نعي أليم - فيصل سعد في ذمة الله !!! عكــود

آخر 5 مواضيع
إضغط علي شارك اصدقائك او شارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!

العودة   سودانيات .. تواصل ومحبة > منتـديات سودانيات > نــــــوافــــــــــــــذ > الســــــرد والحكــايـــــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-11-2008, 06:34 PM   #[1]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي ولضم درمـــــــــــــــان!

قصة حقيقية
يمكن إن صدقت
أن تدرج على استحياء في أدب الرحلات وأي رحلات تلك




وردني للتو أن تينو أوف لاين!



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-11-2008, 06:56 PM   #[2]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

التاريخ العسكري يكتبه المُنتصرون. أما التاريخ الاقتصادي فيكتبه إلى حدّ ما البنوك المركزية. وفي الحالتين كليهما، عليك أن تأخذ آراء المسؤولين الرسمية بدرجة كبيرة من الحذر. ولسوء الحظ، فإن من الصعوبة بمكان أن تتغلب الحقائق على المعتقدات المزيّفة. وتلعب تلك الآراء المزيّفة دوراً بارزاً في الأبحاث المتعلقة بالسياسات الاقتصادية.


ستيف إتش. هانكي



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 01:25 PM   #[3]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


(01)


من أجمل صدف الحياة أن تتقاسم الحجرة مع أحد المهتمين بعلم النفس والاجتماع ، فقد واتتني الفرصة التي فتحت لي نوافذ على الشواطئ الأخرى من التصرفات البشرية وتكهناتها في ميناء راس لانوف الصحراوي و المطل على خليج سرت في ليبيا.


حملتني الصدفة يوم أن توقفت سيارة مرسيدس أمام المحل الذي أديره في مدينة سرت، هذا المحل متخصص في كتابة اللوحات والإعلانات، وبعد أن كسد المحل من جراء قلة الزبائن واستهدافه من مجموعات اللجان الثورية التي كثيرا ما تطلب مستعجلة 100 أو 250 متراً مخطوطة بشعارات اليوم الأسود الذي اختطف فيه الليبيون إلى جزر إيطاليا، أو يوم قيام سلطة الشعب، ثم ترمي لي ورقة مبين عليها استلام تلك الكمية وأن اللجان هي التي تحدد قيمة العمل ومتى إن شاءت تدفع! بعد أن كسد المحل .


إبانئذ كنت في طريق ذهابي وإيابي أمر على محل إعلانات لشخص سوري متخصص في تزيين سيارات الأعراس ، وللحق رغم موسمية الأعراس في العالم كله وليس ليبيا فحسب فإن محله عامر بالسيارات العرسية. ساورتني فكرة تغيير المحل إلى مزين لسيارات الأعراس، وكانت كل لوازم الزينة لا تتجاوز قيمتها 25 ديناراً شاملة الملاصق والشرائط الملونة والمزركشة وقد أدخلت عليها الألوان المائية لسهولة إزالة عبارات التهاني والرفاء بعد انقضاء المناسبة ، ثم واصلت في تزيين السيارات إلى أن حطت تلك السيارة المرسيدس أمام المحل ونزل منها شخص أقرب إلى الأرض ومعه موظف العقود المشهور في أمانة تعليم سرت وهو محمد الأمين.


بادرني القصير بعبارات كسر الحواجز و الإشادة، وبعد تبادل مفردات التهكم بالسودانيين والليبيين على السواء ، أشار لي زميلي محمد الأمين أن هذا هو العجيلي أمين التعليم في منطقة راس لانوف النفطية وهو بدروه في حاجة لأستاذ مثلي، وبعد أن عدد لي أسباب الترف والرفاه في ثكنته الثانوية ،وأن المدرسين يتم ترحيلهم بواسطة سيارات خاصة وسكن خاص ومأكل خاص ومدرسته أقيم فيها المؤتمر المغاربي الثاني وهي أعظم مدرسة جنوب البحر المتوسط، وأنه يعدني بكامل الرفاهية من ميادين الرياضة المتنوعة وحتى المريسة! أعلمته أن سبب تركي هذه الوظيفة لعدم الوفاء بشروط العقد حيث يتوجب تحويل نصف الراتب إلى الخارج بينما العقد المطبق هو عقد معاملة العرب الليبيين الذي لا يسمح لك بحمل راتبك أو إبداله إلى عملة صعبة، وعدني أمين التعليم بعقد مغترب وتواعدنا على تسليم المحل لصاحبه ومرافقته إلى رأس الأنوف ولسان حالي يلوك مقطع المحجوب:
الناس مرقدها النهود
ونحن مرقدنا الأنوف
لو كنت تدري ما الأنوف
طويت الفراسخ بالألوف


هنا كنت على موعد مع القدر و الأستاذ جعفر ضحية، وهو من أبناء امتداد ناصر أستاذ في علم النفس والاجتماع والذي غيرت اسمه إلى جعفر الضحية وذلك لوقوعه ضحية إهمال لمدة عامين لم يصرف فيها رواتبه حتى تغيرت سحنته و نفسيته، حيث تقاسمنا السكن لعام كامل.



