟
قال مبتسماً
. الموضوع يحتاج لدراسة وتحليل مخاطر-
تطوع الفكي الزغراد بشرح ما يرمي إليه مدير البنك للصافية، قائلاً
. يقصد نمشي ونجيهم مرة تانية عشان يدونا رأيهم-
أضاف أبرهيت بعد أن أعلن عن نفسه بتنظيف حنجرته مرتين متتاليتين
. من الأحسن نمشي، الفي القسمة نلقاها-
لم يقُل المدير شيئاً، فقط ابتسم وهو يتسلم مني دراسة الجدوى يقلبها قليلاً بصورة آلية ثم يضعها على صينية الأوراق. ونحن نخرج، همس الفكي علي في أذني
. أنا لو عرفت اسم أمه، حأعمل فيهو عمايل-
ثم أضاف بصوت أكثر وضوحاً
- ود الحايل، يتنهد زي الزول الما كويس.. مرة يقول أعملوا دراسة جدوى، لمّان نعملها يقول أمشوا وتعالوا.
كل مهارات الناس في اصطياد الإشاعات وصنع الأخبار وتقصي الحقائق فشلت في الحصول على معلومات عن مدير البنك، حتى ود أمونة لم يستطع معرفة اسم أمه أو برجه، لولا فكرة أبرهيت ليئسوا
. ألم قِشي-
. أيوا... ألم قِشي-
الموظفون الأغراب يتقوقعون في كبسولة واحدة، يتحصنون بأسلوب وطرائق وأفكار وسبل معيشة رتيبة ومكرورة ولكنها تصبح جيباً مجتمعياً معزولاً عن المواطنين والأهالي، فهذا حصن لا بأس بها ضد الإشاعات والقوالات، ولكنه أيضاً سيظل هشاً في مقابل حكمة ومكر وجمال ورقة وإنسانية وألعاب أية فتاة تثق في نفسها، المغربون أضعف البشر، دائماً ما يتملكهم حنين إلي البيت والأسرة والمرأة أو البنت عندهم في رمز لاستمرار الحياة ودفء المكان، القرويات بالحلة لا يعرفن ذلك، ولكنهن يتصرفن وفقاً لذات الرؤية، فإنهن حين يهبن وحين يعطين ويمنحن ويأخذن ويدعين ويتواضعن، يفعلن ذلك بشرف وكرامة وقدر من ادعاء الخصوصية لا يُستهان به، انهن يقدمن أنموذج الأخت والصديقة والزوجة والحبيبة، وليست الداعرة السوقية المستهلكة أو الانتهازية، إنهن بنات بيوت ومشروعات صغيرة وحالمة لربات بيوت، يجدن فن الحب والعلاقات، أميتهن هي ثروتهن الكبرى، والتي لا تقيم بثمن، ذات الأمية هي مشعل وعيهن الاجتماعي الكبير. ألم قِشي، تعرف هؤلاء البُنيات
حسناً، تمطى الفكي علي، أصبحت الكرة الآن في ملعبه هو بالذات.
اسمه بلال حسن التركي، -
امه نفيسة بت عبد الله.
أولاً جَمّعْ الأرقام المقابلة لكل حرف من حروف الابن والأم، الأسماء الأولى فقط، حدد برج المدير، وباستحضاره للصفات الجسمانية من لون وطول ونوع الشعر، استطاع أن يتتبع نقاط ضعفه بين أبواب وأسطر كتاب شمس المعارف الكبرى، ثم زاوج ما بين علم الحرف والفلك والشجر وما يُعرف بالسحر الأسود، ثم غمس قصبته في الدواية وكتب
لم يبدأ ببسم الله الرحن الرحيم، ولكنه بدأ كهذا:
(براءة من الله ورسوله) كتبها سبع وسبعين مرة، لفها حول عرق يُسمى عرق الهدهد ثم، أدخلها في قطاع من ساق الخروع المنظف جيداً، وجاوز الجميع بظفر طائر السِمبِر الذكر، ثم طلب أن يأخذه رجل نَجِسٌ يقوم بحرقه ويذر رماده في الهواء، يوم الجمعة قبل أذان الصُبح، ومن ثم يقوم الرجل النجس برسم خاتم سليمان مرة واحدة على الأرض.
عندما مرّ أسبوعان على موعد الطمث الشهري لألم قِشي، تأكد لها بما لا يدع مجالاً للشك أنها حَبِلتْ، سررنا لذلك وأخذنا نعد العدة لاستقبال الطفل، ولم يكن همي أنا بالذات نوعه ذكراً أو أنثى، ولكني أريد مخلوقاً صغيراً جميلاً يبقى معنا في البيت ويؤصل لعلاقتي وألم قِشي، ولكن هذا لم يمنع من أن نختار اسماً مسبقاً، فقد اتفقنا على أنه محمد، إذا كان ولداً وأنها القنيش إذا كانت بنتاً، ولم نتفق على اسمي التوأم بعد، لأنها كانت تود أن تطلق عليهما اسمين أكسوميين معقدين، وكنت أريد أن أطلق عليهما اسمين عربيين، اختلفنا فأحلنا النقاش في اسمي التوأم إلى حينه، على كلٍ ألم قِشي تفضل المولد بنتاً وهي ذات الرغبة التي تزوجنا من أجلها، وهي ذاتها التي تجعل لتواصلنا الجسدي معنى ومتعة كبيرة، وكنت لا استطيع مقاومة قولها.
. عليك الله حَملني،عايزة أحمل-
هذه الجملة تشحنني بدفق من الحب والجِدية، وتجعلني ضحية بليدة لسلطة البقاء، فأحبها أكثر.... لقد اكتشفت أن الجنس عندي مرتبط بالإنجاب، لا شئ آخر، المتعة تجيئ مصحوبة بالفكرة، دائماً ما يكون في مخيلتي طفل وأنا على صدر ألم قِشي، كان صديقي يعتبر الجنس واجباً إنسانياً، وهو ضروري لكي يكون هناك إنسان كامل، وهو في حالة الصافية مسألة نفسية بحتة بل مسألة إثبات في المقام الأول.
كنت أقول له دائماً
. إذا لم تكن هناك فكرة خلق، تصبح المسألة نوعاً من اللذة الميكانيكية-
يقول ساخرا:ً
إذن أنت من أنصار قصة حب وراء كل ممارسة جنس؟ -
، ما فائدة الحب بلا أطفال في الخاطر. طفل.... طفل أيضاً-
قال ضاحكاً محاكياً لغة الأفلام المصرية:
. دا إنت رومانسي أوي-
نشأت بيني وألم قِشي علاقة حب قوية، عرفت ذلك من القوالات والاشاعات وما يشبه الندوات في بيوت الفداديات، وأظن أن ألم قِشي هي الأخرى تلمست ذلك، ولقد قيل لي علانية في بيت خدوم يوم الاثنين الماضي.
. الزولة دي بتحبك، وإنت عارف حُب الحَبش، تموت وتحيا معاك، مبروك ليك-
ولقد قالوا لها هي أيضا، وحدثتني قائلة
قالوا لي إنت سويتي للراجل دا شنو؟ -
بذلك أكون قد وقعت في الحُبْ لأول مرة في حياتي إذا صدق الناس فيما يقولون، أما إذا لم يصدقوا، فتظل العلاقة بيني وبينها تحتاج لتعريف، ولو أنها تمتلك آلية استمرارها، لا يهم المسمى أو التعريف، طالما كانت الطفلة أو الطفل يلوح بأنامله من داخل جسدينا ورغبتنا ولمساتنا من عمق قلبينا، في ذاتنا يقهقه. لقد تنبأ لنا الفكي علي بحياة زوجية طويلة وأطفال كُثر، والفكي علي رجل صالح، من أحفاد رجل من رجال الله اسمه سليمان الزغرات، ظهر لأول مرة ولآخر مرة في كتاب الطبقات لود ضيف الله.أما الفكي علي الزغراد فيعتبر الزغرات الذي ذكر في كتاب ود ضيف الله زغرات مشوه، لأن جده سليمان الطوالي ما كان يعمل بَابَكُولاً للمَرَاسَةِ، ولكنه كان أحد تلامذة الشيخ محمد الهميم جاء إليه من دار قِمر بأقصى غرب السودان، وكان جده فكي قاطع، باستطاعته أن يَرَوِّب الماء، أما إذا زغرت، فما من مُغلق إلا انفتح، ولا مشبوك إلا انحل ولا غائب إلا عاد، ولا بعيد إلا قرب، ولا عصية إلا طاعت، ولا كربة إلا فُرجت.
في هذه البلاد يؤمن الناس بالله ورسله، بملائكته وشياطينه، جنباً إلى جنب مع الفكي الزغراد، لذا كانت تنبؤاته حقائق مستقبلية وكشوفات ربانية، وربما هذا ما أعطى لحياتنا قدراً كبيراً من الاستقرار، خاصة من جانب ألم قِشي لأن إيمانها بالفكي الزغراد غير مشروط. أما أنا، فكنت أفكر في الفكي علي الزغراد كشخص يمتلك مهارات لا تخفى في الإقناع، يعمل في منطقة مكشوفة من وعي مجتمع الحِلة، وله القدرة على التأثير في الآخرين وارجع ذلك لإمكانات دنيوية مادية بحتة، وهنا تكمن عظمة هذا الرجل النظيف النحيف الذكي الذي تفوح منه دائماً رائحة الصمغ العربي، وهو يفهم رأيي فيه ويحترمه وإن كان يرى في نفسه أنه يمتلك قوة روحية، وأن له خدماً من الجن ويحتفي بعلمه ومعرفته بأسرار النبات وعلم الحرف والكف والوجه وفتح الكتاب، ويقول إنه فوق ذلك كله أو لذلك كله أنه من بيت النُبوة وأنه من الأشراف.
سألته ذات مرة
من هم الأشراف؟ -
قال لي
. هم القرشيون عشيرة النبي-
قلت له
ولكن القبائل العربية الهاجرت للسودان كانت من جُهينة؟ -
قال مبتسماً
وعلي رضي الله عنهما. نحن أولاد الحسن و الحُسين أولاد فاطمة-
قلت له
. نعم... نعم-
وكان يدور في رأسي استشهاد الشابين أحدهما بيد يزيد ابن معاوية والآخر بيد معاوية ابن أبي سفيان نفسه، في أزمنة غابرة بالجزيرة العربية والشام، أم أن البقر تشابه عليّ؟



