نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > أوراق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-10-2011, 09:57 PM   #[31]
أسعد
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

يا سلام عليك يا فيصل ياخ
كمان لو قلبت الهوبة وجبت لينا الوجه التاني من ابداعات البروف وصوته البديع
يعني يا معلم اتحرفن وشغل علاقاتك في جلب تلك الابداعات من اضابير الاذاعة والتلفزيون


انا قبل سنتين كان عندي تسجيل سهرة كاملة بين المعلمين (علي المك وشبرين ووداللمين)
ياخ ابداع ما بعدو ابداع
لكن بس ودرت الملف ياخ



أسعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-10-2011, 04:54 AM   #[32]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وجدي الأسعد الأسعد مشاهدة المشاركة


انا قبل سنتين كان عندي تسجيل سهرة كاملة بين المعلمين (علي المك وشبرين ووداللمين) ياخ ابداع ما بعدو ابداع
لكن بس ودرت الملف ياخ
سلامات يا وجدي و مرحبابك .. جدد
البحث ياخي و اتحفنا بتلك الدرر الجواهر ..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-10-2011, 12:30 PM   #[33]
الوليد عمر
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الوليد عمر
 
افتراضي

.....




تحياتى يا فيصل.

يابا دا خيت شدة ما ممهول ،
يمرقنا من الحول بى مهلتو ،
هسع يشكروك من وين يا السمح ؟





الله يخليك يا جميل.







.....



التوقيع: [moveo=left]A PERSON WITH ONE DREAM IS MORE POWERFUL THAN OTHERS WITH ALL FACTS[/moveo]
الوليد عمر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 11:25 AM   #[34]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الوليد عمر مشاهدة المشاركة
.....

الله يخليك يا جميل..
سلامات الحبيب ابو بكري
مرحبا بك و بمرورك الباهي ..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:51 PM   #[35]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

علي المك
صورة جانبية
بقلم: الدكتور/ مصطفى الصاوي


"أجمل ما ذرأ الله في أرضه" (محمد المكي إبراهيم)

طقس واحد ظل علي المك يمارسه طوال حياته دون كلل، ودون ملل:الإبداع. ظل قابضاُ على جمرته (الحراقه) في مكتبه في الجامعة، في المنطقة الصناعية، وحتى في سوق أم درمان وسط غمار الناس.. تجاوز معرفة الصفوة، ووجد جوهرته المفقودة بينهم، والتي أخرجها في (الصعود إلى أسفل المدينة) و(القمر في فناء داره) و(مدينة من تراب)، و(حمى الدريس)، وفي سيرة عبد العزيز، صفي قلبه وروحه التي دونها في ترجمة (سيرة غيرية) رائعة.

لعنة واحد إصابته - إن كانت لعنة - (حرفة الأدب) - التي تفجرت في القصة، والترجمة، وكتابة المقالات،والسيناريو. من كل هذه كان حلمه، وواقعه تفانيا في الغوص العميق ليمسك بالنص أي كان نوعه الأدبي منتجا اللون والطعم السوداني.

علي تميز بروح الدعابة والسخرية، تراها في كل ما كتب. دعي مرة ليحاضر في الجزيرة، سأل عن مكان المحاضرة، أجاب محدثه: (نادي الجزيرة)، تبسم علي قائلاً: (يا أخي نادى الجزيرة أحسن محل يلعب فيه الكونكان عاوزين تزحموه بالمثقفاتية!.. هذه السخرية تتفاقم في المواقف الحزينة التي عاشها. قال يبدي تظرفاً(صاحبك صوته خف).. قلت بحدة (صاحبي منو؟) قال (عبدالعزيز داؤود) قلت ساخراً(ما هو أنت موجود) . لقد كانت سعادته المنشودة عندما يكتمل عقد الصداقة النضير.. حسن يحيى الكوارتي، مختار عباس، صلاح أحمد، عبد العزيز داؤود؛ أو حينما يرافق صاحبه الفنان إلى المنطقة الصناعية ويتجمع حولهما الحرفيون والصناعية (صناع الحياة) على حد قول علي المك نفسه. هؤلاء هم الذين تسربوا بشفافية إلى قصصه وإبداعه بشكل عام.

أصالة علي لا يتناطح فيها عنزان.. قادته تلك الأصالة إلى غناء الحقيبة، وهنا كانت صلته مع عتيق، وأهتمامه بخليل فرح، ومدينة أم درمان الجنة المنشودة والمشتهاة؛ فأدخلها عالم الشعر والقصة فأصبحت سيرتها جزءاً من كتاباته، ولم تكن أبداً مصادفة.. ألم يتعلم من خاله علي سليمان (كيف يكون العيش في أم درمان صبابة). عشق مآذنها، ازقتها، وناسها، والتقى مع الظرفاء كمال سينا، الخيال، سامي الصاوي، عبد الرحمن وداعه، وغيرهم كثر.. أصحاب نكتة وظرف، ومجالس تعبق بالود والمحبة.

شخصيات أخرى ظهرت في مأتمه لا ترتدي البدل اللائقة ولا تتعمم بالعمامات البيضاء الفارهة .. شخصيات باللون السوداني والبساطة السودانية، وتاريخ المدينة التي عشق.. رجال أو نساء، سيان الأمر، اجتمعوا على حب علي، كيف المدينة الآن بعد أن رحل عاشقها؟ لعلها تندب إشلاق البوليس، والملازمين، وملامحها التي تغيرت بفعل فاعل، وميدان الأهلية يراوح بين الإبقاء والبقاء، وجامعة أم درمان الأهلية تدخل الإنعاش.. والكثير الكثير، و(العزلمين) .

في ذكرى علي نذكر كل القيم النبيلة ونحن نعيش زمن سقوط القيم. كتب أحد الكتاب (علي كاتب صنعه الإعلام). في زمن علي لم تكن هناك صناعة نجوم وفرض شخصيات بقوة الإعلام الموجه الجبرية. ولكن الطقس الإبداعي الذي مارسه منذ الثانوية، مروراً بجامعة الخرطوم، ثم ابتعاثه للخارج للدراسة، والصحبة الأدبية ونوع الدراسة، والحريات العامة، والمواهب الفطرية. ثم كان لعبدالله الطيب تأثير كبير على نمط كتاباته القصصية بما فيها من حسن السبك والدقة اللغوية والاستطراد المحبب. هذا الذي صنع علي المك ولا شيء سواه.. تلك قضية أخرى. صنعة الانتماء لهذا التراث والموهبة الفذة التي أفرغ طاقاته الإبداعية مستمدة من كل ما رأى وما سمع وما قرأ، وأدمجها في نسيج فن مميز ومتميز .

وعودة إلى بدء، فقد شكلت أعماله القصصية (الصعود إلى أسفل المدينة)، و (القمرجالس في فناء داره)، و(حمى الدريس) أنشودة حب تعني الإنسان البسيط والذات التي تتوق إلى الحرية والتضامن الإنساني.. وأهم من ذلك كله تبوأت المدينة مكانتها في نصوصه - أم درمان - كشخصية محورية. موهبة علي القصصية تنهض على استخدام اللغة بحساسية وتجويد؛ وتنبع هذه الحساسية من النصوص الكلاسيكية والقرآن الكريم. وكذلك يدمج العامية المحكية في نصه. وأنشأ علي المنظور الواقعي في المعالجة. وفي ذكراه نحتفي بقصصه وشخصياته، خاصة لأننا نشهد زمن القص الرديء ، واللغة الركيكة والأحكام النقدية الجوفاء. وتبقى قيمته الفنية الرمزية :حكاء عظيم ، ومثقف وطني، وأستاذ جامعي، ومواطن بسيط، عشق غمار الناس، وبسطاء الناس وعاش بينهم ودوداً ومحباً وعاشقاً.. نفذوا إلى إبداعه بشفافية وعمق .. رحمك الله وأحسن اليك يا (أجمل من ذرأ الله في أرضه).