التعديل الأخير تم بواسطة آدم صيام ; 02-05-2009 الساعة 06:15 AM.
آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 04:34 PM   #[4]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

إن الرأي ( بشروط إنسانيته) الذي يصلح الإنسانية أولى من رأيك الذي تتبعه، وهنا تكمن إنسانيتك من حيوانيتك!!




آدم صيام



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 04:39 PM   #[5]
الفاتح
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الفاتح
 
افتراضي

مرحب بيك يا آدم ، نوًرت الديار
معليش ترحيبي جا متأخر لظروف خارجه عن الإرادة..
سرد سلس وممتع ، واصل فنحن بإنتظارك.
مودتي.



التوقيع:

There r 3 types of ppl in this world
those who makes things happen, those who watch things happen,
and those who wonder wt happened
الفاتح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-11-2008, 05:10 PM   #[6]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

اقتباس:
مرحب بيك يا آدم ، نوًرت الديار
معليش ترحيبي جا متأخر لظروف خارجه عن الإرادة..
سرد سلس وممتع ، واصل فنحن بإنتظارك.
مودتي.
__________________
الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون في الكراسي
- جيفارا-
الكريم شليل سبعة
شكراً لمروركم الترحيبي المقدر

نعم، حين يجلسون على الكراسي، بلا شك!




إن كنت لاتحب أخاك الذي تراه فكيف تحب الله الذي لاتراه
القديس يوحنا



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-12-2008, 03:37 PM   #[7]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

(02)


في رأس لانوف خيرتني المدرسة بين أن أسكن في منزل لوحدي أو أشارك الأستاذ جعفر ضحية، فاخترت السكن مع جعفر وكان نعم الرفيق، كانت ليالينا عامرة بالقراءة و التنظير والتحليل وكانت الكتب شبه مجانية نتلقفها من المعارض برخص الفلوس ولا سيما أن مكتبة المدرسة عامرة بالكتب من العيار الثقيل وقد نصبت نفسي أميناً عليها بالإضافة لأعباء التدريس بل نقلت مكتبي إليها وصنفتها عشوائيا طبقاً للتقسيم العشري لجون ديوي ولم أفارقها إلا بعد أن هجم علينا في نهار غائظ أفراد من شعبة اللجان الثورية وهم يجرجرون المدير العجيلي حتى وقف الجميع أمام صورة للأخ القائد أبي منيار القدافي ولم يعتورها شيئ غير أنها في وضع مائل فهددوا المدير بل أمين التعليم أن هذا التصرف غير الثوري يعرض كامل المدرسة للتقفيل والتشميع، فرضخ إلى مطالبهم بقفل المكتبة إلى حين آخر، وقد علمت من رفقاء الطبشورة أن إغلاق المكتبة كان بسبب اجتياح الطالبات والمدرسات إليها بصورة لم يسبق لها مثيل .

كانت لياليا ونهاراتنا تزخر بهكذا تكلم زرادتش، ثلاثي الوجودية: هيجل فيختة وشيلنج ، البنيوية وأثرها في الأدب المغاربي ، مجلة الناقد من مؤسسة الريسي في لندن، الصادق النيهوم ومن سرق المسجد، نفق تضيئه امرأة واحدة وإبراهيم الفقيه،الطاهر بن جلون وليلة القدر، النقد الاشتراكي لحسين مروة، محمد أركون والإسلام الحداثي، سلام خياط والبغاء غبر العصور و.......... كل ذلك وتتخللها القهوة المدنكلة والتنباك العماري وسجاير المارلبورو، وعزف مبتدئ على العود على يدي بدأته بعازة في هواك كعادة مبتدئ العود وختمتها بالقليب الراسمو حنة!

كانت تصل أيامنا إلى ذروة عنفوانها بزيارة جمال سوزي أستاذ المسرح وأريحية الأستاذ جعفر التجاني النصف الآخر من كوب سوزي، ولا أنسى تلقينه للطلاب عبارة مسرحية تقول: ( أ لأن عدو الله يؤدب هل هذا يستدعي الرجرجة والدهماء!) وعدو الله المقصود هو الحلاج.



