العزيز منعم
لك التحايا، وللأحباب الرائعين الذين يرفدون هذا البوست بحب وفهم يذكي الحماس ويشجع على التنقيب و البحث.
في جميع ما أثرت، ثمة محطات كثيرة للتوقف والاستقصاء، ومجالات للمساجلة والتحاجج، وكل له سند ودليل وبرهان.
أحاول ألا يغريني حديث العامية والفصحى، وآرائي وموقفي تجاهها عن موضوع البوست (توظيف اللهجة السودانية في لغة الكتابة) عند جمال محمد أحمد، فلقد بدا لي أن البوست سيتشعب إذا لم تعد الناس للتركيز حول هذا الموضوع تحديداً، وإلا فالموضوع طويل عميق غزير المادة، ويتشابه مع موضوع بوست حبيبنا الشقليني ([mark=#CCFF00]تعالوا واكتبوا لنصنع البيت الكبير[/mark])، ولا بد أن يختلف تناول الموضوع هنا عن ذاك!
سأعود معك إلى جمالنا محمد أحمد عندما تعود انت، ولكن أيضاً لابأس من أن أقول، وباختصار، حتى لا يجرفني إغراء النقاش الحامي الآن.
المقصود بالكلام العامي(فيما يبدو لي)، هو ماجرى على ألسنة العامة، واعتادوه دون أن يكون له ضابط يجيزه في اللغة، وإلا فالعامة تتكلم بالفصيح وغيره، فلا يصير الفصيح عامياً لمجرد أن تكلمت به العامة(فهذا لا يصح عقلا)،
ولكن يجب أن يكون السؤال هو لماذا تستعمل العامة ألفاظا أخرى غير المتعارف على أنها الفصيح، أو في معنى مغاير لذلك المعنى المتواتر لدى الفصيح؟
المعروف أن المعاني واسعة والألفاظ محدودة، وكثيراً ما تضيق عن ما نريد التعبير عنه، لذا نحمِّل اللفظ أحياناً أكثر من المعنى المتعارف عليه، وأحياناً في غير المتعارف عليه، (خاصة في الشعر ومسائل الإبداع المكتوبة) لذا ،أحياناً تجد اللفظ يحمل المعنى ونقيضه، والقواميس مليئة بالأمثلة الكثيرة!
وأيضاً تتجدد المخترعات والحاجة، فلا بد من ابتداع مسميات وألفاظ تلبي هذه الحاجات الجديدة والمتجددة.
اللغة كائن حي يابى الجمود، وأكثر الناس إثراءً للغة هم العامة التي لا تقيدهم( قريش بأحساب الكرام ولا تميم)، لو تمثلنا بقول المجذوب!
العامة تقول ما يناسب حاجتها في التعبير، وبالسليقة، فإن صادف سياق و معايير اللغة صارت إضافة، وإن لم تصادف فقد تندثر، وتتغير باختلاف الأمصار و العصور، كما نعلم جميعا، وكما سبق أن أشرت إليه من قبل، فبما أورده الأستاذ عبد الحميد محمد أحمد.
لا بد إذن من مرجعية في اللغة، وإلا لتعذر التواصل. كل الذي يحدث أن المتغيرات في المدن والعواصم سريعة وكثيرة، ومتعددة المصادر و اختلاف الألسنة، وسرعة إيقاعها تحتاج إلى ضابط وإلى مرجعية وإلا صارت فوضى، ولهذه الأسباب فإن العرب كانوا يرسلون بأبنائهم إلى البوادي حتى تفصح ألسنتهم ويكتسبون مناعة ومنهجاً يستطيعون بعدهما العودة إلى المدينة، دون أن تفسد ألسنتهم من الهجمة اللغوية العنيفة التي تأتي من حركة المدينة الموارة وتفاعلاتها اللغوية المختلفة.
للغة عبقريتها في توظيف الدخيل واستيعابه والتعامل معه ولديها قدرة نفي ما لا تنسجم مع طبيعتها، لكن أيضاً نعلم أن اللغات تندثر وتحيا، بقدرتها على التأقلم وسعتها في تلبية الحاجات،
والناظر إلى اللغة العربية يجدها استوعبت لغات كثيرة ، من فارسية ورومية وغيرها، فصارت جزءاً من نسيجها وديباجتها دون نبو ، وما يزال هذا الأمر يستمر ويتواتر، ما بقيت اللغة تسعى و تلبي الحاجات، ولا يضرها شيء!
[mark=#FF0000]أعلم أن كل الذي قلته لم يكن بخافً عليك، وأنت الأعلم والأعرف مني به، فهذا ميدانك، [/mark] [mark=#FFFF00]ولكن كان لابد من ذلك، وسوقي إياه إنما لأدلل على تشعب الأمر مما لا يمكن إلا مناقشته خارج هذا الأطار.[/mark]
ولكن مهما يكن من أمر أو رأي مختلف، فلعلنا أن نعتبر ما سبق توطئة للنظر فيما أورد جمالنا محمد أحمد، وأن نعود إلى (توظيف اللهجة السودانية في لغة الكتابة) عند ه!
سعدت بكم و إن شاء الله، نواصل .
|