سوريا: إلى أين؟
معتصم الحارث الضوّي
10 نوفمبر 2011
بعد أن ضربت الحكومة السورية بالمبادرة العربية عرض الحائط، وظنت أنها ستشتري المزيد من الوقت، انقلب السحر على الساحر، إذ تصاعد سقف المطالبات الشعبية من إسقاط النظام إلى إعدام الرئيس!
هذا التصعيد يأتي -في رأيي المتواضع- رد فعل طبيعي لإدمان النظام السوري واستمرائه الولوغ في سفك دماء المتظاهرين الأبرياء، وتطبيق حلول أمنية تجتث أبسط حقوق المواطن السوري البسيط، والذي يتظاهر لمطالب مشروعة؛ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتفعيل دولة القانون والمؤسسات، وإنهاء الفساد المستشري في أرجاء الدولة، وصياغة هيكل سياسي مستحدث يواكب العصر، وغيرها من مطالب مشروعة.
الغريب في الأمر أن الحكومة السورية ادّعت وتدّعي منذ ما ينيف على عشر سنوات أنها تنوي إجراء إصلاحات ديمقراطية!
إذن، أين المشكلة؟
إذا كان الجميع في سوريا يؤمن بضرورة إجراء إصلاحات جذرية، فلماذا التسويف من جانب الحكومة، ولماذا لم تستجب لكل النصائح الحادبة التي قدمتها حكومات كانت علاقاتها -حتى قريب- ممتازة معها، وأعني بها الحكومات الروسية والتركية والإيرانية والصينية.
ما الذي يعوّل عليه النظام السوري؟
هل كان النظام يظن أن موافقته "الشفهية" دون العملية على المبادرة العربية ستنقذ الملف السوري من النقل إلى أروقة مجلس الأمن، والذي يعلم الجميع لن يرحمه، ولن يرحم الشعب السوري؟
أم أنه كان يعوّل على القضاء على الانتفاضة الشعبية خلال أيام وجيزة؟ أليس هذا مخاتلة، خاصة وأنه لم يتمكن من إخماد شعلة الانتفاضة خلال الثمانية أشهر الماضية!
أم أنه يعوّل على حق النقض الذي قد تلجأ إلى استخدامه روسيا والصين، وربما بعض الدول الأخرى في مجلس الأمن، ضد أي مقترح من جانب الدول الغربية باستخدام أي من وسائل القوة لإجباره على الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية التي صادق عليها، و/أو على المبادرة العربية التي ماتت- حسب ما قاله وزير الخارجية الفرنسي آلن جوبيه.
الموقف قاتم للغاية، خاصة في ظل التسريبات التي خرجت إلى الملأ اليوم بأن دول الخليج ستقترح في اجتماع اللجنة الوزارية العربية الذي سيُعقد بعد غد السبت تطبيق عقوبات جديدة صارمة على النظام السوري، وكذلك التسريبات بأن بعض الدول الأخرى ترى الركون إلى تمديد المهلة الممنوحة للنظام السوري، أو إجراء تعديل جديد على المبادرة العربية، علّ النظام السوري يستجيب ولعل!
الشيء الوحيد المؤكد في هذه الأزمة الطاحنة، والتي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك مدى قصر النظر السياسي لدى الحكومة السورية، وسعيها المحموم إلى ممارسة انتحار يُفضي بها إلى مزبلة التاريخ، وهذا من حقها بالطبع إذا ما هي شاءت، ولكن ليس من حقها، وأيضا بالطبع، أن تصطحب سوريا قلب العروبة والشعب السوري الأبيّ معها في تلك الرحلة ذات الاتجاه الواحد.
بطالةٌ تجعل الخريج السوري ينتظر أربعة سنوات للالتحاق بوظيفة حكومية، وزيادة بنسبة خمسين بالمئة ما بين 1991 و 2008 في عدد السكان، وقطاع زراعي متدهور بسبب تراكمات الإهمال والفساد وسوء التخطيط والإدارة، وقطاع سياحي تضاءل مدخوله بنسبة تصل إلى سبعين بالمئة منذ بدء الأحداث، وعلاقات سيئة مع كل دول الجوار، ونظام تركي كان حليفا وأضحى الآن عدوا لدودا، والكيان الصهيوني بالمرصاد، وإيران تضع إصبعها القذر في كل كعكة، وحزب الله حائر ماذا يصنع، وخاصة بعد الهزات التي تعرضت لها سمعته بعد محاولات التدخل في مصر، وعرب الخليج يطالبون بعقوبات مشددة، والجامعة العربية لا حول لها ولا قوة، وقوى دولية كبرى تناصب النظام السوري العداء، وتشحذ أنيابها التي تتقطر دما للانقضاض على سوريا، وتمزيق شعبها إربا إربا.
موقف لا يُحسد عليه نظام سياسي، ولا بوادر مبشرة في ظل العمى الرسمي في نظام تحجرت مفاصله، وتلخلخت دعائمه.
كان الله في عون سوريا وشعبها المقدام.