امير الشعراني يستطلع جمال م ابراهيم حول السلطة والإبداع ..
إستطلاع «الرأى العام» الثقافي حول
جدلية العلاقة بين المثقف والاجتماعي والسياسي
حوار عبر الانترنت ، أمير الشعراني
تثير علاقة المثقف بالسلطة، العديد من الاشكاليات والتساؤلات والتى تنطلق من الأبعاد المختلفة لهذه العلاقة المركبة والمتشابكة.
نشأة المثقف السوداني في فترة المستعمر، جعلت منه نافراً من السلطة والإستبداد، ومن ناحية أخرى هناك البعد الطبقي للمثقف ومدى تأثير جذوره الإجتماعية في إتخاذه للعديد من المواقف المؤيدة أو المعارضة للسلطة، أما البعد الثالث، فيتمثل في تبلور جماعات المثقفين أنفسهم في تيارات فكرية وأيدويولوجية متصارعة ورؤية تيار للسلطة، بالإضافة لوعي كل تيار بنفسه والآخر.
في ذات الوقت يرى اليسار ان اليساريين هم المثقفون واليمينيون لا يخرجون من التصور نفسه في إطار إنتمائهم الايدويولوجي .. وهكذا.
ويظهر البعد الرابع في رؤيةالسلطة للمثقف وسعيها لاحتوائه باشكال مختلفة ومدى نجاحها في ذلك، وتحول المثقف أحياناً ليعمل في أجهزتها كموظف ومدى تأثير ذلك على عطائه الثقافي في مجالات تخصصه، وهل إستطاع تحقيق مشروعه الثقافي، ويخدم الثقافة، أم تحول الى مجرد بوق وأداة للدعاية؟!.
وعلى النقيض الآخر ما هو دور المثقف المعارض، وهل إستطاع التواجد على الساحة الثقافية، وهل فضل الصمت والإبتعاد أم أجبر على الانسحاب؟.
وهل جاء إبتعاده نتيجة لمعارضته أم لإبتعاده الحقيقي عن الجماهير وعدم قدرته على التأثير فيها؟.
وهو الأمر الذى يقودنا للبعد الخامس المتمثل في نخبوية المثقف.
الرأى العام الثقافي تستهل هذه السلسلة من الحوار المفتوح حول جدلية العلاقة بين الثقافة والسياسة بإستنطاق الأديب والدبلوماسي الشاعر جمال محمد ابراهيم سفير السودان بلبنان كخير مستهل لهذا التحقيق الذى نأمل ان نخرج منه بأجوبة شافية حول هذه العلاقة الشائكة.
- في الاصل لماذا تنشأ علاقة بين السلطة والإبداع؟
الإبداع هو سلطة بطبيعته وسطوة أعلى، لكونه يرتبط بخلقٍ جديد، وأنه جهدُ لإعادة خلقٍ للأشياء، رسماً كان أو نغماً، شعراً كان أو قصاً، ولا أحصر الإبداع فيما ذكرت، بل هو أكثر شمولاً، وأوسع حراكاً، وابلغ أثراً.
السلطة التى تتلبس آليات الضبط في الدولة، هي فعل تحكمي محدود الإطار، دافعه الحفاظ على الراهن وحفظ التقليد. بطبيعتها تكون السلطة، أقرب للقمع منها للإنطلاق. الإبداع إذن يدلّ على الأضواء في أواخر الأنفاق.
الإبداع -إذن- في صدام مع الواقع، وتوافق مع المستقبل. السلطة دفاع في واد، والابداع هجوم واجتياح في قمة جبل.
*
السلطة التى تتحكم ليست هي فقط آلية الحكم، وقوانين ولوائح الضبط الإجتماعي. ولكني اري السلطة أوسع من ذلك:
أليس إطار اللوحة تقييداً للتشكيل الفني؟
أليست قواعد النحو، قيداً للكتابة؟
أليست بحور الخليل قيداً على الشعر؟
أليست أوتار القيثارة بعددها قيداً على اللحن؟
ليس من داعٍ للإجابة.