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:52 PM   #[36]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

أعددنا لك ظل ضحى مديد
شعر: أحمد مصطفى الحاج




وينك يا علي !!
التراب ... !! ملحوق
فلم كل هذه العجلة
ليتك انتظرت قليلا
فـ (بت بتى) ما تزال
قادرة على جبر الكسر
و (ود مختار)
يستطيع الكي بالنار
صحيح أن الكي ترياق متخلف
وأنت المثقف الفذ
لكنما كية كيتان ثلاث لا تهم
فلعلها (حمى الدريس)
أو لعله دوار
(الصعود أسفل المدينة)
ها أنا
ويكأن
أعدادنا لك ظل ضحى مديد
و(كرسي القماش) المزركش
وترمسين
واحد للشاي السادة
منعنعا وبدون سكر
لا لأنك لا تحب السكر
ولا لكون السكر غير متوفر
فقط لأن السكر يرفع الضغط
طبعا كلنا مصابون بالضغط
و .. كدا
وترمسا للماء المثلج
وصحفا يومية
صحيح صحف هذه الأيام
ها هي تحمل نعيك
ألم أقل لك
ليت نعيك كان . كدأبها كذب
لماذا يا علي
فضلت القماش الأبيض
والعنقريب؟!
الهذا الحد تحب التراب؟؟
الم تكتف بتراب الطفولة؟!
وأمك تلبسك جزمة وشراب
فتدعكهما في التراب
فتعاتبك بقسوة أم
تقرص أذنيك
وتشدك من شعرك القرقدي
تحملك للأفندي
يعطيك كراسات
وبدلا من أن تكتب لغة
أو حساب
كتبت رسمت بالتراب
كم من التراب ما قتل!!
كم من التراب ما قتل!!
فبالله عليك
وعليك (أم در)
لم استعجلت هذا السفر
ولماذا لم تتذرع (بالصبر)
ألا تدري أنه بسوق أم در يباع؟
أمس
وحبن أعلن الخبر
زلزلت (علايل اب روف) زلزالها
تصدعت جبال (كرري) (المرخيات)
و.. (بوابة عبد القيوم)
اهتزت ( دومة ود نوباوي)
وتساقطت.. جذر جذعها انقعر
قد كنت يا علي (مرقها) الأخير ..
و... انكسر
تهمشت قباب (حمد النيل) (البكري)
(أحمد شرفي) (دفع الله)
أخرجت (الطوابي) مدافعها العتيقة
وأصابت الدانة الوخيمة (القبة)
ذعر المهدى والتعايشي والتيجاني
سأل المهدي التعايشي ما الخبر؟!
أجاب (ود يوسف البشير)
ود المك عريس
كان المغنون الصعاليك
(كرومة) (سرور) ، (الأمين برهان) و(أبو داؤود)
يغنون في الأزقة
(يا طيب أنا ساءلك قول لي بكل صراح
الوطن بخيرو
أم ملوه جراح)؟!
وامتى ترجع للضفة الغربية
تزور أم در تعودها
فـ (الخليل) هناك ينتظر
يشد أوتار عودته
يناغم عزاه
يا عازة آه
أنا آه آه
آه آه آه
(خديني باليمين
أنا راقد شمال)
وهل أتاك حديث (البرجوازية الصغيرة)؟!
ما .. شاء الله
لقد كبرت
بطنها تكرشت
ذقنها تحمست
ترهلت
وأصبحت كما البطيخة اللاقة
من فوق صورة
ومن تحت ...
لا تعرف الرجيم
وفعلها رجيم
وهي دائما مذعورة
ولا تحسن تلاوة سورة
وهل أتاك حديث (صلاح)
اتذكر زمان رمي بدلته
وربطة عنقه الأنيقة
ها هو الآن
قد رمى (سيفه المجوهر)
وإزميله الذي استعار من فدياس
رماهما في النيل
الذي فقد اللمعان والبريق
ولم ير (مريا)
متشحة خمارها السواد
حمل روحه العبقرية وقال:
أنا ما شي لعلي
فهل أتاك يا علي
كنت قد أهديتك قصتي (الكترابة)
وها هي قصتي (الكومر)
ممنوعة عن الصف
وكنت قد كتبت فوقها:
( مهداة لعلي المك أيضا)
ولم أهدها (للحجاج) و( هنادي) هذه المرة
فهما لم يريا (زريبة العيش) القديمة
ولا سوق (الملجة)
ولم يتذوقا طعام سوق (الزلعة)
لم يرياك
لن يرياك
فهم مشغولان باللعب في التراب
تصور!!
يلعبان بالتراب
يا للطفلين الغريرين!!
يلعبان بالتراب ولا يدريان
أننا جميعنا نصير للتراب
فلماذا يا علي
تستعجل التراب!!
أيها المدهش حتى في الرحيل
ويلمك ويلمنا ويلم التراب



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:54 PM   #[37]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

محجوب شريف
يرثي علي المك



يوم داك الصباح
البكري هاج وماج
مدنا من تراب
قد جينا فوق أمواج
يا مك الحديث
الكلام دراج
الحبر ما مهماج
ود باب السنط
والدكة والنفاج
والحوش الوسيع
للساكنين أفواج
الشاي باللبن
برادو لابس تاج
صينيتو الدهن
ترقش كبابي زجاج
والسكسك المنضوم
حول الجبينة نجوم
والفنجرية تقوم
تقهوج الحجاج
طق طرق يابن
القهوة كيف ومزاج



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:55 PM   #[38]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

علي المك .. الدنيا الجميلة على جسر حي الدناقلة!!
بقلم: الدكتور مرتضى الغالي



نحن نحلي كلامنا الماسخ ونكافئ أنفسنا بنفحة من (الشرف الباذخ) عندما نأتي على سيرة علي المك.. ولا تقولي لي أم سلمة، يا شقيقة روح علي، إن ذكراه تبعث الحزن والأسى ..! !

أنها ذكرى تنفخ الروح وتطرب الوجدان وتبعث على الفخر بهذا السوداني الجميل، الذي عاش سعيدا في هذه الدنيا وحوله أقرانه ودنياه التي يحبها وتحبه، وسار إلى الشاطئ الآخر من الوجود نابه الذكر لا يذكره أي شخص إلا ويذكر كل جميل في هذه الحياة الدنيا، التي ملأها بوقع خطاه الهميمه ودندناته المفعمة وكتاباته الرشيقة ومعارفه الواسعة الشاملة العميقة الممتدة، وإبداعه المترع الذي لا يمكن أن يصدر إلا بغير ضريب ولا مثيل ...!

والله .. إن تركت كل ما كتب ودون وذاكر وفاكر وراجع وابتكر واستقصى واقترع واجترح واستجلى وكشف واستكشف في الأدب والفن والرواية والقصة والشوارد والأوابد من أصول المعارف والأدب والموسيقى والشعر والمسرح والغرب الأمريكي وتخوم فارس والروم إلى (زقاق العصافير) في مدينته الوجدانية أم درمان.. إن تركت كل ذاك ووقفت فقط على حكايته التي رواها عن (أبو داؤود) صديق عمره لكفاك عن كل ما كتبه الكاتبون عن الظرف وعن الغناء وعن الفن وعن زمالة الروح وعن كنه الصداقة العامرة والتساكن النفسي وعن دقة المشاعر وعمق الإحساس ومعنى الروح وكيمياء الحزن.. وإذا تحدثوا عن براعة ما وصف (النوبيليون) به تصاريف الحياة وخصائص البشر وسحر الأمكنه والأزقة والحواري في المدن الجبلية والساحلية، فقد تجد كفايتك كلها في الصورالتي رسمها حبيب الحياة علي المك للجسر الصغير الذي يعترض الخور الفاصل بين أحياء بحري العابر إلى حي الدناقلة حيث على الناصية التالية منزل عبد العزيز داؤود..

هذه حياه كاملة يمنحها علي المك لهذا الكبري الصغير الذي لا يكاد يتسع لعربة صغيرة مع أقدام صبيان الحي الجالسين على دكته ونتوئه الجانبي !! أفاويح عطر الصداقة التي تتدفق من (ود المك) هو في طريقه إلى داؤود ... ذاكرته الحبلى بالأنغام (وترشيحات) الأغاني والمقاطع للفنان الذي ينتظر القدوم في لهفة المتحفز للأنس والمفاكهة والتطريب !! . كلما قادني الطريق عبر مدينة بحري نظرت إلى هذا الكبري الصغير الذي أدخله (علي) إلى معالم الدنيا؛ فحديثه عنه لم يظفر به أي وصف لبرج إيفل ولا برج بيزا ولا حدائق بابل المعلقة، إنه يصف صبيان الحي عندما ينقلون أرجلهم في تثاقل ليسمحوا بعبور (سيارة علي)، وأحيانا يرحبون وينفضون أردافهم ناهضين ليفسحوا المجال، أحيانا في تثاقل متبرمين، وعجلات العربة تمر برفق على الحصا الذي يتناثر على حوافي الخور وبين أطراف الجسر الصغير..!! التفتوا يا أهل بحري إلى هذا المعلم الخطير في مدينتكم واكتبوا على لوحة الجسر التذكارية (علي مر من هناك)!!