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-11-2008, 09:45 AM   #[12]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي سِلاحُ الفُقَراءْ: ثورة الجنقوجورا.





سِلاحُ الفُقَراءْ: ثورة الجنقوجورا.



نَحْنُ الآن في شهر مايو، نِهاية مايو، أقمتُ منذ أكثر من شهر في التَاية، استعداداً للموسم الزراعي الجديد، حيث إنني اشتريت أرضاً جديدة مقدارها عشرة أفدنة و تحتاج إلى تنظيف، تكثر بها أشجار الكتر، وقليل من أشجار اللعوت، وبعض الطلحات، كان معي عاملان، يساعدانني في أُم بَحَتي، حيثُ إنه ليست لي خبرة في شأن الأرض، أحدهما مختار علي نفسه والآخر هو إبراهيم عثمان الذي يُلقب بالشايقي، ولكنه في الأصل جعلي وقام والداه بتشليخه شلوخ الشايقية عملاً بنصيحة بعض الأقارب، حتى يتجنب الموت، لأن كل أخوته الذين سبقوه كانوا يموتون وهم في عمر دون الخامسة، وقد نجحت الحيلة وعاش، وهو الآن على مشارف الخمسين، الأثنان جنقوجورايان نشيطان، عركا الأرض طويلاً، يفهمان في النظافة، الزراعة في الكديب والحصاد، إضافة إلى خبرتهما في الحيل المحلية على مقاومة الآفات بأنواعها، ولا يفوتهما في ذلك سوى الدَنَبَاريْ، كلاهما بدون أسرة.
كان مختار علي هو الأكبر سناً، حيث إنه في أواخر خمسينياته أما الشايقي فعمره فوق الأربعين بقليل، وهو شاب قوي البنية طويل، له بشرة حمراء وشارب كث، كلا الرجلين أمي لا يفك الحرف، عملنا في الأرض منذ مارس، وكنا نقيم بصورة شبه دائمة في قُطية وراكوبة، القُطية نخزن فيها طعامنا ومتاعنا ونأوي إليها إذا برد الجَو، الراكوبة للمقيل والونسة، أما مطبخنا فهو الفضاء الرحب، حيث نستخدم بعض الحجارة كموقد، وكل مكان لا يراك فيه الآخرون هو مرحاض.
كنا نحصل على الماء عن طريق الحمير من نهر سيتيت، عبر مُشْرع زهانة، لأنها الأقرب، ونحتفظ بها في براميل كبيرة من الحديد، وظل مشوارالماء هو ما يربطنا أسبوعياً بالقرية، حيث إن الطعام متوفر لدينا،:الكجيك، والشرموط، أم تكشو، الكمبو، الفرندو الويكة، والملح والشطة ولدينا كمية من دقيق الفيتاريتا، يكفي لشهور كثيرة، وإذا أضفنا إلى ذلك ما تجود به الغابة من لحوم طازجة شهية في شكل فئران، أرانب، طيور، أبوالقدح، الحَلُوٌفْ، حلاليف، أصلات، وغيرها، نجد أنفسنا في جنة صغيرة، بها كل ما يشتهي الجنقوجوراي. على كلٍ مسألة الطعام عند الجنقوجوراي سهلة، بسيطة لأن الجنقوجوراي يأكل كل ما في الأرض ما عدا البشر والمعدن والحجر، وكل ما طار، من جراد وطير وسمان، وكل ما اتخذ الماء بيتاً. ومنذ أن قررت أن أكون واحداً من هذا المكان؛ قررت أن أحيا كشخص حقيقي ينتمي إلى كل شئ فيه فكراً وممارسة، ولو أنني اتخذت أقرب الطُرق التي تربطني بالمكان والناس وهي المرأة، ولكن هناك مرارات اجتماعية عليّ ان أتعود عليها، وأهمها نظام العمل الشاق، استعنت أيضاً بالضمان الاجتماعي الذي تحصلت عليه في الشهر السابق، دفعت منه ثمن الأرض، وتركت ما تبقى من مال لألم قِشي لتدبر به حالها، بعد أن قللت من عملها بميس شركة الاتصالات، حيث إنها استخدمت امرأة أخرى معها للمساعدة على أن تقاسمها المرتب الشهري: في الحق كنا نحافظ على طفلنا لا أكثر.
الشايقي ومختار علي لا يكلفان كثيراً، بالإضافة إلي الطعام اليومي الذي نشترك فيه جميعاً، يحتاجان للسجائر والتُمباك والمريسة، والأخيرة يصنعها الشايقي بنفسه من بقية اللقمة والكسرة مضافاً إليها بعض الدقيق من مخزون الميس، وهي نوع من المريسة الخفيفة والتي تسمى بَقَنية، وهي أقرب لـلعسلية، وهما لا يتناولانها في الحِلة، حيث تسمى بمريسة الفقرا، أنا لا أفضلها كثيراً، يعرفني الناي بحبي لعرقي البلح والمستورد، وذلك عندما يكون لديّ فائض مال، أما عندما أكون مفلساً فأنا من التائبين عن الخمر ولا أشربها بالدين مطلقاً،
تخلصنا من الأشجار الكبيرة جميعاً، وقمنا بصنع عشرين من كمائن الفحم الضخمة، كان عملاً متعباً ولكنه لا يخلو من متعة هي لذة الإنجاز، الإحساس بخلق قيمة من العدم، كنت قد صممت مسبقاً على أن نتقاسم مردود الفحم المالي بالتساوي بيني ومختار علي والشايقي، مما سرّع من العمل وجوّده، فبعنا ثلاث شحنات من الفحم إلي سماسرة الفحم بالقضارف وخشم القربة والشواك، بعناه تسليم مشروع، أرخص سعراً ولكنه يجنبنا إشكاليات الشحن والترحيل والجبايات الكثيرة والرشاوي والرسوم الطارئة التي يبتكرها الشرطيون بمجرد أن يروا عربة الفحم.