لهذا يكون التجديد -وهو خروج من قيد التقليد- من صميم الإبداع، ولازمة من لوازمه الأًصلية.
*
أصل السلطة التقييد، وأصل الإبداع الحرية بلا قيود ولا تقييد، ولا أزعم أنى احكي في الفلسفة، ولكن ربما في علم الجماليات ما يمكن ان يُلقى ضوءاً كثيفاً على ما أقول. جدالات القرن التاسع عشر والقرن العشرين حول مذاهب الفن للفن وأدب الإلتزام، وما الى ذلك من هواجسنا في القرن الماضي، اراها محض جدال، افضل منه ان ننصرف الى الإبداع، لا الى الوقوع في فخاخ التصنيف، والركون الى تقييد الإبداع وتسكينه في مدارس ومذاهب ونحل.
علل تلك، في نظري، وعلى المبدعين ان ينأوا عنها..
لا ينطق قلم المبدع عن فراغٍ عريض. تلك حقيقة بدهية. لون الإبداع لا يأتى أزرقا أو أبيضا أو أصفرا، بدفع ولا بأكراه، ولا يسمع عنه بتلقين، ولا يحكي به عن إملاءات. من تفاعلٍ حرٍ، يكون الإبداع خلاقاً، ويوصف إبداع المبدع وجهده بأنه جهدُ خلاق، وأن شجرته أثمرت فاكهة مفيدة، ولها مذاق شاركت في صياغته، أرضُ وتربة وأكسجين وريح لقاحة وإرادةٌ عليةٌ من بعد ومن قبل.
*
لا يعجبني عندنا في العالم الثالث، إدامة النظر في أمر هذه العلاقة وكأنها ظاهرة صحية، ونتعاطى معها بحيادية رمادية اللون، بينما في الحقيقة المطلقة، ان الإبداع يعاني ويضيق بقيود السلطة، ضيق السجين بالسلاسل.
-العالم الشمولي الذي يتلبسنا يوقعنا في فخ الاسئلة المريبة. كأن نسأل، كيف تنزع عنك أيها المبدع عباءة السلطة؟ أو كيف تحتويك عباءة السلطة وتتحكم فيك؟
*
- لأن جوبلز كان وزيراً للدعاية، ما كان بإمكانه إلا أن يضيق بمبدع يتأبط قلماً، لا بندقية. ولان الدعاية تتكلم بغدّارة لا بريشة، فقد خلدت الجيوكندا، ولكن من يتذكر شكل الغدارات في عصر دافنشي البعيد؟
المعطيات تتجدد والهتلريات كما الشموليات تذوى وتضمحل وتستشرف البشرية من مصابيح الإبداع دروباً تنفتح في الزمان، كما ينسرب الماء عبر الشعيرات.
*
- إني اسعى في سبل الإبداع وطرقه، بقلم يدلّني ولا أذله، يسير بي مثل ناقة مأمورة، تعرف أين تلقى رحلها، وأين تقعد، أوأين تنام، ولكني لا أرهنه، أو ابيعه بيعاً إجارياً، كما يُفعل بالعقار.
*
- قلمي ملكُ حر، ولكنه قلم يناور في بيئة صدق، وينطق بلسانِ صدق ولا يخرج عن حميمية الوطن.
*
- للوطن دفء وفي عباءته مودة، ولا يسعى قلمي ليسقطها، والا تكون كتاباتي مثل الحمل الكاذب:
فلا الأنثى بلغت بعده نشوتها القصوى، ولاجاء من صلبها الولد فتقر عينها.
او لعله الفعل المعلق في المسافة بين لمع البرق وسفر صوت الرعد، بغير وضوح إنتماء:
لا خروج ولا دخول ...
الرأي العام : يوم 14 مارس 2007
|
