بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الاول
ماهي تجربة الاقتراب من الموت التي يسميها الغربيون ب Near Death Experience ويرمز لها اختصارا ب NDE
من الظواهر الطبية الغريبة التي حظيت في العالم الغربي بعدة دراسات منذ منتصف السبعينات، ما اصطلح على تسميته ب” تجربة الاقتراب من الموت” بالإنجليزية Near Death Experience و اختصارها NDE تعريف هذه الظاهرة باختصار هو: أن بعض المرضي الذين تتوقف قلوبهم عن الخفقان لدقائق – في الغالب نتيجة لسكتة قلبية – عندما يعودون للوعي فإن بعضهم يحكي عن وقائع غريبة حصلت لهم في عالم غير عالمنا هذا، و ذلك خلال الفترة التي سجلت فيها الاجهزة الطبية توقف قلوبهم و أدمغتهم عن الحياة.
هنالك قاسم مشترك في كثير من الوقائع التي يرويها اللذين مروا بتلك التجربة بغض النظر عن جنسياتهم أو خلفياتهم الدينية أو التعليمية أو الثقافية. استمعت إلي مئات الفيديوهات أغلبها باللغة الانجليزية و قرأت عشرات الكتب باللغة الانجليزية، واستمعت لعشرات المحاضرات و المقابلات حول هذا الموضوع، وخلاصة كل ما تعلمته هو أن معظم من مروا بتلك التجربة و كان منهم ملاحدة، مسيحيين بروتستانت، مسيحيين كاثوليك، يهود، مسلمين شيعة و مسلمين سنة و هندوس (للأسف حتي الآن لم أستمع ل أو أقرأ عن تجارب بوذيين). يتفق معظمهم في القواسم المشتركة التالية عند وصف كل منهم لتجربته:
• شعور المريض بانه قد أنفصل عن جسده. حيث ينظر لجسده المسجى من مكان أعلى. في البدء لا يعرف المريض أن الجسد الذي ينظر اليه من أعلي هو جسده، ولكنه عندما يصل لهذه القناعة يصاب بالدهشة إذ أن ذاته الواعية هي التي تراوح التحليق تحت سقف الغرفة بينما جسده يرقد في سرير المستشفى. ومن أعلي يري ويسمع الاطباء الذين يلتفون حول الجسد. يشعر المريض بانه قد مات، ولكنه يندهش لتوقد ذهنه ووعيه الشديد بما حوله ووضوح الرؤيا لديه لدرجة تفوق ما كان عليه خلال حياته.
• مروره بعد ذلك بنفق نوراني ضيق. يقول أغلبهم أنهم كانوا يتحركون داخل ذلك النفق بسرعة هائلة. بعضهم كان وحيدا في مشواره داخل النفق، بعضهم قال إن كائنا ما لا يعرفه كان برفقته، وبعضهم قال إن أحد أقربائه الميتين رافقه في رحلته تلك. فيهم من أبصر نورا صغيرا في نهاية النفق، كان حجم النور يتزايد بالتدريج حتى غمر كل المكان الذي وصلوا له في نهاية النفق. هناك شاهدوا وتواصلوا مع بعض من مات من أقاربهم ومع كائن أو كائنات نورانية. ذلك الكائن أو تلك الكائنات النورانية لاتخبر الشخص من هي، لذا فمعظم من مروا بالتجربة بغض النظر عن جنسياتهم ولغاتهم يستعملون نفس مصطلح "الكائنات النورانية" لوصف تلك المخلوقات. ولكن هنالك عدد قليل جدا ممن مروا بالتجربة وله تعصبا لدينه او لمذهبه فهو يفسرها حسب دينه و مذهبه. فبعض المسيحيين وصفوا أحد الكائنات النورانية بأنه السيد المسيح عليه السلام، و بعض الشيعة وصفوا بعضها بالامام علي ، الحسين، الحسن رضي الله عنهم (لم يقل أغلبهم أن الكائن النوراني عرف نفسه له بأنه السيد المسيح أو الامام علي ولكن هذا تأويل من مر بالتجربة). لا أجد أي تعارض في ذلك مع الاسلام, فعيسي عليه السلام من رسل الله, والأمام علي كرم الله وجهه هو من هو, وأسيادنا الحسين و الحسن رضي الله عنهم هم من عترة خير الخلق وبعض المسلمين يعتبرونهم أئمة لهم, وقد قال المولي عز و جل عن يوم القيامة (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ), و حافة البرزخ التي و صلها المقتربون من الموت هي أول درجات القيامة.
• يقوم كائن نوراني بعرض كل أعمال المتوفي عليه، و هناك ينتفي الاحساس بالوقت حيث تعرض للمرء في شكل شريط سينمائي بانورامي – كل أعماله الدنيوية بتفاصيل شديدة الدقة. يري ويحس أثر عمله الذي يشاهده ( ان كان صالحا أو طالحا) علي الاخرين، في بعض الاحيان يصبح المقترب من الموت هو الشخص الآخر(المتلقي) الذي أساء اليه أو أحسن اليه و يشعر بشعور ذلك الشخص و تداعيات الفعل الصالح او الطالح علي المتلقي.
• يتم التاكيد و التشديد على أهمية العمل الصالح، و أن كل عمل يفعله المرء مهما كان تافها فانه يسجل و يعرض عليه.
• يتم إخبار المريض بواسطة احد اقربائه المتوفين، او بواسطة كائن نوراني بان ساعة وفاته الحقيقية لم تحن بعد، وأن له مهام في الحياة عليه أكمالها لذا فان عليه العودة لجسده. هنا يذكر كثير ممن خاضوا تلك التجربة بأنهم كانوا يقاومون العودة للحياة و يجادلون بشدة للسماح لهم بالبقاء في ذلك العالم البرزحي حيث كانوا يشعرون بسعادة لاتوصف. بعد ذلك يعاود القلب المتوقف العمل و يعود الوعي للمريض.
• ينتفي الخوف من الموت تماما عند من مروا بتلك التجربة حيث أنهم يصبحون موقنين تماما بان الموت ماهو إلا بداية لمرحلة أخري من الوجود.
• تنعدم لدي معظمهم الرغبة في الجاه و الثروة المادية و يصبح همهم مساعدة الناس.
معظم تجارب الأقتراب من الموت الموثقة حصلت في الولايات المتحدة ألأمريكية حيث أقيم منذ أكثر من أربعة عقود، و يمكن للمرء أن يختار من تلك التجارب مايشاء، إلا أنني في دراستي هذه ساكون حذرا جدا في ماهية التجارب التي سأعتمد عليها، وتلك التي سأشير اليها. فليس كل من مر بتلك التجربة كان قادرا علي وصفها بموضوعية. فبعضهم لم يكن لديه من العلم ومن الوعي مايمكنه من الفصل بين مارآه هناك وبين ماكان يؤمن به قبل التجربة. بعضهم لم يكن لديه حس علمي يمكنه من عدم محاولة قولبة مارآه في القوالب الجاهزة التي يؤمن بها قبل مروره بتجربته، حتي و لو أفترضنا حسن النية فيه. أيضا فان هذا الحقل مليئ بالمهوسين و بالوضاعين و المدعين ومن يحاولولون إستخدام تجارب الأقتراب من الموت لخدمة أهدافهم الدينية أو المذهبية.
|