هذا الطري الحميم هو الذي يحكي فيه علي عن (مولد زهرة الروض الظليل) ويسوق الحكاية إلى (البحث عن نسايم الليل)، ويطوف بها إلى خمريات عبد الرحيم البرعي التي أشرقت لألاها على صخرة أبو داؤود، ثم العبارة الغريبة التي تسعد كثيرا بأنك تجهل علاقتها ونسبتها إلى وجبة الخصوصية الثقافية السودانية (الكمونية أخت العذارى) !! لا تجتهد في التفسير.. اتركها هكذا..! ثم ما يقول عنها علي ( ذي شمبات كونسيرت) ثم رؤية أهل جزيرة ( ...) لأعظم اختراعات البشرية ( الثلج والكوتشينة) .. على هذا المنوال يمكن تصميم سؤال مفتاحي في استبيان مواضع التطريب بطرح سؤال يقول: في أي مقطع من أغنية حدباي (زهر الرياض في غصونو ماح) يمزق مختار عباس (مخ) جلابيته؟؟

لهذا أهدى ود المك هذه الحروف إلى مهاجع سكونه العاطفي ووسادة روحه التي يتكئ عليها عندما يتحدث إلى الدنيا.. قال في الإهداء ..
"إلى حليمة سليمان
أمي التي كانت تنشد المديح النبوي ترانيم في أشغال يومها
وإلى الشيخ محمد المك .. إنه أدخلني في فراديس لغتنا الجميلة.. ثم إلى خالي علي سليمان..فقد تعلمت منه كيف يكون العيش في أم درمان صبابة" ..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:56 PM   #[39]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

علي المك / كونشرتو أم درمان
حامد أزرق - باحث موسيقى


تصعب الكتابة عن العظماء، والبحث عن عطائهم مما يجعلنا عند مفترق طرق:

علي المك الأديب، علي المك الشاعر، علي المك الصحفي، علي المك الأستاذ الجامعي، علي المك عاشق أم درمان، أم على المك الموسيقي الفنان ..هكذا اختار قلمي .

اختزنت طفولته ألحان كرومة بحي مكي، وسرور ببيت المال، وموسيقى أولاد بتي بالمسالمة، وورش العمل الخاصة بالفنانين بحي الركابية بدار الموسيقار الراحل أحمد حامد النقر، وقهاوي أم درمان والفونغراف الذي كان يبث غناء الحقيبة، ودميتري البازار ومكتبته واسطواناته وتسجيلاته للفنانين السودانيين، وقهوة جورج مشرقي (سوق المويه) حيث جلسات الشعراء والمطربين .. هذا المخزون التراكمي جعل الراحل المقيم يلج إلى مقامات الموسيقي عبر أبوابها التي اتسعت لقامته السامقة؛ وارتقى درجات سلالمها فكان الأعلى تذوقاً وثقافة لرجل شفاف ساهم بجهد مقدر في مجال الموسيقى نذكرمنه :

- قدم برنامجا مميزا عن الموسيقى الغربية بإذاعة أم درمان
- عشق موسيقى باخ وكان معجبا ببرامز، ومفتوناً بكونشرتو الإمبراطور بتهوفن.
- تقلد عضوية المجلس الوطني للموسيقى .
- كان متحيزاً لغناء الحقيبة مدافعا عنه.
- ربطته علاقة خاصة مع كثير من الموسيقيين والمطربين أمثال المرحوم جمعة جابر، وعلاقة خاصة مع الراحل عبد العزيز داود، فعشق أغانية وأفتتن بها لدرجة العشق الصوفي.
- قدم لندوة الموسيقى العسكرية بدار الكتاب في ثمانينات القرن الماضي.
- كتب العديد من المقالات النقدية في كثير من الصحف حول فن الموسيقى.
- أجاد العزف على بعض الآلات الموسيقية.
- امتاز بأذن موسيقية، ودرجة عالية من التذوق الموسيقي جعلته يميز كل ما يقدم كخبير ملم بأسرار هذا الفن.

هذا العطاء جعل الراحل ينافس في معرفته الموسيقية الكثيرين، مما أهله لعضوية المجلس الوطني للموسيقى؛ وآخر ما قدمه الراحل للموسيقى كتابه عن الراحل عبد العزيز داود.

فالراحل عشق غناء أم درمان وكل ما يتعلق بها، دوربها (الركابية)، حي العصاصير، و(كهرباء عامر) وقهوة ( شديد) و(الباع جمله) و (ود جبر لله)، سرور وكرومة وصالح عبد السيد... عشق لامتناهي لأمدرمان وللموسيقى مما جعلني أصدر مقالي بهذا العنوان لأن الراحل كان له عشق خاص مع الكونشرتو كأحد أنماط الموسيقى الكلاسيكية والرومانتيكية.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:57 PM   #[40]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

قراءة في ( كتاب ملامح من تاريخ الأدب السوداني ) للأستاذ/ على المك
بقلم: الدكتور/ تاج السر الحسن



"لكي لا يظلم هذا الأدب السوداني" (علي المك)

كتب الكثيرون عن الأدب السوداني كنماذج القصة فيه، وتاريخها، وتطورها منذ الثلاثينات... كما ألفت الكثير من الكتب عن الشعر السوداني .. وتناول النقاد الكثير من نماذجه، وأطالوا في تحليلها، وعرضها خلال التطور التاريخي الأدبي الذي مرت به الأمة السودانية. تحضرني في هذا المجال أسماء لنقاد كبار لهم مكانتهم في خارطة الأدب العربي الحديث، على رأسهم أساتذة لنا كبار: الدكتور أحسان عباس، الدكتور محمد النويهي، الدكتور عبد المجيد عابدين، الدكتور محمد إبراهيم الشوش، وشباب من الجيل الجديد من النقاد منهم الأستاذ عبد الهادي الصديق، وفضيلي جماع، وآخرون كثيرون.

ولكنهم جميعاً تناولوا جوانب محدودة بعينها في الشعر والقصة، وتاريخ الصحافة الأدبية... الخ.. ولم يتصد ناقد منهم لقضية تاريخ الأدب السوداني في مجملها - أي تقويم هذا الأدب بشكل عام، نثره وشعره، الرواية فيه، والقصة القصيرة، والنقد الخ.. ومثل هذه الأدوار مهمة لنهضة الأدب ومسيرته التاريخية، فنقاد كبار اشتهروا في تاريخ بلادهم بهذا الدور الطليعي الرائد، وكان لأعمالهم وتقويمهم لأدب بلادهم، دور كبير في نهضة تلك الآداب وازدهارها، أمثال أولئك في الأدب الإنساني تبرز شخصيات بارزة مثل بلينكى الروسي، ليسينج الألماني، وسانت بوف الفرنسي، وطه حسين المصري وغيرهم من الأسماء العظيمة.

ولا شك أن مهمة بهذا الحجم تتصدى لتقديم الآداب القومية، وتحديد مكانتها من التاريخ الحديث، تعد من المهام الشاقة الصعبة في التاريخ الأدبي، وقد تقدم أديبنا الرائد على المك، في القيام بتلك المسئولية.

فكتاب (ملامح من تاريخ الأدب السوداني) هو المبادرة الأولى المتميزة والرائدة في هذا الاتجاه، وهي دون شك اللبنة الجادة في اكتشاف صرح الأدب السوداني، وإزالة الركام عنه، وتوضيح جوانبه ولبناته الرائدة، ولعل أول ما يلفت نظرنا إلى تلك الكلمات المؤثرة التي وردت في تصدير الطبيعة الثانية للكتاب، وقد صدر الكتاب لأول مرة في عام 1975م .. حين يقول على المك:
(تعددت المدارس والمذاهب الأدبية في السودان، وجاء إلى دنياه أدباء من الشباب بعضهم ينفرد في الأسلوب والموضع لا يمكن تجاهله بحال.. ولقد أمكن لي أن أنتخب من أعمالهم طرفاً؛ ورغما عن هذا، فأني اشعر إني مقصر شيئا .. وبناءا على ذلك فأني أرى: أن الأوفق مستقبلا، ولكي لا نظلم هذا الأدب السوداني، أن تكون المختارات في أجزاء، فتشمل الكثير مما يستحق النظر والتأمل، أو ربما كان الصواب أن تصدر مجموعات للشعر السوداني، والقصة القصيرة ... وقد تسنح ظروفك لمثل هذا العمل، إن أتاح الزمان وقتا للبحث والاستقصاء والتأمل .. وعلى كل حال، فأن الباب مفتوح جدا للمشتغلين بالآداب، والمهتمين بها للنهوض بمثل هذا العبء ، وهو من بعد جسيم).