بدأت وفادة الجنقو للحلة تتكثف، حين أخذ هطول المطر في الحبشة يتزايد، وبدأ موسم الزراعة في الشرق عامة، ونتيجة للنقص في المال والرغبة في الزراعة واللحاق بالموسم ظهرت حكاية البنك مرة أخري في السطح، ويعرف الجنقو جميعهم أن البنك قام بتسليف كبار المزراعين من مدينة القضارف و مَحَليّة الفَشقة وحتي خشم القربة وكسلا، وقام بمدهم بتراكتورات ودساكي وأعطاهم نقداً قروضاً إسمها " السَلمْ". كان الجنقوا يتسائلون، لماذا لم يفتِ البنك في طلبهم، لماذا التمييز ضدهم، وهم أعرف الناس بالأرض، هم الذين ينظفونهاْ و يزعونها ويحصدونها ويحاربون آفاتها، هم الذين ينتجون العيشَ و السِمسِمْ. لماذا لا يثق البنكُ فيهم؟ وأخذ الجنقوا يتناولون الأمر في تجمعاتهم، كانوا في هذا الشهر البائس، وهو مايو، يعانون من الفقر المدقع، حيث لا عمل بالتالى ليست هنالك نقود، ليست هنالك مهرجانات لشرب المريسة، و التي ارتفع سعرها في هذه الأيام نسبة لإرتفاع سعر العيش،لكن كرم الفداديات يسع الجميع، فيمكن الشرب عن طريق الشخط في الحائط، أو عن طريق الأمنيات ورهن الزينة، من مسجل او نظارة شمسية او قمصان او راديو أو أي شيء آخر له قيمة، لذا ما يذال الجنقو يتجمعون في بيوت الخالات، أدرنا معهم حوارات عميقة و طويلة عن البنك ودوره وماهو عليه، في الحقيقة كان قد تحمس كثير منهم للفكرة، وهي أن نذهب الى البنك مرة أخرى، ونطلب منه أن يقدم لنا غرضاً محدوداً وتراكتور بدسك و أن نقدم له ما نستطيع من ضمانات، وتبرع عشرون شخصاً يمتلكون بيوتاً مسجلة بأسمائهم ان يقدمونها للبنك رهنا، و تبرعت أنا بمشروعي الزراعي الصغير.
ربما الذين تفاجأوا بتجمع الجنقو أمام البنك هم أداريو البنك ورجال الأمن فقط، ولكن جميع سكان الحِلة رجالاً ونساءً وأطفالاً، كانوا يعرفون أن الجنقو سوف يذهبون إلي البنك في يوم السبت.. وكان لهم طلباً واحداً.
- جربونا في مشروع واحد وتراكتور واحد وسلفية لاتتعدي خمسمية ألف جنيه..
قدرنا عددنا بمئة من الجنقو والجنقوجورايات وكثير من الأطفال، إنضم إلينا صغار التجار الذين حرمهم البنك من التمويل فهم أيضا كانوا غاضبين وقد افشوا لنا كثيرا من أسرار البنك و التجار، وقالوا لنا بالحرف الواحد، أن البنك يريدهم ان يبقوا عمالاً و شغيلة تحت إمرة المزارعين الكبار حتي يضمن عودة سلفياته التي قدمها لهم.
بالتأكيد لم يحاول مدير البنك الاستعانة بالشرطة ورجال الأمن لأنه لم تكن هنالك مظاهرة ولاتهديد باستخدام العُنف، إنما كانت مفاوضة قُدتُها أنا ومعي الصافية والبقية يسمعون وينظرون.. ويشاركون بالصمت والتنظيم وعدم إثارة أعمال الشغب.
كان لمدير البنك تحفظان، الأول هو أنه لا يستطيع أن يقدم سلفية لجماعة غير رسمية لا هم إتحاد ولاهم مُنظمة مجتمع مدني ولا حتي شركة مسجلة، مجموعة؛ حسب تعبيره: لا رأس لها ولا قعر.
أما التحفظ الآخر فهو أيضاً كان واضحاً
- أنا عايز ضمان.. ضمان أرض لها قيمة ومسجلة بأوراقها و مستنداتها، أو ضمانة مالية أو عقار ؟!.. دي سياسة البنك
قلنا له: لدينا عشرون قطعة سكنية بالحلة، و مشروع صغير به عشرة فدان، وليس لدينا عقارات في مدن و لا منقولات ذات قيمة مالية كبيرة، ولا أراضي أخرى، و إلا لما كان هذا هو حالنا، نحن الفقراء و صغار المزارعين الذين تحدثتم عنهم من قبل.
أكد ان البنك يدعم و سوف يدعم الفقراء وصغار المزارعين، ولكن بشروط أمان تضمن له حقه، و أنه لا يستطيع أن يتخطى سياسة البنك.ثم أضاف مراوغاً
- أنا حأنقل كل الحوار الدار بيننا إلى رئاسة البنك في الخرطوم، ونشوف الرد شنو بإذن الله.
قالت له الصافية التي كانت ترفل في صمت عميق منذ أن دخلت معي إلى مكتب المدير الفاره: يعني حتدونا السلفية ولا لأ.
قال لها المدير بريق ناشف
- حتى الآن لأ.
قالت الصافية لي وقد إحمرت عيناها فجأة
أرح نمشي، قاعد تعمل شنو ؟
شكرته على حسن ضيافته لنا، حيث أنه قدم لنا ماء بارداً، وزجاجتين من الببسي كولا، أتى بهما ود أمونة، و انصرفنا، كان الجنقوا ينتظرون في الخارج في جماعات،وعند باب البنك أحاطوا بنا يسألون، ولكن أبرهيت وهو الشخص المسئول عن تنظيمهم، قال لهم، ودون ان يستشيرني.