ذات مساء عثرت على شريط أغاني باسم سنبلاية للفنان محمد وردي فقلت في نفسي هذه صرعة لجعفر الذي كل أغانيه غربية عدا شرحبيل أحمد، وما إن دلفت إلى السكن قصدت المفاجأة، وأنا إذ أكتب هذه الجملة يتراءى لي جعفر بقميصه البرتقالي وسرواله الأزرق وهو مستلق بعد أن أعد سفته على دربة تحفزاً للاصطراع، استلقى على السرير دون أن ينبث ببنت شفة حتى إذا عبرت الأغنية الصفحة الأولى من الشريط أرسل ابتسامة وحيطة حسبتها انحيازاً لرؤيتي، لم أسأله و واصلنا الاستماع وما إن انتهى بادرته مستفسراً عن نقده،

فإجاب: إن محمد وردي بدأ يأكل في نفسه، وأن موسيقى هذه الأغنية جزء منها من موسيقى الحزن القديم والآخر من بناديها أو المستحيل أو هكذا قال! وبعد إعادتي للشريط كرة أخرى وتذكر باعه الطويل مع الموسيقى وجلوسه إلى شرحبيل وتجواله مع الفرق الخرطومية آنذاك من البلو ستار وغيرها أصابني الإحباط من رؤيتي رغم تأبطي لهذا الشريط ولم أفارقه إلا عندما طلبه مني محمد علي الدنقلاوي في نيامي عاصمة النيجر شتاء 1992.

عرفت أن جعفر قضى في نيجيريا عامين وقد شجعني للذهاب إليها وخاصة جامعة مايدوغري حيث أن مدرس اللغة العربية يتقاضى 500 دولار أمريكي وأن العملة النيجيرية النايرة تساوي سدس دولار .

مضت الأيام في تلك الصحراء وأبناء المناطق شبه الصحراوية أو السافنا مثلي يعانون هناك من مناخ البحر الأبيض ولا سيما الرطوبة العالية وقد انتابتني أزمة عطاسية لم تبارحني إلا بعد أن هبطت في مدينة سبها في الجنوب، ولكن ولله الحمد لم أقض 3 شهور في ليبيا إلا وبارحتني القارديا المعوية إلى غير رجعة دون دواء بعد أن كدت استهلك فلاجيل السودان وما وراء الصحراء.


كانت أيام المدرسة الشتوية أيام لئيمة بحق فقد وردت الأخبار أن أمريكا تريد الإغارة على المناطق الحيوية والنفطية في ليبيا فقررت أمانة التعليم إيكال مهام الحراسة الليلية للمدرسين، تم توزيع المدرسين إلى مجموعات تنوب ليلياً، أحدنا يحمل لاسلكي يزن 2 كيلو والآخر من وراء مضاد الطائرات رغم عدم معرفتنا باستخدام تلك الأسلحة حتى مرت تلك الأزمة بسلام وانقضى العام ولم يف العجيلي بوعده فاستقلت وكان البديل جاهزاً السفر إلى نيجيريا اكتشافا للقارة الأم وجمعاً لجورج واشنطون.



التعديل الأخير تم بواسطة آدم صيام ; 03-05-2009 الساعة 07:22 AM.
آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-12-2008, 03:45 PM   #[8]
الفاتح
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية الفاتح
 
افتراضي

بلا إستحياء ،
جديرة بأن تدرج في أدب الرحلات ،
تعجبني الكتابة عن الأماكن الغير مألوفة..
واصل لا فض فوك.



التوقيع:

There r 3 types of ppl in this world
those who makes things happen, those who watch things happen,
and those who wonder wt happened
الفاتح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-12-2008, 12:52 PM   #[9]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

اقتباس:
بلا إستحياء ،
جديرة بأن تدرج في أدب الرحلات ،
تعجبني الكتابة عن الأماكن الغير مألوفة..
واصل لا فض فوك.

الكريم شليل شكراً لموقفكم التشجيعي الضاف
اليومين ديل شوية زحمة ولنا عودة بمشيئته



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-12-2008, 04:10 PM   #[10]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

(03)



في الطريق المؤدية إلى طرابلس عبرت بنا الحافلة رقعة مملةً من الرمال المحاذية للبحر الأبيض المتوسط في اتجاهٍ من الشرق إلى الغرب، مملة لتكرار مناظرها التي تبلد الانتباه غير بعض اللافتات التي نشاهدها على صدر كل نشرة إخبارية وكل خطاب مكتوب ولو لحبيبة، لمحت لبرهة مدينة بن جواد ثم تهت في صحراء ضاربة في القحلة لا أرى إلا كثبان الشتاء المتواعدة وقطعان الضأن التي حتى الآن لا أدري من أي نوع من الأعشاب غير المرئية تتغذى، وصلت حذو مدرسة الستين فتذكرت زميل المهنة الأستاذ كمال أشقر وليلته التي قرأنا فيها رسالة خطيبته الشهيرة التي وضعته أمام الخيار المميت، إما أن يهبط السودان فيتمم زواجه منها أو الطوفان ولم تمض عليه في الوظيفة إلا شهور و لا يتسنى له قبض راتبه إلا بعد حول!