بهذه المقولة تبدى علي المك كناقد قومي، لم يقتصر دوره على نقد الجزئيات كما يفعل النقاد العاديون، لكنه انطلق من منهج شامل يشعرنا بدوره الطليعي في اكتشاف المرحلة الجديدة التي حققها تطور الأدب السوداني المواكب للعصر في مطالع الخمسينات، والتي رأى علي المك من خلالها كيف يرتفع جيل الرواد، الذين وصفهم (بالانفراد في الأسلوب والموضوع)، والذين قال عنهم أنهم خرجوا من خنادق الحرب العالمية الثانية، على التجربة الإنسانية الجديدة في آداب العالم الآخر، شرقه وغربه.

وفي نظرة الناقد القومي علي المك الشاملة للأدب السوداني، يخشى علي المك أن يظلم أدباء آخرين واتجاهات أخرى غير جماعة الخمسينات هذه... فاستدرك في مقدمته الرابعة حين تذكر: أن هناك شعراء آخرون ومدارس أخرى أنتجها الأدب السوداني قبل مراحل الخمسينيات.. وظهرت أمامه مرحلة الثلاثينات ، فإلى كلمته المؤثرة المعبرة، التي لا تسمعها إلا من الوالد الشفوق.. قال: ( لكي لا نظلم هذا الأدب السوداني) وبعدها رسم البرنامج لتوثيق ولتحديد هذا الأدب، هذا الواجب الذي يتعين على جيلنا القيام به: والذي وضعه علي المك في هذه المقدمة.. أن تصدر مختارات هذا الأدب السوداني في أجزاء، لابد في نظري أن تكون تلك الأجزاء جمعا وتحقيقا وتوثيقا وتحليلا للأدب السوداني في مراحله المختلفة، والتي تصورها علي المك، بل ووضع معالمها في كتابه (ملامح من تاريخ الأدب السوداني). لتأكيد فكرته، ذهب الناقد القومي علي المك إلى تحديد مقترحه هذا في إصدار مجموعات أدبية للشعر السوداني، وأخرى للنثر بالتفاصيل التي جاءت الإشارة إليها في كتابه (ملامح من تاريخ الأدب السوداني).

عاد الناقد علي المك في الطبقة التالية للكتاب، لمرحلة الثلاثينات التي لم يتوقف عندها كثيرا في (المقدمة الثالثة)، فقد كرس الأخيرة لجيل الخمسينات الذي لاقى الكثيرمن الإهمال والعنت.

في مقدمة الكتاب الرابعة يشير علي المك إلى أشخاص لم يتح له ذكرهم، وإن ورد إبداعهم في الكتاب، كالأستاذ الأديب السوداني عبد الله رجب، في كتابه (مذكرات أغبش)، الذي أورد منه نموذجا في كتابه؛ ويعقد المقارنة بين ما كتبه عبد الله رجب وطريقته في السرد والكتابة بالطريقة التي ألف بها ماكسيم جوركي سيرة حياته. وتشير المقدمة إلى تحليل وتقويم إنتاج أدباء الثلاثينات، فتذكر أحمد يوسف هاشم، ومحمد عشري الصديق، وما أدته مجلتا (الفجر والنهضة) من دور مشهود في تطوير الأدب السوداني في كل المراحل؛ ثم يعود إلى معاوية محمد نور، ودوره البارز في الصحافة المصرية الشقيقة، ويبرز مدى اطلاعه العميق على الأدب الأوروبي، في منابعه الأساسية.. الروسية، الإنجليزية، واللاتينية. لا ينسى الناقد القومي علي المك الشعر السوداني، والتطور الكبير الذي شهده على يد التيجاني يوسف بشير، ومحمد أحمد المحجوب، وغيرهم (الوقفة مع هؤلاء في الكتب، بعرض نماذج من أعمالهم).

لم ينس على المك أن يستعرض ذلك الدور الرائد الذي لعبته (كلية غردون التذكارية). يبدو لنا نحن جيل الخمسينات هذا الأمر غريبا، لما رأيناه من تناقض المستعمر البريطاني .. وأن الذي نعرفه عن (اللورد غردون) هو أنه واحد من سدنة وقادة الاستعمار والإمبراطورية البريطانية... ولكن الذي ما يزال يدهشنا حتى الآن: هو كيف أتيح لمدرسة مثل هذه أن تقوم بدور إيجابي وتسهم في بناء عناصر من الثقافة القومية، يكون لها الدور الإيجابي في المستقبل بالمشاركة في بناء الأدب القومي السوداني؟

أسئلة كثيرة تطرح نفسها، ألعب الجزء المضيء من الشعب البريطاني دورا في ذلك؟ فقد قيل لنا إن كلية غردون بنيت بمساهمة من أهل بريطانيا، وليس الشعب البريطاني كله مستعمر، أليس كذلك؟ أم أن الأمر راجع للغة الانجليزية العظيمة التي عرفها السودانيون معرفة أهلها لها، فقد عرفوا الأعمال الإنسانية العظيمة في الأدب الإنجليزي، وحركات التنوير مثل الثورة الفرنسية ودورها المشهود في التاريخ الإنساني، أسئلة نطرحها لعلنا نجد الإجابة عليها.

يلقي علي المك مزيدا من الضوء على هذه الكلية مشيرا إلى ما قاله أحد رواد النهضة الأدبية، عرفات محمد عبدالله عنها (أنا واحد من زملائي الكثيرين الذين تلقوا تعليمهم ثانويا في كلية غردون (التذكارية) وقد درسنا مع ما درسنا: اللغة الإنجليزية واللغة العربية، ووعينا قواعد هاتين اللغتين وعيا سليماً، وكذلك النحو والإعراب والصرف، والبلاغة بفروعها ...

أما المحجوب فيشير: إلى أن حركة التثقيف قد فتحت عيونهم على النقص الثقافي المتفشي في بلادهم، فأخذوا بتلابيبه في أنفسهم أولا.. وها هم قد بدأوا يشخصون الداء لغيرهم، وأخذوا يقدرون مطالب هذه الفترة، فترة الانتقال، وما تحتاجه من هدم وبناء ، ومن حفاظ على الأخلاق والعقائد، وقد (اتخذوا لكل شيء أهبة ، وحملوا المعمول والفأس يهدمون البائد المتداعي، ويقطعون الأعشاب والطفيليات من النباتات، ليضعوا الأساس للنهضة المقبلة) (المحجوب).

يقول الناقد على المك : كان المحجوب يتسم في أدبه بالأصالة الفنية، مما كان يحاول من صياغة جديدة، تجمع بين فصاحة اللغة العربية، وترسل اللغة الانجليزية. أما الأصالة الفكرية، ففي ما كان يلتمسه من المثل العليا لمجتمعه السوداني الناشئ في الأدب والسياسة والفن.

أما في مجال نظرية الأدب ومصطلحاته، فقد تميز الناقد القومي علي المك، بحس دقيق ووعي فني لا يتأثر بالتيارات العارضة، من الثقافات الأخرى، فهو يقول: (أنا لا أرفض هذه المدارس الفنية في الأدب، ولكننا نرى أن لا نعتمد عليها وحدها... ذلك أنها تحصر الكاتب في إطار محدود). وليؤكد الناقد هذا الحكم، ضرب لنا مثلا حين قال: ( فلو أنك نظرت في قصيدة عبدالله الطيب: (الكأس التي تحطمت) لجاز لك أن تضعها في ما يسمى بالشعر الحديث، في موضعها وفي مذهبها (تحاشى علي أن يقول إنها رومانتيكية)، خوفاَ من الانزلاق في استخدام مصطلح أجنبي، قد لا يكون دقيقا في وصف هذه الحالة. يواصل علي: (حتى التي نظمها بعد القصيدة تلك ( بنيف وعشرين سنة)، وجدت الاختلاف بينهما ينأى بالشاعر أن يعد في مدرسة الشعر الحديث .

هكذا حاول الناقد علي المك أن يقنعنا بخطورة استخدام المصطلحات الأدبية الحديثة على عواهنها، وإطلاقها دون تحفظ أو حذر.

