نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > منتـــــــــدى الحـــــوار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-10-2021, 04:06 PM   #[1]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي 13عاماً على الرحيل المر للشاعرة غيداء أبو صالح/19 أكتوبر 2008

الراحلة المقيمة غيداء أبو صالح
ولدت غيداء أبو صالح(إخلاص أبو صالح) فى مدينة ود مدنى سنة 1975 .
درست فى جامعة الخرطوم قسم الإعلام ، ثم إنتقلت إلى روسيا لدراسة الطب .
بعدها إنتقلت للإقامة فى هولندا روتردام ،ثم فى لندن، ومنها عادت إلى السودان حيث توفيت بعد صراع مرير مع المرض يوم 19 إكتوبر 2008 ، ودفنت فى مسقط رأسها .
لها ديوان وحيد صدر بعد وفاتها بعنوان "الطوفان الآخر" عن دار مريت 2010 طبعة أولى وعن دار الغاوون 2012 طبعة ثانية .
الناقد المعروف عزالدين ميرغنى قدم قراءة نقدية حول أعمال الراحلة (غيداء) .
ركزت الورقة على مفهوم الموت عند الشاعرة حيث قال ان (غيداء) بشفافية الأنثى ورقتها , تعتبر نفسها لا تموت لأنها غيمة تتحول الى مطرة وبعدها الى زهرة يفوح عطرها ويملأ الدنيا .
و(غيداء) جزء من الطبيعة تتحول الى بشارة من غير موات , حتى جسدها سيدق أبواب الأزلية ويحلق بعيداً ويصلى بعيداً

فوضى حواس
تعبير أجنحة تحلق صوبك
وقلبى معلق
يقرع أجراس صلاتى


نتيجةً لعشورها بخطوات الموت , كانت تشبهه دائماً بالمساء الذى يقشر برتقالة الروح , رغم انها قمراً متألقاً لكن القمر يأفل ويغيب .
فى القراءة الاولى بدات شمسها تميل , والنورسة المشرعة الأجنحة اعلنت الرحيل .. وفى القراءة التائهة بدأ الغبار يملأ جوف السماء حتى فى ساعات النهار , بمعنى ان الموت يقترب .. وفى القراءة المتأنية تأكدت فى ان النهاية لا مفر منها , لذلك بدات تقدم نفسها قربان دمع يغسل وجه الارض

أقدم نفسى قربان دمع
يغسل وجه الارض
أشهد ان مصابيحى قرأت فى العطر الاكثر رعباً
من قال لجرحك ان يلاقانى ؟


وفى القراءة الخائفة , كانت فعلاً خائفة لانها تأكدت من بداية النهاية

قناديل القدر
أعتقلت أطراف روحى
ثم غيم .. يركض كالقبلة فى لغتى


وفى القراءة المتأخرة جداً , تأكدت من النهاية وان شمسها ستغرب

مال قرص الشمس غرباً
فى مسافات الجنون
أقترب السنونو من حرائقناً قليلاً
ودندن بلحن يشى بجنائزية
وتناثر تحت أقدامنا
كاضوء المهشم


تحاول (غيداء) ان تتلمس ما وراء الموت , تتخيله , تمزج الدمع بالدم , تمتطى سفن الكلام .
وهى تعرف بانها ما زالت وما يزال عندها جسد يتململ , ولكنها تحاول ان تعمده تحت نور الالهة وان تعطيه من حفيف الضوء فى روحها , وترحل صوب السماء

حان الوقت لأمسك بعض الغمام فى كفى
وأركض خلف السحاب



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-10-2021, 04:07 PM   #[2]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

هى ايضاً بهذا الوعى بالموت تطير وترحل نحو البرق ..
تصل الى الازمنى , الى طوفان الحضرة حيث الصمت المطبق , بمعراج الروح نحو الأعالى , ترتل اسماص رمزياص للشمس
هى فى مسيرها وسفرها ورحيلها الروحى , تخاف لأن جسدها ما يزال يسكنها , وتقول مستخدمةً اللفظة القرآنية بجمالية براعة

دثرنى يا كسرهـ وعدى
من رعد ا الليل
زملنى
يا حفنة وعدى .. من رجفة خوفى
من هامة رأسى حتى عظمى
يا أجمل من مطر يتكوكب فوق الحلم


وعندما تتدثر وتتزمل , يعود لها سكونها وتصعد الى أعلى , تسافر فى القداسى .
يقول أستاذ عزالدين ميرغنى ان (غيداء) تحاول ان تستحضر تاريخيها البشرى قبل الالف الزمنية الاولى , وهى تقرأ تاريخها بتقنية التصوف ((تحليق خارج الزمن , فوحان العطر , الامتلأ بالنور , التعميد بماء الصبر)) والدخول الى الكهف ((مرحلة ما قبل النبوءة))

كمنت بكهفى .. ودخلت
فقلت تعالى نتوضأ بالنور نصلى
فى حضرة نزف الغيم


وهى ليست مثل الآخرين فى وضوئها وصلاتها , هى تتوضأ بالنور وتصلى فى حضرة نزف الغيم وتحج لبستان الفضة النائم فى صدر الليل .
(غيداء) فى رأى ورقة الناقد المتميز , تخرج من قيود الزمن والوقت لتطير بعيداً فى الا نهاية , وأغلب قصائدها تتحدث عن هجرة الروح وانطلاقها كأنها تؤكد بانها لن تموت وستبقى روحها محلقة , وهى فى حالة عشق ومخاطبة دائمة للبحر

قال لى البحر
هى لهفة عينيك
أيتها الفارعة المتوهجة الى الشمس
قلت
يا شجر الجنون , رمتك أجنحتى ببرق حفيفها


شعرها كله غناء للانطلاق والحرية بعيداً عن القيود وعن الا مكان

ساعزف كما الفجر
وأسقط كما الفجر
وسأرقص كما الفجر


فى وعيها , فى انطلاق روحها , ترى الحزن نوع من غسل الروح وتعميدها , وتستخدم المفردات القرآنية ((كلا لو تحزنون , كلا لو تعلمون , ثم كلا لو تحلمون)) .



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-10-2021, 04:08 PM   #[3]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

