إنه الإسبوع الثالث علي التوالي الذي أعمل فيه في نفس المكان ولم أحس قط بالرتابة والتكرار، هذا عالم طازج وسريع، ثوانيه تقفز فوق بعضها لتصنع أمواجا من الحركة والطاقة لو أمكن قياسها لكانت بمثابة مفاعل نووي ضخم..
المكان يسمونه ريفلوشن، وهو علبة ليل ضخمة ذات صالات مختلفة ومدخل أوحد وإطلاله علي جدول المياه الذي يعبر من تحت محطة دينسقيت في قلب مانشستر، مكان، أحد أماكن سهر الطبقة الوسطي وبعض الطلاب جيدي الدخل أو أبناء الأغنياء.. دون ذلك فالمداومين هم من ذوي الياقات البيضاء.. موظفين وموظفات ذوي أناقات جيدة، وعادية في الغالب.. الأناقة المتكلفة ليس من شئ مستحب، فدائما ماتكون وبالا في أماكن سهر الطبقة الوسطي، فبعد السكر يكون صعبا المشي بالكعب العالي، ولكن أغلب الإنجليزيات من محبات الرقص والشراب يستحوزن علي حذاء إضافي خفيف يحل مكان الكعب العالي الأنيق حالما يستحكم الخندريس..
في مساء الجمعة ولانه بداية الإسبوع فدائما ماتكون شهية الناس منفتحة للسهر، فالإسبوع هنا قاتل بعمله وساعاته المهلكة التي تستحلب الناس حتي آخر رمق من الحياة والطاقة..
بداية المساء كانت الشمس ساطعة فوصلت عند البوابة في تمام الساعة السادسة مساء، مارك وبين كانا يتناولان وجبة دسمة في الصالة الرئيسية، فيني الفتاة ذات العشرين خريفا حييتني باحتضانة، هكذا هي العادة كما يبدو هنا، فكل الفتيات العاملات يحتضن البودي قاردات بشكل يقرب للصداقة الحميمة والمعرفة القديمة، ويستمر طقس الإحتضان والربت علي الكتف والتطويق من الخصر وأحيانا القبل علي الخد طوال المساء. حسناً ولم لا..
كنا ثلاثتنا فقط في بداية المساء،،، سيكون هنالك حفل خاص في الصالة الرابعة، وسنبقي الثانية في الطابق الأول مفتوحة للعامة..... هكذا كان مارك يوضح كل صغيرة وكبيرة في خطة المساء، فيني كانت قد أعد شرابا سحريا لم أميز من مكوناته سوي البرتقال والنعناع ولكنني أحسست بقوته ونشوته، إنه خالي من الكحول ولكن له طعم متشظي.. سنكون 20 بودي قارد اليوم، تدارسوا خطة المساء بعيدا عني في البدء، وانزويت أنا في ونسة جانبية مع فيني.. ربت مارك كتفي وأشار براسه لي أن أتبعه إلي حيث يجتمعون.. قال Al سيكون مسؤولا عن المدخل الأول مع جورج.. جورج عليك تمرين آل علي المدخل..
جورج يمشي كما البط وضعنا سماعات حديثة ذات حبال وسماعة علي أذن واحدة ولبسنا ملابساً تجعلنا أشبه ب MEN IN BLACK، وبدأنا المساء..
لم يزدحم المساء كما يجب إلا بعد العاشرة مساء، وذلك كان وقت كافي ليمتد صف طويل فيىالخارج دلالة علي إمتلاء المكان..
بعد العاشرة لابد أن ندقق أيضا في هويات الداخلين، في الحقيقة أنه كان يكفيني مطالعة وجه وشكل الواقف لأحدد عمره وإذا مابإمكانها الدخول أو لا.. جورج وجو الذي إنضم لنا لاحقا لايقدران علي ذلك، لقد عذرت جورج بحكم أنه أوروبي قح لايدرك عن الثقافات الأخري إلا بمقدار مايقوله بلير وترامب، ولكن ماذا عن جو؟ جامايكي أمريكي، عاش في فلوريدا منذ بعد ولادته في قرية ما في جامايكا لايذكر هو حتي إسمها جيدا.. ولقد سألته ، مالذي أتي بك من فلوريدا وأنت شاب صغير في السن مفتول العضلات حسن الهيئة وودناس

إلي أرض الإنجليز؟
مجموعة مشاغبة من الشباب ذوي الشعر الأسود والطلعة المختلفة كانت بدأت في ممازحة السيدات في صف الدخول بشكل غير لائق..إنهم يبدون متأنقين بشكل كاجوال، أعينهم تجول حول كل شئ كأنها تمتلكه، ولكنها مفزوعة بفعل تنافر ما غير طبيعي.. إنهم لاشك إخوتنا السعوديين..
انهم مسالمين جدا وغير متحرشين، ولكنهم بالغي الجلافة في إلتزامهم بالسيستم.. غالبا يأتون في مجموعات من أربعة إلي ثمانية، جيوبهم ملئية بأموال كثيرة، ولغتهم ضعيفة أو غير موجودة في الأصل.. شباب صغار في السن، لايفرطون في الشرب، ويعجبني فيهم معرفة حدودهم، إنهم كما الحديد الادن، لو قلت لهم إذهبوا يمينا ذهبوا، ولو قلت لهم نحو اليمين لفعلوا طالما انت تخاطبهم بلغة إنجليزية.. ويبدو أنني وإمعانا في الغوص في تلك العوالم سمحت لنفسي بمخاطبتهم باللغة العربية، ربما هو عامل الحنين ل لغة تجمعك بإنسان آخر..
قلت لتلك المجموعة الزهولة من السعوديين تعالوا بي جاي (بلغة سودانية)
أخرجوا جوازاتهم وبطاقتهم السعودية.. في هذه البلاد لابلد أن يكون داخل أماكن السهر فوق السن القانونية، وذلك في الحقيقة هو أكبر هموم السيكيوريتي وعلم الإجتماع والقانون بذات نفسه..