هذا وادي الأبيض الذي عملت فيه سنتين مدرساً للمرحلة الابتدائية، مباني المدرسة بجانبها مكاتب الأمانة الفرعية للزراعة، كنت أحصل على سجائري (الرياضي) من تلك الجمعية كل شهر، يقبع بالقرب منها جرار وحصادة حمراوان هالكتان لاتصلحان إلا مخابئاً للسحالي والعملات المعدنية الفالتة المسكونة برغبة الاختفاء. تراءت مباني مدينة سرت ثم تخطتها الحافلة غير منظور إليها، مر حطام قصرٍ منيف قيل إن الكلاب الضالة! اتخذت منه وكراً للبغاء فحطمته اللجان الثورية غير عابئة بقيمته.


غشيتني سنة من نوم بعد أن بدت حركة الحافلة تعزف نوتةً منتظمة، وصعدت أرواح المسافرين إلى فضاء الحافلة تأخذ قيلولتها لتترك أجسادهم المهلهلة تحزمها مقاعد الحافلة الوثيرة وتغفو الأمعاء مكتنزة بسندوتشات التنة والبيض وبعضاً من هريسة (فلفل)، كدت أن أنام غير أن تذكرت أن في هذه المنطقة يوجد الميناء الذي تم عبره تصدير العبيد إلى أوروبا في الأيام الغابرة وكأنما ألمح عطيل بين الجموع، تراءت لي في الخيال زرافات الشباب السمر الأقوياء مجندلين بسلاسل الحديد، يتقدمهم كونتا كنتي مقاوماً ومتمرداً في مدينة تاورغاء، و ثلة قليلة من الفتيات الناهدات يثكلن القمر وكراكير الأحبة، لابد أن الرحلة مشي على الأقدام الحافية كانت طويلة ربما من أعماق أفريقيا أو بحيرة شاد وأدغال تنجانيغا، ثم جالت بخاطري عبارة التاريخ التي وقد أعتق فيها السنوسي قافلة من العبيد، حتى إذا ظهرت ملامح الوجوه السمراء تيقنت من توثيق خيالي وبدأت أشرئب لأرى نهاية الرحلة البرية عند تخوم البحر الموصولة ببداية الرحلة المائية إلى أوروبا.


كلما أحاول طرد فكرة أن هذه الفلوات ما هي إلا مجزوءة من إمبراطورية اليونان والرومان وجزر القراصنة في صقلية وكريت ومالطة، حتى تردني إلى صوابي أشجار النخيل وقلنسوات وطرابيش الرجال الحمراء التي اشتهرت بها منطقة جنوب ساحل البحر الأبيض من تركيا حتى بلاد فاس وكلما ابتعدت عن مركز القلنسوة الحمراء في تركيا تناقص طولها وارتد لونها إلى السواد، ثم تصحو تلك الأفكار الإمبريالية الكلاسيكية على معابد الرومان وتماثيلهم بالقرب من مدينة صبراتة ولبدة، هذه صور جاثمة لبقية معابد لبدة وها هو المسرح الروماني والبازيليكا مازالت شاخصة بكامل عواميدها الصامدة ومسارحها الحجرية وقاعات الدراسة ودوواين الحكم كأنما غادرها الموظفون لساعة الغداء ريثما يعودون لدوام ما بعد الظهيرة، ثم ارتد طوراً آخر عندما أرى بعض الشاحنات على الطريق العام وأصحابها يتلفحون الشمائل الصوفية ويطهون الشاي الأخضر حد الشواء وينفثون لفافات سجائرهم بكل إدمان لدرجة تندرهم على السودانيين بأن بياض أسنانهم ما مرده إلا الجوع الناصع، ولا عجب إن كانت الأماكن الليبية تنطق أغلب أسمائها الساحلية بلسان روماني مبين، من ليبيا، وهانيبال الروماني، طرابلس، طبرق وترهونة ليتجلى لك اللسان البربري المبين في غات، تازربو و غدامس في الجنوب.


حاذت الحافلة ناحية بني وليد ولم تدخلها، المدينة التي رجمت بالطائرات عندما أعلن بعض شبابها التمرد على النظام الجماهيري، لتترك المباني المهدومة على مر النظام عبرة لمن لا يعتبر حتى لاتسول لكائن من كان أن يفكر ولو في خياله بمشروع تمرد.


على مشارف العاصمة بدت السماء في بث (شعافيفها) شآبيبها الشتوية مع نسمات برد قاتل من جهة غير معلومة، هؤلاء ثلة من بني وطني يتسورون دوران السيارات بجلابيبهم القصيرة المكموشة من دبر وعمائمهم المتسخة يطاردون القواطين (شاحنات صغيرة ماركة بيجو) عز الشتاء لعلهم يظفرون بحمولة سناري( جزر) طماطم أو بطاطس يفرغون حمولتها اتقاء البرد والمسغبة.