كتاب مختلف ومميز
هذه النصوص هى نص يخترق مجموعة من النصوص .
د.مصطفى الصاوي

عن "الطوفان الآخر" قال د مصطفى الصاوى بأن هذا كتاب مختلف ومميز في هذه السانحة المتاحة لتقديم النقد ، قرأت النصوص الموازية والتناص والبنية الجمالية والدلالية في النصوص . . وبدون الدخول في مصطلحات أقول بداءة أن هذه النصوص هي نص يخترق مجموعة من النصوص أي أنها جميعها تتكامل لتشكل نصاً واحداً فالعنوان يتجاوب مع مجموعة من العناوين: "أبجدية المطر" "مطر ما بعد الساعة الواحدة" وبقية معاني النص .
إلا أن في الصفحة الداخلية هناك إشارة لمحتوى الديوان بكلمة "نصوص" وفي الغلاف "شعر" وهذا يحدث إلتباساً في التلقي لكني أعتقد أننا بإزاء نصوص فيها التناص والتداخل الشعري جوهري جداً وخيط مركزي ناظم يربط بينها.
والنصوص الموازية هي العنوان ، واسم المؤلفة ، والمقدمات ، فالعنوان (الطوفان الآخر) يجعلنا نستحضر كل الأساطير التي وردت عن الماء وخاصة طوفان نوح رغم أنه غير موجود بشكل مباشر وأظن أن الكاتبة لها قراءات في أمل دنقل فهي كأنها تتحدث عن بداية الخلق وخلق جديد وهو ما موجود بكثافة في هذه النصوص القائمة على شعرية الماء بثنائية الدنس والفردوس . . وإذا كان الطوفان هو النهر المتدفق فما هو الطوفان الآخر؟؟
إنها لم تدير ظهرها للدنس فحملَّت أفكارها وحتى غربتها وآلامها للكلمات بدليل كتابتها في المواقع الإلكترونية . . وحين نجيء للاسم نرى أيضاً ذلك فالاسم أيضاً سلطة من سلطات النص ويقود إليه وفي المقدمة التي كتبها والدها تعديل لاسمها من غيداء إلى "إخلاص"، والمقدمات هي نصوص موازية لها علاقة بلفت نظر القارئ إلى هذه شعرها فوالدها الذي سلَّط الضوء على التكوين يقول بأنها من أرض كانت "منبع للشعر" وهناك إشارة أخرى بأنها تحب المعرفة والحرية لذلك نلمح العديد من النوارس في العمل.
والمقدمة الثانية التي كتبها عبد الله الشقليني خطاب كثير من الحزن واللوعة والمحبة وأن غيداء تجلَّى حضورها رغم الغياب.
والمقدمة الثالثة التي كتبها الدكتور عبد الله إطيمش هي ذات طابع تغريزي محفِّز.. لقراءة شاعرة رحلت مبكرة ولها قدرة عالية على الأداء الشعري.
والمقدمة الرابعة هي خطاب شكر وعرفان لكل من أسدى لطباعة هذا الكتاب.
وتصير هذه المقدمات التي جاءت موفقة في إبراز العمل، على اجتماعها، دافعة للقراءة ومستقطبة للقارئ، حين يشهد كتاب واحد ثلاث مقدمات.
وهناك العديد من المقتبسات بعضها غير معروف أنه لها أم لا وبعضها مقتبسات موضحة لتشيكوف وفيكتور هوغو وهي ليست مجانية بل مؤشرات لقراءة النص وطرائق للتلقي وهذه المقتبسات مثل: "مبعثر النبض كأصداف الغجر" و"يا بحر قم تحرك حرِّك"، والمقتبسات لا يمكن للقارئ أن يغادر تأثيرها وصدمتها.
وفي التناص وهي مجموعة النصوص السابقة لنصوص غيداء والتي قامت بإدماجها.. تلجأ لتناص اللفظة مثل "هل يؤتى العاشق من مأمنه" وهو تحوير لمثل عربي شهير و"أقطن جزر اللوعي" و"في فوضى حواسي" وهذا إشارة لكتاب إحلام مستغانمي (فوضى حواس) والنزعة الصوفية متوفرة في استخدام المفردات وفي طريقة التفكير: "من معراج الروح" "أجرجر أغلال الروح" وكذلك النص القرآني "أرتل جرحي النازف" "دثِّرني" "زمِّلني" و"خذني إليك بجذع النخل" و"لا إكره في الحب" تحيل إلى لا إكراه في الدين أيضاً تستدعي الشخصيات بإحالاتها المختلفة "آدم من تراب" و"مضرج بقميص يوسف" ، ولمحت أنها تتداخل كثيراً مع بدر شاكر السيَّاب من دون وضوح ما يسمى بالتناص المضمر: "مطر مطر"، ومفردة واحدة تدخلك في عالم السيَّاب الواسع وكلاهما عانى من الحزن الشديد:
الطعنة الخمسون في لحم الصلاة
ولم تسل للآن آيات الدعاء
غيداء
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
السيَّاب
أيضاً تتداخل مع محمد عبد الحي: "لم يكن بيني وبينك إلا وردة السماء".
والتناصات مع الشاعرين: "وقت بلون اللوز يشرع في التكوين" "شفق غارق مسفوح الدم" " أنا أحلم بأجنحة وشمس بحجم القلب".
وهناك إحلات ثقافية وهي إلى جانب إضمار الأمثال الشعبية غناء الأطفال:
ما برحت تدندن:
هودنا يا هودنا
هودنا جانا التعب
هودنا وش الكعب
ومن طين وغناء
الدعاء فاكهة الفقراء
وهي إشارة جاءت في محلها
ومجمل التناصات ليست إيقاع الحافر على الحافر بل بما يفجر المعاني والدلالات وهي تتجاوز التوظيف الإشاري لتوظيف ضمن تكنيك النص.. وبذلك تمنحنا غيداء مجال واسع لإدراك نصها عبر نصوص أخرى وباستخدامات عنيفة جداً، وهي تتناص من المفردة إلى السياق الكامل، وتقطيع الحروف وتقسيم النصوص نزعة صوفية مئة بالمئة والصوفية لهم رؤى ومشارف في الحرف.
كما لا يوجد نص مصبوغ بلون أودين وهذه نزعة صوفية أيضاً فالصوفية ليست مرتبطة فقط بالعالم الإسلامي لذلك نلمح مظاهر التعميد المسيحي وشبح أساطير الخلق وحتى محكيات البحر وبذلك فهي تتوسع في دلالة النص وهي توازن بذكاء شديد بين الخطاب التاريخي وبين الخطاب الشعري.. وبذلك جعلت جميع التناصات مدار للفعل الإنساني النبيل.
وسيطرت شعرية الماء على الحقل الدلالي فهناك طوفان، ونهر، وغيم، وتروع، ونَبْت، وفي الاستخدام المجازي: ماء الروح، ومرايا الموج، والبرق بشارة، ومطر التوله، والقصيدة نهر.
وحين نقرأ التوزيع الدلالي لهذه المفردات والمجازات نجد أنها ليست شعرية الماء كما زعمت في البداية بل هي تبحث عن طوفان آخر.. عن ميلاد جديد: "نخلع عمرينا في وادي الفيروز".
ما قدمته هذه القراءة النقدية اقترب من الجوانب الدلالية وأدرك بعض الجوانب الاسلوبية فنحن إزاء عالم شعري يحتاج لمزيد ومزيد من الدرس .
د مصطفى الصاوى



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-10-2021, 10:27 PM   #[4]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

من صفحة الأستاذ الصديق عوض جبريل (غارسيا)بالفيسبوك
تجربة الشاعرة السودانية.. غيداء ابوصالح

