اعشق هذا الوقت من اليوم .. عندما تتسلل تلك الخيوط الذهبية
من الضوء عبر نافذتي .. لذا كانت (جانيت) تحرص على إزاحة
الستائر البيضاء كلما عرجت علي صباحا .. فلقد أخبرتها عن
مدى ولهي بمنظر ذلك الزائر القادم من مسافات خيالية
والذي تتقرر مواعيد زيارته وفق أحوال الطقس ..
هكذا كنت أملأ أوقاتي بتفاصيل قد تبدو تافهة لأي كان
لكنها قيمة جدا بالنسبة لشخص في مثل وضعي
أليس غريب أن تتبدل قيمة الأشياء عندما تختلف الزاوية التي
نتخذها للرؤية ؟!..
ولا أحد طبيعي قادر على استعادة طعم الدهشة الأولى
بالأشياء زمن الطفولة واكتشاف العالم بكل الحواس
وبما أني أبعد ما يكون عن وصف (طبيعي ) فدهشتي
كانت بطعم الأولى لكنها وللأسف قد تكون الأخيرة
_سيدتي الصغيرة كيف أنت اليوم؟
كذلك كنت أحب وجه (جيمي) النحيل وابتسامته الكبيرة
يلوح في خيالي أحيانا في ثياب مختلفة .. فضفاضة بيضاء
يعتمر طاقية ناصعة يقدم الحلوى المجانية للأطفال ويقف
بائعا في دكان مغبر صغير.. يَتَحَلّق على ضوء مصباحه
الشباب يتسامرون ليلا ويضحكون
_صباح الخير جيمي
_انه وقت التمرين هل أنت مستعدة
_نعم
يقترب يكشف عني الغطاء ثم يخرج من جيب معطفه الأبيض
زجاجة زيت يضع بعض منه على كفيه ,, يفركهما ,, ثم يبدأ في
تدليك ما تبقى من عضلات في ساقيَّ الواهنتين
_جيمي ..؟!
_نعم سيدتي الصغيرة
_هل تعلم إذا حضر احد لزيارتي البارحة؟.. أظن أني غفوت عفوا في وقت الزيارة
يتوقف عن التدليك يرفع بصره ,, ينظر عميقا في عيني .. ثم يقول
_ ربما ..لست متأكدا
ككل مرة أسأله ذات السؤال ويجيب نفس الإجابة
..أبتسم بحزن يتدارك مغيرا مجرى الحديث
_ ما رأيك أن احكي لك قصة
اشعر ببعض الإحباط لكنني أوافق على أي حال فقد كنت اعرف
إجابة سؤالي مسبقا
_حسنا ومن الأفضل أن تكون قصة جيدة
تعود ابتسامته الواسعة لتضيء وجهه ويقول
_بالتأكيد هي قصة جيدة .. أنها قصة (أرنستينا) زوجتي الأولى
حسنا لقد ذكر عنها شيئا يوم ما .. شيء مثير للاهتمام
لكنه أحجم عن إخباري بالقصة كاملة .. يبدو أنني سأعرفها أخيرا
_قلت لي أنها لم تكن امرأة طبيعية
أقول محرضة إياه على مواصله الحديث
_لا لا .. لم تكن كذلك .. لكنني لم أكن اعلم .. وأحببتها حب عظيما
يسرح قليلا وكأنه ينقب في ذكرياته ثم يتابع
_لقد تعرفنا في السنة الأولى في الكلية ثم توجهت هي لدراسة التمريض
واخترت أنا العلاج الفيزيائي.. كانت امرأة ساحرة الجمال
لها عينان.. كنافذتين تطلان على حدائق
يانعة الخضرة ..
ووقع كل من رآها في غرامها
لكنها اختارتني من بين الجميع .. كانت تقول أنها تحب ابتسامتي
.. لا اعرف حقا أن كان ذلك هو السبب لكنها على كل حال
تقدمت بطلب الزواج مني بعد فترة قصيرة من خروجنا سويا
ضحكت قائلة
_هي التي فعلت؟ ..وماذا قلت أنت ؟
_فرحت طبعا .. ولم اصدق .. وتزوجنا
صمت للحظات .. فكرت فيها وأنا انظر إلى وجهه الباسم
أنها لابد محقة بشان ابتسامته ..ربما كانت تريد ان
تستيقظ في ما تبقى من عمرها على ضوء ابتسامة
مشرقة كابتسامة جيمي ..
ضحكت مرة أخرى وأنا أتناول تلك الخاطرة فاتسعت ابتسامته
وقال
_لن تصدقي ماذا اكتشفت بعد ذلك
_جربني
_ارنيستينا الساحرة لم تكن امرأة عادية .. بل لم تكن بشرا
مثلنا
_...
_نعم نعم اعرف انك لن تصدقيني لكنني رأيتها بأم عيني
تخرج ليلا بعد أن تأكدت تماما من أنني نمت
وتتحول إلى بومة بيضاء كبيره تحلق في السماء وتتغذى
على الفئران..!!
أصبت بنوبة من الضحك برغم وهني فشاركني مبتهجا قلت له هازئة
_كان عليك أن تختار شيئا أجمل من البومة .. لقد أفسدت
القصة ..!
_لكنها الحقيقة ..
_حسنا لا بأس .. سأسايرك وأسألك ماذا فعلت بعد ان
اكتشفت حقيقتها
_وماذا تتوقعين..؟! لقد جمعت أغراضي فورا وهربت من البيت
ووكلت محامي بارع ليطلقني منها
_الم تكن تحبها؟؟
_بلى كنت أحبها عندما كنت اعتقد أنها امرأة طبيعيه ..
ومن المنطقي أن اعدل عن ذلك بعد أن اكتشفت أنها بومة.!
هل سمعت برجل واقع في غرام بومة؟
ضحكنا مرة أخرى وكان قد انتهى من تدليك أطرافي
فقال
_علي الذهاب الآن ومن الأفضل أن تعيدي النظر
في مسألة عدم تصديقك لقصتي فهي حقيقية تماما ..
والواقع أن ارنستينا المسكينة لم تتوقف عن حبي
ولا تزال تطاردني ويمكنك رؤيتها ليلا تراقب المكان من فوق غصن