هل قصيدة (سمرقند) ... من الشعر الحديث أو القديم؟... قد لا نتفق مع ما ذهب إليه الصديق الراحل علي المك، وهذا ما نأمل أن تتاح لنا الظروف لتوضيحه في مقالة قادمة. وأخيرا يظل كتاب (ملامح من تاريخ الأدب السوداني) مشروع نواة لعمل أدبي كبير، يبدأ بتدوين مجموعات الشعر السوداني، والقصص السودانية، والنقد، في مجلدات تشمل دراستها وتحليلها وترتيبها الترتيب التاريخي المعروف. إنه المشروع القومي الأدبي الكبير الذي طرحه علينا الأستاذ الرائد علي المك .. هذا المشروع الذي كان يحلم علي بالقيام به كما قال: (قد تسمح ظروف لمثل هذا العمل، إن أتاح لنا الزمان وقتاً للبحث والاستقصاء والتأمل) . لم يتح لك الزمان ذلك ياصديقي !! ولكنك تقول ايضا: (على كان فأن الباب مفتوح للمشتغلين بالآداب، والمهتمين بها للنهوض بمثل هذا العبء وهو بعد جسيم ). العبء جسيم، هل تسمعونها ؟ إنها كلمات علي المك ..



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:57 PM   #[41]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

علي المك والسينما
بقلم: الأستاذ/ محمد مصطفى الأمين


يرجع اهتمام علي المك بالسينما إلى واقعتين، هما أنه من أبناء أم درمان (مدينة من تراب) كما أسماها - إلى حقيقة أنه شهد في صباه وشبابه فترة أزدهار السينما وعروض الأفلام، وذلك بعد افتتاح سينما برامبل (1937م)، والوطنية أم درمان (1941م). وكانت السينما قد أصبحت أحد أهم وسائط الثقافة وعناصرها في تشكيل ذلك الجيل. (راجع كتابات د. عبد الحليم محمد في مجلة الفجر) 1932/1937وغيرها.

ولعل اهتمامه بالسينما والأفلام الأمريكية قد قاده فيما بعد للاهتمام بكتابات الكتاب السود.. حيث قام بترجمة أعمال لهم مع خدنه ورفيق صباه صلاح أحمد إبراهيم، وكذلك الاهتمام بموسيقى الجاز والبلوز والسول، وله في ذلك برنامج موسيقي شهير كان يبثه من خلال إذاعة أم درمان.

علي المك ومؤسسة الدولة للسينما
قام نادي السينما بممارسة نشاط أول مرة في 7 أغسطس 1968م ، وفي عام 1969م تبنى سمناراً حول مشاكل السينما في السودان من نواحي سياسات استيراد الأفلام والرقابة، وضرورة إنتاج أفلام سودانية، وتقديم مقترحات عملية. وبعد 25 مايو تم تبني بعض المقترحات، وتم إنشاء سينما مايو بعد تأميم دور العرض السينمائي، وشركات دور العرض السينمائي، وشركات استيراد وتوزيع الأفلام. وأعطى البروفيسور على المك منصب مدير عام هذه الهيئة التي تطورت فيما بعد لتصبح مؤسسة الدولة للسينما.. وقد شهدت تلك الفترة انفتاحا على أسواق جديدة حيث تمت إقامة اسبوع الفيلم السوفيتي، وحضرت افتتاحه ممثلة سوفيتية، كما جلبت المؤسسة أفلاما مهمة مثل فيلم ( زد) للمخرج الشهير كوستا جافراس، وتم عرضه بحضور مؤلف موسيقى الفيلم ( مايكس ثيودوراكيس). هذا إضافة للعديد من المحاولات الجادة التي تصب في خانة الخروج بالمشاهد من أسر الأفلام التجارية الاستهلاكية والنمطية.

وحاول علي المك أن يسهم في عمل أفلام سودانية؛ وتم إنتاج الفيلم المشترك (السوداني البولندي) (بين الأحراش والأدغال)، والذي لم يكتمل نسبة لما أثير حوله من شكوك في صرف الأموال - الشيء الذي دفع بعلي الملك للاستقالة من المؤسسة.

وعن عدم اهتمام أصحاب مايو بإنتاج الأفلام، يقول إن المشكلة الأساسية أن المؤسسة عندما أنشئت كان الهدف الأساسي (حسب النظام الأساسي) هو إنتاج الأفلام السينمائية - أو هكذا قيل حينها- ولكن اتضح فيما بعد أن نظام مايو لم يكن يهدف إلى تطوير الإنتاج وعمل الأفلام... ولم يجئ ذلك عن غفلة أو قصر بل أن ما تم هو نتاج طبيعي لتخطيط مبرمج، لأن رجالات مايو كانوا يأخذون عناوين لإطارات عامة ذات صدى جماهيري وقبول، ويتم إفراغها وإفسادها . وهذا ما حدث مع مؤسسة الدولة للسينما تماما.

الخطأ في أهداف المؤسسة كان يكمن في احتكار الاستيراد والتوزيع، وذلك لأن الدولة كان يمكن أن تفرض سياسات معينة فيما ينبغي أن يستورد، إذ لم يكن الهدف الحقيقي لرجالات مايو أن يغيروا سياسات الاستيراد والتوزيع. وكان ينبغي أن يكون الهدف الجوهري من إنشاء المؤسسة هو إنتاج الأفلام.

لم تكن هناك مشكلة تمويل، لأن الاتفاق كان يقضي بأن تؤول الأموال التي تأتي من استيراد المؤسسة لدور العرض حسب ما ورد في النظام الأساسي الذي لم يعمل به، وطرد الأشخاص المعنيون بالأمر في المؤسسة.

في الفترة الأولى أبان إدارتنا للمؤسسة جاءت العديد من الوفود الاشتراكية التي أبدت رغبة في إعانتنا على إنتاج الأفلام، وقد أهدونا كاميرا (لا ادري ما مصيرها الآن). أيضا ندوة (مشكلات صناعة السينما في السودان) لا أدري ما هو مصيرها، علما بأن هذه الندوة أقيمت بمصلحة الثقافة في 27 سبتمبر 1978م وحضرها عبد الرحمن نجدي، وسليمان محمد إبراهيم، وإبراهيم شداد ،وقد أدارها الناقد محمد مصطفى الأمين.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 05:59 PM   #[42]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

من قصص الراحل على المك
"كرسي القماش"


اعتدت أن تختلف إلى مكتبك كل صباح، مثل الساعة الدقيقة أنت، تفد للمكتب في الثامنة من الصباح، في الشتاء كما في الصيف، ولم تغير عادتك تلك أبدا، حين كنت تعمل في الدامر أو الفاشر أو في كسلا.. حقا أنك قد خبرت أكثر أقاليم بلادك ولكنك لا تعرف ما هو الفرق، النهار في المكتب، والمساء في النادي.. وهناك دائما تاجر وزملاء وجزار وحلاق ورئيس صارم أو غير صارم...و.... و....

وها هي العاصمة.... موطنك.. عدت إليها بعد طول تجوال.. عملت بها سنة أو بعض سنة حتى أدركك المعاش. تقول أدركك المعاش، كما يدرك الموت الناس، أوليس المعاش كالموت؟ ألا يعني أن خدمتك قد انتهت، وكما تنتهي الحياة، أوليس الحياة هي العمل؟ هذا هو أول أيام الإجازة الأخيرة، ولن تستيقظ بعد ألآن مبكراً، ولن تمضي للمكتب فتكون به في الثامنة. لفرط ما جرت بك عربات التاكسي حفظت كل ركن في الشارع، أعمدة النور ومقهى (جورج) وإعلانات السينما، وهي المتغيرة دائماً وكل شيء عداها ثابت.. ثابت كل شيء، وكوبري النيل الأبيض، آه ما أجمل الإغفاء في السيارة حين تصعده جريا، ويعتدل الهواء حين يصافح صدر النهر ويغشاك رطبا منعشا ويسلمك إلى النوم.. لقد كبرت، وليس عندك سيارة، البركة في البيت.. وماذا ستعمل الآن؟

"مع السلامة يا سيد فضل.. والله تعلمنا منك الكثير.. سنفتقدك كثيرا" قال زميل في المكتب، وأنت تعلم أنه كاذب، فمستقبله في الخدمة معقود على تقاعدك بالمعاش... يا للنفاق! وعلي أخفي ابتسامته الخبيثة ابن ال.. ولكن المعاش هو الموت يدرككم جميعا.. ولكل أجل كتاب.. وهذا هو العزاء.. وأنت أيضا كاذب ،لو كنت تؤمن بهذا الكلام ما غضبت ولقبلت كلامه بروح سمح.