الاحتفاء بالحياة على مشارف الموت

على الرغم من قضائها بعض السنوات في هولندا،
لم أكن لأعلم بوجود شاعرة سودانية مجيدة وهامة. وأنني لآسى حقاً لأنني لم أتمكَّن من معرفة غيداء أبوصالح أو التعرُّف على تجربتها الشعرية وأبقى مُمتناً للصديق محمد عثمان عوض عثمان جبريل الذي أهداني مجموعتها الشعرية المسمَّاة (الطوفان الآخر) في طبعتها الثانية والتي أصدرتها دار الغاوون للنشر في عام 2012.
ومن صفحات مجموعة أشعارها أدركت بعض حقائق عيش غيداء أبوصالح ورحيلها الباكر والمفجع. وأيضاً وقفت على نظمها الشعري. وهو شعر اعتمد على المجاز على نحوٍ بالغ. وتنوَّعت فيه الإستعارات ما بين :
ـ مجاز إدراكي (الربط بين بواعث والتجربة)
cognitive metaphor
ـ مجاز متعلِّق بالمفاهيم (العلاقات الهامة التي ضمن نظم اللغة والفكر)
.conceptual metaphor
وساعدت هذه المجازيات في طرح وجهات نظر هامة بشأن الحياة والتجربة الإنسانية. هذا يشكِّل بعض مما يدعو للاهتمام بشعر غيداء وهو شعر كان واعداً ومتجهاً نحو النضوج حينما انتقلت الشاعرة إلى رحمة الله وعفوه. لقد أدركتها المنيِّة قبل أن يتفجَّر بالكامل المكنون فيها من مواهب ومقدرات.
وعلى الرغم من الوقوف فقط على بوادر نبوغ شعري يمكن إدراك ما تميَّزت به أشعارها :
ـ الإحساس العميق.
ـ على الرغم من عظم الداء وتربُّص الردى بالشاعرة لم تحتو الأشعار على سريرة منقبضة ولم يعلُها اليأس.
ـ لم تُنبىء تلك الأشعار عن ضعف أو عن شعور بالإحباط.
ـ الغنائية الرقيقة.
لقد بحثت فيما بين الأبيات أو في فحوى الشعر عن وجل ازاء الموت، فلم أجد : إذ عمرت جُل الأشعار بحب الحياة وإذا وجد تبرم ما فانه كان جراء الوحدة والعزلة اللذين هما ملازمان للعيش في المنفى. لقد كانت غيداء شخصاً راغباً في التحصيل العلمي وتدل المشاعر والفكر المضمَّنان في أشعارها على تميُّزها فكرياً وثقافياً. وكانت الأشعار مميزة على الرغم من حداثة وقصر التجربة الشعرية. ولعلّ هذه الأبيات التي نوردها أدناه من قصيدة (لمن تقرع أجراس مدينتي) تدل على رُقي وذكاء النظم إلى جانب العاطفة الجيَّاشة التي عمرت بها :
(أشرق ثانية
لأرى
صهيل الحبر يلوح طاؤوساً من الزهو
المقدَّس
يشهر أشرعتي
فأجفل محاذية شقف الأفق
وأشهق عالياً. (
لقد رصدت المجموعة الشعرية التي هي إرثها القيِّم، تجربتها الأدبية والشخصية خاصة فيما يتعلَّق بمجاهدة العيش والتحصيل والوهن الذي ألحقه بها الداء والتعبير شعريَّاً.
ويؤكد صدور هذه المجموعة الشعرية حقيقةً أن الشعر في السودان كان ولا يزال أهم أشكال الإبداع الأدبي وكذلك يثير صدورها بعض القضايا الهامة ومن بين هذه ما يلي:-
ما قد يعوق دراسة المجموعة الشعرية التي بأيدينا
يوجد في الشعر السوداني مساحات وأبعاد كبيرة للأصوات النسائية فيه، ولهذا يتعسر أن يحيط دارس ما بمسائل الشعر النسائي. وكذلك يصعب أن يقع الإختيار على شاعرة بعينها كي تُعتبر نموذجاً أو تمثيلاً لخصائص شعر النساء السودانيات. وفيما يتعلَّق بالتجربة الشعرية لغيداء أبوصالح هناك عاملان يعيقان في هذه المرحلة دراسة شعرها والوقوف على مدى إسهاماتها إيجاباً على الشعر السوداني المعاصر، وهذا العاملان هما :-
ـ غياب حقائق جمَّة عن سيرتها الذاتية خاصة الحقائق المتعلقة بذاتها كشاعرة وكل ما لدينا هو ديوان شعري شقَّ طريقه للنشر.
ـ إن الأشعار لوحدها توحي باليسير وينحصر هذا في الوقوف على استخدام لغة التصوير الشعري. وغير هذا سوف نظل نجهل مسائل هامة من بينها ما يلي :
ـ ما هي الاتجاهات والتطورات والأحداث التي قد تكون ألهمت الشاعرة وأشعارها؟
ـ إلى أيِّ مدرسة للشعر (السوداني أو العربي أو الإنساني) إنتمت الشاعرة أو تأثرت بها؟
ـ نجهل السياق الثقافي للمجموعة الشعرية بكاملها.
ـ كل ما استطعنا إدراكه هو الإستخدام الواسع للمجازيات ولم توفر الأشعار التي بأيدينا الكثير فيما يتعلَّق بالتخيلات واللغة المجازية والتشبيهات البلاغية وإضفاء الصفات البشرية
على المفاهيم التجريدية.personification
الموهبة الشعرية ونضوج الشعر
كل ما عاشته الشاعرة يزيد قليلاً عن ثلث قرن من الزمان. وعليه يمكن القول بأنها كانت في مرحلة باكرة من تجربتها الشعرية، إلاّ أن مجموعتها الشعرية تدل على استهلال قوي لموهبتها كذلك تدل على أنها تمكَّنت من نظم شعر يمكن الإطلاع عليه بنحوٍ نابع من القلب ويتطلَّب الكثير من التدبُّر في معانيه. ويبرهن هذا على وجود موهبة شعرية لدى الشاعرة ودلت أشعارها على وجود اسلوب جديد مصدره جيل جديد من الشعراء : واعتمد في الدرجة الأولى على إحكام استخدام الألفاظ وتصعيد الحجج ونظم أشعار حلوة وذكية وقليلاً ما تكون عاطفية ..
وبالطبع في صدر الموهبة الشعرية لا يمكن الحديث عن شعر ناضج على نحوٍ بيِّن. إلاّ أن الأشعار تعمر بالتعابير الموسيقية والكلمات الملائمة وأن العقل والفكر قد أستخدما في نظمه وأن الصور الشعرية تعلق بذاكرة كل مطَّلع على الأشعار.
شعر النساء السودانيات
حينما تدخل المرأة السودانية عالم الأدب والشعر فإنها تواجه صعوبات مردّها الموانع الثقافية والاجتماعية التي قد تحكم تجربتها الأدبية ونهجها وتعابيرها. ومن بين العوائق :-
ـ لا تشجَّع المرأة السودانية على ولوج الساحة الأدبية.
ـ يشكَّك في المواهب الإبداعية للنساء.
ـ يحد إفصاح النساء الشاعرات أو الأديبات مما يدخل ضمن المسكوت عنه أو التابوهات.
ـ ترغم الموانع النساء الشاعرات على التعبير ذاتياً وليس على نحو عام.
ـ كثيراً ما يظن أن الشعر النسائي يحتوي على العواطف عوضاً عن الأفكار والأفعال.
وكذلك فإن العلاقة بين النساء وشعرهن تعمر بالإشكالات : ومن بين هذه :-
ـ الوضع الهامشي للمرأة الشاعرة ضمن التقاليد الأدبية ، هل هي جزء من الشأن الأدبي؟
ـ هل يمكنها استخدام الصور البلاغية والتشبيهات والأساطير والتاريخ لتعبِّر عن تجربتها الأنثوية المعينة؟
ـ هل يُسمح لابداعها الأدبي أن يعبر إلى أقصى الحدود؟
ـ وإذا ما أضيف شعر النساء، هل يوفر صورة كاملة فيما يتعلَّق بالتاريخ الأدبي للشعر وكذلك التاريخ الثقافي للسودان.
هذه هي بعض القضايا الرئيسية المتعلِّقة بالأدب النسائي. أما فيما يتعلَّق بغيداء أبوصالح فإنه :
ـ كانت لديها الشجاعة أن تكتب بجرأة ووضوح، كان شعرها صادقاً وواضحاً على الرغم من صعوبة فهمه أحياناً.
ـ كانت لغة نظمها صريحة وكان لديها الطاقة الواضحة.
ـ توجد ثورة صغيرة في شعرها فيما يتعلَّق بالأشكال الشعرية ، القافية والمحتوى إلى جانب تقنيات نظم الشعر والخيال الشعري.
ـ أخيراً هنالك شبه الاستخدام الكامل للتعبير المجازي.
ويجري التعبير مجازياً إذا ما تعلق الأمر بأمر من إمور الحياة أو العاطفة.
هذه إجمالاً بعض جوانب التجربة الشعرية لغيداء أبوصالح، وتتشابك حياتها وشاعريتها مع مجمل حياة المبدعات السودانيات اللاتي قاسين الحجر الذي تفرضه الثقافة السودانية على مواهبهن الأدبية.
الشعر التأمُّلي
تحتوي أشعار غيداء أبوصالح على تفكير وتأمُّل وتجريد وهذا هو مرد الإشارة إلى شعر تأمُّلي أو ميتافيزيقي. وهناك أبيات كثيرة تحتوي على التفكير مليَّاً وعلى الكثير من التعقيد. وكذلك تطرح موضوعات كونية – أي عامة على نحو مطلق. وكثيراً ما تُمعِن الفكر في إمور الحياة. وأخيراً إحتوت تلك الأشعار على القليل للغاية من العواطف.
(أحدِّق بتلك اللغة الكونية
شبه المقنَّعة
وأتولَّه كعاشقة أوليَّة
وأجمح كفرسٍ تاركةً في الحقول
فعلَ توكيدِ أجنحةٍ تعيد ترتيبَ فعلِ الهذيان
… وتلك الأنا ) الطوفان الآخر صفحة 88
توقُّفاً عند الشعر التأمُّلي كي نرصد حقيقة أنه – تميَّز عن سائر الشعر السوداني يعمر بالعواطف والأحاسيس عوضاً عن مشكلات الفكر، والشاعر السوداني يهتم بالدرجة الأولى بالعواطف والمشاعر والأحاسيس ومن ثم الفكر.
ويمكن أن نلخِّص من هذا العرض إننا أمام شعر مغاير ولا يمكن الخوض فيه على نحو مفصَّل نسبةً لحداثة الظاهرة وقصر حياة نظمةI