أزفت ساعة دخولي طرابلس إيذانا بالشروع في الحصول على تاشيرة كل من نيجيريا والنيجر ليتحول اتجاه رحلتي الحياتية من صوب الغرب إلى جهة الجنوب حيث عمق القارة السمراء وضجيجها.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-05-2009, 06:08 AM   #[11]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


(4)



مضت بنا الحافلة إلى استراحة رأس لانوف ( رأس الأنوف) في قلب مدينة طرابلس المدينة البيضاء كعهد أغلب المدن المطلة على البحر الأبيض جنوباً من طرابلس في شمال لبنان وإلى الدارالبيضاء في الغرب- وللتمييز فإن مدن شمال البحر الأبيض يكسوها القرميد الأحمر الطوبي القاني أما مدن الجنوب نوافذ ومشربيات ومداخل بناياتها أغلبها مطلي باللون الأخضر لون الكتاب الأخضر –الذي تندر به النميري عندما تهكم بنعته: ظاهره أخضر وخارجه أحمر - وللدكتاتوريين فيما بينهم تهكمات ومساخر كشأن أغلب خلق الله المغلوبين - وكأنما اكتشف البطيخة لأول وهلة، يجدر بالذكر أن للبطيخ اسم ناعم الملمس والنطق في بلاد هانيبال إذ يسمونه (دلاع) بكسر الدال المعجمة وتشديد اللام المفتوحة. طفقت في أرجاء المدينة بحثاً عن كنيف لعلي أتوسد رأسي ريثما تنبلج شمس اليوم الغائب فإذا الشوارع تجوبها حسان المغرب ذات الغلانس وكل هذا الانفتاح الرهيب بفضل إعلان الوحدة المغاربية، حملتني غريزتي إلى تتبع إحدى المؤخرات التي انتهت بي إلى فندق صنفته من دون ذات النجمة ، وبعد أن دفعت ما علي من استحقاق حملني المستوظف الوحيد إلى طابق مهجور وأعمل مفتاحه في باب خشبي فانبعج لنا فضاء قبري مستطيل بسرير حديدي أحدب ودولاب مهترئ، كان جسمي ملتصقة جسيماته كأنه الغار فدلفت إلى صنبور المياه لعلي أزيل شعث السفر، يا الله! الصنبور يحلب ماءً مالحاً كأنه موصول بالبحر مباشرة، يمكنك إفناء صابونة كاملة من نوع الفنيك دون أن تجود لك بفقاعة تزيل بها ملحك، نزلت إلى البقالة فاشتريت ماء معلباً ودلقته على جسدي، تكاليف المياه العذبة أغلى من فاتورة النزل – كم نحن المغفلون في نعمة من نعم الزلال! أمضيت تلك الليلة برفقة شخص جزائري زعم أن السودانيين صنو الجزائريين في صفات كثيرة، تركته يتداعى بدلوه واستسلمت لسلطان الكرى.


في الصباح الباكر دلقت دنانير مهولة من الماء على جسدي حتى تصبب جيبي وهرعت إلى السفارة النيجيرية بحثاً عن تأشيرة. قدمت لي إحدى الحسان ذات العيون البقر استمارة أعجب ما فيها أن أذكر سبباً مقنعاً لسفري إلى نيجيريا، فافترعت كذبة ذات ألواح ودسر بأن شقيقي له أكثر من عشرة سنوات في نيجيريا ولم يعقب وأنا أجد في طلبه، كانت تلك كذبة مؤثرة دفعت على إثرها خمسة عشرة ديناراً قيمة التاشيرة غير الذنوب وحصلت عليها يعلوها حصانان من فصيلة البغل. تذكرت عند خروجي ذلك الكتاب الذي قرأته ويزعم كاتبه أنك يمكن أن تجوب العالم كله دون جواز أو تأشيرة وكل حجته أن يستحيل زرع كل شبر من حدود الدولة بعسس حدود وإلا اصطف كل مواطني الدولة عند خطوطها الوهمية.


كانت أكبر تراجيديا عانيت منها هي حصولي على تاشيرة دولة النيجر إذ شدد نيافة القنصل النيجري وليس النيجيري أن السودان لا يقع وراء النيجر لذا ينبغي أن أذهب إلى نيجيريا عن طريق آخر وعندما ذكرت له أن ليبيا محظورة طيراناً، رد بأن أذهب عبر الجزائر وعندما أفحمته أن دول المغارب العربي تمنعنا حتى المرور عبر أجوائها نصحني بالرجوع إلى السودان وكانت خير نصيحة إلا أني أدرجتها في خانة التهكم ورجعت إلى الساحة الخضراء حيث الميدان الفسيح ومقهى يرتاده لفيف من الأجناس وأكثر ما شدني طاولات الشطرنج، فدلفت إلى إحداها وطلبت مشروب (مراده) وهو ليس بمراده تلك المدينة الليبية وإنما الفانتا المنعشة المعروفة عالمياً بنكهة البرتقال. بلغ بسوداني متلبيب وليبي متطلين حداً من التنافس الشطرنجي أذهب باقي يومي وهم يتصايحون مرة اضرب البيدق وتارة خذ الشاة أو الفيل على عجل.


