:: كــاتب نشــط::
|
جدل المذاهب- سربال الروح و مقدرة الخيال- حقيقة الصوفية (2)
[size=2]
جدل المذاهب- سربال الروح و مقدرة الخيال- حقيقة الصوفية(2) (2size])
هي كظاهرة لها عدة اتجاهات , عندما نخضعها لنقد عقلي لو أننا سلمنا بمضامينها النبوئية و مفهومها الواسع الخيال. هي كمصطلح في النسيج الاجتماعي السوداني , عندما تُذكر , يذكر معها دخول الدين الإسلامي أو انتشاره في السودان , كدينامية بعيدة عن الأفكار الغامضة , في مرحلة تعليم القران و علومه. و لكن عند الوصول للصوفية كأدب يتأدب به المريدين و كأسلوب حياة , تسقط في فخ الاندفاع و الطاقة المبدعة و الرؤية و اتساع الخيال. مما يجعلها تترنح و تتصارع مع المعقول , فتصبح بعد ذلك طيران شاعري لذات الطيران لا لأجل التماسك المنطقي. و إذا استشهدنا بقول مالك بن دينار الذي نسب إليه في هذا السياق : (( لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة , ويأوي إلى مزابل الكلاب)). هذه الجملة من ذوات الطيران الشاعري تخرج من لا وعي الإنسان لتعبر بصدق عن إيمان رومانسي يجده صاحبه كامل , و تمنعه الرؤية الشاعرية من استكناهه في لحظات العصف الخيالي العالي , فإذا كان الخيال العالي ينشد الكمال في ثوب الجمال المعقول فهذا شرف تشرف به الأنبياء , حتى لغة الأنبياء كانت فيها شيء من النظرة البعيدة و التماس ما وراء النص من مقاصد تحتمل التفسير اللغوي بدلالاته المتعددة. فليس من المنطق أن تُهان النفس كما قال مالك بن دينار , أو تهان المرأة. من الطبيعي أن يضحي الرجل لينشد هدف سامي قد تشتت الناس عن المثول أمامه , أو حتى إعمال العقل. ممكن للرجل أن يغيب عن زوجته و لكن لا يعبر عن غيابة بالإهمال المتعمد أو بوصفها بالأرملة قصدا ً , لأن الهدف الذي ينشده الكمال الروحي , و إن كانت هذه حالة تخص الفرد فهي ليست جماعية , فكان من الأحرى أن يتشبه الأفراد برابعة العدوية فيعشقون الإله دون إيذاء الآخرين و حتى لا تقع على عواتقهم مسؤولية غيرهم و هم غائبون عنهم بقصد. فهذه الصورة في مجملها تتناقض مع ما ينشدون من فضيلة , أو أدب رفيع . و في ظل الاصطراع الداخلي فقد وقفت مزاعم الرجال على ركيزة الروح بلغتها المبدعة العالية الخيال , و خدمت هذه اللغة الروح لدرجة انعدام العقل و المنطق. لا يطول هذا النقد الصوفية كمصطلح ديني أو عقيدة رسخت معاني الدين في وسط المجتمع البسيط , و لكنه يطول النظرية و الفعل الثقافي . هي كفضيلة هذبت الرجال , و كعقيدة شكلت كل المجتمع , و قف المجتمع حيال ترسيخها في العقول بلا نقد . و على ما يبدو أن الطبقة الثالثة من طبقات الصوفية التي ارتبط فيها التصوف بالفلسفات اليونانية و الفارسية و الهندية ومن روادها , الحلاج , بن عربي , بن الفارض , السهروردي و ابن سبعين. قد خطت خطوات بعيدة ذهبت بالتصوف و الصوفية إلى حيث الفهم التجريدي و النزعة الأدبية , و انتشرت في وسط السواد الأعظم من المريدين , و أودع في صدورهم أساتذتهم و شيوخهم من أسرار الصوفية التي يحملونها بلا تفسير. فهاموا يحفظونها بلا تفسير أو نقد أو تدبر. و لأن ممارسة الفكر التجريدي و البعد النظري لا يمتلكه إلا الموهوبين . و هبات السماء لا تهبط في صدور كل الناس , فبقية الناس دورهم التذوق و استشفاف المعاني. و ذلك لأن الخيال المبدع الذي ينتهجه الفنانون و النبوءات لا يتمكن منها عامة الناس.
التصوف + الرومانسية:
... بالنسبة لكثير من الناس تصبح العلاقة بين مقدرات الروح بالنسبة للتفكير و الإحساس و الإرادة معقدة. و تجافي النظرة العلمية المجردة و العقل , عندما يصبح الخيال أساس النبوءات أو العبقرية الشاعرية. هذا التعقيد الذي طال التصوف و النزعة الرومانسية في الأدب جعل منهما ميثيلوجيا اجتماعية و أدبية. و كما جاء في كتاب :
(William Blake Poet and Mystic)
للكاتب P. Berger صفحة 86 و ترجمة العنوان ( وليم بليك الشاعر و الصوفي) يقول الكاتب :"بالنسبة لوليم بليك الخيال هو المصدر الرئيسي للمعرفة. بعض الأحيان يطلق عليه روح النبوءة و أحيانا ً أخرى العبقرية الشاعرية : ولكن له نفس القدرة ذاتها."
فإذا انطبق هذا المفهوم بالنسبة للخيال على الفنون و العلوم فانه يؤدي وظيفتين :
- واحدة تفسر وتجعل مفهومنا للعالم الخارجي أكثر حيوية .