الشعر والاغتراب :
أكثر ما يحس به عند مطالعة أشعار غيداء هو الاستلاب والذي هو مفهوم واسع وفضفاض. إلا أنه لا بد من تحديد أكثر ما أوجع الشاعرة : حقاً تأسى الشاعرة على مفارقة بيئتها الثقافية والأدبية الطبيعية. فلقد إغتربت عدة مرات : روسيا هولندا إنجلترا وأحسَّت بأنها محيطات غريبة عانت فيها شعور الإحباط والتثبيط وعانت من الوحدة أيضاً، كما نتناول هذا المقطع من قصيدتها (مطر ما بعد الساعة الواحدة) :
(وأنقر زجاج نافذتك
وأسكت القلب الذي
لا يرف إلا للبعيد الذي
لا يرى)
وهنالك من شعرها ما يعبِّر بذكاء وإحساس بليغ عن تلك البيئات الثقافية والأدبية غير المألوفة :
(المرفأ الذي يفرض عليك الإقامة الجبرية ليس مرفأً
بل هو مجرَّد محْجر مُسوَّر بأسلاك القهر.
أيُّ معرفة؟
وأيُّ إنتظارٍ للمجهول؟) الطوفان الآخر صفحة 88
وإذا سُمح لنا بأن نطرح بعض أسباب الأشجان والأسى والإستلاب، فأن أهم ما إفتقدته هو القبول بدون رياء والتشجيع وهذه متطلبات هامة إذا ما أريد للشاعر أن يسلك سبل ترقية شعره وشاعريته.
بعد اغتراب عادت الشاعرة إلى السودان وقد إشتد بها المرض ومن بعد تلتقي ربها. ولهذه الحقيقة أهميتها فيما يتعلق بالشاعرة وإنتمائها الذي لم يتزحزح للأدب السوداني فلم تنفصل عن اللغة العربية وهي لغة نظمها الشعري، وانتمت للشعر العربي والسوداني المعاصرين.
قضايا نظم الشعر التي يثيرها صدور الطوفان الآخر:
لقد اختارت اسلوباً شعرياً مغايراً اختلف عما هو مألوف في الشعر السوداني : تميز اسلوبها اللغوي، الألفاظ والتخيلات والصور الشعرية وللتدليل نورد المثال التالي :
قراءة الصفصاف
قراءة مبكرة:
(تتكسر لغتي، أنمو
قمرأً يتحولق في ظلال الصمت
مساءٌ يُقشِّر برتقالةَ الروح
تستدير كأس قلبك للرحيق
تبدأ الصلواتُ قدَّاس الفتونِ
المجد للبلّور والرنين.(
نظم مُبتكر إلا أنه يمس القلب ويعمِّق الأحاسيس ولعله يهدف إلى الإلهام أو التحفيز. ويمكننا أن نستخلص بعض خصائص نظمها :
ـ محاولة إستخدام نوع مختلف من الاستعارات والصور البلاغية.
ـ استخدام مختلف أنواع الأبيات الشعرية: الأبيات المطوَّلة والأخرى القصيرة.
ـ استخدام اللغة المستخدمة في الحياة العامة السودانية.
.colloquial diction
ـ الجمع بين مختلف الأساليب الشعرية : ما هو فصيح وغير فصيح من المفردات، النظم الرومانسي.
ـ المتغيرات في تركيبة القصيدة : البدء بحدوث حدثٍ ما وسرعان ما يجري الانتقال إلى عواقب الأحداث.
ـ كثيراً ما تؤسس الأشعار لأنماط ومن بعد تؤثر التنوُّع في الأنماط. ويحدث هذا عبر محاولة جعل العرض الشعري موسيقياً وجعل المجازات عاطفية.
ـ تختل الأوزان والبحور في كثير من الأشعار وكذلك تعدُّد القوافي أو تُهمل التقفية ويستعاض عنها بمزايا إيقاعية أو استخدام الكلمات التي تحمل نفس الأصوات : شعر حُر أم هو شعر مطلق لا يقوى المرء على إصدار حكمٍ ما.
Poetic prose أم free or blank verse.
إلا أن المرء يقدر بدون شك أن يقف على رقة الحس وسمو العاطفة والفكر والمعرفة النقدية في كثير مما احتوته المجموعة الشعرية للراحلة غيداء أبوصالح. لقد كانت موهبة مُقدَّرة تتوق لتجويد نظمها ونضوج أشعارها وحال دون بلوغ هذا الداء العضال والرحيل المبكِّر. ولقاء هذا الجهد إستحقَّت أن تُضمَّن في سجلات التاريخ الأدبي للشعر السوداني.
رحمها الله وأحسن مثواها.

نُبذة عن الشاعرة :-
ولدت غيداء أبوصالح (إسمها الأصلي إخلاص أبوصالح) في مدينة ود مدني بالسودان، سنة 1975. درست في جامعة الخرطوم قسم الإعلام،
ثم انتقلت إلى روسيا لدراسة الطب. بعدها انتقلت للإقامة في هولندا روتردام ثم في لندن، ومنها عادت إلى السودان حيث توفيت بعد صراع مرير مع المرض يوم 19 تشرين الأول- إكتوبر-2008 ودُفنت في مسقط رأسها. لها ديوان وحيد صدر بعد وفاتها بعنوان
‘الطوفان الآخر’ عن دار ميريت 2010 طبعة أولى، وعن دار الغاوون 2012 طبعة ثانية.

د. عكاشة احمد فضل الله
* باحث في الثقافة السودانية لاهاي



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-10-2021, 04:57 AM   #[5]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

العزيز عايد،

رحم الله الشاعرة المرهفة غيداء،
ما أجمل من كُتب عنها وما أجمل ما كتبته وخلّدت إسمها به.

غيداء كانت تملأ سودانيات طعماً ولوناً وأريج، وكانت تعتصر آلامها لتترجمها للقارئين كلمةً سائغ شرابها وحرفاً يسر الناظرين.

سأورد روابط بعض بوستاتها لنعيد قراءتها وسيرتها.

كل الشكر على لمسة الوفاء، ولنترحم عليها.



التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-10-2021, 05:03 AM   #[6]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

شـــايف البـــحر

قراءة الصفصــاف

صلــوات لذاكرة متعبــة

قاب قوسيــن (رسائل معايــدة)

حتى آخر رمش في جفن المــاء

إلى أين ترحلُ في عًتمةِ الدمع

(أطوار تخرقُ أصلها في المضيق الأخير) الكلمات/مأمون التلب



التعديل الأخير تم بواسطة عكــود ; 15-10-2021 الساعة 05:37 AM.
التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-10-2021, 05:09 AM   #[7]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

صبـــاح الحًب

دعوة للبكاء على شُرفات الغربة

أمس زارتني بواكير الخريف

هي .. لا تتجزأ

عيناك طلاسم العشق ورموز المشاهير / لإشراق ضرار

هي .. لا تعتذر لشهرزاد

الباحثة المصرية ناهد سليم ترصد وضعية المرأة في الإسلام



التعديل الأخير تم بواسطة عكــود ; 15-10-2021 الساعة 05:39 AM.
التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-10-2021, 05:14 AM   #[8]
عكــود
Administrator
الصورة الرمزية عكــود
 
افتراضي

الإبداع من نوافذ حهنم

من يأذن للأصداف بلثم البحر / المجدلية

لماذا تفضل نساء المسلمين عمرو خالد على إبن رشد وقولتير؟

إحتجاج بالجسد أم سقوط لأحلام حيل الثورة؟

صورة المرأة في تراث الرواية العربية

ست شموس الكون / واحة



التعديل الأخير تم بواسطة عكــود ; 15-10-2021 الساعة 05:33 AM.
التوقيع:
ما زاد النزل من دمع عن سرسار ..
وما زال سقف الحُزُن محقون؛
لا كبّت سباليقو ..
ولا اتقدّت ضلاّلة الوجع من جوّه،
واتفشّت سماواتو.
عكــود غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-10-2021, 01:39 PM   #[9]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

شكراً يا عمدة على الروابط
شكراً لك على رفع البوست فى البانر
شكراً لك على ما لا يحصى

لاحظت فى تصفحى لبوستات الراحلة
المقيمة غيداء أبو صالح تداخل زملاء
وزميلات بعضهم/ن لا زال يبدع فى مواقع
أخرى كغارسيا وإشراقة مصطفى وأشرف
السر وآخرين ، ومنهم من أرتحل وترك وراءه
إرثاً من الإبداع ولا زالت أجواء سودانيات تعبق بعطرهم ،
الراحلين المقيمين خالد الحاج وعصمت العالم
وإشراق ضرار وغيرهم .
سعينا ولا زلنا نسعى لعودة مبدعين ومبدعات
سودانيات لها ، وكنت مهموماً وحريصاً على تلك
العودة ، ولكن بعد قراءتى لبوستات غيداء صار
همى أن نفي من رحلوا حقهم ، نحيى ذكراهم
ونحتفى بهم ، ونشرك أسرهم كما فعلتم فى إحياء
ذكرى الراحل المقيم خالد الحاج فى مركز الوافر
بأمدرمان .
لك مودتى ومحبتى



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-10-2021, 01:41 PM   #[10]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