عدت كرة أخرى في اليوم التالي إلى قنصلية النيجر، اتخذت كرسياً معجوناً على استحياء من باب إظهار الشفقة وبدأت أرقب مرتادي البعثة. يدخل فريق ن التجار الليبيين إلى القنصلية ويخرجون وهم يجأرون: "تي بالله هذا الفرخ ما يدري شي" تدحرجت إليهم أسأل ما الخطب! فقالوا إنه لا يفهم لغتهم، قلت حسناً دعوني أوضح له، وهكذا أمضيت ثلاثة أيام مترجماً بلا مقابل وفي اليوم الثالث كررت له مشكلي، وبعد أن تمنع وتلجلج وافق على منحي تاشيرة مرور لمدة خمسة عشرة يوماً فقط غير قابلة للتجديد( لس باسي) حمدت الله على ذلك الإذن المجهول وأهلك صفحتين من صفحات جوازي اليتيم بعد أن هرف مني مبلغ ستين ديناراً حتى اختلطت علي قيمة التأشيرة الحقيقية حتى يومي هذا.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-05-2009, 06:10 AM   #[12]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي





يمكنك مشاهدة هذي الغزال الحجرية تنبعث من حواليها نوافير المياه وأنت تتابع معركة الشطرنج في ميدان الساحة الخضراء

ولا تنسى بين سوداني متلبيب وليبي متطلين!



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-05-2009, 06:11 AM   #[13]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي


(5)



في الصباح الباكر هرعت إلى مكتب الخطوط الليبية واستخلصت تذكرة انتحارية ذات اتجاه واحد ذهاب بلا تعقب، ثم ذهبت إلى المطار وللحقيقة فإن المعاملة حسب التراتبية لايشوبها إي تعطيل كما هو مألوف في مطارات الجماهيرية الأخرى التي يمكن كأجنبي مواجهة في ساعة اللامناص اقتحام من أحد الجنود الشباب ليجبرك على التأخر بحجة وفد ثوري في مهمة خاطفة حتى يفسح لعمته أو ابن خالته الحصول على مقعدك وعندما تراجع مكتب الخطوط تجد إجابة من نوع التجاهل أو وصفك بالمحظوظ أن لم تقتاد إلى المخفر بسبة مفصلة من باب التعطيل.

أقلعت الطائرة ناحية الجنوب حيث مدينة (سبها) في ميعادها بتأخير بلغ عشرين دقيقة لا أكثر إلا أن الإقلاع في حد ذاته كان ملحمة تراجيدية عمودياً لدرجة أنست الركاب نطق الشهادتين، وجم الركاب كأن على رؤوسهم الطير من هول فقدان وزن إمعائهم وأطرافهم السفلى الأخرى، وعندما استقرت الطائرة أفقياً تمكنت على وجل من التقاط صور طبغرافية للأرض التي تشبه رؤوس السكاكين والمناجل حيث الجبال البركانية التي جفت لتوها بعد اندلاقها من الشمس أو كوكب مرجلي آخر، لا سيما اتخاذها ألوان زرقاء وخضراء، ولم تبارحني آية الجدد والغرابيب القرآنية طول الرحلة التي استغرقت ساعتين بثمن سبعة عشرة دنانير لاغير.

كل هذه الرحلة ولم تبرز أي كومة رمال وإنما الجماهيرية على سعة كرشها محشوة بالسلاسل والحجارة المزركشة وأدوات النجارة، الطائرة في سباحتها كأنها تسير على الطريق الصيفي الترابي بين مدينة الجبلين والرنك أو بين سنار والسوكي بعد موسم الخريف حيث حركة اهتزاز متواصل تكاد تسقط كامل طقم الأسنان الاصطناعية للعواجيز، حتى إذا جالت الطائرة عدة جولات غير موفقة فوق مدينة سبها، انقضت كالسهم على المطار وعم الصمت داخل الطائرة لمدة خمس دقائق ثم بعد أن تيقن المسافرون أنهم التصقوا بأمهم الأرض، علا المكان بالتصفيق المحموم لدرجة اختلطت فرحة النجاة بنجاح الطيار، خرجنا من جميع الفتحات كأنه يوم الحشر لا نلوي على شئ غير النجاة بأرواحنا، يا لرعديدية الإنسان!

مدينة سبها معظم طرقها دائرية ومن هنا تختلف أضلاع الاتجاهات، لم أجد بداً من نسيان أن بوصلتي النظرية التي حملتها من السودان والتي تقول أن جريان النيل يحدد القطبين المغناطيسيين للأرض وأن شروق الشمس وغروبها يحددان الغرب الجغرافي من الشرق الجغرافي والقبلتي وأنها بوصلة ضيقة الأفق وتمتاز بالمحلية الساذجة، ومنذئذ تهت في خضم الاتجاهات حتى كتابة سطوري هذه!