- المساء في بيت أدي الحوش الخلفي، عايزنكم جميعاً.
عند طلوع القمر كان بحوش الأم الخلفي، حوش الحفلات، ثلاثمائة من المواطنين أطفالاً نساءً ورجالاً، بادر الحضور الفكي علي بقراءة سورة كاملة من القرآن بتجويد صحيح وطريقة مؤثرة.. قُدِمَ أبونا بيتر راعي الكنيسة في صلاة قصيرة قرأ فيها:
" ياهؤلاء جميعكم القادحين نارا،المتنطقين بشرار،إسلكوا بنور ناركم وبالشرار الذي
أوقدتموه. من يدي صار لكم كل هذا،في الوجع تضطجعون."
وكررها بالعامية كمايلي:
" يا أنتم المولعين نار، المتحزمين بالشرار، أمشوا بنور النار والشرار، بتاع إنتم،
كلو دا من يدي أنا ربكم، و الطريق كُله آلام"
ثم أخذ الناس يجاوبون علي سؤال واحد
- نعمل شنو ؟
إذا قاطعنا الزراعة، نحن الذين نموت جوعاً أولاً، إذا بقينا كعمال سوف لا نكسب شيئاً يأتي الموسم خلف الموسم خلف الموسم، ونحن من اليد إلي الفم والمستفيد هو الجلابي صاحب المشروع..
قال أحدهم
- نكسر البنك...
ردوا له أنهم لايريدون دخول السجن ولا المواجهة مع الشرطة التي قد تؤدي إلي فقد البعض وإصابة البعض بأذي جسيم، وقالت سُعاد يوهنس وهي والدة أحد الشرطيين
- يعني نقتل أولادنا البوليس أويقتلونا.. الخسران منو؟!
وفجأة تحدث صديقي، قائلاً..
- نحاربهم بالخراء..
سكت الجميع لأن الكلمة بدت لهم غريبة وغير مقصودة تماماً.. أو أنهم ربما سمعوا كلمة أخري..
قال مؤكداً وبعينيه إصرار غريب
- بالخرا.... البراز..
ضحكوا وظنوا أنه يعبث أو هي إحدي مغامراته العجيبة.. قال لهم..
- سمعتوا كلكم بالهنود..و أنتم عارفين إنو الهنود ديل طردوا الانجليز الأقوياء بالخرا بس. و الناس الكبار في السن منكم مثل، مختار علي و الفكي الزغراد، و السيد أبرهيت و الشايقي غيرهم وغيرهم عاصروا وهم أطفال المهاتما غاندي، وهو دا الزُول القاد ثورة الخراء.
قليلاً تفهم الناس الأمر قليلاً قليلاً قبلوا به، قليلاً قليلاً حددوا المائة الاولين الذين سوف يفعلون والآن... قليلاً قليلاً قليلاً..حددوا الخمسين.. قليلا قليلا....حددوا الثلاثين، تم كل شئ.
عند الصباح الباكر عندما إستيقظ الموظفون في الميس لم يستطع واحد منهم الخروج للعمل بالباب، حيث كان البراز هنالك يقف محتجاً، عفناً.. قبيحاً بائساً لكن بصمود عجيب. وعندما كسروا الصريف كان عليهم أن يصنعوا من قصب الصريف جسراً يعبرون به إلي الشارع.. ماكان لهم أن يعرفوا الفاعلين مالم يجدوا البنك يغرق في بركة من الخراء ولا يمكن لكائن من كان أن يقترب منه لأكثر من ستين متراً، جيش الذباب الاخضر الضخم ذو الطنين الرهيب كان هو ملك اللحظة وحامي حمي المكان..
إستعانت إدارة البنك بعمال الصحة، الذين أكدوا أنه لم تكن ضمن شروط خدمتهم خمَّ الخراء، إنهم عمال نظافة مواد جافة..
طلب مدير البنك من الشرطة أن تقبض علي الفاعلين وتجبرهم علي إزالة البراز ولكن النيابة ردت بأنه: " لاتوجد عقوبة بغير نص"، فالتبرز في العراء لم يُعتبر في يوم ما جريمة يعاقب عليها القانون، ولم يُوجد أمر محلي يمنع ذلك.. وكيف نعرف الذين تبرزوا من برازهم ؟!
وكانوا في قرارة أنفسهم يقفون إلي جانب الجنقو،لأن البنك كان يوجه دعمه لشريحة محددة من المواطنين، ويحسبه الناس على مجموعة سياسية بعينها، وليسوا هم بعضها. ركب مدير البنك ومعه فريق عمل مكون من خمس أشخاص عربتهم اللاند كروزر دبل كبينة، ومضوا إلي القضارف..
في اليوم التالي تبرز مائة من الجنقو داخل الميس المهجور، بل داخل الغُرف وعلي السراير وحاويات الماء النقي المكرور، وضعوا كمية لا بأس بها من البُراز في الثلاجة والأدوات الكهربائية والأواني... وتركوا مخزوناً آخر في أكياس التسوق البلاستيكية وزن كيلو مبعثرة تحت الأسرة وفي المطبخ ومعلقة علي الأسقف...
في اليوم الثالث ذهب الجنقو جميعاً للعمل في نظافة مشاريع التجار بأسعار عمالة لم يفكروا فيها كثيرأ، كانوا يريدون الخروج من الحلة، بأية صورة كانت !
رجع بعد اسبوع من الحادثة، رجال البنك في معية شاحنةٍ من الاحتياطي المركزي مسلحين بالرشاشات والقذائف المسيلة للدموع، عصي مطاطية درق وسياط، وعربة مطافيء.