إلى الأديبة الراحلة غيداء أبو صالح

كيف عبرت تلك الروح
سريعاً إلى رحلة ما وراء الشفق ؟
كيف ذاب النجم بطيئاً في رحمِ العتمة ؟
الأشجارُ تعلنُ كلِ عامٍ تفاصيل حِكمتِها
كأنما تجلس بقربِ بحيرةٍ
أسماكها تتأملك ، في غفلةٍ تتقافز نحوك
باحثةً عن دفءٍ في حِجرك
لِمَ يخاطب المعدن الثابت في رحيله
ذاك المعدن الثابت في ثباتِه ؟
اللهفةُ دوماً وليدة الشرط
كإشتياقِ الذات لمجهولها
المفارق
ما الذي يستتر بذاته خلف الظاهر ؟
الطيرُ غارقٌ في نسجِ وشاح مُوسيقاه
والغابةُ شيءٌ ما فقد إيقاع
خطاه
والعقل راح يهروِل
خلف النشاز
الحنينُ ساكنٌ قول اللحن العابث بسُحُبِ الدمعِ
المنتظِرة شرط التدحرُج
كما لو أن خلايا مِنْ ذاكرةٍ
ما زالت تنضح ببوحِ إنوثتها المقموعة
أنثى مرَّت في جوفِ الحلم لماماً
قلوبٌ تنبضُ دخاناً في فسحاتِ المدينة
والكلمةُ صارت مُومساً
لكلِ مَنْ يمتطِيها
نظامٌ يفرط في وضعِ مساحيقه
أصلهُ فوضى خارجةً مِنْ غدرِ
كهنةِ الرب
الأشياء ُ تلعق ورطتها
الحُزنُ العالقُ فوق المدن
يُحلِّق فوق تلك الأوجُه الهائمة بلا غاية في غاباتِ الإعلانات
لماذا تأتلق الخطيئة في هذا اليباب ؟
مُنحنيين نسير ، وعلى ظهورنا جبالٌ
مِنْ حصادِ الوهم
حقّاً ، لِمَ ذاك العناء ؟
أيُّها الهباء !! للنملِ منطِقهُ
روحٌ تقطف زاد الجمال
قبل إشتعال تلك النجوم
وأخرى تزرع حقولٌ مِنْ الحقد
غبار الزمن المُكلل بالحزن
يتابع رسم لوحته منزوعة الدلالة
ها هم يخرجون منها هرباً
أدمعهم أنهاراً
بينما هِرَّة ، كانت تنبش في
قمامة المنازل ، المتراكمة
وكلبٌ ينبحُ في البعيدِ
مُشرّدٌ يقتفي أثر فتاتُ خبزٍ
بينما يلملم ثيابه الرثّة
مدينةٌ تتعاقبها الأحوال ، فاردةً ذاتها للخداع
شخوصٌ تجيد الترهُّل والتلقِّي
وتلك تأثر هوامات الحقيقة
فترحل سريعاً
كفراشةٍ تعبر حيِّز الرؤية
إلى تلك الوجهةِ التي همست بها شفتي الريح
غابوا عن حراك اليومي
ولكنهم إلتجأوا دهاليز الفراغ ، غرقاً في كلِ الحضور
إلى الآن لم يُدرك معنى الإنبجاس ؟
لِمَ تتعرى صفوف البتولا المشرعة على أبواب أنفاس الغيب ؟
النصوصُ وسيطةٌ للتآمرِ ، وضبط المكان
فقط بتعليقها على كتف السماء
الذئابُ ، أبداً ، لم تعوي عبثاً
والنسورُ، تفتقدُ حتماً
مَنْ وضعها هنالك في لوحة الفضاء
الألوان فقدت ذاكرتها وامتزجت في بكائها
سائلةً من على جدارِ الورق
ولكن ما حاجة الجمال للقولبة ؟
أإفراطٌ للخِناقِ !!
كرةٌ تغازل إستدارة النهد
ما لها وسطوة الذكور !!
تنفلتُ الأشباحُ
كبرقٍ إستفز برزخٍ ، يصرخ بين الحضور والغياب
حِصارٌ مُطبقٌ ، منفذه
بوابةٌ للموتِ
والأبديَّةُ خلف ضباب المرئيّ
تطوي سرّ أبديَّتها
وطلاسم معنى الرحيل عصفت بها
أجنحة الريح
سقطت في هوةِ الوجود
حيث العدم
قاعٌ
للغياب

محمد عثمان عوض
الخميس 13-11-2009
أمستردام



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-10-2021, 08:22 PM   #[11]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

من صفحة الصديق العزيز الأستاذ عوض جبريل(غارسيا)

بين جدارية محمود درويش وديوان غيداء أبو صالح
الطوفان الآخر ومحاولة التصالح مع الموت أو هزيمته