وهل كنت محبوباً يا سيد (فضل)؟ أتذكر الصرامة والحزم وسؤالك الملح أبدا لماذا تأخرت؟ هل نمت؟.. آه الهواء الصباح عليل يلذ فيه النوم؟ أم أن الخمر كانت قوية الليلة الماضية؟ وكان مثل هذا الكلام يغيظ الأفندية ولكنهم يسكتون خشية عقاب، وأنت نفسك تخشى المدير، كل سيد وله سيد.. حين كان يطل عليك أو يستدعيك تنصبب عرقا وتجف، آه يا (فضل) حقا قال لك (سنفتقدك يا سيد فضل ) ابن ال.. هذا الرجل لا يحسن كتابة خطاب أو مذكرة ، ولم يعمل مع السلف الصالح من الإنجليز.. يا سلام تذكر سمث وجونز ورانهل... والله لا يهم طالما كانت الخدمة كلها صائرة إلى انهيار كامل، وأين نحن من أيام (السلف الصالح) هاصت والله، وأصبح سادتها أولاد الجامعات.. (لكل زمان رجال ياسيد فضل) كان ذلك الشاب يقول لك هذا دائماً، هو في مثل سن ابنك ولكنه متعلم وأي علم؟ نوم في المدينة الجامعية وعدس وفول وجلوس في المسارح أو في المقهى، ودرجة جامعية، ثم تراهم يقفزون سلم الوظائف قفزا.. دنيا والله دنيا.. وهل مر زمان كنت سادته يا سيد فضل؟ من قبل هؤلاء الإنجليز حتى إذا خرجوا من البلاد جاء أولاد الجامعات.

تدرك أن الشمس في مدينة (أم درمان) (1) هي النار المحرقة، بعد الثامنة من الصباح تغلي البيوت بفعل الشمس، فلا تطاق ويلتمس الناس المكاتب ذات المراوح ومكيفات الهواء ليس حبا في العمل والانتظام فيه، بل هم ينشدون الهواء البارد والاستجمام، تحس ربما لأول مرة أن البقاء في هذه البيوت هو الموت، وعليك أن تبقى في جوارها، أم العيال. أليس في العمل رحمة؟ هذه هي المرأة الولود الخصبة، كأنها دلتا النيل.. إن لم يكن هناك من حل فالأجدر أن تجلس في الظل في الشارع وتطالع صحف الصباح وترقب السابلة والعربات تجري وتجري ولكن لاية غاية؟

حينما أخرجت كرسي القماش من المخزن ونفضت عنه غبار السنين، كانت ذرات التراب تذكرك بأيام (الفاشر) (2) حيث كان صنعه وخمس كراسي أخرى تكسرت جميعاً، وبقي هو. صنع الكرسي في السجن.. جف ظهر سجين وهو يصنعه لفرط ما عكف عليه وانحنى، جف ظهره لترتاح ظهور الموظفين الخواجات منهم وأبناء البلد، وقد يعجب هؤلاء بفنه وقدراته.. فن نابع من الصبر والقهر معا، وقد تسحر ألبابهم خطوط قماشه الحمراء والصفراء، ودهان خشبه الأبيض (ربما كان صانعك قاتلا أو سارقا أو هاتك أعراض، وربما تموت ويبقى الكرسي .. وكم من سارق طليق وهاتك عرض في عزة ونعيم .. و...و..) وينتشر الغبار كثيفا بعد كل ضربة.

( كان زمان أيام صنعت يا كرسي القماش، كانت الدجاجة بخمس قروش والخروف بخمسين قرشا، وفي القشلاق الخمر والنساء، وفي فصل الأمطار تمتلئ الترعة حتى تفيض.. وينتشر على التلال بساط أخضر من العشب، وأنك شهدت الصبيان يشربون الماء من حياض الجياد والحمير، والماء شحيح و (أتيمة) تصنع الخمر وتشرب أكثرها، وتأكل نصف خروف ،ولقد أحسنت امرأتك الصنع حين رفضت البقاء في الفاشر، وتركت فراشك خاليا منها وغير خال من (سعاد الفزانية)، وأنت الباشكاتب المهاب، زمان مضى يا كرسي القماش شخت أنت، وشخت أنا...) وها أنت ذا تجلس على كرسي في الظل، وتعاين في الشارع والناس في الشارع، وتمد رجليك، والظل يجاهد الشمس وهي في بطء تفترسه.

- سيد فضل صباح الخير .. ماذا بك؟
- لا شيء لا شيء
- أنت لست مريضا؟
- كلا
- إذن في إجازة؟
- نعم
- شيء عظيم .. أتفكر في السفر
- لا
- جميل بعد قليل تهطل الأمطار ويعتدل الجو، لماذا أصر جارك على كل هذا الكلام، أم أن هذه عادة أهل السوق من التجار، يا لعنة الله عليهم .. وبستطرد الجار..
- عظيم يا سيد فضل ومتى تنتهي الإجازة؟
- هذه إجازة نهائية
- يا سلام ... لن تعود إلى العمل إذن .. والله خسارة

وتغير وجه الجار العزيز، وأضحي قاتم اللون من بعد صفائه - أو هكذا تصورته- وتصلبت تقاطيع وجهه، زم شفتيه، قطب جبينه.
(يا مسكين يا فضل) تقول في نفسك ثم تتساءل: (هل المعاش هو الموت؟ أنت قادر ومقتدر ومعافى، خلا نوبات السعال التي تغشاك ويضيق بها خلقك من بعد صبرك، وتستطيع أن تعمل حتى تبلغ مائة عام.

وانصرف الجار العزيز، تراه يهز رأسه من أسف، كنت بالنسبة لهم شيئا وأصبحت لا شيء، كنت الباشكاتب المهاب.. يا خسارة ضاعت الرهبة، وحل محلها العطف والرثاء، وتنطلق السيارات أمامك، إلى أين يذهب الناس؟ أكلهم يعمل؟ أم أنهم سئموا الحياة في البيوت؟.. ألهم أزواج وعيال؟ تبا لها العجوز.. ما زالت تتطيب وتصلح من شأن نفسها... المشكلة أنها تغريك في هذا النهار الطويل فتضعف وتنهار.. والظل في الشارع خير من البيت.

وأبواق السيارات تتدفق فوق الشارع، والنظر سيارات وزحام . لأول مرة تدرك ان هذا الشارع القديم لم تمسه يد إصلاح ويبدو أن الأشياء لا تتغير كما ينبغي، "أهذا يومك الأول؟. وتمضي باقي حياتك على هذا المنوال؟ وما بقي منها هذه الحياة، لقد انتهيت عند الحكومة فلفظتك إلى الشارع" تحدث نفسك ، مشاهد تتكرر، وأناس يروحون، يجيئون، وسيارات تفلق الدماغ، وما العمل الحكومي؟ أليس هو تجربة يوم واحد تتكرر ثلاثين أم أربعين سنة؟ وفجأة ينقطع حبل تفكيرك.

- السلام عليكم
- يتردد الصوت ، وتنتفض فاتحا عينيك من آخرهما ،تحدق فيمن ألقي بالتحية وترد:
- بماذا تريد أن تناديه؟ أأنت تعرف؟ من هو هذا الرجل؟ كثيرون هم (أنصار السلام) هؤلاء، يحيونك حتى إذا كنت نائما، ثم أنك لا تعرفه،يقولون إن (السلام سنة)، ولذا يتمسك بها هؤلاء القوم، وقد تلقف عابر السبيل تحيتك عن رضا، ثم مضى لحال سبيله.

- يا ساتر يا رب .. حاسب!
- لا حول ولا قوة الا بالله
- يا عالم
- لا حول الله .. يا ساتر

أصوات تعل، وإذا بعربة محملة بالجنود، قلانسهم حمراء دونما استثناء تدهس طفلة كانت تهم بعبور الشارع ... وتهب واقفا، ويهتز رأس كرسي القماش كأنه نال راحة من بعد أن ارتفع عنة ثقلك.. من أي البقاع جاءوا؟ في لمح البصر، كيف احتشدوا بهذه السرعة؟ ألم يكن الشارع شبه خال عدا أشخاص يسيرون متفرقين؟ وها هي أصوات الناس تسبح قرب أذنيك:

- عربات الجيش تندفع مسرعة دائما..
- السائق مخطئ ... دونما ريب مخطئ ... الله.
- أبدا... أبدا ... هي غلطة البنت لم تقف لتتأكد من خلو الشارع..
- ولكنها ماتت
- كيف تموت بلاسبب وجيه؟
- هذا أوجه الأسباب في هذا الزمان
- أيعاقب القانون السائق أم العربة؟
- وقد بدأ الجنود بقلانسهم الحمراء يتقافزون من سطح العربة .. وتنظر بين الرؤوس والاكتاف والرقاب فإذا بجثة ملقاة على طرف الطريق، كان رداؤها أخضر، وكانت تحمل كتابا تطايرت صفحاته وعليها رسوم حيوانات وحروف كبيرة ذات ألوان، وكراسة تعلقت بإطار العربة، فما استطاعت منه الفكاك، وكان وجهها ملطخا بالدم، وقد غشا الموت عينيها، وأنت تعرفه: الموت (بالله كيف تموت المسكينة وهي ذاهبة إلى المدرسة؟ أحمد الله أنه أبقاك على ظهرها: الدنيا أكثر من نصف قرن، وها هي ذي طفلة مجتهدة تموت بلا سبب وجيه)
- أصوات تختلط
- بل هذا أوجه الأسباب في هذا الزمان
- احضروا غطاء
- احملوها إلى المستشفى
- يجب أن يفحصها طبيب
- ولكنها ماتت..
- من المسئول إذن؟ السائق أم الفرامل، أم هم الجنود، أم هي القلانس الحمراء؟
- هيا .. هيا.. قبل أن يأتي بوليس فنتهم بالقتل
كانت يدا السائق قد تجمدتا على عجلة القيادة، وانكفأ عليها بوجهه لا يريد أن يظهره، وتجمع الجنود فأقاموا حائطاً حول المتجمهرين.

