على أني تقريباً قضيت معظم حياتي "و ما زلت" مهتماً بكل ما لا يهتم به أغلب الناس، و من هذا دون شك الميتافيزيقيات و محاولة فهم حدود مقدرة الانسان العقلية و كل ما يتعلق بالعقل الباطن لكن وصل هذا الإهتمام لذروته عندما التحقت بالجماعة لدراسة الاعلام، دراسة الاعلام سمحت لي أن انتبه لمدى تأثير الرسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية على عقل و توجه الانسان و كل شخص نظربتمعن في علم التسويق مثلاً سيجد أن التسويق عبارة عن تلاعب بالعقل البشري لا أكثر، و إذا قلنا أن أحد تجليات السحر هو زرع تصورات مقصودة في عقل الانسان الباطن والظاهر حتى يتم توجيهه في إتجاه معين نجد أن هذا هو تعريف التسويق تماماً. و علم الأخبار أيضاً يصب في هذا المجال لأن الخبر والمقال والفيلم تسويق لأفكار معينة و هنا نشير لأكبر سؤال في علم التواصل والاعلام أيضاً طرحة البديع مارشال مكلوهان حين قال "أن الوسيط هو الرسالة/ The medium is the message " أي أن الطريقة التي ترسل بها الرسالة هي الخبر المقصود، و هذا تبسيط لجدلية ضخمة لتلافي التكلف. و أنا على وشك التخرج بدأت في التبحر في العلوم التحررية و تحديداً "القواعد" التي لا أزال عاكف على دراستها منذ ذاك الوقت، الحقيقة أصابتني صدمة حقيقية من مدى التلاعب باللغة والرموز و يمكن أن نقول أن تلك كانت فترة فاصلة في حياتي.
يوماً ما أرت أن أداعب الاستاذ المشرف على رسالة تخرجي، والسبب أن الرجل بدا لي إنسان متفتح العقل و رافض للمسلمات و هذا النظام البابيلي الاستغلالي، دعوته على فنجان قهوة قلته له:
لماذا علي أن "أسلم" رسالة التخرج ؟ والسياق يفهم بوضوح في كلمة "submit" الإنجليزية! كلمة قبيحة جداً! لماذا علي أن اسلم بحثي أو نفسي لأنسان ؟ To submit؟ ألا توجد كلمة تحفظ للإنسان حقة و قيمته كأنسان ولد حراً وسيموت حراً أفضل من "submit" هذه ؟ لماذا لا أرسل لك رسالتي بدل أن اسلمك ايها ؟ الرجل إنتبه لما أرمي إليه، إبتسم و قال شيئاً من قبيل (هذه رؤى فلسفية معقدة)
قلت له لن اسلمك رسالتي، سأعطيك لها، إبتسم و قال هذا جيد. Give rather than submit
ثم سألت، لماذا علينا أن نلبس هذا المكعب الأسود على رؤوسنا حتى نتخرج ؟ من أين أتى هذا المكعب/ المربع الأسود ؟ بدأت الحيرة عليه، هنا توقفت و لم اشرح له، فقط قلت بعد إذنك أنا لن ارتدي هذا المربع على رأسي و ليست لي رغبة أن أعطى "درجة" سأنهي المتطلبات و احصل على ما استحق.
الزول دة بكون لي يوم الله محتار
المهم فعلاً لم ارتدي هذا المربع الأسود حينها، الآن طبعاً ليس لدي مانع أن ارتديه (ولو أني أفضل أن أتحاشاه) الفرق حينها أني لم أدرك أن الوسيلة الوحيدة لابقاء العزيمة حرة هو المعرفة، بمعنى اليوم ما زلت أرفض هذا السخف لكن لأني أدري تماماً معنى هذا المربع لن تتأثر عزيمتي به و بما أن النظام السائد يفرض هذا السخف على الشخص أن يتعامل معه مضطراً لكن مهم جداً معرفة معاني هذا السخف.
الهدف من القصة هو ضرب مثال لهاذه المعاني!
و هنا الإشارة، هل سمع أحدكم بمقولة "فكر خارج الصندوق/ Think out of the box" ؟؟؟؟؟؟ إذا كان الهدف من التعليم هو تسليح الانسان بالعقل النقدي القادر على التفكير خارج الصندوق، إذاً لماذا عندما يتخرج الشخص يوضع صندوقاً على رأسه ؟ الجواب لأن هدف التعليم الحديث هو وضع الانسان داخل هذا الصندوق و ليس العكس.