عزالدين ميرغني

في المقابر يوجد آخرون فقط
مثل ألماني

يقول الفلاسفة والكتاب , إن الموت هو المكون الجوهري للإنسان . فهو بوصفه ذاتا واعية ومفكرة , فالحيوان لا يعرف الموت الا ساعة الخطر . فوحده الإنسان هو الذي يدرك حقيقة الموت وقدومه المؤكد . وبهذا يستطيع استحضاره في وعيه . فهو الكائن الوحيد الذي يعلم بان عمره محدودا , وأن الموت سيأتي عاجلا أم آجلا . وطالما أن الموت ليس هو الحدث الذي يأتي في نهاية القصة , بل هو الذي يبدأها وينميها . فهو إذا هو وجود كلي , وهو أيضا قوام الوعي لأي ذات . لذلك فالإنسان لا يمكن أن يعي ذاته إلا إذا وعي موته . ويقول الفلاسفة , والمتصوفة , بأن وعي الإنسان بالموت كلما كان عميقا , وذا حضور كلي , فإن الذات لا تجد أمامها سوي أن تسابق موتها الذي ينتظرها . . والحديث الشريف يقول ( موتوا قبل أن تموتوا ) أي دعوة ليكون الوعي به متيقظا وحاضرا . ومن الشعراء العرب الذين تحدثوا عن الموت بعمق وحاولوا هزيمته هو الشاعر محمود درويش والذي كتب ملحمته ( الجدارية ) , كأنما أراد بأن يقول بأن الذات الشاعرة تهزم الموت وأن الشعر العظيم يتحداه بخلوده . فهو قد ذاق الموت , ووجده عاديا , بل يريد أن يحتفل به , لأنه يحتفل بالحياة دائما , وكما يقول الدكتور عبد السلام المساوي فان جدارية محمود درويش محاولة لمواجهة الموت بسلاح الذاكرة الحية والمتقدة التي تختزن قدرا وفيرا من الأحداث والرموز الثقافية . وفعلا فان محمود درويش , يقدم عبر هذه الملحمة اشهارا للكتابة بكل ما تختزنه من حدود معرفية وحدود خيالية في وجه الموت الذي يتربص بالجسد . وهو بعبارة أخري يفضح عري الموت وجبنه بالإشارة الي كونه لا يستطيع أن ينال من ضحيته سوي الأعضاء القابلة للفناء , ولكنه لا يستطع ان يبقي في ملكوت الجمال الخالد أبدا
هزمتك يا موت الفنون جميعها
يا موت الأغاني في بلاد الرافدين
مسلة المصري مقبرة الفراعنة
لقد حاول أن يجعل من الموت نفسه ظاهرة جمالية . من خلال تأسيس الذات الشعرية . ومحمود درويش بجداريته يحاول أن يحتمي بها وفيها يستشهد بأسلافه أمثال أمرؤ القيس , وطرفة بن العبد , والمعري , والمتنبئ . وهو ينحاز الي صفهم , وهم قد قهروا الموت بخلود ذاتهم الشعرية . التي تسمو علي المحو والفناء , وما احتمائه بالجدار الا نوعا من المحاكاة لطقوس الأسلاف الذين أدركوا بالفطرة , بأن الجسد مهما بقي وعمر , فانه سينتهي ويفني , ويبقي ما يخطه الانسان من شعر جميل في الجدران مثل المعلقات التي ما تزال باقية وخالدة في الوجدان .
والشاعرة السودانية الراحلة غيداء أبو صالح , قد كتبت ديوانا كاملا عن الموت , ( الطوفان الأخير ) , وهي تحاول فيه أن تتلمس الطريق الي الأبدية , وبالفناء الروحي , حتي اذا جاء الموت لم يجد ما يأخذه فقد ماتت قبل أن تموت . فهي في شعرها تكتب ذاتا فانية , ذاتا عرفت الموت قبل أن يأتي لذلك فهي تكتبه بمعرفة المتذوق العارف . فقد مات جسدها فلن يجد الموت شيئا ليأخذه , وهي هزيمة له لأنه لا يستطع ان يسلب الروح , فهو عندها حتمي لأنه حقيقة ثابتة ولذلك تقول في شعرها بأنه مؤجل في الدم . ( لا كشريان مهدور الدفق , يبتهل لموتك المؤجل في دمي . . )
ان الوعي بالموت هو تجربة حية في شعرها وتريد أن نقرأ معها كتاب الموت , قراءة مبكرة , أي الوعي المبكر بالموت وهذه القراءة قراءة خبيرة به , كتبت بمرجعية النفس الذائقة والمجربة , وبذلك تكون القراءة قوية وصادقة . وهي قراءة ليس لحواس الجسد الفانية دورا فيها . وانما قراءة بجسد ميت وروح متقدة حية , ( كانت الشاعرة مريضة بالسرطان وتنتظر الموت في كل لحظة ) . وهذا ما يؤكد أصالة التجربة وصدقها ( صدق التجربة الواقعية وليست التجربة المتخيلة ) . وهذه القراءة الحية لكتاب الموت تبدأها بقراءة تنبيهية : -
قرص الشمس مال
ليعانق البحر جبهة المساء
والنورسة المشرعة الأجنحة أعلنت الرحيل
من قال يشبهك الخريف
بل الربيع
بل الشتاء
كفوهة رغبتي
التي تتفجر بذاكرة منهكة
أنت الفصول
فهي بوعيها للموت تدرك أن روحها لا يسعها الزمان ولا المكان , فروحها جامعة للفصول جميعها . أي الفناء في الزمان والمكان . والشاعرة ( غيداء ) , تتحدث عن نفسها بضمير المخاطب , كأنها تخاطب فعلا روحها التي أصبحت مستقلة عن جسدها الذي مات قبل أن تموت . وقراءتها الثانية , هي القراءة التائهة في كتاب الموت . وهي قراءة التيه والنسيان , أي نسيان الموت أو محاولة تناسيه , هذا الموت الموجود حقيقة في المدن الزائفة التي لا تعي بوجوده ولا تعرف حقيقته . فالناس نيام في المدن , لعناتهم مخفية ومستورة لذلك لا يرونها : -
هذا الغبار الذي يملأ جوف السماء
والوجوه المصبوغة التي تسكن المدينة
ستغرق في صوتها المبحوح
وامرأة تائهة
كانت تتبع آثار الرمل
في عينيها تاريخ مدن
تغرق . .
ونصف قمر يفند مواعيدها الغامضة
والقراءة الثالثة لكتاب الموت , هي القراءة المتأنية , وهي تحاول بها أن تكون قربانا للآخرين , طالما هي أساسا ستموت . وهي قراءة معايشة , وقراءة مصالحة متماهية مع القدر . مصالحة تحاول أن تقدم الخلاص .
أقدم نفسي قربان دمع . .
يغسل وجه الأرض . .
ثم تأتي القراءة الرابعة لكتاب الموت , فهي قراءة خوف عن معرفة بالموت , والخوف يأتي من النهاية المجهولة فتقول :-
قناديل القدر اعتقلت أطراف روحي
ثمة غيم
يركض كالقبلة في لغتي
ولا صوت . .
ولا لون يشابهه . .
هل يبقي اللؤلؤ مختبئا ؟
وهنا تعني الراحلة غيداء , بأن اللؤلؤ يجب أن يخرج , وأن يري الناس جماله وروعته . والقراءة الخامسة هي القراءة , المتأخرة جدا , بحيث أن غروب الشمس يمثل المعادل الموضوعي للحظة النهاية الابدية : -
مال قرص الشمس غربا
في مساحات الجنوب
واقترب السنونو من حرائقنا قليلا
ودندن بلحن يشي بالضوء المهشم
وتناثر حول أقدامنا
فهذا الموت يحذرنا ولكننا لا ننتبه , ثم تأتي القراءة الخاتمة , وهي قراءة النبوءة والدنو والاقتراب , وتعني بها نبوءة الرحيل . فالموت علي الأبواب , ولكنه لا يخبر بميعاده , ولكنها بحواسها المتيقظة الواعية تشم رائحته وتسمع وقع خطواته , وهي رائحة موجودة ودائمة , ولكن ليست متاحة من يملك مثلها حواسا قوية :-
تلك الرائحة
الآتية من النشيد
الذي تسكنه علي غير موعد
تملأ روحي
تلك الرائحة إيقاع فضاء
هذه الرائحة موجودة فينا ومنذ طلقة الميلاد الأولي , ولكننا لا نسمعها , لأننا انتباهنا ليس قويا , أو لا نريد ذلك . ولكن الشاعرة واعية بها لان وعيها بالموت اقوي منا . فكتابتها كتابة التجربة الاصيلة وليست المقلدة . فهي تكتب الموت الخاص الذي تعرفه , وليس الموت العام الذي يعرفه الآخرون معرفة عامة . فلذلك فديوانها يمثل الصدق الواقعي والذي فرض علي الشكل الفني ان يوازيه ويحمله ويتحمله . فكتبت سيرتها الذاتية مع الموت , وتماهيها مع الألم وكأنها تغازله :-
من قال اني ما حككت القلب
ثم من وهج التراتيل اشتعلت
أحتاج لونك كي أفني
أحتاج البكاء لكي أستريح علي ضفاف الدمع
وهي بذلك تكتب جماليات الموت وروعة الألم الذي يطهر ولا يعذب . فكانت مثل الآخرين ولأنها انسانة لا تستطيع الخروج من هذه الدائرة فهي تحتاج للبكاء لكي تحزن وتنوح علها تستريح , علي ضفاف دموعها دون أن تغرق فيها . فهي لا تريد ان تموت خوفا من الموت لكي لا يشمت عليها . لذلك فهي تريد ان تسابقه , فان لم تستطع , فهي تريد ان تصاحبه , وان تحبه وتغازله , وحب الموت هو أكبر هزيمة له : -
أحتاج لهبك فاخترقني
كي أمد بنفسج القبلات علي معابر الأشياء
وأغوص حتي الماء عاصفة في خطوها أزهر
في قلبها نهر
فراشة بيضاء علي ضياء
فهنا لا تحتاج الي لهب لتحترق , وانما لتتطهر استعدادا لملاقاة حبيبها الموت . تريد لها أن يخترقها فهي لا تخاف منه , فالحبيب لا يُخاف منه , فهي تمد له بنفسج القبلات , وتغوص , فتتحول هي نفسها الي ماء . وعاصفة تزهر خطواتها , وتتحول الي فراشة , بيضاء , والي ضياء , والي عصفورة خجولة تطير حرة , بدون بوصلة , والحزن عندها يتحول الي ينبوع حكايات ممتعة , وليست أحزانا سوداوية . فهي تغني له , ثم تصمت , لكي يستوعب وعيها له .
وفي محاولتها لاستباق الموت ومن ثم الوعي به , فهي تحاول ان تتخطي رغباتها الجسدية لتصبح روحا صرفة , تتحدث نيابة عنها , وهي مطمئنة لان الموت لا يهزم الروح لأنها خالدة . وهي التي تهزمه , ولكنها لا تريد له ان ينكسر وانما تريد أن تحوله الي كائنا حيا , يثرثر معها , ويكتب معها القصائد , لكي تقرأها الغيوم , فتصبح كتابا , خالدا , هذا الخلود الذي هو مبتغاها وغايتها السامية , بان تطرق ابواب الأزل , وتصبح ريحا تغيب وتأتي , ريحا لا تنقطع أبدا , وتصبح ليلة , وزخة مطر , لا تنقطع , وتصبح نورا , فالنور طاقة لا تفني , وتصبح بنفسجا , والبنفسج موجود بوجود النور والضوء . والشاعرة تتمني لو توقف الزمن وهي في طريقها الي الأبدية , ( أتوقف في السبت كأنه أحد متأخر ) . تحلم بانها تمتلك جناحين , تطير بهما بعيدا كعصفورة تسابق الريح , لكي تدق أبواب الخلود والأبدية . وفي سيرها , تغني , تتلو صلواتها , تنثر نبوءتها , تقطن في جزر اللاوعي .