ذهبت إلى حي المنشية حيث موقف السيارات الذاهبة إلى ما وراء الصحراء، وقد ألزمنا صاحب الشاحنة المرسيدس أن نعد أنفسنا بعمامة شاكلة عمامة الطوارق ونظارة تشبه نظارات كارلوس وقارورة ماء وأطعمة جافة، وقد نصحني أخي المسرحي سوزي قبلاً عند السفر أن لابد لي من التزود بعدد لا بأس به من فحول البصل الدامع حتى أمنح جسدي بعضاً من تطعيم في التسفار من إقليم لآخر،

مكثنا ثلة المسافرين أسبوعين قبل أن يدور محرك الشاحنة المتجهة إلى القطرون الحدودية ومن ثم حدود ليبيا بالنيجر، وهنا انصرمت تأشيرتي ذات الأسبوعين وستين ديناراً وثلاثة أيام ترجماناً في عمق ليبيا قبل أن أصل إلى النيجر! ومن جراء الانتظار المميت تم التعارف بين المسافرين وامتدت حبائل المعرفة، و لم يجدوا لي لقباً غير لقب (ولضم درمان) ولد أم درمان بينما مساعد الشاحنة أطلقوا عليه ول مندو ومندو مدينة حدودية صغيرة بين تشاد والكميرون، ذكر ود مندو أن بها داراً للسنما يمتلكها أحد السودانيين، قلت في نفسي لله في السودانيين شؤون في بقاع المعمورة!

ثمانون راكباً يمسحون سطح الشاحنة وكأننا وسوق بالأماعز يرتمينا، أما حواف الشاحنة مغمورة بالكامل بصفائح المياه البلاستيكية وزكائب الجوالات المكدسة، يمكنك من على البعد أن ترى كومة من الجوالات و صفائح المياه المتحركة ولكنك لا تبين أي سيارة، نهبت بنا الشاحنة مقدار ساعتين أو ثلاث لنصل إلى القطرون وذلك بفضل الله ومن ثم الطريق المعبد، أما ونحن نبرح القطرون لابد لنا من الاستعانة بخبير طرق وقد لازمنا أحد خبراء الجيولوجيا وعلوم الفلك الشفاهية من قبائل التيبو وحتى حدود النيجر، ظل الخبير طول الرحلة يحدق في النجوم إذ اتضح أن خارطته الوحيدة التي يعتمد عليها مثبتة في السماء ذات الحبك.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-05-2009, 07:21 AM   #[14]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي



(06)

من مشارف القطرون بدأت طبوغرافية الأرض في التغير، فقد انتشرت تلال الرمل على حياء بدلاً من الجبال والجدد، كما انقطع الطريق المعبد عند القطرون، القطرون التي ورد ذكرها في كتاب الجغرافية للصف الخامس( جغرافية السودان ومصر وليبيا ) وصنوها النطرون والواحات الدخلة والخارجية، مررنا على بعض القرى ذات الأسماء العجمية من أمقيقيمي وغيرها، كما بدأ استخدام معاول (الصاجات) لنقل العربة إلى الأمام، من صاج إلى صاج ومن تنفيس الإطارات إلى نفخها مرة ثانية حسب طبيعة الأرض. أما سحنات السكان الأصليين فقد تغيرت بالكاد إلى السواد الليبي، وقد التوى لسان المسافرين الذين كانوا لا يجيدون إلا اللغة العربية بنكهة اللكنة الليبية، تغير تماماً بعد خط مية غرب إلى لغات أفريقية صرفة ونحن لم نبرح أرض ليبيا بعد، خلتها خليط من الأمازيغية ولغة التيبو والهوسا وما تيسر.

تتوقف الشاحنة لتلتقط أنفاسها ويقضي المسافرون بعضاً من حاجاتهم ، يلتقي بي بعض الصحبة وهم يحملون مذياع ترنسستر بستة أحجار ويزفون لي نبأ تولي رئيس أمريكي جديد سدة العالم، ثم يطلبون معرفة رأيي باعتبار أن السودانيين محللون جيدون للأخبار والمتابعة العالمية! وكانت حجتهم أن الراعي السوداني يعرف ما يدور في أروقة البيت الأبيض!!

حتى إذا أدركنا حدود ليبيا عند نقطة الجوازات نحى السائق الشاحنة جانباً وطلب من المسافرين النزول بأوراقهم السفرية، نزلنا في صفوف منتظمة وبعد مرورنا على الجوازات تعرفت على الضابط علي الرحومة الليبي الذي التقيته وتعرفت عليه عند زيارته لأحد أقاربه في رأس لانوف التي يبدو ستلاحقني غير ما يسير، وقد تعجب من تركي التدريس وتجوالي في الآفاق.

بعدئذن سلكت بنا الشاحنة أرضاً ثابتة تجاه الشرق وبعد عدة كيلومترات كنا على موعد مع الجوازات النيجرية، رأينا جنوداً يلبسون الأردية والمايوهات بلون الكاكي ويمتشقون أسلحتهم بينما سارية العلم ترفرف في السماء والجميع في حالة تحية للعلم صباحاً بمناسبة ذكرى استقلال النيجر من فرنسا.