فلسفياً و رمزياً الصندوق هو رمز الإغلاق/الحبس أو السجن، السجن في تعاليم و أفكار معينة، سجن الطاقة و سجن الروح و هو أيضاً رمز الأرض. و حتى لا يظن أن كلامي هذا كلام مهووسين سأستعين بأكابر معرفة أن كانوا معنا هنا اليوم لكان ردهم على كلامي هذا هو الموافقه الكاملة.
الايل الأسود (1863 - 1950)، أشهر مشايخ و فلاسفة قبيلة الاكوتا من سكان أمريكا الأصليين و هو رجل روحاني عرفاني و بالمنسابة هؤلاء القوم أصحاب فلسفة نقية سليمة، إنتقد الايل الأسود منازل المستعمر الأبيض قائلاً (هذه منازل سيئة لا تصلح للعيش، لأنه ليس هنالك طاقة في المربع 1) يقصد البيوت المربعة هذا، و هذه إشارة، و قال أيضاً : "الطاقة تتحرك في دوائر، و كل شئ يدور 1" ثم نجد العالم العارف العابد كارل يونغ نفسه يقول بأسهاب عن معنى رمزية الصندوق والدائرة علاقة هذا بالطاقة و حركة الروح لذلك نجد وصف الطاقة في اللغات كلها على أنها دائرية (إنتبه!)، متى سمعتم عن "مربعات الطاقة" بل نقول "دوائر الطاقة" "والدائرة الكهربائية" لأن الدائرة فلسفياً هي رمز السماء/الجنة/الطاقة العلوية و سنأتي لهذا حتى في الشعر الفلسفي في ملحة.
ثم يأتي مارشال مكلوهان مرة أخرى هنا يقول "يعيش الأشخاص في منازل مربعة حتى يصبحوا قعيدين متخصصين و مغلقين في أعمال و منظومات معينة، المنازل المربعة تعكس الانزواء والتخصص، بينما الأكواخ المستديرة تعكس حياه البدو المتحركة المتجددة 2" و هنا نشير لأن الأقدمين كانوا يعشون في منازل مستديرة و دونكم أهل السودان قديماً و غيرهم، و إسأل كل من قضى فترة في قطية أو منزل ذو سقف و حواف مستديرة إن أحس بشئ مختلف أو كان نومة مختلف.
و في تحليل ميكاوا كنامي لعلائق التصميم، و علم الحفريات مع علم الإجتماع في اليابان إنتهى لأن: (المستوطنات ذات المنازل المربعة تشير للمجتمعات التي تسود فيها روح السيطرة، والمستديرة تشير للمجتمعات الزراعية ذات النسيج الاجتماعي المترابط 3)
إذاً ليس هناك أدنى شك في مغزى رمزية المربع/المكعب و هذا فقط أعلى السطح في هذه الرمزية إذ أن تجلياتها عميقة جداً لكن هذه رؤى للدلالة فقط.
في الفن نجد دافنشي البديع ترك لنا هذا السر:
الانسان ما بين الاحتباس في المربع و حرية الدائرة و هي أيضاً رمزية الطاقة المذكرة والمؤنثة لكن هذا شأن آخر
ثم نجد مقولة جديرة بالنظر في قلب أدب الماسونية: "نلتقي على الفرجار(الدائرة)، و نفترق في المربع" أي نلتقي في السماء و نفترق في الأرض بمعنى نتساوى في قوانين السماء و تفرقنا قوانين الأرض و نجد في أدبهم قصيدة بديعة لعلها من ابدع قصائدهم تقول:
We meet upon the level and we part upon the square
These words have precious meaning and are practiced everywhere
Come let us contemplate them, they are worthy of a thought
From the ancient times of Masonry these symbols have been taught
We meet upon the level, every country, sect and creed
The rich man from his mansion, the poor man from the field
For wealth is not considered within our outer door
And we all meet on the level upon the checkered floor.
طارق ما تقول لي عصرته علينا والله مقطع القصيده دة لا فيني حيل لا قدرة أترجمة
افتكر الحريص هنا ممكن ينتبه لمدة أهمية معرفة "القواعد"، رمزية بسيطة مثل هذا الصندوق عادي بتدخلنا جحر الأرنب الذي لا قاع له
والسؤال يبقى، لماذا يتم فرض لبس هذا الصندوق علينا ؟
صدفة ؟
سنعود
---
مصادر
1 -
http://www.firstpeople.us/articles/B...irst-Cure.html
2-
http://design.epfl.ch/wiki/tiki-down...php?fileId=501
3-
http://www.springer.com/social+scien...-1-4419-8224-7