والشاعرة تستخدم تقنية الحلم و وتستجير به , من الرمضاء الأرضية و ومن شقاء الجسد , ومن الحفي والعري و لكي تسمو روحا شفافة محلقة طائرة . وبهذا الحلم يمتلئ شعرها بالأمل الروحي , وليس بالحزن السوداوي . فالحزن مع الألم يطهرها , وتحلم بأجنحة وشمس في حجم القلب , وتستكين داخل محارة , لتعود الي زمن البراءة الأولي , وأن تلمس خمر الأشياء الأولي مرتحلة نحو البرق , صاعدة في شفة الأمطار , ممسكة بيدها الغمام , مهرة جامحة لا يروضها الألم , داخل خيمة متصوفة , ترتل أناشيد الوجد والصفاء , تدوس وتطأ الابد دون عناء وكبد . وبهذا تدخل في ملكوت العشق . وهذه المهرة الجامحة حتما ستشرب من نهر الغاب وستترك بحوافرها ذكري مرسومة علي كل حجر ومدر , ذكري لا تغيب أبدا . وحتي بعد رحيلها تتمني أن تلبس العصافير وجهها , وأن تكون يسوعا للظل بعد أن تصلب . يحملها الماء نظيفة طاهرة , تغني للنار لكي تتحول الي نور يضيئ ولا يحرق :-
كفي سطوه للريح حتي أقايض
عمري بشعاع عينيك , وأرحل
نحو أجنحة لها في الطور نور
واصوغ من أسطورة التكوين
بعض ملامحي . .
ولو خيرت لإعادة ملامح التكوين الأولي , فهي تختار أن تصبح من طين , ومن وهج النجوم , وهسيس الشجر في الغابات , وأن تشبه رائحة الورد , والأغنيات المبهمة , فهي تريد الذي لم يكن بعد , وتبحث عن الذي لا يتكرر أبدا , وكائنا لا يفني , وأن تكون خليطا من الماء والطين .
وفي أغلب قصائدها , تؤكد الراحلة غيداء أبو صالح , بأنها موجودة , تتسامي بآلامها , وهي في الطريق لكي تصبح روحا , وميلادا جديدا , فإنها تكتب القصيدة النبوة التي تبشر بالذي سيكون . .
تعلن خشوعها بين يدي البحر
وتهوي قناديلها علي قارعة القوافي
وتطير بأجنحة مكونة من < لون اللوز > ولون البنفسج , وإذا تململ جسدها فهي سترضيه بأن تُهده < سيرا للشمس > وجيادها دائما جانحة , وليست كسولة خامدة . تمتطيها , وتصير فارسة وفي يدها سيفا , تستعد به للآتي الذي لا مفر منه , وبه تحارب الخوف والانهزام .
يقول الروائي البرازيلي ( باولو كويلو ) , بأن السحرة في أمريكا اللاتينية , يقولون بعد تجارب خبروها بأن المحارب الذي تضطرب أحواله , يشعر بالموت , وبتحرر روحه , وانطلاق حواسه , فيصير أكثر قوة , ومثل أنوار العربة التي تقودك , مهما كانت الطرق متعرجة . وبهذا تقول الشاعرة .
فوضي حواسك
تصير أجنحة
تحلق صوبك
وقلبي معلق
يقرع أجراس صلواتي
وهنا تستخدم تركيز الحواس ’ لتحلق بأجنحتها , صوب المطلق المجهول , بصلوات تأتي من داخلها .
وغيداء أبو صالح , بوعيها الذاتي , تحفز الآخرين لاستباق الموت , قائلة ( كي ما لا يمكن أن أكونه ) فهذا هو الخلاص والموت قبل الموت . . تحاول أن يسري في جسدها , ضوء وأن تتعاقب الأمواج في قلبها , وأن تزرع المسافة والمدي صلاة علي شفتيها . وأن تفتعل للأشياء هون , وتدق بجسدها أبواب الأزل والخلود . وتتحول الي بشارة كما البرق بشارة المطر . ففي قصيدة <اختراق > تستفز الآخرين ليستبقوا الموت مثلها , وهي تدعوهم لينفلتوا من ليل الحزن , ومن توتره , ومن حرقته الدفينة . تناشدهم بكلمات رائعة , وهي تستخدم المفردة القرآنية < كلا لو تحزنون > , أي لو أنكم تتذوقون مثلي الوجع الأنيق لذة . ولو تتوسدون الآهات , وكل واحد يا ليته يفتش في حقائبه عن الأسئلة المخبأة التي تبحث عن الجواب :
وكلا لو تحزنون
هذا الوجع المتأنق ساكن أروقة الروح
متوسداً آهاتنا
وفي رحم حقائبنا التي كانت خاوية
تلاحقت الأسئلة
وفاضت بما لا ينبغي
وانت تطوق صمتك لترتمي في غيبوبة الاشتهاء
وتنسي الأذرع التي تفتش جيوبك بحثا
نحن خطيئة ..
< وكلا لو تعلمون > , وهكذا تدعو الآخرين ليكونوا بشارة مطر , وتتحول النفس الي كأس حليب للفقراء , والي وفاء , وأن يتحول الليل عندهم الي الفال الطالق , بدلا من الظلم الحالك . <وكلا لو تحلمون > فالحلم يحاول أن يصور ويجسد مناطق الابد محاولا الدخول فيها , وهو أيضا دعوة لايماض الروح , وزنابق القلب تمنح جواز مرور للعينين . والقلب يهدي للريح , بعضا من الهواجس . فالدعوة للحلم هي محاولة للانعتاق من سحاب الاشياء وضيق البصر , فالحرف يقيدك دائما , جاهلا الشعور بتفاصيل الاشياء المرهفة والحساسة . التي تري ما لا يُري , وتكتب ما لا يطاق ويحتمل . وهي تبلغ قمة الأندماج مع الموت , لدرجة الاشتياق وتقول : -
كلي اشتياق
أفق إني أكاد أنفي من دمي
إني أراق . . أشتاق
أشتاق نفحك بإسمي
وأسأل الحزن الفراق
والشاعرة في سبيل ما يمكن أن تكونه , لا تلتفت للآخر , فالمخاطب دائما هو المطلق . فالبشر فانون مثلها . تخاطب الشاعرة دائما البحر , والموج , والغيم , والمطر , والليل , والريح , لأنها الباقية ببقاء الحياة . ( يا بحر قم حرك , تحرك ) . فالبحر هو الحبيب الاول والاخير . يحاورها وتحاوره فهما صنوان . وقد وعدها البحر بقطرة منه بعده لن تظمأ أبدا :-
تكونين أين ما أكون
تشبهين اخضراري
تصيرين عند الموجة الأولي
صارخة جامحة
كمهرة لم يروضها الألم
تركضين تعانقيني لأكون
قد لا أكون , أن لا أكون
فموجي يعاندني . .
فهل كانت الراحلة غيداء تصارع الموت ؟ أم تصارع وتتطهر بالألم ؟ وهي كبشر قطعا تخاف من الموت , رغم محاولتها هزيمته , وذلك بالخروج من الزمان والمكان .
البرق القادم من عينيك
يقرع أجراس مدينتي
وأنت متسربل
في شوق الخوف
رنينك يصعد الدم في الجماجم
تخاف منه لأنه مجهول , وخفي , وهي تحتاج الي حضن دافئ من خوفها نفسه . فخوفها الأكبر هو خوفها نفسه . تريد للسيل أن يبعد منها الخوف , وأن يسكنها وحده آمنة مطمئنة وأن يتحقق فعلا وليس حلما , تراه جسدا مشظي لاجئا في دمها :-
تمهل قليلا في الحكاية لأراك
جسدا مشظي بوعدي
موغلا في التماس الشظايا
لاجئا كالدم في بوح شريان
وإذا لم تكن الرؤية ممكنة , بثقب الريح
تلالا متدفق الروح
ونسيم يقتنص حرية بوح الموج
أو جسد يمتطي حلقة الزلزلة
فهي تريده مجسدا , وليس مجردا . مستجيرة من الخوف من الموت , بالموت نفسه . لتأمن جانبه عله يستحي من نفسه .
دثرني يا كسرة وعدي . .
من رجفة خوفي . . واسكني وحدك
من هامة رأسي حتي عظمي . .
لأن المسكينة ما تزال صبية , في قلبها مدارات سحيقة , وخيط رقيق غارق في العتمة , أرهقه السؤال . . وتعترف بخوفها من الموت : -
من قال إني ما انكسرت
أحتاج البكاء لأستريح
علي ضفاف الدمع
وعندما تتعبها الرؤية , تتعلق كفيها بالريح , وبترنيمة ناي حزين . وبعد ذلك تعود للحقيقة . وتلجأ للعرافة مستسلمة لها
قلت يا عرافة جئتك
قالت هل أعياك موتك ؟
قلت . . لا
ولكن أعياها الحلم بالموت , وأعياها البحث عن الأبد , وعن الخلود والأزل , والدخول في اللامكانواللازمن , لأنها بشر مسجونة بالجسد , والجسد مسجون في الألم ومكبل بالخوف فلجأت للعرافة علها تطمئنها بالخلاص . والعرافة تقول لها :
أنت محمولة علي رمح ناصيته من نار
وقامته كقامة نخلة فارعة
يا ملح دمعك المسبوق بكافة الابعاد
والمسكينة , تستسلم , لأن الرؤية أتعبتها , والعرافة تخاطب النهر ليغسلها بالنور , ليطهر قلبها , وينثر خطاها , ويغسل وجهها , وعلي عنقها يطلق تمائما بيضاء , فالتميمة هي حرزا من الخوف , وتحاول أخيرا أن تجاوب علي أسئلة خانتها , وأن تؤنب نفسها , وتقيم لروحها قداسا , دون أن يفوتها الركوض والركوع . لأنها لا تدري كيف تكون النهاية؟
والشاعرة السودانية الراحلة غيداء , ككل شعراء الحداثة , لا تعتمد علي وحدة البيت , كما في الشعر التقليدي , فالقصيدة عندها كتلة واحدة , في المضمون والمعني . بل ديوانها كله يحمل مضمونا وثيمة واحدة , لأنها قد قفلت الباب عن كل ما هو خارج ذاتها , ولكنها تداعت بحرية , وبلغة متدفقة سلسة وعذبة , لها موسيقاها الداخلية رغم تحررها من الوزن وموسيقي القافية . فشكل القصيدة قد خضع تماما الي تجربتها الذاتية المتفردة , التي تحولت الي أفق واقعي , ( عذاب انتظار الموت ) , واصبحت ليست شاعرة تكتب أحاسيسها فقط , ولكنها تحولت الي بطلة تسرد شعرا تجربتها وذاتها البطولية التي تتحدي المرض , وتنتظر الموت ولا تخافه . وبديلها الموضوعي هو استبدال شعورها بدنو الموت , بحالة خارجية , تنوب مكانه في بسط المعني , وهذا البديل الموضوعي كان يناسب أحاسيسها كفتاة له مفرداتها الرومانسية حتي في أحلك اللحظات حزنا وقتامة , ويأسا . فنصوصها مشبعة بزرقة البحر واتساعه , ورائحة المطر ونقائها , وكبرياء السحاب , وصفاء البنفسج .
ان حركة القصيدة , رغم الحزن , ورغم كتمان الألم , تحس بموسيقيتها , وخفتها علي السمع , وتلمس قبولها في الوجدان , نابضة حية , وبرغم كل أحزانها , فهي لا تصرخ , او تنوح وتشتكي , ولا تستجدي العاطفة , كما فعل الشاعر أمل دنقل في لحظاته الأخيرة , في أوراق الغرفة 8. وانما كانت تتسامي بآلامها , وهي في قمة هذه الآلام كانت تلتقط من الحياة حولها بعض جمالياتها . وكانت قادرة علي تأنيث لغتها , وأنسنتها , كأنما تضع زهورا علي حروفها بدلا من قبرها , وتريد للمتلقي أن يفعل ذلك . وقد فعلت أنا ذلك , فلها التحية مع الخالدين .