نزلنا على عجل وانتظمنا في سلك تحية العلم والاستقلال، بعدها أمر سائق الشاحنة عماله بإنزال جوالات الأرز وصناديق الصلصة وعلب التونا ورصها في مخازن العساكر، تهللت أسارير الجنود بالبشر والفرحة لوصول المؤونة والرفد من ليبيا، ثم عجلوا بتخليص ما علينا من دخول ودفع المعلوم، ورغم خوفي الشديد من انقضاء تأشيرتي إلا أني لم أواجه أي عكننة تذكر.

لم يمض على مسيرتنا إلا سويعات قلائل ونحن نبرح نقطة جوازات النيجر حتى تبدى لنا بحر الصحراء الشاسع الذي لا تكدر صفاء صفرته أي لون آخر. أمضينا الحال هكذا لعدة أيام بلياليها نسير ليلاً ونهجع نهاراً تحت ظل الشاحنة، لا نرى بشراً ولا حجراً ولا حيوان ولا نبات! سلاسل الصحراء تأخذ تشكيلات مختلفة ومتقلبة، فطوراً تتبدى الرمال على هيئة فتاة عارية مستلقية على بطنها مبرزة مؤخرتها، وطوراً تتجسم الرمال سيفاً صقيلاً خارج غمده، ولأول مرة أكحل عيني بجبال شاهقة معجونة من الرمال. ههنا بقايا جراد نافق تتطاير أجسامه مثل ريشه تماماً، يبدو أنه في رحلته الأبدية من مصوع وإلى تمبكتو فقد الغطاء النباتي الذي يرفده بالطاقة فلقي حتفه، يا لغباء زعيم الجراد! كثيراً ما تودي به بوصلته المستقيمة إلى حتفه.

جاءني ذات مرة، ونحن في قيلولتنا أحد الليبيين الذين تحول بفعل الصحراء الكبرى إلى تشادي قح! طالباً حاجة له:
ولضم أم درمان أخوي كي أعطيني لي صابون؟
وعندما استخرجت له الصابون ، رد نافياً!
بدور لي صابون أسنان؟
فناولته مطلبه، بعدها أراني قطعة فحم سوداء ، وقال إن قطعة الحجر تلك هي الصيدلية الصحراوية بعينها!
فهي العلاج الشافي لسم العقارب والثعابين، بأن توضع على موضع الإصابة فتمتص السم في ثوان، ومن ثم يعاد غسلها بوضعها في الحليب فترتد نظيفة لاستعمالها كرة بعد كرة.



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-05-2009, 03:21 PM   #[15]
آدم صيام
:: كــاتب نشــط::
الصورة الرمزية آدم صيام
 
افتراضي

(7)


ذات يوم ونحن إذ نسير في الصحراء، لا ماء ولا شجر على رأي الشاعر الحطيئة، يشير إلينا دليلنا الصحراوي إلى بقعة في الصحراء لايميزها شيئ عن باقي الفجاج غير لونها الماحل ونعومة رمالها.
يقول دليلنا : هذه أخطر مكان في الصحراء!
كيف ذلك ونحن طول رحلتنا هذه لم نر في الصحراء حتى ظلالاً لأي شيئ من أغوال تبعث على الخوف فأين تكمن خطورتها؟
قال إنها الدوامة! ما إن تطأها كتلة ذات وزن وإلا ابتلعتها، وعندما اندهش الجميع من هذه النبوءة، أوقف سائق الشاحنة شاحنته، وتقدم الدليل يحمل إطاراً بالياً فالقاه ناحية الدوامة.
يا إلهـــــي!
بدأ الإطار التالف يغوص شيئاً فشيئاً إلى أسفل تلك الساعة الرملية حتى تلاشى كليةً ثم أعدلت تلك الدوامة من ثوبها ورجعت سيرتها الأولى.
كثير من المسافرين عبر الصحراء لا يقرؤون كتاب الصحراء جيداً فيكتنف أخبارهم الاختفاء الأبدي.

قضينا يومين والمسافرون يتحدثون عن بئر وواحة سنكحل بها أعيننا، كانت هي أمل الصحراء المرتجى والهدف المبتغى في عالم صمدي لا نصدق وجود كائنات حية خارج شاحنتنا التي تسمى سفينة الصحراء. بعد مسيرة ليلة بنهارها تبدت لنا على استحياء كتلة جبلية قميئة في الأفق، وفي نهار اليوم التالي أدركنا كنهها، جبل مهول ترقد تحته بيوت متلاصقة مبنية من رقائق ملح العطرون ومسقوفة بعرائش النخيل!
من أين أتى النخيل إلى هنا؟



آدم صيام غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

تعليقات الفيسبوك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

التصميم

Mohammed Abuagla

الساعة الآن 09:55 PM.


زوار سودانيات من تاريخ 2011/7/11
free counters

Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 2
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.