قاموا بغسل المكان بخراطيم الماء المندفع بقوة من عربة المطافئ، ثم أقام الاحتياطي المركزي في مُخيم صغير مرعب قرب البنك لشهرٍ كامل ٍ، أما المَيس؛ فقد تم هجرانه بصورة قاطعة ونهائية، ولكن ظل بعض الجيران كلما وجدوا الفرصة سانحة يرسلون أكياس التسوق مملوءة بالشئ اللزج العفن عبر الحوائط إلي ميس الموظفين الجديد.
عاد الشايقي و ومختار علي إلى التاية،رجع صديقي الى القضارف، ثمّ من هنالك الى الخرطوم، بقيت أنا في الحلة لبعض الوقت لمؤانسة ألم قشي،لم أر ود أمونة، وقد سألت عنه ألم قشي، قالت لي إنه كان في القضارف، ولكنه عاداليوم لعمله بالصباح في البنك، و عند المساء سوف يأتي للعمل في بيت أدي، كان لا يضيع وقتاً بلا عَمَلْ، فسألتها لماذا يُرِهق نفسه بهذه الطريقة، ولا مسئوليات لديه وليس له ما يصرف عليهم، بل حتى صلته بامه مقطوعة،قالت لي، إن ود أمونة يعمل بجد ويكدح من أجل العازة.
قلت مندهشا
العازه!!! علاقتُهُ بيها شنو؟ -
فحكت لي ألم قِشي،ما يحكيه ود أمونة أو هي الحكاية الشائعة، وود أمونة، نادرا ما يتحدث في هذا الموضوع: عندما خرجت العازة من السجن؛ أخذت معها ود أمونة،وكانت قد وعدته ووعدت أمه أمونة التي تركتها في السجن وراءها، بأنها ستعتني به كما لوكان ولدها، و إنها ستدخله المدرسة، إلا أن عازة واجهت مشاكل كثيرة جدا بعد خروجها من السجن من أسرتها، حيث أن أخوانها ووالدها كانوا يصرون على أن تلتزم بواحد من الإثنين، إما أن تتزوج أي كان و بسرعة، و إما أن تترك العمل الذي أخذت تمارسه بعد خروجها من السجن مباشرة وهو بيع الشاي و القهوة في سوق القُونِي، و أن تبقى في المنزل ولا تبارحه، لآن أسرتها أسرة كبيرة و أخوانها معروفون، بالتالي تهمهم سمعتها.
طبعا رفضت العازة كل العروض، وواصلت عملها في سوق القُوني، لأنها كسبت مجموعة من الزبائن، و طورت عملها عندما ألحقت مكانها بمطعم تبيع فيه الأطعمة البلدية، و أدخلت ود أمونة مدرسة خاصة في حي كرفس،واستأجرت لها بيتاً في حي الأسرى، لكي يكون قريبا من موقع عملها،وكانت ملتزمة أخلاقياً، ومحترمة نفسها و عملها، ولم يعرف لها أي نشاط مخالف للقانون ولم يتشكي منها الجيران، إلا أن أخوانها لم يرضيهم كل ذلك وخططوا لتخويفها و طردها من مدينة القضارف، لأية بلدة كانت،وكانت تعلم بمخططهم و تستعد لمقاومته، وفعلاً هاجمها أثنان من إخوانها،في بيتها عدة مرات، وإعتدوا عليها بالضرب، وهاجمها في مكان عملها بعض البلطجية المأجورين،وكانت ترد في شراسة،ولكنهم فكروا أخيرا في استهداف ود أمونة، و أستأجروا بعض الأطفال المشردين و مدمني البنزين بأن يعتدوا عليه بالضرب في طريقة الى المدرسة و أينما وجدوه، ولكن بعض المتشردين الشواذ عندما رأوا ود أمونة فكروا في الأعتدء عليه جنسياً، تخلص منهم ود أمونه بمهاراته الخاصة وما تعلمه من أمه من مهارات قتالية، مرتين ثم أخبر عازة، والتي قامت بعمل كمين لهم و ضربهم ضربا عنيفاً، بل أنها طعنت أثنين منهم بسكين تحملها معها منذ أن خرجت من السجن، أصيب واحد منهما بعجز مستديم، ومات الآخر، ودخلت السجن مرة أخري،مدانة بالقتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد، وقد قبل أهل المتشردين الذين ظهروا فجأة، بالدِيّة،فهي مُنذ ذلك الوقت مواجهة بالديّة أو المؤبد، ولو أن أسر القتيل قبلت بخمسمائة ألف جنيه فقط كديّة بعد مساومات من رجال و نساء خير أصحابها، إلا أن المبلغ يعتبر كبيراً جداً بالنسبة لإمراة وحيدة، و بالنسبة لأصدقاء فقراء؛ لم يتمكنوا من جمع سوى القليل، ثم إحبطوا فتكاسلوا، منذ ذلك الوقت ود أمونة يعمل مع أدي وغيرها،لكي يتمكن من تسديد الديّة. حتى تنال العازة حُريتها.
وقال لي قبل شهر تقريباً، إنه لم يتبق عليه سوي ألف جنيه فقط، وربما ذهابه للقضارف كان بشأن أمر العازة، فهو دائما ما يزورها في السجن.