ها هو الظل قد تقلص بعد أن افترسته الشمس صعودا، وليس أمامك من شيء سوى أن تعود إلى الدار، وتحمل الكرسي ثم تضعه على جدار الحجرة بعناية، كأنما قصدت أن يصيب راحة من بعد العناء، وترقد على السرير، والنهار صامت بعد أن اغتذى بدم الفتاة. وقد تطل عليك زوجك بعد حين، أيهما الجحيم ؟ الشارع أم هو البيت؟ فلتنتظر قدوم يومك الثاني في حياتك الجديدة.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 06:07 PM   #[43]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي

أحمد بشير العبادي:
حديث عن الأنهار و المعالم و المدن ...
بقلم :علي المك


شهدت حفل التأبين إلا قليلا...

كنت أود حين وصلتني الدعوة للشهادة أن اكون قد أعددت شيئاً للمناسبة، فهنالك في ظروف الكاتبين والكتابة تراكم أشغال، وأعمال سآمة دنيوية، وغياب إلهام، مما يصيب العقول بالجمود و الصمم. فاتني أن أقول كلمة، مثلما قد فاتني قبل ذلك شرف الجلوس إلي حلقات دروس أحمد بشير العبادي. آنا كانت تمر عليها الأجيال، تأخذ من علمه ومن معرفته زاداً ووقوداً لحياةٍ طويلة النصب، شديدة العناء، بما يزيد عن حدود الصبر وآفاقه علي سعتها. لولا تلك الأسس الرصينة من أمثاله وأضرابه لانفجر الصبر نفسه ضجراً و إملالاً ... العلم النافع درع، و المعلم المفيد درع ... و هذان خير أسلحة في الحياة.

رأيت الذين درسوا علي يده قبل.. بعض أولئك.. فالكل مستحيل قدومه لمثل ذلك الوداع، منهم من غيبه الموت، وفيهم من قعد لا يستطيع حراكاً، ومنهم من تنازحت بهم الأوطان.. رأيت قسما من طلابه وعارفي علمه، ألوفاً هطلت عمائمهم البيضاء وجلاليبهم بلون الفجيعة، كانت علي مدافن البكري. ولعل الذين كانوا في الأجداث قد ثووا، قد تنبهوا لهولها ، فعرفوا جلال الموت مرتين...

ما رأيت حشداً كمثل ذلك الحشد منذ عهد بعيد... جمعا غفيراً كان... حركة أقدام تتقافز علي كوم التراب والحجارة، و تتقافز.. لا تريد أن تدوس علي المقابر القديمة. يضيق بالقوم المكان.. كان حزنهم فريداً..و نابغاً . ذلك الحزن كان من مواطن الحزن فينا... رأيته في رجل مخلص لكل ما ينبغي الإخلاص له.. ليس ذلك و حسب، بل كان نهاية عهد، كلما اتسم به العهد.. كان الاتزان والإخلاص لقضايا المجتمع، ومدن العلم المشرئبات الي العلي، و للعلم نفسه.. اكتملت صورة العهد الفريد فيه، وما بقي فينا للنسمي، مخلصين مثل أهلها، مثابرين للمعالي شأن أهلها، مناضلين لمثلها العليات. إن البكاء العاجز عليها، والأسي لي الساعة أرثي للمدينة، وآسي وأنا أبهر بأركانها تهتز، تنهد و نحن دون علم بنا.

ربما في غفلة وفي تفريط نودع أناساً، رجالا كانوا عمد هذا الوطن. ولفرط ما منح أولئك حياتنا من ظل وريف وراحة فكر، ونعيم علم، نظن أن ظلالهم التي منعت شمس الجهالة أن تهطل علينا، باقية لن تزول، وكنا واهمين. أولئك قوم أدوا رسالتهم وعلمونا أن نقوى، وأن نشتد فكراً وساعداً وثبات قلب.. بصورة أدق، خلفوا علينا عبئاً، ظنوا أننا خليقين بحمله والسير به وتسليمه للأجيال في سباق مبادلة مع زمان أسحم، وعدد مبين جم الترصيد؛ ولكننا كنا دائماً نطلب عونهم و نبكي.. علمونا، فأخفقنا كثير أحيان.. عادوا يصلحون من شأننا فسقط جلنا دون أن يبلغ المراد.. صارعوا الاستعمار والظلم، فصارعنا أنفسنا.. ونسينا هذا الوطن.. آه ما أجل الأسي.

آخر مرة رايته فيها كان يتأهب لدخول جامع خضر النحاس يوم الجمعة، صلاة الجمعة.. كان يبدو وقد فرع المصلين المتوافدين الي الحسنات والمكارم طولاً.. وكما ألفته سنين طويلات، كان مهيبا جليل الخطي. هو رصانة ووقار.

منذ أن كنا نحضر إلي البيت في ذلك الحي القريب من دارنا، حي قديم، ودار قديم.. زقاق يفضي إلي حلة المغاربة.. وهي، رغما ً عن أن الناس قد اصطنعوا لها اسما، قنعت به، وأعجبها لونه، زقاق واحدلا يزيد، يمتد متعرجاً خيرانه أخاديد، وحصاه لهب.. يرفد من الشمال إلي الجنوب، ثم ينفذ ضلع من أضلاعه يباغ نوعا من الشرق يقود الأعمي والبصير والمريض والسليم إلي جامع خضر النحاس، وإلي طاحونة كولوبس .

ورغماً عن قول اللافتة السوداء، وبعض المتعلمين طاحونة (فيلبس سيدهم)، إلا أن ذلك لم يزل اسم كولوبس عن عقولنا، لأنه استقر بهاو صار من ارادة الشعب. أما هذه الطاحونة، فدرست وصار شأنها أشغال اخري. وأما المسجد، فبقي وحفظ الله له طول مئذنته قامة وشأن وصلاح يؤمه كل الأوقات، وتستبد مئذنته بالجهات الأربع نظراً، وهو من بعد غض النظر، وأذان تنثره علي آذان الحي، وتلتمع الأعين به نورا- وإن أعشت. و الشارع مكان الزفة.. إلي مطالع رمضان يهفو، وإلي مولد النبي صلي الله عليه وسلم، و طريق الناس إلي المعالي. وأم درمان كلمتني أنها تفاخر به البلدان و الأمم.

كنا نأتي دار العبادي أيام الإجازات من وادي سيدنا ومن الجامعة.. سعد عبادي أسن منا، وأنه يفوقنا حجماً، بشير دفعتنا، وكان شاطراً في الرياضيات وطلاسمها وألغازها، وفي سائر معارف عصره. وكنا دون إعلانٍ أو معالنة نعده لصراع المجد و التفوق.. وعرفنا مصطفي، ثم اتصلت سبل المعرفة جيلاً يحمل مشعلاً إلي جيل، فأضاءت مشاعلنا لحين أن بصرنا ( كرار) و ( كمال) و ( السر)؛ و مخبزالأفراح وكهربة عامر.. رجال ما فيهم إلا شهم و إلا نبيل.

في هؤلاء الهل سمة مدينتي أراها كما عهدتها، تهب لنجدة الضعيف، (تقنع الكاشفات)، ولا تدوس الحاجة عفاف أبناءها، في الملمات و الأفراح.. يلتفون حولك يؤازرون مؤازرين، حتي قبل أن تلتمس منهم عون.. ومن تربي علي الخير وعلي المروءة صار هما.