تحية لأستاذنا الناقد د. عزالدين ميرغني
مقال سابق في الملحق الثقافي بالرأي العام..
لأهمية المقال والإضاءة الهامة لزم إعادته....
ونحن على مشارف الذكرى الثالثة عشر
لرحيلها الذي يصادف التاسع عشر من أكتوبر..



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-10-2021, 01:32 PM   #[12]
عايد عبد الحفيظ
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

إلى أينَ ترحلُ في عتمةِ الدمعِ؟

إلى أينَ ترحلُ في عتمةِ الدمعِ؟

(1)

ياراقصا
بالهمس امنحك الجنون
أُرتلُ ما تيسِّرَ..‏

من نهار القلبِ،‏
من نداءِ الموجِ،‏
من توحيد غيم

من

قال
ان
الصمت
يجدى

يومَ

تزدحم

القصائدُ

فوق

قلب

(2)

ا لريح

ترقص
في شرايين الجهات الأربعِ‏
والسحاب الهارب
يتهادي علي خيل الجنون
كا فاتحين

يصوغُ

في
أسطورةِ
التكوينِ‏
فجرا
من تسابيح المسافاتِ
تركض به
عينيك
تشهق
منَ
ضوءه

مهرة
على مرمى مرايا الموجِ
تركض
خلف رؤاة الشجر
ترتل
ليس للصامتين غير اشتهاء الصهيل‏
وليس للأرض سوى انتظار الهطول

(3)
مد
الاصابع
واسدل
رؤيا السماء عليها‏


آيات القلبِ
تشق
وهي
تبحث
ُ عن
إلهِ
الشّعرِ‏
يرفل
فوق
اسوار
المدائن

مشاكساً
نبضَ
الشرايينِ
الجموحة
ألفَ
عام
و

النَّهر
ُ يرحلُ
في
عروقِ
الأصدقاءِ،‏
يوزّعُ
الخبز
َ النبي

(4)

في
قلبِ
الصبيَّةِ،‏
مدارات سحيقة
وخيط رهيف يشد
غارقاً
في
العتمة

أرهقَهُ
السؤالْ:‏

هل
تأتي
النوارسُ
من
ثقوبِ
الجرحِ‏ ؟؟

(5)

لا
تنحني
للدندنة

مطرُ
التوله
ِ حين
يرقصُ
بين
كفيك
يحتمل السؤال
اجابتي
مدَّا
كفّيَ
سطوةَ
للريح
حتّى
أقايضَ
عمري‏
بإشعاعِ

عينيكَ‏
وارحل
نحْوَ
أجنحةٍ
لها
في
الطورِ.
.. نورْ



واصوغُ
من
أسطورةِ
التكوينِ‏
بعض

ملامحي
ياأيّها
الممدود
من
طين
البداية
‏ من
، نارها
‏ من
عاصفاتِ
الريحِ
من
وهج
النجوم
‏ بغابةٍ
من
ضوئها‏
تاتي
كوردة الوضوحِ تارةً،‏

وتارةً كالأغنياتِ المبهمة،‏
قد
التقيك
على
طقوسِ
السنديانْ‏
اسطر
سورةً‏
وجهِكَ

ليحيا
اخضرارُكِ‏
في
دمي
بك اتحول- من غير موتِ -

بشارة

كما
البرقُ
بشارة
المطرْ


(6)

يركض الماءُ‏
يحملني الماءُ‏
تتساقط فوقي‏
أغنيةً
فتضئ
النارُ
من
خفقاتِ
اصابعي
تهرب
ْ لغتي
ِ‏ فوق
السحاب
شهقة شهقة
ليت
لحزنكِ‏
‏ نافذةٌ
موصدهْ.....!

(7)

والمدنية غائبة
انتظرات علي سورها
دخل النهر قبلي
انتظرات علي بابها
دخل العطر قبلي
دخلت
كانت تفك ضفائرها
للفضاءِ‏
الأخيرْ

من
قال
إني
ما
انكسرتُ‏
من

قال
اني
ما حككتُ
القلب
ثم
من
وهج
التراتيلِ
اشتعلت
أحتاجُ
لونكِ
كي
أضيءَ


أحتاج
البكاء
َ لأستريح
على
ضفاف
الدمعِ‏
شمسَ

احتاجك لهبك فاخترقني
كي أمدَّ بنفسجَ القبلاتِ فوق معابرِ الأشياءْ‏
واغوص حتي الماء
عاصفةٌ في خطوهاا زَهْرٌ‏
في قلبها نهر

فراشةً بيضاءَ‏
على ضياءِ
عصافيري الخجولةُ من معانقةِ الندى
تطير فوقكِ‏
دون بوصلةِ انتظارِ
تنسابُ إلى روحِك
نشيج حنينها صمتٍ‏
مثل شفّافٌ رؤيا‏
غير أنّ الحزنَ في كفّيها يَنبوع حكايا
بِمِسك الخلايا‏
صمت


غيداء 



التوقيع: وانا . . من انا يا سيدى
سوى
واحد من جنودك يا سيدى
خبزه . .خبز ضيق
ماؤه . . بل ريق
والممات بعينيه . . كالمولد
واحد من جنودك يا . . سيدى
يركع الان ينشد جوهرة
تتخبأ فى الوحل
او قمرا فى البحيرات
او فرسا فى الغمام
امل دنقل
عايد عبد الحفيظ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-10-2021, 02:18 AM   #[13]
ناصر يوسف
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية ناصر يوسف
 
افتراضي

يا الله يا الله يا الله

رحم الله غيداء ابو صالح بواسع رحمته

برحيله المؤلم قبل سنوات خلت
. فقدت سودانيات ركيزة هامة

شكرا د. عايد على فتح الجرح من جديد

شكرا العمدة عكود على رفد البوست بهطول غيداء



التوقيع:
ما بال أمتنا العبوس
قد ضل راعيها الجَلَوس .. الجُلوس
زي الأم ما ظلت تعوس
يدها تفتش عن ملاليم الفلوس
والمال يمشيها الهويني
بين جلباب المجوس من التيوس النجوس
ناصر يوسف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-12-2021, 02:23 PM   #[14]
walid taha
:: كــاتب نشــط::
 
افتراضي

رحم الله غيداء وأسكنها فسيح الجنان
أذكر أننا إستلمنا فى ذات العام نسخ معدودة من "الطوفان الآخر" صادف ذلك إحدى إحتفالياتنا هنا فى الرياض .

لها الرحمة ،،



walid taha غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 08:20 AM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.