عندما ألتقيت هذه المرة بود أمونة، تغيرت صورته في نظري الي بطل انساني عظيم، و بمجرد ان سألته عن صحة العازة، أخذ يحكي لي عنها، عن شهامتها، و كرمها، و إنسانيتها وكيف انها ظلت تعاني عمرها كله من أقرب الأقربين إليها، وهم أفراد أسرتها، ثم تناقشنا فيما تبقي لها من ديّة، و سألته ما إذا كان قد ذهب الى مكتب الزكاة، ضحك في ألم وهو يحكي لي رحلة مرة مع البروقراطية،قال إنهم أولا طالبوه بإحضار شهادة إفلاس من المحلية، ثم بصورة من الحكم، ثم بالتأريخ الشخصي للعازة،و أخيرا قالوا له: إن المال المرصود لمصرف الغارمين لهذه السنة، قد تم صرفه، آتي إلينا في العام القادم، وفي العام القادم بدأت الرحلة من جديد، و إنتهت بأنه لم يرصد مال للغارمين في هذه السنة، نسبة لحاجة الناس للمال في مصرف آخر وهو مصرف المؤلفة قلوبهم، سوف يحاولون في العام الذي يليه، وقال لي ود أمونه أنه يعلم أن مكتب الزكاة قد قام بدفع الملايين لكبار التجار من مدينة خشم القربة تسديدا لديونهم في البِنُوك، بعد أن أقسموا أنهم معسرون، والناس تتحدث عن ممتلكات هؤلاء المُعسرين من وابورات، و شاحنات، وسيارات نقل ركاب، عقارات، ومغالق و توكيلات تجارية. حدث ذلك في نفس الأيام التي كان هو يستجدي فيها المكتب لدفع ولو خُمس الدِيّة.
و سألته من أمه، قال لي إنها خرجت من السجن قبل سنوات كثيرة، و تزوجت من شَرطي، كان يعمل بالقضارف و تَمّ نقله إلى سجن شَالا بالفاشر، وسافرت معه الى هنالك، ونسبة لأنه رفض السفر معها، و أن زوجها نفسه لم ترق له فكرة إصطحاب ود أمونة معه، فقامت أمونة أمه بتسليمه إلى أدي، وهي صديقتها، وقد عاشتا ردحا من الزمن معا في أُمْ حَجَرْ، بأريتيريا. ولم يجد صعوبة في التأقلم و العيش هنا، فهو قد ولد بالحلة، وقضى جانباً كبيراً من طفولته بها، و وجد ألم قشي ببيت أديّ، وهي لها صلة بصديقته عازة، لا يدري مدى عمق الصلة؛ إلا أن ألم قشي رحبت به و إحتضنته، و لقد سالتُ ألم قشي فيما بعد عن صلتها بعازة، قالت: تجارة.
على الرغم من الظروف الصعبة التي أمر بها أنا نفسي، ظرف العطالة و الإستعداد للموسم الزراعي الجديد،والتجهيز لمولودي القادم، وبقاء ألم قشي بالبيت عاطلة عن العمل، إلا أنني، تبرعت لود أمونة، بنصف المبلغ المتبقي، وهو خمسمائة جنيه.
إعتذر ود أمونة عن استلام المبلغ، لأسباب يراها موضوعية وهي أولا: هذه الأيام هي أيام الزراعة، و أنا إحتاج لكل مليم من أجل أرضي ولربما أنا لا أعرف مدى حاجتي للمال في هذه الأيام نسبة لعدم خبرتي في الحرث و الزرع، و الأولوية للأرض. والشيء الآخر هو أنه لا يمتلك النِصف الآخر من المبلغ، إلا بإنتهاء شهراكتوبر،لأنه دفع مبلغا كبيراً من المال في الأسبوع الماضي، تحصل عليه من (صرفة صندوق)، وهو أقرب للإستلاف، ولا يمكنه التحرر من هذا الدين، إلا مع نهاية شهر يونيو. بالتالي في كل الأحوال ستبقى العازة بالسجن إلى ما بعد إكتوبر، وقد إقترح عليّ أن استخدم المال في الزراعة و بعد ذلك الموسم أعطيه إليه، إذا توفر لي مرة أخرى، علي كلٍ شكرني ود أمونة شكراً أخجلني، ولم يأخذ مني شيئاً.
قبل أن أقادر إلي المشروع للعمل، جاء لقطيتنا في المساء، وحدثني بما إعتبره أحد الأسرار.
- أعمل حسابك من السِكة و ما تشيل معاك قُروش كتيرة!ما تثق في زول: الدنيا ما معروفة.
ولم استطع أن أعرف منه أكثر من ذلك، ووعدني بأنه سيبقى مع ألم قشي، في ذات القُطية، قد تحتاج إليه ؛ فتجده. وذلك الى أن أعود، ولكي يطمئنني أكثر أضاف: ألم قشي دي أختي.
انتظم المطر تقريبا بعد عاصفة منتصف يونيو، كان مطراً غزيراً؛ ولكنه كما قال لي الجنقو العارفون بالمطر، ليست أمطارا استثنائيه وقالوا: بداية عادية ولكنها مُبشرة.. إذا نجحت العَيّنَةُ الأولى سوف ينجح الخريف كله.
ونُصِحْتُ بالبداية المُبكرة، اشتعلت المشاريعُ بشرا يحرثون وينثرون السمسم وينشدون في صبرٍ وألمٍ، يصنعون الحياة الحَقة، يخططون لمستقبل الملايين بعرق مُرٍ، ويحرمون أنفسهم من لحظة الحلم التي لا يعونها هم أنفسهم،لا يفكرون كثيراً في الأشياء، وليس عميقأً أيضاً، كما أنّ الثورة الخُرائية التي قاموا بها؛لم تلهمهم أفكاراً أخرى أو مشروعات أو أية عملية إيجابية لاحقة، عَبَرتْ مِثل نُكتة سَخِيفَة، حُكِيتْ أضَحَكتْ ثُمّ تَلاشَتْ... وانشغل الناس جميعاً بخلق القيمة،بالعمل ونسوا كل شيء خلافة، يريد الجنقو المال، و الطريق الوحيد للمال هي العمل المتواصل، و الذي يتنتهي غالباً عند شجرة المَوتْ في فريق قرش، أو أية شجرة موت أخرى.