حزن فريد .. أكاد أعرف الحصي ولون الأسفلت في الشارع و شروخه، و أعرف كذالك وفاءه، ينقل المظاهرات الملتهبة علي الجمعية التشريعية.. و بأعين الطفولة قبلها، وأين جنودنا العائدين من حرب الفاشية في الصحراء الغربية وغيرها؟ ولم تتبدل به الحركة ولا وفاءه للناس.. يحملهم من أبوروف إلي السوق، ومن السوق الي الهجره والنهر وكشة العصاصير هنالك، وصانعو الحلوي و السروجي والحلاقون، وسبيل نايل.. والترام يسرع مخادعا، يهدئ روع نفسه ومن ثم أنفاسه المبهورات يلتقطها.. بأعين الترام أري (سبيل نايل)، لا هو محطة ولا هو سندة .وما للترام به شأن، لأنه أقيم للسابلة و للظمأ اللاغب والعطش الحراق.

أتحدث عن المعلمين الذين جاءوا بعده ودرسنا عليهم ما درسوا عليه.. بذل لهم بسيط العلم، وما بذلوه لنا يتجدد فيهم ويشيخ ..حينما أتحدث عن المعلم أحمد بشير العبادي فأن الكلام كثير والكلام يجدي ولا يجدي أحيانا.. فأي حديث يفي حين نواجه الأنهار والمعالم والمدن؟



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2011, 06:10 PM   #[44]
فيصل سعد
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية فيصل سعد
 
افتراضي


رسالة من البروفسير على المك الى على الماحى السخى
اعترف باننى كنت اضعف الايمان,العن ولا اقدم شيئا
لايقدر على كسر الاغلال سوى الشجعان الصناديد

نشرت بالميدان بتاريخ 31 اكتوبر 1985


اعتقد اننى قد غنمت صداقتك قبل ان اراك ,والصداقة الحقة هذه الايام اندر من اسنان الدجاج,وانى لطشت هذا التعبير الذي اراه بارعا من كاتب وشاعر ايضا اسمه لانجستون هيوز وعلى كل فان هذا ليس مجال الحديث عن اسنان الدجاج,الخل الوفى, او العنقاء.

قرأت رسالتك الجميلة الى منظمة العفو الدولية,ترد بها على رسالة وصلت اليك منهم,حدثني من لا اتهم ان رسائل المنظمة كانت تخترق اسوار السجون طال بها الزمن ام قصر,وكنتم تقرأونها.تصل كانت كمثل مايصل الهواء لايمنع وصله احد وكما تطلع الشمس لا يحجب ضياءها احد,ومثلما ترتفع السحب فى سماء تعلق نفسها لا يعارض سموها احد,انا بذلك جد سعيد.

اغرتني رسالتك بالنظر الى نفسي نظرة جوالة,عاينت نفسي من داخلها,واذكرتها اياما يابسة جفافها عجيب...يحصونها بعمر الزمان..يقولون ستة عشر عاما,سالتني نفسي لماذا لا تقولون ستة عشر سنة؟ الان( العام) مذكر,والسنة انثى؟ام مازالت دنياكم تفكر بتلك الطريقة العقيمة؟سكت, وماعندي لها من جواب..نفسي سرحت بعدها,اجيل النظر حيث ينبقي لي وحيث لا يكون ذلك,وكما تعلم فان البحث فى النفس ومعاتبتها امر لايقدر عليه الا قليل من الناس....

ان المسافة بين سجن كوبر والبيت الذي اسكن فيه في بري جسر واحد,والمسافة بين وجود هذا السجن والاحساس به لبعض من هم خارجه وهم لا نهائي.. بضع عشر سنة كان الحديث فيها عن التعذيب تفيض به المجالس والجلسات,يتورم الحدث بين جلسة واخرى,ومجموعة واختها.

ماذا فعلت انا مثلا؟ كنت مشغولا بالركض اللاهث, عهد كانوا يرمون الناس فى السجن و يعذبون ويقطعون من خلاف ويشنقون ويقتلون اللغة, وتعلم انهم صلبوا منسوبات الاسماء!!
كنت اضعف الايمان العن الحياة ولا اقدم شيئا فيذكر لصياغة معالمها.

عزيزي على الماحي

لقد اذكرتني رسالتك العذبة زمنا لعهد الحداثة والصبا آمنا فيها حق ايمان اننا قادرون على طرد الاستعمار عن البلاد. وانه يمكن لتلك الفئة المؤمنة ان توقف الحرب الثالثة الكبرى تنذر بعد اختها الثانية,وما قد خلفت تلك من ويلات ودمار وبؤس وعار. كنا نجمع التوقيعات على نداء برين ونداء ستوكهلم,ونلوذ بالظلال والجدران والسوق والبحر الصخاب ان يبطش بنا ما كنا نسميه( البوليس السري) واضحك الساعة فالبوليس السري من ام درمان كلها- آ نذاك - من ابي روفها للموردة الى ود نوباويها بضعة افراد يلبسون الجلاليب تخفيا ويعلنون بمناديل البوليس الحمراء والصفراء عن الهوية وعن البضاعة كلتيهما. ونجمع التوقيعات .لا باس طفنا بالنداء(القصيرية) و(سوق العناقريب) و (الملجة) وقرأ الطلاب والخضرجية والسمكرية والخراطون واهلات الحرف ومن لا عمل لهم ,ثم وقعوا عليه ومن لا يعرفون الكتابة جعلوا على الورق بصماتهم,بعض أولئك ما سمع بأستوكلهم ومنهم ما لا يعلم اى خط عرض يلاقى اي خط طول فتكون برلين, وهي ايام عذبة المذاق ثم تجيء الينا سنوات يصير فيها البوليس السري الى شئ اكبر من المناديل والجلاليب,لكل مدينة نصيبها الوفير..جند منهم وآلات,ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل,وما ليس بمستطاع وكنا عدوهم وهم لا ريب عدو الله وانهم قد نفذوا الى المؤسسات والمصالح والمصانع ودور الرياضة واماكن الترفيه,فكانوا للضاغوت جنودا ومنها العسل, فكان اولائك القوم يكتبون ويرسلون الرسائل ويصورون ويرصدون النشاط اليومى لزملائهم... فلان ذهب للفطور تحدث بالتلفون,دخل مع فلان وخرج مع علان,سمعناه ينشد شعرا... حرم عليكم امرؤ القيس وطرفة بن العبد وصناجة العرب واعمى المعرة ولوركا ومحمود درويش, قالوا, وكتبت العيون فى المؤسسات والجامعات ودور الرياضة تقاريرها للامن,.. ويقيم الشرفاء بذلك السجن الكائن شرق النيل, اقول كنا لعهد الحداثة والصبا نضرب عن الطعام ليخرج الانجليز ومن الناس من سخر منا,وخرج الانجليز, ماذا الم بي عهدا طوله ستة عشر سنة؟ ضعفت؟ فترت حماستي؟ رسالتك تلك الرقيقة جعلتني اجيل النظر فى انحاء نفسي,رسالتك زلزال سانحة تغري المرء ان يصفى دمه من شوائب ذلك العهد,ان للأسرة اغلالا , وللولد اغلال, فذاك زمان شظف العيش زمان تطير الاسقف عن الجدران , او ان الخوف والمسغبة. لايقدر على كسر الاغلال سوى الشجعان الصناديد... اعل الايمان بالشعب, لقد باع لنا اعلام ذلك العهد بضاعة كاسدة ولاذوا وعالنوا بالكذب.

عزيزي على الماحي

انني اتصور ليلاتك فى السجن,فى خيالك زهراتك... والزهرة الكبرى هذا الوطن, واتصور الجدران تحيط بكم والطعام الغليظ. كان المفكرون فى مصر يتحدثون عن سجون الملك فاروق ويكتبون عن اكلهم الطعام( ممزوجا بالاسمنت)... وكلمونا كيف تصنع السجون صنوفا من السقام لايعرفون مصدرها ,وتصنع السل والاكتئاب.... وفى خارج كوبر وشالا وسجن بورسودان وغيرها يركن بعض الناس للكلام عن اي المخابز رغيفها ناعم وابيض واي الطلمبات بنزينها وفير وعمالها فيهم سخاء ونخوة فلا يعترفون بالحصة المقررة ولا بالتموين...فى دمنا يا اخي على بعض هذا...أريد لهذا الدم ان يصفو..وتيسر لى كلماتك النابهات العلاج.

عزيزي علي الماحي

أعتقد انني قد غنمت صداقتك قبل أن أراك,والامر بين يديك ولك من بعد تقديري ومودتي الخالصة.



التوقيع: اللهم اغفر لعبدك خالد الحاج و
تغمده بواسع رحمتك..

سيبقى رغم سجن الموت
غير محدود الاقامة
فيصل سعد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:42 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.