- و أخرى تخلق من لاشيء أفكار هي كلية جديدة .
و كما جاء في الكتاب نفسه صفحة 88 بالنسبة لوليم بليك إن الوظيفة الثانية للخيال أنتجت أساطيره و عالمه الجديد. أما الأولى فصعّدت عنده الرمزية الفلسفية.
أما من سمات الرومانسية فإنها تبدو صنو الروح و العاطفة و عدو العقل و ندلل على ذلك بقول "تيغم" الذي لخص أبرز العناصر المشتركة للرومانسية التي أوردها الدكتور وليد القصاب في كتابه"المذاهب الأدبية الغربية " : "ففي الميدان الأخلاقي , تحتج الرومانسية على سلطان العقل المطلق الذي جعل منه قرن الأنوار (القرن18) الدليل الهادي الوحيد تقريبا للفكر البشري , وهي لا تعتقد إن العقل يكفي الإنسان , فتشيد بحقوق القلب.ينبغي للشعر خاصة أن ينعتق من نير العقل , و في النثر أيضا لا بد للمحاكمة من أن تخلي مكانها لإلهام العاطفة....".
وفي الشعر , كقاعدة , انه يصف أي شيء خارجي ليبرزه لنا في ضوء جديد , الذي يعطيه الشعر,بينما يظل الشيء نفسه دون تغير , في خصوصية نوع جديد من الحياة , ليساعدنا كما قال "شيلي" : " لنحس بما ندركه و أن نحقق ما نعرفه." و لكن بالنسبة لوليم بليك العملية فيها اختلاف بعض الشيء. فان روحه لا تسقط ضوء جديد على الشيء الذي يراه , و لا يظهر الأشياء غير الملحوظة , و لا يساعدنا في تشكيل الصورة الدقيقة و القوية من الشيء الذي رآه . ولكنه على النقيض يعمل على الإيمان الحدسي بالنسبة له من عالمه المخلوق الذي لا وجود له و وهمي , و يتكلم من وراء زجاج شفاف الذي خلفه تقع الحقيقة , عينه الروحية تنظر من خلاله , و ترى ما خلفه , وهذه قدرة " ازدواج الرؤية". و بالنسبة لبليك كل الحيوانات و النباتات هي روح شبيهة بأرواح البشر أو رجال حقيقيون.
كل حبوب الرمل
كل حجارة على الأرض
كل صخرة و كل تل
كل نافورة و غدير
كل عشبة و كل شجرة
جبل , تل , أرض و بحر
غيمة , نيزك و نجم
رجالا ً رأَوا بعيدا ً
و هذا التفسير طبيعي لرجل لا يرى في الوجود إلا الروح الإنسانية. وكل شيء رآه يجب أن يكون روح مثله , و بالتالي كل الأشياء في أي مكان هي بشر. و العالم المرئي هو الإشارة الخارجية التي تخفي الروح. و الجسد الجزء المرئي من الروح وتعبير الروح للإحساس الخارجي. فقد تأثر بليك بنظرية التقمص و التناسخ التي قال بها الهنود القدامى , بالنسبة لهم إن الروح و الجسد لهما وجود مستقل , الروح تعبر أجساد النباتات و الحيوانات وفقا ً لميولها في هذه الحياة.و الجسد ليس سجن تقبع فيه الروح ومنه تهرب, و لكنه بالأحرى منتج الروح , كما تنتج الشرانق دودة الغز.
(نفس المصدر السابق- ص- 89-90)
بالتالي في الشعر الرومانسي حول الشعراء الرومانسيون كل شيء مرئي إلى استعارة و رمزوا له بشيء من لوازمه , ضاقت بهم صور و أشكال الأشياء المادية بقدر اتساع طموحهم نحو كنه هذه الأشياء و تخطي الرسوم المادية إلى روحها عبر أدوات الطيران الشاعري , فانضاف إلى الشعر كنه جديد و عالم غير مكتشف , و سرد نصي يستخدم أعلى مستوى للغة , والتلاعب بدلالاتها و معانيها. و الذي هو غموض بالنسبة للشخص العادي و بالنسبة للمتصوف الرومانسي عالم طبيعي ينتشي بأناشيده و حلاوة معانيه و عذوبة ألحانه. و لكن الصوفية فيها الق الروح , الإيمان بالطيران ليس الشاعري و لكن الرمزي , الغياب من جهات متعددة . احتكاك الأجساد من اجل العبادة , التقشف و المغالاة فيه , الحضور الروحي الطاغي , قمع الجسد كلها أساليب تدلل على استحواذ الروح على الجسد و أنها هي التي يتشرنق تحتها الجسد.
كما ذكر بيرغر في نفس المصدر السابق ص 93 إن نظرية الرمزية بالنسبة لوليم بليك خطت خطوات بعيده عن أسلافه. فقد كان دون شك محاط بمذاهب العلم من العصور الوسطى و التي تأخذ المادة و الروح بأنهما غير مفصولين , مع الأخذ في الاعتبار إن أحداهما نتيجة للطرف الآخر و كلاهما انبثاق من الله.و هو على كل حال قرأ كل ذلك في "الكوميديا الإلهية" . و هذه الفكرة للرابطة التي توحد كل الأشياء , مرئية و غير مرئية ,في الكون , تخللت كل أفكار ومعتقدات العصور الوسطى.
و نواصل...
أحمد يوسف حمد النيل - الرياض
التعديل الأخير تم بواسطة أحمد يوسف حمد النيل ; 05-07-2007 الساعة 12:21 PM.
|