إلى أن استيقظنا ذات صباح بخبر غريب، وهو عن قُطاع طُرق يسمونهم محلياً فالول أو شِفِتة في خور مُعْشَوشِبْ يُسمى عناتر، يقع وسط المشاريع الغربية، أي ما بين الشَقَرَاب والحِلة، ظل هذا المكان آمناً لسنوات طوال حتى في سنوات الحرب الأرترية الأثيوبية، وانفلات الأمن عند الحرب ما بين جيش الحكومة والمعارضة المسلحة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، ولكن دهشة الناس عندما عَرفوا أن الشِفتة ليسوا من الفالول الأحباش أو الأرتريين، ولكنهم سودانيون. بل أنهم من الجنقو، وعُرِفَ البعض باسمائهم، كانوا يحملون الأسلحة البلدية: فئوس وحراب وخناجر وسيوفا أيضا، كانوا لا يقلون عن عشرة من الرجال السُود الأقوياء، قاموا بنهب عربة بُوكس تعمل في نقل الركاب إلى معسكر الشقراب، أخذوا كلما لدى الركاب من أشياء قيمة مثل الساعات والنقود وحتى الاحذية، اذا كانت جديدة. وتحصلوا على مسدس كان يخص سائق العربة ويخفيه خلف المقعد مع كرتونة من الخمر المستور، وفي نفس اليوم هاجموا نقطة التفتيش الواقعة في مفترق الطرق الشواك الشقراب واستولوا على رشاشة كلاشينكوف وبندقية جيم 3 وهربوا في اتجاه غابة زهانة، مستخدمين عربة نقطة التفتيش التي وجُدِتْ معطوبة قرب قرية الجيرة. حَدَثٌ بهذه الضخامة، عندما يدخل الحِلة فانه يخرج منها أحداثا كثيرة بشعة، وهذا مأتم بالفعل، حيث شِيِع أن الجنقو تمردوا جميعاً، والآن يهاجمون جيش الحكومة في حاميتي زهانة وهمدائيين بأسلحة تحصلوا عليها من أرتريا، وصدقتْ الإدارة العسكرية والأمنية الرواية الشعبية للحدث، واتصلت بحامية خشم القربة وحامية القضارف طالبة العون العاجل لأخماد ثورة الجنقو.. ولكن نسبة لخبرة الحكومة الكبيرة في الصراعات المحلية والثورات المسلحة لم ترسل جيشاً، ولكنها أرسلت لجنة تقصي الحقائق برئاسة مسؤول أمني في رتبة كبيرة، وقامت اللجنه التي تطوق بها حراسة مشددة على عربة مصفحة بزيادة مواقع العمليات، والتقت بالأشخاص الذين هوجموا وتحققت مع الجميع، ثم كُونت لجنة مدنية تحققت مع السكان.. ثم كتبت تقريرا أهم ما فيه:
" خمسة رجال من عمال المشاريع الموسميين يقومون بأعمال تخريبية لأهداف غير معلومة، وترجح أنها للحصول على المال، يتسلحون بمسدس وبندقية جيم3 ورشاشة كلاشنكوف واسلحة بيضاء أخرى..بعضهم جُنُود مسرحون من الجيش، لا يميلون للقتل أو سفك الدماء.. معروفون لدى كل السكان بالإسم وهم:
طه كوكو نمر(عسكري معاش)، عبدالله خير السيد الطيب، برهاني تخلي ولدو، ونق مايوم أجانق(عسكري معاش)، ابراهيم عثمان الشايقي..
الآن في مكان ما بغابة زهانة، أو أنهم عبروا نهر ستيتيت إلى مدينة الحُمَرةْ، أو أنهم يتحركون في هذا المجال من وإلى أثيوبيا.
ثم أوصى التقرير بحماية طُرق السيارات العامة التي تربط الحِلة بالشَقَراب وطريق همدائيين والجيرة، الحفيرة زهانة. وأن ينشأ طوق عسكري آمن يتحرك في غابة زهانة للبحث والتحقيق عن المجموعة، ونصح التقرير بصورة واضحة على عدم اعتقال المواطنين أو الإضرار بهم، وتجنب الدُخول في صراع مسلح مع أي كان، مالم يبادر الخصم باطلاق النار أو نصب الكماين.
تركوا كتيبة كاملة من الإحتياطي المركزي جيدة التدريب، شباب غُبش، لهم عضلات مفتولة وأجسام رياضية، ورؤوس حَليقة بطريقة الكوماندوز، يَمشون في الطُرقات باختيال أقرب إلى الغنج، لولا قِلة النساء في شوارع الحلة وسوقها، لحدث إفتتان لا تُحمد عثقباه. أطلق عليهم السكان اسماً سريعاً يحمل وجهه نظر حادة تجاههم.. سموهم: البُوم..
كأن أجدر بي أن أكون أول العارفين بخروج الشايقي في جماعة الشفتة، لقد ذهب دون أن يلمح إليّ بذلك مجرد تلميح، وكنت معه إلى آخر لحظة بالتاية، أذكر أنه كان يحس بالغبن الشديد تجاه البنك، ويعتبر البنك والحكومة نفسها يعملان على زيادة غنى التجار، وأنهم ضد الجنقو.. كلنا نفتكر ذلك ونعتقد في ذلك ولكن هل هذا يبرر الإعتداء على المواطنين وأخذ أموالهم وممتلكاتهم وتخويفهم، وما علاقة ذلك بالغبن تجاه البنك أو الحكومة؟ ومن يدري قد تقود بعض هذه الحوادث إلى زهق الأرواح ؟!!
إذاً ربما كانت هنالك حلقة مفقودة، تناقشتُ مع مختار على حولها كثيراً، وأخيرًا أحلنا الأمر إلى أن الشايقي ورفاقه أرادوا حياة رخية ومالاً سهلاً،فالعمل بالمشاريع عمل صعب و مردوده المالي لا يغطي إلا الإحتياجات الصغيرة التافهة، و لوقت محدود، وليس هنالك ضمان إجتماعي أو تأمين صحي و لا فوائد ما بعد الخدمة ولا معاش، إنه كما يقول مُخْتَار عليْ: عدم في عدم حقيقي.
ولكنهم الآن يخاطرون بحياتهم، المال السهل يقود إلى الموت السهل. وقررنا أن نلتقي بهم على الأقل نعرف حقيقة أمرهم.



