خالد علي عبد الرحيم: حين يصبح الشعر سماءً
في سماء متعتي بالشعر السوداني، تتألّق نجوم كثيرة، ولكن "مرافئ اللهفة" وأخواتها هي البروج المضيئة التي تمثّل (بنات نَعَش) خالد علي عبد الرحيم، حيث يسكبن من قلمه أرقى وألمع المعاني.
"نجيمات عشقك الهَدَّايا
كيفن ماب تبين يي ديك
تبلج واضحة فيهو سَمَايا
أبَتْ لي دَرْبي يوم تَهدِيك"
خالد علي
كلّما أتأمّل قصائد خالد علي، أجد نفسي كأنني طائرٌ يحلّق نحو السماء دون أن أشعر. إذ يضفي خالد سحرًا على الحروف، محوّلاً إياها إلى لوحات جوية تستدعي النظر إلى الأعلى. أقف اليوم (مصنقِعاً)، متأملاً في تداخل هذه الصور الهوائية بين الهوى والهواء.
هنا يتساءل بِحِيرة وانتظار، مستجدياً الغيوم:
"وليه غيمك الهطّال
أبا ما يصب طوّل؟
لاقيني زي أوّل
واسقيني للموّال"
ويستمر في احتجاجه على الإنتظار:
"أنا مارسمتك غيمة في آخر الفصول
شان انتظر
وارجاك ممدّد في خلايا الذات سهول مشتولة بِر"
ومع طول الإنتظار، تتحوّل آفاق ترقّبه وينقلنا إلى صورة هوائية أخرى، فيها يتنازل القمر عن عرشه السامي للمحبوب، بل و (يشَابي) له!. لعمري لو ألقى “أبو الدرداق” نظرة على هذا الانعكاس المائي، لانقلب عالمه رأساً على عقب:
"أنا بنتظر جية النِسيمات
اليزيدا الليل وضُوح
والقمرة تظهر فوق جدار الموج
تشابي عليك تلوح"
يواصل خالد علي بعد هذه الأبيات، ويوضّح لنا لماذا انتظر (وضُوح النِسيمات):
"والنيل يجيب صوتك مسربل في المدى
ويفرد شراع خبرك يزِف"
ثم يعود بنا مجدداً إلى صورة الغيم في أبيات أخرى:
"رَبْط الغيم فوق ارضنا حَلَّق
وعمرو النيل ما رَوَّح فاتنا
لا بيتكَمَّل ولا بيتمَحَّق"
كيف يتجرّأ النيل على الهروب، وخالد علي يترّس له؟:
"شيليني في الخاطر
لمن يجيكي الليل
ودسيني لي باكر
بَجْسِر معاكي النيل"
وفي رائعته "لسان البوح"، يحلّق بنا عاليًا إلى إرتفاعات الريح في لوحة هوائية فريدة. بعد أن رحل الشوق وملّ هو الانتظار، استسمح الباب ليحتفظ بأثره، مؤكدًا حضوره قبل أن يغادر:
"وكت عز الهجيع ينشرَّ خاطرك في
اﻷُفق مطروح
أقيف أكتب علي باب الهوى المفتوح
حضرت بعد رحيل الشوق لقيت هين
الفرح مكتوح"
شكراً خالد علي، لجعلك من الحروف لوحات فنية جميلة تحلّق في سماء الخيال.
أزهري سيف الدين
16 أكتوبر 2023م
مرافئ اللهفة:
كلمات: خالد علي عبد الرحيم
لحن وأداء: ميرغني النجار
https://on.soundcloud.com/NXwkbfND3HMD1QS3A
https://youtu.be/s_BJwsxqkOk?si=cHV_vrvMM-KCEwN4