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-11-2008, 07:52 PM   #[13]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حليمة مشاهدة المشاركة
ود أمونة سلام عليك
دخلنا حوش إبدعاك أأنا واشواقي ولهفة شوفتك الجميلة قلنا ناخد لينا خشم خشمين معاك لكن غلبها الثبات ورجعتنى عطشانة من كله, بطلع أهدهدها وألوليها إمكن تنوم ,,,,
وبرجع ليك
العزيزة حليمة

مرحبا بك في حوش حكاياتي
وكدي نسمع حكيك ، مش عندك حبوبة، وجيران وناس حلة؟؟

سعد بمرورك ولنا عودة



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-12-2008, 05:17 PM   #[14]
نواريا
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية نواريا
 
افتراضي

العزيز / عبد العزيز بركة ساكن

اعتدت منذ ان تعلمت قراءة الروايات ان اعلق عليها و ان ابدي اعجابي باجزاء و انتقد الاجزاء الاخرى

و اذا لم اجد جزءا لانتقده اشعر بخيانة لذيذة عند انتهاء الرواية .. لكأني و الرواية ينشأ بيننا ترابط فما ان تنتهي حتى اشعر بانها هجرتني هي وشخوصها ..

وروايتك خانتني حين انتهت .. ارجو منك اكمال حكاياتك فاسلوبك يأسر كثيرا



التوقيع: I will go down with this ship
And I won't put my hands up and surrender
There will be no white flag above my door
I'm in love and always will be
نواريا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-12-2008, 09:11 PM   #[15]
عبد العزيز بركة ساكن
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية عبد العزيز بركة ساكن
 
افتراضي

كل سنة و انتو طيبين

جيناكم يا حبايبنا، انتهت اجازات العيد كلها، و سنواصل النقاش حول الرواية و الردود على التعليقات




وعيد ميلاد سعيد برضو



عبد العزيز بركة ساكن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:33 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.